بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم
لقد كان هذا اليوم جميلاً جداً بالنسبة لي ومليئاً بالخواطر، وسوف لا أنسى لقائكم ـ يا شباب هذا البلد الأعزاء ـ وأنتم تضعون أيديكم على عمل مهم وقيّم جداً وتتقدمون فيه بسرعة، وإنني أراكم ولديّ احساس بأنَّكم عازمون مرّة أخرى على الإستمرار بهذا النشاط العلمي الباعث على الفخر، وإنني أعتبر ذلك من أجمل الأمور التي يمكن تحققها في مثل هذا الميدان.
هناك أمور مهمّة جداً لابدّ من توفّرها في أي بلد، وهي:
أولاً: معرفة احتياجاته الحقيقية والأساسية بصورة جيدة، والعزم على توفيرها.
ثانياً: إبراز ما تمّ إنجازه من سد للنواقص، ومن أولويات ذلك الفكر والقدرات الإنسانية، حيث ينبغي أن يجعل ذلك في متناول أفراد البلد، فإنَّ ذلك مهم جداً وتاريخي وحضاري بالنسبة لأي بلد.
وهذا هو سبب الفرق بين البلدان التي تستطيع تقرير مصيرها، بل وتقرير مصير بعض بلدان العالم، وبين البلدان التي تكون كالريشة أو القشّة التي تتقاذف بها أمواج السياسية العالمية من جانب الى جانب، وإنَّ المفتاح الرئيسي لتحقيق ذلك هو العلم وتتبعه التقنية، فينبغي على الدولة والشعب الذي عزم على رسم مستقبله بنفسه، والوصول الى شاطئ الأمان معرفة هذا السر.
لقد قرأت حديثاً قصيراً عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، في بداية هذه السنة المسمّاة باسم الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، في الخطاب الذي ألقيته في مشهد المقدسة، يقول فيه: «العلم سلطان؛ من وجده صال و من لم يجده صيل عليه»؛ أي أنَّ العلم يمثّل قوَّة ـ وهو لا يخرج عن هذين الإحتمالين ـ فمن يحصل على العلم، سوف يكون قادراً ومظهراً لقدرته، ومن لم يتمكّن من ذلك، فسوف يكون هدفاً لقدرات الآخرين واستعراض عضلاتهم.
إنَّ أعظم خيانة تحققت في بلدنا على امتداد قرن ونصف، أو قرنين من الدهر بالنسبة للتنمية والتقدّم العلمي، هي منع، أو عدم توفير الأرضية المناسبة لهذا الشعب المؤهّل ـ أمثال أبو علي سينا والفارابي والفخر الرازي الذين ممن لهم الريادة في التاريخ ـ ليتمتع بمكانته اللائقة في الحياة العلمية المعاصرة.
إنَّكم تستطيعون القول: (منعوهم) و إن كانت هذه نظرة متشائمة، ويمكن لكم القول أيضاً: (لم يوفّروا لهم الأرضية المناسبة) ـ وذلك على أقل التقادير ـ و تعتبر هذه نظرة متفائلة، وإنَّ هذه الجريمة الكبرى تقع على عاتق آولئك الذين لم يوفّروا الأرضية المناسبة في العهود القاجارية والبهلوية؛ لإنَّ مع عدم توفير ذلك للشعب وبالخصوص الشباب، سوف يؤدي الى جنوح قابلياتهم الى اتجاهين أو ثلاث: فإمَّا أن تُدفن القابليات بصورة مطلقة؛ لأنَّ الشخص مهما كان يمتلك من قوى بدنية، وقدرة على تنميتها، دون أن يمارس الرياضة من بداية الأمر، أو القيام بتحريك عضلاته، فإنَّ ذلك يؤدي الى عدم نمو هذه العضلات، ودفن قابلياته وضياعها.
أو أنَّ ذلك الشخص يمتلك القابلية، ويرى عدم وجود الفرصة لتنميتها، فيضطر الى الخروج خارج حدود البلد، وهذا ما يسمى بمسألة هروب العقول، التي ابتُلينا بها على طول السنوات المتمادية، فهي ليست مختصّة بهذه السنين فقط؛ أي أنَّها كارثة العهود الطويلة في تاريخنا السابق، فلقد هاجر أصحاب الخبرة والكفاءة الى نواحي العالم وأخذوا بالعمل هناك.
أو أنَّ أصحاب الخبرة يقومون بسلوك الاتجاهات الخاطئة والمغلوطة؛ لعدم فسح المجال لهم لتسخير طاقاتهم.
لقد تحقق اليوم في إيران ما نصبوا إليه، حيث أصبح المجال مفتوحاً لإظهار القدرات والتنمية العلمية والمهارات الفنية والتقنية، وأنتم أفضل النماذج التي استطاعت إظهار ذلك.
لقد رأيت الآن في هذا المعرض ـ الذي يُعد في الواقع أحد الأعمال الرائعة العظيمة التي قمتم بها ـ بعض الأمور، وقد بيَّن لي البعض أنَّ علماءنا الشباب ـ وبالحقيقة ينبغي القول فنانونا الشباب ـ استطاعوا من خلال الاعتماد على قدراتهم، وتسخير أذهانهم وتجاربهم، وعدم اللجوء الى أيّ تجارب سابقة، تحقيق عمل مهم، وإنجاز عظيم، هذا ما تحقق في الكثير من المجالات الأخرى.
وإنَّ المرء ليرى أنَّ مجموعتكم هذه قامت بأعمال دقيقة ومعقدة جداً أيضاً، وكذلك يرى القدرة الكبيرة على إدارة مجموعة معقّدة ومتشابكة، وهذا أمرٌ مهم للغاية.
إنَّ هذه الإدارة الجماعية ـ إدارة مجموعات كبيرة ومعقدة، وتطويرها في آن واحد ـ تعتبر من الأعمال العظيمة، وهذا ما نشاهده في الأقسام المختلفة لمجاميعكم.
إنَّ ما يدور في خلدي هو: أنَّه ليس لشعبنا عيداً أكبر من العيد الذي يشعر به الإنسان أن شباب بلده أخذوا بالاعتماد على أنفسهم، والثقة بها، والاعتقاد بأنَّهم يستطيعون أن يقوموا بأعمال عظيمة، ويظهرون العزيمة الراسخة من خلال إنجاز مثل هذا العمل.
أيَّها الأعزاء: عليكم بالاستمرار في هذا العمل.
إنَّ هذا الميدان ميدان واسع، ولقد قام الأخ آقا زاده بتوضيح أهمية هذه التقنية المتطوّرة والعالية وتأثيرها على حياة الناس وعلى مستقبل البلد، وأنتم تعلمون أكثر منّي ما لهذه الصناعة من أهمية بالنسبة للبلد.
إنَّ هذه الضوضاء و الضجيج السياسي الذي افتعله الأعداء، يمكن أن نشبّهه بما لو أنَّكم تمتلكون إحدى الأراضي الخصبة، ويوجد فيها عيناً يتدفّق منها الماء بصورة مستمرة، ويمكن لها أن تحوّل هذه الأرض الى جنّة خضراء، وربما يزداد تدفّقها في المستقبل، ثمَّ قالوا لكم اطمروا هذه العين وامحو أثرها، ونحن نعطيكم بدل ذلك انبوب ماء مقدار حجمه بضعة انجات، لسقي مزرعتكم!
هذا ما يقوله الأوربيون ـ بدعم خاص من لجنة الطاقة الذرّية، وللأسف ـ والأمريكيون.
يطلبون منَّا طمر هذه العين المتدفّقة بالقدرات الإنسانية، من أجل أن يعطونا انبوباً من الماء بحجم بضعة انجات، ويتمكنوا من قطعه في أي وقت شاؤوا، يتمكنوا من جعل ثمن هذا الماء عزّتكم وشرفكم الوطني متى ما يشاؤون؛ هذا هو معنى كلامهم.
فمَنْ الذي يمكن له الخضوع لمثل هذا الكلام؟ فنحن لا يمكن لنا الخضوع لمثل هذا القول؛ لأننا نعتقد أنَّ استمرار وتصاعد هذه الحركة هو أحد أهدافنا البارزة.
أنتم الذين تحققون العمل، وتتمتعون بالعزم والقابلية والرغبة والذوق ـ والحمد لله ـ وأنَّ السند لهذه الحركة هو إيمانكم.
فينبغي لكم أن تعلموا أن مفتاح العلم الذي يمكن له إحداث تغيير في حركة الشعب ـ كما قلت ـ لا يمكن الحصول والمحافظة عليه والعمل به إلا مع الإيمان، فإنَّ الإيمان القوي، يمكن له امتلاك مثل هذا الدور، فبالإيمان تُنجز جميع الأعمال بسهولة، لا بدونه.
إننا نمتلك الإيمان ـ والحمد لله ـ وكذلك نمتلك الهمّة والتصميم والعزم الراسخ والتمكن من القابليات والفكر، فعليكم الاستمرار بعملكم هذا والتقدّم فيه.
إنَّ العالم قام اليوم بإنتاج المرحلة الرابعة والخامسة من الجهاز النووي >سانترفيوژهاى<، وأنتم أيضاً ستقومون بذلك ـ إن شاء الله تعالى، وتتقدّمون في هذا المجال، ولربما وجدت طرق مختصرة وجيدة أكثر من ذلك لأساليب إنتاج هذه المواد ـ بدءاً بإنتاج المعدن وحتَّى إنتاج «6uf» أو تطويره ـ ولا يرتابني شك من أنَّكم سوف تتمكنون من تحقيق ذلك، والقيام بحركة أسرع وأسهل وأفضل من هذه في هذا العمل.
إنني أود أن أقول لكم: إنَّ أي خطوة تخطونها أو أي لحظة من لحظات عملكم ـ من أجل تحقيق هذا الهدف والسير في هذا الإتجاه ـ له أجر إلهي ومعنوي لا يقارن بأي قيمة مادية؛ أي أنَّه لا يمكن لأي قيمة مادية أن تساوي هذا الأجر الإلهي الذي يُثبّت في صحيفة أعمالكم؛ لأنَّ هذا العمل هو قيّم في نفسه، هذا أولاً.
وثانياً، لأنَّكم تهيّئون الآن مقدمات الاستقلال والعزّة الدائمة للشعب.
إنني ألفت انتباهكم الى أنَّ الاستفادة من الطاقة النووية، والحصول على التقنية النووية في بلدنا، تفوق عملية كشف واستخراج النفط ـ في اليوم الذي استُخرج به نفطنا لأول مرّة ـ
انظروا الى أهمية النفط اليوم، وكم له أثر في تحديد مصير أي بلد من البلدان.
إنَّ اكتشاف النفط واستخراجه، معناه إخراج بعض مخزون الأرض، ـ وفي الحقيقة ـ يمكن القول أنَّها عملية هدر لهذا المخزون؛ لإنَّ ما نبتلي به اليوم بالنسبة لمسألة النفط، هو عملية هدر النفط، وإلا فإنَّ الاستفادة المنظّمة لهذه المادة يمكن أن تضاهي أهميته المادية والمعنوية آلاف الأضعاف أكثر من العملية الاستهلاكية التي نقوم بها له حالياً، أمّا بالنسبة لعملكم فهو يعني استخراج تلك الحقيقة المكنونة في ذهن وفكر الإنسان بعيداً عن ظواهر الوجود، والتي قمتم باكتشافها، كما اكتُشفت جميع العلوم المتقدمة في العالم.
إننا لا نرى الكثير من حقائق عالم الوجود، إلا أن ذهن الإنسان هو الذي يقوم بالكشف عنها واستغلالها، وتسخيرها من أجل تحسين حياة البشر، وإنَّكم تقومون بهذا العمل، الذي تَربُوا قيمته على أكثر بكثير مما حصلتم عليه عند اكتشاف واستخراج واستخدام واستغلال النفط وصناعته.
وبناءً على ذلك، فإنَّ عملكم عملاً تاريخياً، وكل لحظة من لحظات عملكم الذي تقومون به بهذا الهدف وهذه النيّة له أجر إلهي، وهذا الأجر هو أفضل من كلّ تشجيع وتقدير أو أجر مادي نحققه لكم، فعليكم أن تقدّروا ذلك، وتتذكروه دائماً في وقت العمل وقبله وبعده؛ من أجل أن يرى الله عملكم، وتسجّله ملائكة الله الصالحين ضمن الأعمال الصالحة.
إنني سعيد للقائي بجمعكم، والاستماع الى تقاريركم ورؤية أعمالكم، وأتمنّى أن يوفقّكم الله.
ابعثوا سلامي الى جميع الأخوة وزملائكم الآخرين في أصفهان ونطنز وفي جميع المناطق الأخرى، وأسأل الله تعالى أن يجعل عملكم وسعيكم وخدمتكم مشمولة برعاية الإمام صاحب الزمان (عجل الله فرجه الشريف).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته