موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

إستقبال القائد نخبة من الجامعيين وممثلي الاتحادات الطلابية

بسم الله الرحمن الرحيم


لا شك في أنَّ الكلام الذي يدور في خلدكم ـ في هذا الاجتماع المفعم بالحيوية والنشاط ـ ليس بالكلام القليل، فالكثير لديهم ما يتكلموا به, مما يستحق أن يقال ويُسمع ـ في نظرهم على الأقل ـ إلا أنَّهم لم يحضروا اليوم.


ليس هناك وقتاً  كافياً للأسف, وإلا لكُنتُ تحمّلت واستمعت منكم الكثير, مع كل ما أشعر به من الكبر في السن والتعب، وعلى أي حال فليس هناك متسع من الوقت للحديث، بالإضافة الى أن ذلك يعتبر مقداراً من التمرين للشباب على تحمّل الاستماع الى كلامي.


في كثير من الأحيان ـ ومع التحديات الكبيرة للعالم ـ يطرأ على خُلد الانسان كلام ويرغب في قوله, إلا أنّه يكتمه لسبب ما؛ وذلك عندما تكون في البَيْن مصلحة أكبر من ذلك؛ فلا ضَير من أن تعتادوا على هذا؛ وستكون ـ إنشاء الله ـ هناك فرص أخرى تتكلمون فيها بكل ما تعتقدون أنَّه لابد أن يقال.


أيها الشباب, إنَّ في اعتقادي, وبغض النظر عن اقتراحاتكم التي بيّنتموها في اجتماعكم هذا ـ حيثُ إنَّ الكثير منها اقتراحات قيّمة, وقد دوّنتها ضمن ملاحظاتنا لنرى كيفية التعامل معها ـ


إنَّ الشيء المهم ـ ولا بد أن يكون مهماً ـ للشريحة الطلابية في البلد مع الأخذ بنظر الاعتبار الخصوصيات والمميزات الطلابية؛ هو إلقاء نظرة عامة على المكانة التاريخية والجغرافية لإيران.


فلو افترضنا أنَّ طالباً قد تخلّى من أعماق قلبه وتطلَّعات عقله الفتي عن رغباته وأعماله الخاصة, وما الى ذلك ـ لا يعنى ذلك أنَّه لا يرغب في العمل والحياة والزواج والاستقرار, فهذه من ضروريات الحياة, بل بمعنى أنَّه لا يريد أن يطوّق نفسه بهذه المسائل الزائلة الفانية ـ عندها سينطلق ذهن الشاب الجامعي من هذه المواطن ليحلّق من أجل البحث عن تطلَّعاته وأهدافه.


ومن خلال النظرة الهادفة ـ التي مع عدم وجودها لا يبقى هناك أثر للشباب والحياة ـ علينا أن نتطلَّع الى المكانة التاريخية والجغرافية, والجغرافيا السياسية للجمهورية الإسلامية، ونتعرّف كذلك على مدى تأثير آرائنا في الأوساط العالمية؛ هذا أولاً.


وثانياً: هو ما الذي يجب علينا القيام به لترويج أفكارنا؟ هذا هو أصل وأساس كلامنا مع الطلبة, وأنا أعتقد أنّ الجموع الطلابية لابد أن تقوم باقتفاء أثر ذلك.


أما جواب السؤال الأول: أين دورنا في ذلك؟ ـ في جملة مختصرة ـ دورنا هو عدم التهاون عند الصراع مع الفساد والمصاعب والآلام التي تحققت من جرَّاء حكّام الجور وسلطة الفساد المالي والاقتصادي في العالم على المستوى الدولي.


لقد تمكن المال والثروة الاقتصادية اليوم من خدمة أدق وأفضل وأسرع مصاديق عالم المادة.


لو أننا نظرنا الى الفن الذي تحدّث عنه شبابنا الأعزاء هنا، لرأينا أن أبرز وأقدر المؤسسات السينمائية في العالم اليوم هي (هوليوود)؛ انظروا الى هوليوود كيف تُستغل ولصالح مَنْ ولخدمة أي الأفكار والاتجاهات، وأي الأوهام تثيرها في أذهان البشرية المسكينة.


إنني لا أمتلك أي تخصص في السينما، ولا أعرف الشيء الكثير عن هوليوود، ولا أدّعي ذلك، بل أنقل كلام الأشخاص المتخصصين في ذلك، والذين يحملون هذه الأفكار ولهم القدرة على النقد في هذه الميادين.


إنّهم يقولون: إنّ فن السينما اليوم ـ الذي ضربت له مثلاً بهوليوود من أنّه أبرز مصداق لذلك، وإلا فإنَّ بقية المؤسسات السينمائية أيضاً كذلك ـ يوظَّف من أجل ترويج الفساد وتفشي الجهل وإلغاء شخصية الإنسان، وخدمة الإرهاب، وإشغال الكيانات الوطنية ببعضها؛ من أجل أن تعيش الطبقة المترفة مرتاحة البال.


هذا ما تنتهجه السينما، التي تعتبر أحد الفنون الراقية والعصرية، وكذا الحال بالنسبة للشعر والقصة والرسم وجميع الفنون الأخرى، وكذلك الدين والكنيسة, فهي تُستغل من قبل القوى الاقتصادية.


قبل سنة أو سنتين قرأت كتاباً لكاتب أمريكي, كان قد تُرجم وطُبع ووزع هنا، وضح فيه كيفية استغلال الطاقات من قبل مجموعة من المؤسسات وبعض الشرائح والكنيسة.


إنني عندما أضرب مثلاً بالكنيسة، فهذا لا يعني أنَّي أعتقد بأنَّ المسجد ليس كذلك، كلا؛ فإنَّ المساجد والقيم كذلك تستغل من قبل السلطة, وأصحاب رؤوس الأموال وقوى الجور.


إنَّ حاكمية الثروة على العالم أمرٌ يبعث على العجب الشديد! ما هي نتائج ذلك؟! نتائجه الفقر الشديد للعالم، ومجاعة ملايين الناس، والتربية الخاطئة والفاسدة للجيل الصاعد، والحروب المفروضة على الشعوب، والألاعيب في اتخاذ القرارات من قبل منظمة الأمم المتحدة.


لقد طُرحت لجنة الوكالة الدولية للطاقة النووية للأمم المتحدة ـ والتي هي مرتبطة بمنظمة الأمم المتحدة, ووجدت من أجل المراقبة للحيلولة دون تداول الأسلحة النووية ـ بعنوان أنَّها مثال نموذجي لها، انظروا الى هذه اللجنة كيف تتعامل مع البلدان وكيف تفرّق بينها، حيث تقوم بتوظيف العامل السياسي من أجل فسح المجال لقوى الجور من السيطرة عليها.


هذه هي مفاسد عالم اليوم وطغيانه.


فيا ترى من الذي يستطيع أن يقف بوجه هؤلاء؟ فإنَّ إنساناً واحداً أو حزباً أو مجموعة لا تتمكن من الوقوف في وجه هؤلاء.


إنَّ الشيء المهم الذي يستطيع أن يتصدى لهذه الأمواج الهائجة القاتلة؛ هو كيان واقعي لمجموعة عالمية عظمى، وإنَّ مثل هذا الكيان ـ اليوم ـ في طور التكوين؛ ومركزه الأساسي هو الجمهورية الإسلامية.


تأملوا بذلك جيداً،إنَّ هذا الأمر لا يمكن التجاوز عنه, وهو ليس بالأمر اليسير.


إنَّ سبب تسليط السياط المستمرة على الجسد المقاوم للجمهورية الإسلامية؛ هو كوننا استطعنا أن نقاوم، وهذه المقاومة هي مقاومة واعدة، وليس مقاومة يائسة.


البعض كانوا يقاومون, إلا أنَّهم كانوا يقولون: سنبقى نقاوم الى أن تسقط آخر قطرة من دمائنا، نحن كذلك ـ إذا ما استدعى الأمر ـ فسوف نضحي بآخر قطرة من دمائنا، إلا أننا على يقين بأنَّه سوف لا تصل النوبة الى آخر قطرة من دمائنا.


لقد سرنا على الدرب, واستطعنا أن نتقدم بشكل محسوس من أجل الأهداف التي رسمتها لنا الثورة، وهل هو أمر هيّن؛ ما تصرح به مراكز القوى السياسية في العالم من أنَّ إيران قد أصبحت احدى القوى المحلية التي يحسب لها حساب في المنطقة؟ وإذا لم نفعل هذا العمل أو ذاك فإنَّها سوف تتحول الى قوّة عالمية، فهل إنَّ هذا أمر ليس له أهمية؟


إنَّكم تظنون أنَّ ظهور مجتمع سياسي باسم الدين والقيم والعدالة, ويحظى بالدعم من قبل الجماهير, ويحصل على المكانة المهمة في عالم الرقي والتقدم العلمي والثروات المتراكمة ـ واليوم قد تحقق ذلك فعلاً ـ هو أمر لا يحظى بالاهتمام.


إنَّ الحكم الذي شيَّد في هذه الأرض الإسلامية والذي استحكمت دعائمه وأوتاده، هو على خلاف ما عليه في البلدان الأخرى من انهيار.


إنَّ نظامنا الإسلامي يمتد عمقه الاستراتيجي الى البلدان المختلفة، وأنتم عندما تتعمقون في المجالات الواسعة ـ تسافرون الى البلدان وتلتقون بالشعوب ـ سوف تلمسون ذلك جيداً، أنَّ نظام الجمهورية الإسلامية ـ اليوم ـ متربع في قلوب الشعوب المسلمة.


لقد اعتدنا على أنَّ رؤساء الجمهورية الإسلامية عندما يسافرون الى البلدان المختلفة فإنَّ استقبالهم من قبل الناس لا يضاهيه استقبال أي رئيس آخر من أي بلد آخر إذا ما ذهب الى أي مكان غير بلده، وهذه هي إحدى الحقائق، فأنا عندما كنت رئيساً للجمهورية سافرت الى بلدان أجنبية، ووقع لي نفس الأمر, كذلك رئيس الجمهورية الذي جاء من بعدي حدث له نفس الأمر، وكذلك الرئيس الذي تلاه، فقد سافروا الى بلدان مختلفة وأظهرت الشعوب المحبة وشدة التعلق بهم.


إنَّ هذه المحبة ليست من خصوصيات رئيس الجمهورية، بل إنَّها من تحرككم العظيم ونشاطكم الخلاَّق، وكيانكم وكيان الجمهورية الإسلامية، وهذا هو شأننا.


إننا قادرون على تحدّي الأسس الخاطئة التي أوجدتها القوى الاقتصادية المحتكرة، والتي تستعين بالقوى الشيطانية لتثير الحروب وتنشر الفقر وتشعل نار الأزمات.


فقد تجد أن فرداً واحداً من الرأسماليين يقوم فجأة بإيجاد أزمة مالية في عدة بلدان، ألا تتذكرون قبل أربع أو خمس سنوات كيف أن أحد الرأسماليين المعروفين ـ وقد كان يهودياً من الأمريكيين القاطنين في أوربا ـ استطاع أن يلحق الضرر بتجارة ماليزيا وإندونيسيا والفلبين وتايلندا؟ انظروا الى قدرة المال؛ وكيف أنَّ القوى الاقتصادية يمكن لها أن تولّد الأزمات وتثير الحروب وتأسس الأنظمة القاسية ـ مثل الكيان الصهيوني ـ  فعلينا أن نقوم بتحدي هؤلاء، لكن متى يكون ذلك؟! إنّ كياناً عالمياً متحداً حياً معتمداً على إيمانه الروحي والعقائدي لا يطرأ عليه التعب ـ  فإنّ كل أمر هو قابل للتعب إلا الإيمان الديني الفعّال فلا يطرأ عليه التعب ـ هو القادر على أن يتحدى المتسلطين ويُجري عليهم حكم العدالة، ومن ثم يقضي عليهم عند تحقق دولة العدل المهدوية إن شاء الله تعالى؛ وعلى كل حال فنحن أيضاً لنا القدرة على إيجاد مقدمات هذه الدولة إذا ما كان لنا همّة وإرادة وثبات وتدبير.


إنَّ هذه الأمور المتاحة لا يمكن أن تقع عفوياً وبلا جهد، إلا أنها تحققت بفضل جهودكم.


منذ اليوم الأول لولادة نظام الجمهورية الإسلامية أصبحت مسألة الطاقة النووية بالنسبة له مسألة محلولة ـ طبعاً هذا مجرد مثال، وقد قلت مراراً أنه مجرد مثال ـ  فلم يكن يتصور المستكبرون، وحتى لو كانوا تصوروا ذلك؛ فإنَّهم لم يكونوا يسمحوا له قيد شعرة بأن يتمكن من التقدم في المجال العلمي.


أحدكم ـ أيها الشباب ـ قد بيَّن أنه كان لدينا أزمة في الكادر التعليمي من أساتذة وأطباء ومتخصصين في أوائل الثورة؛ إلا أنّ البلد الآن أصبح أكثر تطوراً في الجانب العلمي، ومن الطبيعي علينا أن لا نتهاون اعتماداً على قدراتنا الحالية؛ فإنّ ما تحقق بما ينسجم وقدراتنا هو قليل جداً بالنسبة الى الذي لم يتحقق الى الآن.


قبل أيام عُقد هنا اجتماع لأساتذة الجامعات، وقد أكّد بعض الأساتذة من مختلف الأقسام والفروع على أنَّ الجمهورية الإسلامية تمتلك إمكانيات وقابليات وقدرات فوق ما نتصور، وأنا كذلك أعتقد بهذا الأمر اعتقاداً راسخاً، إننا مقتدرون والمكانة التي نحن فيها تُفصح عن ذلك، ولو أنكم نظرتم الى ما يجري اليوم لاطلعتم على المساعي والتدابير والمؤامرات والعداءات التي تُحاك ضدّنا بسبب هذه المكانة؛ هذا هو جواب السؤال الأول.


السؤال الثاني: هو كيف يمكن أن ننتصر في هذا الصراع؟


إنَّ هذا الأمر متعلق بكم ـ أيها الشباب ـ بشكل رئيسي، وعليكم أن تستثمروا الطاقات في كل المجالات، وفي مقدمتها القدرة العلمية، وإن الجامعات أيضاً مسؤولة عن ذلك فيما يخص هذا المجال.


أحد السادة كان يقول: لنقدّم اقتراحاً للعالم بوضع اتفاقية لخلع السلاح، بدل اتفاقية الحيلولة دون انتشار الأسلحة النووية.


إنَّ هذه فكرة جيدة، ومن السهولة طرحها على طاولة البحث.


إلا أنَّ اتفاقية عالمية لا يمكن أن تشكّل بالكلام بين عدة أشخاص فقط، بل تحتاج الى قوة مُسندة كيما تخرج بصورة اتفاقية دولية.


فإنَّ أمريكا والاتحاد السوفيتي ـ باعتبارهما القوتين العظمتين آنذاك ـ توصلتا ـ في إحدى اللقاءات ـ الى اتفاق لخلع السلاح إلا أنّ ذلك لم يتحقق لعدم وجود النية الصادقة للالتزام بذلك.


إذاً متى نستطيع أن نقدّم الاقتراح على اتفاقية لخلع السلاح؟ نترك جواب هذا السؤال للأوساط الدولية، وعلى بلدان العالم مسؤولية الالتزام بهذه الاتفاقية والعمل بها.


طبعاً لا يعني ذلك أنّها مرغمة عليها بقوة السلاح، بل بالقدرة السياسية وقوة أحاديث أرباب الثقافة المقتدرون، وقوة دعم الهوية الشخصية الوطنية؛ لأنَّ القادر على ذلك هي البلدان المقتدرة.


اسعوا الى تحقيق اقتداركم، فلو أنَّ ايران الإسلامية استطاعت أن تتكلم في المجال العلمي بالمستوى الذي تتكلم فيه الدول المتقدمة، فسوف يتحقق ذلك، وهو ممكن التحقق؛ وسوف يكون هذا العلم هو سبباً في تحقق الثورة والقوة العسكرية والثقة بالنفس.


لقد قلت مراراً ـ وأكرر القول، وسوف أقوم بتكرار ذلك: بأن الأساس والقاعدة لاقتداركم في المستقبل ـ أيها الشعب العزيز ـ هو في إمكاناتكم العلمية.


لابد أن يُتعامل مع الجامعات بجدية، سواء من قِبَلكم ـ أيها الجامعيون ـ أو من قِبَل الأساتذة، اعلموا أن هناك خطّة لعرقلة المسيرة الجامعية، أنتم غير مرتاحون لما تقوم به مراكز البحوث من تأخير في الميزانية؛ حسناً، إنَّ هذا قابل للمتابعة والتلافي.


هناك أشخاص يسعون ويدبرون من أجل تعطيل الدروس، وإغلاق مختبرات البحث، وإبعاد طلبة الجامعات عن البحث والتعلّم، فعلينا الوقوف حيال هذه المؤامرات.


إنَّ هذه مهمة الحكومة والمسؤولين، وكذلك مهمتكم ومهمة الأشخاص أصحاب النفوذ والقدرة.


اللهم اجعل قلوبنا أكثر معرفة بك وقرباً منك في هذا الشهر ـ شهر رمضان ـ المبارك.


اللهم أدِمْ على شباب دولتنا الإسلامية الأعزاء هذه النوارنية التي أفضتها على قلوبهم وجعلتهم يتعلقون بلطفك وكرمك.


اللهم استجب دعاء شبابنا، اقض حاجاتهم.


اللهم عمّق العلاقة ـ وهذه كانت رغبة أحد الأصدقاء وقد أحببت أن أدعمها من خلال الدعاء ـ بين شبابنا الجامعيين وشباب البلدان الأخرى يوماً بعد يوم.


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته