موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي
تحميل:

سائر الكتب

  • الفكر الأصيل
  • ضَرورة العَودة إلى القرآن
  • العودة إلى نهج البلاغة
    • المقدمة
    • الحكومة في نهج البلاغة
    • نظرة إلى خصائص عصر حكومة علي (عليه السلام)
    • ضرورة نشر تعاليم نهج البلاغة في العالم الإسلامي
      • ضرورة نشر تعاليم نهج البلاغة
      • أهمية قفدم نهج البلاغة
      • أهل التأويل والالتقاط
      • القرآن ونهج البلاغة
      • بيان الأمراض وعلاجها
      • حب الدنيا (الدنيوية)
        سهلة الطبع  ;  PDF

         

        حب الدنيا (الدنيوية)

        أذكر كنموذج عدة فقرات من أمراض ذلك العصر، والتي كان أمير المؤمنين "عليه السلام" بصدد معالجتها. وأحد هذه الأمراض هو حب الدنيا. في "نهج البلاغة" ما أكثر ما نجد ذم الدنيا والانخداع بها والتحذير منها ومن مخاطرها. وأحد الأقسام المهمة في نهج البلاغة هو ما يتعلق بالزهد. فلماذا كان الحديث عن الزهد؟ وما هو الواقع الذي يظهر من هذا الحديث؟ أين أصبح ذلك الزمان الذي كان رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم" يقول فيه: "الفقر فخري"، وكان أصحابه يفتخرون بأنهم لم يتلوثوا بمال الدنيا، أمثال أبي ذر وسلمان وعبدالله بن مسعود وأصحاب الصفة الذين كانوا من أشراف أمة النبي، ولم يعتنوا بالدنيا ولا بذهبها وزخارفها. وكان شرف المال لا يساوي شيئاً أمام الشرف الآخر الذي عبّر عنه رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم" قائلاً: "أشراف أمتي أصحاب الليل وحملة القرآن". ماذا حدث بعدها في المجتمع الإسلامي بحيث نجد أن نصف كلمات أمير المؤمنين "عليه السلام" تقريباً تدور حول الزهد. لماذا امتلأ "نهج البلاغة" بالزهد والترغيب به، وعلى أي شيء يدل هذا الأمر؟ نعم، إنه يدل على مرض، كان أمير المؤمنين "عليه السلام" يصف علاجه متحدّثاً بهذا المقدار عن حب الدنيا والتعلّق بها، لأن الناس قد فتنوا بها. فبعد ثلاث وعشرين سنة من وفاة رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم" أُسِرَِ الناس في الدنيا، وكان سعي أمير المؤمنين "عليه السلام" لتحريرهم منها.
        في "نهج البلاغة" عندما نصل إلى موضع ذكر الدنيا نلاحظ شيئاً بارزاً، ونشعر أنّ في كلام أمير المؤمنين هنا لهجة ولوناً آخر. لم أقدر على عدم ذكر هذا المقطع من كلماته التي تبلغ المئات من شدة جماله، "فإنَ الدنيا رَنِقٌ مَشربُها رَدعٌ مشرعُها يُونِقُ منظرُها، ويُوبِقُ مخبَرُها، غرورٌ حائِل، وضوءٌ آفِل، وظلٌ زائل، وسِنَاد مائل، حتى إذا أنِسَ نافِرُها، واطمأنّ ناكِرُها، قَمَصت بأرجلُها وقَنَصت بأحبُلِها، وأقصَدَت بأسهُمِها، وأعلقَتِ المرءَ أوهاقَ المنيَّة قائدةً له إلى ضَنْكِ المضجَعِ ووحُشَةِ المرجِع".[۱]
        فانظروا كم هو جميل هذا الكلام. إنه غير قابل للترجمة. ينبغي أن يقوم البلغاء والشعراء بدراسة كل كلمة على حدة قبل ترجمتها. وما يلفت نظر الإنسان، وما لفت نظري هو أنه عندما يتحدث عن الدنيا يقول: "غرور حائل، وضوء آفل، وظل زائل، وسناد مائل"، ثم يذكر نقطة من بعدها: "حتى إذا أَنِسَ نافرُها". فالدنيا بكل مظاهرها وخدعها تظهر لأولئك الذين كانوا قد فروا واستوحشوا منها بحيث تجعلهم بعد ذلك يأنسون بها "واطمأنَ ناكرُها" وأولئك الذين لم يكونوا مستعدين لمدّ أيديهم إليها، تراهم بعدها يشعرون بالطمأنينة إلى جانبها.
        هذا هو المرض، فأولئك الذين كانوا مع رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم" وقد تركوا أموالهم وعيالهم وأوطانهم وتجارتهم في سبيل الإسلام وهاجروا إلى المدينة مع الرسول، وطووا على الجوع والمخمصة والشدة، نراهم بعد عشرين، ثلاثين سنة من وفاة رسول "صلى الله عليه وآله وسلم" عندما يتوفون يحتاج ورثتهم إلى الفؤوس ليقسّموا الذهب الذي تركوه. هؤلاء هم مصداق قوله "عليه السلام": "حتى إذا أَنِسَ نافرَها واطمأنّ ناكرُها". فهذا أوج كلام أمير المؤمنين "عليه السلام"، وهو نموذج من كلماته "عليه السلام" في مورد الدنيا.
        ومن المواضيع الأخرى التي تكرر ذكرها في نهج البلاغة التكبر، الذي هو المحور الأساسي للخطبة "القاصعة". وبالطبع لم يرد فقط في هذه الخطبة، بل تكرر في مواضع كثيرة.
        قضية التكبر التي تعني اعتبار النفس أفضل من الآخرين، هي تلك الآفة التي أدَّت إلى تحريف الإسلام والنظام السياسي الإسلامي، وأبدلت الخلافة إلى سلطنة، وقضت تقريباً على جميع إنجازات النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" في برهة قصيرة من الزمان. ولهذا كان أمير المؤمنين "عليه السلام" يولي هذا الموضوع اهتماماً كبيراً كما نرى في "نهج البلاغة". ففي هذه الخطبة القاصعة التي تعرفونها، ما أجمل وأروع ما يبيّنه الإمام "عليه السلام" حول هذا الأمر محذراً منه بشدة. أنقل لكم الآن قسماً منه:
        "فالله الله في كِبْرِ الحَميَّة، وفخر الجاهلية، فإنه ملاقحُ الشنآن، ومنافخُ الشيطان التي خدع بها الأمم الماضية والقرون الخالية حتى أعنَقوا في حنادِس جهالته ومهاوي ضلالته ذُلُلاَ عن سِياقه، سُلُساً في قياده... ألا فالحذر الحذر من طاعة ساداتكم وكبرائكم الذين تكبروا على حَسَبهم وترفّعوا فوق نسبهم".[۲] هذا هو تحذير أمير المؤمنين "عليه السلام".
        إنه يحذر أفراد المجتمع بشدة من شيئين: الأول التكبّر والاستعلاء، والثاني من قبول هذا التوجه الخاطئ من الآخرين. فلا ينبغي أن تعتبروا أنفسكم أفضل من الآخرين، ولا ينبغي أن تتقبلوا مثل هذا التصور الخاطئ من غيركم. فأمير المؤمنين "عليه السلام" يؤكد على عدم قبول التكبّر من الآخرين، وهو "عليه السلام" لا يتكبّر ولا يقبل ذلك من أحد. فهذان ضامنان لتطبيق الأخلاق الإسلامية بين الناس وبين مسؤولي المجتمع الإسلامي.
        وهذا يحكي عن وجود هذا المرض أو هذين المرضين. وإذا أردتم المزيد من التأكد اذهبوا وطالعوا التاريخ. وأولئك الذين لهم اطّلاع على ذلك العصر يعلمون أنّ أسوأ الأمراض في ذلك الوقت أمران: الأول أنّ مجموعة من الناس كانت تعتبر نفسها أفضل من الآخرين، قريش من غير قريش، وأتباع هذه القبيلة من أتباع هذه القبيلة. وللأسف، فإننا نلاحظ أنّ هذا المرض قد انتشر بسرعة بعد وفاة رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم"، ولهذا كان أمير المؤمنين "عليه السلام" يقول: "فإنه ملاقح الشنآن..."، أي أنه محل بروز وتولد الاختلاف والنزاع، وعندما تتأملون في كلمات أمير المؤمنين ستلاحظون هذه النقاط التي ذكرت.  


        [۱] نهج البلاغة، الخطبة الغراء.
        [۲] نهج البلاغة، الخطبة القاصعة.
      • محاربة قبول التكبَر
      • أهمية الإفشاء
  • روح التوحيد رفض عبودية غير الله
  • دروس وعبر من حياة أمير المؤمنين (عليه السلام)
  • الامام الرضا(ع) وولاية العهد
  • عنصر الجهاد في حياة الأئمة (عليهم السلام)
  • كتاب الفن والأدب في التصور الإسلامي
  • الإمامة والولاية في الإسلام
  • المواعظ الحسنة
  • حقوق الإنسان في الإسلام
  • قيادة الإمام الصادق (عليه السلام)
700 /