موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

بيان أهداف التربية والتعليم لدى استقبال القائد جمعاً من المعلّمين

بسم الله الرحمن الرحيم
في البدء أرحّب بالأخوة والأخوات المعلّمين، ومسؤولي التربية والتعليم في البلد الأعزاء.
إعتدنا أن نلتقي كل عام مع المعلّمين الأعزاء بمناسبة (يوم المعلّم)، إلا أنَّ هذا اللقاء الذي سيقام هنا لأول مرّة هو لقاء ودّي وسيكون طويلاً شيئاً ما.
إنني سعيد أن أقضي اليوم مقداراً من الوقت بين جمعٍ من المفكرين والمعلّمين العاقدين العزم على تربية وتعليم جيل البلد الصاعد.
تحيّة للروح الطاهرة للشهيد آية الله مرتضى مطهري، وكذلك الشهيدين البارزين في ميدان التربية والتعليم ـ الشهيد رجائي والشهيد باهنر ـ ولجميع الشهداء الأبرار.
إنَّ هذا اللقاء لقاء رمزي، اُقيم من أجل إظهار المحبّة للمعلمين، والحقيقة أنَّ إبداء المحبّة للحاضرين الأعزاء هنا يُظهر المحبّة والإخلاص للهيئة التعليمية الواسعة في جميع أنحاء البلد، ويُعرب عن تقديرنا لوجودهم وعملهم وجهودهم.
إنَّ هذا اللقاء ـ بالدرجة الأولى ـ هو فرصة للإستماع الى المسائل التي تُطرح من قلوب وألسنة العاملين بجدٍ واخلاص في هذا الميدان الواسع، فضلاً عمّا يصلنا من تقارير في هذا المجال.
لو بقي وقتاً في نهاية هذا اللقاء، فسوف أتحدث قليلاً، وفيما إذا لم يبقى من الوقت شيئاً، فسوف أكون سعيداً لما ستتفوّهون به.
على كل حال، أتمنّى أن يكون هذا اللقاء لقاءً مباركاً إن شاء الله تعالى، وأن نتقدّم من خلال ذلك ـ أنا والأسرة التربوية والتعليميةـ خطوة الى الإمام، على صعيد المهمّة الصعبة التي تتحمّلها هذه الشريحة الكبيرة، من أجل مستقبل ومصير هذا البلد.
إنَّ هذا اللقاء هو لقاء جميل جداً حتى هذه اللحظة، والمسائل التي طرحها الأخوة فيه مسائل دقيقة، وإنَّ ما تطرحوه من أفكار يعتبر حجّة على أمثالنا؛ لأنَّ العمل التعليمي من اختصاصكم، ولكم خبرة وإطلاع على دقائق العمل في مجال التربية والتعليم.
لقد سجّلت جوانب من أحاديث الأخوة، التي كان بعضها مكرراً ـ على نمط ماذكره بعض الأخوة قبل قليل ـ إلا أنَّه كان تأكيداً على أهمية ما تحملونه من أفكار.
إنَّ بعض هذه المسائل يقع على عاتق وزير التربية والتعليم، وكبار مسؤولي هذه الوزارة المحترمين المتواجدين هنا، والبعض الآخر ـ مما يكون خارجاً عن نطاق وقدرات وزارة التربية والتعليم ـ يقع على عاتق مؤسسات الحكومة الأخرى، و إنني سوف أقوم بكل ما ينبغي من توصية وتأكيد في هذا المجال إن شاء الله تعالى.
إنَّ الأمر المهم الذي يثير الانتباه، والذي تكرر في كلمات الأخوة، هو أنَّ التربية والتعليم هي حجر الأساس لمستقبل البلد.
ولو أننا قمنا بحلول جذرية للمشاكل المتعلقة بالأخلاق والسلوك والعلم والثقة بالنفس على الصعيد الشعبي الواسع وبالمجالات المختلفة الأخرى، فسوف نصل الى الهدف المنشود من التربية والتعليم.
إنَّ التربية والتعليم ـ وكما أشار الى ذلك بعض الأخوة ـ من المراكز التي تظهر نتائجها على المدى البعيد، إلا أنَّها نتائج حياتية ومصيرية خالدة، وإذا ما ارتقى مجال التربية والتعليم واُولي اهتماماً، فسوف يؤدي الى تحسين الأوضاع في مجال الاقتصاد والسلامة والصحة والبيئة ومصير الإنسان والثقة والجمال والفن والسلوك العام، علاوة على ذلك كلّه يكون مؤثراً في الدين والفلسفة والأخلاق.
إنَّ مدارس العالم اليوم تقوم بتعليم الأطفال الفلسفة؛ الأمر الذي يعتبره بعض مفكّري بلدنا ليس له معنى، ويعتقدون بأنَّه مقتصراً على أصحاب اللحى والشعر الكثيف من كبار السن.
إنَّ النظرة الحضارية الى قضايا الحياة، أوصلت روّاد العلم في العالَم اليوم الى وجوب تعليم التلاميذ الفلسفة باُسلوب سلس في مرحلة الإبتدائية.
ولقد جئت بهذا المثال؛ من أجل إيضاح ما للتربية والتعليم من قدرة على التأثير في مستقبل البلد، وهو واضح لديكم أيضاً.
فإنَّ الإقتصاد والسياسة اليوم معتمدان على العلم؛ ولهذا فإنَّ أحد الشعارات التي تُرفع اليوم شعار (المجتمع العلمي).
ولو أردنا أن لا نتخلّف عن مواكبة الحركة العلمية في العالم ـ فضلا عن أن يكون لنا دور مشخّص ورائد وناجح ـ فنحن مضطرون الى القيام بنظرة جذرية أساسية تجاه التربية والتعليم، وكذلك في مسألة العدالة.
لقد أشار بعض الأخوة الى مسألة العدالة في مجال التربية التعليم، ولو أننا أولَينا اهتماماً لمسألة العدالة في التربية والتعليم، فسوف يؤدي ذلك الى تحقيق العدالة النسبية بين طبقات ومناطق البلد في المستقبل.
ولو أننا لم نجعل العدالة نقطةَ ارتكازٍ في التربية والتعليم، فسيؤدي ذلك الى تمهيد الأرضية الى ازدياد التمايز الطبقي بين أفراد البلد في المستقبل شيئاً فشيئاً.
أنظروا الى آثار التربية والتعليم: إنَّ الرؤية الغير عادلة في ذلك، تؤدي الى أن تكون قسم من المدارس في مكان ما من بلدنا متطورة ومجهّزة بأفضل التجهيزات، واُخرى محرومة، مبنية من أكواخ أو شبيهة بالأكواخ في مكان آخر، وحصول بعض المدارس على معلمين ممتازين وبارزين، واُخرى على معلمين تنقصهم الخبرة والكفاءة العلمية، وهذا الأمر ينافي الرؤية المحورية للعدالة.
ماذا ستكون نتيجة ذلك؟ نتيجته أن يحظى مجموعة من أطفالنا اليوم ـ بلا دليل سوى كونهم يمتلكون المال، أو يعيشون في منطقة تتمتع بالعيش الرغيد ـ بأعلى مستوى من التعليم، وتحظى مجموعة أخرى بمستويات متدنّية جداً دون تقدّم أو نمو لقابلياتهم.
طبعاً، إنَّ العدالة لا تعني أن نتعامل مع جميع أصحاب القابليات بطريقة واحدة، كلا، لأنَّ القابليات تتفاوت، و علينا ألّا نُفرّط فيها، بل أن نفكر بإتخاذ التدابير اللازمة لتنميتها، إلا أنّ الملاك يجب أن يكون حسب القابليات، دون سواها، وهذه هي العدالة.
بناءً على ذلك، نستنتج أنّ مسألة التربية والتعليم هي القاعدة الأساسية، واللبنة الأساسية للبناء الرفيع ـ كما يقول المعماريون والبنّاؤون ـ التي نحتاجها لمستقبل البلد.
هذه هي الحقيقة التي بسببها تأخرنا عشرات السنين، ولسوء الحظ أنّها وقعت في عهود التفتّح والتقدّم العلمي، فلقد أخرّنا ذلك عقوداً من الزمن ـ منذ أواخر العهد القاجاري وحتى نهاية العهد الشاهنشاهي ـ دون إرادتنا أو رغبتنا.
فعلينا أن نكدح ونجاهد، ونبذل كل طاقتنا؛ من أجل تقليل الهوّة التي وقعت في مجال التربية والتعليم قدر الإمكان، وإنني أعتقد ـ على ضوء التجارب والنظريات العلمية التي قام بها أصحاب الخبرة في هذا المجال ـ بأننا قادرون على ذلك، فإنَّ هذه ليست بعيدة المنال، وهناك الكثير من الطرق المختصرة التي توجد في السنن الإلهية وقوانين الخلقة، والفن هو القدرة على الوصول الى هذه الطرق من قِبَل الإنسان. بناءً على ذلك فإننا قادرون، إلا أنَّ ذلك يحتاج الى السعي.
إنَّ ما ثبت من خلال هذه المقدمة، هو ما قاله بعضكم ـ أيَّها الأخوة والأخوات ـ و ما أعتقد به أنا اعتقاداً كبيراً، وهو أنَّ التربية والتعليم هي من أهم الأجهزة المُنتجة، فهي جهاز مُنتج لا مستهلك، فعلينا أن نهيئ مصادر الدعم في مجال التربية والتعليم، ليس المال فقط ـ المال جزءٌ من ذلك ـ لكن الأهم من المال هو الفكر، وأفضل وأهم الأفكار، الجلوس والتباحث في مسائل التربية والتعليم؛ من أجل أن تكون الرؤية الفلسفية للتربية والتعليم واضحة وجَليّة، وعلى أساس هذه الرؤية سوف تكون آفاق مستقبل التربية والتعليم واضحة في بلدنا، وسيُعلم حينها ما الذي نريده، وما هو الهدف الذي نصبوا إليه، لكي نقيم برامجنا على أساس الخطّة التي توصلنا الى تحديد ذلك الهدف، هذا هو ما نحتاج إليه.
لا بد أن تتجنّب التربية والتعليم مسألة الروتين، هذا هو بيت القصيد. من الطبيعي أنَّ المَعْني بذلك ـ بالدرجة الأولى ـ هو وزير التربية والتعليم، وكبار المسؤولين المحترمين في التربية والتعليم، ثمَّ يأتي دور جميع الأشخاص في سلسلة مراتب العاملين في سلك التربية والتعليم، وفي أي مجال يمكن أن يكون مؤثراً في خروج المؤسسة التعليمية من حالة الروتين والتحجيم الكائنة في إطار الأساليب المتحجّرة والبائدة.
ومن هنا سوف أتحدث في مسألتين أو ثلاث.
الأولى: مسألة التربية
إنَّ إدارة معاونية التربية أو مركز التربية ـ بأي شكل كانت ـ تقع مسؤوليتها الآن على عاتق مسؤوليها المحترمين، ويوجد الآن تقصير في رعايتها أو قلّ الإعتناء بها، وعندما اُلغيت مراكز التربية على المستويات المختلفة آنذاك، قمت برفض ذلك بكل صراحة، إلا أنّ ذلك لم يلقى آذان صاغية، ومع ذلك لم يخبرني أحد بأنَّهم سوف لا يستجيبون لذلك.
إنَّ أهم الأمور الواجبة ـ بالإضافة الى التقنين ـ هو الإهتمام بمسألة التربية بأي صورة من الصور، ليس لأننا مسلمون وحسب ـ فالقضية لا تتعلق بذلك فقط ـ بل لأنَّ مسألة التربية في مجال العلم والتقنية المتطورة في العالم الغربي اليوم تعتبر من المباني الأساسية في الكثير من الدول، فَهُم يُولون اهتماماً للتربية، ولديهم مسؤول يتولّى الأمور التربوية.
إنَّ التربية التي نّصْبوا إليها ليست هي التديّن والتعمّق بالطقوس الدينية وحسب، بل التي تكون مؤثرة على صعيد السلوك، والتعامل، وتنمية الشخصية، وتقوية الثقة بالنفس وتفجير الطاقات. وبناءً على ذلك، فإنَّ مسألة التربية هي من المسائل المهمّة.
المسألة الثانية التي أود أن أطرحها كعنوان من العناوين هي مسألة (القرآن الكريم) في مجال التربية والتعليم.
إنَّ القرآن الكريم مهجور ـ حقاً ـ في التربية والتعليم. فلقد أشار لي أحد العلماء الأجلّاء العارفين بالكثير من المسائل التبليغية في وقت من الأقات ـ قبل عدة سنوات ـ الى مسألة، وقد دققت بها كثيراً فعلمت بأنَّها كانت صحيحة، ومنسجمة إنسجاماً كاملاً مع التجارب التي مررت بها. فقد قال: عندما كنت ألتقي مع المفكرين من البلدان الإسلامية ـ العربية بالخصوص ـ وإن كانوا من غير الإسلاميين، أجدهم على معرفة بالقرآن الكريم. وعندما ننظر الى مفكّرينا ـ عدى المفكّرين الإسلاميين القلّة المتواجدين حالياً، والذين أخذوا بالازدياد، وأصبحوا أكثر معرفةً بالقرآن الكريم والمفاهيم الإسلامية والحمد لله ـ نجد أنَّ الكثير منهم ليس له معرفةً بالقرآن الكريم، أو الاطلاع على المفاهيم القرآنية، إلا أنَّ مفكّري الدول العربية لهم معرفةً بذلك ـ هذا ما قاله لي ذلك السيد ـ وعلمت أنَّ ما يقوله حقَّاً.
لقد كانت لنا رابطة مع تلك النخب السياسية والفكرية والمتفتحة في الدول العربية لسنوات عدّة وحتى الآن، حيث كانوا يستندون الى الآيات القرآنية في آرائهم وأحاديثهم، بنفس الطريقة التي نستشهد بها نحن بأشعار سعدي ـ مثلاً ـ في أحاديثنا، فالناس كلّهم يعرفون ما ذا يعني قوله (من كان عالماً فهو مقتدرُُ). إننا نستشهد بأشعار سعدي وحافظ في أحاديثنا وسياستنا والكثير من المسائل والآراء الفكرية المختلفة، وهم يستعملون آيات القرآن الكريم بدل ذلك؛ والسبب هو أنَّ القرآن الكريم كان مهجوراً أو مفقوداً في مؤسساتنا التربوية لعهود كثيرة، وخاصة في الأعوام الدراسية.
لقد كان العمل بالقرآن الكريم في زماننا القديم ـ زمن الصبا ـ عملاً يسيراً، ثم أخذ بالإضمحلال، ثم فُقد، وكان من المتوقّع أن يكون العمل في هذا المجال مؤثراً بعد الثورة، وقد تحققت بعض الإنجازات على هذا الصعيد، إلا أنَّ الغاية المطلوبة من القرآن الكريم في المراحل المختلفة ـ سواء في الإبتدائية أو الثانوية أو المتوسطة ـ لم تكن بالمستوى المطلوب، ولابد من التفكير في ذلك بطريقة مبتنية على الصحة والإنفتاح بعيداً عن الضغوط والتغريب.
لقد وصلني اليوم ـ قبل مجيئي الى هذا اللقاء ـ من أحد الدول العربية كتاباً باللغة العربية، قد ذُكرت فيه مجموعة من الآيات القرآنية المنسجمة مع الأدب العربي بطريقة جميلة. وبالطبع أنَّ من حسن حظ العرب أن يتمكنوا من استعمال القرآن الكريم في آدبهم، وهذا ما لا قدرة لنا عليه؛ بإعتبار أنّ الأدب الفارسي ليس له إرتباط مباشر مع القرآن الكريم، ولابد أن يُترجم لنا القرآن، إلا أنَّ ذلك من الأمور اللازمة، واليوم لحسن الحظ المسيرة القرآنية لبلدنا جيدة، إلا أنَّه لابد أن تُمنهج من قِبَل مؤسسات التربية والتعليم.
إنَّ دَور المعلّمين دَور مهم، وإنَّ الأمر الذي أسعدني جداً هو الإقبال الكثير نسبياً للأخوة الذين التحقوا الى مراكز تربية المعلّمين، وإنّي أوصي المسؤولين السابقين والحاليين بإيلاء الأهمية الفائقة لمراكز تربية المعلّمين، فنحن بحاجة للمعلّمين المطّلعين، وذوي الخبرة والمحترفين في هذا المجال. فليس بإمكاننا أن نأتي بأي شخص عاطل عن العمل، ونكلّفه بمهمة التعليم، فضلاً عن أن يكون ذلك في الفروع التي ليس لهؤلاء الأشخاص معرفة بها في كثير من الأحيان. وليس من الصحيح ما نقوم به من إيكال الدروس الدينية في الكثير من المدارس الى أشخاص ليس لهم أي خبرة أو مهارة في هذا المجال.
على كل حال، المرحلة التي نعيشها جيدة؛ لأنَّ الحكومة التي تدير الأمور هي حكومة عاملة ونشطة، ويوجد هناك إهتمام من قِبَلها بأهداف الثورة ومختلف القضايا الرئيسية، فيجب الإستفادة القصوى من هذه الفرصة. وعلى جميع الفئات المنسجمة مع بعضها من ذوي الخبرات في سلك التربية والتعليم، أن يتعاونوا في هذا المجال، كما ويجب على المسؤولين المحترمين أن يستفيدوا من هذه الإمكانات والقدرات؛ ليتمكنوا من بناء صرح قوي للتربية والتعليم، وكذلك ينبغي من خلال الإهتمام بالتحوّلات التي يمرّ بها البلد، والمستقبل الذي رسمناه لبلدنا ـ وفقاً للخطّة العشرينية للبلد، التي تعتبر وثيقة مستقبلية مهمّة جداً ـ إيجاد تحوّل جذري للتربية والتعليم في بلدنا، فنحن بحاجة لذلك.
على كل حال كان هذا اللقاء لقاء جيد، وكان هذا اليوم بالنسبة لي يوماً سعيداً. ومع ما استفدناه من كلمات الأخوة، وما طرحناه من مسائل، يبقى الهدف الأساسي الذي توخّيناه من هذا اللقاء ـ كما قلت ـ هو إظهار المحبّة للمعلّمين والهيئة التعليمية الكبرى، بإعتبار أنَّها أهلاً للتكريم والإحترام.
أتمنّى أن يكون سعيكم وجميع المسؤولين، موضعاً لقبول الله تعالى، وعنايات بقية الله (عجل الله فرجه الشريف) وأن يكون موضعاً لرضى الأرواح المطهّرة للشهدائنا وإمامنا العظيم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته