بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا أبي القاسم المصطفى محمّد (ص)، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، سيّما بقية الله في الأرضين.
إنني أشكر الله المتعالي كثيراً، وأنا سعيد حقّاً من صميم قلبي أنْ أنارَ اللهُ المتعالي أعيننا مرّة أخرى بتشكيل هذا الاجتماع المهم والاستثنائي. هو مهم لأن المسؤولين من قطاعات البلاد المختلفة، سواء أكانوا المسؤولين الحاليين أم أولئك الذين كانوا سابقاً، يحضرون هنا، ويمكن في هذا المجلس مشاهدة ذهنية واحدة بين القائمين على شؤون النظام في هذا البلد وإيجادها، كما يمكن حل بعض الحالات من سوء التفاهم في هذا الاجتماع. إنّ لقاءهم وحديثهم مع بعضهم بعضاً علامة على وحدة الناشطين السياسيين والاجتماعيين والناشطين على مستوى البلاد، وسوف يكون [لهذا الاجتماع] انعكاس مفيد ومطلوب في الجو والرأي العام للبلاد، إن شاء الله. [هذا] الاجتماع اجتماع مهم ولقاء حساس.
لقد أعددت بعض المواضيع لأعرضها. بدايةً أود أن أشكر حقّاً السيد رئيسي، رئيس جمهوريتنا الموقّر، فقد قدّم تقريراً جيّداً. هذه التقارير ضرورية؛ إنّها ضرورية ليس للناس والرأي العام فحسب، بل لمسؤولي الإدارات المتنوعة أيضاً. تتمثل إحدى مشكلات عملنا في أنه في كثير من الأحيان، لا تكون الإدارات المختلفة على دراية بأعمال بعضها بعضا، غير مطّلعة. لقد قلت ذات مرة إنه ينبغي لهم تنظيم جولة سياحية لبعض المسؤولين في القطاعات العسكرية وغير العسكرية وما شابه وحقيقةُ الأمر كذلك فعلاً. بين حين وآخر، نحتاج إلى تقرير محسوس وملموس ومرئي أمام أعين الجميع عن قضايا البلاد وتقدمها، والإجراءات المتخذة، وأن نطّلع على ذلك. حسناً، كانت تصريحاته مفيدة جدّاً في هذا الصدد. الحمد لله. أنا أيضاً سوف أتحدّث في نطاق هذه القضايا التي عَرَضها.
الموضوع الأول الذي أوّد الإشارة إليه موضوع روحي - إنّه تذكيرٌ لي ولكم – وهو أنّ شهر رمضان هو شهر الذِّكر، شهر التذكرة. إنّه شهر السطوع لأنوار الذِّكر الإلهيّة على القلوب. يجب ألّا نفقد هذا بسهولة. والقلوب ليست مستعدّة في أيّ وقت من العام بهذا النحو لتلقّي الأنوار الإلهيّة وأنوار الهداية والبركات والرحمة الإلهيّة. إنّه شهر رمضان، الشهر الذي تُعدّ ليلة واحدة منه أفضل من ألف شهر؛ {خَيرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} (القدر، 3). هذه أمور مهمّة. هو الشهر الذي «أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة». هو شهر ترقيق القلوب والأرواح. هذه الحياة الماديّة خاصّة الحياة الآليّة تُفقد علاقاتنا وذواتنا وبواطننا وأداءنا رقّتها، كالعجلة التي تحتاج إلى تزييت كي تدور بسهولة ولا يصيبها تآكلٌ يضرّ بها؛ الذِّكر والدعاء يلعبان مثل هذا الدور في هذا الشهر، فهما يضفيان اللطف والرقّة على قلوبنا وأرواحنا عبر تلاوة القرآن والأدعية في الليل والنهار، والصوم بحدّ ذاته أيضاً، وعبر ليلة القدر. لذلك إن الموضوع الأول الذي هو الذِّكر، يضع القلوب في معرض الأنوار الإلهية، فلنبقِ هذا في بالنا.
إنه يخلّصنا من الغفلة. الغفلة بلاء عظيم. إننا نقرأ في الدعاء المبارك لأبي حمزة: «يا مَوْلايَ بِذِكْرِكَ عاشَ قَلْبي، وَبِمُناجاتِكَ بَرَّدْتُ أَلَمَ الْخَوْفِ عَنّي». حقيقة وجود كثير من الآيات في القرآن - عشرات الآيات، وربما مئة آية... لم أحسبها - عن الذِّكر إنّما تُظهر أهمية هذه الحقيقة في حياتنا وعلاقاتنا وعاقبتنا ونهاية طريقنا. إنّ قول الله المتعالي: {اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} (الأحزاب، 41، 42) يُظهر أن الذِّكر لازم، وكثيره لازم أيضاً. الذِّكر الكثير لازم. حسناً، هذا جانب من مسألة الذِّكر الذي يوجّه القلوب ويخرجها من الغفلة. بُعد آخر لذِكر الله هو أثر هذا الذِّكر في العمل. عندما يتحقق ذِكر الله، يؤثر في أعمالنا. [جاء] في قول منسوب لأمير المؤمنين (ع): «مَن عَمَرَ قَلبَهُ بِدَوامِ الذِّكر حَسُنَت أَفعالُهُ فِي السِّرِّ وَالجَهر». إنّ دوام الذِّكر والذِّكر المستمر سيجعلان عَملنا – سواء الخفي والفعل الذي نؤدّيه في قلبنا وداخل عائلتنا وغرفة خلوتنا، أو الأعمال التي نؤدّيها في البيئة الاجتماعية – حَسَناً وجيّداً.
حسناً، نحن الآن مسؤولون عن البلاد، فجزء من العمل الحالي للبلاد، من التنفيذ والتشريع والعدالة والتوجيه والدفاع وما شابه، يقع على عاتق هذه المجموعة الحاضرة هنا حيث كلنا مجتمعون. ما وظيفتنا؟ «خدمة الشعب». ما وظيفتنا؟ «الإدارة المناسبة للبلاد». إذاً، «حَسُنَت أَفعالُهُ فِي السِّرِّ وَالجَهر» بخصوصنا هي تلك. إذا ذكرنا الله، فهذا له تأثير في خدمة الناس، وهي مسؤوليتنا الكبرى أمام الله المتعالي.
نرى هذه «الخدمة» في الأدعية أيضاً. [جاء] في دعاء «كميل» المبارك: «أسأَلُكَ بِحَقِّكَ وقُدسِكَ وأعظَمِ صِفاتِكَ وأسمائِكَ أن تَجعَلَ أوقاتي فِي اللَّيلِ وَالنَّهارِ بِذِكرِكَ مَعمورَةً، وبِخِدمَتِكَ مَوصولَةً». يذكر الذِّكر مع الخدمة.
«وأعمالي عِندَكَ مَقبولَةً، حَتّى تَكونَ أعمالي وأورادي كُلّها وِردا واحِداً، وحالي في خِدمَتِكَ سَرمَداً»؛ أن أكون في خدمتك دائماً. أيضاً بعدها: «قَوِّ عَلى خِدمَتِكَ جَوارِحي، وَاشدُد عَلَى العَزيمَةِ جَوانِحي، وهَب لِيَ الجِدَّ في خَشيَتِكَ وَالدَّوامِ فِي الاِتِّصالِ بِخِدمَتِكَ». «الخدمة» مجدّداً. التفتوا! كلّها خدمة. ماذا تعني «خدمة الله»؟ فالله لا يحتاج خدمتي وخدمتكم. «خدمة الله» تعني خدمة الحياة والناس وخلق الله، والخدمة لتحقيق الأهداف. هذا واجبنا الأساسي الذي قيل وتكرر في الأدعية. ما نسمّيه «الإحسان إلى الناس» هو جزء من هذه الخدمة للناس: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} (النحل، 90).
حسناً، هناك رواية من كلام أمير المؤمنين (ع) [في باب] الإحسان هذا، وسأنقلها من غرر الحكم، إذ يقول: «أَحَقُّ النّاسِ بِالإِحسانِ مَن أَحسنَ اللهُ إِلَيهِ وَبَسَطَ بِالقُدرَةِ يَدَيه». الإحسان واجبٌ على الجميع، وعلينا فعل الخير وأداء الخدمة، لكن من هو أحقّ بهذه المهمّة هو من أعطاه الله قدرة العمل، مثلكم.
أنتم مديرون: بعضكم في إدارة أفكار الناس، وبعضكم في إدارة أعمالهم. هذا بسط لليد، وهذه هي قدرتكم. في الجمهورية الإسلاميّة، أعطى الله المتعالي للمؤمنين الإمكانية لخدمة الناس طبقاً لدين الإسلام ووفقاً لمقتضياته، وهذه أفضل فرصة. لذلك هذا أهم عمل لنا، وأهم امتحان إلهي لنا، والله المتعالي يمتحننا.
ذات يوم – أيها الشباب، إنكم معظمكم لا تذكرون تلك الأيام - لم يكن لدى المؤمنين وذوي الفكر الديني والإسلامي أدنى حركة تنفيذية في البلاد، ولم يتمكنوا من أداء أي عمل، فقد كان العمل بيد الطواغيت وأتباعهم. كان الأمر على هذا النحو ذات يوم. لقد طردهم الله المتعالي من هذه المكانة وجعلكم مكانهم. النبي موسى (ع) قال لبني إسرائيل: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} (الأعراف، 129). لقد وضعنا الله المتعالي - أنا وأنتم - ولا بدّ أن نثبت أهليتنا. كيف نتصرّف؟ أولئك تصرفوا بسوء! كيف سنتصرف نحن؟ لذلك، الخدمةُ من الجوانب الأخرى للذِّكر وبُعدٌ آخر له. شهر رمضان شهر الذِّكر أي الخدمة.
أمّا القضايا المتعلقة بشؤون إدارة البلاد وأمثالها، فهناك كثير منها، ولكن قضية الاقتصاد قضية محوريّة. كما لاحظتم، في بيانات رئيس الجمهوريّة، إن محور الكلام هو «الاقتصاد»، والجزء الرئيسي من نقاشي اليوم حول القضايا الاقتصادية. طبعاً هناك قضايا أخرى أيضاً، وسوف أعرضها - إن شاء الله - إذا لم تتعبوا ولم نتعب.
الاقتصاد هو القضية الأولى للبلاد، وأهم قضية فيها. إن معيشة الشعب قضية ملموسة لأفراد البلاد كافة. حسناً، شعار هذا العام، وبالطبع شعارات الأعوام السابقة أيضاً، كانت اقتصادية عموماً طوال سنوات. شعار هذا العام شعارٌ مهمٌّ وحسّاسٌ. طبعاً كوننا جعلنا الشعارات اقتصاديّة لا يعني هذا قلة الاهتمام بالشؤون الثقافيّة والاجتماعيّة وما إلى ذلك، فتلك أيضاً مهمّة وفي موضعها. لكنّ الاقتصاد المتأزّم يؤثّر أيضاً في ثقافة المجتمع، أي أنّ تزعزع اقتصاد البلاد واعوجاجه يؤثّر في الشؤون الاجتماعيّة والثقافيّة أيضاً، وينبغي ألا نتجاهل هذا الأمر. التضخم المرتفع في سنوات متتالية أمر مهم للغاية. لقد ارتفع التضخم على نحو متتالٍ سنوات عدة. حسناً، هذا يؤثر في نظام توزيع الدخل في البلاد ويجعل توزيع الدخل فيها غير متوازن. بعض الناس لا يزالون محرومين، وبعضهم تُملأ جيوبهم بطرق مختلفة. سيكون هناك فساد من الجانبين، فمن ناحية الفقراء، يحدث فساد ثقافي واجتماعي، وكذلك من ناحية تلك الجماعات التي تمكنت من الاصطياد في الماء العكر واستفادت بأسلوب غير مشروع وأكلت السحت، يحدث فساد من ناحيتهم أيضاً. أي يبدو التضخم قضية اقتصادية بحتة لكن يرى الإنسان أنْ لا، إذ يمكن لهذا أن يترك أثراً في ثقافة الناس وأفكارهم وسلوكهم والقضايا الاجتماعية للبلاد. إذا تتبّعنا كثيراً من أشكال الفساد الاجتماعي والثقافي، فسوف نصل إلى هذه الأموال الحرام نفسها والتصرّفات التمييزية [غير العادلة].
حسناً، قضية «كبح التضخم ونمو الإنتاج». صحيح ما أشار إليه جناب السيد رئيسي، ففي بعض الأحيان، تمكنّا من السيطرة على التضخم، ولكن من ناحية أخرى، كان مصحوباً بالركود. هذا فيه ضرر للبلاد. ليس من الجيد أن ينخفض التضخم ثم يهيمن الركود على اقتصاد البلاد. من المهم أن نستطيع كبح التضخّم دون أن يصاب الإنتاج بالركود [بل] أن ينمو الإنتاج، وهذا ممكن. حينما نقول: ممكن، هذا ليس كلامي، بل كلام الخبراء الاقتصاديين، الذي يقولونه لنا؛ يُثبتون ويستدلون ويقدّمون الدليل، فيمكننا قبول كلامهم. إذا بُذلت الجهود وتواصلت الجهود الجيدة و[الأعمال] بجدية – لقد أُنجزت أعمال جيدة، بحمد الله، وسأقدم الآن بعض النقاط - يمكننا وضع شعار «كبح التضخم ونمو الإنتاج» موضع التنفيذ.
إذا رغبنا في أن يتحقّق هذا الشعار عمليّاً، فلا بدّ لمختلف الأجهزة والقطاعات في البلاد أن تتقبّل أن هذا الأمر أولويّة. هذا أوّلاً.
ما الذي يعنيه «أن يتقبّلوا أنه أولويّة»؟ أي أن تنصبّ الهمم والإرادات كلّها على مدى العام – العام الذي أمامنا بطبيعة الحال – على هذه النقطة المركزيّة، لا أن يكون الأمر على نحو أن نتحدّث ونتكلّم صباحات عدة حوله ونكتبه في الأوراق الرسميّة ونروّج له، ثمّ يصير بالياً رويداً رويداً، ويجري عزله وتهميشه، ثمّ ننساه. لا! طبعاً، هذا الشعار ليس خاصّاً بعام واحد أيضاً. هذه الشعارات غالباً ما تكون مستمرّة ولا بدّ أن تستمرّ، لكن يجب حتى آخر هذا العام، 1402 [الهجري الشمسي]، أن تُشحذ الهمم كلّها في التشريع أو التنفيذ أو السلطة القضائيّة ومختلف القطاعات الأخرى، وتصبّ في هذه القضيّة المركزيّة، أي أن يلتفتوا إلى أنّ هذه المهمّة أساسيّة ومركزيّة.
إنّ منح الأولويّة يحمل معنى آخر أيضاً هو الاستفادة من إمكانات البلاد جميعها من أجل إنجاز هذا العمل، ولدينا إمكانات كثيرة في البلاد. بعض إمكاناتنا إمكاناتٌ صلبة، فنحن نملك الموارد الطبيعيّة والمكانة الجغرافيّة والبنى التحتيّة الاقتصاديّة – المصانع والأجهزة -، والإمكانات البرمجيّة والقوى البشريّة المبدعة والشباب المفعمين بالدوافع والطاقات العلميّة، والإمكانات التكنولوجيّة والأفكار الحديثة. كثيرون من أصحاب الفكر يوجّهون الرسائل إليّ، وأنا أخصّص كذلك وقتاً لقراءة كثير من رسائل المتخصّصين في هذه القضايا. طبعاً لست مرجع المبادرة، فأرسلها إلى الأجهزة، لكنّني أطالع الرسائل. للحقّ والإنصاف، يرى الإنسان أفكاراً جيّدة جدّاً، وحديثة جدّاً في بعض الأحيان. حسناً، هذه هي إمكانات البلاد ولا بدّ أن تسخّر كلّها لكبح التضخّم ولنموّ الإنتاج. لدينا إمكانات تنفيذيّة وتشريعيّة وقضائيّة وإعلاميّة، ولدينا تجارب وعناصر مخضرمة: أشخاص ذوو خبرة، وعملوا ولديهم المعرفة والخبرة. تنبغي الاستفادة من هذه الأمور كلّها. وأن نستفيد من العلاقات الخارجيّة، فالتواصل الخارجي لا يقتصر على العلاقة بأمريكا وأربعة بلدان أوروبيّة، فهناك في العالم أكثر من مئتي بلد، وكلّ واحد منها يشكّل إمكاناً. تمكن الاستفادة من هذه العلاقات الخارجيّة من أجل هذا [الغرض]. هذا الجانب الآخر لمعنى الأولويّة.
للأولويّة معنى آخر أيضاً – قلنا بوجوب أنْ نمنح الأولويّة لهذه القضيّة – هو ألا تُهمّش. في بعض الأحيان، تلاحظون إطلاق حركة جيّدة من أجل كبح التضخّم، وقانونها موجود والحكومة منشغلة وتعمل على تنفيذه، ثمّ فجأة يخرج من ناحية وزاوية معيّنة قرار يؤدّي إلى التضخّم، فيوقف العمل. لا بدّ من الحذر من هذه الأمور. في بعض الأحيان، تتدخّل الرؤى السياسيّة والتكتليّة. افترضوا مثلاً أنّهم يضعون العوائق والموانع أمام خطوة جيّدة للحكومة لأنّ أحد [الأشخاص] لا يوافق الشخص الفلاني في الحكومة، أو الحكومة نفسها، فلا ينبغي أن تحدث هذه الأمور. منح الأولويّة يعني أن يمنح الجميع الأولويّة.
حسناً، إذاً، هذه هي النقطة المهمّة الأولى، وإذا رغبنا في أن يصير هذا الشعار عمليّاً، فلا بدّ أن نمنح الأولويّة لهذا الشعار، لا أن يكون الأمر على نحو أن تُعلن السياسة فقط. حسناً، في بعض الأحيان تُعلن سياسة، ويجري تشكيل مجموعة عمل أيضاً، ويوجّه أمرٌ كذلك، لكنّ هذه الأمور ليست كافية. لا بدّ أن يُتابع الأمر على النحو الذي قيل، ولديّ كلامٌ حول قضيّة المتابعة، وسوف أقوله. إذا مُنحت الأولويّة لهذه [القضيّة]، فسيكون متاحاً في نهاية العام مشاهدة آثارها الملموسة. أولاً، يهتم الأفراد ذوو الخبرة بالمؤشراتِ الاقتصاديّة، ومنها مؤشّر نموّ الإنتاج الذي عرضه جنابه وهو مهمٌّ جدّاً، أو مؤشّر الاستثمار، أو التضخّم... ومن هذا القبيل، وهذه المؤشّرات سوف تُحدّد. ثانياً، سيلمس الناس هذا الأمر في حياتهم، أي سيشعرون بنوع من الرخاء بطريقة ما وإلى حدّ ما، إذا ما تابعنا هذه الأمور - إن شاء الله - واستطعنا جعل هذا الشعار عمليّاً.
حسناً، لو أردنا جعل هذا الشعار عمليّاً، فهناك شروط عدّة دوّنتها وسأذكرها. الشرط الأوّل أن «تساعد مختلف الأجهزة بعضها بعضاً»، أي أن تساعد الحكومة و«مجلس الشورى الإسلامي» والسلطة القضائيّة بعضها بعضاً بطريقة ما، وأن يكون القانون متناسباً مع الحاجة التنفيذيّة. وإذا ما رغبنا في إكمال هذا العمل، فسيكون تعاون الجميع ضروريّاً. فأنتم جميعاً - الحاضرين هنا، تحضرون من «مجلس الشورى» والحكومة والسلطة القضائيّة والقوات المسلّحة أيضاً – فلتعملوا ولتطبّقوا القرارات فعليّاً، وليساعد الجميع بعضهم بعضاً لكي تتقدّم الأعمال. هذا شرط.
الشرط التالي - مهمٌّ جدّاً في رأيي - هو «المتابعة الجديّة للقرارات». إنّني غالباً حين أعقد جلسات خاصّة مع المسؤولين الأفاضل ونتحدّث معاً، أشدّد على قضيّة المتابعة هذه. المتابعة مهمّة جدّاً. أحياناً تُتخذ قرارات جيّدة جدّاً ولكن بسبب قلة متابعتها على النحو الصحيح يبقى القرار معطّلاً. هذه المشاريع التي أُنجز نصفها والتي تحدّث عنها جنابه سببها غياب المتابعة. حسناً، افترضوا مثلاً أنّ مشروعاً جيّداً للغاية اقترحه المجلس أو الحكومة، وانطلقت الحكومة في تطبيقه، ولا بدّ أن يُنجز في غضون ثلاثة أعوام أو أربعة، لكن انقضت ثلاثة عشر عاماً ولم ينتهِ! لماذا؟ هذا إنّما يدلّ على أنّها تُركت ولم تُتابع. المتابعة مهمّة جدّاً. لأعرِضْ نموذجاً، وهو خاصٌّ بالمرحلة الحاليّة. وعدت شركات حكوميّة كُبرى جنت أرباحاً جيّدة السيّد رئيس الجمهوريّة وتعهّدت له أن تنفّذ مشاريع عمرانيّة مفيدة للناس في مختلف قطاعات البلاد. طلب منهم رئيس الجمهوريّة ذلك وهم تعهّدوا أن ينفّذوا المشروع الفلاني. قبل أسبوعين أو ثلاثة سألت سماحته: إلى أين وصلت [هذه الأعمال] وما الذي فعله هؤلاء؟ جاؤوا بتقرير وسلّموه لسماحته وهو أيضاً [جاءني به]، فنظرتُ إليه ورأيت أنّ التقرير ليس مقنعاً، أي ذاك العمل الذي لا بدّ أن يُنجز لم يُنجز. نُفّذت بعض الأعمال لكن ما يشكّل النقطة الأساسيّة والمركزيّة، وهو خدمة الناس وحصدهم فائدة العمل، لم يتحقق. إذاً، «المتابعة» شرط. لا بدّ من متابعة الأعمال، وأن يتابع المسؤولون الأفاضل العمل، ولا بدّ لهذا الأمر أن تُنجزه السلطة التنفيذيّة أساساً.
من الشروط الأخرى «الاستقرار في السياسات والقرارات الاقتصاديّة»؛ إنّ تغييرنا المستمرّ لسياساتنا الماليّة والنقديّة أمرٌ يضرّ البلاد كثيراً. إنّه مضرٌّ جدّاً، فهو يُوجد حالة من فقدان الثقة ويجعل رائد الأعمال متردّداً، وذاك الذي يريد الاستثمار وريادة الأعمال متردّداً. نحن نسعى أيضاً للاستثمارات الأجنبيّة، وأن نقول للأجانب أن يأتوا ويستثمروا، وأن يأتي كلّ من يقدر ويرغب ويستثمر، فيجني الرّبح ونربح أيضاً، ومن هم في الداخل أَوْلى. فليرحم الله المرحوم عسگر أولادي! قبل سنوات كانت هناك جلسة هنا وتحدّث وقال إنّكم تطلبون من الأجانب أن يأتوا ويستثمروا هنا، والأجانب ينظرون إلى المستثمرين في الداخل، فهؤلاء وفق تعبيره واجهة النظام، ومرآة النظام، يريدون أن يروا كيف تعاملون صاحب العمل ورائده في الداخل، وفي حال لاحظوا أنّكم تعاملونه جيّداً، سوف يأتون أيضاً. هذا كلام سليم؛ يوجّه تغيير السياسات وتبديل الاتجاهات ضربة قويّة. لذلك، من أهمّ المواضيع الاستقرارُ في السياسات النقديّة والماليّة وأمثال هذه الأمور.
إشراك الناس من أهمّ الشروط لتحقّق هذا الشعار. هذه قضيّة مصيريّة وهي مهمّة جدّاً. لقد كان أداؤنا ضعيفاً في هذا [المجال] طوال هذه الأعوام الطويلة. كان أداؤنا ضعيفاً، للحقّ والإنصاف. وإذا استطعنا أن نفعل شيئاً على أرض الواقع – سأشرح باختصار – لا بالكلام، فقد تكلّمنا باستمرار، وأن نستجلب مشاركة الناس، فإنّ نموّ الإنتاج سيكون محسوماً، وما يؤول إلى نموّ الإنتاج حتماً هو مشاركة الناس فيه، في مختلف القطاعات، بدءاً من الإنتاجات الصغيرة والقليلة وصولاً إلى الضخمة، أن يكون [ذلك] عبر الناس. نمو الإنتاج هذا يؤثر في كبح التضخّم. أي أنه يؤثر فيه أيضاً.
حسناً، لا يكون هذا بالكلام والشعارات وأن نكتفي بالقول: «أيها الناس، تعالوا وشاركوا». [لن يأتي] أحد، ولا معنى لهذا الكلام إطلاقاً. لا نتيجة من قولنا للناس: تعالوا وشاركوا. كيف يشاركون؟ أين؟ يجب توفير الأرضيّة للمشاركة.
من التجارب الجيّدة الشركات القائمة على المعرفة هذه، وهي تجربة جيّدة. طبعاً، لا ينبغي أن يكون الأمر محصوراً في هذه الأمور – سوف أشرح ما أقصده – لكنّها كانت تجربة جيّدة. جرى توفير آليّة للشركات القائمة على المعرفة أدّت إلى أن يأتي الأفراد ذوو المواهب والنخبة والقدرة والدافع ويُنشؤوا الآلاف من الشركات القائمة على المعرفة، وقد رفعوا نموّ الإنتاج وساعدوا. هذه الشركات كانت مؤثّرة جدّاً، ولا بدّ أن تتكاثر أيضاً. جعل الأعمال قائمة على المعرفة هو بنفسه أمر يحتاج إلى تخطيط، أيّ قطاعات ينبغي أن تغدو قائمة على المعرفة؟ افترضوا مثلاً أنّ قطاع النفط أو الزراعة يجب أن يصير قائماً على العلم؛ كيف، وبأيّ برنامج، ومن الذين يقدرون على خوض هذا العمل؟ يحتاج هذا إلى خطّة وبرنامج ويجب إخبار الناس الذين يملكون القدرة والرغبة ويريدون المشاركة في هذا العمل بذلك. نملك من القوى البشرية الشابّة المتعلّمة إمكانات كبيرة، وبحمد الله، نملك حتى الآن كثيرين من الشباب المستعدّين والمتعلّمين. كثيرون منهم منشغلون في أعمال لا تتناسب مع اختصاصاتهم العلميّة، لكنّهم منشغلون لأنّه لم يجرِ توفير عمل لهم يتناسب مع ذاك الاختصاص.
إذا استطعنا التخطيط بصورة صحيحة، فسوف تزول هذه المشكلة. لا بدّ للمسؤولين الأفاضل في الحكومة أن يجهّزوا خطّة المسار لجعل الاقتصاد الوطني قائماً على المعرفة ووضع برنامج لجعل هذا الأمر عمليّاً، وأن يُطلعوا الناس ويفّروا لهم أرضية المشاركة. وكما قلت: أنْ تتّضح القطاعات التي تقع في أولويّة التحوّل إلى قطاعات قائمة على المعرفة، وما الأساليب لجعلها قائمة على المعرفة. فليحدّدوا هذه الأمور وليُطلعوا الناس عليها. يجب أن تُبنى هيكليّة لإشراك الناس على هيئة شركات قائمة على المعرفة، وأن تُبنى هيكليّة وتُنشأ ويجري إطلاع الناس عليها.
طبعاً، لا تقتصر مشاركة الناس التي أشرت إليها على هذه المجالات، فليس الأمر على هذا النحو: أن تنحصر مشاركة الناس ضمن نطاق الشركات القائمة على المعرفة. لا بدّ أن نفعل ما يجعل الناس، جميع من يملكون الطاقات والقدرة على العمل ومن هم في الوسط المهني - كما يُقال -، قادرين على عمل ما يساعدهم في حياتهم ويحسّن معيشتهم ويزيّن موائدهم وفق التعبير الرائج، والفقرة الأولى من سياسات الاقتصاد المقاوم تأخذ أيضاً هذا الأمر بالاعتبار. ينبغي أن تنجزوا مقدّمات تجعل مداخيل الطبقات ذات الدخل المحدود ترتفع. عندئذ ستجري تقوية الطبقات الضعيفة على هذا النحو، فلتوضع خطّة مسار كاملة في هذا المجال، ويُمكن وضعها، إذ إنّ منظّمة التخطيط وأمثال هذه التشكيلات في الحكومة قادرة على أن تجلس وتخطط وتحدد ما يمكن آحاد الناس والفئات الضعيفة بينهم فعله ضمن إطار التعاون في الأنشطة الاقتصاديّة. هذا أفضل مسار لجعل الاقتصاد قائماً على العدالة. [إنّ تأكيدنا] قضيّة العدالة التي تشكّل أساساً لعمل الاقتصاد في الإسلام – {لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} (الحديد، 25) – وجعلها قائمة على العدالة يكونان عبر هذا المسار، أي عندما نتمكّن من توفير إمكانيّة العمل وكسب المداخيل للناس جميعاً.
أنا مطّلعُ على ذهاب بعض الأجهزة إلى مناطق البلاد النائية، أي البعيدة جدّاً عن طهران. ذهبوا إلى القرى على سبيل المثال، وأنجزوا بعض الأعمال واستطاعوا إحياء بعض العائلات ببضعة رؤوس من الأغنام على سبيل المثال – كذلك هي النماذج الصغيرة جدّاً لأعمالهم – وجرى إحياء عائلة بتمليكها بضعة رؤوس من الأغنام – على سبيل المثال – أو حيث كّنا في مناطق من إيرانشهر... عبر الماعز، مَاعز خاصّ بتلك المنطقة. خذوا هذا [المثال] وانطلقوا لتصلوا إلى الأعمال العظيمة جدّاً القادرة على جعل مدينة أو منطقة تزدهر. حسناً، إذاً، هذه الشروط موجودة، وإذا أردنا أن يصير هذا الشعار عمليّاً، فهذه بضعة الشروط التي ذكرتها. طبعاً، هناك أكثر منها [لكن] لا يقتضي وضع هذه الجلسة وأمثال هذه الأمور أن أتطرّق إليها أكثر. المسؤولون الأفاضل وأصحاب الفكر ومن هم من أهل التأمّل والتدقيق في هذه القضايا في مقدورهم تطوير هذه الأمور وأن يعملوا عليها أكثر ويفكّروا. هذه هي الشروط لتحقّق هذا الشعار.
هناك في قضيّة الاقتصاد أيضاً توصيات مفتاحيّة سأعرضها بإجمال وليلتفت إليها المسؤولون. مكافحة الفساد على رأس هذه التوصيات، مكافحة الفساد التي كانت حاضرة في شعارات رئيس الجمهوريّة المحترم خلال الانتخابات وبعدها أيضاً، وجميعنا نعتقد بهذا الأمر حقّاً. مكافحة الفساد أمرٌ ضروري وهي طبعاً عملٌ صعبٌ للغاية. قبل أعوام عدّة أصدرت بياناً تفصيليّاً حول هذه القضيّة، وهناك قلت إنّ خطر هذا الأمر – أذكر أنّ التعبير كان كذلك – هو كالتنين ذي الرؤوس السبعة، فهو يهدّد الإنسان من كلّ حدب وصوب، ولذلك لا بدّ من التصدّي للفساد بكياننا كله. الفساد يُحبط الناس ويجعلهم ييأسون ويقلّص الرغبة في السلامة لدى الأفراد. حين يرى أحدهم أنّ فلاناً من الناس استطاع ملء جيبه بأسلوب خاطئ وغير قانوني سيُوَسوَس له أيضاً. الفساد مرضٌ مُعدٍ وخطيرٌ جدّاً، وهو يؤدّي فعلاً إلى هلاك المجتمع. مكافحة الفساد ضروريّة. لا بدّ من مكافحة الفساد دون مراعاة ومجاملة، أين ما كان، وهي على رأس الأعمال المهمّة في مجال القضايا الاقتصاديّة.
الموضوع التالي: مسألة الانضباط المالي. إن الانضباط المالي يتأتى في الدرجة الأولى بالإصلاح البنيوي للميزانية، ونحن في البداية لمّا عقدنا هذا الاجتماع مع رؤساء السلطات [الثلاث] المحترمين في الحكومة السابقة لبحث المسألة الاقتصادية، كان من الأهداف المهمة التي أُعلِنت ودُوّنت وأُبلغت إصلاح بنية الميزانية. طبعاً، لم يُنجز الأمر كلياً إلى الآن. مسألة الإصلاح البنيوي للميزانية مهمة للغاية؛ إنها تؤدي إلى الانضباط المالي. من أقسام هذا الانضباط المهمة أنه ينبغي ولا بد تجنُّب التعهدات المالية التي لا تتضمن موارد ثابتة موثوقة. هذا الكلام موجّه أكثر إلى المجلس: [احتساب] الموارد المالية غير الموثوقة أو المتزلزلة إزاء النفقات المحسومة يُوجد فقداناً للانضباط بالطبع، ولا شكّ أنه يوقع مشكلات كبيرة.
يجب ترشيد الاستهلاك. الترشيدُ من الأعمال المهمة وهو مهم في الانضباط المالي. يتحتم علينا أن نتعلم ترشيد الاستهلاك. مع الأسف، هذه معضلتنا الاجتماعية الوطنية. إنَّنا نُسرف. لدينا كثير من الإسراف. يرى المرء أن ترشيدهم الاستهلاك في بعض الدول جيد للغاية ومناسب، أي آحاد الناس، كما المسؤولين، وكما المؤسسات الحكومية المختلفة. يقول الشاعر سعدي:
عندما لا يكون لديك مورد، أنفق بتروٍّ فالملاحون ينشدون أغنية:
إذا لم تتساقط الأمطار على الجبال فسيجف دجلة في عام واحد
عندما يكون دخل الإنسان قليلاً، ولديه مشكلة في الدخل، عليه أن يتقشَّف. مع هذا، وحتى حينما يكون الدخل كبيراً، يجب التوفير، أي تجنب الإسراف مسألة دائمة، خاصة في ذلك الحين، أي حين يكون الدخل قليلاً. لذا، نعاني من الإسراف في قطاعات مختلفة، وعلينا أن ننتبه إلى هذا. مثلاً: [مهمات] سفر لا ضرورة لها، واجتماعات غير مجدية، والأجهزة المختلفة التي تُنجز أعمالاً وتشتري أشياء وتنفذ أفعالاً من هذا القبيل.
المسألة التالية، وهي أيضاً مهمة للغاية، في موضوع الاقتصاد – هذه توصية المتخصصين لنا، وهم يكررون قولها – مسألة الإنتاجية. في الخطة السادسة [للتنمية]، التي كانت تحمل قرار المجلس، وكانت قانوناً قطعيّاً، وكذلك مدِّدت لاحقاً، وفي هذا العام أيضاً مُدِّدت قليلاً، حُدِّد النمو الاقتصادي للبلاد بمعدل ثمانية بالمئة، وقد صُرِّح أن ثُلث هذا النمو يتعين أن يكون بالإنتاجية.
عندما ينظر المرء إلى هذه الأعوام الماضية، يرى لا أنّه لم يتحقق ثلث النمو بالإنتاجية فحسب، أي لم تنمُ الإنتاجية ولا الاقتصاد، بل إن مستوى الإنتاجية منخفض جداً جداً. أرقامه موجودة وقد أعطوها الآن لي أيضاً، ولا أريد هنا أن أقدم إحصاءات وأرقاماً، لكن مستوى الإنتاجية منخفض جداً جداً. إنتاجيتنا في ما يتعلق بالماء أدنى من غالبية دول العالم. وفي ما يتعلق بالطاقة إنتاجيتنا منخفضة جداً جداً. قبل بضع سنوات، قلت أيضاً في كلمة أول العام إن كثافة [استهلاك] الطاقة في بلدنا يبدو أنها أضعاف الدول المتقدمة، أي الاستهلاك عالٍ والعائدات قليلة. هذه أيضاً مسألة.
في ما يتعلق بالقضايا الاقتصادية ثمة توصية أخرى أعرضها: مسألة العلاقة المنطقية بين الأجهزة المعنية مع الشركات الحكومية الكبرى. لدينا شركات كبرى ملك الدولة وتتعلق ميزانيتها بالدولة ومداخيلها أيضاً تابعة لها. يجب تنظيم علاقتها مع الحكومة، وتنظيم علاقة هذه الشركات مع الحكومة. يوجد بعض المديرين الجيدين والناشطين في هذه الشركات، فينبغي أن يُقدّم الدعم لهم وتجري مؤازرتهم. الأمر كذلك في القطاع الخاص أيضاً. ثمة بعض المديرين الناشطين والجيدين، وقد جاء بعضهم إلى هنا قبل بضعة أشهر، وتحدثوا وقدموا تقريراً... تقارير حسيَّة ملموسة، أي مصوَّرة بالكاميرا وأمام العين. كانت تقارير واضحة لا يمكن الطعن فيها. لقد أنجزوا أعمالاً جيدة. في رأيي، إن إحدى مهماتنا، خاصة مهمات السلطة التنفيذية والحكومة، أن ندعم هؤلاء المديرين الناشطين الجيدين. كذلك إنّ أفضل دعم ممكن لمدير منتج للأعمال وفعَّال هو أن نتمكن من تأمين سوق لمُنتَجه، سوق خارجي أو داخلي، وأن نمنحه القدرة على المنافسة، وأن نساعده لتحسين الجودة. نحن في بعض المنتجات كميَّةُ عملنا جيدة والنوعية لدينا متدنية، وواضح أنها لا يمكنها أن تُنافس في العالم. حتى في الأسواق الداخلية لا تمكنها المنافسة. علينا أن نساعد وندعم من أجل تأمين السوق وتطويره وتوسيع سوق البيع. وكما ينبغي مساعدة هؤلاء في موضوع الجودة والتنافسية وما شابه. طبعاً هؤلاء المديرون الذين ذكرتهم ميزتهم أنهم في مرحلة الحرب الاقتصادية العصيبة في بضع السنوات هذه استطاعوا أن يعملوا ويصمدوا ويمضوا بالبلاد قُدماً في بعض القطاعات. لذا، تتحتم مساعدتهم ودعمهم لكن هم أيضاً عليهم واجبات خاصة الحكوميين. ينبغي للمديرين الحكوميين أن يحددوا ماهية عملهم ودورهم في مجال السياسة العامة لاقتصاد البلاد، ويجب أن يُحدَّد هذا، أي الشركة الكبرى الفلانية، التي هي أيضاً تابعة للحكومة وموادها الأولية أيضاً داخلية – لدينا عدد من هذه الشركات الكبرى من هذا القبيل التي هي شركات كبرى وكبيرة الدخل وبمواد أولية داخلية – تحدّد سعر مُنتجها وفق الدولار التلغرامي، أي هذه الأسعار المزيفة للدولار، التي يوجهها العدو! لماذا؟ لماذا تجعلون الدولار مُهيمناً؟ لماذا تعزّزون منافس الريال؟ من أهم وظائفنا ألَّا نعزز منافس الريال في الداخل.
ذات يوم – قبل أربعين عاماً إلى خمسين – ومن أجل تعزيز قيمة الدولار داخل بلادهم، وقد كان منافساً للدولار، اشترى الأميركيون الذهبَ من الناس بقيمة عالية، وجمعوه لكيلا يكون الذهب في أيدي الناس، من أجل أن يكتسب الدولار في الداخل الأميركي شأناً، لكننا نخلق لرِيالنا منافساً باستمرار! حقيقةً إن إحدى معضلات بلدنا تعلُّق القطاعات المختلفة لاقتصادنا بالدولار. قلتُ في مشهد: عَزلتْ بعض الدول نفسها عن الدولار وهم يُجرون معاملاتهم بطريقة أخرى. حتى إنهم عزلوهم عن [نظام] «سويفت»، وهم أيضاً قطعوا اتصالهم بـ«سويفت» – أولئك أيضاً كانوا قد قطعوا، وهؤلاء أيضاً قطعوا – فتحسَّن وضعهم. ثمة دول وضعها تحسَّن الآن. لذا على الشركة الكبرى التابعة للحكومة أن تحدد مثلاً أن سياستها هذا العام هي سياسة كبح التضخم. [أيضاً] ما الدور الذي تضطلع به في هذا الاتجاه، وما العمل الذي تفعله، وكيف تتصرف تجاه الإستراتيجية العامة لاقتصاد البلاد. هذا يتعلق بمديري الشركات الحكومية والقطاع الخاص، وقد قلنا إنه ينبغي حقيقة دعم المديرين الجيدين، المديرين الذين ساعدوا وضع اقتصاد البلاد في المرحلة الصعبة. في المقابل هناك أيضاً أشخاص كان لهم دور مخرِّب في النظام النقدي للبلاد والنظام المالي لها، فيجب التصدي لهؤلاء أيضاً دون مُحاباة. أن تعمل بعض المؤسسات الائتمانية غير السليمة، وبعض المصارف الخاصة، على شراء عقارات وأراضٍ، وفائض سحب من المصرف المركزي، وهذا بحد ذاته يؤدي إلى التضخم ويفضي إلى مشكلات مختلفة، كله يجب التصدي له.
النقطة الأخرى، وهذه أيضاً ضرورية جداً، هي قدرة التوقّع لدى نظام التخطيط. أحياناً نجد نقصاً في بعض السلع اللازمة، فيجب أن نتمكن من توقّع ذلك في التخطيط، أي أن يكون جهاز التخطيط الاقتصادي للبلاد - ذلك الجهاز المسؤول - ممتعاً بالقدرة على توقع احتمالية الحدوث لمثل هذا النقص. إذا لم نتوقع، فسنواجه هذا النقص فجأة في نقطة حرجة. فماذا سنفعل حينئذ؟ نستورد تلك السلعة على استعجال من الخارج، ونقصم ظهر الإنتاج المحلي. حين لا تتوفر قدرة التوقّع هذه سيحدث مثل هذا. هذه [نقطة] مهمة جداً أيضاً. ينبغي ألا نسمح لأوجه القصور في أي قسم أن تصل إلى نقطة حرجة. بمجرد الشعور بالنقص - الآن، على سبيل المثال، في حالة اللحوم أو الدجاج أو الأرز أو أي شيء آخر – وعندما يكون هناك شعور بأنه قد يكون هناك نقص، يجب استخدام قابليات الناس والقدرات العامة للناس، فيمكن استخدامها وتعبئة القدرات لحل المشكلة، وألّا يدعوا الأمر يصل إلى نقطة [حرجة].
هناك نقطة أخرى أذكرها هنا، وهي أن هناك بعض الإجراءات المفتاحية تنمّي الاقتصاد، أي تؤدي حتى في بعض الأحيان إلى طفرة في الاقتصاد. على الأجهزة المسؤولة أن تبحث عنها وتجدها. خطر في بالي الآن مثالان أو ثلاثة ودوّنتها.
إحداها مسألة هذا الاقتصاد المرتكز على البحر، التي يرسلون إلينا أيضاً تقارير عنها في المدة الأخيرة ويقدمون المقترحات بتكرار. هي صحيحة. البحر مركز البركة، ولحسن الحظ أيادينا مفتوحة من ناحية البحر، فلدينا بحر في جنوبي البلاد وشماليها. الاقتصادات القائمة على البحر اقتصادات مباركة. هذه إحداها، فلنلتفت إليها. ولديها بعض اللوازم [الواجب] أن نلتزمها ونسعى وراءها ونتابعها.
الأخرى هي مسألة مسار الشمال-الجنوب، التي يجري الحديث عنها البلاد منذ مدة طويلة، وهي صحيحة؛ يجب أن تُنفذ. الآن هناك منافسة في البلدان [لتمرير] مسارات التجارة الدولية من داخلها. هذا البلد يريد أن يمرر هذا المسار من داخله، وذلك يريد أن يمرره من داخله. نحن نقع في منطقة حساسة. موقعنا حساس جداً من الناحية الجغرافية، أي لا توجد دولة في هذه المنطقة لديها مثل هذا الموقع المتميز. موقعنا متميز، [فلننمّ] هذا المسار بين الشمال والجنوب. بالطبع، هناك مسارات أخرى [مثل] الشرق والغرب [لكن] أهمها هو ذاك. فلنتابع مسار الشمال والجنوب، ويوجد متطوعون لهذا أيضاً. هناك أشخاص من بعض الحكومات الأجنبية التي يمكنها التعاون في هذا المجال. تابعوا هذه [المسألة]. فهذه قضية أيضاً، وكذلك اقتصاد البحر.
إحداها قضية إحياء المناجم، التي تحدث حولها السيد الرئيس الآن وقال إنه تم إنجاز هذه الأعمال في قضية المناجم، وطبعاً لم أكن مطلّعاً. حسناً، هذا جيد جداً. إنها بشارة حقاً. نحن أغنياء جداً في قطاع المناجم.
قلت ذات مرة هنا في اجتماع القائمين [على شؤون النظام] هذا نفسه، منذ سنوات، استناداً إلى الإحصاءات - الإحصاءات التي قدموها إليّ وكانت دقيقة أيضاً – قلت إننا نشكل واحداً بالمئة من سكان العالم، ومناجمنا الحساسة في الغالب تشكل أكثر من واحد بالمئة، [ربما] اثنين أو ثلاثة أو خمسة بالمئة وما إلى ذلك، أيْ نحن أغنياء للغاية بالمناجم: تنوع المناجم وحجم المعادن وحجم أشياء من هذا القبيل. هذه قضية المناجم.
أما قضية الإسكان، فهي على هذا النحو أيضاً. الإسكان من الأنشطة التجارية والخلّاقة للثروة في البلاد. طبعاً، المراد أنه ينبغي الاهتمام بهذه الأمور. لحسن الحظ، هناك كثيرون في الحكومة ممن فهمهم وعلمهم الاقتصادي جيدان للغاية، ونحن بحاجة حقاً إلى الاستفادة منهم والاستماع لهم والتعلم منهم، فَهُم كثيرون. هناك كثيرون يقدم الخبراء منهم إلينا أحياناً تقارير أيضاً. ثمة خبراء آخرون، ونحن أيضاً [نطرح] بعض الأمور. ما تحدثنا عنها هي الأمور الدقيقة التي يجب أن تنجز. كان هذا في ما يخص الاقتصاد.
هناك قضيتان أو ثلاث أخرى ينبغي أن أتحدث عنها بسرعة. القضية الأولى قضية التطورات العالمية. لقد قلت منذ مدة إن العالم في خضمّ تحول سياسي مهم، أي وضع النظام العالمي آخذ في التغيّر، وبالطبع هذا الكلام يُسمع من أماكن مختلفة ويجري تكراره. أريد اليوم أن أقول إن هذا التحوّل العالمي – لحسن الحظ - يصبّ في اتجاه الإضعاف لجبهة أعداء الجمهوريّة الإسلاميّة، وهذا أمر مهم. أولاً هذه التطورات تجري بسرعة كبيرة، وثانياً هذه الخصوصيّة التي ذكرتها تصبّ في اتجاه إضعاف تلك الجبهة. لقد كانت هذه التطورات على هذا النحو حتى الآن. إذن، ماذا يوجب ذلك؟ يوجب أن نزيد مبادراتنا في السياسة الخارجية. لا بدّ أن نزيد المبادرة والحركة والنشاط وما شابه، ونغتنم الفرصة.
الآن، وبما أنني قلت إن الجبهة المقابلة لنا تضعف في هذا النظام، فذلك له أمثلة وسوف أذكرها الآن. حسناً، من أهم معارضي إيران على مستوى العالم حكومة أمريكا، طبعاً. لقد كانت أمريكا أوباما أكثر ضعفاً من أمريكا بوش، وأمريكا ترامب أضعف من أمريكا أوباما، وأمريكا «هذا السيّد» أكثر ضعفاً من أمريكا ترامب. كيف نقول إنها ضعيفة؟
أولاً، نشأت ثنائية قطبية في أمريكا قبل عامين أو ثلاثة بسبب الانتخابات، ولا تزال هذه القطبية الثنائية الحادة على حالها. حسناً هذه نقطة ضعف! إنه أمر مهم للغاية. في الانتخابات الأخيرة لكونغرسهم قبل بضعة أشهر، اتضح أيضاً أن هذه القطبية الثنائية لا تزال بحدتها.
لم تتمكن أمريكا من حل الأزمة السياسية للكيان الصهيوني الذي توليه أهمية كبيرة. هذا هو ضعف أمريكا. النظام الصهيوني مهم جداً لأمريكا. ترون الكيان الصهيوني أيضاً في أي وضع هو، وسوف أشير إلى هذا لاحقاً. لم تتمكن أمريكا من حل هذه [الأزمة].
أعلنت أنها تنوي تشكيل جبهة عربية متحدة ضد إيران، ضد الجمهورية الإسلامية، حتى يعملوا بصورة متحدة مقابل إيران، لكن اليوم يحدث عكس ما أرادت، وعلاقات المجموعة العربية مع إيران تصاعدية.
كانت أمريكا تريد إنهاء الملف النووي وفق خطتها عبر ضغط الحظر، ولم تستطع. هذا ضعف أمريكا. لقد حاولت جاهدة - أحدثت ضجة بوسائل الإعلام وغير الإعلام، والسياسة والحظر وغيره - [لكن] لم تستطع. لم تستطع حل القضية النووية وفق خطتها.
أمريكا أشعلت حرب أوكرانيا. طبعاً، هذا ادعائي شخصياً وهناك أدلة متعددة عليه، كما أن هناك أشخاصاً كثيرين في العالم يعتقدون بهذا أيضاً. طبعاً الأمريكيون أنفسهم لا يقرون بذلك، لكنهم أشعلوا حرب أوكرانيا. هذه الحرب أدت إلى شرخ تدريجي ومتزايد بين حلفائها الأوروبيين وبينها، فهؤلاء يتلقون ضربات هذه الحرب وأمريكا تحصد منفعتها، وهو ما أدّى إلى الشرخ، وهذا نقطة ضعف لأمريكا.
أمريكا ترى في أمريكا اللاتينية حديقتها الخلفية، [لكن] في بلدان عدة من أمريكا اللاتينية أتت إلى السلطة حكومات معادية لأمريكا. أرادت أمريكا أن تقلب فنزويلا رأساً على عقب. وقد عيّنت لها حكومة بدلاً من الحكومة الحالية لفنزويلا التي تعادي أمريكا، وأوجدت لها رئيساً مزيفاً أيضاً، وأعطوه جيشاً ومالاً وسلاحاً أيضاً، وأنشؤوا نزاعاً لسنتين أو ثلاث، وفي نهاية المطاف، لم يتمكنوا. هذه كلها دلالات على الضعف.
الدولار الأمريكي يتجه نحو الضعف في العالم، وهناك دول كثيرة تحوّل تعاملاتها من الدولار إلى العملات الوطنية أو غيرها. هذه كلها دلالات على ضعف أمريكا. [هذا سبب] قولنا إن الجبهة المعادية للإسلام ضعفت. إذن، هذه دلالات ضعف أمريكا التي هي في الواقع على رأس العداء مع الجمهورية الإسلامية. وهناك دلالات أخرى أيضاً لكن [لن أخوض فيها].
وأما الكيان الصهيوني، الذي هو أيضاً عدو آخر لنا، فخلال 75 عاماً من عمره، لم يواجه هذا الكيان مطلقاً مثل هذه الأزمات الرهيبة كما هو عليه اليوم. أولاً «التزلزل السياسي»: لقد استبدل أربعة رؤساء وزراء خلال أربع سنوات، ولم تتكتّل الائتلافات الحزبية فيه إنما تتفكك. يشكلون ائتلافاً، ثم بعد مدة وجيزة، يتفكك ذاك الائتلاف. والأحزاب التي تشكّلت مسبقاً أو هي في طور التشكّل تصاب بالتلاشي تدريجياً. تتلاشى، أي تضعف إلى درجة مثل التلاشي. هناك ثنائيّة قطب شديدة في أرجاء الكيان الزائف. [إذا] نظرتم الآن – طبعاً، موضوع الفلسطينيين منفصل - توجد ثنائية قطبية بينهم. هذه المظاهرات التي شارك فيها مئة ألف ومئتا ألف وأكثر في «تل أبيب» ومختلف المدن الأخرى هي دلالة على ذلك. مع أن من الممكن أن يستهدف [العدو] منطقة ما بأربعة صواريخ لكن هذا لن يعوض تلك القضية. إنه يعاني من الضعف والتزلزل السياسي بالمعنى الحقيقي للكلمة. لقد أُعلن أنّ عدد الذين يغادرون "إسرائيل"، اليهود الذين يغادرون، سيبلغ مليونين قريباً. لقد أعلنوا هذا، أي قالوا إنه في المستقبل القريب سيغادر نحو مليونين من الكيان الصهيوني. المسؤولون [الصهاينة] أنفسهم يحذّرون على نحو متواصل ومتتالٍ من أنّ الانهيار قريب، فالرئيس لديهم يقول ذلك ورئيس وزرائهم السابق كذلك ورئيس جهاز الأمن ووزير الدفاع لديهم... جميعهم يقولون ذلك. يقولون إنّ انهيارنا قريبٌ ولن نشهد الأعوام الثمانين. نحن قلنا إنّكم «لن تشهدوا السنوات الخمس والعشرين المقبلة»، لكنّهم استعجلوا ويريدون [الزوال] أسرع.
لا يُمكن القول إنّ قوّة الفصائل الفلسطينيّة صارت أضعافاً مقارنة بالسّابق فحسب، [بل] لعلّها صارت عشرات الأضعاف. لقد بلغنا تقرير يفيد بأنّ الفلسطينيّين نفّذوا 27 عمليّة في الأراضي المحتلّة خلال 24 ساعة. إنّهم ينشطون في أنحاء فلسطين كلها: في القدس وأراضي الضفّة الغربيّة وأراضي 48. فلسطين أوسلو تلك - تذكرون الكارثة التي تسبّب فيها ياسر عرفات وآخرون لفلسطين في معاهدة أوسلو - غدت «عرين الأسود»، فلسطين «الأُسود»! لقد اختلفت إلى هذا الحدّ. هكذا هي حركة الفلسطينيّين. حسناً، في مقابل ضعف هؤلاء، تتجه جبهة المقاومة نحو الاقتدار - بحمد الله - ومن نماذجها هذه [الفصائل] الفلسطينيّة التي أشرت إليها. إنه موضوعٌ أردت التحدّث عنه.
الموضوع الآخر هو مؤامرة الأعداء لداخل بلادنا. كانت هناك مؤامرات، وستكون هناك أخرى أيضاً. في أعمال الشغب التي وقعت في الخريف الماضي، جعلوا قضية المرأة ذريعة، وأثاروا الضجيج، وكانت وراء القضية أجهزة التجسس التابعة للأعداء، [أي] الحكومات الغربية. تلك البلدان التي هي نفسها متهمة بشدة في قضية المرأة! لقد أعلنوا في المدة الأخيرة أنه في البلد الأوروبي الفلاني قالت الشرطة إنه لا ينبغي للنساء أن يخرجن إلى الشارع بمفردهن ليلاً، وعليهن أن يخرجن مع الرجال. هذا يعني أنه لا أمن للمرأة [هناك]. في بعض المراكز والمعسكرات حيث يوجد رجال ونساء، لا تجرؤ النساء على الذهاب إلى المرافق الصحية في منتصف الليل. الأمر على نحو ما في قواتهم العسكرية، وعلى نحو آخر في شوارعهم وأسواقهم. ثم في قضية المرأة يُشكلون على الجمهورية الإسلامية التي تمنح المرأة أسمى شأن ويرسمون خطّاً ويتفوّهون بالكلام!
لقد قتلوا في بلد أوروبي امرأة مسلمة ترتدي العباءة في المحكمة وأمام أعين الشرطة والمحكمة. أمام أعين هؤلاء! كانوا قد تعرضوا للمرأة بالضرب، واشتكت لدى المحكمة، فانعقدت، وفي المحكمة نفسها، جاء ذلك الضارب السابق نفسه وضربها ففارقت المرأة الحياة واستشهدت! هؤلاء يعاملون المرأة بهذا الأسلوب. كذلك، خُدع بعض الأشخاص في الداخل - في رأيي، خُدع غالبهم – وأطلقوا شعار المرأة تبعاً للعدو الأجنبي والخونة القانطين في الخارج الذين كانوا يحرّضونهم. هنا أيضاً، عملوا بالغوغائية. كما الحال في كثير من الحالات الأخرى، وبدلاً من الاستدلال المنطقي والكلام الصحيح والرصين حتى يمكن الاستماع له والرد عليه والتحدث معه، عملوا بالغوغائية.
طبعاً، إن قضية المرأة ليست مجرد قضية ستر، فقضية المرأة فيها التعليم والعمل والزواج والنشاط السياسي، والحضور في القضايا الاجتماعية، وفي الإدارات الحكومية العليا. هذه كلها قضايا المرأة. في أيّ من هذه لا حرية في البلد؟ في أي من هذه الحالات تدخلت الجمهورية الإسلامية في عمل المرأة ومنعت حريتها؟ هذا الكم كله من الفتيات المتعلمات، والطالبات، والنساء في وظائف حكومية عليا، والنساء اللواتي يشكلّن ملتقيات كبيرة، وهذا الحضور النشط للمرأة في الملتقيات المؤثرة خلال النضالات: قبل انتصار الثورة، وبعد انتصارها، وفي الحرب، وخلف الجبهة، وإلى اليوم في المظاهرات والمسيرات، وفي «22 بهمن» و«يوم القدس» ... في أيّ مكان في العالم تفعل المرأة هذا الكم كله من الأنشطة التي تفعلها النساء والسيدات الإيرانية بكل فخر واعتزاز؟
في قضيّة الستر - نعم بالطبع - قضيّة الحجاب قيد شرعي وقانوني، وهي ليست قيداً حكوميّاً [إنما] قانونيّ وشرعيّ. خلعُ الحجاب حرامٌ على المستويين الشرعي والسياسي؛ إنّه حرامٌ شرعي وحرام سياسي أيضاً. كثيرات ممّن يخلعن الحجاب لا يعلمن هذا الأمر، وإذا علمنه، أي إذا علمن مَن وراء هذا العمل الذي يفعلنه، فإنهنّ لن يقدمن عليه حتماً. أعلم أنّ كثيرات من هؤلاء هن من أهل الدين والتضرّع وشهر رمضان والبكاء والدعاء، لكنهنّ غير ملتفتات إلى مَن يقف خلف سياسة خلع الحجاب ومحاربته هذه. جواسيس العدوّ وأجهزته التجسسيّة يسعون وراء هذه القضيّة. وهنّ لو علمنَ، فلن يقدمن على هذا الفعل. على أيّ حال، ستُحلّ هذه القضيّة حتماً. تحدّث الإمام [الخميني] في الأسابيع الأولى للثورة الإسلاميّة عن الحجاب على نحو إلزامي وقطعي. كانت هذه القضيّة من الأعمال الأولى للإمام الراحل (رض). وسوف تُحلّ اليوم أيضاً، إن شاء الله. لكن، فليلتفت الجميع إلى أنّ العدوّ خاض في هذا الأمر بخطة وبرنامج، وعلينا أيضاً أن نخوض الأمر بخطة وبرنامج. يجب ألّا تُنجز أعمالٌ بلا برنامج وبلا أساس وما إلى ذلك، بل ينبغي أن يكون هناك برنامج، وأن يكون للمسؤولين برنامجهم، وهم لديهم برنامجهم، وأن تجري متابعة هذا الأمر، إن شاء الله.
قضية أخرى - ربما الأخيرة أو ما قبل الأخيرة - هي انتخابات نهاية العام. هذه الانتخابات مهمة للغاية. يمكن للانتخابات أن تكون مظهراً من مظاهر القوة الوطنية. وإذا لم تجرِ الانتخابات بصورة صحيحة، فهذا يدل على ضعف البلاد والشعب. إنّه أمر يظهر ضعف الحكومة والمسؤولين وأفراد الشعب والبلاد. كلما صرنا أضعف، تزداد هجمات الأعداء وضغوطهم. فإذا أردتم إيقاف ضغط العدو، يجب أن نكون أقوياء. من إحدى الأدوات المهمة لقوة البلاد الانتخابات نفسها. بدءاً من الآن على المسؤولين ذوي الصلة تحديد إستراتيجية المشاركة وأمن الانتخابات وسلامتها وكذلك المنافسة الانتخابية – أعلم طبعاً أنهم يتابعونها – وسنُجري انتخابات جيدة وصحيحة بمشاركة عالية في نهاية العام، إن شاء الله.
القضيّة الأخيرة قضيّة الإعلام، وهي أمر مهم. لقد تحدثت عن وسائل الإعلام مرات عدة، وسوف أكرّر حديثي. ينبغي فضح تشويهات العدو وتخريباته والمؤامرات ضد اقتدار البلاد التي ينفذها العدو في الفضاء الافتراضي وما شابه. هذه مسؤولية وسائل الإعلام. حسناً، الإعلام الوطني في أيدي أناس مؤمنين ومُفعمين بالدوافع، بحمد الله. فليبذلوا الجهود لتحييد مساعي العدو في هذا الصدد.
اللهم، بمحمد وآل محمد، اجعل ما قلناه وسمعناه من أجلك وفي سبيلك. اللهم واجعل ما نعتقد به ونُجريه على ألسنتنا مؤثّراً ومخلصاً، وأعزّ شعب إيران وانصره على أعدائه، وأنل التوفيقَ والتأييد للمسؤولين المؤمنين والأوفياء والمُفعمين بالدوافع. اللهم امنحنا جميعاً في هذا الشهر توفيق الذِّكر، وتوفيق عمل الخير والإحسان إلى الناس، ووفّقنا جميعاً لنكون مصداقاً لـ{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} (النحل، 90). اللهم وفّقنا جميعاً لتلاوة القرآن والتدبّر فيه والاستفادة منه والاستضاءة به، واحشر الإمام [الخميني] العظيم مع أوليائه، وأرضه عنّا، وأرضِ عنّا القلب المقدّس لولي العصر (عج)، واجعلنا من جنود وليّك، واحشر شهداءنا الأعزاء مع شهداء كربلاء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.