بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد المصطفى وآله الأطيبين وصحبه المنتجبين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أرحب بكم أيها الضيوف الأعزاء، وأسأل الله العزيز والرحيم أن يبارك في هذا الجهد الجماعي، وأن يجعله شوطاً
فاعلاً على طريق حياة أفضل للمسلمين إنه سميع مجيب.
موضوع الصحوة الإسلامية الذي ستتناولونه في هذا المؤتمر
هو اليوم في رأس قائمة قضايا العالم الإسلامي والأمة الإسلامية.. إنه ظاهرة عظيمة لو بقيت سليمة وتواصلت بإذن الله لاستطاعت أن تقيم الحضارة الإسلامية في أفق ليس ببعيد للعالم الإسلامي ومن ثَمّ للبشرية جمعاء.
إنّ البارز أمام أعيننا اليوم، ولا يستطيع أي إنسان مطّلع وذي بصيرة أن ينكره هو أن الإسلام اليوم قد خرج من هامش المعادلات الاجتماعية والسياسية في العالم، واتخذ مكانة بارزة وماثلة في مركز العناصر الفاعلة لحوادث العالم، ليقدم رؤية جديدة على ساحة الحياة والسياسة والحكم والتطورات الاجتماعية. ويشكل ذلك، في عالمنا المعاصر الذي يعاني بعد هزيمة الشيوعية والليبرالية من فراغ فكري ونظري عميق، ظاهرةً ذات مغزى وأهمية بالغة.
وهذا أول أثر تركته الحوادث السياسية والثورية في شمال أفريقيا والمنطقة العربية على الصعيد العالمي، و يبشّر بدوره ببروز حقائق أكبر في المستقبل.
إنّ الصحوة الإسلامية التي يتجنب ذكرها المتحدثون باسم جبهة الاستكبار والرجعية ، بل يخافون أن يجري اسمها على ألسنتهم، هي حقيقة نرى معالمها اليوم في أرجاء العالم الإسلامي كافة. وأبرز معالمها تطلع الرأي العام وخاصة فئة الشباب إلى إحياء مجد الإسلام وعظمته، ووعيهم لحقيقة نظام الهيمنة العالمية، وانكشاف الوجه الخبيث والظالم والمستكبر لحكومات ودوائر أنشبت أظفارها الدامية لأكثر من قرنين في المشرق الإسلامي وغير
الإسلامي، وجعلت مقدرات الشعوب عرضة لنزعتها الشرسة والعدوانية نحو الهيمنة، وذلك بنقاب المدنية والحضارة.
أبعاد هذه الصحوة المباركة واسعة غاية السعة وذات امتداد رمزي، ولكن ما حققته من حاضر العطاء في بعض بلدان شمال أفريقيا من شأنه أن يجعل القلوب واثقة بمعطيات مستقبلية كبرى وهائلة. إن تحقق معاجز الوعود الإلهية يحمل دائماً معه دلالات أمل يبشّر بتحقق وعود أكبر. وما يحكيه القرآن الكريم عن الوعدين الالهيين لأم موسى هو نموذج من هذه السنة الربانية.
إذ في تلك اللحظات العسيرة، حيث صدر الأمر بإلقاء الصندوق حامل الرضيع في اليمّ، جاء الخطاب الإلهي بالوعد:(إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) إن تحقق الوعد الأول، وهو الوعد الآصغر الذي شد على قلب الأم، أصبح منطلقًا لتحقق وعد الرسالة، وهو أكبر بكثير، ويستلزم طبعًا تحمل المشاق والمجاهدة والصبر الطويل:(فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ...) هذا الوعد الحقّ هو تلك الرسالة الكبرى التي تحققت بعد سنين وغيّرت مسيرة التاريخ.
ومن النماذج الاخرى التذكير بالقدرة ال؛لهية الفائقة في قمع المهاجمين للكعبة، والذي ورد في القرآن بلسان الرسول الآعظم (ألم يجعل كيدهم في تضليل) وذلك لتشجيع المخاطبين لامتثالهم الأمر الالهي: (فليعبدوا رب هذا البيت).
وفي موضع آخر يذكّر سبحانه رسوله بما أغدقه عليه من نعم تشبه المعجزة: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى، وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى) ليكون ذلك وسيلة لتقوية معنويات نبيّه الحبيب وإيمانه بالوعد الإلهي في قوله:(مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) ومثل هذه الأمثلة كثيرة في القرآن الكريم.
حين انتصر الإسلام في إيران، واستطاع أن يفتح قلعة أمريكا والصهيونية في أحد أكثر البلدان حساسية من هذه المنطقة المهمة بامتياز، عَلِم أهل العبرة والحكمة أنهم إذا انتهجوا الصبر والبصيرة فإن فتوحات أخرى ستتوالى، وتوالت.
الحقائق الساطعة في الجمهورية الإسلامية والتي يعترف بها الأعداء قد تحققت بأجمعها في ظل الثقة بالوعد الإلهي والصبر والمقاومة والاستمداد من ربّ العالمين. شعبنا كان يرفع دائمًا صوته بالقول:(كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) أمام وسوسة الضعفاء الذين كانوا يرددون في الفترات الحرجة:(إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) .
هذه التجربة الغالية هي اليوم
في متناول الشعوب التي نهضت بوجه الاستكبار والاستبداد، واستطاعت أن تسقط أو تزلزل عروش الحكومات الفاسدة الخاضعة والتابعة لأمريكا. الثبات والصبر والبصيرة والثقة بالوعد الإلهي في قوله سبحانه: (وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) بإمكانها أن تمهّد طريق العزّ هذا أمام الأمة الإسلامية حتى تصل إلى قمة الحضارة الإسلامية.
إنني في هذا الاجتماع الهام لعلماء الأمة بمختلف أقطارهم ومذاهبهم أرى من المناسب أن أبين عدة نقاط ضرورية حول قضايا الصحوة الإسلامية:
الأولى: إن الأمواج الأولى للصحوة في بلدان هذه المنطقة، والتي اقترنت ببدايات دخول الغزو الاستعماري، قد انطلقت غالباً على يد علماء الدين والمصلحين الدينيين. لقد خلدت صفحات التاريخ وللأبد أسماء قادة وشخصيات بارزة من أمثال السيد جمال الدين الأسدآبادي
ومحمد عبده والميرزا الشيرازي والآخوند الخراساني ومحمود الحسن ومحمد علي والشيخ فضل الله النوري والحاج آقا نور الله وأبي الأعلى المودودي وعشرات من كبار علماء الدين المعروفين والمجاهدين والمتنفذين من إيران ومصر
والهند والعراق . و يبرز في عصرنا الراهن اسم الإمام الخميني العظيم مثل كوكب ساطع على جبين الثورة الإسلامية في إيران . وكان لمئات العلماء المعروفين وآلاف العلماء غير المعروفين في الحاضر والماضي دور في المشاريع الإصلاحية الكبيرة والصغيرة على ساحة مختلف البلدان. وقائمة المصلحين الدينيين من غير علماء الدين كحسن البنا وإقبال اللاهوري هي طويلة أيضاً وتثير الإعجاب.
وكانت المرجعيّة الفكريّة لعلماء الدين ورجال الفكر الديني بدرجة وأخرى، وفي كل مكان. إنهم كانوا سنداً روحياً قوياً للجماهير، وحيثما قامت قيامة التحولات الكبرى ظهروا في دور المرشد والهادي، وتقدموا لمواجهة الخطر في مقدمة صفوف الحراك الشعبي، وازداد
الارتباط الفكري بينهم وبين الناس ، وازداد معه تأثيرهم في دفع الناس نحو الطريق الصحيح. وهذا له من الفائدة والبركة لنهضة الصحوة الإسلامية بمقدار ما يجرّ على أعداء الأمة والحاقدين على الإسلام والمعارضين لسيادة القيم الإسلامية من انزعاج وامتعاض ما يدفعهم إلى محاولة إلغاء هذه المرجعية الفكرية للمؤسسات الدينية واستحداث أقطاب جديدة عرفوا بالتجربة أنها يمكن المساومة معها بسهولة على حساب المبادئ والقيم الدينية. وهذا ما
لا يحدث إطلاقاً مع العلماء الأتقياء ورجال الدين الملتزمين.
إن هذا يضاعف ثقل مسؤولية علماء الدين. فعليهم أن يسدّوا الطريق أمام الاختراق بفطنة ودقة متناهية وبمعرفة أساليب العدوّ الخادعة وحيله ، وأن يحبطوا مكائده. إن الانشداد بالموائد الملونة بمتاع الدنيا من أكبر الآفات. والتلوث بهبات أصحاب المال والسلطة وعطاياهم، والارتباط المادي بطواغيت الشهوة والقوة من أخطر عوامل الانفصال عن الناس والتفريط
بثقتهم ومحبتهم. الأنانية وحبّ الجاه الذي يجرّ الضعفاء إلى أقطاب القوة يشكّلان أرضية خصبة للتلوث بالفساد والانحراف. لابد أن نضع نصب أعيننا قوله سبحانه:(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).
إننا اليوم، في عصر حراك الصحوة الإسلامية وما تبعثه في النفوس من أمل، نشاهد أحيانًا مساعي خدم أمريكا والصهيونية لاصطناع مرجعيات فكرية مشبوهة من ناحية، ومساعي الغارقين في المال ومستنقع الشهوات لجرّ أهل الدين والتقوى إلى موائدهم المسمومة الملوثة من ناحية أخرى.
فعلى علماء الدين والرجال المتدينين والمحافظين على الدين أن يراقبوا هذه الأمور بشدة ودقّة.
المسألة الثانية، ضرورة رسم هدف بعيد المدى للصحوة الإسلامية في البلدان المسلمة يوضع أمام الجماهير ليكون البوصلة في حركتها للوصول اليه. وبمعرفة هذا الهدف
يمكن رسم خريطة الطريق وتحديد الأهداف القريبة والمتوسطة. هذا الهدف النهائي لا يمكن أن يكون أقل من إقامة «الحضارة الإسلامية المجيدة». الأمة الإسلامية، بكل أجزائها في إطار الشعوب والبلدان، يجب أن تعتلي مكانتها الحضارية التي يدعو إليها القرآن الكريم .
إن من الخصائص الأصلية والعامة لهذه الحضارة استثمار أبناء البشر لجميع ما أودعه الله في عالم الطبيعة وفي وجودهم من مواهب وطاقات مادية ومعنوية لتحقيق سعادتهم وسموّهم. و يمكن ، بل وينبغي مشاهدة مظاهر هذه الحضارة في إقامة حكومة شعبية ،وفي قوانين مستلهمة من القرآن، وفي الاجتهاد وتلبية الاحتياجات المستحدثة للبشر، وفي رفض الجمود الفكري والرجعية وناهيك عن البدعة والالتقاط، وفي إنتاج الرفاه والثروة العامة، وفي استتباب العدل،وفي التخلص من الاقتصاد القائم على الاستئثار والربا والتكاثر، وفي إشاعة الأخلاق الإنسانية، وفي الدفاع عن المظلومين في العالم،وفي السعي والعمل والابداع .
ومن مستلزمات هذا البناء الحضاري النظرة الاجتهادية والعلمية للساحات المختلفة بدء من العلوم الإنسانية ونظام التربية والتعليم الرسمي، ومروراً بالاقتصاد والنظام المصرفي ، وانتهاء بالانتاج الفني والتقني ووسائل الإعلام الحديثة والفن والسينما بالإضافة إلى العلاقات الدولية وغيرها من الساحات.
وتدل التجربة أن كل ذلك ممكن وفي متناول مجتمعاتنا بطاقاتها المتوفرة .
لا يجوز
أن ننظر إلى هذا الأفق بنظرة متسرعة أو متشائمة.التشاؤم في تقويم قدراتنا كفران بنعم الله، والغفلة عن الإمداد الإلهي ودعم سنن الكون انزلاق في ورطة :(الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ).
نحن قادرون على أن نكسر
حلقات الاحتكارات العلمية والاقتصادية والسياسية لقوى الهيمنة، وأن نجعل الأمة الإسلامية سبّاقة لإحقاق حقوق أكثرية شعوب العالم التي هي اليوم مقهورة أمام أقلية مستكبرة.
الحضارة الإسلامية بمقوماتها الإيمانية والعلمية والأخلاقية وعبر الجهاد الدائم قادرة أن تقدم للأمة الإسلامية وللبشرية المشاريع الفكرية المتطورة والأخلاق السامية، وأن تكون منطلق الخلاص من مظالم الرؤية المادية للكون ومن الأخلاق الغارقة في مستنقع الرذيلة التي تشكل أركان الحضارة الغربية القائمة.
المسألة الثالثة :في اطار حركات الصحوة الإسلامية يجب الاهتمام باستمرار بالتجربة المرّة والفظيعة التي تركتها التبعية للغرب على السياسة والأخلاق والسلوك ونمط الحياة .
البلدان الإسلامية خلال أكثر من قرن من التبعية لثقافة الدول المستكبرة وسياستها قد مُنيت بآفات مهلكة مثل الذيلية والذلة السياسية والفقر الاقتصادي وتهاوي الأخلاق والفضيلة، والتخلف العلمي المخجل، بينما الأمة الإسلامية تمتلك تاريخاً مشرقاً من التقدم في جميع هذه المجالات.
هذا الكلام لا ينبغي اعتباره مناصبة العداء للغرب، نحن لا نكن العداء لأية مجموعة إنسانية بسبب تمايزها الجغرافي. نحن تعلمنا من علي عليه السلام ما قاله عن الإنسان أنه: «إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق» اعتراضنا إنما هو على الظلم والاستكبار والتحكم والعدوان والفساد والانحطاط الاخلاقي والعملي الذي تمارسه القوى الاستعمارية والاستكبارية ضد شعوبنا. ونحن الآن أيضاً نشاهد تحكّم وتدخل وتعنّت أمريكا وبعض ذيولها في المنطقة داخل البلدان التي تحوّل فيها نسيم الصحوة إلى نهوض عاصف وإلى ثورة. وعود هؤلاء وتوعداتهم يجب أن لا تؤثر في قرارات ومبادرات النخب السياسية وفي الحركة الجماهيرية العظيمة.
وهنا أيضاً يجب أن نتلقى الدروس من التجارب. أولئك الذين انشدّت قلوبهم لسنوات طويلة بوعود أمريكا وجعلوا الركون إلى الظالم أساسًا لنهجهم وسياستهم لم يستطيعوا أن يحلّوا مشكلة من مشاكل شعبهم أو أن يبعدوا ظلمًا عنهم أو عن غيرهم.بل إن هؤلاء باستسلامهم لأمريكا لم يستطيعوا أن يحولوا دون هدم بيت فلسطيني
واحد على الأقل في إرض هي ملك الفلسطينيين.
الساسة والنخب المخدوعة بالتطميع أو المرعوبة بتهديد جبهة الاستكبار والذين يخسرون فرصة الصحوة الإسلامية يجب أن يخشوا ما وجهه الله سبحانه إليهم من تهديد إذ قال:
" أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ، جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ ".
المسألة الرابعة: إن أخطر
ما يواجه حركة الصحوة الاسلامية اليوم، إثارة الخلافات ودفع هذا الحراك نحو صدامات دموية طائفية ومذهبية وقومية ومحلیة. هذه المؤامرة تتابع أجهزة
الجاسوسية الغربية والصهيونية تنفيذها اليوم بجدٍ واهتمام في منطقة تمتد من شرق آسيا حتى شمال أفريقيا وخاصة في المنطقة العربية بدعم من دولارات النفط والساسة المأجورين. والأموال التي یمکن استخدمها في تحقيق رفاه خلق الله، تُنفق في التهديد والتكفير والاغتيال والتفجير وإراقة دم المسلمين وإضرام نيران الأحقاد الدفينة. أولئك الذين يرون في قوة اتحاد المسلمين مانعًا لتطبيق أهدافهم الخبيثة رأوا في إثارة الخلافات داخل الأمة الإسلامية أيسر طريق لتنفيذ أهدافهم الشيطانية، وجعلوا من اختلاف وجهات النظر في الفقه والكلام والتاريخ والحديث، وهو اختلاف طبيعي لا يمكن اجتنابه،ذريعة للتكفير وسفك الدماء والفتنة والفساد.
نظرة فاحصة لساحة النزاعات الداخلية تكشف بوضوح يد العدوّ وراء هذه المآسي.
هذه اليد الغادرة تستثمر دون شك الجهل والعصبية والسطحية في مجتمعاتنا، وتصبّ الزيت على النار. مسؤولية المصلحين والنخب الدينية والسياسية في هذا الخضمّ ثقيلة جداً.
ليبيا بشكل، ومصر وتونس بشكل أخر، وسوريا بشكل ، وباكستان بشكل أخر، والعراق ولبنان بشكل تعاني اليوم أو في معرض المعاناة من هذه النيران الخطرة. لابدّ من المراقبة الشديدة والبحث عن العلاج.
إنها من السذاجة أن نعزو كل ذلك إلى عوامل ودوافع عقائدية أو قومية. الدعاية الغربية والإعلام الإقليمي التابع والمأجور يصوّران الحرب المدمّرة في سورية بأنها نزاع سنّي ــ شيعي، ويوفران بذلك مساحة آمنة للصهاينة وأعداء المقاومة في سوريا ولبنان.بينما النزاع في سوريا ليس بين طرفين سنة وشيعة ، بل بين أنصار المقاومة ضد الصهيونية ومعارضي هذه المقاومة. ليست حكومة سوريا حكومة شيعية، ولا المعارضة العلمانية المعادية للاسلام مجموعة سنية. إنما المنفذين لهذا السيناريو المأساوي كانوا بارعين في قدرتهم على استغلال المشاعر الدينية للسذج في هذا الحريق المهلك.نظرة إلى الساحة والفاعلين فيها على المستويات المختلفة توضّح هذه المسألة لكل إنسان منصف.
هذه الموجة الإعلامية تؤدي دورها بشكل آخر في البحرين لاختلاق الكذب والخداع. في البحرين هناك أكثرية مظلومة محرومة لسنوات طويلة من حق التصويت وسائر الحقوق الأساسية للشعب، قد نهضت للمطالبة بحقها. ترى هل يصح أن نعتبر الصراع شيعيا سنياً لأن هذه الأكثرية المظلومة من الشيعة، والحكومة المتجبرة العلمانية تتظاهر بالتسنّن ؟!
المستعمرون الأوربيون والأمريكيون ومن لفّ لفهم في المنطقة يريدون طبعًا أن يصوّروا الأمر بهذا الشكل،ولكن أهذه هي الحقيقة؟!
هذا ما يستدعي من جميع علماء الدين المصلحين والمنصفين أن يقفوا تجاهه بتأمل ودقة وشعور بالمسؤولية، ويحتم عليه أن يعرفوا أهداف العدو في إثارة الخلافات الطائفية والقومية والحزبية.
المسألة الخامسة: إن سلامة مسيرة حركات الصحوة الإسلامية يجب أن نبحث عنها فيما نبحث في موقفها تجاه قضية فلسطين. منذ ستين عامًا حتى الآن لم تنزل على قلب الأمة الإسلامية كارثة أكبر من اغتصاب فلسطين.
مأساة فلسطين منذ اليوم الأول حتى الآن كانت مزيجاً من القتل والارهاب والهدم والغصب والاساءة إلى المقدسات الإسلامية. وجوب الصمود والنضال أمام هذا العدو المحارب هو موضع اتفاق جميع المذاهب الإسلامية ومحل إجماع كل التيارات الوطنية الصادقة والسليمة.
إنّ كل تيار في البلدان الإسلامية يتناسى هذا الواجب الديني والوطني انصياعاً للإرادة الأمريكية المتعنتة أو بمبررات غير منطقية يجب أن لا يتوقع غير التشكيك في وفائه للإسلام وفي صدق ادعاءاته الوطنية.
إنّ هذا هو المحكّ. كل من يرفض شعار تحرير القدس الشريف وإنقاذ الشعب الفلسطيني وأرض فلسطين أو يجعلها مسألة ثانوية ويدير ظهره لجبهة المقاومة فهو متّهم.
الأمة الإسلامية يجب أن تضع نصب عينيها هذا المؤشر والمعيار الواضح الأساسي في كل مكان وزمان.
أيها الضيوف الأعزاء.. أيها الإخوة والأخوات.
لا تبعدوا عن أنظاركم كيد العدوّ، فإن غفلتنا توفّر الفرصة للعدوّ.
إنّ درس علي عليه السلام لنا هو أنه: «من نام لم يُنَم عنه». تجربتنا في الجمهورية الإسلامية هي بدورها مليئة بدروس العبرة في هذا المجال. إذ بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران ، بدأت الحكومات الغربية والأمريكية المستكبرة التي كانت منذ أمد بعيد تسيطر على طواغيت إيران وتتحكم في المصير السياسي والاقتصادي والثقافي لبلدنا، وتستهين بالقوة الضخمة للايمان الإسلامي في داخل المجتمع، وكانت غافلة عن قوة الإسلام والقرآن في التعبئة والتوجيه ، بدأت تفهم فجأة ما وقعت فيه من غفلة،فتحركت دوائرها السيادية وأجهزتها الاستخبارية ومراكز صنع القرار فيها لِتَجبُرَ ما مُنيت به من هزيمة فاحشة .
رأينا خلال هذه الأعوام الثلاثين وبضع الأعوام أنواع المؤامرات والمخططات، والذي بدّد مكرهم أساسًا هو عاملان: الثبات على المبادئ الإسلامية والحضور الجماهيري في الساحة.
هذان العاملان هما مفتاح الفتح والفَرَج في كل مكان. العامل الأول يضمنه الإيمان الصادق بالوعد الإلهي، والعامل الثاني سيبقى ببركة الجهود المخلصة والبيان الصادق. الشعب الذي يؤمن بصدقِ قادته وإخلاصهم يجعل الساحة فاعلة بحضوره المبارك. وأينما بقي الشعب في الساحة بعزم راسخ فإن أية قدرة ستكون عاجزة عن إنزال الهزيمة به. هذه تجربة ناجحة لكل الشعوب التي صنعت بحضورها الصحوة الإسلامية.
أسأل الله تعالى لكم ولكل الشعوب أن يسددكم ويأخذ بناصركم ويعينكم ويغدق عليكم شآبيب رحمته إنه تعالى سميع مجيب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته