موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

مسؤولي الجمهورية الإسلامية والسفراء المعتمدين في طهران

بسم الله الرحمن الرحيم


بدوري أبارك هذا العيد الكبير لجميع الأمة الاسلامية في كافة أنحاء العالم, وللشعب الإيراني الشامخ والعزيز, ولكم أيها الحضور الكرام والضيوف الأعزاء, خصوصاً أولئك الذين قدموا من البلدان الاسلامية.


يُعد عيد الفطر يوماً عظيماً عند المسلمين, وعظمته ليست مجرد اعتبار, بل هي عظمة


حقيقية وواقعية.


فهو يوم مكافأة عباد الله على عبادتهم في أيام شهر رمضان المبارك, وذكرى طهارة روح المسلم وقلبه ببركة هذهِ الضيافة الإلهية.


فعلينا أن نغتنم هذا اليوم, وبما أنه من الأمور التي يشترك فيها العالم الاسلامي علينا أن نتذرع به لإقرار الوحدة بين الشعوب المسلمة؛ وذلك لحاجة الشعوب الاسلامية حالياً إلى هذه الوحدة.


يتعين عَليَّ أن أشكر شعبنا العزيز, وبعض الشعوب الأخرى التي تواجدت في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك ـ يوم القدس العالمي ـ وأعادت الحياة إلى مسألة القدس في المناخ العالمي مرة أخرى, وإن كانت قضية القدس حية على الدوام.


فليست مسألة فلسطين والقدس الشريف من المسائل التي يمكن للعالم الاسلامي أن يمحوها من ذاكرته.


ولو تصور غاصبوا الأراضي الفلسطينية, وحماتهم في العالم ذات يوم أن بإمكانهم محو إسم فلسطين والشعب الفلسطيني فإنَّ ذلك اليوم قد ولّى من غير رجعة.


يقف الشعب الفلسطيني حالياً بكل وجوده وهمته في ساحة المقاومة, وقد أدى ذلك بغاصبي القدس إلى استنكار موقعية فلسطين العظيمة والخطيرة أكثر مما كانوا يستشعرونه في العقود الخمسة المنصرمة.


فكانوا يتصورون آنذاك أنَّ فلسطين بقعة منسية وكانوا يسمونها بالأرض الخالية.


وطبعاً لقد ساعد على هذا التوهم الباطل بعض التقصيرات.


ولم يعد الأمر كذلك حالياً, فالشعب الفلسطيني تبنى خيار المقاومة والصمود, وإن أفئدة الشعوب المسلمة مفعمة بالغيرة والحمية الإسلامية على أرض القدس الشريف, وكافة الأراضي الفلسطينية, ولا ينبغي بالعالم الإسلامي أن ينسى فلسطين أبداً.


إنَّ من الخطأ الفاضح أن يتصور شخص أن مجرد تراجع الحكومات الاسلامية أمام الاستكبار فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية سيقنعهم ويرضيهم.


تشاهدون أنّ هذهِ التنازلات والانسحابات هي التي شجعت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية على النظر إلى الشرق الأوسط بوصفه لقمة سائغة, فسعت إلى احتوائه بقبضتها بشكل كامل, وحالياً لم يعد الأمر كذلك.


إنَّ سكوت الحكومات الاسلامية وتراجعها في المجالات السياسية والعالمية يساعد على تجرؤ الأعداء أكثر فأكثر.


إنّ كلامنا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية منطقي ومقبول.


قبل عقود كان جمال عبد الناصر ـ وهو أكثر الزعماء العرب شعبية ـ يقول في شعاراته:


سنعمل على القاء اليهود وغاصبي فلسطين في البحر.


وبعد ذلك بسنوات أخذ صدام حسين ـ وهو أسوأ الشخصيات العربية على الاطلاق ـ يعلن: إننا سنحرق نصف الأراضي الفلسطينية.


ونحن لا نرتضي كلا هذين القولين, وذلك لأن شعار القاء اليهود في البحر وإحراق الأراضي الفلسطينية لا ينسجمان مع شعارات وثوابت إسلامنا العزيز


وإنما نقول بضرورة أن يتوصل الشعب الفلسطيني إلى حقّه, وهذا البلد هو حق الشعب الفلسطيني, ففلسطين للفلسطينيين ولهم الحق في تعيين مصيرهم.


وهذا اختبار جيد لإثبات صدق نوايا الذين يدَّعون الديمقراطية وحقوق الإنسان.


إنَّ الشعب الفلسطيني الذي تعود فلسطين اليه بمسلميه ونصاراه ويهوده ـ وهو ما يشهد له التاريخ والجغرافيا ـ عليه أن يُبدي رأيه أمام العالم كي يحدد مصير الدولة الفلسطينية, وعندها ستحظى تلك الدولة بالشرعية.


وفي تلك الدولة لا بد من معاقبة الجناة الذين أجرموا بحق الفلسطينيين من أمثال شارون وغيره من المجرمين.


كما ستقرر هذهِ الدولة مصير أولئك الذين هاجروا إلى فلسطين من مختلف بقاع الدنيا, وهذا كلام منطقي.


يوجد حالياً ملايين الفلسطينيين المشردين في مختلف بقاع العالم, والملايين منهم يسكنون في المخيمات بحالة مزرية في حين أن بلادهم بيد أناس آخرين, وهذا ليس معقولاً ولا منطقياً.


إنَّ مضي خمسين سنة أو خمس وخمسين سنة لا يزيل آثار هذهِ الجريمة ولا يخفف من غلوائها.


هناك في تاريخنا المعاصر أمثلة لبلدان خضعت لاحتلال دام خمسين أو ستين سنة ثم تغيرت أوضاع العالم وانسحب الغاصبون.


وقد شهدتم بعد سقوط الإتحاد السوفياتي عدد البلدان التي عادت إلى أصحابها وشعوبها.


إنَّ هذهِ الأمور ليست مستحيلة الحدوث أو فريدة من نوعها, بل حدثت في زماننا وبمرأى من أعيننا, إذاً فهذا شيء علمي ولا بد من تحققه إن عاجلاً أو آجلاً.


إنَّ الأمة الإسلامية تفرض نفسها في العالم حالياً كحقيقة لا يمكن إنكارها.


إنَّ صدور الشعوب الإسلامية مشحونة بالحقد على القوى العالمية المتجبرة والغاصبة, ولو أمكنتها الفرصة فإنها بأجمعها ستقف ظهيراً للشعب الفلسطيني.


وعلينا جميعاً أن ندرك ونعي أن الانسحاب من أمام القوى الإستكبارية سوف يزيد من جرأتها, في حين أن الصمود سيدحرها.


إنَّ قدرة القوى العظمى ليست مطلقة.


وتشاهدون أنَّ أمريكا لم تستطع بلوغ أهدافها في هذهِ المنطقة وفي العراق, وإن ما يجري حالياً في العراق مخالف لما كان يطمح له الأمريكان.


طبعاً تحدث جرائم في العراق حيث يقتل يومياً عدد من الأبرياء من خلال الأعمال الإرهابية, ونحن في هذهِ الحوادث نتّهم أجهزة الاستخبارات الاسرائيلية والأمريكية.


لأنها المستفيد الوحيد من هذهِ الأوضاع؛ لأن العراق الآمن لا يعود بالنفع عليهم.


وإنَّ انعدام الأمن يُشكل ذريعة وجيهة لإحكام قبضتهم على العراق.


إنَّ الشعب العراقي لا يرضى الاحتلال الأمريكي, ولا يقبل السيطرة الأمريكية.


فالعالم اليوم يختلف عن السابق, وإن الشعوب قد استيقظت, وأخذت القلوب تنجذب إلى الإسلام, وإن العداء الذي تواجهه الجمهورية الإسلامية إنما هو بسبب رفعها راية الإسلام, وبثها الأمل في قلوب الشعوب, وإن شاء الله سيؤتي هذا الأمل ثماره.


نسأل الله تعالى أن يوفق الشعوب الإسلامية ويعينها, وأن يوقظنا جميعاً, وأن يرشدنا إلى واجباتنا حتى نتمكن إن شاء الله من التمهيد لما فيه سعادة الأمة الإسلامية وشموخها, وإن شاء الله سيتمكن شعبنا وجميع الشعوب الإسلامية من رؤية ذلك عياناً.


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته