موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي
تحميل:

سائر الكتب

  • الفكر الأصيل
  • ضَرورة العَودة إلى القرآن
  • العودة إلى نهج البلاغة
  • روح التوحيد رفض عبودية غير الله
  • دروس وعبر من حياة أمير المؤمنين (عليه السلام)
  • الامام الرضا(ع) وولاية العهد
  • عنصر الجهاد في حياة الأئمة (عليهم السلام)
  • كتاب الفن والأدب في التصور الإسلامي
  • الإمامة والولاية في الإسلام
  • المواعظ الحسنة
  • حقوق الإنسان في الإسلام
  • قيادة الإمام الصادق (عليه السلام)
    • قصة المحاضرة
    • نظرتان خاطئتان
    • النظرة الصحيحة
      سهلة الطبع  ;  PDF

       

       النظرة الصحيحة

        النظرة الثالثة: والآن نبدأ بالنظرة الثالثة بشأن الإمام الصادق، وهي نظرة يمكن ان يستنبطها كل ثاقب نظر بالرجوع الى المصادر والمراجع. وهذا الاستنباط لا يختص بزمان الإمام الصادق وحده، بل يشمل كل أئمة أهل البيت، مع الفارق في خصائص عمل كل منهم حسب ما تقتضيه ظروف الزمان والمكان، وهذا الاختلاف في الخصائص لا يتنافى مع وحدة روح العمل المشترك وحقيقته ومع وحدة الهدف والمسير.
      من أجل أن نفهم طبيعة المسيرة العامة لحياة الأئمة، علينا أولاً أن نتبين فلسفة الإمامة. التيار الذي عرف في مدرسة أهل البيت باسم الإمامة، والذي تتكون عناصره الأصلية من أحد عشر شخصاً توالوا قرنين ونصف القرن تقريباً، إنما هو في الواقع امتداد للنبوة.
        فالنبي يبعثه الله سبحانه بمنهج جديد للحياة، وبعقيدة جديدة، وبمشروع جديد للعلاقات البشرية، وبرسالة الى الانسانية، ويطوي حياته في جهاد مستمر، وجهد متواصل، ليؤدي مهمة الرسالة الملقاة على عاتقه قدر ما يسمح له عمره المحدود.
        وعملية الدعوة يجب أن تستمر بعده؛ كي تبلغ الرسالة أعلى الدرجات المتوخاة في تحقيق الأهداف. ويجب أن يحمل أعباء المواصلة من هو أقرب الناس إلى صاحب الرسالة في جميع الأبعاد؛ كي يبلغ بالأمانة إلى محطة آمنة وقاعدة رصينة ثابتة مستمرة.
        هؤلاء هم الأئمة وأوصياء النبي. وكل الأئمة العظام وأصحاب الرسالات كان لهم أوصياء وخلفاء. ومن أجل أن نعرف مهمة الإمام، لابد أن نعرف مهمة النبي. والمهمة يبيّنها القرآن الكريم إذ يقول: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط}.     
         هذه إحدى الآيات التي تبين علّة النبوة، وتبين من جهة أخرى مهمة الأنبياء. فالأنبياء ابتعثوا لبناء مجتمع جديد، ولاقتلاع جذور الفساد، ولإعلان ثورة على جاهلية زمانهم، وقلب مجتمعاتهم. وعملية التغيير هذه يعبّر عنها الإمام علي (عليه السلام) في مطلع استلام مهام حكومته بقوله: «..حتى يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلكم..».
        إنها عملية صناعة مجتمع على أساس التوحيد والعدل الاجتماعي وتكريم الإنسان، وتحريره، وتحقيق المساواة الحقوقية والقانونية بين المجموعات والأفراد، ورفض الاستغلال والاستبداد والاحتكار، وإفساح المجال للطاقات والكفاءات الإنسانية، وتشجيع التعلّم والتعليم والفكر والتفكير.. إنها عملية إقامة مجتمع تنمو فيه كل عوامل سموّ الإنسان في جميع الأبعاد الأساسية، ويندفع الكائن البشري فيه باتجاه مسيرته التكاملية على ساحة التاريخ.
        هذه هي المهمة التي بعث الله الأنبياء من أجلها، ونستنتج من ذلك أن الإمامة، باعتبارها امتداد لمهام النبوة، تتحمل نفس هذه الأبعاد. لو أن رسوله الله (صلّى الله عليه وآله) عاش 250 عاماً، فماذا كان يفعل يا ترى، وكيف كان يتحرك على طريق الدعوة؟ نفس هذه العملية نهض بها الأئمة. هدف الإمامة هو نفس هدف النبوة، والطريق هو الطريق، أي إيجاد مجتمع إسلامي عادل، والسعي لصيانة مسيرته الصحيحة.
        مقتضيات الزمان مختلفة طبعاً، وبنفس النسبة يختلف التكتيك والاسلوب. النبي (صلّى الله عليه وآله) نفسه كان يعمل في بداية الدعوة باسلوب يختلف عن اسلوبه حين قطع شوطاً من الطريق نحو تحقيق هدفه المنشود.
        حين كانت الدعوة في بداية الطريق، وكانت محفوفة بألوان التهديدات والتحديات تطلّب الأمر تدبيراً خاصاً لمواصلة حمل الرسالة، وحين ترسّخت قواعد النظام الإسلامي، وضرب الإسلام بجرانه في الجزيرة العربية اختلف التدبير والاسلوب.. والثابت والباقي هو الهدف الأسمى الذي أنزلت الرسالة من اجله.. وهو السعي لإيجاد مجتمع يستطيع الإنسان فيه أن يطوي مسيرته التكاملية في جميع الأبعاد، وأن تتفجر فيه الطاقات الخيّرة والقوى الكامنة الإنسانية، ومن ثم صيانة هذا المجتمع ونظامه الإسلامي.
        كان أئمة الشيعة يتجهون ــ كالنبي ــ نحو هذا الهدف نفسه، نحو إقامة نظام عادل إسلامي بنفس الخصائص وعلى نفس المسير. وفي حالة قيام هذا النظام تتجه الجهود نحو صيانة مسيرته واستمرارها.
        ما الذي تتطلبه إقامة نظام اجتماعي أو مواصلة مسيرة هذا النظام؟ تتطلب أولاً ايديولوجية موجهّة وهادية ينبثق عنها ذلك النظام وتصوغه بصياغتها. ثم تحتاج ثانياً إلى قوة تنفيذية تستطيع أن تشق الطريق وسط الصعاب والمشاكل والعقبات نحو تحقيق الهدف. نعرف أن ايديولوجية الأئمة هي الإسلام. والإسلام رسالة البشرية الخالدة.. رسالة تحمل في مضمونها عناصر بقائها وخلودها.
        وبملاحظة هذه الأمور، نستطيع بسهولة أن نفهم المنهج العام لأئمة أهل البيت وأوصياء النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله).
        هذا المنهج ذو جانبين متلازمين: الأول يرتبط بالعقيدة، والثاني بتوفير القدرة التنفيذية والاجتماعية. ففي الجانب الأول تتجه جهودهم وهممهم إلى نشر مفاهيم الرسالة وبلورتها وترسيخها، والكشف عن الانحرافات التي تصدر عن المغرضين والمنحرفين، وبيان الأطروحة الإسلامية لما يستجدّ من أمور، وإحياء ما اندثر من معالم الرسالة بسبب اصطدامها مع مصالح ذوي القدرة والنفوذ، وتوضيح ما خفي على الأذهان العاديّة من كتاب الله عزيز وسنّة نبيّه.. فمهمة الجانب الأول تتلخص إذن بصيانة الرسالة الإسلامية حيّة بنّاءة متحركة على مرّ الأجيال.
        وفي الجانب الثاني، كانوا يسعون، وفقاً لما تقتضيه الظروف السياسية والاجتماعية والعالمية في المجتمع الإسلامي، الى إعداد المقدمات اللازمة لاستلام زمام قيادة الحكم في المجتمع بأنفسهم بشكل عاجل، او التمهيد لكي يستلمها على المدى البعيد من يواصل مسيرتهم في المستقبل.
        هذا موجز هدف حياة الأئمة الأطهار، وهذه هي الخطوط العامة لأهدافهم. من أجلها عاشوا، ومن أجلها استشهدوا.
        واذا كان ما وصلنا من تاريخ حياة الأئمة لا يثبت ما ذهبنا اليه، فإن عقيدتنا في الأئمة كافية لأن تصور حياتهم بهذا المنظار لا غير، فما بالك اذا كان التاريخ يشهد بما يقنع كل باحث أن حياة أئمة آل البيت كانت في هذا الاتجاه!

       

    • مراحل مسيرة الإمامة
    • موقف الإمام السجاد (عليه السلام)
    • حياة الإمام الباقر (عليه السلام)
    • قيادة الإمام الصادق (عليه السلام)
    • معالم حياة الإمام الصادق (عليه السلام)
700 /