موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي
تحميل:

سائر الكتب

  • الفكر الأصيل
  • ضَرورة العَودة إلى القرآن
  • العودة إلى نهج البلاغة
  • روح التوحيد رفض عبودية غير الله
  • دروس وعبر من حياة أمير المؤمنين (عليه السلام)
  • الامام الرضا(ع) وولاية العهد
  • عنصر الجهاد في حياة الأئمة (عليهم السلام)
  • كتاب الفن والأدب في التصور الإسلامي
  • الإمامة والولاية في الإسلام
  • المواعظ الحسنة
  • حقوق الإنسان في الإسلام
  • قيادة الإمام الصادق (عليه السلام)
    • قصة المحاضرة
    • نظرتان خاطئتان
      سهلة الطبع  ;  PDF

       

      نظرتان خاطئتان

        الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ومن اهتدى بهداه.
        ثمة نظرتان خاطئتان بشأن الإمام الصادق (عليه السلام)، ناشئتان عن لونين من التفكير؛ ومن الغريب أنهما على اختلافهما تتقاربان في الشكل والمحتوى والمنشأ، بل يمكن القول إن النظرتين تشتركان في بعض المحاور اشتراكاً تاماً:
        النظرة الأولى: نظرة مدافعة يبديها أولئك الذين يخالون أنهم من أتباع الإمام ومواليه.. إنها نظرة شيعة الإمام الصادق (عليه السلام) بالقول، لا بالعمل، وتتلخص بما يلي:
        إن الإمام الصادق (عليه السلام) توفرت له ظروف لم تتوفر لإمام من قبله ولا من بعده، استطاع أن يستغلها لنشر أحكام الدين، وأن يفتح أبواب مجلسه لطلاب العلم. جلس في بيته، وفتح صدره للمراجعين، وتصدى للتدريس ونشر المعارف، وارتوى كل من قصده من طلاب العلم وناشدي الحقيقة. اشترك في مجلس درسه أربعة آلاف تلميذ، وعن طريق هؤلاء التلاميذ انتشرت علوم الإمام الصادق، منها العلوم الدينية: كالفقه والحديث والتفسير، ومنها العلوم الانسانية: كالتاريخ والأخلاق وعلم الاجتماع.
        وتصدى الإمام لمناقشة المنتمين الى الأفكار الدخيلة، والردّ على الزنادقة والماديين والملحدين، مباشرة او عن طريق تلاميذه، وقارع أصحاب النحل المنحرفة بقوة. ولكل مجال من مجالات الدين، ربّى كوكبة من الطلبة والمتخصصين.
        ويقول أصحاب هذه النظرة أيضاً: إن الإمام ــ وحرصاً على استمرار هذا المشروع العلمي ــ اضطر الى عدم التدخل في السياسة، فلم يّقدم على أي عمل سياسي، بل وأكثر من ذلك فإنه سلك طريقاً يتماشى مع سياسة خلفاء زمانه لاسترضائهم، ولاستبعاد أية شبهة يمكن أن تحوم حول نشاطه. لذلك لم يجابههم، ومنع ايضاً أن يجابههم أحد. وقد تستلزم الظروف أن يذهب اليهم وينال جائزتهم وحظوتهم، وإن حدث أن أساء الحاكم به الظن ــ نتيجة حدوث حركة ثورية أو تهمة لفّقها نمّام ــ يتجه الإمام (عليه السلام) الى استمالة الحاكم ومجاملته.
         ويورد أصحاب هذه النظرة شواهد تاريخية، من ذلك رواية ربيع الحاجب وأمثالها، التي تصور الإمام في مجلس المنصور وهو يبدي الاعتراف بالتقصير واعلان الندم، وتنقل عن الإمام عبارات مدح وثناء يبديها تجاه الخليفة المنصور، مما لا يشك الانسان في كذب صدورها عن الإمام الصادق (عليه السلام) تجاه طاغية كالمنصور. هذه العبارات تصور المنصور بأنه كيوسف وسليمان وأيوب، وتطلب منه أن يصبر على ما يرى من إساءات الإمام او إساءات بني الحسن: (إن سليمان أعطى فشكر، وإن أيوب ابتلي فصبر، وإن يوسف ظلم فغفر، وأنت من ذلك السنخ..).
        هذه نظرة تصور الإمام عالما، باحثاً، وأستاذاً كبيراً انتهل من بحر علمه أبو حنيفة ومالك و... لكنه كان بعيداً كل البعد عن كل مقاومة لعدوان السلطة على الدين، وعن كل ما تتطلبه مهمة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر أمام السلطان الجائر.. كان بعيداً كل البعد عن الثوار من أمثال: زيد بن علي ومحمد بن عبد الله والحسين بن علي شهيد الفخ، بل عن الجنود المقاتلين من هؤلاء الثوار، ولم يكن يبدي أي رد فعل تجاه ما يحل بالمجتمع الإسلامي، ولا يكترث بما كان يكتنزه المنصور من أموال طائلة، ولا بما كان يعاني منه أبناء رسول الله في جبال طبرستان ومازندران وفي رساتيق العراق وايران من جوع، بحيث لا يجدون ما يسد رمقهم، ولا ما يسترهم اذا أرادوا الصلاة جماعة. ولا يهتم بما كان يتعارض له أتباعه من قتل وتعذيب وتشريد وهم صفر اليدين من كل متاع يتنعم به الأفراد العاديون من أبناء المجتمع آنذاك!!
        في ظن أصحاب هذه النظرة أن الإمام الصادق لم يبدِ أية حساسية تجاه هذا الوضع، بل كان قانعاً بأن يأتيه من مثل ابن أبي العوجاء، فيقارعه بالحجج والبراهين ويغلبه، ويخرج من بيته مهزوماً.. دون أن يؤمن طبعاً.
        هذه هي صورة الإمام الصادق كما يرسمها أصحاب النظرة الأولى.
        النظرة الثانية: يحملها أولئك الذين لا يعترفون بإمامة الصادق، وهي نظرة متحاملة على الإمام ترى أنه (عليه السلام) وقف تجاه ما كان يحيق بالمجتمع من ظلم موقف عدم الاكتراث. فالمجتمع في زمانه كان يضج بالمظالم الطبقية والطغيان السياسي والسيطرة المقيتة على أموال الناس وأنفسهم وأعراضهم، واكثر من ذلك على عقولهم ونفوسهم وتفكيرهم ومشاعرهم. حتى لم تعد الأمة تتمتع بأبسط الحقوق الانسانية، بما في ذلك القدرة على الانتخاب. مقابل هذا كان الطواغيت يتلاعبون بمقدرات الناس كيف ما شاءوا، ويبنون القصور الفارهة، مثل قصر الحمراء جوار آلاف الخرائب التي تعيش فيها البؤساء من عامة الشعب.. في مثل هذا المجتمع المليء بألوان التعسف والاضطهاد يتجه الصادق الى البحث والدراسة وتربية الطلبة، ويصبّ اهتمامه على تخريج الفقهاء والمتكلمين..!!.
        إن كلا النظرتين مجحفتان، لا تقومان على أساس ولا تستندان الى دليل واقعي. غير أن النظرة الأولى أشد اجحافاً واكثر ظلماً للإمام الصادق (عليه السلام) لأنها صادرة عن لسان من يدعي أنه من شيعته وأتباعه.
        لا أريد أن أنهج هنا اسلوب البحث العلمي المتداول في الدراسات بعرض جميع النصوص الواردة عن حياة الإمام الصادق (عليه السلام) وأقارن بينها من حيث المتن والسند لأخرج بنتيجة، فذلك له مجاله في مجالس البحث العلمي.
        أريد أن أطرح هنا نظرة ثالثة مقابل تينِك النظرتين.. وأقرن هذه النظرة بأدلة مستقاة من مصادر موجودة بين أيديكم، لكي تستطيعوا ــ مثل حَكَم محايد ــ أن تتطلعوا من خلالها الى الوجه الحقيقي للإمام (عليه السلام).
        وقبل أن أدخل في صميم البحث يلزمني أن أشير الى أن كلا النظرتين لا يقومان على أساس صحيح موثوق به.
        فكما ذكرت أن النظرة الأولى تستند الى عدد من الروايات (أوضحت وضع اسنادها في الهامش). وهذه الروايات تنسجم طبعاً مع طالبي الراحة ومحبّي العافية، فيتذرعون بها باعتبارها حجة قاطعة. إنها كافية لأن تكون مبرّراً للانتهازيين من ذوي النفوس الضعيفة المهزوزة.
        فهذه الروايات تصور الإمام بأنه راح يتملق المنصور لحفظ حياته، مع أنه كان قادراً أن يحتوي الموقف باسلوب حكيم. واذا كان ذلك شأن القدوة فما بالك بالمقتدي؟
        نعتقد أن نص هذه الروايات كافٍ لإثبات زيفها. فالإمام كان قادراً على دفع شر المنصور عنه بطرق أخرى كما حدث في مواقف عديدة تنقلها روايات موثوقة، فلا دليل إذن على أن يعمد الإمام الى هذا الملق الزائف والثناء الكاذب ليضفي على المنصور خصالاً ليست فيه ومكانة لا يستحقها. فمكانة الإمامة أرفع من ذلك بكثير دون شك، وأسمى من أن تتلوث بمثل هذه المواقف المنحطة.
        ومن حيث السند، فإن تحري الدقة في الرواة يكشف لنا عن أشياء كثيرة. ففي عدد من هذه الروايات نرى الاسناد ينتهي بالربيع الحاجب. الربيع حاجب المنصور! وما أعدله من راو؟! ويظهر من المصادر أن الربيع كان أقرب الناس الى المنصور، واكثرهم زلفة لديه. استوزره المنصور سنة 153هــ (5 سنوات بعد وفاة الإمام الصادق)، أي نال رفعة في المقام.. (ولعله نال هذا الترفيع ثمناً لما نسبه للصادق (عليه السلام) من أكاذيب).
        مثل هذا الشخص الذي ثبت إخلاصه ووفاؤه لجهاز الخلافة لا يستبعد منه أن يختلق الأكاذيب، فينسب كلام الملق الى الإمام الصادق او يغيّر كلاماً حاداً قاله الإمام الى كلام تضرع والتماس. هذا ليس بغريب على هذا الحاجب، لكن الغريب أن يصدق عاقل قول أحد بطانة الخليفة بشأن عدو الخليفة، ومقولة تشيع هذا المفتري، وهي مقولة تشكل جزءً من المؤامرة الخبيثة.
        والنظرة الثانية ايضاً واهية بالدرجة نفسها وغير علمية. إنها تشبه أحكام المستشرقين المنطلقة عن غرض او جهل، ومن روح مادية محضة لا تنسجم اطلاقاً مع طبيعة الأحداث الإسلامية. ولقد شاهدنا تلك الأحكام الفجة التافهة التي تصدر عن بعض المستشرقين تجاه الإسلام وأئمة أهل البيت (عليهم السلام). كقول أحدهم عن الإمام الحسن المجتبى أنه باع الخلافة بالمال! وقضى عمره بين العطر والمرأة والترف! وقول مستشرق آخر: إن الإسلام نقل الإسلام من مرحلة الرقّية الى مرحلة الاقطاع!!
        والنظرة الثانية التي نتحدث عنها تشترك مع أقوال هؤلاء المستشرقين في السطحية والتسرع والمنطلق المادي.
        والطريف أن الوثائق التي يعتمد عليها أصحاب النظرة الثانية ليست سوى ما يلفّقه أصحاب النظرة الأولى من أحكام!!  

    • النظرة الصحيحة
    • مراحل مسيرة الإمامة
    • موقف الإمام السجاد (عليه السلام)
    • حياة الإمام الباقر (عليه السلام)
    • قيادة الإمام الصادق (عليه السلام)
    • معالم حياة الإمام الصادق (عليه السلام)
700 /