موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

نهضة الأمّة الإسلامية في كلمة ولي أمر المسلمين في مولد النبي الأعظم (ص) والإمام الصادق (ع)

بسم الله الرحمن الرحيم
اليوم هو يوم عظيم لتاريخ الإسلام، بل لتاريخ البشرية، إنه يوم ميلاد نبي الإسلام الأكرم ورسوله الأعظم محمد بن عبد الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وكذلك يوم ميلاد الإمام الناطق بالحق جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم سلام الله ورحمته). وإنّ لهذا اليوم بركات عظيمة جداً على المسلمين؛ لأنه يوم ميلاد النبي الأكرم وميلاد الإمام العظيم الإمام جعفر الصادق (صلوات الله عليهما).
إنّ إحياء هذه الأيام ذكرى لنا، فهي تذكّرنا بعظمة المولود في هذا اليوم الذي تعجز الأفهام والعقول البشرية الصغيرة عن إدراك تلك الحقيقة الكبرى، وتلك الروح السامية العظيمة بما يشعّ منها من نور وضياء. إنّ الذي يجري على ألسنتنا لا يتعدّى الأبعاد الظاهرية للمسألة، أي:
فاق النبيين في خَلق وفي خُلق ولم يدانوه في علم ولا كرمِ
وكلهم من رسـول الله ملتمسٌ غَرْفاً من البحر أو رشفاً من الدّيَمِ
إنّ هذه الأمور هي التي يستطيع العقل والإدراك البشري مشاهدتها من بعيد في الوجود النبوي العظيم، فيغرق في أعماق بركات أحكام وقوانين وكلمات أمثال أولئك العظماء. إننا نحن المسلمين ونحن البشر جميعاً في أمسّ الحاجة اليوم للنبي؛ لأن الرسول الأكرم بُعث رحمةً للعالمين، وليس فقط رحمةً للمسلمين. إنّ كافة البشرية مرهونة ببركات ورحمة النبي الأكرم.
إنّ ما وهبه ذلك النبي العظيم للبشرية كرسالة إلهية، وهو ما يشتمل عليه القرآن الكريم، مازالت حتى اليوم في متناول يدنا وبمقدورنا الاستفادة منها.
لقد مهّد النبي الأكرم سبيل الخلاص أمام البشرية، كما فتح أمامها باب الصلاح وأخذ بيدها على طريق الرشد والرجاء، وهو الطريق الذي بوسعه إنقاذ البشرية مما تواجهه من مشاكل وعلاجها من كل ما تعانيه من آلام.
إنّ البشرية تعاني من آلام كثيرة منذ قديم الزمان، وهي تحتاج إلى العدل والهداية والأخلاق الإنسانية الرفيعة كما تحتاج إلى العون والرشاد، ويحتاج العقل البشري إلى سند ومساعدة المبعوثين الإلهيين. لقد فتح النبي الأعظم هذا الطريق أمام البشرية بكل ما فيه من سعة ورحابة الهداية الإلهية.
إنّ ما كان وسيكون سبباً في عدم انتفاع البشرية من أفضال هذه الهداية وهذا العون الإلهي يعود إلى الإنسان نفسه، إنه يعود إلى جهلنا وتقصيرنا وعجزنا وكسلنا، وما نتصف به من حب الهوى وعبادة الذات. إنّ الإنسان سيجد الطريق أمامه مفتوحة للتغلب على كافة مشكلاته وآلامه العتيدة، وعلاج جراحه القديمة إذا ما فتح عينيه، واستخدم عقله، وبذل جهده، وسار قُدُماً إلى الأمام.
وفي مقابل هذه الدعوة، هناك دعوة الشيطان الذي جيّش جنوده وأولياءه وأتباعه منذ القدم لمقارعة الأنبياء، فوقفت البشرية على مفترق الطرق، وتعيّن عليها أن تختار سبيلاً من السبيلين.
إنّ الأمة الإسلامية في شتى بقاع العالم الإسلامي تنظر اليوم نظرة جديدة إلى الشريعة الإسلامية وإلى مقدسات الإسلام، وذلك بعد غفوتها الطويلة وابتعادها عن عذوبة الحقائق الإسلامية خلال عصور متوالية وقرون متعددة.
لقد فتحت البشرية والأمّة الإسلامية عيونها اليوم على أحكام الإسلام ومعارفه، حيث كشفت الفلسفة الإنسانية الوضعية عن ضعفها وعجزها في الميدان. إنّ بوسع العالم الإسلامي اليوم أن يكون في طليعة القافلة البشرية نحو التعالي والكمال، وذلك بواسطة تمسكه بالشريعة والمعارف الإسلامية.
إنّ العالم اليوم مستعد لقبول نهضة الأمّة الإسلامية. إنّ التقدم العلمي الذي أحرزته البشرية بات يعاني في مجموعه من العزلة والانزواء، ولاسيّما على الصعيد الأخلاقي والمعنوي والديني، وبمقدور العلم البشري والنظرة الإنسانية الجديدة لحقائق العالم الطبيعية أن تكون دافعاً لنهضة الأمّة الإسلامية.
إنّ العالم الإسلامي يستحوذ على المعارف الإسلامية بما في ذلك السيرة النبوية والحديث النبوي الشريف، فضلاً عن القرآن الكريم الذي يسمو على كل شيء، وبإمكان العالم الإسلامي أن ينهض ويخطو للأمام.
إنّ ما يحدث في العصر الراهن لا يقبل الشك، مع الأخذ بالاعتبار ما يقع في العالم من أحداث وما يجري في دنيا السياسة من وقائع، وثمة بهذا الخصوص عدد من النقاط المحورية:
فالنقطة الأولى: يقظة العالم الإسلامي.
إنَّ ما كان يطرحه المصلحون منذ مئة عام في غرب العالم الإسلامي وشرقه، وكان يبدو غريباً في ذلك الزمان قد أصبح اليوم شعاراً تردده الجماهير وترفعه الشعوب، وذلك من قبيل: العودة إلى الإسلام، وإحياء القرآن، ووحدة الأمّة، واستعادة كرامة وقوة العالم الإسلامي والأمّة الإسلامية، وسواها من المشاريع التي كانت تتفتق عنها أذهان المصلحين، والتي كانت تبدو وكأنها طموحات مستحيلة، فكانوا يتوجّسون من التفوّه بها إلاّ في نطاق محدود وبين الخواص من الناس، أصبحت اليوم حديث الجماهير المسلمة التي ترفعها شعاراتٍ حية وأهدافاً طموحة.
لقد غدت هذه الشعارات حيةً اليوم في كل بقاع العالم الإسلامي، ولاسيّما بين الشباب والمتعلّمين والمثقفين؛ وهو ما يدل على حقيقة أنّ الهوية الإسلامية قد بُعثت في القلوب من جديد.
والواقع أنّ انتصار الإسلام في إيران الإسلامية كان له دوره المؤثر والبارز على هذا الصعيد. لقد نفخ الشعب الإيراني روح الأمل في صدور الشعوب المسلمة الأخرى؛ وذلك بتضحياته وصموده، ورفعه لراية الكرامة الإسلامية عالية خفاقة.
إنكم تشاهدون آثار هذا الأمل في كافة بقاع العالم الإسلامي والدول الإسلامية، وهذه حقيقة لا يكابر فيها أحد.
وأما الحقيقة الأخرى التي لا يمكن إنكارها فهي: أنّ عداء جبهة الاستكبار العالمي للإسلام قد بات اليوم أكثر تنظيماً وجدّية واتساعاً، سواء أكان ذلك على الصعيد الثقافي أو الدعاية السياسية أو التحرك السياسي أو الضغوط الاقتصادية. وإنّ نهضة العالم الإسلامي تمثل خطراً على دنيا الاستكبار.
إنّ القوى الاستكبارية ـ أي التي تُحكم سيطرتها على جزء كبير في العالم، وشبكة الصهيونية العالمية، والعنجهية الأمريكية المتسلطة، وتلك المؤسسات الاقتصادية التي تدعم هذا النظام السلطوي العالمي ـ تشعر بالخطر جرّاء صحوة العالم الإسلامي، وهو ما يأتي دائماً في تصريحات رموزها، وإنّ الذي تمارسه تلك الجبهات اليوم من ضغوطات ضد الإسلام قد بات حركة منظّمة ومحسوبة ومرسومة.
وليس من قبيل الصدفة أن يردد أحد رجال الدين المسيحيين الكبار ما جاء على لسان رئيس الجمهورية الأمريكي ـ الذي يقبع على رأس السلطة الشيطانية الاستكبارية ـ من كلمات مناهضة للإسلام.
إننا لا نقصد المساس بالأشخاص، ولكننا نعطي تحليلاً للقضية. إنها ليست صدفة أن توجّه الإهانات للنبي الأكرم في الصحف، وأن تُكال التّهم للإسلام واصفين إيّاه بدين العنف، وكذلك وصم الشعوب المسلمة بما ليس فيها. كما أنها ليست صدفة أن يتحدث السياسيون عن الحروب الصليبية وعن العداء للشعوب المسلمة وذلك بكل صراحة ووضوح. لقد قرر الأعداء ممارسة الهجمات التخريبية والعدائية كجبهة تصطفّ في مواجهة الأمّة الإسلامية، حتى أنّ هذا العداء بات أشد ضراوة بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران.
والحقيقة الثالثة هي: أنّ الهزيمة لحقت بجبهة الاستكبار في هذه المواجهة رغم الحسابات الظاهرية والمادية، والتي كانت تشير إلى تفوّقها في السلاح والعتاد والقوة العسكرية والاقتصادية فمُنيت بالفشل الذريع أمام الأمّة الإسلامية والشعوب المسلمة وهذه الحركة الإسلامية العظيمة، وهي حقيقة في غاية الأهمية.
لقد كان من الأهمية بمكان أن تُمنى القوى الاستكبارية الأمريكية بهذه الهزيمة الساحقة، رغم نزولها للساحة بكل ما لديها من عُدة وعتاد في أحداث الشرق الأوسط، وخصوصاً في قضية فلسطين والقضايا الأخرى في المنطقة كقضية العراق وقضية لبنان، فهذه حقيقة سافرة.
لقد ذاقت القوى الاستكبارية مرارة الهزيمة في فلسطين. فهل كان يخطر على بال أحد أنّ منظمة جهادية ترفع شعار المواجهة ضد الكيان الصهيوني تأخذ بزمام الأمور في فلسطين؟! ومن كان يصدّق أنّ ذلك الهجوم العسكري على لبنان يُمنى بالهزيمة المنكرة على يد مجموعة من المجاهدين المؤمنين المضحين في حرب الأيام الثلاثة والثلاثين في لبنان؟ !
ومن كان يدخل في روعه أنّ أمريكا بكل مساعيها الحثيثة في العراق وتجنيد كل تلك القوى العسكرية تخفق في فرض إرادتها على الشعب العراقي، وجعل العراق بوابة للسيطرة على كافة المنطقة العربية في الشرق الأوسط، والتلاعب بمصير شعوب وحكومات هذه المنطقة؟! غير أنّ هذا قد حدث.
وكانت الهزيمة من نصيب ذلك الجانب الذي كان يتمتع على ما يبدو بالقوة العسكرية والاقتدار الظاهري والتفوّق المادي والاقتصادي والسياسي. وهذه حقيقة لا مِراء فيها.
لقد كانت الهوية الإسلامية هي الجانب المنتصر في هذه المواجهة بين الهويتين الإسلامية والاستكبارية. إنّ هذه الحقائق لابدّ من أخذها بنظر الاعتبار.
إنهم يقولون: بأن عليكم التعامل مع الواقع، فهذا هو الواقع الذي ينبغي أن يُراعى في التحليل وعند اتخاذ القرار. إنها حقيقة لا يمكن تجاهلها؛ لأننا نراها رأي العين.
إنّ على العالم الإسلامي أن يفي بالتزاماته إذا ما أراد أن يأخذ بيد الأمّة الإسلامية على الطريق الصحيح نحو النصر، وعلى رأس هذه الالتزامات الوحدة الإسلامية والانسجام الإسلامي.
إنّ دقّ إسفين الخصومة بين الأشقّاء ليس سوى خطة دأب عليها الاستكبار منذ القدم، فشعاره: فرّق تَسُدْ، وهي سياسة قديمة، ومع معرفتنا جميعاً بهذه القضية، فإن البعض بوسعه استخدام نفس هذه السياسة للأسف الشديد، ونحن في غفلة عن ذلك جرّاء الأهواء النفسية والتحليلات الخاطئة وانعدام النظرة الثاقبة، وترجيح المصالح الشخصية أو المصالح قصيرة الأمد على المصالح بعيدة المدى.
إنّ سياسة الاستكبار اليوم تتركز في إيقاع الصِدام والتناحر بين الفلسطيني والفلسطيني، والعراقي والعراقي، والمسلم الشيعي والمسلم السنّي، وبين العربي وغير العربي، وهي سياسة معروفة.
إنّ من الواجب على الجميع أن يتخلّصوا من هذا الداء أولاً وقبل كل شيء. ونحن من جانبنا نعتقد أنّ الوحدة بين الأمّة الإسلامية ضرورة أساسية؛ ولذلك فقد أطلقنا على هذا العام (عام الوحدة الوطنية والانسجام الإسلامي).
إنّ الانسجام الإسلامي ناظر إلى كافة بقاع العالم الإسلامي في وجه من الوجوه. لابدّ من الإنسجام بين الجميع، ولابدّ من مساعدة البعض للبعض الآخر، سواء أكان ذلك على مستوى الحكومات أو الشعوب الإسلامية. ويمكن أن يكون للحكومة الإسلامية نصيب ودور فاعل في الاستفادة من استعداد وقابلية الشعوب الإسلامية لتحقيق هذه الوحدة الكبرى.
على أنّ ثمة عراقيل تعوق مشروع الوحدة، وفي مقدمتها الرؤية غير الواضحة، وعدم وقوف البعض على حقائق الأمور، وانعدام الصلة بين الأشقّاء، وشكّ الواحد في الآخر، والجهل بآراء وأفكار الجانب الآخر، كما هو شأن الشيعي مع السنّي، والسنّي مع الشيعي، وهذا الشعب المسلم مع الشعب المسلم الآخر، والجار مع الجار، وسوء التفاهم الذي يستغله الأعداء بشدة ودهاء.
وللأسف فإن البعض يقع في حبائل الأعداء ويصبح لعبة في أيديهم؛ بسبب سوء الفهم وسوء التحليل والجهل بحقيقة الخطة العدائية. فأحياناً يندفع المرء للكلام من أجل الرغبة في تحقيق هدف صغير ومحدود، فيكوّن لنفسه رأياً ويتخذ موقفاً يستغله الأعداء في تنفيذ خطّتهم العامة، وشقّ الصف وتعميق الهوّة بين الأشقّاء.
إنّ الوحدة هي الدواء الناجع لكل أدواء العالم الإسلامي اليوم، فعلى الجميع أن يتّحدوا. إنّ على علماء ومفكّري المسلمين أن يتكاتفوا على وضع دستور للوحدة الإسلامية، وأن يُصدروا بياناً بهذا الشأن؛ حتى لا يتجرّأ أولئك الجهلاء المتعصّبون المنتمون إلى تلك الفرقة الإسلامية أو ذلك التيار على تكفير غالبية المسلمين واتّهامهم بالخروج عن الإسلام بكل يُسر وحرية.
إنّ التاريخ يطالب المثقفين والعلماء الإسلاميين اليوم بأمور عدّة، وفي مقدمتها إصدار مثل ذلك البيان. إنّ الأجيال القادمة لن تغفر لكم إذا لم تحققوا هذا الإنجاز. ألا تشعرون بعداء الأعداء وكيف يبذلون قصارى جهدهم لمحو الهوية الإسلامية وشقّ الصف الإسلامي.. اجلسوا وفكروا في العلاج، ولترجّحوا الأصول على الفروع.
إنّ من الممكن أن تكون هناك اختلافات بين أصحاب المذهب الواحد، فلا مانع في ذلك. ولكن هناك قواسم مشتركة أكبر قيمة وقدراً، فليلتفّ الجميع حول محور هذه القواسم المشتركة، وليحذروا مؤامرات الأعداء وألاعيبهم.
إنّ من الممكن للنخبة مناقشة الأمور المذهبية فيما بينهم دون انعكاس ذلك على عموم الناس، وتعكير الصفو، وتعميق الخصومات سواء بين الفرق أو الشعوب أو الطوائف الإسلامية من أبناء الشعب الواحد.
إنّ المهم بالنسبة للإستكبار هو الإسلام. إنهم يريدون ضرب الإسلام، وهو ما يجب أن يفهمه الجميع. إنه لا فرق لديهم بين الشيعة والسنة. إنهم يشعرون بالخطر إزاء كل من يتمسك بشدة بالإسلام شخصاً كان أو جماعة، وعندهم الحق في ذلك.
فالإسلام بالتأكيد يمثل خطراً على أهداف ومطامع السيطرة الاستكبارية، ولكنه لا يمثل أدنى خطر على الشعوب غير المسلمة، ولكن وسائلهم الدعائية تبثّ غير ذلك. إنهم يستغلون الفنون ووسائل الإعلام والسياسة والدعايات للقول: بأن الإسلام يعدّ خطراً أو تهديداً على الشعوب الأخرى، بل وعلى الأديان الأخرى! وهذا خطأ؛ لأن الإسلام لا يهدد الأديان الأخرى.
فالإسلام هو ذلك الدين الذي أدهش برحمته غير المسلمين بعد الفتح، واعترف أصحاب الديانات الأخرى بأن حكمه أعظم عطفاً ورأفة من حكم حكّامهم السابقين. فعندما دخل الفاتحون منطقة الشام قال لهم اليهود والمسيحيون: إنكم رحماء علينا. لقد كانوا يعاملونهم باللين والشفقة، فالإسلام دين الرأفة والرحمة، أيْ رحمةً للعالمين.
إنّ الإسلام يخاطب المسيحيين قائلاً: ﴿ تعالوا إلى كلمة سواءٍ بيننا وبينكم﴾(1)، فهو يؤكد على القواسم المشتركة. إنّ الإسلام لا يمثل خطراً على الشعوب والأديان الأخرى، بل على الجبروت والظلم والاستكبار وحب السلطة والسيطرة. ولكن المتسلطين والجائرين والمستكبرين يُدخلون في روع شعوب العالم ما يناقض هذه الحقيقة.
إنهم يستغلون كافة ما لديهم من إمكانيات، من هوليود وحتى اللوبي الإعلامي والتسليح والقوات المسلحة من أجل تغيير الواقع أمام العالم.
نعم، إنّ الإسلام والصحوة الإسلامية بمثابة الخطر، ولكن على الاستكبار، وهم يوجّهون إليه سهامهم حيثما كان، سواء أكان أهله من السنّة أو من الشيعة. إنّ الاستكبار يعامل حماس في فلسطين كما يعامل حزب الله في لبنان، مع أنّ أولئك من السنة وهؤلاء من الشيعة. إنّ الاستكبار ينظر إلى المسلمين المتذمّرين بنظرة واحدة في أي بقعة من العالم شيعة كانوا أو سنة. فهل من العقل أن نتعامل فيما بيننا معاملة طائفية أو قومية أو مذهبية؟ وهل من الصحيح أن نتناحر فيما بيننا؟ متناسين أنّ العدو المشترك يعمل على محونا بينما تذهب طاقاتنا هَدْراً؟
إنّ على العالم الإسلامي اليوم أن يسعى إلى تحقيق عزّته وكرامته واستقلاله وتقدمه العلمي وقوّته المعنوية، أي التمسك بالدين والتوكل على الله والإيمان بالمدد الإلهي. (وعداتك لعبادك منجزّة). فهذا وعد إلهي، والوعد الإلهي المنجّز هو ﴿ولينصرنّ الله من ينصره﴾ (2) فعلى الجميع النزول إلى ساحة التحرك والعمل بالاعتماد على هذا الوعد.
إنّ العمل لا ينحصر بالسلاح والبندقية، بل هناك النشاط الفكري والذهني والعلمي والاجتماعي والسياسي، وكله في سبيل الله ومن أجل اتحاد العالم الإسلامي. وهذا سيعود بنفعه على كافة الشعوب والحكومات الإسلامية.
إنّ الحكومات الإسلامية سيشتدّ ساعدها إذا ما استمدّت قوّتها من الساحل الممتد للأمّة الإسلامية، وهذا بخلاف اعتمادها على سفراء أمريكا وسياسييها، فهؤلاء لن يُسبغوا عليهم القوة، أما إذا اعتمدت الحكومات الإسلامية على العالم الإسلامي والأمّة الإسلامية ووطّدت صلتها بهذا البحر العظيم المتموّج فإنها ستشتدّ وتزداد قوةً واقتراباً. لماذا نعطي الفرصة للاستكبار حتى يستهدف دولة ويفصلها عن الدول الأخرى، ثم يقضي عليها، ومن ثم يستهدف أخرى؟ إنّ على الجميع أن يدركوا هذه الحقيقة، وعلى الدول الإسلامية أن تحقق وحدتها وانسجامها، وتتأكد أنها قادرة على ذلك.
لقد خضنا هذه التجربة ووضعناها في متناول الأمّة الإسلامية. إنّ الشعب الإيراني وضع في متناول العالم الإسلامي تجربة صموده وتوكله على الله وثقته بنفسه. وبمقدور العالم الإسلامي أن يرى ذلك، فالاستكبار لم يكفّ يوماً عن استهداف شعبنا خلال هذه الثمانية والعشرين عاماً، وبدورنا فنحن أيضاً لم نكفّ يوماً عن السير قُدُماً إلى الأمام وتحقيق المزيد من القوة والتقدم.
نسأل الله تعالى أن ينشر ظِلال رحمته وعنايته وعونه على كافة ربوع الأمّة الإسلامية. ونحن إذْ نبارك لكم ولجميع الأمّة الإسلامية هذا العيد الشريف فإننا نحيّي روح إمامنا العظيم الذي مهّد أمامنا هذا الطريق، وندعوا الله سبحانه وتعالى أن يمنّ على الشهداء والمضحين بعلوّ الدرجات، وهم الذين بذلوا الغالي والنفيس ماضين على الدرب، وكلنا أمل ورجاء أن يشمل دعاء بقية الله (أرواحنا فداه) كافة الشعوب المسلمة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـــــــــــــــــــــ
[1] سورة آل عمران، الآية: 64
[2] سورة الحج، الآية: 40