موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

كلمة القاها ولي أمر المسلمين بالعربية في خطبة صلاة الجمعة

ألقى ولي أمر المسلمين سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي كلمة باللغة العربية في خطبة صلاة الجمعة بطهران وفيما يلي نص الكلمة:

بسم‏اللَّه‏الرّحمن‏الرّحيم

السّلام على أبناء أمتنا الإسلامية رجالاً و نساءً في جميع أرجاء العالم، والسّلام على المجاهدين المقاومين الصامدين في لبنان و فلسطين.

أيام شهر رمضان المبارك تنقضي واحداً بعد آخر. و بمرور هذه الأيام ترتوي القلوب والأرواح من ما أودعه ربّ العالمين في هذه الليالي و الأيام من بركة و رحمة.

الأمّة الإسلامية في هذا الشهر تستشعر تجديداً في الرّوح وتصعيداً في المعنويات و ارتفاعاً في القدرة على مواجهة التحديات. أسأل اللَّه سبحانه و تعالى أن يغدق في هذا الشهر الكريم بخيراته و بركاته عليكم جميعاً يا أهلنا من أبناء الأمّة الإسلامية في كلّ مكان.

أيّها الإخوة والاخوات! إنّ الأمّة الإسلامية تعيش الآن في برهة حسّاسة و متميّزة. برهة تتوافر فيها إمكانات تحقيق تطورات و انتصارات كبرى. و كذلك إمكان أخطار و حوادث جثمية. بعد الانتصار الهائل العظيم لحزب اللَّه في لبنان و ما جرّه على استراتيجية السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط من زلزال مدمّر هرع شياطين الاستكبار لمعالجة هزيمتهم و ترميم اندحارهم. و قبل ذلك كان انتصار حكومة حماس في فلسطين ضربة موجعة للعدوّ الصهيوني و للسّياسة الأمريكية، و كان انتصاراً كبيراً للشّعوب المسلمة في المنطقة. و قبل هذا و ذاك شهدت الساحة العراقية أيضاً تدوين الدستور و انعقاد المجلس و غيرها من الظواهر المتوالية الّتي أدّت الى قيام حكومة مستقلة موحّدة في العراق. و كانت كلّ منها دليلاً على فشل المخطط الامريكي في قضية العراق و تبدد ما بذلته من نفقات مالية و إنسانية باهظة.

إنّ الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط و تسليط إسرائيل عليها و القضاء على كلّ حركة و يقظة إسلامية مستقلّة تحرريّة هي الاهداف الّتي حملها الشيطان الأكبر يغزوه العراق و بما مارسه بعد الغزو. و هذه الأهداف لم تواجه فشلاً و احباطاً فحسب؛ بل إنّ حوادث فلسطين و المعاجز الّتي سجلها الفتية المؤمنون اللبانيون قد زلزلت الكيان الصهيوني و هي أيضا ضاعفت المعنويات العامه للأمّة الإسلامية و ثقتها بنفسها و برسالتها. المهزومون في هذه الحوادث يسعون ليل نهار لاحتواء أبعاد هزيمتهم. من هنا يتوجّب على المسلمين أن يكونوا على غاية من اليقظة، خاصة على الساحة العراقية والفلسطينية و اللبنانية و عامة على ساحة العالم الإسلامي.

أولاً على الساحة العراقيه ثمة جهود لزلزلة الأمن و دفع البلد تدريجيا إلى فتنة طائفية، و إظهار الحكومة المنتخبة من جماهير الشعب بمظهر عدم القدرة على إدارة الأمور. و هذا هو محور السياسة الأمريكية في العراق. إنّهم يريدون بذلك أن يبرّروا تواجدهم العسكري و أن يوفرّوا الأرضية لسيطرة حكومة عميلة. تجزئة العراق أيضاً من الاخطار الّتي يمكن أن تفرضها السياسة الأمريكية على شعبه. كلّ العناصر الفاعلة و الملتزمة في العراق ينبغي أن تكون واثقةً أنّ عودة الأمن و مكافحة التخريب والفقر و البطالة في هذ البلد الكبير، لايمكن أن تتحقّق إلّا في ظلّ حكومة قويّة منبثقة من إرادة الشعب. و هذا بدوره لايتحقق في ظل الاحتلال الأمريكي و تدخله غير المحدود في جميع شؤون البلد و في مهام الحكومة و المجلس. لابدّ للجميع أن يكونوا يداً واحدة في الدفاع عن الحكومة الشعبيه المؤمنة المنبثقة من إرادة الشعب، و في المطالبة الجادّة بخروج الأمريكيين و قطع تدخلّهم. لابدّ أن يتعاوضد كلّ العراقيون في هذه المطالبة - شيعة و سنّة و عرباً و أكراد و تركماناً و غيرهم.

ثانياً، على الساحة الفلسطينية بعد أن فشلت محاولات الحصار الاقتصادي و أنواع الضغوط أن تسقط حكومة الحماس الشعبية فإنّ العدوّ عمد الآن الى إثارة الخلافات الداخلية لتحقيق هدفه. الفلسطينيون خلال الأعوام الماضية استطاعوا رغم اختلافهاتهم الداخلية استطاعوا ان يجدوا الساحات المشتركة بينهم، و أن يجتازوا بذلك مراحل في غاية الصعوبة. غير أنّ أجهزة الاستخبارات الأمريكية و الصهيونية تسعى اليوم ان تحول اختلافات و جهات النظر الفلسطينية إلى مسألة عصية على الحلّ. أليس من العجيب ان يتحول الاعتراف بإسرائيل إلى شرط لتعاون الفلسطينيين؟ إنّه شرط لاينسجم دون شكّ مع الإرادة القلبية لكلّ الفصائل الفلسطينية. إنّ على الإخوة الفلسطينيين أن يكونوا على حذر من العدو الظروف حساسة جدّا. المهزمون في لبنان يسعون بحقد عميق الى حلّ عُقَدهم. أنتم اليوم بحاجة إلى وحدة حول محور الدولة المنتخبة من الجماهير: لاتدعوا اختلافاتكم تشكّل عاملاً على تشجيع العدو.

ثالثاً؛ على الصعيد اللبناني حرب الثلاثة و الثلاثين يوماً كان المنتصر فيها حزب‏اللَّه والمقاومة و الشعب اللبناني و كل الأمة الإسلامية. والمنهزم فيها إسرائيل و أمريكا و المغلوبون على أمرهم في المنطقة. إنّ المهزومين كما يبذلون اليوم الجهود للحفاظ على بقاء الجسد المتداعي للنظام الصهيوني، يبذلون جهوداً مضاعفة لإنزال ضربة بحزب اللَّه و المقاومة الإسلامية في لبنان. ليعلم الجميع أن المقاومة اللبنانية ببركة جهادها و شجاعتها و دماء أبنائها المسفوكة ظلماً و عدواناً، تعيش في قلوب الأمة الإسلامية. والشعب اللبناني و أكثر الساسة اللبنانييّن يفخرون بحزب‏اللَّه. و من المؤكد أنّ كل محاولة لمواجهة هذه الفئة المؤمنة المضحيّة سواءً من الصهاينة أو من المأجورين الاذلّاء للشيطان الأكبر، سوف تواجه بردّ فعل العالم الاسلامي والعربي؛ خاصةً الشباب الغيارى من مقاومة.

رابعاً على صعيد العالم الاسلامي، التفرقة الطائفية احدى المؤامرات الّتي ينفذها المهزومون في المنطقة. على الإخوة المسلمين أن يحذروا كل الحذر من أيّ قول أو فعل يساعد على تنفيذ هذه المؤامرة. إنّ أمريكا في منطقة الشّرق الأوسط لاتبقي وفية حتّى تجاه الحكومات الّتي كانت حليفةً لها لسنوات مديدة. لأنها لاتفكر إلّا بمصالحها و مصالح ربيبتها إسرائيل. لذلك لايعقدنّ أحد املاً على ركونه إلى أمريكا؛ لا السنّيّ و لا الشّيعيّ و لا أية قومية في المنطقة. إن إخافة السّنيّ بالهلال الشيعيّ و إرعاب الشيعيّ بالتطرف التكفيري و تخويف حكومات من الطاقة النووية للجمهورية الإسلامية و إبعاد الجمهورية الإسلامية عن جيرانها، كل ذلك من استراتيجيات السياسة الأمريكية و البريطانية. علينا جميعاً ان نكون على درجة عالية من الوعي و أن لا ننزلق في شراكهم.

إنّ يوم القدس يوم تضامن الأمة الإسلامية تحت راية إنقاذ القدس الشريف. فلنحيي هذا اليوم و لنواصل صوتنا في الدفاع عن الشعب الفلسطيني المظلوم إلى أسماع العالم و لنستلهم من عطاء شهر رمضان ما يثبت القلوب و الأرواح، و يزيدنا إيماناً بالوعد الإلهي. «إنّ الّذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدّوا عن سبيل‏اللَّه فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثمّ يغلبون. والّذين كفروا إلى جهنّم يحشرون. ليميز اللَّه الخبيث من الطّيّب و يجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعاً فيجعله في جهنّم. أولئك هم الخاسرون.»

و أوصيكم و نفسي بتقوى اللَّه. و أقول قولي هذا و أستغفراللَّه لي و لكم.