موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

بناء قواعد الأمة الإسلامية في كلمة القائد بمناسبة المبعث النبوي الشريف

بسم الله الرحمن الرحيم
نبارك للأمة الإسلامية العظيمة هذا العيد الكبير الذي يكلل هامة جميع الأعياد البشرية، كما نبارك أيضا للشعب الإيراني العزيز، ونهنّئكم أيها الحضور الأفاضل، ولاسيّما ضيوف وعشّاق الوحدة الإسلامية الذين تشرّفنا بمشاركتهم في هذا الاجتماع، ونهنّئ سفراء البلدان الإسلامية.
لقد أطلقنا على هذا العام في بلدنا عام الرسول الأعظم، واليوم ذكرى بعثته.
وكما روي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث مشهور ومتواتر، قال: «بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق». وطالما لم يتحلَّ المرء بأفضل المكارم الأخلاقية فإن الله تعالى لن يوكل إليه هذا المهمة العظيمة والخطيرة، ولهذا فإن الله سبحانه يخاطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في صدر البعثة قائلاً: «إنك لعلى خلق عظيم». أي أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كان على درجة من الاستعداد تجعله قادرا على تلقّي الوحي الإلهي، وهذا الأمر يعود إلى ما قبل البعثة.
ولهذا فقد ورد أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يشتغل بالتجارة في شبابه، وقد كسب من ذلك أرباحا طائلة، فما لبث أن أنفقها جميعاً على المساكين قربة إلى الله تعالى، وفي هذه المرحلة التي كانت مرحلة تكامل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل نزول الوحي ـ ولم يكن قد نبّئ بعد ـ كان النبي يتحنث في غار حراء ويجول بفكره في الآيات الإلهية من سماء ونجوم وأرض، ويتأمّل في هذه الخلائق والموجودات التي تعيش على وجه البسيطة بما لها من مشاعر مختلفة وطبائع شتّى.
لقد كان يشاهد كافة هذه الآيات الإلهية فيزداد خضوعه يوماً بعد آخر أمام عظمة الحق ويتضاعف خشوع قلبه إمام الأمر والنهي الإلهي والإرادة الرّبانية، وتتفتح في وجدانه براعم الأخلاق النبيلة بمرور الأيام.
ولهذا فقد ورد أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان أعقل الناس، حيث كان يزداد تكاملاً قبل البعثة بمشاهدة الآيات الإلهية حتى بلغ الأربعين، (فلما استكمل أربعين سنة ونظر الله عزّ وجلّ إلى قلبه فوجده أفضل القلوب وأجلّها وأطوعها وأخشعها وأخضعها، أذن لأبواب السماء ففُتحت ومحمد ينظر إليها، وأذن للملائكة فنزلوا ومحمد ينظر إليهم) حتى نزل عليه جبرائيل الأمين وقال: (اقرأ) فكانت بداية البعثة.
إنّ هذا المخلوق الإلهي الذي لا نظير له، وهذا الإنسان الكامل الذي كان قد بلغ تلك الدرجة من الكمال في هذه المرحلة قبل نزول الوحي، وشرع منذ اللحظة الأولى من البعثة في دخول مرحلة من الجهاد الشامل والبالغ المشقّة والمكابدة استغرقت ثلاثةً وعشرين عاماً كانت جميعاً نموذجاً للكفاح والمجاهدة والعمل الدؤوب.
لقد كان جهاده (صلى الله عليه وآله وسلم) جهاداً مع نفسه، ومع أناس لا يدركون من الحقيقة شيئاً، ومع ذلك المحيط الذي كان يعمّه ظلام حالك ومطبق. وفي وصف ذلك يقول أمير المؤمنين في نهج البلاغة: (في فتن داستهم بأخفافها، ووطأتهم بأظلافها، وقامت على سنابكها). لقد كانت الفتن تهاجم الناس من كل جانب: حب الدنيا، واتّباع الشهوات، والظلم والجور، والرذائل الأخلاقية التي تقبع في عمق وجود البشرية، وأيادي الطغاة الجائرة التي كانت تمتد على الضعفاء بلا أدنى مانع أو رادع.
ولم يكن هذا العسف متقتصراً على مكة أو الجزيرة العربية، بل كان يسود أعظم الحضارات في العالم آنذاك، أي الإمبراطورية الرومانية العظيمة، والإمبراطورية الشاهنشاهية في إيران.
فإذاما تأملتم في التاريخ لوجدتم صفحة تاريخية مظلمة كانت تضرب بأطنابها على كافة نواحي الحياة الإنسانية.
لقد بدأ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) جهاده منذ الوهلة الأولى للبعثة متسلّحاً بقوة خارقة، وسعي متواصل يستعصي على التصوّر،  فتحمّل الوحي، ذلك الوحي الإلهي الذي كان ينزل على قلب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كما ينزل الغيث العذوب ويهمي على الأرض الخصبة، فيمنحه الطاقة ويمدّه بالقوة، فانبرى موظفاً كل طاقته ليأخذ بِيَد العالَم إلى زمن من التحّول العظيم، ولقد حالفه التوفيق.
إنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وضع اللبنات الأولى في بناء الأمة الإسلامية بِيَده المقتدرة في تلك الأيام العصيبة من تاريخ مكة، فبنى قواعد الأمة الإسلامية ورفع عمادها، وكان المؤمنون الأوائل، وأول من اعتنق الإسلام، وأول من كانت لديهم تلك المعرفة والشجاعة والنورانية التي مكنّتهم من الوقوف على حقيقة الرسالة النبوية والإيمان بها. «فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام».[1]
لقد كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الذي مسّ بأنامله الرقيقة شعاع تلك القلوب الوالهة، وفتح بيده القوية أبواب الأفئدة على عالَم رحب من المعارف والأحكام الإلهية، فتفتحت الأذهان والقرائح، وازدادت الإرادات صلابة، ودخلت تلك الثلةّ المؤمنة ـ التي كان يزداد عددها يوماً بعد آخر ـ في صراع مرير لا يمكن تصوره في المرحلة المكية.
لقد تفتحت هذه البراعم في بيئة لم تكن تعرف سوى القيم الجاهلية، فكان يسودها التعصّب والعصبية الخاطئة، وكان يعمّها الحقد العميق، وتتصارع بين جنباتها قوى القسوة والشر والظلم والشهوة التي تضغط بشدة على حياة البشر وتحيط بها من كل جانب، فنبتت تلك الأزاهير من بين كل هذه الأحجار والأشواك الجامدة والملفّة، وهذا هو معنى قول أمير المؤمنين (وإن الشجرة البريّة أصلب عوداً وأقوى وقوداً).
ولذلك فإن كافة العواصف والأنواء لم تستطع النيل من هذه النباتات والبراعم والأشجار التي نمت وترعرعت وبسقت أعوادها من بين الصخور الصماء، وانقضت ثلاثة عشر عاما، ثم ما لبث صرح المجتمع الإسلامي ـ المجتمع المدني والنبوي ـ أن قام على أساس هذه القواعد القوية.
واستغرق بناء الأمة عشر سنوات أخرى، ولم تكن السياسة هي العنصر الوحيد في بناء هذه الأمة، بل كانت عنصراً من العناصر وجزءاً من الأجزاء، وكان القسم الأهم يتركّز في بناء الأفراد «هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة»[2]، ومعنى (يزكيهم) أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) كان يعمل على تربية وتزكية القلوب قلباً بقلب.
كما كان يبثّ الحكمة والعلم والمعرفة في العقول والأذهان «ويعلمهم الكتاب والحكمة» والحكمة أعلى درجة ومكانة، فلم يكن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) يعلّمهم القوانين والأحكام فحسب، بل كان يعلّمهم الحكمة أيضا، وكان يفتح عيونهم على حقائق الوجود وهكذا سار النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فيهم لمدة عشر سنوات.
فمن ناحية كان اهتمامه منصّباً على السياسة وإدارة الحكومة والدفاع عن كيان المجتمع الإسلامي ونشر الإسلام وفتح المجال أمام الآخرين لكي يتّجهوا صوب المدينة ويدخلوا الإسلام ويتعلّموا المعارف الإسلامية، ومن ناحية أخرى كان يعمل على تربية أفراد المجتمع.
وهذان الأمران أيها الأخوة والأخوات الأعزاء لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر.
لقد اعتبر البعض أنّ الإسلام مسألة شخصية، وفصلوا الدين عن السياسة، وهذا هو الاتجاه الذي يروّجون له الآن في الكثير من المجتمعات الاسلامية وفي المنظومة المعرفية للعالم الغربي المعتدي والمستكبر والمستعمر، أي فصل الدين عن السياسة ! إنهم أفرغوا الإسلام من السياسة، في حين أن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كان همّه الأول هو السياسة بمجرد هجرته إلى المدينة وفي أول فرصة وجد نفسه فيها، وقد تخلّص من العقبات التي كانت تسدّ طريقه في مكة.
إنّ إقامة المجتمع الإسلامي وتشكيل الحكومة والنظام والجيش الإسلامي، وإرسال الرسائل إلى حكام العالم الكبار، والدخول إلى معترك السياسة العظيم آنذاك، تعدّ كلها من شؤون السياسة. فكيف يمكن فصل الدين عن السياسة؟! وكيف يمكن إعطاء السياسة معنىً ومضموناً وشكلاً بِيَد غير يد الهداية الإسلامية؟! «الذين جعلوا القرآن عضين»[3] «نؤمن ببعض ونكفر ببعض»[4] إنهم يؤمنون بالقرآن، لكنهم لا يؤمنون بسياسته! «ولقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط»[5].
فما معنى القسط؟ إنّ القسط يعني إقرار العدالة الاجتماعية في المجتمع.
فمن الذي يستطيع تحمّل هذا العبء؟ إنّ إقامة مجتمع يعمّه العدل والقسط هو عمل سياسي يقوم به مدراء البلاد، وهذا هو هدف الأنبياء جميعاً.
فليس الأمر مقتصرا على نبينا فحسب، بل إنّ عيسى وموسى وإبراهيم وكافة الأنبياء الإلهين بُعثوا من أجل العمل السياسي وإقامة الحكومة الإسلامية.
ومع ذلك فإن بعض ذوي المسوح من المتظاهرين بالدين والقداسة يحترمون أمورهم ويقولون: لا شأن لنا بالسياسة! فهل الدين مفصول عن السياسة؟! ثم تجئ وسائل الإعلام الغربية الماكرة وترفع عقيرتها بالقول: افصلوا الدين عن السياسة! افصلوا الدين عن الدولة! فإذا ما كنّا مسلمين فإن الدين والدولة لا نفكان أحدهما عن الآخر، إنهما ليسا كأمرين يتّصل أحدهما بالأخر، بل إنّ الدين والدولة شيء واحد.
إنّ الدين والدولة في الإسلام ينبعان من منبع واحد ومصدر واحد، وهو الوحي الإلهي.
فهذا هو القرآن والإسلام، ومع ذلك فإن البعض يفصلون الدين عن السياسة، بينما يعتبر البعض الآخر أنّ الدين ليس سوى سياسة ولعبة سياسة وانشغال بالعمل السياسي.
إنهم يتجاهلون الأخلاق والسمو والمحبة والفضيلة والكرامة التي تمثل الهدف الأكبر من بعثة نبينا(صلى الله عليه وآله وسلم).
إنّ هذا مصداق لقوله تعالى «الذين جعلوا القرآن عضين» ومصداق ايضاً لقوله تعالى: «نؤمن ببعض ونكفر ببعض».
لقد لخّصوا الإسلام في السياسة مستخدمين كلمات برّاقة وجملات طنّانة معرضين عن الخشوع القلبي والذكر والصفاء والنقاء الروحي والسجود لله والتوسل به والتولّه في حبّه والبكاء أمام عظمته وطلب رحمته وغفرانه والتحلّي بالصبر والحلم والسخاء والجود والعفو والأخوة والتراحم، فصبّوا كل اهتمامهم على السياسة باسم الإسلام، وهو من الانحراف أيضا، بلا فرق.
إنّ قوله تعالى «يزكّيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة» يعني التزكية والتعليم في آن واحد، وإنّ ساحة التربية الدينية هي قلوبنا وعقولنا وأيادينا وسواعدنا.
«يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم»[6]. أي أن القوة ضرورية في مواجهة الأعداء والغزاة وكل من تسوّل له نفسه الحيلولة دون انتشار الوحي والأنوار المعنوية. «وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس»[7] فالمجابهة لا تكون إلا بسواعد فولاذية وقبضات حديدية وعزيمة لا تنثني ولا تفتر، وهذا هو دواء آلام الأمة الاسلامية اليوم.
إنّ الأمة الإسلامية اليوم في أمسّ الحاجة إلى حكومة إسلامية بمعنى الكلمة، والحكومة الإسلامية هي التي تُولي عنايتها ورعايتها للفرد والمجتمع، وتصبّ اهتمامها على تربية العقول وتحقيق التطور العلمي، ومنح الإنسان القوة والشكيمة والالتزام بسياسة صحيحة لإدارة المجتمع.
فهذا هو ما تحتاجه اليوم الأمة الإسلامية، لقد باتت الأمة الإسلامية تعاني من الاختلال منذ أن فصلوا الدين عن الحكومة، وجرّدوا ـ إدارة المجتمع من الأخلاق. فبعد أن اعتلى الملوك سدّة الحكم باسم الخلافة ـ في بغداد والشام وسواها من بقاع العالم ـ ورفعوا لواء الإسلام ومن تحته تتلاطم أمواج الأهواء النفسية والشهوات والأغراض والتكبّر والغرور السلطاني، وجمع الأموال والثروات وتكديسها في خزائنهم، والانشغال بكل هذا الحطام الزائل، كانت السبل قد مهّدت أمام انحطاط عالم الإسلام.
وعندما كانت حركة نبي الإسلام الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) تتقدّم إلى الأمام وكان أصحابه والتابعون له من المجاهدين الأوفياء يمضون بالإسلام قُدُما ـ وهم الذين كانوا يمثلون النهج النبوي ويسهرون على تقدم الحركة السياسية والعلمية للإسلام حتى القرنين الرابع والخامس الهجري ـ كانت بذور الضعف والانحطاط والفساد والنفاق تُبذر في بلاط الخلافة وبين أمراء الحكومة، وحينما نمت تلك البذور فإنها أطاحت بالأمة الإسلامية وبرزت عواقبها الوخيمة بعد قرون، وغدونا نشاهد آثارها السلبية ونعاني من تبعاتها بكل ما لدينا من مشاعر.
 لقد وقعت الشعوب الإسلامية فريسة للاستعمار وسيطرة الأعداء في القرنين التاسع عشر والعشرين الميلادي، فتخلّفنا عن ركب التطور العلمي، وازداد أعداؤنا قوة، وما لبثنا أن ازددنا ضعفاً يوما بعد آخرـ حيث امتصّوا دمائنا فتمتعوا بالقوة، وفقدنا نحن دمنا فعانينا الضعف ـ حتى بلغت الأمور إلى حد تحكّم الحكّام الظلمة والجائرين من الإنجليز ومن بعدهم الشيطان الأكبر في هذا العصر وهي إدارة الولايات المتحدة الأميركية وأخذهم بزمام مصير الأمة الإسلامية ومستقبل الشعوب المسلمة في منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص، وعلى أية حال، فقد استغلّوا ضعف العالم الإسلامي.
إنّ الأمريكيين اليوم يتحدثون وكأنهم أصحاب الملكية فيما يخصّ قضايا العالم الإسلامي! وها هو الرئيس الأمريكي عندما يتحدث حول أحداث لبنان أو فلسطين أو العراق أو سورية أو إيران أو سائر البلدان الأخرى فهو يتحدث وكأن سند ملكية هذا البلدان موضوع في جيبه ورهن تصرفه! فلماذا يجب أن يحصلوا على هذه الفرصة؟ ولماذا ينبغي أن يتصرفوا بكل هذا القدر من الوقاحة؟
إنّ عمرانهم يأتي من خرابنا، وإنّ اتحاد ملّة الكفر ناتج عن تفرّقنا، نحن الذين لم نهتم بتقوية أنفسنا، ونحن الذين لم ننزل إلى المعترك بكامل قوانا.
إننا على قدر عظيم من القوة، ولدينا الكثير من الطاقات، انظروا إلى الشعب اللبناني وحزب الله في لبنان! إنّ أمريكا وإسرائيل يعتبران لبنان من أضعف بلدان الشرق الأوسط، فكيف استطاع أن يمرغ أنف الكيان الصهيوني في التراب؟!
إننا نحقق الفوز عندما نستفيد من طاقاتنا ونوظّف إمكانياتنا، ولكن عندما نتقهقر عن ساحة الصراع، وعندما يتقاعس الحكّام والمدراء والسياسيون وأصحاب المناصب وأصحاب وسائل الإعلام ولا يفكرون إلا في مصالحهم الشخصية، فإن الشعوب تعاني من الانسحاق، وتخلو الساحة من القوى الشعبية.
رحم الله إمامنا (الخميني) العظيم الذي أيقظ شعبنا وقاد قوانا الجماهيرية إلى الميدان، لقد كنّا يوماً مثل الآخرين، وكنّا نعاني من الضغط والانسحاق.
ففي مدينة طهران كان يتنطع أعدى أعداء الإسلام وكأنها باتت موطناً لهم، فكانوا ينعمون بمطلق الأمن وكامل الأمان! لقد كانوا يستولون على ثروات هذا البلد، ويسرقون النفط، ويحولون دون تقدمنا وتطورنا، وكانوا يفرضون على هذا الشعب مشاريعهم الخائنة والجائرة، وكان يركع أمامهم محمد رضا شاه وبطانته حتى وإن تظاهروا بالرفعة والكرامة حيث كانوا قد سلبوهم كافة الصلاحيات، وعندما كان البلاط الملكي هنا في طهران يريد اتخاذ قرار شأن القضايا البالغة الأهمية، فإن ذلك لم يكن ليتمّ إلا بعد استشارة السفيرين الأمريكي والانجليزي، وفي حوزتنا الآن ما يدعم ذلك من وثائق، ولكن مما يؤسف له أنّ مثل هذا الوضع ما زال قائماً في العديد من البلدان الإسلامية.
إنّ هذا الشعب المقتدر الواعي الذي يتمتع بتاريخ طويل زاهر، هذا الشعب الذي يتألّق الآن في ميادين العلم والجهاد والتقنية والسياسة كان أسير ضغوط الحكام.
ولكن الإمام قاد الجماهير الشعبية إلى ساحة النضال، وأعاد للشعب ثقته في نفسه، فكان الشعب جديراً بالثقة، وعندما وضع الإمام ثقته في الشعب فإن الشعب أيضاً بادله الثقة.
إنّ هذا البلد الذي كان الكفر يعلّق عليه آماله أصبح حامل لواء الإسلام المحمدي الأصيل، وسيشقّ الشعب الإيراني طريقه قُدُماً إلى الأمام أن شاء الله تعالى.
لقد أخطأ أولئك الذين كانوا يظنّون أنّ الشعب الإيراني سيتخلّى عن مبادئه بمرور الأيام، وبعد رحيل إمامنا الكبير، وخابت ظنونهم، فمازلنا متمسّكين بمبادئنا الثورية، ومازلنا نعتبر أنّ القيم الإسلامية هي جوهر عّزتنا وكرامتنا الوطنية.
إننا نعتقد بأن هذه القيم هي التي كانت سبباً في تنامي الوعي والقدرات بين أبناء شعبنا، إننا بحول الله وقوتّه وبركة وفضل الإسلام سنكون قادرين على الانطلاق إلى الأمام بسرعة فائقة، لنبلغ ذرى العلم والمعرفة يكلل النجاح هاماتنا، إننا سنتغلّب على ما اعترانا من ضعف فرضته علينا قوى الظلم والطغيان خلال سنوات مديدة وسنعود أقوياء.
ومن الواضح أنّ ذلك لا يُرضي الاستكبار، وأن قوى الغطرسة تريد أن تحول دون هذه الانطلاقة، مستخدمة ما بوسعها من ضجّة وضوضاء ووسائل دعائية ونشاطات سياسية وضغوط اقتصادية، ولكن دون جدوى.
إننا لصامدون، وإن شعبنا لصامد، وإن الشعوب الإسلامية قد هبّت من رقدتها.
إن قلوب الشعوب المسلمة باتت تغلي بُغضاً وكراهية للصهاينة وأمريكا، إنّ الدول الإسلامية والشباب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا توّاقون للإعراب عن حقيقة هويتهم الإسلامية، وهذا هو ما نما وترعرع في الشعوب.
لقد كانوا يظنّون أننا نعمل على تصدير ثورتنا للبلدان الأخرى على غرار ما فعله السوفييت عندما أرادوا تصدير ثورتهم معتمدين على الانقلابات والتآمر.
ولكن إمامنا العظيم قضى على هذا الوهم والخيال الزائف، لقد بعثت الروح الإسلامية اليوم من جديد في أوساط الشعوب المسلمة، وانفتحت على الإسلام عيون الشعوب والمثقفين المسلمين والسياسيين المسلمين المخلصين الأوفياء وطلاب الجامعات المسلمين، وفي صدورهم تتماوج مشاعر الشوق والإحساس بالهوية الإسلامية وتحقيق العزة والكرامة على هذا الطريق. إنّ أيادي الأمريكيين مكبّلة، وهم عاجزون عن اتخاذ أي إجراء في مواجهة الشعوب.
إننا نرفع أيدينا بالدعاء متضرّعين إلى الله تعالى أننا لم نبدأ هذه المسيرة إلا طاعة لأوامرك، لا رغبة في ثورة أو زخارف دنيوية أو سلطة.
لقد جاء إمامنا العظيم نظيفاً وراح نظيفا، وإنّ مسؤولي البلاد رأوا فيه أسوتهم ومقتداهم فتابعوا نهجه، معترفين أنّ شعبنا يفوقنا إخلاصاً وصدقاً وعزماً راسخاً.
لقد قمنا بهذه النهضة يحدونا الوعد الإلهي «إن الله يدافع عن الذين آمنوا»[8] وصدق الله وعده،
«وتمّت كلمة ربك صدقاً وعدلاً»[9] فكلمة الله حق وصدق، وإنه سبحانه جلّ وعلا يدافع عن المؤمنين، أولئك المؤمنين الذين يخوضون غمار الصراع في سوح الجهاد، وليس عن المؤمنين الذين يقبعون في مخابئهم، فعمّ يدافعون؟ إنّ الله يدافع عن المؤمنين الذين يدخلون الميدان متسلّحين بكيانهم ووجودهم وإرادتهم وسواعدهم القوية وعقولهم المتوقٍّدة في سبيل الله تعالى ـ سواء أكان ذلك في ميدان العلم أو الاقتصاد أو السياسة أو ميدان الجهاد عندما تقتضي الضرورة ـ ولقد دافع الله عن الشعب الإيراني حتى يومنا هذا.
لقد استخدم الاستكبار كل ما لديه من طاقات وأعدّ ما استطاع من قوة طوال سبعة وعشرين عاماً طمعا في اجتثاث جذور هذه الشجرة من أصولها، فلم يحالفه الحظ حتى عندما كانت هذه الجذور غضّة طريّة، وأما الآن وقد اشتّدت وامتّدت في أعماق الأرض وآفاقها كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، فإن يد القدرة وصنربة السنة الإلهية ستنزل على رأس كل من تّسوّل له نفسه تحدّي إرادة العزيز الجبار.
نسأل الله تعالى أن يثبّت أقدامنا على الصراط المستقيم، وأن يجعلنا من أتباع الحق والعاملين به، وأن يرضي عنا قلب ولي الله الأعظم (أرواحنا فداه)، وأن يحشر أرواح شهدائنا الأطهار وروح إمامنا العزيز مع أرواح أوليائه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
________________________________________
[1] الأنعام: 125.
[2] الجمعة: 2.
[3] الحجر: 91.
[4] النساء: 150.
[5] الحديد: 25.
[6] التحريم: 9.
[7] الحديد: 25.
[8] الحج: 38.
[9] الأنعام: 115.