موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

ولي أمر المسلمين: إنَّ من يبادرنا بالهجوم فسوف نرد عليه الصاع بصاعين

بسم الله الرحمن الرحيم
اُرحّب بجميع الأخوة والأخوات العمّال الأعزاء، وبالخصوص الذين قدموا من مناطق بعيدة ومدن مختلفة، وأبارك لهم اسبوع العامل، الذي نتحيّن الفرصه فيه من أجل الإعراب عن محبتنا الى الشريحة العمّالية.
لقد أظهرت الشريحة العمّالية للبلد منذ إنتصار الثورة الإسلامية وحتى يومنا هذا تجربة رائدة أمام الله تعالى والمؤمنين وملائكة الله المقربين ـ الكرام الكاتبين ـ سواءً كان ذلك على مستوى الجهاد الذي أدى الى قيام الثورة، أو قبل زمان الحرب (عندما أخذت الكتل السياسية المعارضة تستعد للتغلغل في صفوف الشريحة العمّالية للبلد، وتحول دون تقدّم نظام الجمهورية الإسلامية، حيث ردّ العمّال كيد هؤلاء الى نحورهم، وأبعدوهم عن المسيرة، وهذا ما شاهدته بنفسي، ولم يروه لي أحد)، أو عندما دافعوا في أصعب الظروف وأخطرها ـ جنباً الى جنب مع الطبقات المختلفة من سكنة المدن، والقرويين، والطلبة الجامعيين، والعلماء وطلبة العلم، وموظفي الإدارات، والحرفيين والكسبة ـ عن الثورة والبلد في زمن الحرب، فقد صمد العمّال وخاضوا التجربة، سواءً كان ذلك في ميدان الحرب، أو في المصانع التي كانت تدعم الجبهة الفعلية في الخطوط الخلفية.
ولو أنّ كاتباً منصفاً أراد يوماً ما أن يصوّر المسيرة المتصلة لنظام الجمهورية الإسلامية خلال الأعوام السبعة والعشرين الماضية، فسوف يتّضح له حينها ما قام به عمّال البلد من أجل الثورة، وكيف ألزموا أنفسهم بأداء التكليف الإلهي، وبيَّضوا وجوههم أمام الله تعالى؛ فلقد كان عملهم عظيماً، وكذلك هو اليوم.
لو خرجت قضايا العمّال ـ كما اقترح وزير العمل والشؤون الإجتماعية، مع الإهتمام من قبل الحكومة الجديدة بذلك ـ من مرحلة الكلام الى مرحلة التنفيذ؛ فسوف تُحلّ أغلب المشاكل الخاصة بالشريحة العمّالية.
فينبغي أن تتابع هذه المشاكل التي فهمناها، وقام مسؤولوا الحكومة بتشخيصها ـ والحمد لله ـ بجدية، كالمشاكل المتعلقة بمعيشة العمّال، أوتقديرهم واحترامهم، أو خبرتهم، أو بالأمن الوظيفي.
فإذا ما حلّت هذه المشاكل والمعضلات المترتبة على مسألة الضمان الإجتماعي، أو العقود المؤقتة وأمثال ذلك، أو البطالة الناتجة عن ضعف إدارة بعض مدراء المصانع بشكل تدريجي، واحدة بعد الأخرى، من خلال التحلّي بالصبر والمتابعة المستمرة، فسوف تحلّ المشاكل التي تعاني منها الشريحة العمّالية.
إنَّ هناك مسألة متعلقة بعلاقات ومشاعر العامل وربّ العمل، وهي أنَّ هذه العلاقات في الإسلام تختلف عما هي عليه في الأنظمة المادية، فإنَّ العلاقة بين العامل وربّ العمل في الأنظمة المادية، سواءً كان ذلك النظام الرأسمالي ـ الذي ينحاز للطبقات الرأسمالية تماماً ويعتبر العامل أداة وماكنة للعمل ـ أو النظام الشيوعي ـ الذي يعتبر نفسه منحازاً للشريحة العمّالية، ويُظهر للعمّال أنَّه يريد أن يهدي لهم الجنّة، مع أنَّ تصرفه يُعرب عن تأجيجه لجهنم الدنيا ليس لشريحة العمّال وحسب، بل لجميع شرائح المجتمع الأخرى ـ هي علاقة عداء.
إنَّ العلاقة في النظام الرأسمالي هي علاقة الإستثمار، وإنَّ ضغوطات العمل المتواجدة فيه ناجمة عن ذلك، وفي النظام الشيوعي يصوّرون ربَّ العمل وكأنّه تمثال لشيطان أو وحش مخيف؛ من أجل أن يجعلوا جميع موارد الإنتاج والمصانع في حوزة الدولة، ويكونون هم الرؤساء المتسلّطون، وفعلهم هذا أدى الى تحطيمهم والقضاء عليهم، وتمريغ أنوف أفراد مجتمعاتهم بالتراب.
إنَّ الإسلام على عكس ذلك، فإنَّ العلاقة بين العامل وربّ العمل فيه ليست علاقة عداء واستثمار، بل هي علاقة شريكان؛ أي لا يكون ربّ العمل متسلطاً على العامل.
إنَّ المتسلط في النظام الرأسمالي الغربي هو ربّ العمل، وربما يحصل العامل من قِبَلهم أحياناً، على بعض الإمتيازات نتيجة لبعض المصالح المتعلقة بهم، كالحيلولة دون تخلّي العامل عن العمل، إلا أنَّ العلاقة التي تربطهم به كعلاقتهم بالآلة والماكنة فلا ينظرون إليه كإنسان.
ولقد رفض الإسلام هذه الحالة رفضاً قاطعاً؛ لأنَّ العامل وربّ العمل هما عنصران متّحدان، ومع فقدان أحدهما يتوقف العمل.
فإنَّ العامل هو الشخص الذي يتكفّل العمل والإنتاج مباشرة، وربّ العمل هو الذي يُهيّئ الأرضية لهذا العمل، فهذا يقوم بالعمل والإنتاج، وهذا يُهيّئ الأرضية ومقدمات العمل، ولا ينبغي لأي منهما أن يقوم بإعاقة العمل، بل يعملوا كشريكين وزميلين.
هذه هي نظرة الإسلام.
فلابد أن يتمتع كل من العامل وربّ العمل بالصداقة والمحبة والإحترام تجاه الآخر، ويراعي أحدهما حقّ الآخر، وإذا حصل ذلك ـ وهو ما يريده الإسلام ـ فسوف تحفظ حرمة وحقّ صاحب رأس المال ومُهيّئ العمل والقائم عليه، وكذلك حرمة العامل ومنتج العمل المتواجد في ميدان العمل، وكذلك سوف يتقدّم البلد للأمام.
هذه هي علاقة العامل وربّ العمل، العمّال يحترمون أرباب العمل، وأرباب العمل يحترمون العمّال كذلك، فهم كالمتواجدان في خندقٍ واحد، إذا ما تضرر أحدهم فسوف يتضرر الآخر.
إنَّ ترتيب هذه العلاقة تقع على عاتق مسؤولي البلد، سواءً الذين يضعون القانون منهم أو الذين يقومون بتنفيذه، فهذه مسألة لابد من الإلتفات إليها.
هناك مسألة أخرى، على جميع العمّال ـ سواء أصحاب الخبرة والشهادات العليا منهم، أو أصحاب الخبرة المتوسطة، أو غير ذوي الخبرات ـ أن يلتفتوا إليها، وهي: إنَّ العمل بحد ذاته هو من الأعمال الصالحة في نظر الإسلام، فإنَّ المقصود من العمل الصالح في قوله تعالى: {إنَّ الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} الذي يُخرج الإنسان من دائرة الخسران، ليس هو الصلاة والصوم وزيارة الأولياء والذكر وحسب ـ نعم، هذه الأمور في ضمن ذلك ـ إلا أنَّ القيام بالوظيفة الإجتماعية على أتم وجه هو عمل صالح أيضاً، وإنَّ أهم الوظائف الإجتماعية هو العمل.
فقد ورد في رواية، أنَّ النبي (صلى الله عليه وآله) إذا رأى شاباً عاطلاً متقاعساً عن العمل، وهو قادر على ذلك، يقول عنه: «سقط من عيني».
إنَّ العمل بحد ذاته من الصالحات، ولقد سمعتم أنَّ الرسول (صلى الله عليه وآله) عندما رأى ذلك الصحابي الذي كانت يده قد خشنت ومجلت، سأله: لماذا يدك هكذا؟ فأجابه: يارسول الله: أنا أعمل بيدي هذه، فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يده وقبّلها، وقال: «هذه يد لا تمسّها النار»، وإنَّ ثواب العمل الصالح أكثر من ذلك.
فعليكم أن تعملوا على هذا الأساس.
وعلى الشخص الذي يذهب الى المصنع أو المزرعة أو أي مجال من مجالات العمل، أو عندما يتجه العامل الماهر والمتخصص على المستوى الرفيع ـ فليس لدينا اليوم ولله الحمد نقصاً في الكادر العمّالي الماهر والمتخصص في البلد ـ أو العامل صاحب الخبرة المتوسطة أو البسيطة ـ فالعامل البسيط تقع عليه المسؤولية كالآخرين ـ الى ماكنة عمله أو الى أي ناحية من نواحي المصنع الذي يريد أن يعمل به: أن يعلم أنَّ الله تعالى سوف يعطيه الأجر والثواب مقابل العمل الذي يريد أن يؤدّيه.
إنَّ العمل هو أمر قيّم بحد ذاته، فضلاً عن أنّه وسيلة للعيش والكسب اليومي، الذي يعتبر عبادة وأمراً مهماً إذا ما جعل في مكانه المناسب. إعلموا لو أنَّ كافة أفراد مجتمع بلد ما ينظرون للعمل نظرة عبادة؛ فسوف يرون حينها الى أي مرحلة يصل وضع التطوّر الإقتصادي والعلمي لذلك البلد، هذا هو منطق الإسلام؛ ولهذا فليس من العبث حينما نشعر بالمودّة والمحبّة تجاه العامل في أي مستوى؛ لأنَّ على خلفية هذا الشعور بالمحبة والإحترام، توجد هذه الثقافة الإسلامية المتجذّرة والغنية. إنَّ شريحتنا العمّالية تسير على هذا النهج، والحمد لله.
طبعاً توجد في بلدنا مشاكل عمل،كمشكلة البطالة، ولابد أن تزال هذه المشكلة بالتدريج ـ إنشاء الله ـ من خلال الجهود والتدابير التي تبذلها الحكومة ومسؤوليها الخدومين ـ الذين أراهم لا يتوانون ليلاً ولا نهاراً فهم دائبون على العمل ـ
على المسؤولين أن يتابعوا مشكلة البطالة العارضة ويعملوا على إزالتها، هذه البطالة التي تنشأ نتيجة لوصول عمل بعض المصانع الى درجة تؤدي الى حرمان العامل من العمل وبقائه عاطلاً؛ وذلك بسبب ضعف إدارة المدير أو قلّة كفاءته أو نتيجة لإستغلاله ـ لا سمح الله ـ لأنَّ مجتمعنا لم يعد قادراً على تحمّل هذه المشكلة.
فنحن الآن نحاول الصعود الى منحدر صعب بكل ما نملك من قوى وقدرة، دون توقف، ومجتمعنا اليوم يحاول التقدّم بكل قواه.
إنظروا الى حالة الإرباك التي يمرّ بها مستكبروا العالم.
إنَّ ما يتفوّه به بوش وأمثاله دليل على حالة من التخبّط، وهذا نتيجة تقدّمكم القوي والمستمر، فالمجتمع الإيراني لم يعرف التوقف؛ لأنَّ الثورة حينما جاءت فتحت الطريق أمامه، وقامت بزيادة ثقته بنفسه، حيث كان المستكبرون يُوصِدون الأبواب بوجه الشعب قبل قيام الثورة، ويتذرعون بذرائع واهية، ويدّعون أن الفرد الإيراني لا يمتلك القدرة والقابلية، وهذا ما كان يصرّح به قادتهم.
لقد كانوا يستهينون بالجيل الجديد وهذه القدرات المتأججة ـ وهو يعتبر خيانة عظمى ـ فجاءت الثورة وفتحت السبل، وبيّنت للشباب بأنّهم قادرون، وعندما رجعنا الى أنفسنا، علمنا بأننا حقاً (قادرون).
من الذي كان يُصدّق بأنَّ هذا البلد الذي لم يستطع أن يصنع إلا عدّة سدود على طول الأعوام المتمادية ـ فضلاً عن أنّ صناعتها جميعاً قد تمّت على أيدي الأجانب ـ سوف يتصدّر المرتبة الأولى في جانب التحصين و التقنية في صناعة السدود من بين كافة بلدان المنطقة.
ومن الذي كان يُصدّق أو يُفكّر أنَّ هذا البلد الذي كانت أكثر مناطقه محرومة من الطاقة الكهربائية العادية، يقوم بتهيئة الطاقة النووية وتقنيتها ـ بنفسه من غير الإعتماد على جهود الآخرين ـ ليقوم بتوفير الطاقة التي يحتاج إليها من خلال هذه الوسيلة المتطورة في العالم؟! لقد شخّصنا ذلك فرأيناه ممكناً، فأقدمنا عليه واستطعنا أن نحققه، وإنَّ هذا الشعب قد خاض هذه التجربة، وسيخوضها في المستقبل. فعلى جميع شباب البلد وشيوخه وأصحاب الفكر والتدبير ـ رجالاً ونساءً ـ أن يبذلوا جهودهم؛ من أجل المشاركة في هذه المسيرة العظيمة والجماعية لهذا الشعب، وهذا ممكن.
فأينما تكونوا وفي أي مكان تعملوا، إعلموا أنَّ هناك جانب من جوانب هذه الجبهة العريضة، فلو أنكم عملتم في ذلك الجانب بصورة جيدة وبوفاء ومهارة، فسوف يكون لكم أثر في تلك الجبهة، وهذا ما لا يرغب به العدو، فعليكم أن تلتفتوا الى ذلك.
لقد فَهَمَ أعداؤنا في معسكر الإستكبار العالمي الخبيث، أنَّهم لا يستطيعون منازلة الشعب والجمهورية الإسلامية الإيرانية عسكرياً؛ لأنَّ ذلك يلحق بهم خسائر فادحة، وهذا هو الحق وقد فهموه جيداً.
فَهُم الآن يقومون بجمع الأموال؛ من أجل بث الفرقة بين صفوف الشعب كـ ـ طلبة الجامعات، والعمّال، والأجهزة الإدارية، والموظفين، ومختلف الطبقات ـ ليحولوا دون أن يطوي البلد الطريق الذي يريد اجتيازه، فينبغي للجميع أن ينتبهوا الى أنَّ العدو يريد اليوم تحقيق هذا الأمر.
إنَّ التكليف الإلهي الذي يقع على عاتقنا جميعاً هو أنَّ على كلّ منا أينما كان، أن ينتبه أكثر من السابق، ليرى ما يقوم به العدو من خطط في المجال الذي يتواجد فيه، ويجب علينا أن لا نتركه ينجح في خطته، هذه هي مهمتنا.
لقد كانوا يقومون ـ أحياناً ـ بتهديد نظام الجمهورية الإسلامية والشعب الإيراني بالهجوم العسكري والحرب وأمثال ذلك، وهذا ما يقومون به اليوم أيضاً، إلا أنَّهم يعلمون ما سيلحق بهم ذلك من خسائر، وأنا أقول الآن: إنَّ لغة الساسة الأمريكيين المستمرة هي لغة التهديد ـ مع العالم بأجمعه وليس معنا فحسب ـ وهم يفعلون ذلك؛ من أجل تمرير أهدافهم.
إنَّ بعض الحكومات والشعوب من ضعاف النفوس يقعون تحت تأثير هذا التهديد فيستسلموا لهم، وهذا ما يشجعهم على الإستمرار بتهديهم. إنَّ الشعب الذي يتمتع أفراده بثقة النفس والعزيمة والتصميم ـ وكذلك مسؤوليه ـ لا يعتني بمثل هذه التهديدات. إنَّ الحكومة المعتمدة على الشعب، والنظام الذي يُدعم ويُحافظ عليه من قِبَل الشعب لا يعير أهمية للتهديد.
إنني أقول من هنا: على الأمريكيين أن يعلموا، لو أنّهم شنّوا أي عدوان محتمل على إيران الإسلامية، فإنَّ مصالحهم ستتعرض الى الخطر في كافة أنحاء العالم، فليس نحن من الذين إذا ما بادر العدو بتوجيه ضربة لهم، لم يقابلوه بالردّ عليها. إننا دعاة سلام وأمن، ولا نعتدي على أحد؛ ودليل ذلك واضح، فعليكم أن تنظروا على أيٍ بلدٍ هجمنا؟ ومع أيٍ بلدٍ بدأنا بالحرب؟ وأيٍ بلدٍ قمنا بتهديده؟ إننا لا نعتدي على أحد، إلا أنَّ من يبادرنا بالهجوم فسوف نرد عليه الصاع بصاعين.
أيّها الأخوة والأخوات: أفضل طرق مواجهة الإستكبار والأعداء، هو السعي بكل ما نملك من قوّة في بناء وتقدّم بلدنا تقدماً علمياً وتقنياً وأخلاقياً، والتمسك بالتلاحم الوطني، وتقوية المباني الإيمانية والأهداف المعنوية، فكلما تقدمنا بهذه الأمور، سوف ينخذل العدو أكثر من السابق، وهذه أهم المواجهات التي تقع على عاتق الشعب الإيراني.
أسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعاً للقيام بالوظائف التي نكلّف بها على أحسن وجه، وأن يرضي عنا القلب المقدس لصاحب العصر والزمان (عجل الله فرجه الشريف)، و الروح المطهرّة للإمام الراحل والشهداء الأبرار ـ فكل ما لدينا من بركاتهم ـ.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته