موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

المباني الأساسية لعمل الحكومة في كلمة القائد مع مسؤولي وموظفي نظام الجمهورية الإسلامية

الحمد للَّه ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيّدنا و نبيّنا أبي القاسم محمّد وعلى آله الطّيبين الطّاهرين وصحبه المنتجبين، والسّلام على جميع أنبياء اللَّه المرسلين.
قال اللَّه الحكيم: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}[1].
في البدء، أرحّب بكم، وأشكر لكم حضوركم، خصوصاً الأخوة الذين أجّلوا أعمالهم الحساسة والصعبة، أو تجشّموا عناء المسافات البعيدة، وقَدِموا الى هذا الإجتماع.
إنَّ طبيعة وهدف إجتماعنا ـ هذا الذي يُعقد على مرَّ الأعوام المتوالية ـ هو التذكّر، فعندما أرجع الى نفسي، أجدها محتاجةً الى التذكّر والنصيحة، فأقوم بمحاسبة نفسي، وأتصور أننا ـ المسؤولين في القطاعات المختلفة ـ بحاجة للإستماع بآذان واعية الى النصائح، والمواعظ، والإنتقادات؛ لعلّ الله تعالى يهبنا فرصةً للإصلاح، فينبغي لنا أن نتابع أنفسنا وقلوبنا؛ لأنَّ قلوبنا بحاجة الى المراقبة أكثر من أبداننا، فلو أردنا أن تكون قلوبنا طاهرةً وموضعاً لنزول الرحمة والهداية الإلهية، فعلينا أن نقوم بمراقبتها.
إنَّ التخلّي عن مراقبة القلب ـ الذي له القابلية على الإنجذاب نحو المغريات والجواذب المادية بسرعة وسهولة ـ أمر خطير؛ لأنَّ ذلك يؤدّي الى وقوعنا بالعُجب والغرور والغفلة، فعلينا أن نكون على علم بذلك.
لقد تكررت هذه العبارة مرّتين في القرآن الكريم: «ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ »[2] ـ في سورة الزمر ويحتمل في سورة لقمان أيضاً ـ فالله سبحانه يعطي للإنسان نعمةً، إلا أنَّه يكون غافلاً عنها، ويعتقد بأنَّه هو الذي استطاع تحصيل هذه النِعمة، وهذا المقام، وهذه الفرصة.
ولقد جاءت هذه العبارة نفسها في حق (قارون) عندما اُعترض عليه، وقيل له: اعلم أنَّ هذه النِعمة من الله تعالى، فابتغي ما آتاك الله الدار الآخرة، ولا تنسى نصيبك من الحياة الدنيا، فأجاب قائلاً: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي}، أنا الذي حصلت عليه، بقدرتي الذاتية، وهذا الخطأ الكبير الذي يمكن لنا أن نقع فيه جميعاً، وهو الغرور بالنفس، وشبيه لذلك الغرور بالله.
فإنَّ الآية الشريفة: {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُور}[3] تتعلق بمسألة الغرور، فلا يغرَّنكم بالله الغرور.
وجاء في أدعية الصحيفة السجادية: «فالويل الدائم لمن اغترّ بك»، «ما أطول تردّده فى عقابك»، «ما أبعده عن الفرج».
فالغرور بالله معناه: سوء الظن بالله تعالى، وتوقّع الأجر من الله تعالى دون القيام بالعمل الصالح، كما يقول الإنسان: إنني عبد صالح، وسوف يُعينني الله تعالى، فإذا ما استغل الإنسان الحِلْم الإلهي، واستمر بارتكاب المعاصي، معتقداً أنَّه آمن من عذاب الله، فإنَّ كل ذلك يُعدّ غرور بالله تعالى.
يقول الإمام السجاد عليه السلام: الويل لمن اغتر بك.
إنَّ هذا الغرور بالله، هو الذي أدّى الى وقوع البلاء على بني اسرائيل، بعد أن جعلهم الله تعالى أمَّة مختارة، إلا أنَّه نتيجة لغرورهم وتركهم ما كُلفوا به، قال الله تعالى عنهم: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ}[4].
هؤلاء هم الذين قال عنهم الله تعالى في عدَّة مواضع من القرآن الكريم: بأنَّهم شعب مختار، قال تعالى: {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}[5]، وهم أنفسهم الذين قال عنهم الله تعالى: {ضُربت عليهم الذّلة والمسكنة وباؤوا بغضب من اللَّه}[6] نتيجة لأعمالهم القبيحة، فأصبحوا موضعاً للغضب الإلهي؛ لإنَّ الغرور بالله يستتبع مثل هذه الأمور.
إذاً ينبغي لنا الانشغال بأنفسنا وقلوبنا وأراوحنا وتطهيرها، وعدم التغافل عن وظائفنا الثقيلة.
من الطبيعي، أنَّ لهذا الاتجاه ابواب واسعة وكبيرة، فمثلاً الصلوات الخمس اليومية، والقدرة على الدعاء، وأداء النوافل، والقيام لصلاة الليل، هي أبواب مُشرعة، جُعلت أمامنا في متناول أيدينا من أجل تحقيق ذلك الغرض، فإذا لم يتقاعس الإنسان، فإنَّه سيحصل على السمو والرفعة، ويُبارك له في عمله.
أعزائي: نحن ملزمون أكثر من غيرنا بهذه المسائل، وقد راجعت نفسي، ورأيت: أنَّ من أكبر الواجبات الملقاة على عاتقنا ـ من بين التكاليف المعنوية التي نلتزم بها اليوم ـ وجوب الشُكر.
لقد أحببت أن أتكلّم بعض الشيء عن مسألة الشكر، فإنَّ الآية التي قرأتها في بداية حديثي من سورة إبراهيم: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ}[7]، من الآيات المهمة جداً؛ لِما تشتمل عليه من الترغيب والترهيب.
فإنَّ شكركم، يستتبع زيادة النِعم، ووصول البركات الإلهية المتوالية، وأمَّا كفركم، فإنَّه يستتبع عذاب الله، بحيث لا يبقى هناك مجال للندم، بلا إستثناء لأيّ مقطع من مقاطع التاريخ، ولو خطر في ذهن أحدكم السؤال عن عدم نزول العذاب الشديد من قِبَل الله تعالى في المكان الفلاني، فإنَّ ذلك ناشئ من التحليل الخاطئ للإمور؛ لأننا لو رجعنا الى أصول تحليل الحقائق، فسوف يتّضح لنا عدم إستثناء هذه القاعدة في زمان أو مكان.
ما معنى«الشُكر»؟ إنَّ الشكر مبتنياً على عدّة أسس رئيسية:
الأول: معرفة النِعمة، والإلتفات إليها؛ لإنَّ عدم الإلتفات الى النِعم هو أول الآفات ؛ فنحن لا نشعر بنعمة السلامة إلا بعد أن نبتلي بالمرض ونفقد أحد أعضائنا، ولا بنعمة الشباب إلا بعد أن نبتلي بالشيخوخة ولا بنعمة الأمان إلا بعد الإبتلاء بالخطر ـ ومن هنا يأتي الإشكال في العمل ـ
فقد شعر أهالي الكوفة بنعمة أمير المؤمنين عليه السلام عندما تسلّط الحجاج على رقابهم، وقد شعر أهالي المدينة بنعمة أمير المؤمنين والإمام الحسن، عندما تسلّط عليهم مسلم بن عقبة، وأخذ يقتلهم قتلاً جماعياً، ويستحيي نسائهم، ثمَّ قال لهم: عليكم جميعاً أن تقرّوا بالعبودية ليزيد، فأخذ الناس بالمجيء واحداً تلو الآخر، للإقرار بين يديه، ومن لم يقرّ، قام بقطع رأسه، عندها شعر أولئك الناس بأهمية حكومة أمير المؤمنين، المبتنية على الأمن والأمان والإحترام للناس في العهد السابق.
الثاني: الإعتقاد بأنَّ النِعمة هي من عند الله تعالى.
الثالث: الشكر لله تعالى، لا أن نقول أنَّ الله هو الذي يعطي النِعم، ويجب عليه ذلك، كلا، بل الإحساس بالحاجة والفقر في قبال الله تعالى.
الرابع: الإستفادة من هذه النِعم، تدريجياً كالسِلّم، فعندما تُعطى نعمة من النِعم، فهي تمثّل درجة من الدرجات التي قد وضعتَ عليها قَدَمك في هذا السِلّم؛ لكي تصعد الى الأعلى، والآن يأتي دور الدرجة الثانية، فإذا وصلت الى الدرجة الثانية، فهي نعمة أخرى أيضاً، وعليك الاستفادة منها، من خلال وضع قدمك عليها والصعود الى الأعلى؛ لأنَّ الشخص إذا وجد سبيلاً الى درجة من درجات السِلّم، ولم يضع قدمه عليها، فهو دليل على عدم شكره لهذه النِعمة.
لا حظوا كيف يصبح الشكر من النِعم الإلهية الكبرى عندما يتحقق مع هذه الأركان.
إنَّ الإمام الحسين (عليه السلام) كان يخاطب الله تعالى في دعاء عرفة بهذا المعنى: إنني كلما شكرتك على نعمة من نعمك، فإنَّ شكري لك هو إحدى النِعم، ولو أبقيتني الى آخر الدهر، فسوف أشهد لك بكل وجودي بأنَّي لا أستطيع أن أجازيك بشكرٍ على نعمة أنعمتها عليّ؛ لأنَّ شكري على هذه النِعمة، وحصولي على التوفيق الى الشكر، هو نعمة أخرى، ينبغي الشكر عليها، وهكذا دواليك... الى ما لا نهاية.
إنَّ الشكر هو نعمة من النِعم؛ لأنَّك عندما تشكر الله تعالى، فإنَّ ذلك يؤدي الى ذكره، والتوجّه إليه، فالشكر نفسه يجعل الإنسان من الذاكرين، هذا أولاً.
وثانياً، إنَّ الشكر يؤدّي الى الصبر؛ لأنَّ من مميّزات الشُكر على النِعمة، أنَّه يَهَب للإنسان الصبر والثبات؛ ولهذا نقرأ في الدعاء المأثور: «اللهمَّ إنّي أسئلك صبر الشاكرين لك»، فعندما تشكر الله على نعمة، وتتعرّف على قيمتها ومكانتها، وتتذكّر القدرة التي وهبها لك الله تعالى، سوف تنتابك حالة من الشعور بالأمل، وإنَّ هذا الأمل يبعث على زيادة الصبر؛ ولهذا فإنَّ الصبر هو من لوازم الشكر، وإنَّ أحد معطيات الشكر، هو القدرة على الصبر والثبات في الميادين الصعبة.
إنَّ عدم الغرور هو أحد خصائص الشكر، ثمَّ إنَّ الله تعالى قد وعد بزيادة نعمة الشاكرين، كما قال تعالى: «لأزيدَّنكم»، وإنَّ وعد الله صدق، وله قانون واضح في ذلك أيضاً، وهو أنَّ نفس الشكر يؤدي الى زيادة النِعم.
إذاً فإنَّ الشكر هو الدرجة الأولى التي توصل الإنسان الى القمّة، وهو واجب الجميع.
ما هو الأمر الذي يخالف الشكر؟ هو كفران النِعم، فإنَّ كفران النِعمة هو الأمر الذي يخالف الأمور المتعلقة بالشكر.
إنَّ الغفلة وعدم التوجّه الى مصدر النِعمة هو أمر يبتلي به الكثير منَّا، فإمّا أن ينكر النِعمة، أو لا يعلم أن مصدرها من الله تعالى، أو يغتر بما يهبه الله من نِعم ـ حيث إنَّ الغرور يلازم السقوط؛ لأنَّ الإنسان عندما يغتَّر فسوف يبتلى بالسقوط ـ وهذا هو كفران النِعمة، قال تعالى: {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ}[8]، فالمجتمع الذي ينعم بالراحة ويتمتع بالنِعم الإلهية المادية والمعنوية، ثمَّ يكفر بنعم الله، يذيقه الله الخوف والجوع، وهذه هي نتيجة كفران النِعم.
ما الذي يجب أن نشكر الله عليه في المرتبة الأولى؟ لا نستطيع إحصاء ذلك؛ لأنَّ الله تعالى يقول : {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا}[9].
عندما أصيبت يدي بالشلل، انتبهت الى بعض الخصائص التي ترتبط بذلك، فقد أخبرني بعض الأطباء حينها: أنَّ وقوع الحركة البسيطة في أصبعي هذه التي تتحرك الآن بسهولة أمامكم، وباستطاعتها أن تحرّك شيئاً ما ـ كسلسلة قلادة مثلاً ـ وهو ما يُعَد لكم أمراً بسطاً ـ تعتمد على العديد من الحركات والقدرات المهمة في جسم الإنسان، إلا أننا في غفلة عن ذلك.
على كل حال فإنَّ النِعمة حينما تسلب من الإنسان، فإنَّ الإنسان يلتفت الى أنَّ هذا العمل البسيط والصغير، هو نتيجة الى الكثير من النِعم الإلهية الكبرى، إلا أننا نمرّ على ذلك دون أن نعير أي أهمية، وهذا سبب غفلتنا.
إنَّ تمكُّنك بأن تكون مسؤولاً في البلد بسهولة ـ في أي مستوى من المستويات ـ وتتّخذ القرارات على أساس رؤيتك الدينية وإيمانك الإسلامي، وعدم سيطرة السياسية الخارجية على إرادتك، واعتقاد الشعب بانتسابك إليهم، وحصولك على الفرصة التي يجب استغلالها في المكان المناسب، وتجنّبك التطاول على الأموال العامة للشعب، وعدم ارتكابك للمعاصي بصورة سهلة ـ ضمن آلاف النِعم التي وهبها الله تعالى لنا، فمع ذلك لا يمكننا معرفة مقدار تلك النِعم.
إنني أعتقد أنَّ أول النِعم التي لابدّ أن نشكر الله عليها في هذا اليوم، هي العزّة والإستقلال الوطني، فقد كانت أعلى المناصب السياسية في هذا البلد يوماً ما تنتظر الإشارة من السفير البريطاني والأمريكي؛ من أجل اتخاذ القرارات الأساسية، ويوماً ما ـ في نفس طهران هذه ـ قامت البلدان الثلاثة المتحالفة في الحرب العالمية الثانية بتعين الرئيس لهذا البلد، حيث خلعوا أحدهم ونصّبوا آخراً، وفي طهران أيضاً، لم يكن يعيَّن رؤساء الحكومة بدون طلب الرخصة من البيت الأبيض، فيأتي أميني ويذهب إقبال، ويبقى الشخص الفلاني ويذهب الآخر، ويُنصّب الوزير الفلاني في المكان الفلاني أو لا يُنصّب ـ هكذا كان مصير شعبنا ـ أو يأمرونه ببيع النفط للبلد الفلاني، والدخول في المعاهدة العالمية أو الإقليمية الفلانية أو عدم الدخول فيها.
فهل يمكن أن يبقى شموخاً وعزّةً لشعب يعيش مع هكذا مسؤولين وحكّام؟ بناءً على ذلك، فإنَّ أول النِعم الإلهية العظيمة لبلدنا وشعبنا ومسؤولينا، هي العزَّة والإستقلال الوطني.
لا تستطيع أي قوّة في العالم اليوم أن تدّعي أنَّها تسيطر على نظامنا السياسي وبلدنا، ولا يمكن لها ترك أيَّ أثر على ما نتّخذه من قرارات، بتلميحها أو تصريحها أو ضجيجها أو تهديدها.
النِعمة الكبرى الأخرى التي توجد اليوم في بلدنا، هي تفتّح القابليات، ففي يوم من الأيّام جاء الشباب العاملين في ميدان الطاقة النووية الى هذه الحسينية، وشرعوا بإقامة معرضاً لهم، حيث كان ميداناً متوشّحاً بحركة وحقيقة عظيمة، بحيث يستأنس الإنسان عندما يرى كلّ هذا التقدَّم، أما أنا فلقد سُعدت كثيراً عندما رأيت أولئك الشباب، فلقد كان أحد الفتيان المتديّنين، من ذوي الهمّة والنشاط، يرأس أحد المجموعات الكبيرة ـ كان الأخ آقازادة يعرّف لي أفراد تلك المجموعة ـ ويقوم بإنشاء المشروع العظيم الفلاني، إنَّ الإنسان ليسعد عندما يرى ذلك.
فأين كان هؤلاء الشباب؟! إنَّنا لم نستوردهم من الخارج، بل هم هذه الأرضية الخصبة المودعة في الفطرة الإنسانية في بلدنا، وتربية السماء وشمس الثورة، وأولدهم الإسلام وأنشأهم ونمّاهم، وإنَّك لتجد الكثير من أمثال ذلك في مئات الأماكن الأخرى.
واليوم أصبحت الطاقة النووية أمراً واضحاً، ومعلوماً للجميع، إلا أنَّه يوجد نظير هذه القابليات في أماكن أخرى أيضاً، ولقد شاهدت بنفسي بعض هذه الموارد عن قرب، فعندما يجد الشاب هنا ساحة للعمل، وتتفتح قابلياته، سوف لا يضطر الى اختلاس النظر من أجل الخروج الى خارج حدود البلد، إنَّه يرغب في العمل.
لقد بات الجميع يجلسون ويتشاكون على أنَّ أصحاب العقول أخذوا بالمغادرة والهجرة والهروب، على أنني لا أنظر الى ذلك على أنَّه معضلةً أو مشكلةً أساسيةً؛ لأنَّهم يذهبون ويتعلّمون وأغلبيتهم يعودون الى البلد، وعلينا أن نفتح لهم المجال ليشعر هؤلاء الشباب أنَّهم يتمكّنوا من استخدام قابلياتهم في ميدان العمل:
إنَّ هذا الجمال ليس له قوّة مخفيّة    فلو أغلقت الباب سوف يعبر النافذة
فلو أنَّك هيّأت ساحة لكرة القدم أمام أحد الشباب الأقوياء المقتدرين، فإنَّه سوف يمارس لعبة كرة القدم ويتفنّن فيها، إلا أنَّه إذا لم تتهيّأ له مثل هذه الساحة، فإمّا أن يتقاعس، أو يذهب للبحث عن ساحة قدم أخرى، ليمارس لعبته هناك؛ لهذا يجب علينا تهيئة الفرص، وهذا ما تحقق فعلاً ـ بالطبع، نحن علينا واجبات، سوف أتعرض لها بعد قليل ـ حيث نشاهد تفتّح هذه القابليات التي تُعد من النِعم الكبرى، في مجال طاقاتنا العلمية، والإدارية، وقواتنا المسلحة وفي جميع الجوانب المختلفة الأخرى.
إنَّ من أكبر النِعم الإلهية، الأمل والثقة بالنفس لدى الشعب، فإنَّ الروحية المتفائلة من أعظم النِعم، فإنَّ الشعب اليائس الذي لا يمتلك الأمل وآفاق الرؤية الواسعة، ولا يتحمّل المشاق، لا أنَّه لا يتمكن من العمل فقط، بل سيكون حائلاً دون وقوع العمل، إلا أنَّ الشعب المتفائل ينطلق نحو الأمام بسرعة، ويقوم بجرّ المسؤولين وراءه.
إنَّ هذا قد تحقق اليوم في البلد، وإنَّ الروحية المتفائلة هي المسيطرة على الشعب، فإنَّ الشعب متفائلاً بمستقبله، وهذه من النِعم الكبرى، وعلينا أن نعرف قدر هذه النِعمة ونشكر الله عليها.
إنَّ من النِعم الإلهية العظيمة، هي الطبيعة في بلدنا، والأخرى مصاردنا الأرضية، ومنها إتاحة الفرصة لكم لتحمّل المسؤولية، ومن النِعم الأخرى، المنهج والجو الديني والمعنوي الذي يسيطر اليوم على بلدنا، فعلينا أن لا ننسى أن هناك أشخاصاً كانوا يحاربون ويعارضون أي نوع من الحركات الدينية بكل أشكال وطرق المحاربة والمعارضة، وكانوا يسعون الى إيجاد جوّ خادع ومخالف للدين يتناغم مع الثقافة الغربية في البلد ـ خلافاً لرغبة مسؤولي البلد الكبار، ورؤساء الحكومة، وما يتمسك به الشعب من عقائد وإيمان ـ إلا أنَّ الشعب استطاع اليوم أن يجعل فكره وإيمانه وقيمه هي المسيطرة على الجو الثقافي للبلد، وهذه نعمة كبيرة.
من النِعم العظيمة الأخرى، هذه الحكومة التي تسلّمت مقاليد الحكم من خلال حمل الشعارات الأصولية، حيث حملت هذه الشعارات وعملت بها، وهذه من النِعم التي لابدّ أن نشكر الله عليها.
كذلك مجلس الشورى تسلّم السلطة من خلال الشعارات الأصولية، وهذه من النِعم العظيمة جداً التي لابدّ أن نشكر الله تعالى عليها، وهذا واجبنا.
سوف أقوم برسم بياني إجمالي عن الوضع الراهن للبلد، لا أريد الوقوع في شباك التفاؤل المتطرّف والموهم، ولا الوقوع في شباك التشاؤم المتطرّف والموهم، فنحن نمتلك الكثير من المسائل الإيجابية، والكثير من المسائل السلبية أيضاً، وعلينا أن ننظر إليهما معاً؛ لنتمكّن من الاختيار الصحيح.
إنَّ في مقدمة مسائلنا الإيجابية، إزدياد نسبة النجاحات الكبيرة في البلد، حيث أخذت تتحقق الواحدة بعد الأخرى، وقد تحقق بعضها نتيجة لجهود الحكومات الماضية، وتحقق البعض الآخر نتيجة لجهود الحكومة الحالية، وفي الجملة تحققت نجاحات عظيمة لبلدنا، وهذه النجاحات الكثيرة تعتبر من النقاط الإيجابية للبلد.
ومن إحدى النقاط الإيجابية الأخرى، هذه الروحية المتفائلة التي يمتلكها الشعب، حيث إنَّ الشعب بات يشعر بالحيوية.
ومن المسائل الإيجابية الأخرى، تسلّم حكومة جديدة ـ وعازمة وفعّاله ـ زمام الأمور، فإنَّ هذه تعتبر من النقاط الإيجابية.
ومن مسائلنا الإيجابية الأخرى الوجاهة والمكانة العالمية المرموقة لنا، التي تدلّ عليها الشواهد المستمرة، فإنَّ مكانتنا العالمية أصبحت قويّة ومرموقةً وبارزةً جداً، ويمكن لأي شخص له معرفة بالقضايا العالمية وما يجري في وسائل الإعلام العالمية، أن يفهم ذلك، وإنَّ أحد المؤشرات على ذلك الزيارات الناجحة التي قام بها رئيس الجمهورية المحترم الى أماكن مختلفة، حيث يمكن للمرء أن يشاهد علامات النجاح في هذه الزيارات.
ومن المسائل الإيجابية الأخرى أيضاً، هذه التطوّرات العلمية الموجودة على مختلف الأصعدة، ونسأل الله تعالى أن يعين هؤلاء الشباب والمدراء أصحاب الجدارة الذين يعملون في هذا الميدان؛ لكي يصلوا الى أهدافهم المطلوبة، ليعرضوها أمام أعين النّاس؛ ليزدادوا شعوراً بالعزّة.
ومن المسائل الإيجابية الأخرى، التطوّرات العلمية والبنى التحتية لتوسعة البلد، والتي يعتبر بالأساس نتيجة لجهود الحكومات السابقة، فلقد حصل اليوم استثمار جيد لرؤوس الأموال في أجهزتنا الإتصالية، كقسم الإتصالات و المواصلات وأقسام مختلفة أخرى، وإنَّ الأعمال الجيدة التي تحققت في البنى التحتية والأساسية في البلد واضحة وملموسة.
ومن النقاط الإيجابية الأخرى، الإستقرار السياسي، حيث فشلت جميع المساعي والجهود الخفيّة.
إنّكم ترون أنَّهم سعوا لإيجاد التفرقة المذهبية، فلم يتمكّنوا من ذلك، وسعوا أيضاً لإيجاد التفرقة القومية، ففشلوا، والتفرقة النوعية، فلم يتحقق ذلك، وهذا دليل على أنَّ هذا البحر العميق ينعم بالهدوء، بحيث لم تتمكن هذه التحرّكات المدبّرة، والبرامج المعدّة بواسطة الأيدي الخفية، أو الخفية والظاهرة، أن تثير أمواج هذا البحر.
إنَّ التعاون بين القوى، من أكبر المسائل الإيجابية، فإنَّ المجلس والحكومة والقوّة القضائية، يحسنون الظنَّ ببعضهم، فأين هذا من كون المجلس يسيء الظن بالحكومة، والحكومة لا تعير أهمية للمجلس، وأن تصبح القوّة القضائية في موضع الشاكي من الاثنين، فإنَّ مثل هذا الوضع سيكون سيّئاً للغاية.
اليوم ـ والحمد لله ـ ليس الأمر كذلك، فإنَّ التعاون والمحبّة موجودان، وإنَّ الأجهزة المختلفة والتيارات المتعددة تتعاون مع بعضها البعض، ويوجد هناك توافق واتحاد وتعاون.
ومن جهة أخرى، لدينا احتياجات عاجلة، ومع عدم احرازها سوف تكون ضمن مسائلنا السلبية ومشاكلنا، فإنَّ في البلد ثغرات خطيرة، منها مسألة العمل ـ وهي مسألة مهمة جداً ـ ولقد عوّلت عليها كثيراً في عهد الحكومة السابقة، وتعاونت كثيراً مع الحكومة وساعدتها من أجل فتح السبل الكفيلة لتوفير فرص العمل.
إنَّ مسألة العمل في الوقت الراهن، هي مسألة أساسية بالنسبة لنا أيضاً، وإنَّ مسألة التضخّم، والأماكن المحرومة، ومحاربة الفساد، من المسائل المهمة التي لا نستطيع أن نتركها.
إنَّ «الفساد» كالنفايات الواقعة في بركة، فلو أنَّكم وضعتم أنابيباً ـ بحجم عدّة إنجات فيها ـ وسكبتم الماء بصورة مستمرة في داخلها، فسوف لا تمتلئ بالمقدار المناسب من الماء ـ إنَّ مثل هذه الجهود، لا تثمر شيئاً ـ لماذا؟ وذلك لسبب وجود النفايات، ومع عدم سكب الماء في مكانه المناسب، فسوف يذهب هدراً، هكذا هو الفساد.
إننا بحاجة أيضاً الى مسألة الإستقرار؛ من أجل تشغيل رؤوس الأموال، ولكي يتمّ هذا الأمر في بلدنا، لابدّ لنا من توفير الإستقرار لهذه المسألة بصورة كاملة؛ لكي يمكن الإستفادة من الثروات التي يمتلكها المجتمع، في مجال التطوّر، والإبداع وفتح مشاريع التعامل الإقتصادية.
المسألة الأخرى، المحافظة على المكانة العالمية، فليس كما يتصوّر البعض: من أنَّ أيّ سلوك أو أي عمل نقوم به، سوف تبقى هذه المكانة العالمية على حالها، فليس هناك ضمان لذلك، فعلينا المحافظة على ذلك، وهذا يحتاج الى التدبير والنظرة العميقة، والعمل الكثير والمتزايد.
إنَّ عكس الصورة الجميلة لثقافة البلد، يعتبر من ضمن مسائلنا الرئيسية، فينبغي أن يكون الوجه الثقافي للبلد نورانياً واسلامياً ومتناغماً مع الفضائل الأخلاقية الإسلامية بصورة كاملة، وهذا يُعد أحد الفراغات التي نعاني منها، وبالطبع، تستطيع الحكومة ومجلس الأصولين من خلال شكر النعم التي تحدَّثنا عنها، والتأكيد على المباني الأساسية والعمل الدؤوب زيادة عدد النجاحات، وسد الفراغات بصورة مستمرة.
لقد قلت ـ والجميع يقولون أيضاً ـ أنَّ أركان إتخاذ القرار في البلد ـ مجلس الشورى الإسلامي والحكومة والقوة القضائية ـ تُدار اليوم بإدارة الفكر الأصولي الإسلامي (بالتعبير الرائج: التيار الأصولي)، حيث يعتبر هذا من نِعم الله الكبيرة.
إذاً ما هو المقصود من التيار الأصولي الذي نتحدّث عنه؟ فإنَّ هذا سؤال مهم للغاية.
إنني لا أريد الآن أن أدوّن كلّ ما يتعلق بالأصول، إلا أنني سوف أتطرَّق الى مجموعة من أبرز الأصول التي نتمسك بها.
إنَّ الأصولية لا تتحقق بالكلام، ولا يمكن جعلها حيال التيارات السياسية الرائجة في البلد، فمن الخطأ تصنيف البلد، أو الناشطين السياسين الى: أصولية وإصلاحية ـ أو الأصولية والإتجاه الفلاني ـ كلا، فإنَّ الأصولية متعلقة بالجميع، بجيمع الأشخاص الذين يعتقدون ويرتبطون بقيم الثورة ويظهرون المحبّة لها، مهما يكن الاسم الذي يتسمّون به.
ما هي هذه الأصول؟ بالدرجة الأولى، الإيمان والهوية الإسلامية والثورية والإرتباط بها.
إنَّ هذه الواجبات تقع على عاتق الحكومة، لا يمكن القول: أنَّ الحكومة ليس لها علاقة بإيمان الشعب، كلا، فقد أخذوا يروّجون لهذا الأمر منذ مدّة، وهذا أمر خاطئ، فالدولة مسؤولة، فكيف يمكن لوزارة الصحة محاربة بائعي الأدوية المغشوشة في منطقة ناصر خسرو، ولا تتصدى وزارة الإعلام الى بائعي المخدرات الثقافية؟! ولا تحارب السموم الثقافية المنتشرة؟!
إنَّ هذه من واجبات الحكومة، تتولّى ذلك الإذاعة والتفلزيون، ووزارة الإعلام، والأجهزة المختلفة الأخرى، كلّ على شاكلته.
ومن الواجبات المهمة، ترسيخ أسس الإيمان الجليّة والصُلْبة بعيداً عن الخرافة وهشاشة التفكير في أذهان أجيالنا الشبابية الصاعدة، وتعزيز الإيمان بالدين والنظام والشعب والمستقبل وبأنفسنا واستقلال بلدنا وبالوحدة الوطنية والإيمانية، ذلك الإيمان الذي يؤدي الى تجنّب أي نوع من أنواع التأجيج لنار التعصّب الطائفي في أي فرقة من الفرق، إنني أكرر هذا وأأكد عليه، وأقوله للجميع، فإنَّ من الخطأ أن نتحدّث بإسم الإيمان الإسلامي أو الإيمان المذهبي، ونقوم بالأعمال التي تشعل نار الفتنة الطائفية، ونحارب بعضنا بعضاً، ينبغي أن لا تكون القضية بهذه الصورة، بل عليكم أن تتمسّكوا بإيمانكم، والمناقشة والتباحث والإستدلال واستخدام المنطق مع أي شخص يخالفكم على صعيد الإيمان المذهبي أو الديني، لتجعلوه يعتقد بأفكاركم، دون أن تؤجّجوا نار العصبية، قال تعالى: {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[10]،
إنَّ هذا ما يقوله القرآن الكريم، فلماذا لا يفهم البعض؟ إنني لاأعلم ذلك.
يوجد في هذا القسم، أحد الواجبات المهمة الأخرى التي تقع على عاتق حكومة ونظام الجمهورية الإسلامية، وهو إبراز الهوية الإسلامية في العالم الإسلامي وجعلها شفّافة؛ ليكون ذلك ميزاناً أمام أعين الشعوب الإسلامية، وهذا يتحقق من خلال التدّين البعيد عن الخرافة، والتدقيق في المصادر الدينية والإبداع.
إنَّ البعض يتصوّرون عدم إمكانية الإبداع في الدين! مع أنَّ كنوز المصادر الإسلامية والدينية ليس لها حدود، فقد استطعنا أن نحصل على شيئاً يسيراً من هذه العين النابعة على قدر وسعنا، فينبغي لنا السعي من أجل تحقيق الأفكار والمسائل المستحدثة في المجالات المختلفة.
إنَّ هذا القرآن محيط ليس له ساحل، فيه الكثير من الحقائق، ليس «الكثير» بل أكثر حقائق العالم التي يمكن لنا فهمها من خلال القرآن، الى الآن لم نتوصّل الى فهمها.
إنَّ التفكير والإكتشاف والإبداع ووضع الأفكار الحديثة أمام الأفكار العامة لمُفكّري وعلماء الإسلام، هو من ضمن وظائفنا.
طبعاً، من الواضح أنَّ هذا العمل كباقي الأعمال الأخرى، لابدّ أن يُنجز بأسلوبه وفنّه الخاص؛ لأنَّ هذا له اسلوبه ولا يمكن أن يُنجز خارجاً عن نطاق اسلوبه، فإنَّ الشخص الذي ليس له معرفة مطلقاً في فنَّ من الفنون، لا يمكن أن نطلب منه الإبداع في هذا الفن؛ لأنَّ هذا العمل هو عمل من له خبرة في ذلك، وله معرفة به؛ أي يكون عارفاً بالكتاب والسنة، وفنان في هذا الفن، فلا يمكن التوقّع من شخص ليس له خبرة في فنّ الموسيقى مطلقاً القيام بتأليف إحدى القطع الموسيقية الحديثة، وكيف يمكن له ذلك؟!
ينبغي لنا حمل راية الأخوّة الإسلامية مع جميع الشعوب الإسلامية، ونقوم بتنمية الفضائل الأخلاقية في المجتمع، كالتعاون والعفو والمساعدة والصبر والحلم، فإنَّ هذه أخلاق إسلامية، وعلينا تنميتها في المجتمع.
هذا هو الأصل الأول من أصولنا: الإيمان والهوية الإسلامية والثورية.
إنَّ البعض يتصوّر عندما نقول «الإسلام» و «الإيمان»، فإنّنا نعني بذلك إغلاق عيوننا، وإقصاء جميع الأشخاص، وتقطيب وجوهنا إزاء كل كلام أو فكر، كبعض المنحرفين الذين شاهدتموهم في أفغانستان، من الذين يكشفون القناع عن وجوههم اليوم ـ من خلال الشبكات الإرهابية ـ في العراق، ويقومون بتكفير العالم الإسلامي بأسره!
ترى وجوهم عابسة وعيونهم معصّبة وسيوفهم مشهورة يلوّحون بها فوق رؤوسهم، ويقومون بسفك دماء النَّاس الأبرياء، ومن الواضح أنَّ هذا ليس هو أسلوبنا.
إنَّ إيران الإسلام لها رايتها الخاصة، إنَّ لدينا مثل الإمام «قدّس سرّه» يحمل الأفكار الجديدة والنيّرة، والإبداع على كافة الأصعدة، حتّى في الفقه، إنَّكم تشاهدون أنَّ الإسلام الذي تقوم بعرضه الجمهورية الإسلامية، له طعم لذيذ في أفواه أفراد الشعوب الأخرى، ويسري كما تسري النار في الهشيم في جميع مناطق العالم، وسبب ذلك هو القابلية والذوق والفهم والحكمة الإيرانية، التي عندما تقع على طاولة البحث والإدراك للدين، تظهر هذه النتائج الجيدة، وهذا هو معنى الهوية الإسلامية والدينية والتمسّك بها.
الأصل الثاني: العدالة
إنَّ حقيقة وجودنا هو من أجل العدالة، وليس من المنطق قيامنا ببرنامج للتنمية الإقتصادية، وترك التفكير بالعدالة الى ما بعد الحصول على إنتاج لبرنامج أو برنامجين من برامج التنمية الإقتصادية، بل ينبغي أن تسير التنمية الأقتصادية الى جنب العدالة، وينبغي التخطيط وإيجاد السبل اللازمة لتحقيقها.
إذاً ما معنى العدالة؟ طبعاً، من الممكن أن يوجد هناك اختلاف في وجهات النظر بين الأفراد والجماعات في معنى العدالة، إلا أنَّه يوجد قدر متيّقن، وهو: تقليل الفوارق الطبقية، وإعطاء الفرص المتكافئة، وتشجيع أصحاب الأيدي الأمينة، وتحجيم المتجاوزين على الثروة الوطنية، وترويج العدالة في خلايا السلطة الحاكمة ـ في العزل والتنصيب، وفي القضاء، وفي إبداء الآراء ـ الإهتمام بالمناطق البعيدة والمناطق الفقيرة كالإهتمام بمراكز المدن، وإيصال الموارد المالية في البلد الى الجميع، والإعتقاد بأنَّها ملكاً للجميع، وعليه، ينبغي تحقيق العدالة بالقدر المتيقّن والمتّفق عليه. وبناءً على ذلك، فإنَّ العدالة تعتبر أصلاً من الأصول وحاجة ملحّة.
لايمكن تحقق العدالة بالمجاملات، كأن يقول القائل «إنني أموت وأنت كذلك تموت »، بل تحتاج الى الجدّية أولاً، والتواصل مع الناس، ثانياً، والتقشّف والشعبية، ثالثاً، والأكثر من ذلك، تحتاج الى بناء النفس وتهذيبها، وهذا من ضمن الشروط واللوازم المتقدمة على تحقيق العدالة، فيجب أن نصلح أنفسنا، نختبرها أولاً؛ لكي نتمكن من إجراء العدالة، فهذا هو واجبنا.
ومن الواجبات الأخرى التي تقع على عاتقنا أيضاً محاربة الجشع والفساد.
الأصل الثالث: الحفاظ على الإستقلال السياسي.
إنَّ هذا الأصل مهم جداً؛ لأنَّه من ضمن المباني الأصولية للنظام، فهذا الإستقلال يمثّل إستقلالاً سياسياً واقتصادياً وثقافياً. يجب علينا أن نحطّم القيود الأخطبوطية الثقافية التي طوّق بها الغرب أيدينا وأقدامنا، هذا هو أحد أصولنا. إنَّ الحركات والتيارات والشعارات والبرامج التي لا يُستشعر فيها إستقلال البلد والشعب، لا تعتبر أصولية.
الأصل الرابع: تقوية الثقة بالنفس والعزّة الوطنية.
إننا نحتاج للثقة بالنفس في جميع المجالات، فقد رأينا الآن نماذج من ذلك على صعيد العلوم التجريبية ـ على سبيل المثال ـ الذي كان منها التقنية النووية، ومنها إنتاج خلايا الجسم، ومنها الأعمال الجيدة الأخرى التي أنجزت في المجالات المختلفة، التي لا أريد أن أصرّح بها قبل وقتها المناسب، والتي ستكون في صالح التقدّم البشري العالمي أيضاً.
طبعاً، هذا جزء يسير من العمل؛ لأنَّ الإستقلال الناتج عن الثقة بالنفس والعزَّة الوطنية لا يقتصر على هذه الأمور فقط، كما لو تمكّنا من صناعة سد، أو محطة للطاقة الكهربائية، أو إنجاز الأعمال الكبيرة، أو فتح المشاريع العظيمة بدون مساعدة الأجانب، بل لا بدّ أن تكون لنا ثقة بالنفس على الصعيد السياسي والفلسلفي، وفي مجال الاختراعات الشعبية والقيم الأخلاقية.
انظروا الى الآخرين كيف يقومون بحركات بلهاء وجنونية، كمصارعة الثيران ـ مثلاً ـ فيقومون بفكّ قيودها في شوارعهم، الأمر الذي يؤدّي الى سقوط ضحايا وخسائر في الأرواح، مما يؤدي الى تعريض أنفسهم الى السخرية، إلا أنَّهم يفتخرون ـ أيضاً ـ بأنَّ ذلك يعتبر من عاداتهم وتقاليدهم الوطنية، فبالرغم من خطأ هذا العمل، إلا أنَّ الإعتقاد الذي يرافقه ـ بما هو اعتقاد ـ أمر مطلوب؛ ولهذا فإنَّك لا تجدهم يخجلون من فعل ذلك.
فلو كانت هناك سنّة إسلامية ـ على سبيل الفرض ـ وقد استُدل عليها، واعتقدنا بها، فعلينا أن لا نخجل عند تطبيقها، إنني لا أريد الآن أن أضرب مثالاً لذلك، إلا أنَّ هناك موارد كثيرة ليس من المناسب ذكرها الآن، والتعرّض الى تفاصيلها وجزئياتها، إلا أننا نستطيع الحصول على الكثير من الأمثلة، فمثلاً على مستوى القيم الأخلاقية: الصراع الثقافي المستمر مع الفشل المزمن والمفروض على هذا البلد قبل عدّة عقود.
لقد قال كبار الثقافة والسياسة وطلائعها في البلد، في زمان وبصوتٍ واحد، وبكل وقاحة: أنَّ إيران هي صفر محض! ولو أراد إيجاد كيانٍ لها، فلابد أن تلجأ الى الثقافة الغربية. هذا هو الكلام الذي صرَّح به أوائل طلائع قافلة الفكر في بلدنا، وأبرز السياسين في العهد القاجاري والبهلوي، والبعض الآخر ممن لم يصرّحوا بهذا الكلام، قاموا بذلك عملياً، فأصبح ذلك أحد الأمراض المزمنة في مجتمعنا؛ ولذلك ينبغي علينا محاربة ذلك.
الأصل الخامس: الجهاد العلمي.
إنني أعوّل كثيراً على مسألة «الجهاد العلمي»؛ لأنَّه يعتبر من المباني الأساسية للتيار الأصولي. لقد كررت القول لعدَّة سنوات: يجب أن يفسح الطريق أمام النهضة العلمية، وإنني مسرور لِمَا يقوله الشباب من طلبة الجامعة وما يطرحونه من مسائل عندما ألتقي بهم، حيث أرى أنَّهم يعلّقون الآمال علينا في قضية الإنتاج العلمي، والتواصل بين العلم والصناعة، ودعم الحكومة للتقدّم والإكتشاف العلمي.
فأقول لهم: إنني مسرور بهذا؛ لأنَّ هذا ما نقوله نحن أيضاً، وقد أصبح ذلك عرفاً بين مجاميع طلبة الجامعات، إلا أنَّ هذا ليس كافياً؛ لأنَّ علينا التوجّه نحو الأعمال الكبيرة.
لاحظوا: إنَّكم تستطيعون أحياناً صناعة طائرة ـ اخترعها الآخرون وقاموا بصناعتها ـ في داخل البلد دون مساعدة أحد، وهذا عمل جيد جداً؛ لأنَّه أحسن من شراء طائرة قد تمّت صناعتها، إلا أنَّكم تستطيعون أحياناً صناعة قطعة على مستوى صناعة الطائرات في بلدكم، وهذا هو الذي نحتاج إليه، فينبغي علينا أن نتفوَّق على ما يمتلكه العالم من ثروة علمية، لا يقول أحد: أنَّ ذلك لا يمكن تحقيقه، بل يمكن ذلك.
فقد كان العالم في يوم ما لا يعرف دقائق التقنية ـ نانوتكنولوجيا ـ ثم عرفها، واليوم يمكن أن يوجد المئات من الميادين الأخرى التي لا تعرفها البشرية، إلا أنَّه يمكن التعرّف عليها، ويمكن التقدّم الى الأمام، بالطبع، وهذا يحتاج الى مقدّمات، إلا أنَّه يمكن تهيئة هذه المقدّمات من خلال شحذ الهمم.
لقد قلت في يوم من الأيام بين مجموعة من الشباب الجامعيين: إنَّي لم أتوقّع الكثير؛ فإنَّ ما أتوقعه منكم ـ باعتباركم الشريحة العلمية في البلد ـ هو وصولكم بعد خمسين عام ـ أي نصف قرن ـ الى مصاف الدرجات العلمية العالية في العالم، فهل هذا التوقّع هو كثير على شعب يمتلك القابليات؟
إلا أنّنا لو أردنا تحقيق ذلك، فعلينا من الآن أن نعمل بقوّة، وشرط ذلك عدم الكسل والغفلة والحرص، وعدم الخوف من سلوك هذا الطريق، وإتاحة الفرص وتربية النخب العلمية. ليس هناك فوارق كبيرة بيننا وبين العالم في بعض الفروع ـ كالفروع التي ذكرتها قبل قليل، فلحسن الحظ ليس هناك بون شاسع بين ما توصّلنا إليه وما توصّل إليه العالم في التقدّم والحركة نحو القمم الشامخة ـ وبناءً على ذلك، فإنَّ تهيئة الفرص يُعد واجباً من واجبات الحكومة.
إنَّ هؤلاء الشباب متعطّشون للعمل والمعرفة، على شرط أن تهيأ لهم الإمكانات، بالإضافة الى أنَّه ليس لدينا شحّة في الأساتذة الجيّدين ـ والحمد لله ـ فقد كنّا نعاني يوماً ما ـ أوائل الثورة ـ من شحّة الأساتذة في هذا البلد، لكن الوضع اليوم ليس كذلك، فلدينا أساتذة كثيرون ـ والحمد لله ـ وأكثرهم اليوم قد تربّوا في كنف هذا الشعب، وترعرعوا على هذا الماء والهواء.
الأصل السادس: تثبيت وتوفير أجواء الحرية، وحرية الفكر.
علينا أن لا نحمل الحرية على معناها السيّئ، فهي أحدى النِعم الإلهية الكبرى، التي يتفرّع منها حرية الفكر، فلا يمكن تحقق النمو الإجتماعي والعلمي والفكري والفلسفي بدون حرية الفكر.
إنَّ من أكبر الأخطاء الإستهزاء بالإشخاص الذين يحاولون الإتيان بفكرة جديدة في الحوزات العلمية أو الجامعات أو الأجواء الثقافية والإعلامية، فعليكم أن تدعوهم يفكَّروا بحرية.
بالطبع، إنني لا أوافق على الفهم الخاطئ للحرية، ولا على بسط نفوذ العدو في الداخل لنفث سمومه في أجواء بلدنا الثقافية أو السياسية باستمرار، ولا أتحمّل التقليد الأعمى ـ على حسب ما قال الأمريكييون وما فعله عملائهم في هذا البلد قبل عدّة أعوام وما تردد على ألسنتهم من سذاجة وغباء ـ وأرفض ذلك، إلا أنّ إنتشار الحرية، وفتح المجال لتنمية الفكر والمعرفة والعلم والفهم، لا يُعد من ذلك، فإنَّ المرء يحتاج الى الدقّة؛ لكي يتمكّن من تشخيص أكثر للفرق بين هذين الأمرين، وتعيين حدودهما.
إنَّ الحرية والتفكّر الحر، هو أحد المباني الأصولية الأساسية.
الأصل السابع: الإصلاح وتعديل الأساليب.
الإصلاحات من المباني الأصولية، وأعتقد أنَّ ما قلته ـ كان العام الماضي ـ عندما ذهبت لزيارة مدينة كرمان، والتقيت بالشباب ومجاميع من الطلبة الجامعيين وجهاً لوجه، فقد قلت حينها: إنَّ الإصلاحات الأصولية، والأصولية الصالحة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً مع بعضها.
إنَّ الإصلاحات التي ينوى تحقيقها على المقاييس الأمريكية، شبيهة بإصلاحات رضا خان.
تعلمون أنَّ شعار رضاخان كان هو الاصلاح في أهم أدوار وعهود تسلّطه! فإنَّ جميع هذه المصائب والجرائم التي تعلمون أنها تحققت في عهد رضاخان، كانت تُنفّذ تحت إسم وراية الإصلاحات، ولو قرأتم الوثائق التي حصلنا عليها بعد سقوط رضا خان، ستجدون أنَّهم كانوا يعزلون أفراداً عن الحكم، بتهمة وقوفهم ضد الإصلاحات، وينصّبون آخرين، لاعتقادهم بمسألة الإصلاحات.
إنَّ الإصلاحات التي تتحقق على مقياس رضاخان أو أمريكا أو الثقافة الغربية، لا تُحتسب اصلاحات، بل مفسدات. لقد تحدَّثت عدَّة مرّات في صلاة الجمعة وغيرها بصدد هذا الموضوع. لابد أن ترتكز الإصلاحات على قوانين، وأن تبتني على قيم وموازين وإتجاهات إسلامية وإيرانية. إنَّ الدستور هو ميزان الأصلاحات؛ ولابد أن نقيم الاصلاحات على هذا الأساس، إننا بحاجة للاصلاحات.
إنَّ الاصلاحات هي تعديل لأساليبنا، وأهدافنا المرحلية، ولقراراتنا، وعدم التعصّب بالباطل للقرارات المجحفة، وهذا يختلف عن التخريب ومحاربة الدستور والإسلام وإستقلال البلد.
الأصل الأخير أيضاً ـ وبالطبع فإنَّه ليس الأخير في هذه القائمة التي أنا بصدد عرضها ـ هو التفتّح الإقتصادي، والاهتمام بشؤون الناس وإقتصاد البلد.
وبناءً على ذلك يلزمنا المحافظة على رأس المال، من خلال العمل الخلّاق، والترويج للصناعة الداخلية، والتصدّي للتهريب والفساد بصورة جدّية، ومتابعة العمل باعتباره أحد المباني والأهداف الأساسية، وبناء السياسية والقوانين الاقتصادية على حالة من الشفّافية والانسجام ـ فليس هناك فائدة من القوانين الاقتصادية التي تُقرّر اليوم، وتُستبدل في غداً ـ فينبغي أن تكون لوائحنا وقوانينا الاقتصادية ثابتة؛ لكي يستطيع النَّاس أن يبرمجوا أوضاعهم على أساسها، ومنسجمة ومترابطة وشفّافة أيضاً.
إنَّ التسويق العالمي، من أهم الوظائف التي تؤدّي الى الرقي الاقتصادي للبلد ـ الذي يُعد من الأعمال التي لم نقم بها، أو نادرة التحقق ـ والتعرّف الكامل على النشاطات والبرامج.
علينا أن نأخذ هذه الأمور بنظر الإعتبار، وبالطبع، يجب أن لا تغيب عن الذهن البرامج المصيرية الأساسية للبلد، ويجب تأمين المخزون المالي؛ ليتمكّن البلد من التصدّي للمنازلات الاقتصادية والمالية، وتوفير موارد الإنتاج ورأس المال، وتحقيق البرامج الإستراتيجية للصناعة، وتوفير مصادر المياه والطاقة في البلد، من ضمن المسائل التي سوف نحتاج إليها بشدّة في السنوات القادمة، فعلينا متابعتها بجديّة؛ لأنَّ هذه الأمور تدخل في ضمن مسألة الرقي الإقتصادي للبلد، وإنَّ القيام بالتعاون الإقليمي ـ هذه الأعمال التي تقام حالياً، مثل جمعية الأكو، واجتماع شانغهاي وغيرها ـ يعتبر من الأمور اللازمة، التي يجب علينا متابعتها بجدّية، وينبغي لنا شحذ الهمم، واستغلال النفط بصورة منتظمة أيضاً، فإنَّ الخبراء يقولون: ـ إنني لست على اطلاع كثير في هذه الأمور، بل هي إحصائيات وأرقام عائدة الى الخبراء ـ إنَّ الخمسين أو الستين مليارداً التي نحصل عليها من واردات النفط، بالإضافة الى التسعمائة مليارد دولار التي نحصل عليها نتيجة الصادرات والعقود التجارية، يُعد أمراً مهماً للغاية.
ليس هناك معنى للقيام بصرف ما نحصل عليه من الأرباح عن طريق النفط، في احتياجاتنا الحياتية اليومية، بل لابدّ أن يُستهلك على أساس الحسابات الصحيحة.
إننا نقوم بعملية هدر للنفط، وهذا ليس عمل اليوم أو غداً، بل قد وضع البناء الاقتصادي وتقدّم البلد تحت وطأة هذا الأسلوب لعقود مضت من الزمن، ومن الصعب تغيير ذلك في الوقت الحالي.
لقد قلت للمسؤولين قبل عشرة أو اثني عشر سنة: إنَّ اليوم الذي يمكن أن يشعر فيه الإنسان بالرضا بالنسبة لقضية النفط، هو اليوم الذي يكون فيه أفراد البلد قادرين على أن يعلنوا بأنفسهم، من أنَّنا نرى المصلحة اليوم هي في تقليل الإنتاج المقدار الفلاني، أو اليوم نريد أن نغلق العدد الفلاني من آبار النفط في البلد على حسب مصلحة البلد، أو اليوم نريد أن نقلل من تصدير القدر الفلاني من النقط، ونستعمل النفط في الأعمال غير المتعلقة بالطاقة ـ إنَّ استخدام النفط للطاقة يُعد من أردأ طرق الاستهلاك؛ لأنَّ العالم اليوم يكتشف الكثير من الطرق لاستخدام النفط، هي أفضل بكثير من استهلاكه للطاقة، وهو في حالة تقدّم مستمر في هذا الجانب ـ ففي ذلك الحين يمكن لنا أن نستشعر السعادة والرضى بالنسبة لمسألة النفط.
إننا أيضاً نواجه صراعات مفروضة، سواء كان ذلك على صعيد أنفسنا ـ ضعفها ـ أو على صعيد الخارج. فيجب علينا ترك المجاملات جانباً.
مما لا ريب فيه، إنَّ أهم الصراعات الخارجية المفروضة علينا اليوم، هي من جانب أمريكا، وليس في ذلك شك مطلقاً، فإنَّ لهم مخططات في الشرق الأوسط تعود الى القرن التاسع عشر ـ ليس من قِبَل الأمريكيين وحسب بل الغربيين بصورة عامة ـ لأنَّ الشرق الأوسط منطقة تفصل البحر المتوسط والمحيط الهندي، وأنَّ البحر المتوسط يعتبر مكاناً لتوطّن الدول الاستعمارية، والمحيط الهندي يُعد من المناطق المستعمرة، ويقع الشرق الأوسط بين هاتين المنطقتين الحسّاستين، بحيث لا يمكن لهم التغاضي عن ذلك.
لقد أصبحت إيران تحت الضغوط البريطانية وأطماعها التوسعية في القرن التاسع عشر، وأصبحت كبش الفداء جرَّاء محاولة البريطانيين إحكام القبضة على الهند ـ التي كانت مستعمرة بريطانية آنذاك ـ
واليوم قد برزت في هذه المنطقة ـ فجأة ـ دولة باسم «الجمهورية الإسلامية» في هذه المنطقة النفطية الحسّاسة والمصيرية، التي تمتلك موقعاً جغرافياً وسياسياً استراتيجياً يحتوي على جميع الثروات، وتتمسّك بمبانيها الأساسية، وتقاوم قواعد الظلم والسياسة الاستعمارية، فيقول البعض: لماذا تتخذون موقفاً متزمّتاً ازاء أمريكا؟! إنَّ الشعب هو الذي اتخذ هذا الموقف ازاء أمريكا ـ هذه هي مواقفكم ـ فقد قام الشعب بتأسيس الجمهورية الإسلامية، واتخذ موقفاً مناهضاً لأمريكا، فما الذي يمكن فعله سوى ذلك؟ وهم الذين بدؤوا بتأجيج الحرب المفروضة، وقاموا بفرض الحصار الإقتصادي في العقد الأول من تأسيس الجمهورية الإسلامية، من خلال حياكة المؤامرات الإنقلابية الشديدة، إلا أنَّهم لم يتمكّنوا من تحقيق أهدافهم.
لقد كان كلّ من الحرب المفروضة والحصار الاقتصادي يمثّل فرصة ـ بشكل من الأشكال ـ بالنسبة للجمهورية الإسلامية، فإنَّ هذه السحب المظلمة التي جعلوها تخيّم على أجواء الشعب الإيراني، تحوّلت الى أمطار نافعة للشعب الإيراني، فإنَّ الحرب وهبتنا الإرادة والقوّة، والحصار الاقتصادي، جعلنا نفكّر بالاعتماد على أنفسنا، وجلب لنا جميع هذه البركات.
بعد ذلك استخدم الأعداء طريقة الإنقلابات الباردة ـ كالغزو الثقافي ـ إلا أنَّهم لم يتوصّلوا الى شيء أيضاً، وبعد السنوات المتمادية، آل الأمر الى أن تتولّى زمام الأمور حكومة، معتمدة على مبانيها وشعاراتها الأساسية، حيث اتّضح أنّ الغزو الثقافي لم يتمكّن من فعل ما كانوا يبغونه. والآن أخذوا بحياكة مؤامرات أخرى أيضاً، وعلينا أن نتوقّاها، والبعض من هذه الوقاية يتحقق من خلال التكاتف والإيمان، والتسلّح بالعقل والعلم.
وأأكد على أنَّ الإنسان إذا مضى بلا وعي، لا يستطيع أن يحقق شيء، فينبغي المضي بوعي وانتباه، مع إتحاد الكلمة، والإستفادة من جميع الفرص المتاحة، وحينذاك سوف تُحلّ جميع المشاكل ، وتُفتح جميع القمم الواحدة تلو الأخرى.
طبعاً، لديّ نصائح في مجال أمور الإدارة، وما يقع على عاتق المسؤولين والمدراء، كنت قد سجّلتها، إلا أنّ الوقت لم يكن ليسع لذكرها، وإن شاء الله تعالى سوف أهيّئ لها وقتاً آخر، ولقد تطرَّق السيد الدكتور أحمدي نژاد الى مسائل تتعلق بالطاقة النووية والعلاقات الأوربية، على نفس السياق الذي تكلّم فيه الأخوة.
اللهمَّ اجعل ما قلناه وما سمعناه، خالصاً لوجهك وفي سبيلك، وتقبّله منَّا بكرمك.
اللهمَّ اجعلنا واجعل سلوكنا مورداً لقبولك، ووفّقنا الى النجاة يوم القيامة والقدرة على الجواب عند السؤال العسير في البرزخ، ونوّر قلوبنا بنور معرفتك وهدايتك، وقوّي علاقتنا بك يوماً بعد يوم، وقوّي العلاقة بيننا وبين الشعب والمؤمنين وبين بعضنا البعض يوماً بعد يوم.
والسّلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته
________________________________________
[1] سورة ابراهيم: الآية 7.
[2] سورة الزمر: الآية 49.
[3] سورة لقمان: الآية 33.
[4] سورة البقرة: الآية 61.
[5] سورة البقرة: 122.
[6] سورة البقرة: الآية 61.
[7] سورة إبراهيم: الآية 7.
[8] سورة النحل: الآية 112.
[9] سورة إبراهيم: الآية 34.
[10] سورة النحل: الآية 125.