موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي
تحميل:

سائر الكتب

  • الفكر الأصيل
  • ضَرورة العَودة إلى القرآن
  • العودة إلى نهج البلاغة
  • روح التوحيد رفض عبودية غير الله
  • دروس وعبر من حياة أمير المؤمنين (عليه السلام)
  • الامام الرضا(ع) وولاية العهد
  • عنصر الجهاد في حياة الأئمة (عليهم السلام)
  • كتاب الفن والأدب في التصور الإسلامي
    • مقدمة
    • الفصل الأول
    • الفصل الثاني
    • الفصل الثالث
      • الشعر: الالتزام والتجدّد
      • الملحق الأول
        سهلة الطبع  ;  PDF

         

        الملحق الأول

        ترجمة نص الكلمة التي ألقاها سماحة آية الله العظمى السيد الخامنئي (حفظه الله) في المؤتمر الثالث للشعر والأدب الجامعي في عموم إيران بتاريخ 18/12/1986 م.

         
        بسم الله الرحمن الرحيم

        كنت أفضل أن أبقى فيما بقي من الوقت مستمعاً وأنت م تنشدون أشعاركم، ولكنكم أعددتم البرنامج بهذه الصورة، وها أنا أخضع لبرنامجكم.
        في البداية، أرى لزاماً عليّ الإعراب عن شكري الصادق للأخوة والأخوات المنظمين لهذا المؤتمر الشعري، وكذلك لكم جميعاً فرداً فرداً، وبالخصوص للذين أنشدوا تلك الأشعار المربية والمفيدة.
        هناك الكثير من المطالب المرتبطة بالشعر وأتمنى لو تسنح فرص للحديث عنها بين الحين والآخر، ولكني أكتفي هنا ببعض المطالب القصيرة بما يسعه الوقت المخصص المحدود.
        أولاً: إن للشعر ميزة خاصة في عالم الأدب والفن؛ وبالطبع فإن لكل فرع من الفروع الفنية والأدبية بجميع أساليبها ـ سواء الفنون التمثيلية، أو فنون الرسم والتجسيم، أو ما يمكن وصفها بالفنون الصوتية كالشعر والقصة والمسرحية وأشكال النثر الفني ـ لكل منها دور كبير في موقعه الخاص في تبليغ دعوة ما وتجسيد أحاسيس وعواطف معيّنة لا تقلّ أهميتها عن الفكر والعقل في محالّها المناسبة، بل هي بمثابة مصفاة للفكر والعقل.
        والفن والأدب في حقيقتهما يشكّلان أسلوباً في البيان والتعبير ولا أكثر، لكنه إذا تحقق الجانب الفني فيه بمعنى الكلمة الحقيقي فهو أبلغ وأدق وأكثر تأثيراً واستجابة من جميع الأساليب الأخرى، وقيمة الفن والأدب تكمن في هذه النقطة بالذات.
        ولكل واحدة من هذه المميزات التي ذكرتها ـ الأبلغ والأدق والأكثر تأثيراً وخلوداً ـ حديث طويل، ولعل إدراكها الدقيق يساعد على فهم حقيقة الفن والأدب، فقد يكون بحث ما علمياً وتحقيقياً ودقيقاً لكنه يفتقد الجانب الفني في العرض، وجميع الإبداعات الفنية متساوية من هذه الزاوية، وإذا توفرت فيها جميعاً فقط جنبة عرض وتقرير دعوة معيّنة فهي مع ذلك لا تبيّن سوى بُعد واحد من أبعاد الفن وليس كافة أبعاده الأخرى الموجودة في ماهيته وعنصره، ولكل منها قيمة خاصة ليس الآن مجال الحديث عنها. ولقد قلت مراراً أن لا حظ لأي رسالة ودعوة وثورة وحضارة وثقافة، من التأثير والانتشار والبقاء إذا لم تُطرح في شكل فني مناسب، ولا فرق في ذلك بين الدعوات المحقة والباطلة.
        إن الفن وسيلة استثنائية، ولكن من بين أساليبه المتعددة تحظى بعض فروعه بخصوصية خاصة، ومنها الشعر، فأنت م تلاحظون أنه يمثل إحدى أقدم مظاهر التمدن الإنساني، وقد يشاركه الرسم في هذه الميزة إلى حد ما؛ وهذه الميزة تلاحظون قلّة ظهورها في الفروع الفنية الأخرى.
        ولغة الشعر والتعبير الشعري قديمة للغاية وهي تكشف أن الإنسان كان بحاجة إليها منذ البداية، وعندما أقول الإنسان أقصد الشاعر والفنان ومخاطبهما أيضاً، فالجميع كانوا بحاجة إليه وإلا لم يظهر منذ تلك الفترة المبكرة ولم يكتب له البقاء في الطبيعة والخلق والتاريخ.
        أجل إن للشعر هذه الميزة، وإذا أردتم دراسة ثقافة وتمدن وحضارة وتاريخ وأفكار بلد ما من بين الثقافات والحضارات والثورات وجميع الظواهر المعنوية للإنسانية... وإذا أردتم معرفة عمق تأثيرها فأحد أفضل وسائل ذلك وأكثرها توفراً للباحثين هي دراسة تراثه الشعري.
        الشعر هو العنصر الأساسي في المجال الأدبي، وهذه هي قيمته، فيجب الانتباه إليها، وتقييمه على أساسها، وتقديمه على الفنون الأخرى، وإن كان لكل منها قيمته المهمة في مجاله المناسب، ولعل بعضها يصل إلى ذروة مستواه الفني إذا اقترن بالشعر.
        إذا عرفنا قدر هذا التحول التاريخي العظيم الذي حصل لدى الشعب الإيراني، واستطعنا ـ إن شاء الله ـ حفظه وتطويره، فإن إنجازه ذلك يحتاج بكثرة إلى النشاط الأدبي والفني، والحضارة الآتية والتي ستأتي وستعم كل الدنيا حتماً هي حضارة هذه العقيدة والثقافة التي أشرقت شمسها مع طلوع هذه الثورة، وهي تحتاج بشدة أيضاً إلى جميع الوسائل لحمل رسالتها المعنوية العظيمة، وأفضل وأبلغ هذه الوسائل وأكثرها تأثيراً هي وسائل الفن والأدب وبضمنها الشعر. وعليه، فالإسلام والثورة بحاجة للشعر، وهنا بالذات أقول: إن الذين يتصورون أن الثورة الإسلامية لا علاقة لها بالأدب والفن يقعون في خطأ فاحش وهم لا يعون ما يقولون، فهذه الثورة أحوج من الجميع للأعمال الأدبية القوية والثقافة الغنية.
        أفكر مع نفسي، أن هذه الثورة لو كانت قد ظهرت في بلد يفتقد للغة غنية ـ كما هو حال بعض البلدان الأفريقية ـ فماذا كان سيحدث؟ ماذا كان سيحدث لو لم تكن لغته مثل اللغة الفارسية، بسابقتها التاريخية الطويلة وسعتها الاستيعابية العظيمة، كما يؤكد علماء اللغة الذين يصفونها بأنها من أفضل اللغات.. وكيف كان يمكن للغة محلية محدودة ضيقة نقل هذه الثقافة الثورية للآخرين؟! وهل كانت ستستعين بلغة أجنبية؟ وأي بلاء سيجرّه مثل ذلك على الثورة؟! هذا البلاء لا نعاني منه نحن اليوم فلدينا لغة قوية وثقافة تاريخية غنية وعميقة وذهنية ثقافية يتحلّى بها شعبنا وجماهيرنا؛ ولكن مع ذلك نفتقد الآن لفن على مستوى عالٍ، وهذه بالخصوص هي القضية التي سأتحدث عنها لشدة حاجتنا إليها.
        إن جميع الإمكانات اللازمة متوفرة، ولكن المفقود هو العمل الغني المؤثر والفاعل القادر اليوم على تركيب هذه الإمكانات وتعبئة وعائها بالمحتوى الثقافي لهذه الثورة وعرضه، وهذه هي المشكلة الكبرى في عملنا، وعلينا الاهتمام بجهود معالجتها.
        وكمقدمة لذلك أُلفت انتباهكم إلى تجربة صدر الإسلام، والذي أتحدث عنه هو مفاهيم هذه التجربة الإسلامية والمفاهيم لا يبليها القِدَم الذي يتسلل لكل شيء باستثناء المفاهيم الإنسانية الأصيلة كالفضائل والقيم والكرامات الإنسانية والأمور التي يشخّص العقل الإنساني قبحها أو حُسنها، فهذه ثابتة لا تتغير، أما المتغير فهو الوسائل والأساليب والروابط.
        إذاً، فالمعرفة الإسلامية جديدة دائماً عندنا، والإسلام نفسه عُرض في البداية في إطار فني بالكامل وهو القرآن الذي يُعتبر ـ بالمعايير الفنية ـ ظاهرة فنية فريدة واستثنائية. نحن الذين تشكّل الفارسية لغتنا الأم نستطيع إدراك عمق جملة أو مفردة منها بصورة لا يمكن لغيرنا فهمها، إلا أن يكون قد عاش منذ الصغر بينكم ولسنين طويلة، أو كانت له مواهب خارقة واشتغل بهذه اللغة أعواماً عديدة، وإلا فلن يكون قادراً على إدراك أعماق جمالها الفني وألفاظها وتركيباتها، وقد أجمع الخبراء في شؤون اللغة ـ أي الشعراء والفصحاء والبلغاء والخبراء في القضايا الأدبية والفنية ـ على الاعتراف بالعجز قبال سمو الذروة الفنية الإبداعية في القرآن الكريم، ولكننا نعتقد في الثورة لشيء من هذا القبيل، باستثناء ما تحلّى به بعض المسؤولين المشتغلين بشؤون النهضة والثورة؛ والأفضل مما لدى الجميع، وفي العديد من الأبعاد، هو ما توفر في شخصية الإمام من مميزات عدة؛ وأبرز ما تمتاز به أدبيات الإمام في باب الثورة هي البساطة والسلاسة والبلاغة والشعبية وسلامة الأفكار في نفس الوقت الذي يستطيع الجميع فهمها، وهذه هي في الحقيقة من خصوصيات الأدبيات الإسلامية، ومع ذلك لا يمكن أصلاً مقارنة سعتنا الأدبية ولغة ثورتنا بالقرآن.
        ويضاف إلى ذلك أن الرسول الأكرم (ص) نفسه كان يستفيد من أساليب أدبية سامية، وكذلك حال كلمات زعماء الإسلام في عصره من كبار الصحابة والأئمة، وكان (ص) يستفيد بالقدر المستطاع من نتاجات الشعراء، التي كانت تشكّل أكثر الوسائل الثقافية رواجاً وتأثيراً في تلك الحقبة، رغم وجود آيات في القرآن ـ كما تعلمون ـ تذم بشدة الشعراء الفاقدين لخصوصية الإيمان {والشعراء يتبعهم الغاوون} إلى قوله {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات..} حيث ذكر ثلاث أو أربع خصوصيات للشعراء الصالحين الذين استثناهم.
        لقد كان (ص) يولي اهتماماً كبيراً بالشعراء ويحترمهم، كما هو مشهود في تجربة صدر الإسلام وفي سيرته (ص)، حيث كان يقيـِّم الشعر والشعراء من خلال نظرته الاحترامية لهم، وجذبهم ودفعهم لإنشاد الشعر وتشجيعهم، وكان يفعل ذلك في مجتمع أعرض بالكامل عن الأمور الترفية وغير الأساسية، وكانت سياحته ولذته في الجهاد، حتى أن العديد من الروايات تؤكد أن مَن يريد الزهد والرهبانية والسياحة التعبدية فعليه بالجهاد.
        في هذا الدين الجهادي والثوري وفي هذا المجتمع الذي قد يتصور البعض أن لا محل فيه للشعر تلاحظون ظهور شعراء كان يحترمهم النبي الأكرم حتى لو كان شعرهم ليس بشأن الجهاد أو القضايا الإسلامية الأساسية، فأعداء الثورة في ذلك العصر كانوا يمتلكون طاقات أدبية قوية وشعراء مشهورين؛ لذا كان (ص) يشجع شعراء الإسلام على مواجهتهم لأن الشعر يواجَه بالشعر ولكيلا يسجل التاريخ أشعار الأعداء فقط ويبقى الإسلام أعزل في مواجهة هذه الحقبة التاريخية الخالدة.
        واليوم، نحن بحاجة في ثورتنا لمثل هذه السعة والقدرة الفنية العالية، وحديثي كما قلت هو عن الشعر الذي يحظى بلغة غنية، ونحن لدينا فيها شعراء أمثال "حافظ" و"مولوي" و"سعدي" استطاعوا تضمين أدق وأصعب المفاهيم في كلمات غاية في الجمال، بحيث تصل أحياناً إلى حد لا يمكن تشخيص درجة جمالية معيّنة لها، وبذلك يمكن فهم تلك المفاهيم الدقيقة الصعبة بصورة جيدة؛ وهذا مستوى شعري راقٍ قلما نجد مثيلاً له في بلاغته وقوّته، وقد لا نجد أفضل منه في الشعر العربي، الذي أستطيع فهمه ولا أستطيع مقارنته (الشعر الفارسي) بشعر اللغات الأخرى التي لا أُجيدها.
        إذاً فلغتنا مرنة وذات سعة كاملة يمكن بها صنع أي شيء، بحيث أن الشاعر غير الفارسي يستطيع إدراك مدلولات كلماتها، والمثال البارز على ذلك هو "إقبال اللاهوري" الذي تعرّف على شعر "حافظ" و"مولوي" وتعلّم الفارسية عن هذا الطريق.
        إذاً فلماذا نحن متخلّفون عن الثورة في المجال الشعري؟! هناك سبب واضح هو أن الأفكار التي تنطلق منها الثورة وتشكّل شرايينها الأساسية ليست لها سابقة تاريخية طويلة في مجتمعنا المعاصر، وقبل ظهور هذه الأفكار الموجودة في مجتمعنا على نمطين كانت تدخل في إطاريهما الأشعار الرسالية التي اصطُلح عليها اسم "شعر الدعوة"، أحدهما عبارة عن منهج الإسلام المعزول عن النزعات الثورية؛ لذا ترَون أشعاراً جيدة للغاية قيلت في مختلف المفاهيم الإسلامية ولكن في المجالات الخالية من الجوانب الثورية؛ فرباعيات جمال الدين عبد الرزاق وهاتف، وعدد آخر من القصائد هي حقاً في درجة ممتازة من الزاوية الفنية وبعضها في ذروة الإبداع الفني؛ كما أن ما في مقدمة "النظامي الكنجوي" أو ما في بعض الكتب العرفانية أو قصائد سعدي في التوحيد والأخلاق تضم جميعاً مفاهيم إسلامية، لكنها وعلى الرغم من جودة بُعدها الفني ليست شعر الثورة وإن كان من الممكن للثورة الاستفادة منها، كما سأتحدث عن ذلك لاحقاً، فهي إسلامية ويتوفر فيها الجانب الفني لكنها ليست ثورية حيث لا تلاحظ فيها الأبعاد الثورية للإسلام؛ هذا هو النمط الأول للتفكير والشعر.
        أما النمط الثاني فهو يشمل الأفكار غير الإسلامية والمعادية للإسلام، أمثال التي دخلت آدابنا خلال الأربعين أو الخمسين عاماً المنصرمة وبعضها ماركسية وبعضها معادية للإسلام صراحة ولها ميول للثقافة الغربية والتحديث الغربي، كما هو حال بعض الأشعار التي أنشدها بعض شعراء أوائل هذا القرن (الهجري) الشمسي، فقد أنشدوا أشعاراً حملت أفكاراً أرادوا ترويجها وهي لا تحمل أي صبغة إسلامية، بل إن قسماً منها معادٍ للإسلام بصراحة، ويوجد اليوم أيضاً شعراء يتابعون نفس تلك المناهج.
        إذاً فالشعر الذي كان يحمل في ذلك العهد رسالة وهدفاً ما كان خالياً من الروح الثورية الإسلامية، هذا إذا كان إسلامياً، أما إذا لم يكن كذلك فأمره واضح. وعليه، فلا يوجد بينها ما ينفع ثورتنا وليس هو شعرها؛ وهذا هو حال "شعر الدعوة"، أي شعر بيان الفكر، فإذا تجاوزناه هناك شعر كثير لا علاقة له أصلاً ببيان فكر أو هدف معيّن بل هو إما مدح وإما هجاء أو وصف للحال أو غزل أو عشق بمختلف الأنواع، فبعضها جيدة وفي سماء الإبداع الفني السابعة لكنها خالية من أية هدف؛ وهذا ما تلاحظونه في تاريخ الشعر على مدى أكثر من ألف عام وفي مختلف الفنون الشعرية منذ زمان "رودكي"، حيث توجد أشعار في غاية القوة والجودة والجمال من زاوية الفن الشعري لكنها خاوية ليس فيها أي فكرة سوى ذاك الوصف لحالة العشق وأمثالها أو الحمد والهجاء. وقد جمعت مرة الموضوعات الواردة في الشعر الفارسي فوجدتها بحدود الخمسة عشر موضوعاً عاماً، وأنت م أيضاً تعرفونها، وخلاصة الأمر أنها لا تمثل شعر الثورة.
        وهنا لا بد أن أشير إلى أننا عندما نقول إن الشعر الفلاني ليس شعر الثورة فهذا لا يعني أننا نرفضه بالكامل بل هو وسيلة قد يستلذ بها البعض، فطريق التخيلات لـ"لطيفة المؤنسة" لم يغلق بوجه بني الإنسان؛ ونحن نقول إنه ليس شعر الثورة، لا إنه ليس شعراً أصلاً، ولكونه شعراً فهو فن وجمال، وقد يكون مطلوباً وقد لا يكون، ولا ضير أصلاً من وجوده في مجتمعنا، ولكنه لا يحظى بمكانة واحترام وافتخار شعر الثورة.
        هذه هي سابقة شعرنا، ونحن اليوم نرى فكراً ورؤى جديدة ظهرت في المجتمع منذ عشرين عاماً ونيّف ووصلت ذروتها بعد أنت صار الثورة ولا زالت أبعاد هذا التحول العظيم التي نراها اليوم مجهولة للأغلبية، وكلما أمعنا في التفكير وجدناها أوسع مما فهمنا، وبظهور هذا التحول تحققت وتجسدت هذه الرؤى والفكر، ولهذا الواقع رسالة فمَن الذي يعرضها؟! إنهم الثوريون، فمثل هذا العمل لا يستطيع القيام به الفاقدون للإدراك الثوري، فالذي لم يحصل على شيء من الوجود كيف يستطيع إعطاء الوجود؟!
        إذاً، فالثوري هو الذي يجب أن يقوم بهذه المهمة وأصحاب السابقة الثورية قليلون. وبالطبع يوجد شعراء أصحاب مواهب شعرية وطاقات فنية جيدة وهم يخدمون الثورة ويضعون فنّهم في خدمة أفكارها ورسالتها، ونشاطهم قيـّم، وإني أحترم وأقدّر وأثني على جميع الذين جنّدوا طاقاتهم الفنية في خدمة الثورة فهم يقدّمون أعظم خدمة لها، ولا ينبغي لنا الشك في ذلك، ولكن عدد هؤلاء ليس كبيراً وليسوا جميع أصحاب البيان، فهم لا يكفون.
        والعناصر الشابة التي تظهر الآن هي عناصر ثورية تتحلّى ـ أمثالكم أنت م الجامعيون والعلماء ـ بمستوى فكري عالٍ. وفهم صادق وخالص ونقي للثورة ولديها مواهب فنية بلا شك وهي تريد القيام بمهمة عرض رؤى الثورة وفكرها، فما الذي تحتاجه؟ وما الذي يجب أن تقوله؟ وأي مسير تسلكه؟! أعتقد أن الشيء الذي ينبغي أن نحصل عليه ـ تدريجياً ـ في هذا المؤتمر هو الإجابة على هذه الأسئلة.
        لدي هنا عتاب، وفي الحقيقة بيان لحقيقة واقعية هي أن الكثير كانوا قادرين على جعل مواهبهم الفنية القوية في خدمة الثورة والجماهير، لكنهم لم يفعلوا ذلك رغم كونهم شعراء على مستوى جيد من زاوية الموهبة الفنية، وبالطبع فإن بعضهم لم يكونوا يدّعون أنهم في خدمة الشعب، فأحدهم كان يقول: أنا قارئ رثاء لقلبي المجنون!! فهو كان يقول شعراً لنفسه ولا شأن له بالأفكار والأهداف الثورية، ونحن لا شغل لنا بأمثاله ولا نتوقع منهم أن يأتوا لتقديم خدمة لهذه الثورة ويحركوا ذهنهم من أجلها، فبعضهم قد تقوقع في زاوية وانشغل بشأنه، والبعض الآخر لا يفعل شيئاً أصلاً.
        ولكن البعض ادّعـَوا أنهم في خدمة الشعب لكنهم لم يلتحقوا بصفوف الشعب، ولذلك أسباب عديدة، فبعضهم بسبب أن أنت صار الثورة أبطل مرة واحدة كل الأفكار والمعتقدات التي كانت حاكمة على أذهانهم مثلما أن تحقق المعجزة يجعل السحر يتحول بنفسه إلى هباء منثور، فقبل تحوّل عصا موسى إلى ثعبان مبين كانت تلك الحبال المتحركة على الأرض تبدو ـ خداعاً ـ كمعجزة، ولكن وبمجرد تحقق المعجزة الحقيقية اندحرت تلك الحبال ومعجزتها الكاذبة؛ وعندما تحققت معجزة الثورة دحضت كافة ما نسجته أذهانهم، غربيّهم وشرقيّهم؛ دحضت العلمانيين على النمط الغربي الذي كانوا يتحدثون عن حقوق الإنسان والإنسانية وقيمها وأمثال ذلك، ويشيدون بالجمال والمحبة ويطلقون ادعاءات جوفاء ليس لها مصداق خارجي، كما دحضت اليساريين الذين اتخذوا خدمة الشعب والطبقة الكادحة شعاراً لهم وتعلّقوا به عمراً، فجاءت الثورة واتضح أن جميع تلك الشعارات جوفاء لا حقيقة لها ولا روح فيها.
        فهؤلاء إذا أرادوا التخلي عن هذه الأفكار والتصديق بالحقائق الواقعية والقبول بها بكامل إشراقها، فالأمر يحتاج إلى تضحية وشهامة يفتقدونها، لذا لم يلتحقوا بالثورة ولم يقبلوا أفكارها، ولذلك فهم لا يستطيعون طبعاً قول شيء بشأنها. هذا هو حال قسم من الذين لم يتقبلوا فكر الثورة.
        وهناك فئة أخرى كانوا يريدون إطلاق سمة الشاعر الجماهيري عليهم والتوسل بافتخار السمة الثورية وفي نفس الوقت الانغماس بالترف واللهو والرذيلة والسكر الأسود، مثلما يفعل الشخص البعيد بالكامل عن الشعب وطموحاته؛ وكان يوجد أمثال هؤلاء أيام العمل ضد الحكم، وإني أعرف أشخاصاً من أصحاب الأسماء والألقاب المعروفة في عالم الأدب كانوا إذا جلسوا عندكم وكان المقام مقام قول ـ أي التحدث فقط عن العمل الثوري وليس نفس العمل ـ تجدوهم يطلقون الدعاوى العريضة التي يصغر قبالها كل كبار الثوريين في التاريخ؛ ويخرج من دائرة المقارنة بهم "ماكسيم غوركي" وكافة مَن يحسب أنه من الشعراء والأدباء الثوريين!! هذا في مقام القول والإدعاء، ولكن بمجرد بدء العمل تجد انعدام حضورهم بالكامل، حتى أنهم لم يكونوا مستعدين لقول كلمة واحدة قد تجلب عليهم خطراً مهما كان قليلاً، وإذا فعلوا شيئاً ولو على نحو الاشتباه وتلقَّوا بسببه صفعة واحدة كانوا يعلنون توبة مائة عام!! وكانت حياتهم التي ألـفَوها حياة ترفية لهوية وضعية حيث كان أحدهم يُجلَب مخموراً محمولاً بعد ساعة أو ساعتين من منتصف الليل بعد أن يُنتزع بالقوة من حانات طهران أو أماكن أخرى لإرجاعهم إلى منازلهم؛ كانت هذه حياتهم، وكانوا يريدون مثلها للمجتمع الثوري!! وكانون يطلبون ثورة تحقق لهم ذلك.
        ومن الطبيعي أن لا يكون لثورة قامت على أكتاف جماهير "حزب الله" المؤمنة ـ وبتلك الحركة العظيمة ـ شأن بأمثال هؤلاء الفاقدين للإحساس بالمسؤولية، العاطلين وغير النافعين، ومن الطبيعي أن لا يكون لهم موقع في الثورة، فاعتزلوها لأنها لا تحقق لهم مصالحهم، وهذا حال طائفة أخرى فقد اعتزلت الثورة لأنها لا تحقق أهواءها.
        وهناك طائفة أخرى كانت تتوقع أن تصبح "نجوم الثورة المتألقة"!! ولم تكن ترضى بأقل من ذلك ولا بقيد أنملة! فهجرت الثورة واعتزلتها لمجرد أن شخصاً أو مجموعة أغفلت الحفاوة بها قليلاً، أو أن أسماءها لم تتردد بين الناس؛ وبالطبع فإن هؤلاء إذا كانوا ثوريين حقاً، كما حدث مثل هذا، فموقفهم هذا ناشئ من عدم صدق ثوريتهم وعدم التزامهم بالإسلام والثورة، فهم كانوا يرغبون أن يكون أول عمل يقوم به الشعب، بعد إسقاطه نظام الظلم الملكي ودحر هذه العقبات السبع، هو التوجه إلى هؤلاء السادة وحملهم فوق رؤوسه، وأن يتحدث عنهم ويسلّط الأضواء عليهم؛ ولكن هذا لم يحدث، ومن الطبيعي أن لا يقوم الشعب به، فتأثروا لكونهم لم يصبحوا نجوم الثورة!!
        وهناك مجموعة أخرى بعض أفرادها تدخل ضمن الطائفة السابقة أو إلى جانبها، وهؤلاء لا دوافع لهم سوى الخبث والارتباط بمختلف الأطراف المعادية للثورة، لذا لم يبادروا لخدمة الثورة فهم لم يرغبوا في ذلك أصلاً، بل وإنهم قاموا بالعمل ضدها، وبعضهم قابلوا الإحسان بالإساءة وحطموا وعاء الملح بعدما طعموا منه.
        وقد عرف عالم الأدب بعد ثورتنا بعض الأفراد أمسكوا القلم ـ ودون أن يحمّلوا أنفسهم مشقة أدنى تفكر أو تأمل ـ وأخذوا يسطّرون سلسلة من الخزعبلات، واتَهموا بالوقوع في الخطأ والانحراف شعباً كاملاً وثقافة عظيمة متجذرة وثورة بهذه العظمة، وأطلقوا من الأوصاف ما لا يجدر بالمسلمين والفضلاء إطلاقه، ولدينا أمثال هؤلاء الآن يعيشون في بلدنا ويستفيدون من أجواء الحرية التي أوجدتها الثورة ويكتبون ويتحدثون ويخطبون بحرية.
        وبالطبع ـ وكما ذكرت ـ كانت هناك أيضاً أقلية من الأدباء والفنانين والشعراء المعروفين وذوي المواهب القوية والأسس الفنية المتينة، تخدم الثورة وتنشد لها الأشعار حتى قبل أنت صارها، وبين هذه الطائفة أفراد تعرضوا للتعذيب بسبب ذلك وهم الآن يواصلون خدمة الثورة، ونحن نكنّ لهم كبير الاحترام والتقدير، ولكنهم قلة.
        إن الثورة تريد أن يكون الناطقون باسمها أشخاصاً منها، وهؤلاء هم أنت م الذين تشكّلون الجيل الجديد الذي يريد التحدث لخدمة ذاته والشيء الذي أدركه بكل وجوده، ولتحقق ذلك من الضروري ـ حسب وجهة نظري ـ الالتزام بعدة قضايا:
        الأولى: الأسس الفنية، فلو كانت نتاجاتكم تفتقد الأسس الفنية بالمستوى المناسب لما كان لها قيمة، إذ من الممكن إطلاق الحديث العادي بسهولة في حين تلك الخصوصيات التي تحدثت عنها تتعلق بالعمل الفني الجيد المؤثر وهذا الذي يجب أن تكتسبوه.
        وبالطبع فالمواهب الموجودة جيدة للغاية، وقد شاهدت ذلك في الأشعار التي قرأها هؤلاء الشباب الأعزاء أخوة وأخوات هنا ـ ومعلوم أن السيد "مرداني" مستثنى فهو من مشايخ عالـم الأدب الثـوري ـ وقد وجدت شيئاً جديداً قيماً وجذاباً للغاية في أنفاسهم، ولكن من السابق لأوانه أن نحدد خصوصيات هذه الوليدة الشعرية الفتية والحتمية للثورة، وتعيين إطار لها، فمن الضروري مرور فترة تسجل فيها نتاجاتها، أما ما أُحس به فهو وجود وحضور الثورة في المصطلحات والتركيبات الجديدة والمفعمة بالسرور والأمل المستخدمة بكثرة في هذه النتاجات، وكثيرة هي المضامين النادرة التي قلّما استطاعت الألفاظ اصطيادها. وبهذه المميزات يمكن ـ إلى حد ما ـ وصف هذا الشعر الجديد.
        إن الشعر الثوري اليوم بحاجة إلى مصطلحات جديدة وبديعة، والتجديد هنا لا يعني تلفيق مصطلحات مفتعلة ركيكة، أو مصطلحات فارسية مقترنة بالفرار، أو محاربة المفردات العربية التي هي جزء من لغتنا، فهذا المقدار الذي نتحدث به من المفردات العربية هو جزء من اللغة الفارسية، على حد تعبير المرحوم "آل أحمد" في جوابه على مَن سأله عن كثرة المفردات العربية في عباراته حيث قال: إنني أنا الذي أسألكم: ولماذا لا يكون؟! فهذه المفردات العربية لغتي فقد ولدتُ وفتحتُ عيني عليها وكبرت معها، فمَن ذا الذي يستطيع أن يجبرني على قطعها واحدة واحدة، كـ"الموضوع" و"المحمول" وغيرها من التعبيرات المختلفة للمفردات العربية الموجودة في لغتي بمقدار ما فيها من المفردات الفارسية، والقيام برميها بعيداً والإتيان بمفردات غريبة مستوحشة لتحل محلها؟!
        إذاً فالتجديد الذي نقصده لا يعني متابعة بعض التيارات ذات النيّات المشبوهة أو الأذواق الهابطة التي كانت تحارب وتعادي المفردات العربية، كلا إن ميادين الفكر والإبداع مفتوحة، واليوم نجد هذه التعبيرات والمصطلحات والتركيبات الجديدة البديعة في شعر هؤلاء الشباب كاشفة عن جودة مواهبهم، ولعل السابقة الشعرية لبعضهم من الذين أنشدوا أشعارهم هنا لا تتجاوز السنتين أو الثلاث أو الخمس، وقد لا تكون لبعضهم سابقة شعرية أصلاً لكن مواهبهم قوية، واضحة وملحوظة؛ وأرى بينكم كثيرين سيتطورون ويتقدمون في وادي الشعر، وإذا استمر التقدم على هذا النحو فسيكون لدينا في المستقبل مَن يجمع بين خصوصيات السبك الشعري الهندي لـ"صائب" ـ وليس للسبك الهندي لـ"عبد القادر بيدل" ـ من متانة النظم وسهولة الفهم، وبين خصوصيات لطافة السبك العراقي لـ"حافظ" (الشيرازي)، أي ذروة ما يصله شعرنا المعاصر هو الجمع بين خصوصيات شعر "صائب التبريزي" و"حافظ الشيرازي".
        وكما أشرت فمن غير الممكن الآن تحديد خصوصيات الشعر المعاصر، الذي ظهر وتفجر بعد الثورة، وقد بحثت بنفسي حول هذا الموضوع وسعيت لتحديد خصوصياته، لكني وجدت أنه لا زال غير منظم، ويحتاج الأمر لمرور فترة من الوقت لتثبيت هذه الخصوصيات. وعلى أي حال، فاجتهدوا في العمل بما استطعتم لتقوية هذا الفن الأدبي، وحذار من أن يتصور شاعر شاب أنه أصبح في غنى عن تنقيح وتجويد وإصلاح نتاجاته الشعرية لمجرد كونه قد أنشد خمسين أو مئة قصيدة كان في كل منها بيت أو بيتان جيدان أثارت إعجاب الآخرين، كلا فلا غنى حتى للشعراء الأقوياء الذين تمتد سوابقهم الشعرية عشرين عاماً عن التنقيح والإصلاح، بل إن تقوية الروح الشعرية والفنية أمر يحتاجه الشاعر إلى النهاية لأن الفن غير محدود فهو في حركة تطورية مستمرة ما لم توقفوه بأنفسكم.
        واطلبوا دائماً النقد، فعالم الشعر من العوالم التي تحتاج إلى النقد، ولا يكفي هنا تقبّل النقد واستماعه ـ وهو أمر ضروري ـ بل من اللازم طلب النقد والسعي له، لقد كانت لدينا في مدينة "مشهد" جمعية أدبية ولسنين طوال، وكان إذا أُنشد في محافلها شعر ولم يعترض عليه أحد من الحاضرين ولم يُشْـكِلوا ولم يستفسروا، فهذا الموقف كان علامة على أن الشعر تافه لا يستحق النقد، حيث لم يكن ممكناً أن يحجموا عن النقد إذا كان الشعر جيداً، اللهم إلا أن يكون الشاعر ضيفاً قادماً من مناطق أخرى فيسكتون احتراماً له؛ وغالباً ما كانت أشعار أمثال هذا دون مستوى الأشعار التي كانت تُنشد في الجمعية.
        نحن بحاجة إلى اتحاد أو جمعية أدبية في كل مدينة. ومع أن عقد هذا المؤتمر الشعري فرصة طيبة لاجتماعكم لكنه لا يكفي؛ ولا أدري هل أن مثل هذه المؤتمرات قد شهدت إلى الآن قيام شخص أو أشخاص لنقد بعض ما يُنشد وتقديم اقتراحات لإصلاح البيت الفلاني، أو استبدال هذه الكلمة أو هذا المصرع بذاك، أو أن هذا التركيب فيه خلل، أو أن هذا المضمون تكراري؟؟ وهكذا الجمعيات الأدبية ومن خلال عرضه على أساتذة الفن. ويجب التفكير من الآن بالأشياء التي يحتاجها شعر الثورة في أساليبه وأُطره وفي مضامينه، ومع الأسف فالمجال محدود، لذا أكتفي بالقول هنا: إن الشعر الثوري يجب أن يتحلّى بالروح الثورية والاتجاه الثوري، إذ لا يمكن تجديد أي موضوع خاص لشعر الثورة، فلا تتصوروا أن شعر الثورة يجب أن يتحدث فقط عن الثورة أو الحرب أو شخص الإمام أو المقاتلين، بل يمكن لكم أن تتناولوا في شعرهم قضايا أخلاقية، ولكن ضمن الإطار والاتجاه الثوري، وهذا المعنى تدركونه اليوم جيداً.
        فمرة قد يكون طرح الأخلاق في اتجاه غير ثوري، بل مناقض للثورة. ولكننا نستطيع القيام بـإنجاز مهم إذا استطعنا دعوة الناس إلى القناعة الثورية والصبر الثوري والتعلّم والحلم الثوري والشجاعة الثورية من خلال أشعارنا وقصائدنا ونتاجاتنا الأدبية، ففي هذه الحالة تكون هذه النتاجات أدباً ثورياً قيـّماً وقوياً، أي أن الشعر الثوري لا يعني أن نتحدث فقط عن وقائع الحرب والمقاومة في خوزستان وميادينها الدامية، بل يمكن أيضاً أن يتناول قضايا أخلاقية، ولكن شريطة أن يكون الاتجاه ثورياً.
        وبالطبع فإن أفضل الشعر الثوري هو الذي يعرض الظواهر التي تختص بها الثورة فلا توجد في غيرها، ولدينا الكثير من هذه الظواهر، فهناك ـ في المجالات السياسية ـ مبدأ اللاشرقية واللاغربية، ومبدأ مجاهدة المستكبر، ونصرة المستضعف على الصعيد العالمي، والدفاع عن فلسطين وأفريقيا، ومحاربة التمييز العنصري في كل مكان، وهذه من مختصات الثورة لا يملكها الآخرون، وبالطبع يوجد أدعياء لها ولكن لا توجد ثورة ونظام تشكّل هذه المبادئ إطار تحركها عملياً. كما توجد في مجال البناء الاجتماعي ظاهرة بناء المجتمع على أساس القيم الإلهية، وهذا موضوع تختص به لا نظير له في كل العالم، بل وحتى الذين لديهم بعض القيم الإلهية يطلقون عليها وصف "القيم الإنسانية" أو "الدفاع عن حقوق الفرد والمجتمع"، فتكون القيم أحياناً إلهية لكن المجتمع الذي يقام عليها مفقود؛ وهذا جزء من الأهداف الأساسية لرسالتنا الشعرية، فالدفاع عن الشعب من مختصات مجتمعنا التي لا ينظر لها حتى في المجتمعات الثورية. كما أن روحية التعاون والتكاتف بين فئات الشعب، وبساطة حياة مسؤوليه، وعدم التمايز بين مختلف فئاته، هي جزء خصوصياتنا الثورية.
        ومن هذه الخصوصيات، قيادتنا الإلهية المعنوية والعرفانية، فهذا القائد العام للقوات المسلحة هو عارف، وهذا ما لا تجدونه لا في التاريخ الحديث ولا القديم، فأين كنتم تجدون العرفاء في السابق؟! كانوا دائماً في الزوايا أو المساجد أو الخلوات، وفي حالة البكاء؛ ولكن هذا العارف يتحلّى بنفس حالات التضرع في الأسحار، ويقوم بأشكال الرياضات المعنوية، وله تلك الجذبات المعنوية، وعنده تلك الاتصالات والإلهامات الغيبية، وإلى جانب ذلك فهو القائد العام للقوات المسلحة، ويقوم بتعبئة كافة القوى للحرب والسلام؛ وهذه الظاهرة من خصوصياتنا الفريدة.
        وبخصوص شخصية الإمام الخميني باعتباره قائد الثورة، فمرة تُنشِدون في مدحه أشعاراً مدفوعين بعاطفة حبكم له وتعلّقكم به، وقد قيل الكثير من هذا النوع لكنه لا يحمل رسالة لشعوب العالم، والمهم أن تحمل أشعاركم تعريفات لهذه الظاهرة التي تتميز بها دولتنا ومعنى "ولاية الفقيه"، وهي القيادة العامة لكل القوى وكيف أنها يجب أن تكون لولي الفقيه الأعلم بالدين ومصالحه، فيكون بيده أمر الحرب والسلام والتعبئة العامة وغير ذلك..
        وهناك قضايا أخرى في ثورتنا مجهولة للعالم، ومنها وقائع الثورة، فمثلاً يمكن بواسطة الشعر (وصف) كيفية عودة الإمام الخميني إلى إيران، وقد مرت على ذلك اليوم ثمانية أعوام، والذي يبلغ عمره منكم اليوم أربعة وعشرين عاماً كان عمره يومئذ ستة عشر عاماً، والكثيرون منكم لم يكونوا في طهران آنذاك، فلا أدري هل تتذكرون ذلك اليوم أم لا؟ ولكن الذين كانوا شهود عيان ويتذكرون يستطيعون تصوير وقائع ذلك اليوم وحالة الشوارع التي شهدت ذلك الاستقبال، ومقدمات العودة، ووصول الإمام، وكيفية حركته إلى مقبرة "جنة الزهراء" ثم الذهاب إلى مدرسة "علوي" ثم مدرسة "رفاه"، فستكون من ذلك ملحمة شعرية خالدة إذا اقترنت ـ كما قلت ـ بالمستوى الفني المناسب فستصبح ملحمة أدبية فريدة.
        وكذلك نظير وقائع الأيام الأولى لأنت صار الثورة، والتحركات المنحرفة والضالة التي واجهتها، ونشاطات المستغلّين المتسترين بشعارات الدفاع عن مصالح الشعب، وكيف رفعوا السلاح بوجه الشعب وقيادته، وما فعلوه في طهران وغيرها، فهذه موضوعات ملاحم شعرية قوية. كما أن خطاب الإمام الخميني في "جنة الزهراء" وسائر الخطابات تحمل نداءات مهمة يمكن للشعر الثوري أن يجعلها مضامين له.
        إذاً، ترَون أن لا حدّ ولا حصر للموضوعات والمضامين الثورية المتوفرة عندنا اليوم للشعر المعاصر، فإذا أخذت الآن قلماً وأردت كتابة عناوينها لاستطعت ـ دون تفكير مسبَّق ـ كتابة العشرات منها، يستطيع كلٌ منها أن يجذب إليه فيتحدث وينشد عنه، وبالطبع فمن الضروري أن توضع هذه المضامين في أوعية فنية مناسبة.
        إن إبداعكم يكمن في اقتطاف الكلمات بالشكل المناسب، مثلما يفعل صانع الفسيفساء، وقد رأيتم كيف يجلس يرتب القطع ذات الأشكال والألوان المختلفة بصورة فنية متناسقة بحيث لا يمكن فصلها وتفكيكها فيشكّل بها شكلاً واحداً في غاية الجمال. عليكم أن ترتبوا مثله أجمل تصوير في شعركم بواسطة الكلمات، فاقتحموا غمار بحور هذه المطالب والمضامين التي أشرت إليها لكي تستطيعوا تبيان المضامين الجميلة بأساليب وألفاظ وتركيبات جميلة.
        هذا فيما يتعلق بمحتوى شعر الثورة. أما فيما يرتبط بأساليبه فالحديث عنها طويل أيضاً.. ولكن مع الأسف فقد ذكّروني الآن أن لدي موعداً اقترب حينه ويا ليتني لم أقرر هذا الموعد إذ لاستطعنا مواصلة حديثنا وتوضيح الإطار والأساليب المناسبة لشعر الثورة وكيف يمكن أن يكون.
        أسأل الله التوفيق للأخوة والأخوات الأعزاء والمحترمين، واستثمر هذه الفرصة مجدداً لكي أشكر المنظمين لهذا المؤتمر من الأعزاء في الجهاد الجامعي وكذلك المشاركين فيه، فواصلوا هذا النشاط ولا تكتفوا بمؤتمر واحد في العام، وواصلوا نشاطاتكم بين هذا المؤتمر ومؤتمر العام المقبل، مع هذه المضامين والآثار والوصايا التي عرضتها هنا، وهناك الكثير غيرها لم أذكرها وهي في ذهني وأتمنى حلول فرصة للتحدث عنها.

      • الملحق الثاني
    • الفصل الرابع
  • الإمامة والولاية في الإسلام
  • المواعظ الحسنة
  • حقوق الإنسان في الإسلام
  • قيادة الإمام الصادق (عليه السلام)
700 /