تحميل:
نداء القائد
- فلسطين
- الثورة الإسلامية
- العراق
- الحج العبادي و السياسي
- المستقبل للأمّة الإسلاميةنداء ولي أمر المسلمين إلى حجاج بيت الله الحرام، 1428
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد المصطفى وعلى آله الأطيبين وصحبه المنتجبين.
السلام على حجاج بيت الله، ضيوف بيت الحبيب، والملبين لدعوته. وتحيات عطرة إلى القلوب الطرية النضرة بذکر الله المفتوحة أبوابها على فيضه العميم ورحمته السابغة. فخلال هذه الأيام والليالي والساعات الإکسيرية، ما أکثر أولئك الذين قدّروا الموقف حق تقديره فسلّموا أنفسهم إلى أجواء الانجذاب الروحي، لينوّروا صحائف قلوبهم وأرواحهم بالإنابة والتوبة؛ ويزيلوا صدأ الذنوب والشرك من وجودهم بالغوص في أمواج الرحمة الإلهية التي ما انفکت تتواصل في هذا الوادي المقدس. فسلام الله على هذه القلوب النبيهة وأصحابها الأطياب.
يجدر بجميع الإخوة والأخوات أن يفکروا في مثل هذا المکسب، وأن يغتنموا هذه الفرصة الثمينة. فلا يسمحوا لعلائق الحياة المادية ـ التي تشکل همّنا المستمرـ أن تشغل وتُلهي القلوب، وأن يطيروا بقلوبهم المتشوقة في فضاء التوحيد والقيم الروحية الأصيلة، مستعينين بذکر الله وبالإنابة والتضرع إليه، وبالعزيمة الراسخة على الصدق والاستقامة في العمل والتفکير، ليتزوّدوا بذلك، من أجل الصمود والمثابرة في سبيل الله والصراط المستقيم.
هنا مثابة التوحيد الحقيقي الخالص. هذا هو المکان الذي جاء فيه إبراهيم الخليل(عليه السلام) بفلذة کبده إلى المذبح، کي يسجّل لجميع الموحّدين على مرّ تاريخ العالم رمزاً للتوحيد، يتمثل في الغلبة على النفس والتسليم التام لأمر الله. وهنا المکان الذي رفع فيه سيدنا محمد المصطفى(صلّى الله عليه وآله) رآية التوحيد أمام المستکبرين وأصحاب المال والسلطة من أهل زمانه؛ واعتبر البراءة من الطاغوت ـ بجانب الإيمان بالله ـ شرطاً للنجاة والفلاح؛ (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ)(1).
إن الحج هو إعادة قراءة هذه الدروس العظيمة وتعلّمها. إن البراءة من المشرکين ومن الأصنام وصنّاعها، تشکل الروح المسيطر على حج المؤمنين. إن الحج بکلّ مواقفه ومواقعه، يجسد حقيقة الخضوع لله والعمل في سبيله، والبراءة من الشيطان ورميه ورفضه والتصدي له. کما أن الحج بکلّ تفاصيله، يشکل رمز الوحدة والتلاحم بين أهل القبلة، وانتفاء فوارقهم الطبيعية والاعتبارية، وتبلور وحدتهم الحقيقية وأخوتهم الإيمانية.
إنها دروس، علينا ـ معشر المسلمين في کل أرجاء العالم ـ أن نتعلمها ونبرمج حياتنا ومستقبلنا على أساسها.
لقد أکد القرآن الکريم على الوقوف بقوة واقتدارأمام الأعداء، والتعامل بالعطف والمحبة بين المؤمنين، والعبودية والخشوع أمام الله، وذلك کمؤشرات ثلاثة للمجتمع الإسلامي: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً)(2) فهذه الأرکان الرئيسية الثلاثة هي من أجل بناء کيان الأمة الإسلامية المرتکز على العزّ والمجد.
على ضوء هذه الحقيقة، يمکن للمسلمين بجميع أفرادهم، أن يتعرفوا جيداً على ما يعانيه العالم الإسلامي وما يعتريه من مشاکل في الوقت الراهن.
إن عدو الأمة الإسلامية الغادر، يتمثل اليوم في الرؤوس المديرة للمراکز الاستکبارية والقوى ذات النزعة التوسعية والعدوانية، ممن يعتبرون الصحوة الإسلامية تهديداً کبيراً لمصالحهم اللامشروعة وسيطرتهم الغاشمة على العالم الإسلامي. إنه على جميع الشعوب المسلمة ـ وفي مقدمتهم السياسيون وعلماء الدين والمثقفون والقادة الوطنيون في کل دولة ـ أن يشکّلوا الصف الإسلامى الموحد بالمزيد من القوة والصلابة أمام هذا العدو المعتدي. عليهم أن يجمعوا في أنفسهم کل عناصر القوة وأن يجعلوا الأمة الإسلامية قوية فعلاً. إن التحلي بالعلم والمعرفة، والحکمة والتدبير واليقظة، والشعور بالمسؤولية والالتزام بها، والاتکال على الله والأمل في الوعد الإلهي، وغض الطرف عن المطالب التافهة الحقيرة أمام نيل رضا الله والعمل بالواجب، کل ذلك يعتبر العناصر الرئيسية لقوة الأمة الإسلامية واقتدارها، مما يحقق للأمة ما تصبو إليه من عزّ واستقلال وتقدم في المجالين المادي والمعنوي، ويفشل العدو في محاولاته التوسعية وتطاوله على الدول الإسلامية.
إن عنصرالعطف والرأفة بين المؤمنين، يشکل الرکن الثاني ويعتبر مؤشرا آخر للحالة المنشودة للأمة الإسلامية. فإن نشوب الفرقة والصراع بين صفوف الأمة، يعتبر مرضا ًخطراً يجب العمل على علاجه بکل ما هو متوفر من قوة. لقد بذل أعداؤنا ـ ومنذ أمد بعيد ـ جهودا کبيرة وحثيثة في هذا المجال. وإنهم قد زادوا من جهودهم اليوم، بعد أن أخافتهم الصحوة الإسلامية. کل ما يقوله المشفقون هو أنه يجب ألا تتحول الفوارق إلى تناقضات، ولا التعددية إلى صراع.
لقد سمّى الشعب الإيراني هذا العام عام الانسجام الإسلامي . وجاءت هذه التسمية بسبب وعيه بمؤامرات الأعداء المتصاعدة لبثّ الخلاف بين الإخوة والأشقاء. هذه المؤامرات باتت فاعلة في کل من فلسطين ولبنان والعراق وباکستان وأفغانستان؛ حيث شهدنا أن بعض أبناء دولة مسلمة دخلوا في حرب وصراع ضد بعضهم الآخر، ويريقون دماء بعضهم . في جميع هذه الأحداث المُرّة المأساوية، کانت علائم المؤامرة واضحة، ولم تبق يد العدو خافية من العيون الدقيقة والأبصار الحادة.
إن معنى الأمر القرآني المتمثل في «رحماء بينهم» هو اجتثاث جذور هذه الصراعات. إنکم في هذه الأيام المبارکة وخلال جميع مناسك الحج، تشاهدون المسلمين ـ من کل مکان ومن مذاهب مختلفة ـ وهم يطوفون حول بيت واحد، ويصلّون باتجاه کعبة واحدة؛ ويرجمون ـ جنبا إلى جنب بعضهم ـ رمز الشيطان الرجيم؛ ويتصرفون بنمط واحد عند ذبح الأضاحى کرمز للتضحية بالأماني والأهواء النفسانية؛ ويبتهلون إلى الله جنباً إلى جنب سواء في عرفات أو في المزدلفة... إن المذاهب الإسلامية متقاربة إلى بعضها بنفس الدرجة في معظم الفرائض والأحکام والعقائد الرئيسية وأهمّها. وطالما الأمر کذلك، فلماذا تأتي العصبيات والأحکام الصادرة مسبقاً لتؤجج نارالفتنة بينهم، وتأتي أيدي العدو الآثمة لتصب الزيت على هذه النار التي تقضي على الأخضر واليابس؟
اليوم، هناك من يتذرع بحجج واهية، وبدافع من الجهل وقصر النظر، ليرمي جماعة کبيرة من المسلمين بالشرك ويبيح دماءهم. إن هؤلاء يخدمون الشرك والکفر والاستکبار سواء أکان ذلك عن وعي أو من دون وعي. فکم شهدنا الذين اعتبروا احترام روضة النبي الأعظم(صلّى الله عليه وآله) ومشاهد الأولياء وأئمة الدين(عليهم السلام) شرکاً وکفراً، رغم کون ذلك تعظيماً لأمر الدين والتدين؛ لکنهم بدورهم انخرطوا في خدمة الکفرة والظالمين وساعدوهم على تحقيق أهدافهم الخبيثة.
على العلماء الحقيقيين والمثقفين الملتزمين والقادة المخلصين أن يقوموا بمکافحة هذه الظواهر الخطرة.
إن أمر الوحدة والتلاحم في الصف الإسلامي يشکل اليوم فريضة حتمية يمکن انتهاج الطرق العملية المؤدية إليها بفضل تعاون العقلاء والمشفقين.
إن هذين الرکنين الذين تقوم العزة عليهما ـ أي تحديد المواقع واتخاذ الموقف القوي الحاسم أمام الاستکبار من جهة، والتراحم والتقارب والتآخي بين المسلمين من جهة أخرى ـ عندما يقترنان بالرکن الثالث، وهو الخشوع والتعبد أمام الربّ جلّ وعلا، فعندئذ ستتقدم الأمّة الإسلامية مرحلة تلو الأخرى في نفس الطريق التي أدّت بمسلمي العهد الإسلامي الأول إلى ذروة العزّ والعظمة، وستتخلص الشعوب المسلمة من التخلف المُزري الذي فُرض عليها خلال القرون الأخيرة. لقد بدأت تباشير هذه الحرکة العظيمة في الظهور، وتحرکت تيارات الصحوة بشکل أو بآخر في کل أرجاء العالم الإسلامي. وتحاول وسائل إعلام العدو وعملاؤه الإيحاء بأن أي حرکة تحررية أو مطالبة بالعدالة في أي بقعة من العالم الإسلامي مرتبطة بإيران أو بالتشيع؛ کما يحاولون أن يحمّلوا إيران الإسلامية الرائدة في حمل راية الصحوة الإسلامية بنجاح، مسؤولية الضربات التي يتلقونها في الساحة السياسية أو الثقافية من قبل غيارى الأقطار الإسلامية. إنهم يوجهون تهماً من قبيل الانتماء لإيران أو التشيع إلى الملحمة البطولية التي سطرها حزب الله بما ينقطع نظيره خلال حرب الـ33 يوماً؛ وإلى صمود الشعب العراقي المصحوب بالتدبير والحکمة والذي أدى إلى تشکيل مجلس وحکومة لم يکن المحتلون يريدونهما بهذه الشاکلة؛ وإلى ما أبدته الحکومة الشرعية في فلسطين والشعب الفلسطيني المضحّي من صبر وصمود يبعثان على الإعجاب؛ وإلى کثير من الحالات التي تمثل إرهاصات تجديد حياة الإسلام في الدول الإسلامية. إنهم يوجهون هذه الاتهامات لإرباك العالم الإسلامي ومنعه من اتخاذ موقف مؤازر موحّد. إلا أن هذا الخداع لن ينجح في مواجهة السنة الإلهية القاضية بانتصار المجاهدين في سبيل الله وأنصار دينه.
إن المستقبل للأمّة الإسلامية، وإن کل واحد منا ـ حسب مقدراته وطاقاته ومسؤوليته ـ يستطيع بدوره أن يساهم في تقريب أجل هذا المستقبل.
إن مناسك الحج، بالنسبة لکم أيها الحجاج السعداء، يمثل فرصة کبيرة لتستعدّوا أکثر من ذي قبل لأداء هذا الدين.
آملاً أن يحالفکم التوفيق الإلهي وتشملکم دعوات سيدنا المهدي الموعود(عجل الله له الفرج) في تحقيق هذا الهدف العظيم.
والسلام عليکم ورحمة الله وبرکاته
السيد علي الحسيني الخامنئي
4 ذي الحجة لعام 1428 للهجرة
ـــــــــ
1. سورة البقرة، الآية 271
2. سورة الفتح، الآية 29 - استعراض الهوية الموحّدة للأمةنداء ولي أمر المسلمين إلى حجاج بيت الله الحرام، 1427 هـ.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربّ العالمين والصلاة على سيد المرسلين وعلى آله الطيبين وصحبه الصادقين
لقد حلّ موسم الحج، کما في کل عام، حاملاً معه البشائر المعنوية، ليضع فرصة ثمينة أمام العالم الإسلامي؛ ورغم أن القلوب المتلهفة تطير شوقاً إلى تلك الجهة من کل مكان، إلا أن المحظوظين الذين يتسنى لهم نيل هذه الأمنية لا يشكلون إلا غيضاً من فيض. وهذا بدوره يشكل مصدر هذا التواصل الخالد لهذا النبع المتدفق باستمرار.
إن اللقاء الذي يتكرر سنوياً بين الإخوة في بيت الحبيب، يُعيد ربط القلوب بقبلة الكون من جهة، وبالأحبّة الذين يعيشون منفصلين عن البعض من جهة أخرى؛ ليبعث النشاط والحيوية في جسد الأمة الإسلامية من الناحيتين الروحية والسياسية.
إنه لزاد ثمين للإنسان أن يتحرر مطلقاً في كل مكان وعمل من الأدران المادية، ويرى الله ولو لأيام معدودات. وإن جميع مناسك الحج وآدابه إنما هي من أجل أن يعيش الحاجّ هذه التجربة الروحية، وأن يحسّ بهذه اللذة في أعماق نفسه.
أما من الزاوية السياسية، فإن المحور الرئيس في الحج، هو استعراض الهوية الموحّدة للأمة الإسلامية. إن التباعد بين الإخوة يفسح المجال لمن يتربص بهم من الحاقدين وينمّي بذور التفرق بين المسلمين.
إن الأمة الإسلامية تتكون من شعوب وأعراق وأتباع مذاهب عديدة. وإن هذا التنوع المصحوب بالتوزّع الجغرافي في منطقة حساسة ومهمة من وجه المعمورة، من شأنه أن يشكل ـ بدوره ـ مصدر قوة لهذا الجسد العملاق؛ و أن يزيد من فاعلية تراث الأمة وثقافتها وتاريخها المشترك على نطاق واسع؛ وأن يجنّد أنواع المواهب والطاقات الإنسانية والطبيعية في خدمتها.
وقد استهدف الاستعمار الغربي هذه النقطة ذاتها منذ دخوله البلدان الإسلامية وظل يعمل باستمرار على إثارة ما يبعث على الفرقة والشقاق.
إن الساسة المستعمرين کانوا يعلمون جيداً أنه مع تبلور الهوية الموحدة للعالم الإسلامي، سينسدّ الطريق أمام هيمنتهم السياسية والاقتصادية. فدأبوا علی العمل في نطاق شامل وبشكل طويل الأمد لتصعيد الخلافات بين المسلمين. وتحت مظلة هذه السياسة الخبيثة، استغلوا غفلة جماهير الأمة والنفسية المتخاذلة للقادة السياسيين والثقافيين، فنجحوا في مسعاهم الرامي إلى فرض السيطرة على البلدان الإسلامية.
إن عملية قمع الحركات التحررية في البلدان الإسلامية خلال القرن الماضِي ، ونجاح المستعمرين في فرض سيطرتهم على هذه البلدان وخلق/ أو دعم/ الحكومات المستبدة فيها، ونهب الموارد الطبيعية وتدمير الطاقات البشرية، مما أدى إلى إبقاء الشعوب المسلمة متخلفة عن ركب العلم والتقنية؛ كل ذلك حصل في ظل حالة التفرق والتباعد التي كانت تبلغ أحياناَ مرحلة العداء والصراع والتقاتل بين الإخوة.
ومع بداية الصحوة الإسلامية التي شكل قيام الجمهورية الإسلامية في إيران ذروتها، أصبح معسكر الاستعمار الغربي أمام تهديد كبير. إن فشل المدارس السياسية الشرقية منها والغربية، وانكشاف عدم مصداقية القيم التي كان المستعمرون يقدمونها باعتبارها السبيل الوحيد لسعادة البشرية، وانهيار هذه القيم؛ قد أدى إلى تأصل الوعي الإسلامي بين الجماهير المسلمة. كما أن حالات الفشل المتلاحقة التي مني بها المستكبرون في مسعاهم للتغطية على هذه الشعلة الإلهية وإطفائها؛ قد نمت شجرة الأمل في نفوس الشعوب المسلمة.
إن إلقاء نظرة على فلسطين اليوم التي وصلت فيها إلى السلطة حكومة ملتزمة بمبدأ «التحرر من الاحتلال الصهيوني» كمبدأ لا يمكن المساس به، والمقارنة بين هذه الحالة وبين ما كان الشعب الفلسطيني يعاني منه في الفترة الماضية من غربة وعزلة و عجز وضعف؛ ومن فلسطين إلى لبنان، حيث تمكن المسلمون المتفانون هناك من إلحاق الهزيمة بالجيش الإسرائيلي المدجج بكامل السلاح رغم كل المساعدات التي كانت تتدفق عليه من قبل أمريكا والغرب والمنافقين؛ والمقارنة بين ذلك وبين لبنان الذي كان الصهاينة قد اعتادوا أن يتوغلوا فيه متى شاؤوا إلى أي عمق من أعماق أراضيه دون أن يجدوا أي مانع أمامهم؛ وإلى العراق الذي مرَغ شعبه الغيور أنف أمريكا المتغطرسة في التراب وورّط في مستنقع من المشاكل السياسية والعسكرية والاقتصادية ذلك الجيش والساسة الذين كانوا يتشدقون ـ بنبرة الغرور والاستعلاء ـ بتملكهم للعراق؛ والمقارنة بين هذا وبين العراق الذي كان حاكمه السفاح قد حبس أنفاس الناس في الصدور محتمياً بأمريكا؛ وإلى أفغانستان التي تبين أن جميع الوعود الأمريكية والغربية فيها كانت كذباً وخداعاً، وأن الغزو الذي تعرض له هذا البلد من قبل جبهة التحالف الغربي وبشكل قلما يوجد له نظير، لم يؤدّ إلا إلى الخراب والدمار للبلد وإلى الفقر والمجازر للمواطنين بالإضافة إلى تنامٍ مطّرد لمافيا المخدرات.
وأخيرا، إلى شريحة الشباب في البلدان الإسلامية وإلى الجيل الصاعد، الآخذ في النمو، الذي أصبح ينمو ويترعرع مقبلاً على القيم الإسلامية وهو يحمل بغضاً يتزايد يوماً بعد يوم تجاه أمريكا والغرب؛ نعم، إن إلقاء نظرة على كل ذلك يبين صورة حقيقية لما للمستكبرين الغربيين وعلى رأسهم أمريكا، من حظّ عاثر وسياسات فاشلة، كما أنه يبشر بتبلور هوية إسلامية موحدة.
إن الإدارة الأمريكية والرأسمالية الغربية والنشطاء المفسدين من الصهاينة كلهم أصبحوا يشعرون بحقيقة الواقع المتمثل في الصحوة الإسلامية. وإنهم يستعينون بكل طاقاتهم المتاحة، لممارسة أنواع الألاعيب والأساليب السياسية، معترفين بعدم فاعلية الأسلحة والقوة العسكرية أمام هذه الحقيقة.
اليوم هو يوم يجب فيه على الأمة الإسلاميـة ـ بنخبها السياسية والثقافية والدينية، وبجماهيرها الشعبية ـ أن تكون يقظة أكثر من أي وقت مضى، وأن تعرف مكائد العدو وتتصدى لها.
إن تأجيج نار الخلاف والشقاق، هو من أكثر المكائد فاعليةً. إنهم ينفقون الأموال ويبذلون جهوداً مرتبكة حثيثة، لإلهاء المسلمين بالخلافات التي تنشب فيما بينهم، ويستغلون مرة أخرى حالات الغفلة وسوء الفهم والتعصب لتحريضنا ضدِ بعضنا.
إن كل حركة تؤدي إلى الفرقة والخلاف في العالم الإسلامي، تعدِ ذنباً تأريخياً. فإن أولئك الذين يكفرون بكل عناد جماعات كبيرة من المسلمين بحجج واهية، والذين يسيئون إلى مقدسات فرق من المسلمين على أساس ظنون باطلة، والذين يطعنون من الخلف الشبان اللبنانيين المتفانين الذين رفعوا رأس الأمة الإسلامية عزاً وفخراً، والذين باتوا يتحدثون عن خطر وهمي يسمى الهلال الشيعي استرضاء لأمريكا والصهاينة، والذين يصعدون موجة الإضطرابات وانعدام الأمن والتقاتل بين الأشقاء في العراق وذلك سعياً منهم لإفشال الحكومة المسلمة المنبثقة من الشعب في هذا البلد، والذين يمارسون الضغوط من كل جهة على حكومة حماس المنتخبة من قبل الشعب الفلسطيني والمحبوبة لديه؛ كـل أولئك يـُعتبـرون مجرميـن ـ سواء أعلموا ذلك أم لا ـ حيث سيذكرهم التاريخ الإسلامي والأجيال القادمة بمشاعر الكراهية والاستياء بصفتهم عملاء للعدو الغادر.
وليعلم المسلمون في كل أرجاء العالم أن عهد تخلف العالم الإسلامي والازدراء به قد ولـّى، وأن عهداً جديداً قد بدأ.
فبفعل الغربيين أنفسهم وبسبب طغيانهم وتطرفهم وغرورهم، زال من عقلية الجماهير المسلمة ذلك الوهم الباطل المبني على أن البلدان الإسلامية مكتوب عليها أن تبقى للأبد أسيرة براثن القدرة الثقافية والسياسية الغربية، وأنها يجب أن تقلد الغربيين في التفكير والسلوك الفردي والجماعي.
وبسبب أنواع الظلم السافر والسلوك البعيد عن المنطق والتوجه الإستكباري والغرور الفائق، تحول الغرب إلى قيمة مضادة في العالم الإسلامي، خاصة بعد خضوعه للزعامة الأمريكية. فهناك تعامل الغربيين مع الشعب الفلسطيني ويقابل ذلك تعاملهم مع الحكومة الصهيونية السفاحة؛ وهناك موقفهم من اعتراف الكيان الصهيوني باقتنائه السلاح الذري، ويقابله موقفهم من استخدام إيران السلمي للطاقة النووية؛ وهناك موقفهم الداعم للهجمة العسكرية على لبنان ودعمهم الطرف المهاجم سياسياً وعسكرياً، ويقابل ذلك موقفهم المعارض للمدافعين اللبنانيين المتفانين؛ هناك ابتزازهم المستمر للدول العربية، ويقابل ذلك خضوعهم الدائم لابتزاز الكيان الصهيوني؛ هناك تأييدهم لمن يسيء إلى المقدسات الإسلامية بل وتوجيه الإفتراء والإساءة إلى هذا الدين الإلهي بكل صراحة من قبل كبار الشخصيات الغربية من أمثال البابا، ويقابله تجريمهم القيام بأي بحوث أو إثارة أي شكوك حول الهولوكوست والكيان الصهيوني؛ هناك غزوهم العسكري للعراق وأفغانستان وقيامهم بالقتل والتدمير باسم الديمقراطية، ويقابل ذلك تآمرهم ضد الحكومات المنتخبة ديمقراطياً في فلسطين والعراق وأمريكا اللاتينية وفي أي مكان آخر لاتصل فيه العناصر الأمريكية والصهيونية إلى سدة الحكم والسلطة؛ هناك ضجة يثيرونها حول مكافحة الإرهاب، ويقابلها قيامهم بالحوار السري مع الإرهابيين السفاكين في العراق وحتى تقديم العون لهم وما إلى ذلك من مفارقات أخرى.
إن هذه التصرفات اللامعقولة والحاقدة أتمت الحجة لدى الشعوب المسلمة وساعدت على تنامي الصحوة الإسلامية. لقد بدأت اليوم حركة عميقة ومتجذرة في العالم الإسلامي ـ شاؤوا ذلك أم أبوا ـ وهذه الحركة هي التي ستنتهي إلى استقلال الأمة الإسلامية وعودة عزها وحياتها المتجددة عندما يحين وقت ذلك.
إن هذه المرحلة هي مفصل تاريخي مصيري. وإن النخب والعلماء والمثقفين، يتحملون مسؤولية جسيمة في هذه المرحلة. إن أي فتور أو تهاون أو موقف مشوب بالغرض والقصور من قبلهم، من شأنه أن يؤدي إلى كارثة. فعلى علماء الدين ألا يقفوا صامتين أمام المحاولات الرامية إلى بث الخلاف المذهبي؛ وعلى المثقفين ألا يتوانوا في بث روح الأمل بين الشباب؛ وعلى الساسة والقادة أن يعملوا على إبقاء شعوبهم في الساحة، وأن يعتمدوا عليها. وعلى الدول الإسلامية أن تعزز التضامن فيما بينها لتتمتع بهذه القوة الحقيقية أمام تهديد قوى الهيمنة.
إن أجهزة التجسس الأمريكية والبريطانية قد عكفت اليوم على بث فيروس الخلافات الطائفية في العراق وفي لبنان وفي بعض دول شمال أفريقيا وفي أي مكان آخر تقدر عليه. فلابد لاجتماعنا في الحج أن يحصننا ضد هذا الداء المهلك، وأن يجعل نصب أعيننا دوماً الآية الكريمة: ‹‹ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (1)››.
إن البراءة من المشركين تشكل اليوم نداء القلب والفطرة لجميع الشعوب المسلمة. وإن موسم الحج هو الموقع الوحيد الذي يمكن لهذا النداء أن يدوي فيه بكل قوة من قبل هذه الشعوب كافة.
إغتنموا هذه الفرصة، واغتسلوا أينما كنتم في هذا المحيط العظيم، مبتهلين إلى الله بالدعاء للأمة الإسلامية ولتعجيل ظهور المهدي الموعود (سلام الله عليه وعجل الله تعالى فرجه).
أسأل الله لكم جميعاً التوفيق والسعادة والحج المقبول.
السيد علي الخامنـئي
الثـالـث مـن ذي الحجة لعام 1427 هـ.ق
ــــــــــــــــــ
1- سورة الأنفال، الآية 46 - إحدى خطط الإسلام لمحو الغفلةنــداء ولـى أمر الـمسلمين إلـي حجاج بيت الله الحرام 1426 هـ
بسم الله الرّحمن الرّحيم
قال الله تعالى: (فَإذَا قَضَيْتُم مَّناسِكَكُم فَاذْكُروا اللهَ كَذِكْركُم آباءَكُم اَواَشَدَّ ذِكْرا) البقرة – 200
الإخوة المسلمون والأخوات المسلمات،
ان أيام الحج هي أيام الأمل والبشرى، حيث يبعث جلال التضامن بين قاصدي بيت التوحيد الأمل في القلوب من جهة، ويبشر انتعاش النفوس ببركة ذكر الله بانفتاح ابواب الرحمة من جهة أخرى.
وبعد أن يؤدّي الحجّاج مناسكهم المليء بالرموز والاسرار والمترعة فى نفسها بالذكر والخشوع، يدعون مرة أخرى إلى ذكر الله. وهذا التأكيد انما يتم على أساس أن ذكر الله ينير القلوب الكئيبة ويبعث فيها نورالايمان والأمل، وعندما يكون القلب آملاً مؤمناً فإنه يمكّن الإنسان من الطيىّ السليم للمنعطفات الحياتيّة الخطيرة الوعرة والوصول إلى قمم الكمال الماديّ والمعنويّ.
إنّ معنويّة الحجّ تكمن في ذكرالله الذي يسري روحاً في كل عمل من مناسك الحجّ، ويجب أن يبقى هذا النبع المبارك بعد انقضاء الحجّ متدفّقاً باستمرار وهذه الحصيلة حيّة على الدوام. إن الإنسان يقع في ميادين حياته المتنوعة فريسة غفلته. وحيثما تكون الغفلة يكون الانهيار الاخلاقيّ والإنحراف الفكريّ والهزيمة الروحيّة.
وهذه التداعيات قد تؤدي بدورها بالاضافة لاضمحلال الشخصية الفردية للانسان إلى هزيمة الشعوب وانهيار الحضارات.
إنّ الحجّ يشكل إحدى الخطط التي وضعها الإسلام لمحو الغفلة، وكأنّ بَعده العالمي يعلن حقيقة أن الامة الإسلامية مكلفة في شخصيتها العامة – بالاضافة إلى الواجب الفردي لكلّ مسلم – بالعمل على محو الغفلة من وجودها.
إنّ عباداتِ الحجّ ِ ومناسكَه تمنحنا فرصة الخلاص ولو مؤقتاً من الاسر والتبعيّة الرّعناء للّذة والهوى والبطر، ويملأ الإحرام والطواف والصلاة والسعي والوقوف وجودنا بذكر الله والقرب إلى ساحته، وغمر النفوس بلذّة الانس بالله.
ويعّرفنا جلال هذا التجمع الفريد وعظمته على واقع الامة الإسلامية العظيمة التي تتعالى على فوارق الشعوب والقوميات والالوان واللغات.
فهذا الحشد المتراصّ المتناغم، وهذه الالسن كلُّها تترنّم بحديث واحد، وهذه الابدان والقلوب التى تتجّه إلى قبلة واحدة، وهؤلاء الافراد الذين يمثّلون عشرات الاقطار والشعوب، هؤلاء جميعاً يرتبطون بكيان واحد ومجموعة عظيمة هى الأمة الإسلامية.
والواقع أن الامة الإسلامية مرّت بفترة طويلة وهي في غفلة عن ذاتها.
فكانت الحصيلة المرّة لتلك الغفلة ما نلحظه اليوم من التخلف العلمي والعملي والخواء في ميادين السياسة والصناعة والاقتصاد. والإن - وازاء ما نشهده من تطّور باهر حدث أويحدث في العالم - فإنّ على الامّة الإسلاميّة أن تبادر إلى التعويض عن أنماط غفلتها الماضية، وهذا ما نشهد- لحسن الحظ - بعض بوادره في عصرنا الحاضر ممايبشر بانطلاق حركة التعويض هذه.
ويجب أن لانشكّ مطلقاً في أنّ عالم الاستكبار يرى في الصحوة الإسلاميّة واتّحاد المسلمين وتقدّم شعوبهم في ميادين العلم والسياسة والابداع أكبر عقبة بوجه سلطته وهمينته على العالم، ولذا فهو يعمل على مكافحته وإيقافه بكل مالديه من قوّة.
وها هي تجربة عصري الاستعمار والاستعمار الحداثيّ ماثلة امام الشعوب الإسلاميّة وهي تواجه اليوم استعمار ما بعد الحداثة فيجب ان تستفيد من تلك التجربة فتمنع العدو من تكرار تسلطة الممتدّ - من جديد – على مقدّراتها ومصيرها.
لقد استخدمت القوى الغربية المهيمنة فى تلك العصور الكالحة المرّة كلّ الوسائل الثقافيّة والاقتصاديّة والسياسيّة والعسكريّة لاضعاف الاقطار والشعوب الإسلامية وفارضة عليها التفرقة والفقر والجهل، وقد ساهم في تحقّق ذلك الضعف النفسى وغفلة الكثير من رجالات السياسة وعدم تحمّل الكثير من النخب الفكريّة لمسؤوليّاتهم، ممّا أدّى إلى نهب ثرواتنا والاستخفاف بنا، بل وإنكار هويتّنا والقضاء على استقلالنا، وعدنا نحن الشعوب الإسلامية نضعف يوماً بعد يوم، وراح الغزاة الناهبون الطّامعون المتسلطّون يزدادون قوّة بإطّراد.
واليوم - وببركة تضحيات المناضلين وشجاعة القادة في بعض المناطق من العالم الإسلامي وإخلاصهم، حيث اتسعت أمواج الصّحوة الإسلامية فدفعت بالشبّاب والنّخب وأفراد الشعب في كثير من الاقطار الإسلاميّة إلى الساحة، وافتضحت الصورة الغادرة للمتسلّطين لدى كثير من السياسيين والقادة المسلمين - راح أساطين الاستكبار – من جديد – يستخدمون أساليب ماكرة جديدة لاستدامة سيطرتهم على العالم الإسلامي وتقويتها.
وشعار نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان هو احد هذه الاساليب الخدّاعة، فهاهو الشيطان الاكبر - وهوالذي يجسّد الشر والعنف ضد البشريّة- يرفع لواء الدفاع عن حقوق الإنسان، ويدعوشعوب الشرق الأوسط إلى الديمقراطيّة.
اِلا أنّ الديمقراطيّة التى تسعى أمريكا لتحقيقها في هذه الاقطار تعني أن تفرز الانتخابات - الشعبية في ظاهرها والامريكية في الواقع، بمعونة التأمر والرشوة والدعاية الانتخابية المغرية الخادعة - عملاء طيّعين مطيعين لامريكا يحققون لها اهدافها الاستكبارية، وفي طليعتها إيقاف المد الإسلامي وإقصاء القيم الإسلامية عن الساحة تارة أخرى.
إن كل الوسائل الاعلامية والسياسية لامريكا وغيرها من المتسلطين قد عبّئت اليوم لكى تعرقل نهضة الصحوة الإسلامية أوتقمعها إن استطاعت. فعلى الشعوب الإسلامية أن تعي الموقف اليوم وتراقبه بحذر، كما أنّ على العلماءِ والمرجعياتِ الدينية والمثقفين والجامعيين والكّتاب والشعراء والفنّانين والشّباب والنخّب، عليهم أن يتخذوا بكلّ وعيِ المبادرة المناسبة ليحولوا دون أن تبدأ امريكا الجشعة مرحلة جديدة من هيمنتها الاستعمارية على العالم الإسلامي.
ان رفع شعار الديمقراطية من قبل الطامعين الّذين دعموا لسنين طوال الانظمة الدكتاتوريّة في آسيا وأفريقيا والقارة الامريكية أمر مرفوض بلاريب، كما أنّ ادعاء مكافحة العنف والارهاب من قبل من يدعمون الارهاب الصهيونى ويرتكبون أكثر أنواع العنف دمويّة في العراق وأفغانستان،انّما هو ادعاءٌ يثير السخرية ولذلّك فإنّ طرح شعار الدفاع عن الحقوق المدنية من قبل الشياطين الذين شجعّوا باستمرار جرائم إرهابي دموي كشارون بحق الشعب الفلسطيني المظلوم إنّما هو أسلوب ماكر يستوجب اللعن والنفور.
اِنّ اولئك الذين ارتكبوا جرائم غوانتانامو وابوغريب والمعتقلات السرّية فى اوربا، والذين احتقروا الشعبين العراقي والفلسطيني، وشكّلوا المجموعات التى تستبيح دم المسلمين باسم الإسلام في العراق وافغانستان، اولئك لايحقّ لهم أن يتحدثوا عن حقوق الإنسان.
اِنّ الادارتين الامريكية والبريطانية اللتين تبيحان تعذيب المتهمين بل وسفك دمائهم في الشوارع، والتنصت على المكالمات الهاتفيّة للمواطنين دون اذن من القضاء ليس لهما الحقّ في ادعاء الدفاع عن الحقوق المدنيّة، وإنّ الحكومات التي سودّت وجه التاريخ المعاصر من خلال إنتاجها واستخدامها للسلاح الذري والكيمياوي ليس لها الحقّ أن تفرض قيمومتها على مسألة منع انتشار التقنيّة النوويّة.
الإخوة المسلمون والأخوات المسلمات،
يمرّ العالم وخاصة العالم الإسلاميّ اليوم بفترة حساسة، فمن جهة يشمل مدّ الصحوة الإسلامية كلّ العالم الإسلامي، ومن جهة أخرى تبدو بوضوح الصورة الماكرة لامريكا وباقي المستكبرين من خلف ستار التزوير والرياء، ومن جهة ثالثة يبدأ التحرك باتجاه استعادة الهويّة والقوّة في اجزاء من العالم الإسلامى، حيث نجد في بلد له عظمته كايران المسلمة تتفتح براعم العلم والتقنية الذاتيّة المستقلّة، وتترك الثقة بالنفس أثرها على ترشيد الأجواء السياسية والإجتماعية فتمتدّ آثارها إلى ميادين العلم والاعمار. ومن جهة أخرى يسري الضعف والانحطاط في الهياكل السياسية والعسكرية للأعداء.
إنّ العراق اليوم من جانب، وفلسطين ولبنان من جانب آخر يجسّدان ضعف القوّة الامريكية والصهيونية وعجزها، رغم ادّعاءاتها الكبرى، وإن السياسة الامريكية فى الشرق الاوسط واجهت في خطواتها الأولى عقبات كأداء واخفاقات تحوّلت إلى سلاح مضاد بيد المعارضين لها. إنّ الوضع الحالي يشكل فرصة للشعوب والحكومات المسلمة كي تمسك بزمام المبادرة وتقوم بعمل عظيم.
إنّ مساعدة الشعب الفلسطيني المظلوم، ودعم الشعب العراقي الواعي، وصيانة استقلال لبنان وسوريا وسائر دول المنطقة واستقرارها، يشكّل كلُّ ذلك واجباً اسلاميّاً عامّاً في حين تفوق مسؤولّية النخب السياسيّة والدينيّة والثقافيّة والشخصيات الوطنية والشباب والجامعيين مسؤوليّة الآخرين.
وإنّ وحدة اتباع المذاهب الإسلامية وتآلف قلوبهم ونبذ الخلافات الطائفيّة والقوميّة، يجب إن يشكّل أبرز شعارات هذه النخب، كما أن التحرّك العلميّ والسياسي والجهد الثقافيّ وتعبئة كل الطاقات في هذه الطلائع لابّد أن يكون من اولويات خطابها المعلن.
إنّ العالم الإسلامي لكي يحقق حاكمية الشعب وحقوق الإنسان لايحتاج وصفة خاطئة نقضها الغرب بنفسه باستمرار.
فحاكمية الشعب إنّما تستمد بكلّ وضوح من التعاليم الإسلامية كما إنّ حقوق الإنسان هي من أوضح الامور التي أكّد عليها الإسلام.
نعم، يجب أن نستمدّ العلم ممّن يملكه أينما وأيّا كان إلاّ أنَّ على العالم الإسلامي أن يسعى للتخلص من حالة التتلمذ الدائم لدى الإخرين وأن يعتمد على طاقاته الذاتية متجهاً نحوالابداع والتحديث والانتاج العلمي.
ثمّ إنّ القيم الغربيّة التي جرّت الغرب إلى الانحطاط الاخلاقي وأشاعت التحلل والعنف واستباحت الشذوذ الجنسي والرذائل الأخرى من هذا القبيل لاتصلح للتقليد، في حين يشكّل الإسلام بقيمه السامية أروع مصدر للفلاح الإنساني، فعلى النخب في كلّ الشعوب مسؤوليّة مؤكّدة لوعي هذه القيم ونشرها.
إنّ الارهاب الوحشي الاعمى الذى يتخذ منه المحتلّون ذريعة للهجوم على الإسلام والمسلمين واستمرار غزوهم العسكريّ أمر ترفضه التعاليم الإسلامية وتدينه، وإنّ اوّل المتهمين في هذه الحوادث الاجرامية هم العسكريون الامريكيون وأجهزة المخابرات الامريكية والصهيونية التي يشكل سعيها للتأثير على عملية تشكيل الحكومة في العراق أقرب أهدافها.
الإخوة المسلمون والأخوات المسلمات،
إنّ التوكل على الله تعالى، والإتكال على الوعود القرآنيّة الحتميّة، وتوثيق عرى الوحدة الإسلاميّة، وأداء فريضة الحج بكلّ ما فيها من عطاء وغني مستمدّ من ذكر الله، واجتماع المسلمين القوىّ المتراصّ في المناسك، كلّ ذلك يمكنه أن يشكّل ضماناً لتحقيق كلّ الاهداف السامية للاّمة الإسلاميّة، ونقطة بدء وانطلاق لهذه النهضة الشاملة، لتكون البراءة قولاً وعملاً من قادة الكفر والإستكبار في هذه الفريضة نموذجاً عملياً، وخطوة أولى على هذا الطريق.
وختاماً اسأل الله تعالى للحجاج الكرام التوفيق وللمسلمين شمولهم في دعوات الإمام المهدي روحي له الفداء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السيد علي الحسيني الخامنئي
8 ذي الحجة 1426
-
- الوحدة الوطنية والإنسجام الإسلامي
- الرسول الأعظم(ص)