بسم الله الرحمن الرحيم
اُرحب بعوائل معاقي الدفاع المقدس الأعزاء في هذا اللقاء المميز.
أشكر الله تعالى أن منحني هذه الفرصة بأن ألتقي عن قرب بأعزائنا معاقي الدفاع المقدس وأسرهم وذويهم، والتي اعتبرها إحدى التوفيقات الكبيرة.
إنّ الهدف من هذا اللقاء هو إظهار الولاء والمحبّة الى شريحة معاقي الدفاع المقدس؛ باعتبارهم يمثلون احدى النقاط المضيئة في تاريخ الجمهورية الإسلامية.
إنّ المضحين هم الشهداء الأحياء، حيث منحهم الله تعالى فرصة قضاء سنين من عمرهم بالجهاد والامتحان الصعب.
إنّ معاقينا كشهدائنا، عاشوا ظرفاً واحداً في جبهات القتال وقاتلوا في مكان ومعسكر واحد، فلو فرضنا أنّ انفجاراً أو هجوماً بالقذائف والقنابل وقع من قِبَل الأعداء واستُشهد أحدهم وبقي الآخر على قيد الحياة، فسوف يُنظر لكليهما بمنظار واحد؛ لأنّهم بنية واحدة إتجهوا للجهاد في سبيل الله وحماية الحدود من خطر المعتدي، وكلاهما قد دخلا الإمتحان، فاستشهد أحدهما وفارق الدنيا وطويت صحيفة سعيه وجهاده ـ طبعاً صحيفة الأجر والثواب لا تنتهي، بل إنّ صحيفة العمل والتضحية والجهاد تُغلق وتنتهي، وبقيت صحيفة أعمال الآخر ـ الذي بقى على قيد الحياة ـ مفتوحة.
فلو أنّ المعاق راعى حدود الله وحافظ على تقواه وطهارته في فترة عوقه، فسيحصل على أجر عظيم، كما وصف الله تعالى ذلك بقوله:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ}[1] فعندما يصف الله تعالى الأجر بـ (العظيم) فهذا دليل على أهميته وعلوّه.
إنّ لكل معاناة تلاقيكم بعد الإعاقة حسنة، فإنّ المعاق يؤجر على المعاناة والمشقة والحرمان ومشاكل الإعاقة التي يواجهها في حياته.
إننا نجزع أحياناً بسبب المشاكل؛ لأننا نجهل المصالح التي تترتب على هذه المشاكل في المستقبل، وبالمقابل فإننا نحصل على مقدار الأجر والثواب الإلهي من تلك الصعوبات والمشاكل التي نتعرض لها في حياتنا، كما جاء في إحدى الروايات: (أنّه إذا كان يوم القيامة، يود أهل البلاء والمرضى أن لحومهم قد قرّضت بالمقاريض، لما يرون من جزيل ثواب العليل)[2].
وما ذلك إلا من أجل أن نفهم ونلمس بأيدينا، أنّ لكل معاناة نعانيها مقابل من الأجر عند الله تعالى؛ ولهذا عليكم أن تعرفوا قيمة هذا الأمر، وتشكروا الله عليه.
وبالطبع فإنّ هذا لا يقلل مقدار الواجبات الملقاة على عاتق المسؤولين وغير المسؤولين قبالكم، كمؤسسة المضحّين، ومسؤولي الدولة والمؤسسات المختلفة الأخرى، فإنّ هؤلاء جميعهم موظّفون من أجل ضمان حقوقكم، ونحن عندما نقول أن لكم الأجر والثواب، فعلى المسؤولين عنكم أن يفهموا أننا لا نريد التقليل من مسؤولياتهم تجاهكم؛ كلا؛ فإنّ على المسؤولين واجبات تجاه المعاقين الأعزاء، الذين دخلوا أصعب امتحان ـ في أيام الثورة ـ فضحّوا بأنفسهم، ووهبوا شبابهم في سبيل الله.
الأمر الثاني متعلق بزوجات المعاقين، فإنّي أرى من اللازم أن أقدم شكري لهنَّ؛ لأنّهنَّ شاركن أزواجهنَّ في معاناتهم وعنائهم طواعية، وإنّ تحمّل مثل هذه الأعباء يستوجب الثواب الإلهي العظيم.
وليعلمن أيضاً أن هذه المشاركة هي إحدى النعم الإلهية لهنَّ؛ لأنّها سبب للأجر والجزاء الإلهي، ولجلب رضى الله تعالى.
إنّ جلب رضى الله ـ كباقي النعم الأخرى ـ يأتي من خلال السعي والجد والإجتهاد، فلا يمكن لأحد أن يصل لهدفه من خلال الراحة والكسل، وهذا ما يؤمن به جميع أصحاب المقولات المادية والمعنوية.
فلو أنّك أردت الحصول على ثروة أو جاه أو علم، فلا يكون ذلك من خلال طلب الراحة والترف، بل لابد من تحمّل الأعباء والمشاق حتى تحصل عليه.
إنّ الأمم لا تنتصر ولا تكون عزيزة إلا من خلال تحمّل المعاناة والصعاب، وكذلك لا يمكن الحصول على نعيم الآخرة، ولا على ثواب الله ورضاه والقرب منه إلا بتحمّل المعاناة والصعاب.
إذاً فلا بد للإنسان من السعي والاجتهاد، وإنّ أحد مصاديق هذا السعي والاجتهاد هو تحمّل زوجات المعاقين معاناة أزواجهنَّ وآلامهم.
الأمر الثالث: متعلّق بأبناء المعاقين، والحديث موجّه لأبناء المعاقين الحاضرين هنا والمتواجدين في جميع أنحاء البلاد، ولآبائهم.
فليفتخر أبناء المعاقين بأنّهم أبناء أشخاص ضحّوا بسلامتهم من أجل الأهداف الإلهية السامية، وإنّ هذا مدعاة للفخر.
لا تدعوا طلاب الدنيا المغرورين، والعملاء ـ من تجّار الثقافة، الذين يروّجون لأعداء الدين ـ أن يثيروا الأجواء لسلب افتخاركم، وكونوا السبّاقين بالافتخار؛ لأن الافتخار افتخاركم.
لقد تعرّض بلدنا يوماً من الأيام الى أصعب وأمرِّ هجوم، فانهزم البعض من ميدان الصعوبات، فضلاً عن ميدان القتال، وانبرى البعض الآخر لمواجهة العدو بصدورهم من أجل ردع العدو، فلم يسمحوا للعدو أن يطأ عزة و شرف وعرض هذا الشعب، فاستشهد البعض واُعيق الآخر، وأبوكم أحد الأشخاص الذين نالوا وسام الشرف والفخر الكبير، فعليكم أن تتطلّعوا للحياة بعين العز والافتخار.
إنّ بعض الأفراد المترفين الذين يصفهم القرآن الكريم: {فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ} عندما يحل البلاء، تراهم مثل الفئران يختبئون في الحفر من شدّة الخوف، وعندما يذهب الخوف عنهم يعرضون صدورهم كالأسود، ويظهرون بمظهر المدافع عن الحقوق التي تخلّوا عنها في ساعة العسر.
إلا أنّ المعاقين وعوائل الشهداء والمضحّين، والغالبية العظمى من شعبنا، على العكس من ذلك، فتراهم يواجهون الصعوبات بصدورهم، ولا يبالون لما يتعرضون له من الآلام والمعاناة.
والمثال على ذلك هو وجود الثلّة المضحّية من المعاقين، الذين يعتبرون السند الحقيقي لجهاد الشعب الإيراني العظيم.
أسأل الله أن يوفقكم ويؤيدكم، وأن يوفقنا كذلك للقيام بواجباتنا تجاهكم إنشاء الله تعالى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته