بسم الله الرحمن الرحيم
نبارك لكم أيها الحضور الكرام ولكافة أبناء شعبنا الأعزاء عيد الغدير السعيد, الذي ورد التعبير عنه في أحاديثنا بأنه (عيد الله الأكبر) كما نزفّ التهاني إلى جميع أهالي قم ذوي التاريخ العريق في الثبات على الولاية، ذلك التاريخ الطويل الذي يبلغ ألفاً ومئة عام على أقل تقدير.
ففي ذلك الوقت الذي كان أغلبية المسلمين في شتّى بقاع العالم الإسلامي الواسع محرومين من أنوار معارف أهل البيت عليهم السلام، كانت قم قاعدة تشعّ بهذه الأنوار, ومعهداً لتربية التلاميذ البارزين لأهل البيت, وخصوصاً في السنوات الأخيرة من حياة الأئمة عليهم السلام وفي زمن الإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام وما بعدهما.
وأما في العصر الحاضر فقد كان للقميّين دور خطير ومؤثّر في الأحداث العظيمة التي واكبت الثورة الإسلامية.
لقد كان اختباراً موفّقاً لأهالي وشباب قم الذين كانت لهم مواقف بارزة وفّعالة على الجبهات الأمامية للثورة، ذلك الاختبار الذي أدّى بالتدريج إلى نهضة كافة أبناء البلاد وقيام الثورة الإسلامية التي تكللت بالنصر العظيم.
نسأل الله تعالى أن يمنّ على أهالي قم الأعزاء بالمزيد من الأجر والثواب, وأن يتفضّل عليهم بعنايته وتوفيقه.
وقد بقيت قم بعد انتصار الثورة وحتى الآن تمثّل المحور الثابت والأصيل للثورة على كافة الأصعدة، واستطاع أهاليها بفضل ثباتهم ووعيهم وحوزتهم العلمية أن يكونوا نبراساً للكثيرين من أبناء الشعب, وأن يأخذوا بأيديهم في اللحظات الحساسة كما حدث في سنوات الدفاع المقدس والعديد من القضايا والأحداث.
إنّ قضية (الغدير) ليست قضية تاريخية بحتة، بل إنها ملمح من ملامح الجامعية الإسلامية. وإذا ما افترضنا أنّ النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يترك للأمة منهاجاً لبناء مستقبلها بعد عشر سنوات أمضاها في تحويل ذلك المجتمع البدائي الملوث بالعصبيات والخرافات إلى مجتمع إسلامي راقٍ, بفضل سعيه الدؤوب, وما بذله أصحابه الأوفياء من جهود، لظلّت كل تلك الإنجازات مبتورة وبلا جدوى.
لقد كانت تراكمات العصبية الجاهلية على قدر عظيم من العمق, بحيث إنها كانت بحاجة إلى سنوات طويلة للتغلّب عليها والتخلّص منها.
لقد كان كل شيء على ما يرام على ما يبدو، وكان إيمان الناس حسناً, حتى ولو لم يكونوا على مستوى واحد من العقيدة، فبعضهم كان قد اعتنق الإسلام قبل وفاة الرسول الأكرم بعام واحد أو ستة أشهر أو عامين, وذلك بفضل هيمنة البُنية العسكرية التي أسّسها النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) مع ما رافقها من حلاوة الإسلام وجاذبيته.
إنهم لم يكونوا جميعاً من طراز المسلمين الأوائل؛ ولهذا فقد كان من الضروري اتخاذ ما يلزم من التدابير, بغية إزالة تلك التراكمات الجاهلية من أعماق المجتمع الجديد, والحفاظ على خط الهداية الإسلامية سليماً وممتداً بعد رحيل الرسول الأكرم(ص)، بحيث إنّ جهوده الجبارة خلال تلك السنوات العشر ستبقى بلا ثمار إذا لم يتمّ اتخاذ تلك التدابير.
وهذا ما صرّحت به الآية المباركة من سورة المائدة، وهي قوله تعالى﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي﴾[1] فهذه إشارة إلى أنّ هذه النعمة هي نعمة الإسلام ونعمة الهداية ونعمة إرشاد العالمين جميعاً إلى الصراط المستقيم. وهذا ما لا يمكن أن يتم بلا خارطة للطريق بعد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا أمر طبيعي.
وهذا هو عين ما فعله النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في الغدير، حيث نصَّب للولاية خليفة ممتاز لا نظير له وهو أمير المؤمنين(عليه السلام)؛ لِمْا كان يتمتع به من شخصية إيمانية فريدة, وأخلاق سامية حميدة, وروح ثورية وعسكرية متميّزة, وسلوك راقٍ مع جميع الناس، وقد بايعه المسلمون على الولاية بأمر من نبيّهم(صلى الله عليه وآله وسلم).
ولم يكن هذا من عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل كان هداية ربّانية, وأمراً إلهياً, وتنصيباً من الله تعالى, كما هو شأن كافة أقوال وأفعال الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) التي كانت وحياً إلهياً، وهو الذي لا ينطق عن الهوى.
لقد كان هذا أمراً إلهياً صريحاً للرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) فقام بتنفيذه وإطاعته. وهذه هي قضية الغدير، أي بيان جامعية الإسلام وشموليته, والتطلّع إلى المستقبل؛ وذلك الأمر الذي لا تتمّ هداية الأمة الإسلامية وزعامتها إلاّ به.
فما هو ذلك الأمر؟ إنها تلك الأشياء التي تجسّدها شخصية أمير المؤمنين، أي التقوى والتديّن والرسوخ في الإيمان, وعدم التوكل إلاّ على الله, وعدم السير إلاّ في سبيله, والجِد والاجتهاد في طريق الحق, والاتّصاف بالعلم, والتميّز بالعقل والتدبير, والتمتع بقدرة العزم والإرادة.
إنه عمل واقعي ونموذجي في نفس الوقت. لقد نُصّب أمير المؤمنين(عليه السلام) لاتصافه بتلك الخصوصيات, التي باتت لازمة في كل زعيم للأمة الإسلامية ـ أيّاً كان ـ مدى الدهر، أي أنّ هذا هو النموذج الأمثل للقائد الإسلامي إلى الأبد؛ وهو ما تجسّد في الإصطفاء الإلهي لأمير المؤمنين(عليه السلام). والغدير هو هذه الحقيقة.
إننا نحن الشيعة وأتباع أهل البيت(عليهم السلام) نشكر الله تعالى آلاف المرّات على أن فتح عيوننا على هذه الحقيقة وجعلها راسخة في قلوبنا, وخصّنا بالميلاد والعيش في مجتمعات تعمّقت فيها تلك الحقيقة المطلقة، وهذه من النِعَم الكبرى.
إنّ من الضروري لأتباع أهل البيت(عليهم السلام) ولكافة المسلمين فضلاً عن ذلك ألاّ نتخذ من حادثة الغدير أداة لإضعاف الإسلام, وهي التي تدلّ على عظمة الإسلام وجامعيته.
إنّ من واجبي شخصياً في هذه الأيام أن أُلفت انتباه مواطنينا الأعزاء وجميع المسلمين في كافة أصقاع العالم إلى أنّ الأعداء يفتّشون اليوم عن مثل هذه القضايا, والتي تمثّل منشأ عظمة الإسلام؛ بغية استغلالها لضرب الإسلام, أي مسألة الشيعة والسنة, والقبول بالغدير أو إنكاره.
إنّ الأعداء يأملون في أن تكون قضية الغدير سبباً في تناحر الأشقّاء وإشعال فتيل الحرب والخصومة فيما بينهم، في حين أنّ الغدير يمكن أن يكون وسيلة للتآلف والتآخي بين المسلمين. لقد كتب المرحوم الشهيد المطهري(رضوان الله عليه) مقالاً مطوّلاً ومعمّقاً قبل قيام الثورة حول كتاب(الغدير) للعلاّمة الأميني، وأثبت أنّ هذا الكتاب وسيلة لوحدة المسلمين.
إنّ بعضهم كان يتخيّل أنّ كتاب الغدير يمكن أن يكون سبباً في الفرقة، ولكن الشهيد المطهري يقول: إننا لو فكّرنا جيداً وسلكنا المسلك الصحيح والمتوازن لوجدنا أنّ كتاب الغدير وسيلة لوحدة العالم الإسلامي. وبمقدور الأخوة من أهل السنة أن يراجعوا مصادر الغدير بعقلية حيادية وبلا أحكام مسبقة، وحينئذ لهم حق القبول أو الرفض.
وفي كلتا الحالتين، القبول أو الرفض، فمن المسلّم به أنّ قضية الغدير لن تؤدي إلى احتراب أو خصومة أو خلاف على الإطلاق بين من يقبلون ومن يرفضون.
وهكذا هو الأمر بالنسبة للشيعة، فعليهم أن يحمدوا الله تعالى على أن منّ عليهم بنعمة معرفة الحقيقة والاعتقاد بأصل الغدير.
وأما الأخوة الذين لم يقبلوا بهذه الحقيقة, أو لم يراجعوا مصادرها, أو لم يطّلعوا عليها, أو لم يستطيعوا إقناع أنفسهم بها، فلا بأس من عدم اعتقادهم؛ وهذا ليس من شأنه أن يسبّب الفرقة والاختلاف.
إنّ الاستكبار يبذل جهوداً حثيثة اليوم, ويعمل بكل جد وإصرار من أجل إيجاد الفرقة في العالم الإسلامي. لقد ذهب مذاهب شتّى فلم يحصد سوى الفشل الذريع.
إنّ أمريكا مُنيت بالهزيمة في غزوها ومحاولة فرض سيطرتها على الشرق الأوسط، وسواء أكان ذلك في العراق أو في لبنان أو في أفغانستان أو في فلسطين، فإنّ أمريكا لم تحقق أهدافها التي أنفقت في سبيلها الأموال الطائلة, وأوقفت عليها المال والعتاد والعدّة والعدد والطاقات البشرية والسياسية، وها هي اليوم تشعر بمرارة الهزيمة التي لحقت بها في تلك المناطق الأربع.
لقد كنّا نحن الذين نقول ذلك في الماضي، ومنذ ثلاثة أو أربعة أعوام، ولكن الأمريكيين هم الذين يعترفون بذلك اليوم، وهو ما يصرّح به ساستهم ولا يكفّون عن تكراره؛ ولذلك فإنهم يبحثون عن أساليب أخرى ويفتّشون عن أدوات جديدة, ولم يعد أمامهم سوى بضع طرق لمحاولة القضاء على الصحوة الإسلامية ـ والتي تعود إلى اعتلاء لواء الجمهورية الإسلامية في إيران ـ وفي مقدمة هذه الطرق إثارة النعرة المذهبية بين الشيعة والسنة، فيقولون: بأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي جمهورية شيعية، ويضعونها في مواجهة مع المجتمع السنّي الواسع, متوسّلين بالمشاعر والعصبيات المذهبية، وهذا أمر في غاية الخطورة والأهمية وهم يعملون عليه الآن.
إنّ أيادي السياسة لا تتوقف عن العمل والحركة، ومن واجبنا جميعاً أن نعمل على إحباط هذه المؤامرة الإستكبارية.
إنّ علينا جميعاً أن نكون على حذر، سواء منّا أبناء الشعب أو النخبة أو المبلّغون أو علماء الدين المناضلون، ولابدّ من تجنّب أي حركة من شأنها خدمة هذه المؤامرة العدائية.
لقد وجدنا في مجتمعنا بعض الأيادي التي يحركها الأعداء ـ وليس هذا من قبيل الحدس، بل بناءً على الشواهد والأدلة ـ فيبدوا هؤلاء وكأنهم يدافعون عن التشيّع باستماتة وحماس، ويتحدثون بكلام يثير حساسية واستياء أهل السنة, فتتبدّل القلوب وتتغيّر المشاعر.
لقد نزل الأعداء إلى الساحة بهذه الوسيلة وأوقفوا لها أموالاً طائلة، ونحن على معرفة واطّلاع بذلك.
إنّ على المجتمع الشيعي أن يواصل طريقه برسوخ وثبات، ونحن لن نتخلّى أبداً عن القول(الحمد لله الذي جعلنا من المتمسكين بولاية أمير المؤمنين) فنحن ملتزمون بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام بكل قوة وحزم ـ وهي نعمة إلهية كبرى ـ ولكننا في نفس الوقت لا نضمر العداء لمن لم يتمسّك بهذا الحبل المتين.
إنّ هذا هو واجب المجتمع الشيعي، فهدف الأعداء هو دقّ إسفين الخلاف والشقاق فيما بيننا.
وهذا أيضاً هو واجب المجتمع السنّي، فعلى الأخوة من أهل السنة أن يعلموا بأن الأعداء يخططون ويتآمرون من أجل إيجاد الفرقة والاختلاف والعصبية والتناحر والإقتتال بين الأشقّاء، وهم لا يقنعون بأقل من ذلك, ولا يرضون سواه.
انظروا ماذا يفعلون الآن في بغداد وفي المدن العراقية المختلفة.
إنّهم يقومون بالتفجيرات في مساجد الشيعة, في مسجد براثا والحرم المطهر للإمامين العسكريين ومسجد الكوفة, وفي كل مكان تصل إليه أيديهم وحيثما يجتمع الشيعة، فيقتلون العزّل والأبرياء؛ وهذا ما يريده الأعداء.
إنّ الأعداء يمدّونهم بالأموال، وإنّ أجهزة الاستخبارات والتجسس الأمريكية والصهيونية تقوم بدعم ومساندة تلك الجماعات الإفراطية والتكفيرية، وإنّ رؤساءهم وقادتهم على علم أكيد بذلك, وإن خفي الأمر على عناصرهم وجنودهم الصغار.
إنّ هذا هو ما تهواه أمريكا، فعلى أولئك أيضاً أن يأخذوا حذرهم.
إنّ الصحوة الإسلامية والإنطلاق نحو تحقيق القيم الإسلامية الرفيعة يتحلّيان اليوم بروح جديدة.
إنّ المسلمين في كافة أرجاء المعمورة، ولاسيّما الشباب والمتعلّمين والجامعيين والمثقفين، قد زاد ميلهم للإسلام وتطبيق الشريعة والمبادئ الإسلامية، ولا توجد أدنى مقارنة بين وضع المسلمين اليوم ووضعهم قبل ثلاثين أو أربعين عاماً.
لقد اندلعت شرارة الصحوة الإسلامية؛ ولأنهم يخشونها فإنهم يخططون للقضاء عليها. فلا تدعوهم يحققوا هدفهم بوأد هذه الصحوة الإسلامية وهذه النهضة الشاملة في جميع أنحاء العالم الإسلامي، فالأعداء يخططون من أجل إيقاع الخلاف بين الشيعة والسنة.
فعندما يشتدّ الجدل بين الطائفتين ويتّسم بالحدّة والتعصب، فلن يبقى مكان للمنطق، ولن يجد الكلام المنطقي طريقه لآذان صاغية.
فلا تدعوا الأوضاع تنزلق إلى حافّة الهاوية، وعلى المثقفين والعلماء بوجه خاص أن يقدّموا الموعظة والنصيحة مؤكدين على أنّ هدفنا هو الوحدة والاتحاد. وكذلك هم السياسيون، فعلى قادة ورؤساء البلدان الإسلامية أن يعلموا أنّ قوّتهم من قوة الإسلام وعزّته, وأنّ قوة الجمهورية هي بمثابة سند ودعامة لهم.
لقد دأب الأعداء منذ انتصار الثورة الإسلامية على برمجة وسائلهم الدعائية؛ والإعلامية لجعل المسلمين ينفضّون عن الجمهورية الإسلامية ويخشون حكومتها، فبثّوا الرعب في نفوس البلدان العربية ودول الجوار من بلدان الخليج الفارسي محاولين إبعادها عن الجمهورية الإسلامية.
وخلال أكثر من عشرين عاماً هاهم يجدون أنّ الجمهورية الإسلامية لم تعتدِ على حقوق أي بلد مجاور أو غير مجاور، بل إنّ الاعتداء جاء على يد دولة عربية.
لقد كان صدّام المشؤوم هو الذي هاجمنا وهاجم دولة الكويت، ولم يكن ليتورّع عن مهاجمة بلدان عربية أخرى إذا ما سنحت له الفرصة.
إنّ إيران لم تهاجم أي دولة أخرى، وهذا ما تأكّد لهم. فعلى زعماء تلك البلدان أن يعلموا أنّ قوّتهم من قوة الإسلام وعزّته، ومن عزّة الجمهورية الإسلامية.
إنّ أمريكا تستغل ضعف الدول الإسلامية وتعاملها بعنجهية وغطرسة. فلو كانت دولاً قوية تتمتع بسند ودعامة لَمْا سلكت معها أمريكا هذا المسلك.
إنّ أمريكا تعطي أتاوة للكيان الصهيوني الغاصب، ولكنها تأخذ أتاوات من الحكومات العربية! فلو كانت الحكومة العربية تستند إلى قوة صلبة لَمْا أُجبرت على دفع الأتاوات.
إنّ ما يسعون إلى تحقيقه ما فتئت تردده وسائل إعلامهم, ويصرّح به محلّلوهم ومراقبوهم السياسيون، وهو لا يجانب الحقيقة، حيث إنّ أمريكا تعمل على تشكيل حلف مع الإنجليز وبعض الدول العربية ضد الجمهورية الإسلامية في إيران.
فعلى الحكومات العربية أن تأخذ حذرها الشديد. فمن ذا الذي يقيم حلفاً مع دولتين تتميّزان بالنحوسة والرجس والعداء لمصالح المسلمين ضد دولة مسلمة لم ترتكب جرماً سوى التضحية في سبيل الإسلام وكرامته, وذهب الكثير من شبابها شهداء من أجل الحفاظ على راية الإسلام عالية خفّاقة؟! مع العلم بأن ذلك التحالف لن يجني سوى الخسران.
لقد عقدوا حلفاً أقوى من ذلك فيما مضى عندما اتّحدت أمريكا وانجلترا والاتحاد السوفيتي والدول الأوروبية والعديد من الدول العربية ضد الجمهورية الإسلامية أثناء الحرب المفروضة, طمعاً في استيلاء ذلك الشقي البائس الأغبر المنحوس على جزء من الأراضي الإيرانية, وإراقة ماء وجه الجمهورية الإسلامية, زاعمين أنها عجزت عن الدفاع عن أراضها وترابها، فظلوا يدقّون طبول الحرب لمدة ثماني سنوات, مستخدمين في ذلك كل ما لديهم من عدد وعدة وعتاد، ولكنهم ما لبثوا إلاّ أن تجرّعوا مرارة الهزيمة دون القدرة على ارتكاب أية حماقة.
وهكذا هو الوضع اليوم، فإن مؤامرتهم ضد نظام الجمهورية الإسلامية ستؤول إلى الفشل والهزيمة. ولكن لا ينبغي لهم أن يقعوا في فخّ الأعداء، فكل إنجاز علمي أو تقني أو اجتماعي تحققه الجمهورية الإسلامية لن تضنّ به على العالم الإسلامي, وسيمثل عياراً ثقيلاً في ميزان دنيا الإسلام.
إنّ الشعب الإيراني يفخر بإنجازه الأصيل في ميدان الطاقة النووية، ولكنه أيضاً يبعث على الفخر بالنسبة لجميع العالم الإسلامي.
إنّ من الخطأ السياسي الفاحش أن تستمع دولة عربية أو أخرى إسلامية لِمْا يُثيره الأمريكيون والانجليز من هواجس ومخاوف إزاء الطاقة النووية الإيرانية, ولِمْا يلوحون به من حصار ومقاطعة؛ من أجل أن تَرْفُلَ إسرائيل في الرخاء وراحة البال، بل على الدول الإسلامية أن تفخر بهذا الإنجاز الإيراني, وأن تعتبره من دواعي قوّتها.
وبلا شك، فإن الشعب الإيراني لن يتنازل عن حقّه على الإطلاق، وعلى المسؤولين الإيرانيين ألاّ يتجاهلوا حق هذا الشعب.
أسأل الله تعالى أن يبارك عليكم وعلى شعبنا العظيم وكافة الأمة الإسلامية عيد الغدير الأغر، وندعوه سبحانه أن يمنّ على هذا الشعب بعطائه الجزيل بحق أمير المؤمنين وبحق شخصيته المتعالية، وأن يُرضي عنّا مولانا صاحب العصر والزمان الإمام المهدي أرواحنا فداه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
___________________
[1] سورة المائدة، الآية: 3.
نبارك لكم أيها الحضور الكرام ولكافة أبناء شعبنا الأعزاء عيد الغدير السعيد, الذي ورد التعبير عنه في أحاديثنا بأنه (عيد الله الأكبر) كما نزفّ التهاني إلى جميع أهالي قم ذوي التاريخ العريق في الثبات على الولاية، ذلك التاريخ الطويل الذي يبلغ ألفاً ومئة عام على أقل تقدير.
ففي ذلك الوقت الذي كان أغلبية المسلمين في شتّى بقاع العالم الإسلامي الواسع محرومين من أنوار معارف أهل البيت عليهم السلام، كانت قم قاعدة تشعّ بهذه الأنوار, ومعهداً لتربية التلاميذ البارزين لأهل البيت, وخصوصاً في السنوات الأخيرة من حياة الأئمة عليهم السلام وفي زمن الإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام وما بعدهما.
وأما في العصر الحاضر فقد كان للقميّين دور خطير ومؤثّر في الأحداث العظيمة التي واكبت الثورة الإسلامية.
لقد كان اختباراً موفّقاً لأهالي وشباب قم الذين كانت لهم مواقف بارزة وفّعالة على الجبهات الأمامية للثورة، ذلك الاختبار الذي أدّى بالتدريج إلى نهضة كافة أبناء البلاد وقيام الثورة الإسلامية التي تكللت بالنصر العظيم.
نسأل الله تعالى أن يمنّ على أهالي قم الأعزاء بالمزيد من الأجر والثواب, وأن يتفضّل عليهم بعنايته وتوفيقه.
وقد بقيت قم بعد انتصار الثورة وحتى الآن تمثّل المحور الثابت والأصيل للثورة على كافة الأصعدة، واستطاع أهاليها بفضل ثباتهم ووعيهم وحوزتهم العلمية أن يكونوا نبراساً للكثيرين من أبناء الشعب, وأن يأخذوا بأيديهم في اللحظات الحساسة كما حدث في سنوات الدفاع المقدس والعديد من القضايا والأحداث.
إنّ قضية (الغدير) ليست قضية تاريخية بحتة، بل إنها ملمح من ملامح الجامعية الإسلامية. وإذا ما افترضنا أنّ النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يترك للأمة منهاجاً لبناء مستقبلها بعد عشر سنوات أمضاها في تحويل ذلك المجتمع البدائي الملوث بالعصبيات والخرافات إلى مجتمع إسلامي راقٍ, بفضل سعيه الدؤوب, وما بذله أصحابه الأوفياء من جهود، لظلّت كل تلك الإنجازات مبتورة وبلا جدوى.
لقد كانت تراكمات العصبية الجاهلية على قدر عظيم من العمق, بحيث إنها كانت بحاجة إلى سنوات طويلة للتغلّب عليها والتخلّص منها.
لقد كان كل شيء على ما يرام على ما يبدو، وكان إيمان الناس حسناً, حتى ولو لم يكونوا على مستوى واحد من العقيدة، فبعضهم كان قد اعتنق الإسلام قبل وفاة الرسول الأكرم بعام واحد أو ستة أشهر أو عامين, وذلك بفضل هيمنة البُنية العسكرية التي أسّسها النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) مع ما رافقها من حلاوة الإسلام وجاذبيته.
إنهم لم يكونوا جميعاً من طراز المسلمين الأوائل؛ ولهذا فقد كان من الضروري اتخاذ ما يلزم من التدابير, بغية إزالة تلك التراكمات الجاهلية من أعماق المجتمع الجديد, والحفاظ على خط الهداية الإسلامية سليماً وممتداً بعد رحيل الرسول الأكرم(ص)، بحيث إنّ جهوده الجبارة خلال تلك السنوات العشر ستبقى بلا ثمار إذا لم يتمّ اتخاذ تلك التدابير.
وهذا ما صرّحت به الآية المباركة من سورة المائدة، وهي قوله تعالى﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي﴾[1] فهذه إشارة إلى أنّ هذه النعمة هي نعمة الإسلام ونعمة الهداية ونعمة إرشاد العالمين جميعاً إلى الصراط المستقيم. وهذا ما لا يمكن أن يتم بلا خارطة للطريق بعد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا أمر طبيعي.
وهذا هو عين ما فعله النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في الغدير، حيث نصَّب للولاية خليفة ممتاز لا نظير له وهو أمير المؤمنين(عليه السلام)؛ لِمْا كان يتمتع به من شخصية إيمانية فريدة, وأخلاق سامية حميدة, وروح ثورية وعسكرية متميّزة, وسلوك راقٍ مع جميع الناس، وقد بايعه المسلمون على الولاية بأمر من نبيّهم(صلى الله عليه وآله وسلم).
ولم يكن هذا من عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل كان هداية ربّانية, وأمراً إلهياً, وتنصيباً من الله تعالى, كما هو شأن كافة أقوال وأفعال الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) التي كانت وحياً إلهياً، وهو الذي لا ينطق عن الهوى.
لقد كان هذا أمراً إلهياً صريحاً للرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) فقام بتنفيذه وإطاعته. وهذه هي قضية الغدير، أي بيان جامعية الإسلام وشموليته, والتطلّع إلى المستقبل؛ وذلك الأمر الذي لا تتمّ هداية الأمة الإسلامية وزعامتها إلاّ به.
فما هو ذلك الأمر؟ إنها تلك الأشياء التي تجسّدها شخصية أمير المؤمنين، أي التقوى والتديّن والرسوخ في الإيمان, وعدم التوكل إلاّ على الله, وعدم السير إلاّ في سبيله, والجِد والاجتهاد في طريق الحق, والاتّصاف بالعلم, والتميّز بالعقل والتدبير, والتمتع بقدرة العزم والإرادة.
إنه عمل واقعي ونموذجي في نفس الوقت. لقد نُصّب أمير المؤمنين(عليه السلام) لاتصافه بتلك الخصوصيات, التي باتت لازمة في كل زعيم للأمة الإسلامية ـ أيّاً كان ـ مدى الدهر، أي أنّ هذا هو النموذج الأمثل للقائد الإسلامي إلى الأبد؛ وهو ما تجسّد في الإصطفاء الإلهي لأمير المؤمنين(عليه السلام). والغدير هو هذه الحقيقة.
إننا نحن الشيعة وأتباع أهل البيت(عليهم السلام) نشكر الله تعالى آلاف المرّات على أن فتح عيوننا على هذه الحقيقة وجعلها راسخة في قلوبنا, وخصّنا بالميلاد والعيش في مجتمعات تعمّقت فيها تلك الحقيقة المطلقة، وهذه من النِعَم الكبرى.
إنّ من الضروري لأتباع أهل البيت(عليهم السلام) ولكافة المسلمين فضلاً عن ذلك ألاّ نتخذ من حادثة الغدير أداة لإضعاف الإسلام, وهي التي تدلّ على عظمة الإسلام وجامعيته.
إنّ من واجبي شخصياً في هذه الأيام أن أُلفت انتباه مواطنينا الأعزاء وجميع المسلمين في كافة أصقاع العالم إلى أنّ الأعداء يفتّشون اليوم عن مثل هذه القضايا, والتي تمثّل منشأ عظمة الإسلام؛ بغية استغلالها لضرب الإسلام, أي مسألة الشيعة والسنة, والقبول بالغدير أو إنكاره.
إنّ الأعداء يأملون في أن تكون قضية الغدير سبباً في تناحر الأشقّاء وإشعال فتيل الحرب والخصومة فيما بينهم، في حين أنّ الغدير يمكن أن يكون وسيلة للتآلف والتآخي بين المسلمين. لقد كتب المرحوم الشهيد المطهري(رضوان الله عليه) مقالاً مطوّلاً ومعمّقاً قبل قيام الثورة حول كتاب(الغدير) للعلاّمة الأميني، وأثبت أنّ هذا الكتاب وسيلة لوحدة المسلمين.
إنّ بعضهم كان يتخيّل أنّ كتاب الغدير يمكن أن يكون سبباً في الفرقة، ولكن الشهيد المطهري يقول: إننا لو فكّرنا جيداً وسلكنا المسلك الصحيح والمتوازن لوجدنا أنّ كتاب الغدير وسيلة لوحدة العالم الإسلامي. وبمقدور الأخوة من أهل السنة أن يراجعوا مصادر الغدير بعقلية حيادية وبلا أحكام مسبقة، وحينئذ لهم حق القبول أو الرفض.
وفي كلتا الحالتين، القبول أو الرفض، فمن المسلّم به أنّ قضية الغدير لن تؤدي إلى احتراب أو خصومة أو خلاف على الإطلاق بين من يقبلون ومن يرفضون.
وهكذا هو الأمر بالنسبة للشيعة، فعليهم أن يحمدوا الله تعالى على أن منّ عليهم بنعمة معرفة الحقيقة والاعتقاد بأصل الغدير.
وأما الأخوة الذين لم يقبلوا بهذه الحقيقة, أو لم يراجعوا مصادرها, أو لم يطّلعوا عليها, أو لم يستطيعوا إقناع أنفسهم بها، فلا بأس من عدم اعتقادهم؛ وهذا ليس من شأنه أن يسبّب الفرقة والاختلاف.
إنّ الاستكبار يبذل جهوداً حثيثة اليوم, ويعمل بكل جد وإصرار من أجل إيجاد الفرقة في العالم الإسلامي. لقد ذهب مذاهب شتّى فلم يحصد سوى الفشل الذريع.
إنّ أمريكا مُنيت بالهزيمة في غزوها ومحاولة فرض سيطرتها على الشرق الأوسط، وسواء أكان ذلك في العراق أو في لبنان أو في أفغانستان أو في فلسطين، فإنّ أمريكا لم تحقق أهدافها التي أنفقت في سبيلها الأموال الطائلة, وأوقفت عليها المال والعتاد والعدّة والعدد والطاقات البشرية والسياسية، وها هي اليوم تشعر بمرارة الهزيمة التي لحقت بها في تلك المناطق الأربع.
لقد كنّا نحن الذين نقول ذلك في الماضي، ومنذ ثلاثة أو أربعة أعوام، ولكن الأمريكيين هم الذين يعترفون بذلك اليوم، وهو ما يصرّح به ساستهم ولا يكفّون عن تكراره؛ ولذلك فإنهم يبحثون عن أساليب أخرى ويفتّشون عن أدوات جديدة, ولم يعد أمامهم سوى بضع طرق لمحاولة القضاء على الصحوة الإسلامية ـ والتي تعود إلى اعتلاء لواء الجمهورية الإسلامية في إيران ـ وفي مقدمة هذه الطرق إثارة النعرة المذهبية بين الشيعة والسنة، فيقولون: بأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي جمهورية شيعية، ويضعونها في مواجهة مع المجتمع السنّي الواسع, متوسّلين بالمشاعر والعصبيات المذهبية، وهذا أمر في غاية الخطورة والأهمية وهم يعملون عليه الآن.
إنّ أيادي السياسة لا تتوقف عن العمل والحركة، ومن واجبنا جميعاً أن نعمل على إحباط هذه المؤامرة الإستكبارية.
إنّ علينا جميعاً أن نكون على حذر، سواء منّا أبناء الشعب أو النخبة أو المبلّغون أو علماء الدين المناضلون، ولابدّ من تجنّب أي حركة من شأنها خدمة هذه المؤامرة العدائية.
لقد وجدنا في مجتمعنا بعض الأيادي التي يحركها الأعداء ـ وليس هذا من قبيل الحدس، بل بناءً على الشواهد والأدلة ـ فيبدوا هؤلاء وكأنهم يدافعون عن التشيّع باستماتة وحماس، ويتحدثون بكلام يثير حساسية واستياء أهل السنة, فتتبدّل القلوب وتتغيّر المشاعر.
لقد نزل الأعداء إلى الساحة بهذه الوسيلة وأوقفوا لها أموالاً طائلة، ونحن على معرفة واطّلاع بذلك.
إنّ على المجتمع الشيعي أن يواصل طريقه برسوخ وثبات، ونحن لن نتخلّى أبداً عن القول(الحمد لله الذي جعلنا من المتمسكين بولاية أمير المؤمنين) فنحن ملتزمون بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام بكل قوة وحزم ـ وهي نعمة إلهية كبرى ـ ولكننا في نفس الوقت لا نضمر العداء لمن لم يتمسّك بهذا الحبل المتين.
إنّ هذا هو واجب المجتمع الشيعي، فهدف الأعداء هو دقّ إسفين الخلاف والشقاق فيما بيننا.
وهذا أيضاً هو واجب المجتمع السنّي، فعلى الأخوة من أهل السنة أن يعلموا بأن الأعداء يخططون ويتآمرون من أجل إيجاد الفرقة والاختلاف والعصبية والتناحر والإقتتال بين الأشقّاء، وهم لا يقنعون بأقل من ذلك, ولا يرضون سواه.
انظروا ماذا يفعلون الآن في بغداد وفي المدن العراقية المختلفة.
إنّهم يقومون بالتفجيرات في مساجد الشيعة, في مسجد براثا والحرم المطهر للإمامين العسكريين ومسجد الكوفة, وفي كل مكان تصل إليه أيديهم وحيثما يجتمع الشيعة، فيقتلون العزّل والأبرياء؛ وهذا ما يريده الأعداء.
إنّ الأعداء يمدّونهم بالأموال، وإنّ أجهزة الاستخبارات والتجسس الأمريكية والصهيونية تقوم بدعم ومساندة تلك الجماعات الإفراطية والتكفيرية، وإنّ رؤساءهم وقادتهم على علم أكيد بذلك, وإن خفي الأمر على عناصرهم وجنودهم الصغار.
إنّ هذا هو ما تهواه أمريكا، فعلى أولئك أيضاً أن يأخذوا حذرهم.
إنّ الصحوة الإسلامية والإنطلاق نحو تحقيق القيم الإسلامية الرفيعة يتحلّيان اليوم بروح جديدة.
إنّ المسلمين في كافة أرجاء المعمورة، ولاسيّما الشباب والمتعلّمين والجامعيين والمثقفين، قد زاد ميلهم للإسلام وتطبيق الشريعة والمبادئ الإسلامية، ولا توجد أدنى مقارنة بين وضع المسلمين اليوم ووضعهم قبل ثلاثين أو أربعين عاماً.
لقد اندلعت شرارة الصحوة الإسلامية؛ ولأنهم يخشونها فإنهم يخططون للقضاء عليها. فلا تدعوهم يحققوا هدفهم بوأد هذه الصحوة الإسلامية وهذه النهضة الشاملة في جميع أنحاء العالم الإسلامي، فالأعداء يخططون من أجل إيقاع الخلاف بين الشيعة والسنة.
فعندما يشتدّ الجدل بين الطائفتين ويتّسم بالحدّة والتعصب، فلن يبقى مكان للمنطق، ولن يجد الكلام المنطقي طريقه لآذان صاغية.
فلا تدعوا الأوضاع تنزلق إلى حافّة الهاوية، وعلى المثقفين والعلماء بوجه خاص أن يقدّموا الموعظة والنصيحة مؤكدين على أنّ هدفنا هو الوحدة والاتحاد. وكذلك هم السياسيون، فعلى قادة ورؤساء البلدان الإسلامية أن يعلموا أنّ قوّتهم من قوة الإسلام وعزّته, وأنّ قوة الجمهورية هي بمثابة سند ودعامة لهم.
لقد دأب الأعداء منذ انتصار الثورة الإسلامية على برمجة وسائلهم الدعائية؛ والإعلامية لجعل المسلمين ينفضّون عن الجمهورية الإسلامية ويخشون حكومتها، فبثّوا الرعب في نفوس البلدان العربية ودول الجوار من بلدان الخليج الفارسي محاولين إبعادها عن الجمهورية الإسلامية.
وخلال أكثر من عشرين عاماً هاهم يجدون أنّ الجمهورية الإسلامية لم تعتدِ على حقوق أي بلد مجاور أو غير مجاور، بل إنّ الاعتداء جاء على يد دولة عربية.
لقد كان صدّام المشؤوم هو الذي هاجمنا وهاجم دولة الكويت، ولم يكن ليتورّع عن مهاجمة بلدان عربية أخرى إذا ما سنحت له الفرصة.
إنّ إيران لم تهاجم أي دولة أخرى، وهذا ما تأكّد لهم. فعلى زعماء تلك البلدان أن يعلموا أنّ قوّتهم من قوة الإسلام وعزّته، ومن عزّة الجمهورية الإسلامية.
إنّ أمريكا تستغل ضعف الدول الإسلامية وتعاملها بعنجهية وغطرسة. فلو كانت دولاً قوية تتمتع بسند ودعامة لَمْا سلكت معها أمريكا هذا المسلك.
إنّ أمريكا تعطي أتاوة للكيان الصهيوني الغاصب، ولكنها تأخذ أتاوات من الحكومات العربية! فلو كانت الحكومة العربية تستند إلى قوة صلبة لَمْا أُجبرت على دفع الأتاوات.
إنّ ما يسعون إلى تحقيقه ما فتئت تردده وسائل إعلامهم, ويصرّح به محلّلوهم ومراقبوهم السياسيون، وهو لا يجانب الحقيقة، حيث إنّ أمريكا تعمل على تشكيل حلف مع الإنجليز وبعض الدول العربية ضد الجمهورية الإسلامية في إيران.
فعلى الحكومات العربية أن تأخذ حذرها الشديد. فمن ذا الذي يقيم حلفاً مع دولتين تتميّزان بالنحوسة والرجس والعداء لمصالح المسلمين ضد دولة مسلمة لم ترتكب جرماً سوى التضحية في سبيل الإسلام وكرامته, وذهب الكثير من شبابها شهداء من أجل الحفاظ على راية الإسلام عالية خفّاقة؟! مع العلم بأن ذلك التحالف لن يجني سوى الخسران.
لقد عقدوا حلفاً أقوى من ذلك فيما مضى عندما اتّحدت أمريكا وانجلترا والاتحاد السوفيتي والدول الأوروبية والعديد من الدول العربية ضد الجمهورية الإسلامية أثناء الحرب المفروضة, طمعاً في استيلاء ذلك الشقي البائس الأغبر المنحوس على جزء من الأراضي الإيرانية, وإراقة ماء وجه الجمهورية الإسلامية, زاعمين أنها عجزت عن الدفاع عن أراضها وترابها، فظلوا يدقّون طبول الحرب لمدة ثماني سنوات, مستخدمين في ذلك كل ما لديهم من عدد وعدة وعتاد، ولكنهم ما لبثوا إلاّ أن تجرّعوا مرارة الهزيمة دون القدرة على ارتكاب أية حماقة.
وهكذا هو الوضع اليوم، فإن مؤامرتهم ضد نظام الجمهورية الإسلامية ستؤول إلى الفشل والهزيمة. ولكن لا ينبغي لهم أن يقعوا في فخّ الأعداء، فكل إنجاز علمي أو تقني أو اجتماعي تحققه الجمهورية الإسلامية لن تضنّ به على العالم الإسلامي, وسيمثل عياراً ثقيلاً في ميزان دنيا الإسلام.
إنّ الشعب الإيراني يفخر بإنجازه الأصيل في ميدان الطاقة النووية، ولكنه أيضاً يبعث على الفخر بالنسبة لجميع العالم الإسلامي.
إنّ من الخطأ السياسي الفاحش أن تستمع دولة عربية أو أخرى إسلامية لِمْا يُثيره الأمريكيون والانجليز من هواجس ومخاوف إزاء الطاقة النووية الإيرانية, ولِمْا يلوحون به من حصار ومقاطعة؛ من أجل أن تَرْفُلَ إسرائيل في الرخاء وراحة البال، بل على الدول الإسلامية أن تفخر بهذا الإنجاز الإيراني, وأن تعتبره من دواعي قوّتها.
وبلا شك، فإن الشعب الإيراني لن يتنازل عن حقّه على الإطلاق، وعلى المسؤولين الإيرانيين ألاّ يتجاهلوا حق هذا الشعب.
أسأل الله تعالى أن يبارك عليكم وعلى شعبنا العظيم وكافة الأمة الإسلامية عيد الغدير الأغر، وندعوه سبحانه أن يمنّ على هذا الشعب بعطائه الجزيل بحق أمير المؤمنين وبحق شخصيته المتعالية، وأن يُرضي عنّا مولانا صاحب العصر والزمان الإمام المهدي أرواحنا فداه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
___________________
[1] سورة المائدة، الآية: 3.