موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

لقاء القائد مع جمع من مخرجي السينما والتلفزيون

بسم ‏اللَّه ‏الرّحمن‏ الرّحيم
إنَّ هذا اللقاء بالنسبة لي لقاء مثمر ومرغوب به، وقد فادني من عدّة جهات: من جهة مضمون أحاديث الأخوة ـ التي لابدّ أن تُجْمع، وتُسَجَّل، وتُثَبَّت، ولقد قمت بكتابة بعض رؤوس الأقلام، إلا أنَّ ترتيب هذه الإقتراحات تقع على عاتق الأخوة؛ وذلك من أجل أن نخطو خطوة على طريق التقدّم، فضلاً عمّا نحصل عليه من معلومات في مجال السينما، والقيام بحلّ بعض المشاكل ببركة هذا الاجتماع إن شاء الله تعالى ـ وكذلك من جهة الإختلاف في وجهات النظر، التي تثير انتباهي في المجال السينمائي.
إلا أنني لا أعتقد أنَّ هذا دليل على مظلومية السينما ـ ما تحدّث به السيد رئيسيان ـ بل أعتقد أنَّه علامة على وجود مجالاً مفتوحاً في المجال السينمائي لبلدنا، فقد يصل الإختلاف في الرأي الى نسبة مئة وثمانين درجة أحياناً، في نفس الوقت الذي يعتبر كل واحد من المختلفين وليداً للسينما، بل مالكاً لها، ويطالب بحقوقها، وهذا أمر رائع ومرغوب بالنسبة لي.
طبعاً، لقد كنت أعلم، وسمعت قبل عدَّة أعوام: أنَّ هناك إختلاف آراء في الرؤية والنهج في هذا المجال، وإنَّ الآثار تدل على ذلك أيضاً، إلا أنَّ الأمر المتّفق عليه من مجموع هذه الآراء المختلفة، هو رفع مستوى السينما الوطنية؛ هذا ما يريده الجميع، وما أعتقد به إعتقاداً جازماً أنَّا أيضاً.
منذ بداية الأمر ـ عندما أردنا إقامة هذا الاجتماع ـ كنت أرنو الى تحقيق هدفين:
الأول: الرغبة الحقيقية لتأدية الاحترام لسينمائيي البلد وفن السينما فيه، فلقد استقبلت هذا الاجتماع وصداه الخارجي بهدف تكريم فن السينما، وفنّانيها، على أمل نشر هذا الشعور في البلد، ووضوح أهمية السينما للجميع.
إنَّ لكل شخص من الحاضرين وجهة نظر ومنهج خاص، إلا أنَّ الجميع متفقون على أنَّ فنَّ السينما المعقّد والمشهور، ضرروة وحاجة ملحّة لكل بلد.
الهدف الثاني: هو الإستماع لكم، وقد تحقق ذلك من خلال الإصغاء لحديثكم الى حدٍ كبير ـ والحمد لله ـ.
ولقد كنت ـ حقَّاً ـ أرغب في أن تتكلموا الكثير مما يسع هذا الوقت المهم، وأنا أستمع إليكم أكثر من ذلك.
لقد سنحت لي الفرصة اليوم صباحاً، قبل إنعقاد هذا الاجتماع، أن أطالع لمدّة ساعتين أو ثلاث بعض الكتابات التي أحضرها لي بعض الأخوة الحاضرين ـ كالسيد مجيدي وبعض الأخوة الآخرين ـ والمسؤولون، وانتقيت منها بعض المطالب المفصّلة، التي لا أعلم ما هو المقدار الذي يسمح لنا به الوقت للإستفادة منها، على كل حال، فلقد قرأت ما كتبه الأخوة من اقتراحات.
أذكر المسألة الأولى ـ التي وجدتها تختلج في صدور الكثير من الأخوة ـ وهي: الشعور بعدم الإطمئنان أوالوسوسة أوالتوهّم لبعض الأمور عند بعض الأخوة؛ حتى ليَرى الإنسان وجود مثل هذا الشعور عند أغلب أفراد هذه الشريحة الواسعة، وإنني ـ حقَّاً ـ لا أجد مبرراً لهذه الوساوس.
حقَّاً، يمكن لنا أن نعترض على بعض الأفلام ـ فأنا يمكن أن أنتقد فلماً ما، سواء من الأفلام التي تُعرض في التلفزيون، أو أفلام السينما التي يجلبونها لنا أحياناً وأقوم بمشاهدة بعض منها ـ إلا أنَّ هذا لا يعني أنَّي ألقي التبعة على المخرج؛ لأنَّ هناك عوامل متنوّعة تؤدّي الى حدوث أخطاء في منهجية الفيلم، يمكن أن يكون أحدها أداء المخرج ـ وسوف أتكلّم الكثير فيما يتعلّق بعمل المخرج ـ بالإضافة الى وجود عومل كثيرة أخرى.
لو شعرنا بعدم إمكانية إبراز إحدى المعارف المتجذّرة والحقّة في فيلم يقوم بإخراجه أحد المخرجين، فعلينا أن نتعرّف على كيفية إمكانية إيحاء هذه المعرفة المتجذّرة في روعه؛ ليتمكّن من إظهار ما يمتلك من مواهب في نفسه، وينبغي على كل فنّان أن يُدرج ما يفهمه ويدركه ويشعر به في الفن؛ وبعكس ذلك فسوف يكون الفن أمراً مصنوعاً؛ لأنَّ من الطبيعي وجوب إبراز المواهب الذاتية ـ بالخصوص ـ من قِبَل صانعي الأفلام والكادر الإخراجي في هذا المجال.
إذاً فكيف يمكن أن تظهر المعرفة الباطنية للمخرج، على حسب ذوق المشاهد، وما هو سبّب عدم ظهورها؟ إنَّ هذا سؤالاً يستحق الإجابة.
مما أتذكّره قبل الثورة، أنَّه كان من المؤمّل أن يشترك بعض الشعراء في إحدى المناسبات؛ لإلقاء قصائد شعرية ولم يكن يعلم أحد شعرائنا الشباب في حينها ـ وقد كانت له موهبة شعرية جيدة ـ شيئاً عن موضوع تلك المناسبة، فقام أحد الأخوة ببيان شرحاً بسيطاً له عن ذلك الموضوع لمدة خمس أو ست ساعات، فاستطاع ذلك الشاعر الشاب ـ الذي كان واعياً ومتمكّناً ـ إظهار موضوع المناسبة في قصيدة طويلة وقوية جداً.
هل اُنجز عملاً من أجل إظهار المعارف الإسلامية القيّمة ـ التي لم يتبيّن منها الكثير في مجالنا السينمائي كما أعتقد ـ من قِبَل صانعي الأفلام أو المخرجين أو حتى الممثّلين، ولم يصل إلينا؟!
عندما أعود لنفسي، ولحوزتنا العلمية، وأجهزة المؤسسات الثقافية، أجد أنَّنا لم نقم بالكثير في هذا المجال، بناءً على ذلك فقد أحسن الشاعر حين يقول:
إنَّ كلَّ بلاء يقع من السماء مهما يكن قضاءً بالنسبة للآخرين
ففي حال كونه لم يصل الى الأرض يقولون أين يقع منزل أنوري
إنَّ من الخطأ التوجّه نحو المخرج والأخذ بتلابيبه، والقول له: لماذا فعلت الأمر الفلاني؟! بل علينا توجيه مقداراً من الخطاب الى وزارة الإعلام، ومقداراً الى مؤسسة التبليغات، ومقداراً الى الحوزة العلمية، ومقداراً الى أصحاب الفكر الإسلامي، ومقداراً الى أصحاب هذه الأفكار العرفانية، والحكمة المتعالية، وبالاستناد الى ما اقترحه الأخوة، ونقول لهم: ما الذي أنجزتموه كي أن يتمتّع بلدنا من هذا الفنّ الراقي ـ الذي تمثله هذه المجموعة ـ ؟
فعندما لم أجد إنجازاً قد تحقق على هذه الأصعدة، فإنّي لا أتوقّع إمكانية تحقق الإنجازات الكثيرة من قِبَل أيّ من المُخرجين.
ففنّاننا المقتدر الذي يقوم بأداء دور خالي من المحتوى، أو لا يشتمل على الكثير من القيم التي نتوقّعها، لا نتوقع منه الإجابة عن سبب قيامه بهذا الدور الغير مرضي.
بناءً على ذلك، فلا يمكنني الرضى على أن يكون المُخرجين هم السبب في حالة عدم الأمن هذه، وإذا كان الأمر كذلك، فهو أمر باطل وليس في محلّه.
ـ أيَّها الأخوة والأخوات الأعزاء ـ أريد أن أتحدّث إليكم من موقعي كعالم دين، وبالطبع لا يمكن لكم أن تتوقّعوا ـ ولا أنّا سأقع في مثل هذا الخطأ ـ بأن أتكلّم كخبير سينمائي، فإنَّ ما يمكن لأمثالي امتلاكه في مجال السينما، هو المقدار الذي يمكن أن يمتلكه المشاهد والمستمع الجيد، ويستمتع به في هذا المجال؛ ولهذا لا أستطيع أن أتكلم معكم بلغة الخبير؛ لأنّ ذلك من اختصاصكم أنتم والأخوة في الإدارة الثقافية، لكن بعنواني عالم دين وطلبة ـ لم لا ـ أستطيع أن أتحدّث إليكم في بعض الأمور.
مما لا شك فيه أنَّ فنّ السينما ـ كما قلتم ـ هو فنَّ رفيع، وهو عبارة عن روائي متمكّن من روايته ـ فلم نرى الى الآن روائياً قام بإنتاج رواية حادثة وحقيقة من بين الأساليب الفنية كما يقوم به الفن السينمائي ـ وفنَّ معقّد ومتطور وراقي.
إنَّ بين أيديكم نافذة؛ أي نافذة السينما المفتوحة على المعارف والنور الذي يشع منها الى الأعماق، هذه النافذة هي في متناول أيديكم.
إنَّ أهمية هذا الفن، يرفع من مستوى مسؤوليتكم، هذا ما أريد أن أقوله: وهو أنَّ مسؤليتكم صعبة ـ كما قال الأخوة ـ ولم يجبركم أحد على الذهاب للعمل في مجال الإخراج أو السينما، فقد كان ذلك نابعاً من رغبتكم، واستعدادكم وشوقكم للإنخراط في هذا المجال، إلا أنَّه عندما دخلتم الميدان، فقد قبلتم تحمّل المسؤولية، ولكم القابلية على إنجاز الكثير من الآثار.
انظروا: إنني عندما أخاطب واعظاً، أو رجل دين، أو كاتباً إسلامياً ـ الذي يُعد راوياً للحقائق والمعارف أيضاً ـ وأقول له: أيها الأخ، عليك بمراقبة كلامك، واللغة التي تستخدمها، واختيار الموضوع الذي يتناسب مع خصوصيات العصر، فلو أنَّك تكلّمت في المكان الذي يستدعي الصمت، أو صَمَتَّ في المكان الذي يستدعي الكلام، وتخلّى أحد الشباب عن دينه بسبب كلامك، أو فَهَم إحدى الحقائق الدينية فهماً سيئاً بسبب كلامك، فسوف تكون مسؤولاً أمام الله تعالى.
إنني أريد أن أقول لكم ـ وأذكّركم باعتباركم إخوتنا وأخواتنا الأعزاء الذين تمتلكون هذه الوسيلة الفنية المثمرة جداً، التي تضاهي في إنتاجها أضعافاً كثيرة بالنسبة الى أمثالها من الوسائل الأخرى، ونستطيع أن نقول عشرة أضعاف، بل أكثر من ذلك بالتأكيد ـ يمكنكم ملاحظة مقدار البون الشاسع بين تأثير أحد الأفلام الفنية الناجحة بالقياس الى أحد المجالس الوعظية.
حسناً، بامكانكم أن تكونوا صانعي أخلاق، ويمكن أن يتحقق خلاف ذلك أيضاً، ويمكنكم أن تنفثوا في روع جيل الشباب الصبر والأمل والشوق والإثارة والسلامة والنجابة، وكل ما يحتاجه المجتمع المتطوّر، ويمكن أن تكونوا السبب الباعث على اليأس بدلاً من الأمل، والخمول بدلاً من الشوق.
إنَّ >النقد< الذي ذكره الأخوة الحاضرون ليس هو الإفراط في التشكّي، كما قال أحدهم: من أنّه يجب أن لا تُحتسب عملية النقد على أنَّها عملية>نقنقة<، إنَّما النقد هو ـ لا نريد أن نتعرّض الى معناه اللغوي ـ البحث عن مواطن الضعف، وإنَّ معنى النقد الذي يمكن أن يُحتسب على أنَّه مأخوذ من >النقنقة< هو: البحث عن العيوب.
وبناءً على ذلك يوجد نوعان من النقد: فأنا وأنتم ـ الآن ـ نجلس متقابلين، بحيث يمكن لنا أن ننتقد بعضنا البعض بكل حرية، فأنتم تستطيعون أن تتفحّصوا عيوبي، وأنا أستطيع أن أتفحّص عيوبكم.
وعلى كل حال فإنَّ الفحص عن العيوب نوعان: فأحياناً يتّصف بصفة الذم والإهانة، وتشويه صورة المقابل، من أجل الإنتقام منه، وتقبيح صورته أمام الآخرين، وهذا العمل ليس ممدوحاً في أي عرف أصيل ـ فضلاً عن أن يكون إسلامياً ـ
وأحياناً لا يكون كذلك، بل يكون الهدف من النقد، المودّة والكمال، ومعالجة العيوب، أو عكس صورة العيب للشخص أو النظام أو المدير أو الشعب، وهذا أمر ممدوح.
إنني أقول لكم ـ الآن ـ : أنَّه لا يوجد أي إشكال في مسألة انتقاد النظام، وإذا كان لديكم شكّ في ذلك، فإنّي أقول لكم بصدق ـ على الأقل في رأيي ـ ليس هناك ترديداً في ذلك مطلقاً، وعليكم أن تعلموا بإنَّ الهدف والطريقة في كيفية القيام بذلك معلومة؛ أي أنَّه لا يمكن لنا أن نتوقّع أننا نقوم بالنقد الذي يشتمل على خصائص النوع الأول، في حال كون الشعب أو المخاطبين يتصوّرون أننا ننتقد على نحو التعاطف.
إنَّ مخاطبينا أذكياء ويفهمون ـ كما قال بعض الأخوة الحاضرين ـ وكل شيء واضح عندهم.
إنَّ بعض الأفلام ناقدة، ويمكن أن تسبب بعض الآلام ـ فكل وخزة تُوجّه لهذا النظام تعتبر ضربة لي؛ أي أنَّ شعوري تجاه النظام، هو الإحساس بالألم كلما وجّهت طعنة لركن من أركانه ـ إلا أنني لا أتألّم الى روحية النقد أبداً، بل يُسعدني ذلك؛ لأنني أشعر أنَّها تمثّل الروحية لمجموعة من القابليات، إلا أنَّ قلّتها أو كثرتها هو ما يبعث على التوقّف عندها.
بناءً على ذلك، فإنَّ النقد الذي تطرّق إليه بعض الأخوة ليس فيه ضَير، إلا أنَّ الأهم من ذلك هو الشعور بالمسؤولية.
إلتفتوا: إنَّ الحقيقة التي يمرّ بها مجتمعنا اليوم ـ بعيداً عن الإعلام والشعارات والمبالغة الكثيرة ـ هي أننا بلداً إستطاع شعبه نتيجة إعتماده على الثقة بالنفس وشجاعته في الميدان ـ لقد أظهرنا الشجاعة، وهذا ما لا يستطيع أن ينكره أحد ـ أن يكون مثالاً لغيره، لا نستطيع أن نقول الأمثل، إلا أنّه مجتمعاً نموذجياً.
إنَّ إيران التي ترونها اليوم، ليست هي إيران في عهد النظام السابق، ولو أردنا إعادة حساباتنا في العالم ـ بين شعوبه ودوله ـ وفي المحافل السياسية العالمية، وفي الاتفاقات العالمية، ومن خلال الموازنة بين القوى العالمية العظمى، سوف نجد أنَّ إيران والشعب الإيراني، وحكومته مجتمعٌ جديرٌ بالاحترام، ولا محيص من وجوب التعامل معه بجدّيّة، وإبداء الإحترام له.
إنَّ هذا هو الوضع الذي وصل إليه بلدنا اليوم، وقد حققنا إنجازات كثيرة قبل ذلك أيضاً، ولو أنني أردت مقارنته، فينبغي أن أعبّر بهذا التعبير الغير مُبالَغ به، فأقول: حقَّاً، إنَّ شعبنا وبلدنا بعد الثورة، لا يمكن أن يُقارن بغيره، فلقد تحققت ثقتنا بأنفسنا، وتعرّفنا على قابلياتنا، وسخّرنا الثقل الأكبر من هذه القابليات في ميدان العمل، وفي مجال العلم والصناعة والمسائل الاجتماعية والمنتجات العامة، فلقد حققنا تقدّماً كبيراً.
لا يمكن المقارنة بين نظامين: أحدهما تابع ومهمّش، ليس حضور في الإتفاقات العالمية، وليس له ثقة بنفسه، يضرب بسياطه على روؤس شعبه ـ حيث كان حكّام البلد يعتقدون أنَّ الدولة هي ملكاً خاصّاً لهم، فإنَّ الوضع في عهد الطاغوت كان على هذه الشاكلة! وإنَّ الكثير منكم يتذكّر، وأنا أتذكّر أيضاً ـ بإعتبارنا عايشنا تلك الفترة، وذقنا مرارتها ـ أنَّ الجهاز الحكومي كان يتصوّر آنذاك أنَّ البلد ملكاً له، ولا يعير أهمية للشعب، إلا إذا اضطرَّ لذلك ـ وآخرَ يمثّل أحد التشكيلات والأنظمة التي يعتبر مسؤولوها أنفسهم خدّاماً للشعب، لا مالكين للدولة والشعب ـ فإنَّ هذا هو الشعور الحقيقي للمسؤولين، فَهُم ـ حقَّاً ـ خَدَمة الشعب، وإنَّ فلسفة وجودهم مبتنية على العمل من أجل الشعب ـ.
فإنَّ التقابل والتفاضل بين هذين الشكلين من أشكال الحكومة، ليس قابل للموازنة والقياس بمال أو مرتب شهري لشخص ما أو غير ذلك أبداً؛ أي أنَّ التقابل بينهما تقابل الوجود والعدم، والفرق بينهما كالفرق بين الوجود والعدم أيضاً، هذا هو ما يريده الإسلام منَّا، وما يريد إعطاؤه لنا.
إنني لا أريد الخوض ـ الآن ـ بمسألة القيم الإسلامية، وإذا ما أراد الإنسان أن يفكّر بها ويبحث فيها، سوف يجدها مسألة رائعة ولطيفة جداً.
حسناً، إنَّ هذا البلد الذي يتمتّع بهذه الخصائص، يريد أن يتقدّم ويتحرّك الى الأمام، وإنَّ ما تسمعونه الآن في مجال التقنية النووية والتقدّم العلمي، هو شيء يسير من أمور كثيرة تحققت في البلد.
إننا نمتلك شباباً وقابليات كثيرة ـ والحمد لله ـ ونحتاج الى الأمل، والرغبة، والعمل، والثقة بالنفس، والتقليل من الإعتماد على الأجانب ـ كثقافتهم وسلوكهم ومنشوراتهم الفكرية والثقافية ـ هذا هو ما نحتاج إليه، ونحتاج الى التحرّك من الأعماق، وإستخراج الكنوز المدّخرة في ميراثنا الثقافي.
فإذا ما أراد الشباب أن يتربّوا على هذه الكيفية، فهم بحاجة الى تواجدكم في الساحة؛ أي عليكم دخول الميدان؛ من أجل تحقيق ذلك.
إنَّ ما أريد أن أقوله هو: أنَّ زمام الأمور هي بأيدكم الآن، وإنني أعلم بأهمية السينما؛ ولهذا فإنني أعتبر أنَّ القسم الأكبر من مفاتيح أبواب تقدّم البلد هو بأيدكم.
إنَّ بإمكانكم أن تجعلوا من هذا الجيل جيلاً متقدّماً متطلّعاً مفعماً بالرغبة، له ثقة بنفسه وقيمه الإسلامية والوطنية، وبإمكانكم أيضاً أن تجعلوه خجولاً، نادماً، يقوم بتوجيه الطعون للإنجازات الماضية، ولمفاخر الثورة والدفاع المقدّس.
لقد تطرّقت لهذا الأمر قبل سنتين أو ثلاث في اجتماع لمجموعة من الأخوة الفنانين ـ السنمائيين والرسّامين والنّحاتين ـ فقلت لهم: أنتم ـ بإعتباركم فنانين ـ تبحثون عن جماليات ودقائق العالم؛ من أجل التعرّف عليها، وإكتشافها، وإبرازها وعرضها، هذا هو عمل الفنان؛ أي إبراز المحاسن والجماليات والتفاصيل والدقائق والحقائق الغير قابلة للرؤية بالعين المجرّدة، وجعلها قابلة للرؤية بعين الفن والنظرة الفنية.
عندما نتحدّث عن الجمال، فليس معنى ذلك أننا لا نستطيع أن نبرز القبح ونقوم بعرضه، لم لا، وأنَّ القبح يدخل ضمن دقائق الأمور التي ذكرناها.
لقد قلت للأخوة في ذلك الاجتماع: كيف يمكن لكم التغاضي عن روائع الدفاع التي قام بها شعب أعزل عن أرضه وبلده وأهله ونظامه، لمدة ثمان سنوات في أصعب الميادين.
لقد راجت قبل عدّة سنوات كتب تتحدث عن قادة الجيش والضباط الذين شاركوا في الحرب، وأخذ الكتَّاب كتبون عن ذلك، وإنني من الراغبين في قراءتها، مع أني تعرّفت على بعض شخصياتها عن قرب، وإنَّ ما كُتب كان من الروايات الحقيقية ـ يستطيع الإنسان أن يشخّص أيَّها مبالغ فيها وأيَّها حقيقي ـ ومؤثرة جداً، يمكن للإنسان أن يشاهد فيها تلك الشخصيات البارزة الذين كانوا يفدون الى ساحة المعركة حتى في ملابس أحد الكسبة.
فلقد كتبوا عن أحوال>الأسطا< عبدالحسين بُرُنسي، الذي كان من البنّائين الشباب القاطنين في مشهد، وقد كان يعمل بناءً قبل الثورة وكانت تربطني به علاقة، وإنني أوصيكم ـ وحقَّاً أرغب بإبداء النصيحة لكم ـ بقراءة ما كتبوا عنه، وينتابني الشعور بالخشية من عدم وقوع مثل هذه الكتب بأيدكم مطلقاً.
لقد كان اسم الكتاب >الأتربة الناعمة للقصر<، ولقد كُتب بصورة جميلة.
إنَّ هذا الشخص كان قد ذهب الى ساحة القتال في أوائل الحرب، ولم يكن لدي خبر حينها، وبعد شهادته، كان يقول لي بعض إخوتنا الذين كانوا قد ذهبوا على شكل مجاميع طلابية وتعبوية الى هناك، وتكلّموا مع هذا الشاب الأمي: ـ أمي بمعناه المصطلح، فقد درس لثلاث أو أربع سنوات الدروس الحوزوية، وكذلك إشتغل بدراسة المقدمات والمرحلة الإبتدائية وغير ذلك الى حدٍ ما ـ أنَّه كان يتحدّث إليهم ويتكلّم بطريقة وكأنّه يسيطر على قلوبهم؛ ولهذا كنت أقول: إنَّ المعرفة الباطنية، والإدراك والشعور الصادق والفهم من قِبَل عالم من العلماء، يؤدّي الى إظهار حقيقة الوجود.
ثمَّ نال شرف الشهادة بعد ما أظهر من بسالة وأداء رائع في ساحة الحرب الشديدة، إلا أنَّ التعرّض الى دقائق هذه المسألة ليس هو محل حديثنا الآن.
إذاً كيف يمكن للإنسان التعرّف على مثل هذه الأمور الجميلة في حياة مثل هذه الشخصية، أو شخصية الشهيد همّت أو الشهيد خرازي، أو مَنْ هم على قيد الحياة الآن، ففي أي مكان يمكن العثور على أمثال هؤلاء؟ وأين يوجد أمثالهم؟ يمكن العثور على مثل ذلك في السينما الهادفة.
حسناً، أي المعاني أبلغ وأعمق من الشعور بالتضحية والإيثار والعبر لشاب يبلغ من العمر الثامنة عشر سنة، يقوم بترك عائلته المرفّهة ويأتي الى الأهواز ـ فلقد رأيت مجموعة من هذا القبيل، وأتذكّر البعض منهم، ممن عاشرتهم ورأيتهم بنفسي، فبالرغم من أنَّه كان يعيش حالة الترف، وله أب وأمّ عطوفان، وعدم احتياجه الى شيء، فإنَّه يذهب الى ساحة الحرب، ويضحّي بنفسه بطريقة تثير إعجاب المرء.
إنَّ الكثير من هؤلاء الشباب ذهبوا الى ميدان القتال نتيجة تلقّيهم النصح من أمثالي، ولقد كنت أرجع الى نفسي وأقول: أين نحن من هؤلاء! فإنّ المرء ليعجز من الإقتراب الى ساحة هؤلاء.
إنَّ هذه أمور جميلة، عليكم بوصفها، وإظهارها.
السيد حاتمي كيا يقول: إننا لا نعلم ماذا يمكن أن نقول فيما يتعلق بالحرب؟!
إنَّ لديكم الكثير مما تقولونه عن ذلك، فما الذي استطعتم أن تحققوه ـ أنتم فنّاني سينما الحرب ـ من قضايا الحرب التي تحققت خلف الكواليس؟ وكم استطعتم بيان السبب في بداية نشوب الحرب؟ وهل هناك فيلم سياسي عالمي بوليسي، يمكن له أن يصل الى أجمل مما تقومون بتصويره ـ مع كون الوثائق المتعلقة بذلك متوفرة الآن أيضاً ـ وكيف يمكن لكم تصوير مجازفة صدام حسين بالتجاسر والتجرّء بالهجوم على إيران بنيّة السيطرة عليها؟
إنَّ هدف صدام لم يكن احتلال إيران بأكملها، بل إنَّ هدفه ـ بلا شك ـ كان إحتلال خوزستان، ومدينتين أو ثلاث مما حولها، والسيطرة على الحكومة المركزية في إيران ـ مهما كانت تلك الحكومة، سواء كانت الجمهورية الإسلامية أو غيرها ـ باعتباره يمثّل أحد دول الجوار المقتدرة، وإنَّ ذلك كان قابلاً للوقوع فعلاً؛ أي لولا ذلك الدفاع المستميت، وعدم إمكانية السيطرة على خوزستان، لم يكن من الممكن للحكومة المركزية من الإمساك بزمام الأمور ، دون دفع جزية للشخص الذي تمكّن من التسلّط على هذا الجزء من البلد.
حسناً، ما الذي دعى أسياد هذا الشخص لتوريطه للقيام بهذا الهجوم؟ وما هو الدعم الذي كانوا يقدّمونه؟ وأي المصانع كانت تبيع له السلاح الكيمائي؟ ومن هم الذين كانوا يصنعون له التحصينات ذات الأضلاع المتعددة؟ وأي الدول قامت بإعطائه الطائرات؟ ومن هم المسؤولون ـ ذوو المراتب السياسية والأمنية والعسكرية ـ الذين قدِموا الى بغداد من مختلف البلدان ـ ومن ضمنها أمريكا ـ والتقوا به وبأفراد حكومته؟ إلا أنَّكم لم تقوموا بتصوير هذه الأمور، ولم تطرحوا التساؤلات عن ما هية الخصائص التي تحملها شخصية صدام؟ فإنَّ ذلك ملائم للكتابة القصصية.
لقد أشار الأخوة الى مسألة كتابة القصّة، وإنني أعتقد أننا ضعفاء في هذا المجال.
وبالطبع فإن روح الرواية ليس ضعيفاً في إيران؛ والدليل على ذلك القصص التي كتبها فردوسي ومولوي، إلا أننا لا نمتلك الرواية الخيالية بالشكل المتداول في أوربا وروسيا ـ خصوصاً في القرن السادس عشر الذي كُتبت فيه روايات خيالية مشهورة وبارزة ـ لكننا نمتلك القابليات التي تُمكّننا من القيام بذلك، فلا أعتقد أننا لا نمتلك القابلية للقيام بمثل هذا العمل.
لقد كان لنا شهرة في الشعر، إلا أنَّه لم يصل الى مستوى الرواية الخيالية، لكن يمكن أن يتحقق ذلك على ما أعتقد، ولقد تحقق شيء من ذلك بعد الثورة، إلا أنَّه ليس بذلك المستوى من الرفعة التي يتوقّعها الإنسان، وإذا ما توبع الأمر، وقامت وزارة الإعلام بالعمل في هذه الإتجاه، سوف يتحقق ذلك.
وقد أخبرني بعض الأخوة أنّ هناك نشاط ـ من قبلهم ـ للقيام بكتابة القصص السينمائية.
لا أعلم ـ فإنَّ الكثير منكم أعرف منّي بهذا الأمر ـ هل ينبغي لنا كتابة القصص السينمائية أم لا؟ بإعتبار أن الكثير من النتاجات السينمائية الكبيرة المتوفّرة الآن، هي نتاجات مأخوذة من الآثار الكلاسيكية والقصص القديمة، وليس من المعلوم أنَّ تلك القصص الروائية قد كُتبت خصيصاً لهذا الأمر.
إنَّ موضع ترديدي، هو: فيما لو أننا تقدّمنا في مسألة القصة والرواية الخيالية، فإنَّ التطوّر في المجال سوف يتحقق أيضاً، ونستطيع عندها أن نجرّ هذه الموضوعات الى السينما؛ لإنجاز الكثير من الأعمال البارزة، فنحن لم ننجز الكثير ـ حتى الآن ـ مما يجب أن يُنجز في مجال الحرب.
إنني أريد أن أقول لكم شيئاً آخراً أيَّها الأخوة: إنَّ ما قلته من أنَّ هناك مسؤولية تقع على عاتق كلّ منكم ـ باعتباركم جميعاً مسؤولون؛ لأنَّ عملكم يمكن أن يحقق آثاراً عظيمة ـ يلزم منه القول بأنَّ لهذه المسؤولية أجراً عند الله تعالى؛ أي عليكم أن تجعلوا نياتكم خالصة لله تعالى، ولقد قالت إحدى الأخوات قبل قليل: إنني أمضي وراء شعوري الشخصي، وإنَّ هذا الأمر حسن جداً، وليس عليه غبار، اعملوا على طبق شعوركم الخاص، لكن إجعلوا نيّة هذا العمل لله تعالى.
إجعلوا نيّاتكم بحيث تُرضوا الله تعالى عنكم وتحصلوا على الأجر، فإنَّكم تقومون بعمل مهم، فلماذا تحرمون أنفسكم من الأجر؟ اطلبوا الأجر من خلال هذا العمل، فالحصول على الأجر لا يكون عن طريق عمل فيلم مختص بالصلاة أوالصوم، كلا، بل عن طريق تصوير الأمر الذي يحيي الخُلق الشبابي، والسلوك الإجتماعي، والإلتزام الإجتماعي، والجد في العمل، والإيمان القوي والإحساس بالمسؤولية عند جيل الشباب.
يقول أمير المؤمنين عليه السلام للإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام): (إعملا للأجر)، وإنَّ هذا الأجر ليس هو الدرهم والدينار ـ الذي لا تعادل الملياردات منه عند أمير المؤمنين مقدار ذرة تراب ـ بل هو أجر إلهي.
وإنني أقول لكم: لا يوجد أحد منكم ليس محتاجاً للأجر الإلهي، فعندما نجتاز هذه العقبة ـ عقبة الموت ـ فسوف يظهر لنا أول احتياج لهذا الأجر، وسواء شئنا أم أبينا سوف نمرّ بهذه العقبة، وسوف نكون عندها في حاجة ـ في ذلك المكان الذي نكون وحيدين فيه ـ الى الأجر الإلهي، وإنَّكم الآن تتحركون في هذا الميدان، فينبغي أن تكون حركتكم هذه خالصة لله تعالى، وبما أنَّكم شريحة من النخب والفنانين التي تتطلّع الى المجتمع والبلد والناس بعين البصيرة، تستطيعون أن تشعروا بالمسؤولية وتحصلوا على الأجر الإنساني والوجداني أيضاً.
على كل حال، لقد سجّلت الكثير من الملاحظات المتعلقة بتقارير الأخوة وتحليلاتهم التي ستكون نافعة لي إن شاء الله تعالى.
حسب ما أعتقد، أنَّ الثمرة التي لابدّ أن نحصل عليها من هذا الاجتماع بالدرجة الأولى، هو إتفاقنا جميعاً على أهمية السينما، وهو ما اتّفق عليه الجميع.
وإنَّ الأهمية هنا هي بمعنى: علوّ الشأن الفنّي وقوّة تأثيره، والمسؤولية الملقاة على عاتق الأشخاص الموجودين في سلسلة المراتب السينمائية في هذا المجال.
يمكن لي أن أكون أيضاً في سلسلة المراتب بإعتباري أحد الأشخاص المسؤولين في النظام، ومن المُسلّم أنَّ السيد الوزير هو في سلسلة المراتب هذه، على كل حال علينا جميعاً أن نشعر بالمسؤولية.
 إذاً فإنَّ محل إتفاقنا، هو أنَّ السينما أمر مهم، هذا أولاً.
وثانياً: إنَّ مضمون السينما لابدّ أن يصبّ في جهة إصلاح البلد والمجتمع، وإذا كان هناك إنتقاداً فلابدّ أن يَحمل هذا المعنى، وأعتقد عندها سوف يتلاشى شيئاً فشيئاً الاختلاف على مسألة >هل ننتقد؟ وهل إنَّ هذا الإنتقاد هو تشويهاً للآخرين أو نقنقة أوليس كذلك<؛ لأنَّ النيّة إذا كانت نيّة الإصلاح والتقدّم، فسوف يظهر مفعولها في الأثر المنجز، وبناءً على ذلك، سوف تتقارب وجهات النظر هذه.
لقد كان السيد حاتمي كيا يقول: نريدكم أن تمنحونا درجات.
إنَّ الله هو الذي يعطيكم الدرجات، فأي درجة يمكن أن يهبها لك أمثالي! فإنَّ هباتكم إلهية، وإنَّ الذوق والقابليات الفنيّة التي تتمتعون بها، هي الدرجة التي وهبها لكم الله تعالى.
ولو أردنا أن نجعل ذلك في المعايير المادية فسوف نبخسها حقّها.
وبالطبع، إنني أرغب في تقديركم، في الوقت الذي أتوقّع المزيد من قبلكم، وإنني لا أتكلّف هذا الأمر، بل باعتباري رجل دين، أتأمّل الكثير منكم ـ أيَّها المُخرجون ـ ، فينبغي عليكم دعم القيم الدينية والوطنية.
عندما نتحدّث عن القيم الوطنية، لا ينبغي أن ينصرف الذهن فوراً الى مراسم يوم الأربعاء السوري، فالقيم الوطنية تعني الشعور بالإستقلال الثقافي للشعب، فلابدّ أن يعتمد الشعب على ثقافته، مقابل تأثير الثقافة الغربية الذي روّجت خلال قرنين من الزمن، وهذا أمر قيّم جداً، فعليكم أن تدعموا هذا الأمر، وربما يتحقق هذا الدعم من خلال المشاركة في مهرجان أحياناً، أو من خلال عدم المشاركة فيه أحياناً أخرى.
ففي الوقت الذي لا يلزم الذهاب الى المهرجانات العالمية، فعليكم بعدم الذهاب، وفي الوقت الذي يلزم الذهاب الى ذلك، فينبغي الذهاب، لكن بنيّة الدعم للثقافة الوطنية ـ لقد تلطّف الأخ عيّاري بالأخوة ـ الأخ (كَن) ـ ودافع عنه حيث قال له: لماذا تتقوقع الى هذا الحد، بحيث لم نستطع عرض الفيلم الذي عملته. ينبغي لنا أن نرى ما الذي كان قد فعله الأخ عيّاري بحيث يجعل قلوب أولئك تتألم على حال الشعب الإيراني ـ وعلى كل حال، فإنني لا أعترض على دفاعكم عنهم، إلا أنني ـ حقَّاً ـ على علم بذلك.
مع أنني ليس سينمائياً، ولا توجد لي علاقة بهذه الأمور، إلا أنَّكم تعلمون ـ على كل حال ـ أنَّ معلوماتنا لم تُقتصر على خلاصة معلوماتكم؛ فإنَّ معلوماتنا أوسع.
إنَّهم كانوا يرغبون أن يستفيدوا شيئاً ما من تواجد أحد الفنانين الإيرانيين المشهورين هناك، على الصعيد السياسي، إلا أنني لا أعلم الى أي حد يقيّموا فيلم السيد مجيدي، وما هو مقدار الوقت الذي يجعلونه ليتمكّن الناس من مشاهدته، نعم، هم يقدّرونه في المهرجان، إلا أنني أصدّق أنَّ لهم علاقة بفنّنا في الوقت الذي يقومون بالترويج لهذا الفيلم، ويضعوه أمام أعين الناس من خلال عرضه على شاشات التلفاز والسينما العائدة لهم، وهذا ما لا يفعلونه أو نادراً ما يفعلونه.
ولهذا عندما يكون التشجيع والتقدير في قاعة المهرجان فقط، ومنحصر في محل توزيع جائزة المهرجان، فلا تتبادر للإنسان الثقة الكبيرة على أن نيّتهم ـ على حدِ تعبيرنا ـ خالصة لله تعالى، وعلى كل حال، فإنَّ وجود أهداف سياسية، أمر لا يبعث على العجب أيضاً.
إننا نمتلك أهدافاً سياسية في بعض المسائل الثقافية العالمية، ولا نقوم بالتستر عليها، ونقوم بالكثير من الأعمال الفنية المرتبطة بالسياسة مع الكثير من البلدان التي لنا علاقة بها، وهم يفعلون ذلك معنا أيضاً، فعلينا أن ننتبه ونكون على حذر.
قال لي السيد الحاج أحمد الخميني: كان البعض مستعداً لبذل ثمانين ألف دولار مقابل نشر إعلان للحج تابع للإمام الخميني (قدس سره) في أحد الصحف الأمريكية ـ في هذه الصحف المعروفة الآن ـ وإن كان على هيئة دعاية، إلا أنَّهم لم يوافقوا على ذلك، هذا ما قاله لي السيد أحمد بنفسه، قال كلما حاولنا ذلك، إلا أنَّهم لم يوافقوا على نشره.
إنَّ السيدة ابتكار ـ التي كانت نائبةً لرئيس الجمهورية في السابق ـ قامت بتأليف كتاب تحدّثت فيه عن السفارة الأمريكية ـ التي يُصطلح عليها بالوكر الجاسوسي ـ وقد كانت من ضمن الطلبة الجامعيين الذين كانوا قد اشتركوا في ذلك العمل.
لقد أمضت الدكتورة ابتكار عهد الصبا في أمريكا، وقد عاشت هذه السيدة المرحومة ـ التي كانت إحدى زميلاتنا ـ أعواماً في أمريكا، وكانت متمكّنة جداً على اللغة، بحيث كانت كتاباتها ومحادثاتها جيدة جداً.
إنَّ هذا الكتاب كُتب باللغة الإنگليزية، ثم ترجمه أحدهم الى اللغة الفارسية.
لقد قالت لي هذه السيدة: كلّما ذهبت الى ناشر أمريكي، لم يكن مستعداً للقيام بطباعة هذا الكتاب! في الوقت الذي كانوا يصرّون فيه على أنَّ مسألة إحتلال السفارة تعتبر جرحاً لم يلتئم الى الآن، ويقومون بتكرار هذا الأمر باستمرار.
إنني عندما سافرت الى منظمة الأمم المتحدة في الفترة التي كنتُ فيها رئيساً للجمهورية، أقبل إليّ أحد المراسلين المعروفين جداً، وأجرى معي حديثاً، وعُرض على نطاق واسع. وأول سؤال سألني إياه هو: لماذا قمتم بإحتلال السفارة الأمريكية؟ فقلت له أخينا! إننا جئنا الى منظمة الإمم المتحدة، وأنت تريد أن تجري حواراً معي، وأول سؤال تقوم بتوجيهه لي هو هذا؟! إنَّهم لا يريدون أن يتخلّوا عن هذا الأمر، وهم يتعاملون مع هذا الأمر على أنَّه إرهابياً ووحشياً.
وعلى كل حال، فإنَّهم لم يكونوا مستعدين لطباعة ما تكتبه فتاة تقوم بسرد تفاصيل حادثة شاركت بها، مع أنَّها كانت طالبة جامعية مثقّفة، ولم تكن رجعية أومتخلّفة أوجاهلة، أو لها سوابق إرهابية، لاحظوا هذه هي حقيقة المسألة، على كل حال، فإنَّه كان يراعي مصلحة سياسة بلده.
 إنَّ العروض السنمائية التي تُعرض في أمريكا بدون أن يجعل عليها رقابة هي فقط التي لا تصطدم بالمباني الأمريكية، أما عندما تصطدم مع ذلك ـ سواء كان ذلك مع المعتقدات الأمريكية أو المصالح المباشرة لأمريكا ـ كقضية حرب الخليج الفارسي التي وقعت في زمان بوش الأب ـ توضع تحت الرقابة، بصورة كاملة ورسمية وعلنية، وبدون أي ستار.
بناءً على ذلك، فإنَّكم إذا أردتم الذهاب الى المهرجان فاذهبوا في الوقت الذي تُراعا فيه مصالح بلدكم، أمَّا إذا كانت مراعاة مصالح بلدهم مقدّمة على حساب مصالح بلدكم، يكون عدم الذهاب والغياب عن المشاركة هو الراجح، وهذا أمر بيّن وواضح.
حسناً، الكلام كثير، ولو أردنا أن نتحدّث بكل ما قمنا بكتابته، سوف يطول المقام كثيراً، الى الآن مرّت ثلاث ساعات وخمس دقائق على بداية اللقاء بكم، كان إجتماعاً جيداً والحمد لله.
إنني مسرور وسعيد لإنعقاد هذا الاجتماع، وأقدّم شكري الجزيل الى مَنْ قام بتهيئة هذا الاجتماع، وجميع المشاركين الأعزاء في هذا المكان، والى السيد مجيدي العزيز الذي تحمّل المشاق ـ وقد أدى دوراً إخراجياً في هذا الاجتماع ـ والى الأخوة الذين بيّنوا آرائهم بصورة جيدة وواضحة، وتحدَّثوا بما يختلج في خُلدهم من مسائل، والى مسؤولي وزارة الإعلام الذين قاموا بدعوتنا المتكررة، والإشراف على إقامة هذا الاجتماع، ولو لم يكن قد اقترب وقت الأذان، لبقيت جالساً معكم أيضاً، إلا أنَّه حان وقت الصلاة، ويجب أن أغادر.
والسّلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته