بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم
الحمد للَّه رب العالمين والصّلاة والسّلام على سيّدنا و نبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين سيّما بقية اللَّه فى الأرضين.
قال اللَّه الحكيم فى كتابه: {بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم * أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ.}
لقد مرّت سبعة عشر عام على أفول الكوكب المتلألئ في أفقنا ـ الإمام الخميني (قدس سره) ـ وعلى تلك الأيام والليالي الحزينة ـ التي جعلت الشعب الإيراني في عزاء عظيم ـ.
لقد غاب الإمام العزيز من بين أعيننا، ورحل شخصه من بيننا، إلا أنَّ حقيقة الإمام وفكره وروحه ودروسه ومدرسته، لم تزل باقية في أوساطنا، وأوساط الأمة الإسلامية.
لقد انتشرت أغصان وأوراق هذه الشجرة الطيّبة ـ التي جاء ذكرها في الآية الشريفة قبل قليل ـ في جميع أجواء الأمّة الإسلامية، وأخذت بالتجذّر والقوة يوماً بعد آخر.
هذه الكلمة الطيّبة والشجرة الطيّبة >الجمهورية الإسلامية< هي التي أنتجت الصحوة الإسلامية في العالم الإسلامي، والمجد والجلال والتقدّم في بلدنا، وبين أفراد شعبنا.
لقد قطف شعبنا من هذه الشجرة الطيّبة ثمرات طيّبة، تشكّل قضايا مصيرية بالنسبة لأي شعب، تتّضح في عدّة مسائل:
المسألة الأولى هي: أنَّ شعبنا كان مجهولاً وتابعاً لسياسة القوى الأجنبية، وينفعل تجاه قرارات الدول المتسلّطة، كأمريكا تارةً وقبل ذلك بريطانيا والروس تارة أخرى، إلا أنّ هذه الشجرة الطيّبة حوّلتنا الى أقوى الشعوب المؤثّرة في العالم، وأقوى البلدان والأمم في هذه المنطقة؛ وهو ما يعترف به حتى أعدائنا.
لقد كان شعبناً فَزِعاً ليس له إيمان أو معرفة بإمكاناته الذاتية، ومتعلّقة قلوبنا ومخدوعة ببهرجة الأجانب؛ لكن هذه الشجرة الطيّبة حوّلتنا الى شعب مبتكر له ثقة بنفسه، يمتلك أفكاراً جديدة ومعاصرة في مجالات مختلفة.
ثمرات هذه الشجرة الطيّبة اليوم، هي آلاف المحققين والباحثين، وآلاف العلماء والمفكرين، وآلاف العقول المفكّرة المنتجة التي يُشار إليها بالبنان في مختلف المجالات، وعلى جميع الأصعدة، سواء كان ذلك في مجال العلوم الإنسانية أو التجريبية، أو المسائل الاجتماعية أو السياسية أو الدينية.
يمتلك بلدنا اليوم مجتمعاً غالبيته من الشباب، متحمّساً، إيمانياً، وتتوفّر فيه جميع مؤهّلات البلدان والشعوب المتقدمة.
يمكن لنا رؤية ثمرات هذه الشجرة الطيّبة في جميع أرجاء العالم الإسلامي، فلقد انتبه مسلموا العالم، وحققوا هويتهم الإسلامية، وأخذوا يشعرون بالعزّة لانتمائهم الإسلامي.
إنَّ قلوب الشباب، وطلبة الجامعات والمفكرين، والنخب في العالم الإسلامي متعلّقة بالأهداف الإسلامية، التي يعتقدون بقيمتها، ويسعون من أجل تحقيقها.
لقد وجدت الشعوب في العالم الإسلامي هويتها الحقيقية والوطنية والإسلامية، نتيجة لبركات هذه الشجرة الطيّبة، وأخذت تشعر بالقوّة، على الرغم من أنَّها كانت في قبضة القوى المتسلّطة على مدى الأعوام المتمادية.
إنَّ فلسطين اليوم هي أحد النماذج، وكذلك العراق، وهناك نماذج كثيرة في شمال أفريقيا، ولبنان أحد النماذج أيضاً، وإنَّ الهدف الذي تسعى لتحقيقه شعوب هذه البلدان بقلوب مفعمة بالأماني والآمال هو الإسلام والإستقلال.
هذه ثمرات الشجرة الطيّبة التي استطاع غرسها هذا الرجل العظيم والعبد الصالح، نتيجة لنهضته وما يمتلكه من خصائص.
المسألة الثانية هي: إنَّ العامل الأساسي لسمو إمامنا العظيم ونجاحه هو أنَّه آمن من أعماق كيانه وقلبه بمبدأ وحقيقة قرآنية، وسعى لتحقيقها بكل ما يمتلك قوة.
هذا المبدأ والحقيقة القرآنية، هو ما جاء في قوله تعالى: {إن تنصروا اللَّه ينصركم ويثبت أقدامكم}، والذي جاء مثله في آيات كثيرة أكّدت على ذلك أيضاً، فمن ينصر الله ينصره الله، ومن يخطو خطوة في سبيل الله، يضاعفها الى عشرات ومئات الخطوات نحو الأمام، هذه هي إحدى الحقائق والقوانين الإلهية، وهي: أنَّ نصرة الله تعالى تعني نصرة الدين.
إنَّ الدين ليس هو أحكام الطهارة والنجاسة وحسب، وليس هو الأعمال الدينية الظاهرية فقط، بل إنَّ الدين هو برنامج لسعادة الناس في الدنيا والآخرة، وكما أنَّ هذا البرنامج هو وسيلة لضمان النمو والتسامي المعنوي للمجتمعات الإنسانية، هو وسيلة لضمان إحياء قابلياتهم الفكرية وتنمية شخصياتهم واستعدادتهم كذلك. وكما أنَّ الدين يهتم بالمعنويات، فإنَّه يهتم بالحياة الدنيوية للإنسان أيضاً، ويمتلك برنامجاً لسعادته.
إنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) يبيّن في نهج البلاغة الهدف من بعثة نبي الإسلام الأكرم قائلاً: «ليثيروا لهم دفائن العقول»؛ أي ليستخرجوا الكنوز العقلية المدفونة في أعماق الناس، لتفعيلها في ميدان العمل، وكذلك نقرأ في زيارة الأربعين لسيد الشهداء (عليه السلام): «ليستنقذ عباده من الجهالة وحيرة الضلالة»، لقد كان هدف النهضة الحسينية: إزالة غيوم الجهل والغفلة عن أفق حياة الإنسانية، والبعث على صحوتهم وإيصالهم الى طريق الهداية الحقيقي.
إنَّ معنى نصرة الله تعالى ـ في الحقيقة ـ هي أن نخطو خطوة لإحياء السنة الإلهية، والتأثير في الكون والمجتمع، وفي إيقاظ الفطرة، والسعي من أجل نجاة الإنسان من التعاسة والشقاء. هذه هي نصرتنا للإسلام.
إنَّ الإمام وظّف هذه الحقيقة القرآنية؛ ونصر الله، ونهض وأقدم على نجاة وحرية شعبه، وقد نصره الله تعالى أيضاً وبارك في نهضته، فعوّضه بدل الخطوة مئات الخطوات.
لو أردنا قياس نسبة نصرتنا لدين الله الى نسبة نصرته لنا، فسوف تكون كنسبة واحد الى مئة، بل الى أكثر من ألف. إننا نخطو خطوة واحدة، لكن الله تعالى عندما يشملنا بنصرته، فسوف ينقلنا مئة أو ألف خطوة الى الأمام، وبناءً على ذلك؛ فهناك فرق كبير بين نصرتنا لله ونصرته لنا.
يجب أن يكون هناك ملايين العوامل والتفاعلات لنجاة بلد ما: كالعوامل الطبيعية، والإنسانية، والعالمية، والسياسية، والاقتصادية، وينبغي أن تستخدم هذه العوامل من أجل أن يتمكّن شعب من تحقيق التحوّل في حياته.
إنَّ هذه العوامل، ليست هي من اختيار البشر، ولا ترتبط ارتباطاً مستقيماً مع إرادتنا، إلا أننا عندما نقوم لله تعالى، فإنَّ الله تعالى يوجِد آلاف وملايين التحرّكات والتفاعلات في حياتنا، نتيجة لخطوة واحدة من قِبَلنا، فيتحقق التحوّل حينها، مثل الطبيعة تماماً، فعندما تغرسون شجيرة صغيرة في التربة ـ تقومون بهذا العمل البسيط ـ سوف تتحول الى شجرة كبيرة؛ نتيجة لملايين الأفعال والتفاعلات التي تحدث في الأرض وفي النسيج النباتي، والجو والهواء، فتنتشر أغصانها وأوراقها، وتعطي ثمارها، وتتغيّر الى مئات وآلاف الأضعاف بالنسبة الى وضعها الأول.
إنَّ عملكم يُعد بسيطاً مقابل تلك الأفعال والإنفعالات، إلا أنكم لو لم تقوموا بهذا العمل البسيط ـ الذي يمثّل زراعة هذه الشجيرة في الأرض ـ فسوف لا تتحقّق جميع هذه الأفعال والإنفعالات.
لقد قام الإمام لله، ودخل الميدان بكل وجوده، ووجّه الشعب نحو العمل بندائه، وسعيه، وجهاده. من أجل هذه الخطوة، وهذا العزم الراسخ. قام الله تعالى بتحقيق ملايين العوامل والأسباب لهذه الحركة، فإنَّ ما تحقق كان يشبه المعجزة؛ أي تأسيس نظاماً إسلامياً في منطقة حسّاسة، ولقد تحقّق ذلك نتيجة لحركة الإمام، على خلاف أهداف العدو وعداء أصحاب القدرة في جميع أنحاء العالم.
المسألة الثالثة هي: إنَّ ثورتنا تتمتّع بحقيقة مدهشة، تُعد فريدة من نوعها، وهو ما جاء في قوانين العلوم الاجتماعية المتعلّقة بالثورات: من أنِّ للثورات صعوداً وهبوطاً، كالحصاة التي تلقى الى الأعلى، فعندما يرميها الشخص تتحرّك فيه، خلاف جاذبية الأرض بمقدار قوة ساعده، وعندما تصل الى المكان الذي يكون فيه قوّة الجاذبية أقل من قوّة جاذبية الأرض، تهبط؛ بسبب جاذبية الأرض الطبيعية.
فإنَّ تلك القوانين تقول: إنَّ الثورات تتقدّم نحو الأمام وتصل الى ذروتها، مع وجود حالة الحماس والباعث الثوري عند الناس، أن يتضائل هذا الحماس والإنفعال والدافع للتقدّم نحو الأمام، ويتبدّل الى عكس ذلك في بعض الموارد، فتسقط الثورات وتتراجع الى الخلف.
إنَّ ما نعرفه عن الثورات الكبيرة التي حدثت في التاريخ قبل مئتي سنة الأخيرة، هو أنَّ جميعها تنطبق عليها هذه النظرية؛ بناءً على هذا التحليل، إلا أنَّ الثورة الإسلامية مستنثناة بالكامل من نظرية علم الاجتماع هذه، فلقد وضع عامل استمرار الثورة الإسلامية في الثورة نفسها.
ولقد قلنا مراراً: أنَّ معاني الثورة تتجسّم في الثورة التي حققتها«الجمهورية الإسلامية» وفي «دستور الجمهورية الإسلامية».
إنَّ كَتَبَة الدستور الذين نهلوا من فكر الإمام ومدرسته، تعلموا كيف يضعوا في الدستور عامل استمرار الثورة.
إنَّ التقيّد بقوانين الإسلام وإعطاء المشروعية للقانون، مشروط بأن يكون على طبق الإسلام، ومسألة ولاية الفقيه.
لقد قلت قبل عدّة سنوات عند القياس بين نظام الجمهورية الإسلامية والنظام الشيوعي السابق ـ حيث استطاع الأمريكيون والغربيون أن يُضعفوا النظام الشيوعي، وكانوا يطمعون بأن يحقّقوا نفس هذا الأمر بالنسبة للثورة الإسلامية.
إنَّ الإختلافات بين هذين النظامين، هي اختلافات لا تسمح لهم بأن يحكموا عليهما بحكم واحد؛ لأنَّ أساس حركة نظام الجمهورية الإسلامية، هو التمسّك بالقيم.
إنَّ الشيء الذي يُحسب كعنوان لمبدأ مشروعية هذا النظام؛ أي الولاية الإلهية التي تنتقل للفقيه، مشروطة بالتمسّك بالأحكام الإلهية، وإنَّ الشخص الذي يتحلّى بدرجة ولي الفقيه، إذا لم يتقيّد بالأهداف والقوانين الإسلامية نظرياً وعملياً، سوف تسقط مشروعيته، ولم يبق وجوباً على أحد في إطاعته، بل لا يجوز إطاعته، وهذا ما سُجّل في نفس الدستور، أي في الفقرة الإساسية للثورة.
بناءً على ذلك، فلو أنّّكم نظرتم الى التيارات العدائية وضغائن أعداء الجمهورية الإسلامية، سوف ترون أنَّ أهم أهدافهم العدائية متعلّق بالأصلين أو الثلاثة، المرتبطة بالعامل الذي يضمن ويحفظ الثورة؛ ولهذا فإنَّ هذه الثورة غير قابلة للانكسار، أو السقوط، ولا تتوقّف في مسيرتها وانطلاقتها؛ لأنَّ مجتمعنا مجتمعاً إيمانياً ودينياً، وإنَّ الدين والإيمان بالإسلام يعيش في أعماق قلوب الناس، ومتغلغل في جميع نفوس شرائح المجتمع، والشعب يعتقد بالإسلام بكل ما للكلمة من معنى.
بناءً على ذلك، فإنَّ الأمر الذي يعتبر جزءاً من القيم الدينية، يُعد ذا قيمة عند الشعب، وما جاء في الدستور من وجوب المحافظة عليه، يمثّل أحد التكاليف في رأيه.
إنكم تشاهدون الآن أنَّ الشعار الأساسي للحكومة التي جاءت بعد ستة عشر عاماً على رحيل الإمام الخميني (قدس سره)، وستة وعشرين عاماً على انتصار الثورة الإسلامية، هو: الانتصار الى أهداف الإسلام والثورة والعدالة؛ وهذا هو توجّه الناس ورأيهم، وما ترغب به قلوبهم.
ومهما يفكّر أعداء هذا الشعب والثورة والنظام الإسلامي، ومخالفوه والحاقدون عليه في العالم، بطريقة أخرى، فإننا نبقى نعرف شعبنا، الذي أبرز حقيقته وما تكنّه قلوب أفراده وتوجّهاتهم، التي تمثّل التوجّه الإسلامي العميق بصورة واضحة، من خلال تواجده في الانتخابات، وفي حركته وشعاراته.
المسألة الرابعة هي: إنَّ الرأسمال الذي ادّخره الإمام للبلد والشعب، هو رأسمال تاريخي ومصيري، هذا الرأسمال والخزين القيّم، هو استقلالنا السياسي، الثقة بالنفس الوطنية والثقافية، وإيمان شعبنا المتجذّر، وشجاعة الشعب والمسؤولين في مواجهة تهديدات العدو، وعدم الاغترار مقابل مدائحه وترغيباته، هذه دروس أعطاها الإمام العزيز الى الشعب خلال عشرة أعوام، من خلال أنفاسه الدافئة، واسلوبه، وطريقته، وإنَّ جوانب بلدنا ممتلئة بهذه الدروس القيّمة.
علينا أن لا ندمّر هذا المخزون، ولا نفرّط فيه، وعلينا أن لا نترك هذه الذخيرة والرأسمال القيّم جامداً، وأن لا نجعله للاستهلاك السياسي اليومي، بل علينا أن نحافظ على هذه الذخيرة بكل دقّة ومراقبة تامّة، وأن نصنع مستقبل وتاريخ بلدنا بواسطة نتاج هذه الذخيرة والرأسمال القيّم.
أعزائي: إنَّ بلدنا يمضي في طريق النمو والتقدّم، وخرج من حالة الغفلة والوهن التي فرضت عليه على مدى عشرات السنين؛ بسبب ثورتنا العظيمة ونظامنا الإسلامي، وإنَّ في بلدنا موارد طبيعة وإنسانية قيّمة جداً.
إنَّ كل حركة علمية أو تحقيقية من المزمع إنجازها اليوم في العلوم المختلفة في هذا البلد، يستطيع الأساتذة والمحققين إيجاد عشرات ومئات وآلاف العقول المستعدّة للشروع في إنجازها.
إننا اليوم مع كوننا لا نمتلك تجربة سابقة في مسألة التقنية النووية ـ التي هي قضية شعبنا وقضية العالم اليوم ـ ولم نقترض ذلك من الآخرين، استطعنا أن نجمع مئات الشباب المؤمن والعالم والمنتج، الذي يمتلك عقول فعّالة وقابليات فنّية ومقتدرة؛ ليتمكّن من تحمّل هذا المسؤولية الكبيرة؛ من أجل شعبنا، ويتجّه نحو التقدّم. وفي جميع الأقسام كذلك.
إنَّ الموارد الطبيعية والذاتية كثيرة في بلدنا، فالحكومات السابقة وفّرت ميادين كثيرة، واليوم ـ ولله الحمد ـ حكومة العمل والسعي والجهاد على رأس السلطة، ويجب الإستفادة من المجالات التي خُطط لها من قبل بالحد الممكن، وعلينا أن نعوّض ما فاتنا من قبل، والإستفادة من تعاون وتعاطف هذا الشعب العظيم المقدِّر بكل ما نتمكّن؛ من أجل أن يتقدّم بلدنا الذي يسير في طريق التنمية والتطوّر، ويعبر عقبات متعددة، ويدفع بنفسه نحو قمّة الحياة ـ التي هي حقّ الشعب الإيراني ـ أمّا ما يلزم لبناء المستقبل فهو:
أولاً: تقوية الإيمان الديني، الذي يعتبر الركن الأساسي للعمل.
فلقد كان لا يمضي العمل بلا إيمان ديني ـ الذي يمتلك عمقاً لدى هذا الشعب ـ ولم يتقدّم أيضاً في المستقبل، فيجب تقوية الإيمان الديني.
ثانياً: العدالة، التي هي حاجة ماسّة للبشرية.
فيجب أن تكون العدالة رايةً خفّاقةً في أيدي مسؤولي القوى الثلاث ومسؤولي البلد، للسير نحو العدالة.
ثالثاً: يجب أن يأخذ الجميع العلم بنظر الإعتبار ـ الذي هو مصدر للإقتدر الوطني ـ وبصورة جدية، ومتابعته؛ فلا يمكن للبلد الحصول على حقوقه أبداً ما لم يتمتّع أفراده بالعلم، كما لا ينبغي أن يُستجدى العلم من الآخرين.
إنَّ العلم قابليات وعوامل داخلية، فيجب أن توّظف قابليات الشعب هذه،؛ ليصبح شعباً عالماً بمعنى الكلمة.
رابعاً: ـ علاوة على ذلك ـ إنّ إرساء الوحدة الوطنية والاستقرار في البلد، هو الذي يمهّد لإرساء الإيمان والعدالة والعلم، ومع عدم تحقيق الاستقرار، لا يمكن الإستفادة من العلم، ولا يمكن أن يتحقق الإيمان ولا العدالة في المجتمع.
إنَّ أعداء الشعب اليوم يشدّون على أزر الشخص الذي يتمكّن من زعزعة هذه القواعد، ويتصدّى لإيمان الناس، ويُضعّف الإيمان بالله، وبالخلق، وبالمنهاج، وبإمكانية تحقق النجاح في قلوب الناس.
إنَّ الإمام الخميني (قدس سره) كان يمتلك الإيمان بأربعة أمور: الإيمان بالله، والإيمان بالخلق، والإيمان بالنهج الذي يسلكه، والإيمان بالنجاح الأكيد في نهاية العمل.
إنَّ وجود هذا الإيمان في قلوب الناس، يفرض عليهم التحرّك والتفكّر والتطوّر.
إنَّ الشخص الذي يقوم بتضعيف الإيمان بالله، والإيمان بالخلق، والإيمان بالمنهاج، والإيمان بالنجاح عند الناس، يكون عميلاً للعدو، وإنَّ العدو ليُثمّن عمل هؤلاء ويقوّيه.
وإنَّ الأفراد الذين يعارضون الحركة العلمية للبلد، والذين يريدون إبعاد الجامعات، ومراكز الأبحاث العلمية عن العلم والتحقيق والبحث، فهم عملاء للعدو، وهو على استعداد لمنحهم مغريات مادية كبيرة.
وإنَّ الأفراد الذين يعملون ضد أمن الشعب، ويريدون تمزيق الوحدة الوطنية، بذريعة المحافظة على القومية، ويريدون زعزعة الوحدة الإيرانية ـ إنَّ جميع هذه الأقوام هي إيرانية، وفيّة لإيران، توالي إيران وتفتخر بهاـ هم عملاء للأعداء.
إنَّ تكليف الأجهزة المسؤولة أن تتعرّف على عدو الشعب جيداً، وأن تعلم بأيادي العدو التي تعمل في أوساط الناس، وتشخّص اتجاهات العدو وتدافع عن حقّ الشعب وأمنه، وتدافع عن الباحثين والتقدّم العلمي في البلد، هذه هي وظيفة الأجهزة المسؤولة.
المسألة الأخيرة: على الجميع ـ سواء كانوا من المسؤولين، أو أفراد المجتمع، أو النخب السياسية أو العلمية، أو المنتسبين الى الحوزة العلمية أو الجامعة، أو العمّال، أوجميع الشرائح الأخرى ـ الحفاظ على هذه الشجرة الطّيبة التي غرسها الإمام الخميني (قدس سره)، وبارك الله تعالى فيها، وامتدت أغصانها وأوراقها بهذا الشكل، فإنَّ هذه وظيفة الجميع، فعلى الجميع أن يشعر بأنَّ الثورة ثورتهم والبلد بلدهم، وأن نظام الجمهورية الإسلامية نظامهم، فالجميع هو شعب الجمهورية الإسلامية.
إنَّ الشخص الغريب الخارج من دائرة الشعب الإيراني في رأينا، هو: من يعمل من أجل خدمة العدو.
إنَّ الشخص الذي يؤمن بالإمام وخط الإمام ووصيّته، ويدين بالمحبّة والولاء لإيران، و يعمل على عزّة هذا الشعب وتقدّمه العلمي، فهو من موالينا.
إنَّ الغرباء هم الأشخاص الذين يتوقون الى تسلّط أمريكا، ويخونون بلدهم لصالح اللصوص المتربّصين، ويهرعون لنفعه، وقد أصبحوا أبواقاً لمآرب وأفكار أعداء الشعب.
وإنَّ الشخص الذي يردّد كلام الشعب، ويتكلّم بلسانه، ويعادي أعداء الشعب، ويضع قدمه في طريق مصالح هذا الشعب في أي مجال من المجالات، يعتبر أحد جنود الجمهورية الإسلامية.
إنَّ الأشخاص الذين يحطّمون عمداً عرى الوحدة بالقول والفعل، ويعملون من أجل ميول الأعداء، فهؤلاء يقفون صفّاً ضد الجمهورية الإسلامية، وعلى الموالين الانتباه وعدم الغفلة.
إننا نرى بعض الموالين يتصرّفون كالغرباء نتيجة للغفلة والجهل، ـ وفي بعض الأحيان النادرة يفعل البعض ذلك نتيجة لفقدان الحميّة ـ متأثّراً بالأحقاد الشخصية، فينبغي لهؤلاء الأفراد أن يثيبوا لرشدهم.
لقد انطلق هذا الشعب، ونهض، وقطع شوطاً مهمّاً من هذا الطريق، وأظهر قوّته لأعدائه.
إنَّ هذا الشعب هو الذي لم تستطع أجهزة الاستكبار العالمي أن تهزمه وتخضعه، بالرغم من تعاضدهم، واتّفاقهم، وتحالفهم على مدى سبعة وعشرين عاماً.
إنَّ هذا الشعب يستحق أن يجاهد ويسعى ويعمل من أجله الإنسان، وإنَّ هذا البلد يستحق المجد والعظمة، ويتمكّن من الوصول الى المكانة التاريخية التي تليق به، ليصبح نوراً يشعّ على الدنيا بأسرها.
لقد مضينا في هذه المسيرة، وطوى هذا الشعب معابر شاقّة، وسوف يتمكّن من الوصول الى نهاية المطاف إذا ما سعى الى ذلك.
إنَّ هذه الألاعيب الدعائية التي تقف ورائها أمريكا، ووسائل الإعلام الصهيونية والسلطات الخبرية المرتبطة بالصهيونية، ضدّ الشعب الإيراني ونظام الجمهورية الإسلامية في العالم، تؤكّد دائماً على عدّة نقاط، وتثرثر فيها باستمرار، لعلّها تستطيع أن تثير الرأي العالمي على نظام الجمهورية الإسلامية والشعب الإيراني.
وهذه النقاط هي:
أولاً: يوجد هناك إجماعاً عالمياً ضد إيران!
ثانياً: إنَّ إيران تهدّد العالم!
ثالثاً: إنَّ إيران تنوي صنع قنبلة وسلاح نووي!
رابعاً: إنَّ إيران تنتهك حقوق الإنسان!
إنَّ جميع النشاطات الإعلامية للأعداء ترتكز على هذه العبارات القليلة، التي يكرّرونها في العالم، بطرق مختلفة، وخدع متنوّعة.
من الطبيعي أنّ الحقيقة واضحة بالنسبة لشعبنا، وللكثير من الواعين في العالم، لكنني أقول باختصار:
لا يوجد أي إجماع ضد إيران، وهذا كذب يتشدّق به الأمريكيون وبعض حلفائهم في العالم، في حين أنَّ هناك مئة وستة عشر بلداً من دول عدم الإنحياز تدعم إيران في حركتها الشجاعة في مجال التقنية النووية الإيرانية. وإنَّ منظمة المؤتمر الإسلامي، والدول المستقلّة جميعها كذلك تدعم إيران في برنامجها النووي.
إنَّ الأشخاص الذين يكونون أحياناً واسطة بيننا وبين أمريكا ـ نتيجة للضغوط الأمريكية أو المحاباة لها ـ ويكرّرون علينا كلام الأمريكيين، يصرّحون أنَّ هذه ليست وجهة نظرهم، وإنَّما الأمريكان طلبوا منهم ذلك.
إنَّ بلدان العالم ـ البلدان التي ترغب أن تأمّن مستقبلها ـ تعارض مسألة اقتصار التقنيّة النووية على عدّة بلدان.
إنَّ عدم أحقيّة أي بلد بالحصول على التقنيّة النووية، معناه: أن تمدّ جميع بلدان العالم المختلفة يد العوز الى بعض الدول الغربية والأوربية؛ من أجل تأمين الطاقة التي تحتاج إليها، وتستجدي الوقود منها؛ لتتمكن من إدارة حياة أفرادها، فأي شخص أو بلد أو شعب أو مسؤول وفيّ لبلده مستعد لقبول ذلك؟!
إنَّ شعبنا اليوم تقدّم خطوة نحو الأمام في هذا الاتّجاه، وأصبح رائداً في هذا المجال، وثبت في هذا الطريق بكل شجاعة.
إنَّ شعوب العالم لا تمتلك دافعاً لمعارضة هذا العمل، حتى تعقد إجماعاً على ذلك، بل هو إجماع لبعض الدول المستأثرة بالسياسة، وهذا الإجماع ليس له قيمة.
إنَّ جميع الشعوب والبلدان في العالم، تؤيّد وتستحسن ما يسعى له الشعب الإيراني، ويقوم به نظام الجمهورية الإسلامية في هذا المجال باطناً وظاهراً.
إنَّ وسائل الإعلام الأمريكية والصهيونية تدّعي أنّ إيران تشكّل تهديداً عالمياً! مع أنَّها لا تشكّل أي تهديداً لأي بلد، وهذه هي حقيقة إيران التي يعرفها العالم.
إننا لا نهدّد أي جار، ولدينا علاقات وديّة وأخويّة مع جميع بلدان المنطقة، وإنَّ علاقات بلدنا وحكوماتنا مع الدول الأوربية، علاقات نزيهة وجيدة، وسوف تكون هذه العلاقات أفضل مع أوربا في المستقبل، عندما يصبح للنفط دور أكبر في تأمين الطاقة؛ لأنّها بحاجة ماسّة الى نفطنا.
إنَّ علاقاتنا مع العالم العربي، ودّيّة وجيدة، وإنَّ أهم هذه المسائل بالنسبة لنا هي قضية فلسطين، وإننا نقول كل ما يختلج في قلوبهم بالنسبة لهذه القضية، ونبيّنه بصراحة.
إنَّ لدينا موقف شفّاف جداً وواضح تجاه القضية الفلسطينية، ترغب فيه جميع الشعوب العربية رغبةً شديدة، وتشعر بالعزَّة لما نظهره تجاه ذلك، وكذلك ترغب في ذلك جميع قلوب مسؤولي الدول العربية، مع كونهم لا يستطيعون إظهار ذلك بنفس الصراحة التي نقوم بها نحن تجاه ذلك؛ ولعلّ ذلك نتيجة لبعض الضرورات التي تَحول دون ذلك.
إنَّ علاقتنا مع دول هذه المنطقة ومنطقة آسيا والمناطق العالمية الأخرى، علاقات ودّيّة، وإنَّهم يعلمون بحقّ إيران وبدورها وتأثيرها، ويقرّون بذلك، وعلاقاتنا مع روسيا علاقات جيدة أيضاً،
وإنَّ الروس يدركون ماذا سيحلّ بهم إذا جاءت حكومة موالية لأمريكا في إيران.
إنَّ بيننا وبينهم مصالح مشتركة، في آسيا الوسطى وفي الشرق الأوسط، وفي هذه المنطقة نفسها.
إننا ليس لدينا مشكلة مع العالم، ولا نشكّل أي تهديد له، وإنَّ جميع دول العالم تعرف ذلك.
إنَّ الأمريكيين يحاولون لَبْسَ الأمور على الرأي العام العالمي، من خلال ألاعيبها الإعلامية.
وبالطبع، لم يستطيعوا تحقيق ذلك، وسوف لن يتمكّنوا منه أيضاً.
قضيتهم الأخرى هي ادّعائهم أنَّ إيران تنوي صناعة قنبلة نووية!
إنَّ هذه مزاعم واهية وخاطئة، واتّهامات باطلة، فإننا لا نحتاج الى قنبلة نووية، وليس لنا نيّةً وهدفاً مطلقاً محاولة استخدام قنبلة نووية في أي مكان؛ لأننا نعتقد بمخالفة الأحكام الإسلامية لاستخدام السلاح النووي، وهذا ما قلناه بصراحة.
إننا نعتقد أنَّ فرض التكاليف على شعبنا لصناعة سلاحاً نووياً والحفاظ عليه، هو فرض في غير محلّه وبلا وازع.
إنَّ صناعة مثل هذا السلاح والحفاظ عليه، يحتاج الى تكاليف كبيرة، وإننا لا نعتقد بجواز فرض هذه المالية على الشعب مطلقاً، فنحن لا نحتاج الى فعل ذلك.
إننا لا ندّعي الهيمنة على العالم، كأمريكا، بأن نريد أن نحكم العالم بالقوّة، أو نحتاج الى امتلاك قنبلة نووية.
إن قنبلتنا النووية وقوة انفجارنا؛ إيماننا، وشبابنا، وقدرة شعبنا الذي صمد في أصعب الميادين بكل بسالة وإيمان، وسوف يصمد في المستقبل كذلك.
إنَّ خلف هذا الإعلام الكاذب وسلسلة هذه الأكاذيب، الأجهزة السياسية والإعلامية الأمريكية، ويقف الى جانبهم الصهاينة، يساعدوهم ويشاطروهم الأمر، كل ما هو موجود عائد لهم.
إنني أرغب أن أقول الى المسؤولين الأمريكيين ـ لهذا الفريق الذي يمسك زمام الأمور في الإدارة الأمريكية، ويدّعي الولاية على العالم ـ عدّة أمور، ويا ليتهم يسمعون أو يفكرون أو يفهمون! إنني أقول لهم:
عليكم أن تقارنوا بين حكومتكم و حكومتنا، وبين رئيس جمهوريتكم ورئيس جمهوريتنا.
إنَّ حكومتكم اليوم هي أبغض الحكومات في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية داخل أمريكا نفسها ـ هذا ما قد أعلنوه الى كل العالم عن طريق إستطلاعات الرأي التي قاموا بها بأنفسهم ـ
إنَّ الحكومة التي هي على رأس السلطة في أمريكا اليوم، هي من أبغض الحكومات في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، طبقاً لرأي الشعب الأمريكي.
فعليكم أن تقوموا بمقارنة ذلك مع حكومتنا، التي تعتبر اليوم من أحبّ الحكومات التي جاءت بعد نهضة الدستور حتى اليوم، خلال السنوات المئة الماضية.
لو أنَّ رئيس جمهوريتكم ـ السيد بوش ـ يدخل أي مكان في العالم، فإنَّه يقابل بالتظاهرات الشعبية المناهضة له، وببغض الشعوب، سواء كان ذلك في أوربا، أوفي آسيا، أو في أفريقيا.
وتتولّى مقاليد الحكم في أمريكا اللاتينية حكومات، لكونها ترفع شعار مخالفة أمريكا.
إنظروا في هذه الأيام: فإنّ سبب إنتخاب الشعب لمرشّحي رئاسة الجمهورية في الپيرو، والاكوادور، وفنزولا، وفي الكثير من بلدان أمريكا اللاتينية، هو رفعهم الشعارات المناهضة لأمريكا.
فهل يوجد بغض أكثر من هذا؟!
إنَّ الشعب الأمريكي لا يأمن حكومته في مسألة مكالماته التلفونية العادية؛ أي أنّهم لا يطمئنون الى شعبهم، الى الدرجة التي لا يسمحوا لهم بها أن يتكلموا في الهاتف بحرية، فيسيطرون على الهاتف بصورة قانونية ـ يضعون قانوناً للسيطرة على الهواتف!
هذا هو الوضع الذي أنتم فيه.
وعليكم مقارنة الوضع الذي أنتم فيه مع وضعنا في بلدنا، والمقارنة بين طبيعة أسفار مسؤولي بلدنا مع أسفار مسؤوليكم، كسفر رئيس جمهوريتنا الى أندنوسيا، وأسفار رؤوساء الجمهورية السابقين الى لبنان، والسودان، وباكستان، والأماكن الأخرى، وتنظروا الى الحماس والشوق الذي يظهره الشعب في تلك البلدان تجاه رؤوساء الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
لماذا لا تفهمون ذلك؟! ولا تعترفون به؟!
لقد اعترفتم أنَّكم أنفقتم في العراق ثلاثمئة مليارد ـ إنَّ هذه الثلاثمئة مليارد، هي ما اعترفتم به، إلا أنَّ ما أنفقتموه يحتمل أن يكون أكثر من ذلك ـ كي تتمكّنوا من جلب حكومة عميلة ومطيعة لأمركم ـ فعاند الشعب العراقي ـ فلم تتمكّنوا من ذلك.
وفي فلسطين، بذلتم كافة جهودكم للحيلولة دون وصول حماس للسلطة؛ فلم تستطيعوا ذلك، ولقد انتخب الشعب الفلسطيني حكومة حماس على رغم أنوفكم.
ولقد فرضتم ضغوطاً من مختلف الأطراف على الحكومة الفلسطينية، وزاد عنادكم، مما أدّى لمضاعفة الشعب الفلسطيني تآزره مع حكومته.
وفي لبنان، ذهب كبار موظّفي وزارة الخارجية الأمريكية الى بيروت، وبقوا عدّة شهور هناك، لعلّهم يتمكّنوا من إحكام قبضتهم على لبنان، وإضعاف المقاومة فيها، وإيجاد بلداً لبنانياً تابعاً لإسرائيل، إلا أنَّهم لم يتمكّنوا من ذلك، بعد أن عاندهم الشعب اللبناني.
ولقد تحقّق مثل ذلك في الكثير من المناطق الأخرى.
لماذا لا يعترف السيد بوش أنَّ سلوكه قد أدى الى بغض أمريكا وشعبها من قِبَل العالم.
لماذا لا تعترف أنك أصبحت ضعيفاً؟ ولماذا لا تعترف أنَّ سلاحك أصبح ضعيفاً؟ فهل لك الجرأة بعد ذلك لاستخدام لغة التهديد؟!
قارنوا بين رسالة رئيس جمهوريتنا، ورئيس جمهورية أمريكا، الذي كانت رسالته تنم عن سوء الأدب والفضاضة الأمريكية ـ لقد نُشرت هذه الرسالة في العالم قبل عدّة أيام ـ وخارجة عن العرف الدبلوماسي، وتعرب عن التكبّر والحماقة، ومملؤة بالتهديد والكلام الفض.
لو أتيحت لكم الفرصة بأن تلحقوا الأذى بالجمهورية الإسلامية، خلال السبعة والعشرين عاماً، لما توانيتم دقيقة واحدة من أجل فعل ذلك.
لقد قال وزير خارجية أمريكا الأسبق بصراحة: لا بد أن أقلع جذور الشعب الإيراني، وقد زاده ذلك عمى على عمى، مع أنَّ الشعب الإيراني أخذ بالتطوّر المتزايد يوماً بعد آخر.
إنَّكم تتكلّمون عن حقوق الإنسان! ونبذ الإرهاب! مع أنَّه من الخطأ أن تتحدث حكومة عن حقوق الإنسان، في الوقت الذي يشتمل ملفّها على مسائل مثل سجن غوانتاناموا وأبوغريب، وجرائم من قبيل جريمة مدينة حديثة، والجريمة الأخيرة في مدينة كابل، وعشرات ومئات الجرائم الأخرى.
إنكم تقعون في خطأ حينما تهددون إيران، وتقولون نحن قادرون على القيام بتأمين حركة الطاقة في هذه المنطقة، وتترتكبون خطأ فادحاً في حقّها؛ لأنَّكم إذا فعلتم ذلك فالتأكيد سوف تقع مسيرة الطاقة بمأزق حقيقي في هذه المنطقة، فعليكم معرفة ذلك؛ لأنََّّكم حينها لا تتمكنون أبداً من تأمين الطاقة في هذه المنطقة.
إننا لا نؤجّج أوّار الحرب، ولا نرغب بالحرب مع أي بلد؛ لأنَّ لنا أهدافاً كبيرة، ونريد تسخير جميع طاقاتنا للوصول الى هذا الهدف، وهذا الهدف هو الصناعة الإيرانية التي تحقق السعادة المادية والمعنوية لهذا الشعب، ليكون نموذجاً للشعوب الأخرى.
ـ إنَّ الشعوب الأخرى تعلم، وتسعى بنفسها ـ نحن نريد أن نستخدم هذا البلد الكبير وهذه الكنوز الإنسانية والطبيعية ـ التي أودعها الله تعالى في يد هذا الشعب والمسؤولين ـ في مكانه المناسب، وبالشكل المناسب، ونخرج هذا الشعب من عبء الإذلال الذي فرض عليه على مدى مئة عام.
إنَّ هذا الشعب يشعر بالعزّة والقوّة، ويحق له ذلك أيضاً؛ لأنَّه يمتلك العزّة والقوّة، إلا أنهم كانوا السبب في تخلفنا، سواء كان ذلك من قِبَل الأجهزة الإستبدادية، أو الحكومات الدكتاتورية الفاسدة، أومن يدعمهم من الأجانب الخبثاء الأشرار الحاقدين.
إنَّ شعبنا اليوم هو شعب حرّ.
إننا نريد أن نشقّ هذا الطريق بقوّة ووعي ووحدة وطنية، دون التعرّض أو التهديد لأحد، لكننا مصرّون على أهدافنا، ومصالحنا الوطنية، ومن يحاول تهديد مصالحنا، فسوف يُبتلى بحدّة غضب هذا الشعب.
أللهم: إجعل ما قلناه وسمعناه خالصاً لك وفي سبيلك، وتقبّله منّا، وثبّت أقدامنا على سبيلك، واجعلنا من عبادك المؤهّلين الصالحين، واجعل نيّاتنا وقلوبنا طاهرة وخالصة لك، واعط إمامنا العزيز الدرجة الرفيعة بين أوليائك وعبادك الصالحين، واحشر شهدائنا الأبرار مع شهداء صدر الإسلام، وخلّص الشعوب الإسلامية من العسر، والتعاسة، والذل، وأيّد الشعب الإيراني في الطريق المبارك الذي أخذ التقدّم فيه يوماً بعد آخر، وارضِ عنا القلب المقدّس لصاحب العصر (عجل الله فرجه الشريف)، وَفّق وأيد المسؤولين القائمين على خدمة الشعب، واخذل أعداء هذا الشعب، وردّ كيدهم الى نحورهم.
والسّلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته
الحمد للَّه رب العالمين والصّلاة والسّلام على سيّدنا و نبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين سيّما بقية اللَّه فى الأرضين.
قال اللَّه الحكيم فى كتابه: {بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم * أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ.}
لقد مرّت سبعة عشر عام على أفول الكوكب المتلألئ في أفقنا ـ الإمام الخميني (قدس سره) ـ وعلى تلك الأيام والليالي الحزينة ـ التي جعلت الشعب الإيراني في عزاء عظيم ـ.
لقد غاب الإمام العزيز من بين أعيننا، ورحل شخصه من بيننا، إلا أنَّ حقيقة الإمام وفكره وروحه ودروسه ومدرسته، لم تزل باقية في أوساطنا، وأوساط الأمة الإسلامية.
لقد انتشرت أغصان وأوراق هذه الشجرة الطيّبة ـ التي جاء ذكرها في الآية الشريفة قبل قليل ـ في جميع أجواء الأمّة الإسلامية، وأخذت بالتجذّر والقوة يوماً بعد آخر.
هذه الكلمة الطيّبة والشجرة الطيّبة >الجمهورية الإسلامية< هي التي أنتجت الصحوة الإسلامية في العالم الإسلامي، والمجد والجلال والتقدّم في بلدنا، وبين أفراد شعبنا.
لقد قطف شعبنا من هذه الشجرة الطيّبة ثمرات طيّبة، تشكّل قضايا مصيرية بالنسبة لأي شعب، تتّضح في عدّة مسائل:
المسألة الأولى هي: أنَّ شعبنا كان مجهولاً وتابعاً لسياسة القوى الأجنبية، وينفعل تجاه قرارات الدول المتسلّطة، كأمريكا تارةً وقبل ذلك بريطانيا والروس تارة أخرى، إلا أنّ هذه الشجرة الطيّبة حوّلتنا الى أقوى الشعوب المؤثّرة في العالم، وأقوى البلدان والأمم في هذه المنطقة؛ وهو ما يعترف به حتى أعدائنا.
لقد كان شعبناً فَزِعاً ليس له إيمان أو معرفة بإمكاناته الذاتية، ومتعلّقة قلوبنا ومخدوعة ببهرجة الأجانب؛ لكن هذه الشجرة الطيّبة حوّلتنا الى شعب مبتكر له ثقة بنفسه، يمتلك أفكاراً جديدة ومعاصرة في مجالات مختلفة.
ثمرات هذه الشجرة الطيّبة اليوم، هي آلاف المحققين والباحثين، وآلاف العلماء والمفكرين، وآلاف العقول المفكّرة المنتجة التي يُشار إليها بالبنان في مختلف المجالات، وعلى جميع الأصعدة، سواء كان ذلك في مجال العلوم الإنسانية أو التجريبية، أو المسائل الاجتماعية أو السياسية أو الدينية.
يمتلك بلدنا اليوم مجتمعاً غالبيته من الشباب، متحمّساً، إيمانياً، وتتوفّر فيه جميع مؤهّلات البلدان والشعوب المتقدمة.
يمكن لنا رؤية ثمرات هذه الشجرة الطيّبة في جميع أرجاء العالم الإسلامي، فلقد انتبه مسلموا العالم، وحققوا هويتهم الإسلامية، وأخذوا يشعرون بالعزّة لانتمائهم الإسلامي.
إنَّ قلوب الشباب، وطلبة الجامعات والمفكرين، والنخب في العالم الإسلامي متعلّقة بالأهداف الإسلامية، التي يعتقدون بقيمتها، ويسعون من أجل تحقيقها.
لقد وجدت الشعوب في العالم الإسلامي هويتها الحقيقية والوطنية والإسلامية، نتيجة لبركات هذه الشجرة الطيّبة، وأخذت تشعر بالقوّة، على الرغم من أنَّها كانت في قبضة القوى المتسلّطة على مدى الأعوام المتمادية.
إنَّ فلسطين اليوم هي أحد النماذج، وكذلك العراق، وهناك نماذج كثيرة في شمال أفريقيا، ولبنان أحد النماذج أيضاً، وإنَّ الهدف الذي تسعى لتحقيقه شعوب هذه البلدان بقلوب مفعمة بالأماني والآمال هو الإسلام والإستقلال.
هذه ثمرات الشجرة الطيّبة التي استطاع غرسها هذا الرجل العظيم والعبد الصالح، نتيجة لنهضته وما يمتلكه من خصائص.
المسألة الثانية هي: إنَّ العامل الأساسي لسمو إمامنا العظيم ونجاحه هو أنَّه آمن من أعماق كيانه وقلبه بمبدأ وحقيقة قرآنية، وسعى لتحقيقها بكل ما يمتلك قوة.
هذا المبدأ والحقيقة القرآنية، هو ما جاء في قوله تعالى: {إن تنصروا اللَّه ينصركم ويثبت أقدامكم}، والذي جاء مثله في آيات كثيرة أكّدت على ذلك أيضاً، فمن ينصر الله ينصره الله، ومن يخطو خطوة في سبيل الله، يضاعفها الى عشرات ومئات الخطوات نحو الأمام، هذه هي إحدى الحقائق والقوانين الإلهية، وهي: أنَّ نصرة الله تعالى تعني نصرة الدين.
إنَّ الدين ليس هو أحكام الطهارة والنجاسة وحسب، وليس هو الأعمال الدينية الظاهرية فقط، بل إنَّ الدين هو برنامج لسعادة الناس في الدنيا والآخرة، وكما أنَّ هذا البرنامج هو وسيلة لضمان النمو والتسامي المعنوي للمجتمعات الإنسانية، هو وسيلة لضمان إحياء قابلياتهم الفكرية وتنمية شخصياتهم واستعدادتهم كذلك. وكما أنَّ الدين يهتم بالمعنويات، فإنَّه يهتم بالحياة الدنيوية للإنسان أيضاً، ويمتلك برنامجاً لسعادته.
إنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) يبيّن في نهج البلاغة الهدف من بعثة نبي الإسلام الأكرم قائلاً: «ليثيروا لهم دفائن العقول»؛ أي ليستخرجوا الكنوز العقلية المدفونة في أعماق الناس، لتفعيلها في ميدان العمل، وكذلك نقرأ في زيارة الأربعين لسيد الشهداء (عليه السلام): «ليستنقذ عباده من الجهالة وحيرة الضلالة»، لقد كان هدف النهضة الحسينية: إزالة غيوم الجهل والغفلة عن أفق حياة الإنسانية، والبعث على صحوتهم وإيصالهم الى طريق الهداية الحقيقي.
إنَّ معنى نصرة الله تعالى ـ في الحقيقة ـ هي أن نخطو خطوة لإحياء السنة الإلهية، والتأثير في الكون والمجتمع، وفي إيقاظ الفطرة، والسعي من أجل نجاة الإنسان من التعاسة والشقاء. هذه هي نصرتنا للإسلام.
إنَّ الإمام وظّف هذه الحقيقة القرآنية؛ ونصر الله، ونهض وأقدم على نجاة وحرية شعبه، وقد نصره الله تعالى أيضاً وبارك في نهضته، فعوّضه بدل الخطوة مئات الخطوات.
لو أردنا قياس نسبة نصرتنا لدين الله الى نسبة نصرته لنا، فسوف تكون كنسبة واحد الى مئة، بل الى أكثر من ألف. إننا نخطو خطوة واحدة، لكن الله تعالى عندما يشملنا بنصرته، فسوف ينقلنا مئة أو ألف خطوة الى الأمام، وبناءً على ذلك؛ فهناك فرق كبير بين نصرتنا لله ونصرته لنا.
يجب أن يكون هناك ملايين العوامل والتفاعلات لنجاة بلد ما: كالعوامل الطبيعية، والإنسانية، والعالمية، والسياسية، والاقتصادية، وينبغي أن تستخدم هذه العوامل من أجل أن يتمكّن شعب من تحقيق التحوّل في حياته.
إنَّ هذه العوامل، ليست هي من اختيار البشر، ولا ترتبط ارتباطاً مستقيماً مع إرادتنا، إلا أننا عندما نقوم لله تعالى، فإنَّ الله تعالى يوجِد آلاف وملايين التحرّكات والتفاعلات في حياتنا، نتيجة لخطوة واحدة من قِبَلنا، فيتحقق التحوّل حينها، مثل الطبيعة تماماً، فعندما تغرسون شجيرة صغيرة في التربة ـ تقومون بهذا العمل البسيط ـ سوف تتحول الى شجرة كبيرة؛ نتيجة لملايين الأفعال والتفاعلات التي تحدث في الأرض وفي النسيج النباتي، والجو والهواء، فتنتشر أغصانها وأوراقها، وتعطي ثمارها، وتتغيّر الى مئات وآلاف الأضعاف بالنسبة الى وضعها الأول.
إنَّ عملكم يُعد بسيطاً مقابل تلك الأفعال والإنفعالات، إلا أنكم لو لم تقوموا بهذا العمل البسيط ـ الذي يمثّل زراعة هذه الشجيرة في الأرض ـ فسوف لا تتحقّق جميع هذه الأفعال والإنفعالات.
لقد قام الإمام لله، ودخل الميدان بكل وجوده، ووجّه الشعب نحو العمل بندائه، وسعيه، وجهاده. من أجل هذه الخطوة، وهذا العزم الراسخ. قام الله تعالى بتحقيق ملايين العوامل والأسباب لهذه الحركة، فإنَّ ما تحقق كان يشبه المعجزة؛ أي تأسيس نظاماً إسلامياً في منطقة حسّاسة، ولقد تحقّق ذلك نتيجة لحركة الإمام، على خلاف أهداف العدو وعداء أصحاب القدرة في جميع أنحاء العالم.
المسألة الثالثة هي: إنَّ ثورتنا تتمتّع بحقيقة مدهشة، تُعد فريدة من نوعها، وهو ما جاء في قوانين العلوم الاجتماعية المتعلّقة بالثورات: من أنِّ للثورات صعوداً وهبوطاً، كالحصاة التي تلقى الى الأعلى، فعندما يرميها الشخص تتحرّك فيه، خلاف جاذبية الأرض بمقدار قوة ساعده، وعندما تصل الى المكان الذي يكون فيه قوّة الجاذبية أقل من قوّة جاذبية الأرض، تهبط؛ بسبب جاذبية الأرض الطبيعية.
فإنَّ تلك القوانين تقول: إنَّ الثورات تتقدّم نحو الأمام وتصل الى ذروتها، مع وجود حالة الحماس والباعث الثوري عند الناس، أن يتضائل هذا الحماس والإنفعال والدافع للتقدّم نحو الأمام، ويتبدّل الى عكس ذلك في بعض الموارد، فتسقط الثورات وتتراجع الى الخلف.
إنَّ ما نعرفه عن الثورات الكبيرة التي حدثت في التاريخ قبل مئتي سنة الأخيرة، هو أنَّ جميعها تنطبق عليها هذه النظرية؛ بناءً على هذا التحليل، إلا أنَّ الثورة الإسلامية مستنثناة بالكامل من نظرية علم الاجتماع هذه، فلقد وضع عامل استمرار الثورة الإسلامية في الثورة نفسها.
ولقد قلنا مراراً: أنَّ معاني الثورة تتجسّم في الثورة التي حققتها«الجمهورية الإسلامية» وفي «دستور الجمهورية الإسلامية».
إنَّ كَتَبَة الدستور الذين نهلوا من فكر الإمام ومدرسته، تعلموا كيف يضعوا في الدستور عامل استمرار الثورة.
إنَّ التقيّد بقوانين الإسلام وإعطاء المشروعية للقانون، مشروط بأن يكون على طبق الإسلام، ومسألة ولاية الفقيه.
لقد قلت قبل عدّة سنوات عند القياس بين نظام الجمهورية الإسلامية والنظام الشيوعي السابق ـ حيث استطاع الأمريكيون والغربيون أن يُضعفوا النظام الشيوعي، وكانوا يطمعون بأن يحقّقوا نفس هذا الأمر بالنسبة للثورة الإسلامية.
إنَّ الإختلافات بين هذين النظامين، هي اختلافات لا تسمح لهم بأن يحكموا عليهما بحكم واحد؛ لأنَّ أساس حركة نظام الجمهورية الإسلامية، هو التمسّك بالقيم.
إنَّ الشيء الذي يُحسب كعنوان لمبدأ مشروعية هذا النظام؛ أي الولاية الإلهية التي تنتقل للفقيه، مشروطة بالتمسّك بالأحكام الإلهية، وإنَّ الشخص الذي يتحلّى بدرجة ولي الفقيه، إذا لم يتقيّد بالأهداف والقوانين الإسلامية نظرياً وعملياً، سوف تسقط مشروعيته، ولم يبق وجوباً على أحد في إطاعته، بل لا يجوز إطاعته، وهذا ما سُجّل في نفس الدستور، أي في الفقرة الإساسية للثورة.
بناءً على ذلك، فلو أنّّكم نظرتم الى التيارات العدائية وضغائن أعداء الجمهورية الإسلامية، سوف ترون أنَّ أهم أهدافهم العدائية متعلّق بالأصلين أو الثلاثة، المرتبطة بالعامل الذي يضمن ويحفظ الثورة؛ ولهذا فإنَّ هذه الثورة غير قابلة للانكسار، أو السقوط، ولا تتوقّف في مسيرتها وانطلاقتها؛ لأنَّ مجتمعنا مجتمعاً إيمانياً ودينياً، وإنَّ الدين والإيمان بالإسلام يعيش في أعماق قلوب الناس، ومتغلغل في جميع نفوس شرائح المجتمع، والشعب يعتقد بالإسلام بكل ما للكلمة من معنى.
بناءً على ذلك، فإنَّ الأمر الذي يعتبر جزءاً من القيم الدينية، يُعد ذا قيمة عند الشعب، وما جاء في الدستور من وجوب المحافظة عليه، يمثّل أحد التكاليف في رأيه.
إنكم تشاهدون الآن أنَّ الشعار الأساسي للحكومة التي جاءت بعد ستة عشر عاماً على رحيل الإمام الخميني (قدس سره)، وستة وعشرين عاماً على انتصار الثورة الإسلامية، هو: الانتصار الى أهداف الإسلام والثورة والعدالة؛ وهذا هو توجّه الناس ورأيهم، وما ترغب به قلوبهم.
ومهما يفكّر أعداء هذا الشعب والثورة والنظام الإسلامي، ومخالفوه والحاقدون عليه في العالم، بطريقة أخرى، فإننا نبقى نعرف شعبنا، الذي أبرز حقيقته وما تكنّه قلوب أفراده وتوجّهاتهم، التي تمثّل التوجّه الإسلامي العميق بصورة واضحة، من خلال تواجده في الانتخابات، وفي حركته وشعاراته.
المسألة الرابعة هي: إنَّ الرأسمال الذي ادّخره الإمام للبلد والشعب، هو رأسمال تاريخي ومصيري، هذا الرأسمال والخزين القيّم، هو استقلالنا السياسي، الثقة بالنفس الوطنية والثقافية، وإيمان شعبنا المتجذّر، وشجاعة الشعب والمسؤولين في مواجهة تهديدات العدو، وعدم الاغترار مقابل مدائحه وترغيباته، هذه دروس أعطاها الإمام العزيز الى الشعب خلال عشرة أعوام، من خلال أنفاسه الدافئة، واسلوبه، وطريقته، وإنَّ جوانب بلدنا ممتلئة بهذه الدروس القيّمة.
علينا أن لا ندمّر هذا المخزون، ولا نفرّط فيه، وعلينا أن لا نترك هذه الذخيرة والرأسمال القيّم جامداً، وأن لا نجعله للاستهلاك السياسي اليومي، بل علينا أن نحافظ على هذه الذخيرة بكل دقّة ومراقبة تامّة، وأن نصنع مستقبل وتاريخ بلدنا بواسطة نتاج هذه الذخيرة والرأسمال القيّم.
أعزائي: إنَّ بلدنا يمضي في طريق النمو والتقدّم، وخرج من حالة الغفلة والوهن التي فرضت عليه على مدى عشرات السنين؛ بسبب ثورتنا العظيمة ونظامنا الإسلامي، وإنَّ في بلدنا موارد طبيعة وإنسانية قيّمة جداً.
إنَّ كل حركة علمية أو تحقيقية من المزمع إنجازها اليوم في العلوم المختلفة في هذا البلد، يستطيع الأساتذة والمحققين إيجاد عشرات ومئات وآلاف العقول المستعدّة للشروع في إنجازها.
إننا اليوم مع كوننا لا نمتلك تجربة سابقة في مسألة التقنية النووية ـ التي هي قضية شعبنا وقضية العالم اليوم ـ ولم نقترض ذلك من الآخرين، استطعنا أن نجمع مئات الشباب المؤمن والعالم والمنتج، الذي يمتلك عقول فعّالة وقابليات فنّية ومقتدرة؛ ليتمكّن من تحمّل هذا المسؤولية الكبيرة؛ من أجل شعبنا، ويتجّه نحو التقدّم. وفي جميع الأقسام كذلك.
إنَّ الموارد الطبيعية والذاتية كثيرة في بلدنا، فالحكومات السابقة وفّرت ميادين كثيرة، واليوم ـ ولله الحمد ـ حكومة العمل والسعي والجهاد على رأس السلطة، ويجب الإستفادة من المجالات التي خُطط لها من قبل بالحد الممكن، وعلينا أن نعوّض ما فاتنا من قبل، والإستفادة من تعاون وتعاطف هذا الشعب العظيم المقدِّر بكل ما نتمكّن؛ من أجل أن يتقدّم بلدنا الذي يسير في طريق التنمية والتطوّر، ويعبر عقبات متعددة، ويدفع بنفسه نحو قمّة الحياة ـ التي هي حقّ الشعب الإيراني ـ أمّا ما يلزم لبناء المستقبل فهو:
أولاً: تقوية الإيمان الديني، الذي يعتبر الركن الأساسي للعمل.
فلقد كان لا يمضي العمل بلا إيمان ديني ـ الذي يمتلك عمقاً لدى هذا الشعب ـ ولم يتقدّم أيضاً في المستقبل، فيجب تقوية الإيمان الديني.
ثانياً: العدالة، التي هي حاجة ماسّة للبشرية.
فيجب أن تكون العدالة رايةً خفّاقةً في أيدي مسؤولي القوى الثلاث ومسؤولي البلد، للسير نحو العدالة.
ثالثاً: يجب أن يأخذ الجميع العلم بنظر الإعتبار ـ الذي هو مصدر للإقتدر الوطني ـ وبصورة جدية، ومتابعته؛ فلا يمكن للبلد الحصول على حقوقه أبداً ما لم يتمتّع أفراده بالعلم، كما لا ينبغي أن يُستجدى العلم من الآخرين.
إنَّ العلم قابليات وعوامل داخلية، فيجب أن توّظف قابليات الشعب هذه،؛ ليصبح شعباً عالماً بمعنى الكلمة.
رابعاً: ـ علاوة على ذلك ـ إنّ إرساء الوحدة الوطنية والاستقرار في البلد، هو الذي يمهّد لإرساء الإيمان والعدالة والعلم، ومع عدم تحقيق الاستقرار، لا يمكن الإستفادة من العلم، ولا يمكن أن يتحقق الإيمان ولا العدالة في المجتمع.
إنَّ أعداء الشعب اليوم يشدّون على أزر الشخص الذي يتمكّن من زعزعة هذه القواعد، ويتصدّى لإيمان الناس، ويُضعّف الإيمان بالله، وبالخلق، وبالمنهاج، وبإمكانية تحقق النجاح في قلوب الناس.
إنَّ الإمام الخميني (قدس سره) كان يمتلك الإيمان بأربعة أمور: الإيمان بالله، والإيمان بالخلق، والإيمان بالنهج الذي يسلكه، والإيمان بالنجاح الأكيد في نهاية العمل.
إنَّ وجود هذا الإيمان في قلوب الناس، يفرض عليهم التحرّك والتفكّر والتطوّر.
إنَّ الشخص الذي يقوم بتضعيف الإيمان بالله، والإيمان بالخلق، والإيمان بالمنهاج، والإيمان بالنجاح عند الناس، يكون عميلاً للعدو، وإنَّ العدو ليُثمّن عمل هؤلاء ويقوّيه.
وإنَّ الأفراد الذين يعارضون الحركة العلمية للبلد، والذين يريدون إبعاد الجامعات، ومراكز الأبحاث العلمية عن العلم والتحقيق والبحث، فهم عملاء للعدو، وهو على استعداد لمنحهم مغريات مادية كبيرة.
وإنَّ الأفراد الذين يعملون ضد أمن الشعب، ويريدون تمزيق الوحدة الوطنية، بذريعة المحافظة على القومية، ويريدون زعزعة الوحدة الإيرانية ـ إنَّ جميع هذه الأقوام هي إيرانية، وفيّة لإيران، توالي إيران وتفتخر بهاـ هم عملاء للأعداء.
إنَّ تكليف الأجهزة المسؤولة أن تتعرّف على عدو الشعب جيداً، وأن تعلم بأيادي العدو التي تعمل في أوساط الناس، وتشخّص اتجاهات العدو وتدافع عن حقّ الشعب وأمنه، وتدافع عن الباحثين والتقدّم العلمي في البلد، هذه هي وظيفة الأجهزة المسؤولة.
المسألة الأخيرة: على الجميع ـ سواء كانوا من المسؤولين، أو أفراد المجتمع، أو النخب السياسية أو العلمية، أو المنتسبين الى الحوزة العلمية أو الجامعة، أو العمّال، أوجميع الشرائح الأخرى ـ الحفاظ على هذه الشجرة الطّيبة التي غرسها الإمام الخميني (قدس سره)، وبارك الله تعالى فيها، وامتدت أغصانها وأوراقها بهذا الشكل، فإنَّ هذه وظيفة الجميع، فعلى الجميع أن يشعر بأنَّ الثورة ثورتهم والبلد بلدهم، وأن نظام الجمهورية الإسلامية نظامهم، فالجميع هو شعب الجمهورية الإسلامية.
إنَّ الشخص الغريب الخارج من دائرة الشعب الإيراني في رأينا، هو: من يعمل من أجل خدمة العدو.
إنَّ الشخص الذي يؤمن بالإمام وخط الإمام ووصيّته، ويدين بالمحبّة والولاء لإيران، و يعمل على عزّة هذا الشعب وتقدّمه العلمي، فهو من موالينا.
إنَّ الغرباء هم الأشخاص الذين يتوقون الى تسلّط أمريكا، ويخونون بلدهم لصالح اللصوص المتربّصين، ويهرعون لنفعه، وقد أصبحوا أبواقاً لمآرب وأفكار أعداء الشعب.
وإنَّ الشخص الذي يردّد كلام الشعب، ويتكلّم بلسانه، ويعادي أعداء الشعب، ويضع قدمه في طريق مصالح هذا الشعب في أي مجال من المجالات، يعتبر أحد جنود الجمهورية الإسلامية.
إنَّ الأشخاص الذين يحطّمون عمداً عرى الوحدة بالقول والفعل، ويعملون من أجل ميول الأعداء، فهؤلاء يقفون صفّاً ضد الجمهورية الإسلامية، وعلى الموالين الانتباه وعدم الغفلة.
إننا نرى بعض الموالين يتصرّفون كالغرباء نتيجة للغفلة والجهل، ـ وفي بعض الأحيان النادرة يفعل البعض ذلك نتيجة لفقدان الحميّة ـ متأثّراً بالأحقاد الشخصية، فينبغي لهؤلاء الأفراد أن يثيبوا لرشدهم.
لقد انطلق هذا الشعب، ونهض، وقطع شوطاً مهمّاً من هذا الطريق، وأظهر قوّته لأعدائه.
إنَّ هذا الشعب هو الذي لم تستطع أجهزة الاستكبار العالمي أن تهزمه وتخضعه، بالرغم من تعاضدهم، واتّفاقهم، وتحالفهم على مدى سبعة وعشرين عاماً.
إنَّ هذا الشعب يستحق أن يجاهد ويسعى ويعمل من أجله الإنسان، وإنَّ هذا البلد يستحق المجد والعظمة، ويتمكّن من الوصول الى المكانة التاريخية التي تليق به، ليصبح نوراً يشعّ على الدنيا بأسرها.
لقد مضينا في هذه المسيرة، وطوى هذا الشعب معابر شاقّة، وسوف يتمكّن من الوصول الى نهاية المطاف إذا ما سعى الى ذلك.
إنَّ هذه الألاعيب الدعائية التي تقف ورائها أمريكا، ووسائل الإعلام الصهيونية والسلطات الخبرية المرتبطة بالصهيونية، ضدّ الشعب الإيراني ونظام الجمهورية الإسلامية في العالم، تؤكّد دائماً على عدّة نقاط، وتثرثر فيها باستمرار، لعلّها تستطيع أن تثير الرأي العالمي على نظام الجمهورية الإسلامية والشعب الإيراني.
وهذه النقاط هي:
أولاً: يوجد هناك إجماعاً عالمياً ضد إيران!
ثانياً: إنَّ إيران تهدّد العالم!
ثالثاً: إنَّ إيران تنوي صنع قنبلة وسلاح نووي!
رابعاً: إنَّ إيران تنتهك حقوق الإنسان!
إنَّ جميع النشاطات الإعلامية للأعداء ترتكز على هذه العبارات القليلة، التي يكرّرونها في العالم، بطرق مختلفة، وخدع متنوّعة.
من الطبيعي أنّ الحقيقة واضحة بالنسبة لشعبنا، وللكثير من الواعين في العالم، لكنني أقول باختصار:
لا يوجد أي إجماع ضد إيران، وهذا كذب يتشدّق به الأمريكيون وبعض حلفائهم في العالم، في حين أنَّ هناك مئة وستة عشر بلداً من دول عدم الإنحياز تدعم إيران في حركتها الشجاعة في مجال التقنية النووية الإيرانية. وإنَّ منظمة المؤتمر الإسلامي، والدول المستقلّة جميعها كذلك تدعم إيران في برنامجها النووي.
إنَّ الأشخاص الذين يكونون أحياناً واسطة بيننا وبين أمريكا ـ نتيجة للضغوط الأمريكية أو المحاباة لها ـ ويكرّرون علينا كلام الأمريكيين، يصرّحون أنَّ هذه ليست وجهة نظرهم، وإنَّما الأمريكان طلبوا منهم ذلك.
إنَّ بلدان العالم ـ البلدان التي ترغب أن تأمّن مستقبلها ـ تعارض مسألة اقتصار التقنيّة النووية على عدّة بلدان.
إنَّ عدم أحقيّة أي بلد بالحصول على التقنيّة النووية، معناه: أن تمدّ جميع بلدان العالم المختلفة يد العوز الى بعض الدول الغربية والأوربية؛ من أجل تأمين الطاقة التي تحتاج إليها، وتستجدي الوقود منها؛ لتتمكن من إدارة حياة أفرادها، فأي شخص أو بلد أو شعب أو مسؤول وفيّ لبلده مستعد لقبول ذلك؟!
إنَّ شعبنا اليوم تقدّم خطوة نحو الأمام في هذا الاتّجاه، وأصبح رائداً في هذا المجال، وثبت في هذا الطريق بكل شجاعة.
إنَّ شعوب العالم لا تمتلك دافعاً لمعارضة هذا العمل، حتى تعقد إجماعاً على ذلك، بل هو إجماع لبعض الدول المستأثرة بالسياسة، وهذا الإجماع ليس له قيمة.
إنَّ جميع الشعوب والبلدان في العالم، تؤيّد وتستحسن ما يسعى له الشعب الإيراني، ويقوم به نظام الجمهورية الإسلامية في هذا المجال باطناً وظاهراً.
إنَّ وسائل الإعلام الأمريكية والصهيونية تدّعي أنّ إيران تشكّل تهديداً عالمياً! مع أنَّها لا تشكّل أي تهديداً لأي بلد، وهذه هي حقيقة إيران التي يعرفها العالم.
إننا لا نهدّد أي جار، ولدينا علاقات وديّة وأخويّة مع جميع بلدان المنطقة، وإنَّ علاقات بلدنا وحكوماتنا مع الدول الأوربية، علاقات نزيهة وجيدة، وسوف تكون هذه العلاقات أفضل مع أوربا في المستقبل، عندما يصبح للنفط دور أكبر في تأمين الطاقة؛ لأنّها بحاجة ماسّة الى نفطنا.
إنَّ علاقاتنا مع العالم العربي، ودّيّة وجيدة، وإنَّ أهم هذه المسائل بالنسبة لنا هي قضية فلسطين، وإننا نقول كل ما يختلج في قلوبهم بالنسبة لهذه القضية، ونبيّنه بصراحة.
إنَّ لدينا موقف شفّاف جداً وواضح تجاه القضية الفلسطينية، ترغب فيه جميع الشعوب العربية رغبةً شديدة، وتشعر بالعزَّة لما نظهره تجاه ذلك، وكذلك ترغب في ذلك جميع قلوب مسؤولي الدول العربية، مع كونهم لا يستطيعون إظهار ذلك بنفس الصراحة التي نقوم بها نحن تجاه ذلك؛ ولعلّ ذلك نتيجة لبعض الضرورات التي تَحول دون ذلك.
إنَّ علاقتنا مع دول هذه المنطقة ومنطقة آسيا والمناطق العالمية الأخرى، علاقات ودّيّة، وإنَّهم يعلمون بحقّ إيران وبدورها وتأثيرها، ويقرّون بذلك، وعلاقاتنا مع روسيا علاقات جيدة أيضاً،
وإنَّ الروس يدركون ماذا سيحلّ بهم إذا جاءت حكومة موالية لأمريكا في إيران.
إنَّ بيننا وبينهم مصالح مشتركة، في آسيا الوسطى وفي الشرق الأوسط، وفي هذه المنطقة نفسها.
إننا ليس لدينا مشكلة مع العالم، ولا نشكّل أي تهديد له، وإنَّ جميع دول العالم تعرف ذلك.
إنَّ الأمريكيين يحاولون لَبْسَ الأمور على الرأي العام العالمي، من خلال ألاعيبها الإعلامية.
وبالطبع، لم يستطيعوا تحقيق ذلك، وسوف لن يتمكّنوا منه أيضاً.
قضيتهم الأخرى هي ادّعائهم أنَّ إيران تنوي صناعة قنبلة نووية!
إنَّ هذه مزاعم واهية وخاطئة، واتّهامات باطلة، فإننا لا نحتاج الى قنبلة نووية، وليس لنا نيّةً وهدفاً مطلقاً محاولة استخدام قنبلة نووية في أي مكان؛ لأننا نعتقد بمخالفة الأحكام الإسلامية لاستخدام السلاح النووي، وهذا ما قلناه بصراحة.
إننا نعتقد أنَّ فرض التكاليف على شعبنا لصناعة سلاحاً نووياً والحفاظ عليه، هو فرض في غير محلّه وبلا وازع.
إنَّ صناعة مثل هذا السلاح والحفاظ عليه، يحتاج الى تكاليف كبيرة، وإننا لا نعتقد بجواز فرض هذه المالية على الشعب مطلقاً، فنحن لا نحتاج الى فعل ذلك.
إننا لا ندّعي الهيمنة على العالم، كأمريكا، بأن نريد أن نحكم العالم بالقوّة، أو نحتاج الى امتلاك قنبلة نووية.
إن قنبلتنا النووية وقوة انفجارنا؛ إيماننا، وشبابنا، وقدرة شعبنا الذي صمد في أصعب الميادين بكل بسالة وإيمان، وسوف يصمد في المستقبل كذلك.
إنَّ خلف هذا الإعلام الكاذب وسلسلة هذه الأكاذيب، الأجهزة السياسية والإعلامية الأمريكية، ويقف الى جانبهم الصهاينة، يساعدوهم ويشاطروهم الأمر، كل ما هو موجود عائد لهم.
إنني أرغب أن أقول الى المسؤولين الأمريكيين ـ لهذا الفريق الذي يمسك زمام الأمور في الإدارة الأمريكية، ويدّعي الولاية على العالم ـ عدّة أمور، ويا ليتهم يسمعون أو يفكرون أو يفهمون! إنني أقول لهم:
عليكم أن تقارنوا بين حكومتكم و حكومتنا، وبين رئيس جمهوريتكم ورئيس جمهوريتنا.
إنَّ حكومتكم اليوم هي أبغض الحكومات في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية داخل أمريكا نفسها ـ هذا ما قد أعلنوه الى كل العالم عن طريق إستطلاعات الرأي التي قاموا بها بأنفسهم ـ
إنَّ الحكومة التي هي على رأس السلطة في أمريكا اليوم، هي من أبغض الحكومات في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، طبقاً لرأي الشعب الأمريكي.
فعليكم أن تقوموا بمقارنة ذلك مع حكومتنا، التي تعتبر اليوم من أحبّ الحكومات التي جاءت بعد نهضة الدستور حتى اليوم، خلال السنوات المئة الماضية.
لو أنَّ رئيس جمهوريتكم ـ السيد بوش ـ يدخل أي مكان في العالم، فإنَّه يقابل بالتظاهرات الشعبية المناهضة له، وببغض الشعوب، سواء كان ذلك في أوربا، أوفي آسيا، أو في أفريقيا.
وتتولّى مقاليد الحكم في أمريكا اللاتينية حكومات، لكونها ترفع شعار مخالفة أمريكا.
إنظروا في هذه الأيام: فإنّ سبب إنتخاب الشعب لمرشّحي رئاسة الجمهورية في الپيرو، والاكوادور، وفنزولا، وفي الكثير من بلدان أمريكا اللاتينية، هو رفعهم الشعارات المناهضة لأمريكا.
فهل يوجد بغض أكثر من هذا؟!
إنَّ الشعب الأمريكي لا يأمن حكومته في مسألة مكالماته التلفونية العادية؛ أي أنّهم لا يطمئنون الى شعبهم، الى الدرجة التي لا يسمحوا لهم بها أن يتكلموا في الهاتف بحرية، فيسيطرون على الهاتف بصورة قانونية ـ يضعون قانوناً للسيطرة على الهواتف!
هذا هو الوضع الذي أنتم فيه.
وعليكم مقارنة الوضع الذي أنتم فيه مع وضعنا في بلدنا، والمقارنة بين طبيعة أسفار مسؤولي بلدنا مع أسفار مسؤوليكم، كسفر رئيس جمهوريتنا الى أندنوسيا، وأسفار رؤوساء الجمهورية السابقين الى لبنان، والسودان، وباكستان، والأماكن الأخرى، وتنظروا الى الحماس والشوق الذي يظهره الشعب في تلك البلدان تجاه رؤوساء الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
لماذا لا تفهمون ذلك؟! ولا تعترفون به؟!
لقد اعترفتم أنَّكم أنفقتم في العراق ثلاثمئة مليارد ـ إنَّ هذه الثلاثمئة مليارد، هي ما اعترفتم به، إلا أنَّ ما أنفقتموه يحتمل أن يكون أكثر من ذلك ـ كي تتمكّنوا من جلب حكومة عميلة ومطيعة لأمركم ـ فعاند الشعب العراقي ـ فلم تتمكّنوا من ذلك.
وفي فلسطين، بذلتم كافة جهودكم للحيلولة دون وصول حماس للسلطة؛ فلم تستطيعوا ذلك، ولقد انتخب الشعب الفلسطيني حكومة حماس على رغم أنوفكم.
ولقد فرضتم ضغوطاً من مختلف الأطراف على الحكومة الفلسطينية، وزاد عنادكم، مما أدّى لمضاعفة الشعب الفلسطيني تآزره مع حكومته.
وفي لبنان، ذهب كبار موظّفي وزارة الخارجية الأمريكية الى بيروت، وبقوا عدّة شهور هناك، لعلّهم يتمكّنوا من إحكام قبضتهم على لبنان، وإضعاف المقاومة فيها، وإيجاد بلداً لبنانياً تابعاً لإسرائيل، إلا أنَّهم لم يتمكّنوا من ذلك، بعد أن عاندهم الشعب اللبناني.
ولقد تحقّق مثل ذلك في الكثير من المناطق الأخرى.
لماذا لا يعترف السيد بوش أنَّ سلوكه قد أدى الى بغض أمريكا وشعبها من قِبَل العالم.
لماذا لا تعترف أنك أصبحت ضعيفاً؟ ولماذا لا تعترف أنَّ سلاحك أصبح ضعيفاً؟ فهل لك الجرأة بعد ذلك لاستخدام لغة التهديد؟!
قارنوا بين رسالة رئيس جمهوريتنا، ورئيس جمهورية أمريكا، الذي كانت رسالته تنم عن سوء الأدب والفضاضة الأمريكية ـ لقد نُشرت هذه الرسالة في العالم قبل عدّة أيام ـ وخارجة عن العرف الدبلوماسي، وتعرب عن التكبّر والحماقة، ومملؤة بالتهديد والكلام الفض.
لو أتيحت لكم الفرصة بأن تلحقوا الأذى بالجمهورية الإسلامية، خلال السبعة والعشرين عاماً، لما توانيتم دقيقة واحدة من أجل فعل ذلك.
لقد قال وزير خارجية أمريكا الأسبق بصراحة: لا بد أن أقلع جذور الشعب الإيراني، وقد زاده ذلك عمى على عمى، مع أنَّ الشعب الإيراني أخذ بالتطوّر المتزايد يوماً بعد آخر.
إنَّكم تتكلّمون عن حقوق الإنسان! ونبذ الإرهاب! مع أنَّه من الخطأ أن تتحدث حكومة عن حقوق الإنسان، في الوقت الذي يشتمل ملفّها على مسائل مثل سجن غوانتاناموا وأبوغريب، وجرائم من قبيل جريمة مدينة حديثة، والجريمة الأخيرة في مدينة كابل، وعشرات ومئات الجرائم الأخرى.
إنكم تقعون في خطأ حينما تهددون إيران، وتقولون نحن قادرون على القيام بتأمين حركة الطاقة في هذه المنطقة، وتترتكبون خطأ فادحاً في حقّها؛ لأنَّكم إذا فعلتم ذلك فالتأكيد سوف تقع مسيرة الطاقة بمأزق حقيقي في هذه المنطقة، فعليكم معرفة ذلك؛ لأنََّّكم حينها لا تتمكنون أبداً من تأمين الطاقة في هذه المنطقة.
إننا لا نؤجّج أوّار الحرب، ولا نرغب بالحرب مع أي بلد؛ لأنَّ لنا أهدافاً كبيرة، ونريد تسخير جميع طاقاتنا للوصول الى هذا الهدف، وهذا الهدف هو الصناعة الإيرانية التي تحقق السعادة المادية والمعنوية لهذا الشعب، ليكون نموذجاً للشعوب الأخرى.
ـ إنَّ الشعوب الأخرى تعلم، وتسعى بنفسها ـ نحن نريد أن نستخدم هذا البلد الكبير وهذه الكنوز الإنسانية والطبيعية ـ التي أودعها الله تعالى في يد هذا الشعب والمسؤولين ـ في مكانه المناسب، وبالشكل المناسب، ونخرج هذا الشعب من عبء الإذلال الذي فرض عليه على مدى مئة عام.
إنَّ هذا الشعب يشعر بالعزّة والقوّة، ويحق له ذلك أيضاً؛ لأنَّه يمتلك العزّة والقوّة، إلا أنهم كانوا السبب في تخلفنا، سواء كان ذلك من قِبَل الأجهزة الإستبدادية، أو الحكومات الدكتاتورية الفاسدة، أومن يدعمهم من الأجانب الخبثاء الأشرار الحاقدين.
إنَّ شعبنا اليوم هو شعب حرّ.
إننا نريد أن نشقّ هذا الطريق بقوّة ووعي ووحدة وطنية، دون التعرّض أو التهديد لأحد، لكننا مصرّون على أهدافنا، ومصالحنا الوطنية، ومن يحاول تهديد مصالحنا، فسوف يُبتلى بحدّة غضب هذا الشعب.
أللهم: إجعل ما قلناه وسمعناه خالصاً لك وفي سبيلك، وتقبّله منّا، وثبّت أقدامنا على سبيلك، واجعلنا من عبادك المؤهّلين الصالحين، واجعل نيّاتنا وقلوبنا طاهرة وخالصة لك، واعط إمامنا العزيز الدرجة الرفيعة بين أوليائك وعبادك الصالحين، واحشر شهدائنا الأبرار مع شهداء صدر الإسلام، وخلّص الشعوب الإسلامية من العسر، والتعاسة، والذل، وأيّد الشعب الإيراني في الطريق المبارك الذي أخذ التقدّم فيه يوماً بعد آخر، وارضِ عنا القلب المقدّس لصاحب العصر (عجل الله فرجه الشريف)، وَفّق وأيد المسؤولين القائمين على خدمة الشعب، واخذل أعداء هذا الشعب، وردّ كيدهم الى نحورهم.
والسّلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته