موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

لقاء قائد الثورة الإسلامية مع متسلقي قمة ايفرست

بسم الله الرحمن الرحيم


إنني سعيد جداً أن ألتقي مرة أخرى بمتسلّقي الجبال الأعزاء.


إنَّ لهذا اللقاء الجديد أهمية خاصة، حيث يشتمل جمعكم أيها الرياضيون الأماجد على سيدات استطعن تسلّق قمّة جبل ايفرست.


حقاً يشعر الإنسان بالفخر عندما يجد أن فتياتنا المؤمنات استطعن القيام بهذا العمل العظيم والقيّم، وأصبحن مُدعاة فخر ومباهاة المجتمع الإيراني.


لقد سررت كثيراً عندما سمعت هذا النبأ، وشعرت بالفخر أكثر عندما رأيت صور تسلّق فريقنا النسوي جبالاً يزيد ارتفاعها على ثمانية آلاف وثمانمائة متر ونيفاً، وهنّ يحملن أعلاماً كُتب عليها (يا فاطمة الزهراء).


حقاً، إنَّ هذا إنجاز عظيم جداً.


أنا على يقين بأنّ الكثير من المستمعين والمشاهدين لهذا البرنامج لا يستطيعون أن يتصوروا مقدار ما يحتاجه الإنسان من ارادة صلبة وعزيمة راسخة لكي يصل إلى ذلك المكان المحفوف بالمخاطر والصعوبات، فضلاً عن عدم تواجد جمهور المشجّعين هناك.


ففي ساحة كرة القدم أو الطائرة أو السلة، أو الألعاب الرياضية الأخرى التي تقام أمام الجمهور، تجد المتفرّجين يصفّقون ويشجّعون ويتابعون المباراة، أما في غربة الجبال، في ذلك المكان الذي يصعب الوصول إليه ـ ناهيك عن وجود الوديان والقمم الثلجية الشاهقة والطبيعة القاسية ـ تجد المرأة الشجاعة صاحبة الإرادة القوية تخطوا لإبراز قدراتها وإمكاناتها المودعة في كيانها وروحها. وهذا يُعد عملاً عظيماً، وإنجازاً كبيراً.


أرى من الواجب عليّ أن أقوم بتكريمكم، والحقّ والإنصاف، ينبغي أن يشاع هذا الإنجاز بين أفراد المجتمع.


إنّ لهذا الإنجاز بُعدان، أو ثلاثة أبعاد مهمة.


البعد الاول لهذا الإنجاز: تبليغي واستعراضي على المستوى العالمي، حيث يعتبر هذا العمل استعراضاً عظيماً.


إنّ الاستعراض لا يراد منه التسلية، بل هو إبراز للقدرات والإمكانات التي يتمتع بها أبناء الشعب أمام أنظار العالم ليشاهدوها عياناً.


يمكن إبراز الإنجازات الكثيرة من خلال الصحافة والإعلام، فلو أنّ شعباً استطاع أن يُظهر كل ما يدّعيه ـ إذا ادعى أنّه شجاع، أو أنّه واثق ومتفائل بثقافته، أو له القدرة على صنع العظماء، أو يتمتع بقوة العزم والإرادة، وهذا ما يمكن أن تدعيه كافة الشعوب ـ ويعرضه أمام شعوب العالم، فإنّ قيمة هذا العمل تكون أفضل من عشرات الكتب التي تُكتب من أجل إظهار فضائل هذا الشعب.


إننا ـ الآن ـ ندّعي أنّ النساء الإيرانيات المسلمات، فعلن كذا وكذا، وهذا مجرد كلام، من المحتمل أن يكون السامع مقتنعاً به أو لا، لكن عندما تبرز المرأة المسلمة نفسها في مثل هذه الميادين، أو الميادين العظيمة الأخرى المشابهة ـ كما سمعنا عنهنّ، في ميدان الحرب، وميدان التضحية والفداء، وميدان السياسة، وميدان المسؤوليات الجسام للدولة أو ميدان العلم ـ فإنّ قيمة هذا العمل أفضل من عشرات الكتب، ومئات الأوراق، وآلاف الأسطر التي تُكتب.


إنّ هذا تجسيد للواقع، وبلورة لحقيقة موجودة، لا يمكن للأعداء غض الطرف عنها، الشيء الذي يمكن أن يقوموا به هو حجبه عن الظهور في وسائل إعلامهم، ولم يفلحوا في ذلك، وما تحقق لهم ذلك، فمن باب أولى أن نظهره نحن في وسائل إعلامنا.


عليكم أيها السادة المسؤولون عن إتحاد تسلق الجبال ورؤساء منظمة التربية البدنية أن تسعوا لمتابعة مسؤولي الإذاعة والتلفزيون من أجل إبراز هذا الإنجاز، والإنجازات الأخرى ـ في الممارسات الرياضية ـ وأداء حقّها.


البعد الثاني لهذا الإنجاز هو: الجانب المعنوي والروحي للمسألة.


لقد قلت مراراً: كما أنّ النخب حينما تتسلّق القمم الشاهقة تأخذ بأيدي الطبقة الناشئة للالتحاق بركبهم ـ ولهذا فإنّ احترام الأبطال لا يعني عبادتهم؛ بل لأجل تشجيع الأفراد لبلوغ الأهداف السامية، حيث إنّ لهذا الأمر فوائد كثيرة للبلد ـ فكذلك في الجوانب المعنوية؛ أي أنّه عندما نجسّد ونبرز الإرادة والعزيمة لأحد الشباب المسلم أو لشابة مسلمة، وما يتمتعان به من عزيمة راسخة في مجال ممارسة التسلّق، فإنّ ذلك يعتبر عاملاً بنّاءً لدعم إرادة جميع أفراد الناشئة في المجتمع.


إنّ لهذا النوع من الممارسات الرياضية فضائل أخلاقية أخرى: كتحقيق العمل الجماعي، والتوكل، والثقة بالنفس، كل هذه الخصوصيات، مضافاً إلى الخصوصيات الذاتية التي يتمتع بها الرياضي، الذي يقوم بتحقيق مثل هذه الإنجازات العظيمة؛ أي إبراز مجموعة مترابطة من المشاعر الصادقة، والفضائل العالية لدى الرياضي الذي يتصدّى لممارسة رياضة عظيمة كهذه، ويحقق إنجاز عظيم في هذا المجال.


البعد الثالث لهذا الإنجاز هو: الجانب الرياضي.


رياضة تسلّق الجبال هي ممارسة الصعود إلى قمم الجبال الكثيرة الموجودة في بلدنا، وهي في متناول الجميع، فعلى أفراد الشعب التوجّه لممارسة هذه الرياضة.


ينبغي لأفراد الشعب أن يتوجهوا إلى جبال شمال طهران، أو الجبال الموجودة في أغلب نقاط البلد، ليتمتعوا بالجو النقي والطبيعة الجبلية التي وهبها الله.


وبناءً على ذلك، فإنّ أفضل عمل لتشجيع الناس على تسلّق الجبال هو عرض الإنجاز الذي قام به هؤلاء الرجال والنساء.


هذا هو البعد الثالث، الذي يمثّل في الحقيقة تشجيعاً لجميع أنواع الرياضة.


ينبغي لكل بلد ولكل شعب أن يحافظ على سلامة أبدان أفراده، وللرياضة دور مهم جداً في هذا الجانب.


لقد أشار البعض إلى الجانب الثقافي للرياضة، طبعاً الجانب الثقافي له دور مهم في الرياضة ولابد من توفره والعمل به، إلا أنّ النواة الأساسية للرياضة هي التربية والتقدم على صعيد البدن.


فالأشخاص المرضى والمتضجرون، والذين لا يلتفتون إلى المواهب والقدرات التي أودعها الله في جسم الإنسان، لا يستطيعون أن يحققوا شيئاً على الصعيد العملي، فلا يُأمل منهم شيئاً في ميدان العمل.


إنّ هذا الجسم الصغير ـ جسم الإنسان بطوله وعرضه الضئيل ـ له إمكانيات أكثر مما نستخدمه حالياً، وهذا ما سيرفع النقاب عنه مستقبل البشرية، وهذه المسألة تتعلق بكل أنواع الممارسات الرياضية التي تُبرز جانب من جوانب القوى الجسمية للإنسان.


إننا عادةً ما نستخدم أقدامنا للانتقال من مكاننا الذي نحن فيه إلى محل عملنا الذي قد يبعد كيلومتراً أو كيلومترين، أو أقل أو أكثر، ذهاباً أو إياباً، أو ننحنى لنحمل شيئاً ما من مكان ونضعه في مكان آخر ـ هذا المقدار الذي نستفيده من هذا الجسم ـ فهل هذه هي قابليات الجسم فقط؟! كلا.


مثلاً عندما تشاهدون شخصاً يرفع ثقلاً مقداره مئةً وعشرين، أو مئةً وثلاثين كيلوغرام، بما يعادل ثلاث مرات قدر وزنه، أو فتاة تتسلّق ثمانية آلاف وثمانمائة وأربعين متراً ونيفاً، يكون من المعلوم لديكم ما هو مقدار قابلياتنا، فالمسألة لا تقف عند صعود هذه السلالم.


أنظروا ما هو الفرق بين الصعود من الطابق الأول إلى الطابق الثاني، وبين تسلّق خمسة آلاف وبضع مئات من الأمتار، أو العيش في ذلك المكان البعيد ستين يوماً أو أكثر بقليل! فمن السهل أن يتلفّظ الإنسان ذلك على مستوى الكلام، إلا أن ذلك يعتبر أمراً استثنائيا على صعيد العمل، فهو يُظهر مقدار المواهب الجسمية العظيمة للإنسان.


الإنسان أقوى الموجودات في العالم، وقد خلقه الله تعالى بطريقة بحيث أنّ جميع أجزاء الأنسجة المترابطة لجسمه لو ابتدأنا بها من الدماغ ـ يصرح أصحاب الاختصاص في هذا العلم بأنّ العلم البشري لم يتوصل إلى معرفة النتيجة النهائية لأهمية الدماغ، بل لم يعرفوا وظيفة بعض أجزاء الدماغ إلى الآن ـ إلى بقية أعضاء جسم الإنسان، لما أمكننا معرفة مكنونات هذه الأنسجة الموجودة في أجسامنا.


إنّ أهم وظائف الممارسات الرياضية، الحركة المستمرة لفتح ميادين الابتكار والآفاق الجديدة، واكتشاف المواهب التي يتمتع بها جسم الإنسان وإظهار القدرة الإلهية الموجودة في هذا الجسم، وخلقة هذا الموجود البديع الذي يطلق عليه (الإنسان).


إنّ هذا الجسم الذي يتحرك بكل قدراته، يصاحبه في حركته دافع معنوي متمثّل بالعقل والإرادة الإنسانية، يتمكن الإنسان من توظيفهما لهداية الجسم، وتوجيهه نحو الاتجاه الصحيح.


إنّ هذه الإرادة أمرٌ استثنائي أيضاً.


يحاول الإنسان أحياناً ـ كما قلت ـ أن يصعد من الطابق الأول إلى الطابق الثاني، لكنه لا يتمكن من ذلك نتيجة لضجره وقلة صبره، حتى إن إرادته ـ التي تمكّنه من رفع شيء ثقيل من مكان إلى آخر ـ تضعف إذا قارنتها تلك الأسباب.


مع أن هذه الإرادة نفسها لها القدرة على الوصول إلى أعلى قمم العالم، كما تحقق ذلك بالوصول إلى قمة ايفرست.


أنظروا كم هو الفرق، الأطباء يوصون بممارسة الرياضة من خلال تحريك اليدين والرجلين والرأس لمدة عشر دقائق صباحاً، ومع ذلك فإنّ عزيمة البعض تكون أقل من ذلك، فلا يقوم حتى بهذه الحركات البسيطة.


وإذا سألناه لماذا لا تمارس الرياضة؟ يجيب لا أستطيع.


(لا أستطيع)؛ أي يعترف بقابليته الضعيفة والمحدودة، والحقيقة أنّه يُعرب عن عدم قابليته مطلقاً، مع أننا لو نوينا أن نوظّف هذه القابلية، لوجدنا أننا نستطيع أن نتسلق قمة ايفرست، فكيف تكون هذه القابلية ضعيفة؟ إنّ سبب ذلك هو عدم توظيفها.


أنتنَّ أيتها السيدات: لقد أنجزتنَّ عملاً عظيماً، سلمت أيديكنَّ وأرجلكنَّ، وأنتم أيضاً أيها الشباب الذين شاركتموهنّ في ذلك، وكذلك المسؤولون المحترمون الذين خططوا لهذا العمل، فأنا مسرور جداً لهذا الإنجاز العظيم، وما حظيتم به من توفيق وتسديد الهي والحمد لله.


فأنتم حملتم ثقافتكم معكم إلى قمة ايفرست.


شعار (يا فاطمة الزهراء) عنوان ثقافتكم، هذه هي ثروتكم، ودليلٌ على أنّ هذا البلد العزيز ـ الذي حقق أفراده هذا الإنجاز على الصعيد الرياضي ـ سوف يتقدم على الصعيد العلمي، وعلى الصعيد التجريبي والعملي والفني، وعلى صعيد الطاقة النووية، وعلى صعيد دعم البنى التحتية وعلى الصعيد السياسي وعلى صعيد إنجاز المشاريع المختلفة الأخرى كذلك.


إنّ هذا الشعب كالجسم النابض الذي تنمو جميع أعضائه باستمرار، فهو في حركة دائبة، وهذا دليل على حياة هذا الشعب، فهذا الشعب شعب حيّ، شعاره ما حققتموه على قمة ايفرست: حيث رفعتم اسم الله، واسم أوليائه، ورفعتم الاسم المقدس لفاطمة الزهراء (عليها السلام).


إننا نقدّم لكم شكرنا، ونأمل أن تسعوا لحل المشاكل التي طرحتموها في هذا المجال، فاعملوا على تنمية هذا النوع من الرياضة المثمرة بكل ما في وسعكم.


هناك أنواع من الممارسات الرياضية ليس لها ثمر، كرياضة المبارزة مثلاً. فما فائدة أن يصبح شخص ما بطلاً في المبارزة؟ أو ما شاكل ذلك من الممارسات الرياضية التي لا تُجدي نفعاً، والتي من الأفضل أن لا نتطرق إليها حالياً؛ لكن التسلّق رياضة مثمرة ومجدية كباقي الممارسات الرياضية الأخرى؛ لأنّ لها ارتباط مباشر مع حياة الناس، وهي في متناول الجميع.


فاعملوا على تهيئة الأرضية المناسبة لها، واعملوا على تشجيعها.


إنني في بعض الأحيان ـ مع وجود الكسل الذي تطرّقت له في حديثي، علاوة على الضعف المرتبط بكبر السن والشيخوخة الفائقة ـ أذهب إلى الجبال المحيطة بضواحي طهران وأتسلق إلى بعض المسافات، ثمّ أتطلّع فلا أرى شخصاً هناك! فأتألم حينذاك.


هناك أمكنة على سفوح الجبال يمكن من خلالها رؤية المبانى السكنية، أحياناً أقف عليها وأفكر في كثرة الناس النائمين في غرفهم وخصوصاً الشباب منهم، حيث من بينهم أفراداً يمتلكون أجساماً لها من القوة والقدرة عشرة أضعاف ما تمتلكه أجسامنا، إلا أنّهم ملازمون غرف نومهم، مع أني أقوم بالذهاب إلى هناك مع كبر السن الذي يبلغ سبعين سنة.


إنّ قلب الإنسان ليعتصر ألماً بسبب عدم استفادة هؤلاء الأشخاص من هذه الطبيعة الجبلية مع قربهم منها.


على المسؤولين توفير الإمكانات ووسائل النقل؛ لكي يتمكن الشخص الذي يريد المجيء إلى هذه الجبال الوصول إليها بسهولة؛ لأنّ جبال بعض المدن بعيدة شيءً ما عن مركز المدينة.


وفّروا وسائل النقل للأشخاص الذين يعتزمون المجيء إلى الجبال ـ أما الذين ليس لهم عزيمة وإرادة، فإن هذا له بحث آخر ـ ولا بد من تشجيعهم، فلا يكون عدم توفير وسائل النقل سبباً لانصراف الناس عن المجيء.


عسى الله أن يوفقكم.


والسلام عليكم