بسم الله الرحمن الرحيم
أتقدّم بوافر الشكر للأخوة القائمين بشؤون الحج، سواء أكانوا في البعثة لا سيّما سماحة الشيخ ري شهري أو الأخوة والأخوات في منظمة الحج وباقي الفروع المعنية وخصوصاً سماحة السيد خاكسار الذي سمعت بأنه أدخل بعض التطورات الجيدة لتحسين أداء مراسم ومناسك الحج والعمرة.
إنه لشأن جليل، وإنها لهدية إلهية للأمة الإسلامية.
إنّ كافة الفرائض والواجبات الإلهية تُعدّ في الواقع هدايا إلهية لبني البشر، فالصلاة هدية إلهية، والصيام هدية إلهية، والإنفاق والزكاة كذلك، إلاّ أنّ الحج يتمتع بميزة دولية إسلامية خاصة.
إنّ بمقدورنا أن نعتبره إحدى معجزات الإسلام، حيث يجتمع الحجيج حول محور واحد وتعتبر الأمة نفسها سواسية نحوه: (سَوَاء الْعَاكِفُ فِيه وَالْبَاد) (سورة الحج, الآية 25).
فالمسلمون جميعاً سواء بسواء أمام هذا البيت المقدس، يستوي في ذلك سكان مكة القاطنون في أقصى نواحي العالم الإسلامي، فمكة للجميع، والكل يسعى إليها بكل ما في أعماقه من شوق ومحبة عاماً بعد عام دون أن يتركوا هذا البيت وحيداً، فهو بيت المسلمين، وهو بيت الله، وهو بيت الناس (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ) (سورة آل عمران, الآية 96).
إنها لفرصة عظيمة أن يجتمع هذا العدد معاً من الحجيج المسلمين، فيتعارفون، ويتدارسون شؤونهم، ويتبادلون الأفكار والآراء، ويعملون على حل مشاكلهم، وهكذا فإن الحج نعمة كبرى لو عرفنا قدرها.
إنّ الحج في هذا العالم، الذي أُعلن عاماً للانسجام الإسلامي، يتخذ له طابعاً خاصاً. لقد كنّا دائماً نسعى نحو الانسجام، ومن واجب الأمة الإسلامية أن تحقق وحدتها وتضامنها، إلاّ أنّ اختيار هذا العالم وجعله عاماً للانسجام الإسلامي يشبه قمة في سلسلة جبلية. والسبب واضح بالطبع حيث إنّ سياسة أعداء الإسلام والمسلمين تتركّز على إيجاد الفرقة والشقاق وإشعال فتيل الخلاف والتمزّق بين المسلمين، وهو ما يخدم مصالحهم أكثر من أي حرب عسكرية أو حركة سياسية أو تحدٍّ اقتصادي.
وللأسف الشديد، فإن الأرضية ممهّدة أمامهم، والسبب في ذلك يعود في قسم منه إلى العوامل التاريخية، وفي القسم الآخر إلى ما يخيّم علينا من جاهلية في عصرنا هذا. فإذا لم يكن هناك تعدد قومي وطائفي ومذهبي ـ كقولهم شيعة وسُنّة ـ لفتّشوا عن الخلافات الموجودة بين أتباع كل مذهب على حدة، بغضّ النظر عن أن يكونوا سنّة أو شيعة، ولأشعلوا نار الفتنة، ولكنهم الآن في غنى عن ذلك، حيث وجدوا في مسألة شيعي وسنّي وسيلة ناجعة في إيجاد الاختلاف بين المسلمين، وهذا ما نشاهده في كل مكان من بقاع العالم الإسلامي. ومع ذلك فقد باءوا بالفشل الذريع والحمد لله، لقد أرادوا بعد قيام الحكومة الإسلامية في بلد شيعي أن يوحوا للناس بأن الخلاف بين الفرق الإسلامية والأشقّاء المسلمين بات أشدّ من ذي قبل، إلا أنهم لم يحصدوا سوى الهزيمة والخسران.
إنّ السبب في ذلك يعود إلى أنّ الحكومة الإسلامية تصرّفت بطريقة إسلامية. لقد عبرنا عن مواساتنا لأشقائنا في فلسطين أكثر من أي بلد آخر من بلاد العالم الإسلامي مع أنهم من إخواننا أهل السنّة ولا يوجد بينهم إلا النذر اليسير من الشيعة.
كما أننا قدّمنا أكبر دعم للوحدة بين الشيعة والسنة في العراق. وأما في إيران فإن الأشقاء من الشيعة والسنة يعيشون معاً بكل ألفة ومودّة وتفاهم.
إنّ الحكومة والجمهورية الإسلامية حالت بين الاستكبار وبين بلوغ مطامعه، ولكنهم مازالوا يبذلون جهودهم ـ وللأسف فإنهم قد يحققون شيئاً مما يريدونه في بعض الأصقاع ـ فكونوا منهم على حذر.
إنني أوصي بشدّة وأؤكد على ضرورة الاهتمام بقضية الانسجام الإسلامي وإبطال كيد الأعداء في كافة مراسم الحج وشعائره.
وفي نفس السياق فإن على الحكومات أن تشعر هي الأخرى بالمسؤولية. فعلى الدولة المضيّفة، وهي العربية السعودية، أن تشعر بالمسؤولية.
إنّ تصريحات المسؤولين السعوديين تكاد تشبه ما نتوقّعه منهم، إلاّ أنّ القوال لابدّ وأن يتجسّد في ساحة العمل، وأن يقتنع بأنهم لا يلهثون خلف نوازع الشقاق وأنهم لا يدعمون أصحاب تلك الأهداف المشؤومة، بل ويقفون في مواجهتهم ويتصدّون لهم.
إنّ هذا ما ينبغي مشاهدته في ميدان العمل، فلابد إذاً من إيجاد التآلف والاتحاد، وأنّ عليكم أنتم أن تتعاملوا بوعي وحذر، وأن تعرفوا أنه من الخطأ الشديد إثارة النزعات المذهبية في نفوس الأخوة من أهل السنة، بل وإنه لإثم، وأن تأخذوا ذلك على أنه أصل وقاعدة لا ينبغي الخروج منها.
نعم، إنّ ثمّة نقاطاً للخلافات، ولكن التركيز على تلك النقاط وإشعال نار العصبية من خلالها هو بعينه ما تسعى نحوه أجهزة التجسس الأمريكية والإسرائيلية، وهو ما يريدون تحقيقه.
إنّ البعض يصبح عميلاً لهم دون أن يقصد أو أن يدري، بل ويحقق لهم ما يحلمون به حتى مجّاناً وبلا مقابل، فيحلّ عليه غضب الله وسخطه.
إن العالم الإسلامي أحوج ما يكون الآن إلى الوحدة، فلا بدّ من أن يرتفع صوت في هذا العالم منادياً بالوحدة وداعياً إلى الإتحاد.
إن هذا هو ما يمكن أن يوقف ذالك الجور الذي يتعرّض له شعب فلسطين، إن هذا هو ما يمكن أن يحول دون التدخّل الاستكباري الأمريكي في الشرق الأوسط والدول الإسلامية.
إنهم يستغلون تشتت المسلمين ويسعون إلى شق الصدع وتوسعة الهوّة بينهم؛ حتى يُحكّموا سيطرتهم على مصير البلدان الإسلامية.
إن كل من يمدّ لهم يد العون في ذالك سيكون في عدادهم عند الله تعالى، وسيتعرّض لأقسى أنواع العذاب؛ فيجب الحذر الشديد.
وأما المسألة الثانية: فهي بناء الحج، وذلك على مستويين، المستوى الفردي والأخلاقي ـ حيث يمكن لرجال الدين والعلماء المحترمين أن يقوموا بدور فاعل داخل حملات الحجاج ـ وكذلك المستوى الوطني، أي تمهيد الأرضية للحجاج لاكتساب شخصية وطنية ملتئمة وناضجة ومتوازنة وحكيمة أثناء موسم الحج.
إنّ الشاب أو الرجل أو المرأة إذا استطاع كل منهم أن يألف القرآن ويأنس به في موسم الحج، وأنّ يتأمّل فيه ويتدبر معانيه ويتعلّم آيات الدعاء والمناجاة مع الله سبحانة وتعالى، فإن ذلك سيكون زاداً له على مدى الحياة.
إنّ كل حاج إذا ألزم نفسه بختم القرآن في المدينة المنورة وختمه مرة ثانية في مكة المكرمة ـ حيث بيت الله وأرض الوحي ونزول القرآن ـ أو إذا استطاع أن يختم القرآن الكريم ويتلو بعض أجزائه بتأمّل وتدبر ويُعوّد نفسه على ذلك خلال هذه المدة، فإن ذلك سيكون ذخراً له، وباستطاعتكم أنتم أن تساعدوه على اكتساب مثل هذه الخصال المعنوية والروحية الحميدة والخالدة.
إنّ القرآن كنز لا يفنى، وإنّ الأنس بالقرآن والألفة معه أعظم فائدة للإنسان من كل درس أو واعظ أو رفيق ناصح.
إنّ المرء إذا استطاع أن تربطه بالقرآن علاقة وثيقة وحقيقية، وإذا تمكن من تلاوته للإستفادة والاستنارة والاستضاءة القلبية والمعنوية، فإن ذلك سيكون أفضل له من كل واعظ ومُعين، وإذا تمكّن المرء من تحقيق هذه الغاية، فسيكون قد حقق انجازاً عظيماً.
إنّ أداء الحجاج للمناسك بإمعان وتدبّر، من طواف وسعي ووقوف مع تحرّي الخضوع والخشوع واجتناب محرمات الإحرام، سيجعلهم يجدون في كل واحد من هذه الأعمال درساً نافعاً.
إنّ على حجّاجنا المحترمين وإخواننا وأخواتنا الأعزاء ألاّ يبطلوا حجّهم بالنزوات الدنيوية التافهة، وذلك من قبيل التبضّع من المحالّ والأسواق المختلفة.
إنّ غشيان تلك الأسواق من أجل شراء شيء لا أهمية له يعتبر كارثة ومشكلة، وأما ما يحيط ذلك من ملابسات فإنه يعدّ مشكلة أخرى.
إنّ مثل هذه التصرفات وما يلازمها من أمور ستكون باعثاً على أن ينظر الحجاج الآخرون للحاج الإيراني بعين المهانة والاحتقار.
إنّ هذا هو ما أوصي به المسؤولين عن الحج والقائمين على شؤونه في كل عام.
إنّ النزوات التافهة والوضيعة من شأنها تلويث كل هذه الأجواء المعنوية الصافية.
إننا لا ندعو الناس إلى زهد أبي ذر فنحن أقل وأصغر من أن نفكر في مثل هذا النوع من الزهد، بل ندعو أنفسنا وندعوهم إلى عدم الإغراق في مثل هذه الأمور.
إننا نفرط في الاستهلاك، وشدّة التعلّق والملاحقة، وإيلاء الأهمية للأشياء التافهة، وإن مثل هذا الافراط يضرّ بالأجواء الروحية والمحيط المعنوي.
وعلى أية حال، فإنني أعتقد أنّ بوسع رجال الدين الأفاضل أن يقوموا بدور مؤثر على هذا الصعيد، سواء أكان ذلك بالقول أو الفعل أو التعامل مع المخاطبين.
وهكذا هم المسؤولون المحترمون عن البعثة وحملات الحجاج على اختلاف وظائفهم.
إنها لخدمة عظيمة، وإنّ الحج نعمة مضاعفة لكم أيها المسؤولون عن شؤون الحجيج ففضلاً عن نعمة الحج هناك نعمة تقديم الخدمات للحجيج.
نسأل الله تعالى أن يتقبّل أعمالكم وأن يُرضي عنكم قلب ولي العصر أرواحنا فداه وأن يشملكم بدعائه المبارك.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته