موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

القائد يؤكّد أهمية وسائل الإعلام لدى لقائه المشاركين في المهرجان الدولي السابع للبرامج الإذاعية والتلفزيونية

بسم الله الرحمن الرحيم
اُرحّب بالضيوف الأعزّاء المتواجدين هنا، والذين شاركوا في المهرجان.
أعتقد أنَّ هذه الاجتماعات والجلسات ـ وخاصة في الظروف الراهنة للعالم ـ يمكن لها أن تكون أداةً تستفيد منها الإنسانية.
سأتحدث مع الأخوة في بعض الأمور، وأرغب في أن أجيب على السؤالين والثلاثة التي طرحها بعض الحاضرين من خلال هذا الحديث.
إنَّ المذياع ـ الذي يتمحور اجتماعكم حوله ـ يعتبر من وسائل الإعلام المهمّة؛ أي أنّه مع ظهور وسائل إعلام أخرى، يبقى المذياع يلعب دوراً مهمّاً ومؤثّراً وواسعاً جداً؛ وذلك لما تمتلك هذه الوسيلة الإعلامية من خصائص ومميزات
إنَّ أهمية تأثير أي وسيلة من وسائل الإعلام، يعظّم حجم المسؤولية الملقاة على عاتق معدّي تلك الوسيلة، وإنني أريد أن أؤكد بعض الشيء على مسألة عظم المسؤولية الملقاة على عاتقكم ـ أيَّها المدراء ومعدّي برامج المذياع ـ.
إنَّ وسائل الإعلام في العالم اليوم تقوم بالتأثير على الفكر والثقافة والسلوك، وتؤثّر ـ في الحقيقية ـ على تحديد الهوية الثقافية للإنسان، فهي قادرة على التأثير في تحسين وضع حياة الإنسان، وانتشار السلام والأمن العالمي، وسمو أخلاق الناس ومعنوياتهم، وجعلهم أكثر سعادة، وفي مقابل ذلك لها القابلية على أن تكون وسيلة لتأجيج الحروب الضروس، وترويج العادات والآداب والسلوك الضارة بين أوساط الناس، وتجريد الشعوب عن هويتها الإنسانية والوطنية، وإحياء روح التفرقة بين البشر.
إنَّ دور وسائل الإعلام اليوم كبير جداً.
فلو أنَّ إدارة وإعداد وسائل الإعلام على مستوى العالم، تكون على أساس المعايير الأخلاقية، والفضائل، والمساواة، والاعتماد على المفاهيم الإنسانية الحقيقية، فسوف يكون ذلك في نفع الشعوب.
ولو أنَّ وسائل الإعلام وإعدادها وإدارتها تكون مبتنية على أساس مصالح الشركات الإقتصادية، وأثرياء العالم، والمتسلّطين الجشعين والمحتكرين، فسيؤدّي ذلك الى الإضرار بالإنسانية بالتأكيد.
إنَّ وسائل الإعلام يمكن أن تكون أرضية مناسبة للحوارت الحرّة والثنائية ومتعددة الأطراف بين الشعوب؛ وهذا من أكبر الخصائص التي تتمتع بها وسائل الإعلام العامة والشاملة، ويمكن لها أن تكون وسيلة لتبادل أفكار الشعوب بين بعضها البعض بصورة أخلاقية ومنطقية، وتتلاقح أفكارها في الجانب المعنوي والأخلاقي والثقافي، وهذه المسألة تُعد من المسائل القيّمة جداً، ولها القابلية على تنمية مستوى معرفة الناس.
لو أنَّ وسائل الإعلام اُديرت بصورة عادلة، ولم يكن طريقها طريقاً اُحادي الجانب، واستمعت بعض الشعوب لوجهات نظر البعض الآخر بجديّة وصغت الى ما تقول، وتعرّف بعضها على مفاهيم البعض الآخر فسوف يساعد ذلك على تقريب الشعوب مع بعضها.
وكما أشار وصرّح بعضكم ـ أيَّها الأصدقاء ـ في كلامه، أنَّ الكثير من العداءات الموجودة في أوساط الشعوب ـ حيث يستغل أصحاب القدرة والثروة هذه العداءات ـ ناشئة من عدم التفاهم وسوء الفهم؛ حيث لا يفهم البعض بعضه الآخر.
لو ألقيت نظرة على وضع وسائل الإعلام العالمية، فسوف لن تكون نظرتي نظرة متفائلة في الوقت الراهن؛ وهذا ما ينبغي أن أقوله لكم ـ أيَّها المدراء ومعدّي البرامج ـ ولا أريد أن أعترض على ما أوضحه رئيس هذه المؤسسة المحترم فيما يتعلّق بمسألة التطوّر وغيرها، فإنَّ ذلك موجود فعلاً، ومع ذلك فإنَّ نظرتي الى وضع وسائل الإعلام العالمية، ليست نظرة متفائلة وراضية.
إنَّ حركة وسائل الإعلام والإتصالات اليوم ليست حركة ثنائية ومتعددة الأطراف، بل هي اُحادية الجانب؛ أي أنَّ ما يرغب به أصحاب القدرة والنفوذ الإعلامي، يقومون بنشره وإظهاره من خلال العلم والتقنية المتطورة.
فما الذي يرغبون به؟ وما هي الأفكار التي يريدون ترويجها؟ هل هي أفكار إنسانية؟ وهل هي قائمة على أساس الشعور بالفضيلة؟ وهل تشتمل حقاً على العدالة الإنسانية؟
نحن لا نشعر بمثل هذا الأمر مطلقاً؛ لأنَّ امبراطوريات وسائل الأنباء والإعلام العالمية، مقتصرة بصورة كاملة تقريباً على أشخاص لا يرغبون في أن تسود الفضيلة والأخلاق والدين والإيمان والقيم والسلام في العالم، وهؤلاء الذين يتسلّطون على وسائل الإعلام العالمية، هم الذين يمتلكون أكبر مصانع الأسلحة، ويقع تحت اختيارهم أشد القنابل الذرية خراباً ودماراً، ويكون لها ارتباطاً بهم، وأنَّ السياسة المستبدة من ضمن جدول أعمالهم اليومية والدائمة، وغالباً ما تكون وسائل الإعلام تحت تصرفهم.
طبعاً، يوجد هناك فارق بين اليوم وما قبل خمسين وعشرين سنة، حيث استطاعت الشعوب والبلدان المستقلة من السيطرة على وسائل الإعلام، وهم يقومون بوظائفهم الى حدٍ ما في هذا المجال، إلا أنَّ هناك بون شاسع بين ما هو موجود الآن وما ينبغي أن يكون؛ أي حصول هذه الحركة الثنائية والمتعددة الأطراف القادرة على انتقال حقائق الشعوب والأفكار الجيّدة الموجودة في منابعها الى البعض الآخر بصورة صحيحة.
إنَّكم ترون اليوم سياسة وسائل الإعلام ذات النفوذ في العالم، فإنَّ مصلحتهم تقتضي أن يكون الإسلام مساوياً للإرهاب على حسب نظرهم، وأخذ هذا العمل بالتحقق بسرعة قصوى من خلال التقنيّات المتطورة، وبالمقابل فإنَّ هذه المصالح تقتضي أن تُعد أمريكا مظهراً لحقوق الإنسان والديمقراطية، وإنَّ وسائل الإعلام العالمية تقوم بهذا العمل بكل بساطة وبوسائل معقّدة ومتطوّرة جداً، فتُظهر الأكاذيب الكبيرة وكأنَّها حقيقة في محطّات المذياع والتلفاز ومواقع الأنترنيت وغيرها.
لقد برزت مسألة انفلونزا الطيور فجأة ـ كما أشار بعض الأصدقاء ـ على الصعيد العالمي وأصبحت في مقدّمة المسائل، ولعلّ أضرارها لم تصل الى ألف شخص في جميع أنحاء العالم، في الوقت الذي يُسْكَت عن قتل مئة وعشرين ألف من سكان العراق العزّل، على يد الأمريكيين والمرتبطين بهم من الإرهابيين.
وفجأة تجد أنّ العالم يضجّ على أنَّ إيران تنوي صناعة السلاح النووي.
وإنَّ نفس هؤلاء الأشخاص الذين يتخذون هذه السياسة التبليغية ويروّجوها، يعلمون بدقة أنَّ ما يقومون به كذباً، إلا أنَّ مصلحة إدارة السلطات الإعلامية تقتضي ذلك؛ مما يستدعي أن يقال مثل ذلك، وهو ما يقال فعلاً.
إنَّ وسائل الإعلام العالمية لم تتطرق مطلقاً الى أنَّ شعباً حصل على التقنية المتقدمة بجهوده، دون أن يقرضها إياه أحد، وهو يريد أن يستفاد منها للأغراض السلمية.
ـ وفي مسألة فلسطين ـ لو أن انفجاراً حدث في منطقة من فلسطين، وجُرح بسببه بعض الصهاينة، فسوف يُصوّر على أنَّ ذلك فاجعة عظيمة حدثت في العالم، وفي مقابل ذلك يُقتل الفلسطينيون يومياً ـ يومياً بلا مبالغة ـ على أيدي الجنود الصهاينة، ويُسكت عن الإعلام الرسمي لإغتيال الناشطين الفلسطينين من قبل قادة الحكومة الصهيونية، ويعتم على ذلك؛ لكي لا يصل الى الأذهان.
هذه هي المشاكل والأمراض المزمنة والآلام الكبيرة لمسألة وسائل الإعلام العامة ومحطاتها في العالم، وهذا هو أساس المسألة.
فلابد أن يصبح العلم ـ الذي وضع وسائل الإعلام تحت تصرّف الإنسانية بكل بساطة وسهولة وسرعة ـ عاملاً على إسعاد البشر.
إنَّ هذه السعادة تكون بهذه الصورة: وهو أن تطّلع الشعوب على الأفكار الخاصة لبعضهم البعض بصورة جليّة، ليتمكّنوا من فَهْم كلام وأهداف بعضهم الآخر، ويشخّصوا ذلك.
انظروا، ما الذي سوف يحدث لو أنَّ الشعب الأمريكي ـ مثلاًـ يعلم برأي الشعب الإيراني في خصوص المسائل المهمّة التي تطرح على الصعيد العالمي اليوم، كمسألة حقوق الإنسان، وحكومة الشعب الدينية ـ التي هي شعارنا ـ ورأي إيران في ذلك، ورأي الشعب الإيراني في مسألة دور الدين في حياة الناس والأثر الذي يمكن أن يتركه الدين، ودور المرأة في الحياة الاجتماعية، ونظرة الإسلام للمرأة.
افرضوا أنَّ الشعب الأمريكي والشعوب الأوربية أخذت تستمع لهذا من لسان الشعب الإيراني ـ حيث اعتقد أنكم لم تسمعوا بذلك مع أنَّكم تمتلكون وسائل إعلام، فضلاً عن السكان العاديين للبلدان الغربية ـ ففي هذه الحالة سوف تحدث أُمور هامّة في العالم.
فسوف تتلاشى الكثير من مواضع سوء الفهم، وتنحل الكثير من عُقَد الشعوب، وتضيق سعة القرارات التي يتخذها السياسيون والمتسلّطون على أساس مصالح السلطات المالية والإقتصادية في العالم.
إنَّ السياسيين والمتسلّطين في العالم اليوم يستغلّون غفلة شعوبهم، ويتبجحون بالكثير من الأقوال والأعمال في العالم بإسم الشعوب. ومن الممكن فيما لو علمت الشعوب بالحقيقة، فسوف لن ترضى بهذه الأعمال، ولرفضت التعاون في هذا المجال، والقبول بهذه الحكومات.
إنَّ وسائل الإعلام يمكن لها أن تلعب مثل هذا الدور، وأن تساعد في إسعاد البشرية، بكل ما للكلمة من معنى.
إذا كانت الهيمنة للدين والأخلاق والفضيلة في إدارة وإعداد وسائل الإعلام، فسوف يكون وضع وسائل الإعلام أفضل من هذا بالتأكيد، ويكون وضع الإنسانية أفضل مما هو عليه الآن.
إنَّني أوصي بالتباحث والتفكير في مسألة الأهداف الإنسانية، وكيفية الحفاظ على الفضائل والأهداف في مثل هذه الإجتماعات ـ على الأقل ـ بالقدر الذي تُتبادل فيه وجهات النظر على الصعيد الفني والعملي؛ لكي تدخل القيم والأخلاق في وسائل الإعلام العالمية، ويسمو التطوّر والحركة العلمية القيّمة وحركة وسائل الإعلام التي تحققت في العالم، وتُجعل في خدمة الإنسانية، هذه المسألة التي أردت أن أقولها للأصدقاء.
أتمنّى أن يكون الأخوة الذين سألوا أسئلة صميمية، قد حصلوا الإجابة على أسئلتهم من خلال ما قلناه.
أشكر مسؤولي إذاعة وتلفزيون الجمهورية الإسلامية، لما قاموا به من تهيئة لهذا الاجتماع، وتنظيم هذا البرنامج، وكذلك أنتم ـ أيَّها الضيوف الأعزاء ـ وأتمنّى أن تكونوا أمضيتم وقتاً سعيداً في هذه الأيام القليلة، وأسأل الله تعالى أن تغادروا إيران وأنتم تمتلكون انطباعات جيدة عنها.
والسّلام عليكم ورحمة اللَّه‏ وبركاته