بسم الله الرحمن الرحيم،
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.
نشكر الله المتعالي جزيلاً أنْ جعل هذا اللطف بحقّنا حتى نتمكن من الحضور مرة أخرى في هذه الأيام المباركة، شهر رمضان المبارك، بينكم أيها المسؤولون والمتصدّون والقيّمون على النظام وإن كان ذلك على نحو محدود. وإن شاء الله، ببركة إخلاصكم وصفائكم ودعائكم، نستطيع الحصول على البركات الإلهية وأن تشملنا الألطاف الإلهية. كما أشكر جزيلاً السيد رئيس الجمهورية. لقد كان تقريراً جيداً ما قدّمه، وإن شاء الله، فسيكون قادراً على المضي قُدماً بالأعمال على هذا النحو نفسه والسرعة المناسبة في الوقت المناسب، إن شاء الله.
الكَلمة التي أعددتها لأحدّثكم بها، أيها الأعزاء، هي بِضع جُمل من التذكيرات المعنوية بمناسبة شهر رمضان، وهي في الحقيقة تذكير لهذا العبد الذليل بالمقام الأول. أقولها، فربما يتأثر بها قلبي، إن شاء الله، لأنني بحاجة إلى هذه التذكيرات أكثر منكم جميعاً. وجزءٌ هو التوصيات المتعلقة بعملكم وروحيتكم وإحساسكم، أنتم المسؤولين عن أجزاء مختلفة من البلاد. الجزء الآخر هو التوصيات العملية والعملياتية بشأن عدد من القضايا، وفق التجربة والنظرة إلى القضايا.
بخصوص تلك التذكيرات أوّلاً إن أحد طلباتنا في هذا الشهر، المنعكسة من الأدعية المأثورة، هو النيّة الصادقة، فقد جاء في دعاء أيام شهر رمضان المبارك: «والقوّة والنشاط والإنابة والتوبة... والنية الصادقة». هذه النية الصادقة مهمّة جدّاً. فلنجعل عهداً صادقاً مع أنفسنا وإلهنا أن نسير على الطريق الصحيح - الطريق الذي نُؤمن بأنه الطريق الصحيح - بحسم ودون الشعور بالتعب. هذه هي النيّة الصادقة.
أوجدوا هذه النية الصادقة في أنفسكم وعززوها في هذا الشهر النوراني إن شاء الله، فستكون عوناً، وستكون قدرة على الاستمرار في الطريق خلال دورة مسؤوليتكم، وهذه النية الصادقة ستساعدكم على الحركة والمضي قُدماً.
من الأمور التي تتكرر مرات ومرات هذا الشهر وفي أدعية هذا الشهر - دعاء «السحر»، أدعية اليوم، أدعية الليل - مسألة طلب المغفرة الإلهية، وطلب المغفرة من الله، والاستغفار. جاء في تعابير الأدعية: «هذا شَهرُ المَغفِرَة». يتكرر طلب الاستغفار مرات عدة في هذه الأدعية، فهو كثير التكرار. إذن، ماذا يعني الاستغفار؟ يعني الاعتذار. نطلب المعذرة من الله المتعالي. ينبغي لنا أن نطلب المعذرة من الله المتعالي على أعمال كثيرة، وعلى كثير من أفعالنا وغفلتنا. هذا الاعتذار الذي تصحبه بطبيعة الحال تلك النية الصادقة يخلق فيكم صفاءً وطهارة، وهذا الصفاء وهذه الطهارة يجلبان الرحمة الإلهية. يجب أن يكون سعينا هو أن نستجلب الرحمة والبركة الإلهية. نقرأ في الدعاء: «اللهم إني أسألك موجبات رحمتك». هناك موجبات توجد الرحمة الإلهية وتوجهها نحو الإنسان. هذا الاستغفار له تأثير في ميادين الحياة كافة. الآن بشأن قضايا الحياة الحالية، [يقول الله المتعالي] في سورة هود: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا}، أي الله المتعالي ينزل عليكم البركات السماوية. ثم: {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} (هود، 52)، أيضاً يزيد طاقتكم وقوتكم. هذه مهمة جداً. إنها ليست قضية شخصيّة؛ إنها قضية عامة ووطنية.
ما أجلى وأوضح هذه الآية! تأثير الاستغفار في أحد أصعب مجالات الحياة، أيْ ميدان الصراع العلني مع العدو، إذْ قال في هذه الآية الشريفة من سورة آل عمران: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا... (147)}، أيْ هؤلاء الذين كانوا يجاهدون في ميدان الحرب [مع] الأنبياء – طبعاً هنا تتضح أيضاً جهة حركة الأنبياء، فلا يُتَصَوّرُ أن الأنبياء كانوا جالسين في البيوت أو مثلاً كانوا في المساجد والمعابد دائماً وما إلى ذلك... كلا! – كان دعاء هؤلاء الربيين أو الربانيين وعباد الله ومحاور عبادة الله: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (147). إذن، هذه هي علاقة الاستغفار بالحرب والثبات والنصر. الاستغفار هو كذلك. إذا استغفر الإنسان الله المتعالي بالمعنى الحرفي للكلمة وطلب المغفرة عن الأخطاء والتقصيرات وما إلى ذلك واعتذر عنها، فإن الله المتعالي سيجيب طبعاً، وهذا صريح الآية القرآنية. في ذلك الحين، هكذا كان جواب الله المتعالي لهؤلاء الذين استغفروا وقالوا لله المتعالي انصُرنا: {فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ} (148). قبل الآخرة أجابهم في الدنيا بسبب الاستغفار الذي فعلوه. لذلك إن درس القرآن هو طلب العون من الاستغفار من أجل النصر في مختلف الميادين، فلا ينبغي أن تكون نظرتنا إلى الاستغفار مثلاً أن الاستغفار يكفي للذنوب الشخصية وغسل قلوبنا فقط. لا، الاستغفار في الميادين الوطنية والاجتماعية الكبيرة له فاعلية وتأثير ويوصلنا إلى توفيقات عظيمة.
حسناً، من أيّ شيء نستغفر؟ مجموعة من التخلّفات التي ارتكبناها هي - وفق تعبيري - «الذنوب الرعويّة» (الظّاهرية) [مثل] الكذب والغيبة والنظر الحرام واللمس الحرام والغصب ونحو ذلك. قسم منها هو هذه، وقسم آخر هو الذنوب الباطنية: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ} (الأنعام، 120). طبعاً تلك الذنوب الباطنية لها نقاش آخر. هناك مجموعة أخرى من الذنوب تعني ترك الفعل. هي ليست فعلاً وإنما ترك الفعل؛ كان يجب أن نفعل عملاً [لكن] لم نفعله. أعزائي، كثيرون منا مبتلون بهذه بالأخيرة. كان علينا أن نفعل كثيراً من الأعمال، وأن نقول كلاماً، وكان علينا اتخاذ إجراء، وأن نوقّع شيئاً، وفي مكان ما كان علينا فعل حركة [لكن] لم نفعل ولم نؤدِّ واجبنا بسبب الكسل أو الكلل أو قلة الاهتمام بالواجب. هذا ذنب. وهذا يُساءل عليه. لذلك [جاء] في دعاء «مكارم الأخلاق»: «واستعملني بما تسألني غداً عنه».
من الأمور التي أهتم بها دائماً وقد قلتها أحياناً، وهي من الأمور الصادمة في القرآن، قصة النبي يونس (ع)، هذا النبي الإلهي العظيم: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا} (الأنبياء، 87). حسناً، لماذا كان مُغاضباً؟ لأن قومه كانوا كفاراً، ومهما كان يقول، لم يستمعوا. لسنوات - لا أعرف كم - كان يدعو بين هؤلاء القوم [لكن] لم يؤثّر، فغضب وحزن وتركهم. حسناً، إذا قارنّا ذلك بترك الأفعال التي نفعلها، فلا يبدو أنه أمر كبير إطلاقاً، لكن الله المتعالي يؤاخذ عمله هذا: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} (الأنبياء، 87). كان يتصوّر أننا لن نتشدد معه. بلى! سنتشدد. كان التشدد أنه ذهب و[سُجن]، ثم في موضع آخر يقول القرآن: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144)} (الصافات). ما الخطب! إنه بسبب ترك الفعل. فإذا لم يقل هذا التسبيح وهذا التضرّع و[الذِّكْر]: {سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}، فلا بد أن يبقى مسجوناً ومحبوساً حتى يوم القيامة. طبعاً هناك بشارة تتبع تلك الآية أيضاً: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)} (الأنبياء) هذه العبارة: {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} بشارة لي ولكم. أي نحن أيضاً نستطيع تحقيق النجاة بالتسبيح والتحميد والاستغفار والإقرار بالذنب والاعتذار من الله. حسناً، الاستغفار يكون من ارتكاب فعل محظور إذن، ومن التقصير وترك الفعل وسوء الإدارة أيضاً. إنه ضروري لكليهما.
القضية هي أننا نطلق على القيّمين على الأمور في نظام الجمهورية الإسلامية اسم «المسؤول». نقول مسؤول. ماذا يعني المسؤول؟ هذا يعني أننا نقع تحت المساءلة. عن ماذا؟ نقع تحت مساءلة عما فعلناه وما لم نفعله.
بالطبع، هذا «السؤال» يسمى «سؤال الناس» في العرف والأدبيات السياسية في العالم، ولكن ما هو أعلى من هذا وأهم منه «سؤال الله». هذا أكثر أهمية في الجمهورية الإسلامية. وبالطبع سؤال الناس مهم أيضاً وهو أحد أركان السيادة الشعبية الدينية، فالإحساس بالمسؤولية تجاه الناس من أركان الجمهورية الإسلامية والسيادة الشعبية، ولكن الأهم بمراتب هو الإحساس بالمساءلة تجاه الله. «إلهي ارحمني إذا انقطعت حجتي وكَلَّ عن جوابك لساني وطاش عند سؤالك إياي لُبّي». في يوم القيامة، يكون [المشهد] على هذا النحو: يسألون، وليس لدينا جواب. لقد قدمنا بعض الاستدلالات إلى أنفسنا. نقولها، فيُبطلون الاستدلالات، وهناك ندرك أن الاستدلال كان غير صحيح. [مثلاً، إذا سألوا]: لماذا فعلت هذا؟ لماذا لم تفعل؟ لدينا استدلال لأنفسنا نطرحه هناك [لكن] لا يوجد جواب. «انقطعت حجتي وكَلَّ عن جوابك لساني وطاش عند سؤالك إياي لُبّي» - في دعاء «أبو حمزة» - هكذا هو [المشهد].
حتى عندما يكون الشخص المسؤول بعيداً عن طائل مساءلة الناس له وإشرافهم عليه يكون الله هناك. كذلك العمل الذي تفعلونه والخدمة التي تقومون عليها على هذا النحو أيضاً. لقد قلت مراراً لمجموعات الخدمة في مختلف أجهزة إدارة الدولة عندما قابلوني، قلت «نصف الساعة» تلك التي تضيفونها إلى مدة المسؤولية لن يعرف بها أحد، ولن يطلع عليها رئيسكم، ولن يقولوا لكم حتى كلمة «شكراً»، يراها الله. والأمر على النحو نفسه بالنسبة إلى الأفعال المتروكة، والأفعال الخاطئة أيضاً.
هذه الكلمة لإمامنا [الخميني] العظيم (قده)، أن «العالَم محضر الله»، كلمة مهمة للغاية! حقاً نسأل الله المتعالي أن يعطي علو الدرجات لذلك القلب المفعم بالمعرفة. العالَم هو محضر الله ومكان حضور الله. «محضر» يعني مكان حضور الله. الله موجود في كل مكان وأين ما نكون، وحين نكون وحدنا، أو بين الجمع، وفي قلوبنا وتصوّراتنا وتخيّلاتنا ونيّاتنا... كلها في حضور الله المتعالي.
أساس المسؤولية هو: الحضور الإلهي. هذا هو أساس المسؤولية الاجتماعية والمسؤولية السياسية. اعلموا أن القرار الذي تتخذونه، والتوقيع الذي توقّعونه، وحتى الذي لا توقّعونه، والعمل الذي تعملون به والذي لا تفعلونه، كلّه أمام عين حضرة الحق: «وكنت أنت الرقيب عليّ من ورائهم والشاهد لما خفي عنهم».
هناك نقطة أرى من الضروري قولها في هذا الاجتماع الودّي والأخوي والجيّد، وهي أنّ من المفترض أنْ نكون، أنا وأنتم الذين لدينا مسؤوليات في الجمهورية الإسلامية، حتى لو افترضنا أننا في حياتنا الشخصية كنا كذلك - قد يكون المرء في بعض الأحيان ليس لديه تقييدات كثيرة - عندما ندخل مجال القيمومة على الأمور، ينبغي أن تزيد مراقبتنا [أنفسنا]. مثلاً كنتم لا تولون أهمية لصلاة الليل ونافلة الليل والنهوض عند الفجر ونحو ذلك [لكن] الآن بعدما صرتم مديرين يجب أن تبذلوا الهمّة. عليكم زيادة ما يربطكم بالله في وقت المسؤولية. يجب أن نشعر، أنا وأنتم، بحضور الله في ما نفعل ونترك. إذا حدث هذا، فحينئذ ستنزل البركات الإلهية، أيْ كما تلك الآية الشريفة من سورة هود وفيها أنّ بركات السماء ستنزل علينا. بركات السماء ليست المطر فقط. كل شيء [بما فيه] الرحمة الإلهية: «خيرك إلينا نازل». إن اهتمامنا هذا مفيد للناس ولنظام الجمهورية الإسلامية وللبلاد ولأنفسنا أيضاً، ويُقرّب قلوبنا من الروحانية ومن الحياة الطيّبة الإلهية. طبعاً هذه التذكيرات التي قدّمتها أنا محتاج إليها أكثر منكم جميعاً. نسأل أن يوفّقنا الله ويساعدنا، إن شاء الله، حتى تؤثّر هذه التذكيرات في قلوبنا، إن شاء الله.
بشأن بالتوصيات لديّ بعض التوصيات لكم، أيها الإخوة والأخوات الأعزاء الذين دخلتم ميدان القيمومة على الأمور - سواء في المجلس (الشورى الإسلامي) أو الحكومة أو الأجهزة المختلفة، إذْ دخلت مجموعة بنَفَس جديد إلى الميدان وبخاصة الشباب - وبخاصة الشباب الذين صار لهم لحسن الحظ حضور كبير نسبياً في جسم أقسام النظام، وهو أمر يبعث جداً على السرور، وأمر مفرح إذا كان مصحوباً بهذه المراقبة.
التوصية التي أريد أن أقدمها اليوم هي الانتباه إلى آفتين: الآفة الأولى هي الغرور، وآفةٌ [ثانية] هي الانفعال. هاتان آفتان يجب أن تكونوا حذرين للغاية منهما. الغرور هو أداة الشيطان. الغرور والاغترار أداة الشيطان. له مناشئ مختلفة ولا يهم ما يكون منشؤه. تارة منشؤه هو هذا المنصب نفسه والمقام الذي حصلتم عليه. افرضوا أنكم كنتم تعملون في نقطة نائية والآن أتيتم وصرتم في إدارة عليا... على سبيل المثال في المجلس أو الحكومة أو المؤسسات الثورية أو القوات المسلحة. إنه يجعل الإنسان مغروراً بأنه وجد مكانة. هذا أحد مناشئ الغرور. وأحد مناشئه النجاحات. تنجحون وتحرزون تقدماً في العمل الذي تفعلونه، وهنا يصير الإنسان مغروراً بنفسه، فقد تمكّنا من فعل ذلك العمل! أحد مناشئ الغرور هو الاغترار باللطف والاهتمام الإلهي، وهو ما ورد في كثير من الأدعية وحتى في القرآن: {وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِالله الْغَرُورُ} (لقمان، 33/ فاطر، 5). الغَرور - هو الشيطان - لا ينبغي أن يغرّكم بالله. ماذا يعني الاغترار بالله؟ يعني أن الإنسان يشعر بالاطمئنان المطلق إلى الله فلا يبقى عنده أي مراعاة. [يقول مثلاً:] «نحن جزء من جموع أصدقاء أهل البيت (ع) والله ليس لديه حساب معنا!» هذا الاغترار بالله؛ «وَالشَّقاء الأشقى لِمَنِ اغتَرَّ بِك»، وهو دعاءٌ من الصحيفة السجادية - أعتقد أنه الدعاء السادس والأربعون - وفي دعاء يوم الجمعة: «وَالشَّقاء الأشقى لِمَنِ اغتَرَّ بِك». إلهي، من اغترّ بك، فإن شقاءه أعلى من الجميع. هذا هو الاغترار. هذا هو الغرور.
لا تصيروا مغرورين. لا تصيروا مغرورين! هذا الغرور إذا وُجد، فهو مقدمة للفشل وللسقوط. هذا الغرور إذا وُجد من أيّ المناشئ التي ذكرناها، فهو مقدمة لسقوط الإنسان. عندما يجد الإنسان مثل هذا الغرور، يسقط في نفسه وفي المجتمع أيضاً وتنهار الحركة الاجتماعية التي نشأت من حوله وتسقط. هذه الآية الشريفة: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} (التوبة، 25) [حول هذا]. كانت حنين أول معركة دخلها الرسول (ص) بعد فتح مكة. وقد كان مع الرسول (ص) حشد كبير أيضاً، على عكس معركة بدر حين كانوا 313 شخصاً، وإنما هنا ذهب آلاف من الذي دخلوا الإسلام حديثاً ومن المهاجرين والأنصار المُنتصرين من فتح مكة وما إلى ذلك نحو الطائف [من أجل] معركة حنين. [عندما] نظروا، رأوا حشداً كبيراً، فصاروا مغرورين. فكسرهم الله المتعالي بسبب ذلك الغرور. {وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ}؛ الأرض بكل وسعها ضاقت عليكم، {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} (التوبة، 25)، أي هربتم. كانت معركة حنين من المواضع التي فرّ فيها الحشد من حول الرسول (ص) ولم يبقَ حوله إلّا أمير المؤمنين (ع) وبعض الأشخاص الآخرين، مثل معركة أُحد. إذن، هذه هي [نتيجة] الاغترار. طبعاً نصرهم الله المتعالي لاحقاً واستطاعوا أن ينتصروا ولكن هذه هي [ثمرة] الاغترار بالنفس وما إلى ذلك، فهو يسقط الإنسان. إنه يسقطنا ويسقط شخوصنا أيضاً ويسقط ويدمر المجموعة التي تتحرك حول محور حركتنا.
لذلك من الأمور التي تقرؤونها في دعاء «كميل» وتطلبونها من الله المتعالي «أن تجعلني بقسمك راضياً قانعاً وفي جميع الأحوال متواضعاً». لا تصيروا مغرورين، وكونوا متواضعين في الأحوال كافة. التواضع يعني «الاتضاع»، النقطة المقابلة للاغترار. الإنسان يطلب هذا الشيء من الله في دعاء «كميل».
من إشكالات الغرور إذا نشأ فينا أنه يبعدنا عن الناس. الغرور والاغترار بالنفس يبعداننا عن الناس. الناس يصغرون في عيوننا، فنحتقرهم ونبتعد عنهم بطبيعة الحال.
[الاغترار] يجعلنا واهمين بأنفسنا فنظن ونتصور أنفسنا أكثر مما نحن عليه. هذه هي آفة الغرور. عندما نرى أنفسنا أكثر مما نحن عليه، تصير أخطاؤنا أصغر في أعيننا. طبعاً كلنا لدينا أخطاء ونعترف جميعاً في قلوبنا أننا لدينا أخطاء. هناك بعض الحالات التي نعرف فيها بالضبط أننا ارتكبنا خطأ في القضية الفلانية والقضية الفلانية والقضية الفلانية... لكن هذه الأخطاء تصير صغيرة في أعيننا، في حين أنه إذا كانت هذه الأخطاء نفسها عند الآخر، تبدو كبيرة في أعيننا. أما خطؤنا، فيصغر في أعيننا! عندما نستصغر الخطأ، نغفل عن تصحيحه فلا نصححه ونستمر ونبقى عليه. هذه توابع الغرور، وما أكثر الإشكالات فيها!
إنه يحرمنا سماع النقد النابع عن نيّة خيّرة. تارة يقول لنا شخص شيئاً لغاية ما، وافرضوا مثلاً أننا قد لا نستطيع تحمّله فنغضب، ولكن تارة أيضاً عندما ينتقدوننا بنية خيّرة، لن يكون لدينا أُذُن للاستماع. حسناً، هذه هي الآفة الأولى، أي الغرور.
ما الآفة الثانية؟ الانفعال. الانفعال هو النقطة المقابلة للغرور الذي هو مرضٌ أيضاً، وهو آفة مهلكةٌ أيضاً. ماذا يعني الانفعال؟ يعني الروحية الضعيفة والشعور والإحساس بالعجز وبأنه لم يعد بإمكانهم [فعل شيء]. إنّ الشعور بانسداد الطريق في الأمور وغياب الشعور بإمكان الفرج هما انفعال. اليأس من الرحمة الإلهية من آثار هذا [الانفعال] وهو من أكبر الذنوب. {لَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} (يوسف، 87). من الذنوب التي يذكرونها كأحد الذنوب الكبيرة اليأسُ من الرحمة الإلهية. هذا بسبب الانفعال حين يشعر الإنسان بالوصول إلى طريق مسدود ويقول إنه لا يمكن فعل أي شيء. إنه سمّ خطير. بالنسبة إلى مدير المجموعة ومسؤولها إنّه سمٌّ حقّاً أن يشعر بانسداد الأفق. والأعداء أيضاً يحاولون جاهدين تحقيق هذا المعنى وبثّه فينا جميعاً [بطرق] وعناويين مختلفة: بالاجتماع والحوار والشعار والمقابلة والأخبار، وبعض الأنشطة العملياتية، فيحاولون زرع اليأس والانفعال وسدّ الأفق وأمثال ذلك أمام الطرف المقابل أيّاً كان.
بالطبع أيدينا ممتلئة في مواجهة هذه الآفة الثانية، الانفعال. فبحمد الله لدينا طريقة لمواجهة هذا الانفعال في نظام الجمهورية الإسلامية. أولاً هناك الوعود الإلهية والآيات القرآنية التي فيها وعد الله الذي لا يُخلف. في سورة آل عمران المباركة، بعد أن يُظهر أحاسيس العدو تجاهنا، يقول [المتعالي]: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا (120)}. يبين لنا القرآن طريق مواجهة العدو: «الصبر» و«التقوى». الآن سأقول ما تعنيه التقوى في مثل هذه الحالات. لذلك نحن على يقين بأن وعد القرآن وعد صادق، أي لا يوجد أدنى شكّ وتردّد فيه؛ {إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا}، أي كيدهم لن يؤثّر فيكم أبداً، ولن يعيدكم إلى الخلف. هذا وعد إلهي.
أولاً ماذا يعني الصبر في {إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا}؟ الصبر يعني رفض التعب. في عدد من هذه الترجمات الفارسية، عرّفوا الصبر بمعنى الاستقامة مثلاً. هذا صحيح، ويعني رفض الشعور بالتعب. وإذا قالوا التحمّل، فهذا يعني رفض التعب. الصبر يعني ألّا تتعب. الصبر في العبادة هو نفسه، والصبر عن المعصية هو نفسه – إنّ معصية ما تجذب الإنسان وتشدّه باستمرار والإنسان يقاومها دائماً، فهذه المقاومة تجعل المرء متعباً ثم يستسلم لهوى النفس، لكن الصبر يعني رفض التعب – والأمر عينه في مواجهة المصيبة والعدو. هذا معنى الصبر. البقاء في الميدان ورفض تركه هما صبر.
ماذا تعني التقوى؟ تعني المراقبة الكاملة. هذا ما تعنيه التقوى في كل مكان. {فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} (البقرة، 197). والتقوى أينما وردت في القرآن، تعني المراقبة التامّة، مثل مراقبة ذلك الشخص الذي يرتدي لباساً طويلاً – مثل لباسنا [العلماء] – ويتحرّك في حقل أشواك. حسناً، إنه حريصٌ على ألّا يعلق في الشوك، فيلتفت إلى كلّ خطوة من خطواته خطوةً بخطوة. إنّه ينظر تحت قدميه وأيضاً إلى المكان الذي يكون فيه الشوك أقل ويذهب في ذاك الاتجاه. ينظر تحت قدميه ويكون لديه رؤية أيضاً. هذه هي التقوى. حينئذ يكون معنى «تقوى اللّه» الذي يُعبّر عنه بأن يخاف الإنسان من الله وأمثال ذلك بهذا المعنى نفسه. هذا ما يعنيه الخوف من الله. يعني المراقبة بدقّة لتجنب التصرف بما يخالف حكم الله أو أمر الله المتعالي ونهيه. هذه هي التقوى. في مثل هذه المواضع التي يذكر فيها {إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا} هناك خصوصية: هذه التقوى هي التقوى مقابل العدو، أي الحذر، الحذر من العدو والانتباه إلى تحرّكاته، والانتباه إلى حركاتكم أمامه، وإلى مناوراته وتحرّكاته، وإلى العمل الذي يصدر عنكم والذي قد يشير إلى غفلتكم. هذا ما تعنيه التقوى. وهو ما قاله أمير المؤمنين (ع): «إنَّ أخَا الحَربِ الأرِقُ وَمَن نامَ لَم یُنَم عَنه»، فيعني الصحوة وأن تكون متيقّظاً. التقوى هنا تعني ذلك. إنه المعنى العام للتقوى نفسه لكنّ صورته هنا على هذا النحو: احذروا العدو. في أيّ مسألة الأمر كذلك، فالتقوى ضرورية في الدبلوماسية والشؤون الاقتصادية وقضيّة الأمن... التقوى ضرورية في هذه الأمور كلّها وفي مختلف الأمور. في كل واحدة منها، تتناسب التقوى مع المسألة نفسها. وبالطبع أمر الله هو طلب العون من الله المتعالي والمراقبة الدقيقة. تجربتنا تظهر الشيء نفسه. كان هناك وقت نقرأ فيه هذه الآيات، وكانت تجربتها في التاريخ، وكنّا نذكرها كتجربة في صدر الإسلام [لكن] اليوم الأمر ليس كذلك. اليوم اختبرناها بأنفسنا ورأيناها في مجالات مختلفة: إذا صبرنا واتّقينا، فسننتصر. في اليوم الذي بدأت الحرب - مرحلة «الدفاع المقدس» - اعتقدنا أن الحرب ستستمر أسبوعاً أو عشرة أيام أو عشرين مثلاً [لكنها] استغرقت ثماني سنوات. استغرقت ثماني سنوات! كان الإمام [الخميني] مطمئنّاً منذ اليوم الأوّل. لم يكن يصرّح بأننا سننتصر. لا! [لكن] لم نرَ أيّ قلق لديه. كان يسأل ويستوضح ويسأل عن التفاصيل في الاجتماعات التي أجريناها مع مسؤولي السلطات الأخرى. يسأل: ماذا حدث ولماذا – كان هناك مثل هذه الأشياء - لكن لم يكن هناك أي اضطراب إطلاقاً في وجه الإمام وموقفه وبياناته. لقد كان قلبه مطمئناً وحاسماً أنّه سيصل إلى وضع مناسب. لقد ثبت، ثبت في قضايا مختلفة.
الآن يشتكي بعضهم منذ ذلك اليوم أنّه لماذا لم يُتخذ هذا القرار في ذاك الحين. حسناً، لم يكونوا حاضرين ولا يعرفون وغير مطّلعين على القضايا وجوانبها. ربما حدثت بعض الأخطاء في تفاصيل تلك الأعمال التي جرت في ذلك الوقت – الأعمال عامة إذ لا نريد الخوض في التفاصيل - لكن الحركة العامة كانت حركة الصبر والتقوى، ووصل الأمر في النهاية إلى انتصارنا، بحمد الله. القضيّة كذلك في مختلف الأمور.
رغم كلّ هذه التجربة الناجحة التي نمتلكها في مختلف القطاعات، فإنه في الحقيقة يكون جفاءً مع الناس والبلاد ومع الثورة أيضاً إذا ما أراد أحد اليوم أن يبثّ اليأس بين الناس ويُشعرهم أنّ الطريق مسدود، وأنْ يسعى إلى تحطيم معنويات الناس وإضعاف إرادة المسؤولين.
بالطبع، في بعض الحالات تكون مؤشراتنا سلبية. في المجال الاقتصادي المؤشرات ليست جيدة. كلنا نقبل هذا. المسؤولون والمديرون السابقون والحاليون والجميع يعلمون أن المؤشرات ليست مرغوبة في السنوات المختلفة التي تؤدي إلى [يومنا]. الآن هذا كله يمكن إصلاحه طبعاً. هذه المشكلات الاقتصادية كافة يمكن علاجها، إن شاء الله، وسوف تُعالج أيضاً. لكن مؤشرات الاقتدار والتقدّم والنجاح في البلاد ليست قضية الاقتصاد فحسب، فهناك مؤشرات أخرى أيضاً ينبغي الالتفات إليها. حتى في مجال الاقتصاد هناك إشارات نجاح في مختلف القطاعات سأذكر بعضها الآن.
أوّلاً رغم الحظر الذي فُرض على بلدنا - حسناً إن الحظر الذي فُرض علينا ولا يزال لم يسبق له مثيل، وهم أنفسهم قالوا إنه لم يُفرض مثل هذا الحظر على أي بلد منذ بداية التاريخ –، لم يُفلس اقتصادنا، بل على العكس من توقعات الأجانب الذين قالوا إن إيران ستُفلس - لا - بقي الاقتصاد قائماً. المرونة الاقتصادية هي نجاح كبير.
إضافة إلى ذلك استفدنا من الحظر نفسه. إنّ شعبنا ومسؤولينا ومديرينا استخدموا الحظر نفسه، ووصلنا في حالات كثيرة إلى الاكتفاء الذاتي. لو لم يكن الحظر علينا، لكنّا في قضيّة كورونا مثلاً سنذهب لاستيراد اللّقاحات من أجزاء مختلفة من العالم، ولن نفكر في إنتاج اللقاحات. اليوم يجري إنتاج اللقاحات في خمسة مراكز أو ستة، كما قال رئيس الجمهورية. هذا فخر للشعب الإيراني. إنه فخر للشعب الإيراني. نعم، استخدمنا لقاحات الآخرين وكان يجب أن نفعل ذلك ولم يكن في ذلك خطأ، لكن حقيقة أننا كنا قادرين على التحرّك بأنفسنا [فهذا نجاح].
في حالات كثيرة، وصلنا إلى هذا الاكتفاء الذاتي وإلى الابتكار. يُعرض على التلفاز حالات كثيرة قد اجتمع فيها أربعة شباب أو خمسة معاً وأنتجوا شيئاً ما، أي أوجدوا شيئاً في الداخل كان سبباً لدخول العملة الصعبة، وجودته أفضل من ذلك [المنتج] الأجنبي. إنّهم يعرضون هذا أمام أعين الجميع، وإننا نراه. هذا نجاح للشعب وتقدّم له. الأمر كذلك في مجال الاقتصاد.
في المجال الاقتصادي، لم تقع بلادنا في الديون رغم الحظر والقيود. انظروا إلى عدد من البلدان - جيراننا وغير جيراننا - التي رغم أنها لم تكن خاضعة للحظر وليس لديها كلّ هذا العداء، فإنّها تدين بـ300 مليار و400 مليار [دولار] للبنك الدولي ولصندوق النقد الدولي ولبلد ما. ديوننا قريبة من الصفر. ليست صفراً لكنها قريبة منه. هذا ليس إنجازاً صغيراً؛ إنه مهم جدّاً. أي حتى في مجال الاقتصاد حيث يوجد عدد من المؤشرات السلبية، ثمة هذه المؤشرات [الإيجابية] أيضاً.
من الإنجازات الأخرى التي حققناها، والتي تعد بحد ذاتها مؤشراً ويجب أخذها بالاعتبار، تقدُّمنا العلمي والصناعي والتقني. تمكنا في مراحل مختلفة من الضغط الدولي، وفي مختلف الأوقات، من التقدم في مجالات متنوّعة في العلوم والصناعة. هذا ليس شيئاً صغيراً، إنّه مهم جداً. بعض المؤسسات الشعبية - المجموعات الاستثمارية الشعبية - نفّذت أعمالاً بارزة، إذ قبل أسابيع كان هناك لقاء في هذه الحسينية نفسها، وقد عُرض على التلفاز - لا بدّ أنّكم شاهدتموه - وجاء الناشطون الاقتصاديون وقدّموا تقريراً، ولم تكن تقارير شفوية بل مصوّرة وتم عرضها بالكامل هنا، وقد أوضحَت أنّهم أنجزوا أعمالاً عظيمة، فالشركات الناشطة في المجالات الإنتاجية وغير الانتاجية قدمت أعمالاً [عظيمة].
مؤشر آخر يمكننا الاعتماد عليه هو أن التدفق الشعبي لإدارة البلاد سار بسلاسة. انظروا إلى ما تعانيه بعض الدول الأخرى من مشكلات في قضاياهم الإدارية وانتخاباتهم: الانتخابات المبْكرة، وإلغاء الانتخابات، وما شابه. الأمر ليس كذلك عندنا. هنا، رغم الأعمال العدائية كلها، سارت الأمور بشكل قانوني وبالطريقة الصحيحة وحققت ثمارها. هذه مؤشرات مهمة لأعمال البلاد. قارنوها مع بعض البلدان الأخرى، ليتّضح مدى أهميتها.
أودّ أن أؤكد على نحو قاطع أن هذه الإنجازات وعدداً من الأشياء الأخرى، مثل العمق الإستراتيجي والتأثير الروحي في البلدان وما شابه، جعلت من الجمهورية الإسلامية أنموذجاً جذّاباً. تشكل الجمهورية الإسلامية اليوم بالتأكيد أنموذجاً جذّاباً لعدد من الدول. دعايتنا محدودة بالطبع، والآخرون يبثّون الدعاية ضدنا كثيراً، أي الدعاية ضد الجمهورية الإسلامية أكبر بمرّات من الدعاية الخاصة بنا. لذلك إن العديد من الشعوب والبلدان ليس لديها اطّلاع. بحمد الله، إن الجمهورية الإسلامية هي أنموذج جذّاب لمن هم على صلة واطلاع ومعرفة.
حسناً، لذلك يجب أخذ هذه المؤشرات بالاعتبار، أي أولئك الذين يريدون الحكم على حالة البلاد عليهم ألا ينظروا إلى الاقتصاد فقط؛ الاقتصاد مؤشر [واحد]. هناك مؤشر الأمن ومؤشر التقدم العلمي، وهناك مؤشر استخدام الحظر من أجل الابتكار والمؤشرات المرتبطة بالدبلوماسية. هذه كلها مؤشرات، فليلتفتوا إليها. إنّ قوّة البلاد هي منظومة ومجموعة من العوامل المختلفة المترابطة ببعضها بعضاً. فترك الرؤية أو الفهم لهذه المنظومة وشكلها من القوة والاعتبار يؤدي إلى أحكام غير صائبة. لذلك لا بدّ رؤية المنظومة بأكملها. فعندما ينظر الإنسان إلى المنظومة، يشعر بالسرور.
حسناً، العدو لديه جشع بالطبع. إنه يطلق كلمات غير ذات صلة وملوّثة باليأس أيضاً. قال ذلك من قبل، وهو يقولها الآن. في بداية الثورة، عندما هاجم صدام حسين إيران، أجرى مقابلة بالقرب من حدودنا بالقرب من إيلام، وهناك قال: «المقابلة التالية الأسبوع المقبل في طهران!» قال هذا. لقد وعد نفسه ومستمعيه بأنهم سيأتون إلى طهران الأسبوع المقبل لفتحها وإجراء المقابلة التالية فيها. رأيتم ما حدث له في الحرب وبعدها. خلال إحدى عمليات الحرب، وصل وضع صدام حسين إلى نقطة كان على وشك أن يُلقي شباب «حرس الثورة» القبض عليه، أي في عملية «الفتح المبين»، لو وصل الشباب قبل نصف ساعة، لكان قد أُلقيَ القبض على صدّام حقّاً. لقد فرّ وكان محظوظاً... لاحقاً مع تلك المذلّة والبؤس وقبول شروط إيران، وبعدها أيضاً اللجوء إلى إيران. في القضايا اللاحقة، أرسل طائراته واحدة تلو أخرى دون إذن. كان الأمر كذلك. في المدّة الأخيرة - العام الماضي على ما يبدو - قال مهرّج أمريكي إنه سيحتفل بعيد الميلاد في طهران. يقولون هذه الكلمات لكن الواقع بعيد عما يريدون ويسعون إليه.
حسناً، حين ترون أن الأمريكيين يقولون صراحة إن [سياسة] «الضغط الأقصى» على إيران أخفقت إخفاقاً ذريعاً، هذا الأمر قضيّة كبيرة ومهمّة جداً. إنّها قضيّة مهمّة جدّاً أن تعترف أمريكا المتكبّرة، أمريكا المتعجرفة، أمريكا المستكبرة، بأن «الضغط الأقصى» على إيران أخفق إخفاقاً ذريعاً. لذلك، يا أعزائي، دعونا لا نغترّ أو ننفعل، ولا نفقد معنوياتنا، ولا نغترّ بأنفسنا. هاتان هما التوصيتان اللتان أشير إليهما.
هناك بعض التوصيات العملية أيضاً التي [سأقولها] إن شاء الله، إن لم تكن طويلة جدّاً. إحدى القضايا هي شعار العام نفسه الذي قلناه حول الإنتاج بتلك الخاصيتين: الأولى هي كونها معرفيّة وقائمة على المعرفة، والثانية هي خلق فرص العمل. لقد أشكلوا علينا وقالوا لا يمكن أن نجمع بين الخاصيتين. ما يقولونه صحيح. هذه هي الحال في بعض الحالات، أي كلما كانت التكنولوجيا أكثر تقدّماً، قلّت الحاجة إلى الموارد البشرية. هناك من بعثوا رسالة مفادها: كيف يكون هذا؟ لدي الجواب عن ذلك. نعم، يكون الأمر كذلك في بعض الحالات لكنه ليس هكذا في حالتنا لأن لدينا كثيراً من المصانع والشركات المغلقة أو شبه المغلقة في القطاعات التحويليّة. إنها كثيرة جدّاً. لذلك إنّ جعل الشركات قائمة على المعرفة يمكن أن يشمل هذه الشركات، أي يمكن أن تتضاعِف وتزيد فرص العمل على هذا النحو. لذا يمكننا [خلق فرص عمل]. بالإضافة إلى ذلك إن التكنولوجيا الجديدة نفسها لديها حالة توسع طبيعية، فكلّما تقدم الإنسان في الأمور التكنولوجية، تنفتح المجالات أمامه. ولذا إن خلق فرص العمل لا يتضرّر بالتأكيد، فيمكن للإنتاج المعرفي أن يكون محط اهتمام، وفي الوقت عينه أن يكون هناك خلقٌ لفرص العمل أيضاً.
نقطة أخرى تتبادر إلى الذهن حول الإنتاج القائم على المعرفة، وفي معرض الإجابة عن هذا الإشكال أننا إذا جعلنا إنتاجنا قائماً على المعرفة، نحن في الواقع نرتقي بالموارد البشريّة العاملة. من يأتي للعمل في المجموعات القائمة على المعرفة؟ هم شبابنا المتعلّمون. اليوم هناك العديد من الشباب الجامعيين لدينا الذين يشكلون نسبة عالية جدّاً - لقد قالوا رقماً، لكن بما أنّني لم أتابع الموضوع لا يمكنني أن أقدّم رقماً، لكنها نسبة عالية - يعملون في المجالات التي لا علاقة لها أبداً بمجال دراستهم. الأمر كذلك، وهذا عيب كبير. هذا في الواقع نوع من البطالة. لقد عمل بجدٍّ ودرس وتكلّفت الحكومة عليه وأمضى عمراً لكن لا يُستفاد منه؛ هذا نوع من البطالة. عندما نكون قادرين على تطوير شركات قائمة على المعرفة، سيُجذب هؤلاء الشباب كلهم للعمل وسترتفع جودة الموارد البشرية في جهاز العمل لدينا، وسوف تأتي النّخب [للعمل] ولن تعود مضطرة إلى التوجّه نحو المشاغل الخدمية الأقلّ أهميّة.
من الواجب أن أذكّر بنقطة حول هذه الشركات القائمة على المعرفة والإنتاج القائم على المعرفة - بالطبع، تمت الإشارة إلى بعض الملاحظات من قبل لكنني سأضيف عليها أيضاً - هي أنّه يجب وضع معايير كيفيّة للشركات القائمة على المعرفة. لا ينبغي أن يكون الأمر على نحو تأتي فيه الشركة التي تعمل بالتكنولوجيا التي تعود إلى ما قبل أربعين عاماً للتسجيل كشركة قائمة على المعرفة للاستفادة من المزايا والمرافق والتسهيلات الموجودة مثلاً. هذا غير صحيح. يجب أن يكون هناك ابتكار في الشركات [القائمة على المعرفة] بالمعنى الحقيقي للكلمة، وسوف أوجز الآن بعض الميزات الأخرى... أو شركة التجميع الفلانية، أي المُجمّعين، فالتجميع في الحقيقة هو الاستيراد المفرط نفسه بشكل آخر، وهذا ليس إنتاجاً ولا يسمى خلق منتج؛ هذا نوع من الاستيراد، فيأتي ويُعرَّف باسم شركة قائمة على المعرفة! الأمر ليس كذلك. لهذا من الضروري أن يحدّدوا المؤشرات الدقيقة والكيفيّة ويأخذوها على محمل الجدّ، وأعتقد أن [هذا] العمل مرتبط بالمستشار العلمي [لرئيس الجمهورية] أو أيّ مكان يتصدّى للموافقة على هذه الشركات.
نقطة أخرى هي أن عدد الشركات القائمة على المعرفة وحده لا يكفي بالنسبة إلينا لتقييم هل إنتاج البلد قائم على المعرفة أو لا. حسناً، ركّزت في أول خطاب لي من هذا العام على الأرقام، فعلى سبيل المثال، قالوا مقداراً معيّناً، فقلنا: لا، [يجب] أكثر من هذا. قالوا قد يزيد ثلاثين في المئة. قلنا: لا، على الأقل خمسين أو مئة في المئة زيادةً. هذا هو الرقم. حسناً، هذا مؤشر لكنه ليس كافياً. يجب أن تتمتع الشركات التي تتأسّس بخصوصيات، وهذه الخصوصيات حيوية وأساسية ومهمة.
إحدى هذه الخصوصيات أن يكون فيها ابتكار، وأخرى هي الحدّ من خروج العملات الصعبة. نحن الآن، في بعض الحالات، ننفق كثيراً من العملات الصعبة لاستيراد منتج ما. إذا كانت هذه الشركة القائمة على المعرفة تنتج هذا [المُنتج] أو تجعله أقرب إلى الإنتاج، فإنها تخفّض خروج العملة الصعبة أو تقضي عليه تماماً. هذا أحد المعايير.
خلق فرص العمل من المؤشرات، أي أنْ تخلق الشركات فرص العمل بالمعنى الحقيقي للكلمة، وأن تكون لديها القدرة على التصدير، أي قادرة على المنافسة في مواجهة المنتجات العالمية والدولية. هذه المؤشرات يجب تحديدها واتباعها، إن شاء الله.
نقطة أخرى مهمة هي وضع الأولويات لتطوير الشركات القائمة على المعرفة. من أهم الأولويات أن تتوجّه هذه الشركات نحو حلّ المشكلات. لدينا قضايا اقتصادية محددة في البلاد. يجب أن تتوجّه هذه الشركات إلى حل المشكلة، وأن تعمل على فك العقد، وأن يكون إيجادها وفقاً للحاجة، أي إجراء تقييم للاحتياجات حول هذه الشركات. هناك مجالات يعتمد فيها الأمن الاقتصادي على هذه الشركات. لنفترض على سبيل المثال القطاع الزراعي الذي تصادف أن قلت في ذلك اليوم، في أول خطاب من العام، إن أحد أكثر قطاعاتنا اعتماداً على الواردات والخارج قطاعُنا الزراعي مع أنّه مرتبط بأمننا الغذائي. [هذه] قضية مهمة.
يجب أن تلحظ الشركات القائمة على المعرفة أن الأمن الاقتصادي للبلد مرهون بها... أو أن لديها قابلية عالية لجذب القوى المتخصّصة والمتعطّلة عن العمل، أو في القطاعات التي تُصدّر فيها الشركات المواد الخام مثل التعدين. للأسف، لدينا في بلدنا مشكلات كثيرة في قطاع التعدين، ومنها مشكلة بيع المواد الخام. أمّا النفط، فهو أمرٌ له حصته. في ما يخصّ النفط نحن في الحقيقة ليس لدينا أيّ قيمة مضافة، وبشأن الغاز [المشكلة] موجودة إلى حدّ ما، فيما يقول الخبراء إنه من الممكن إنتاج وخلق قيمة مضافة كبيرة في قطاع النفط إذا ما أولينا اهتماماً لقطاع المصبّ في النفط. الغاز أيضاً على هذا النحو، وفي قطاع المعادن الأخرى الأمر كذلك أيضاً: المعادن، والأحجار الثمينة في البلاد... وكم لدينا من مقالع الأحجار الثمينة في البلاد، وكيف يجري تصديرها دون أي قيمة مضافة أو دون العمل عليها. هذه الأقسام مهمة وعلينا أنّ نوجّه الشركات المعرفية نحوها.
شيء آخر حول هذا الإنتاج القائم على المعرفة هو أن ندعم حقّاً الشركات القائمة عليها، وأن تدعمها الدوائر الحكومية. أهم مستهلك للمنتجات في البلاد هي الحكومة. حسناً، يمكن للحكومة استخدام المنتجات القائمة على المعرفة، وهذا يعني منع الاستيراد المفرط الذي ذكرناه مراراً وتكراراً وأحد عناوينه ومصاديقه التامّة هنا دعمُ هذه الشركات ومنتجاتها.
من القضايا الاقتصادية المهمّة هذا الموضوع الذي ذكرناه: بيع المواد الخام. نحن نصدّر المواد الخام بأسعار رخيصة ونستورد المنتجات النهائية من الخارج بأسعار مرتفعة. لقد كتبوا نسبة هذين السعرين لي، كما ذكرها أصدقائي المتخصصون في هذه الأعمال، والنسبة كبيرة للغاية. نصدّر المواد الأولية بأسعار رخيصة ونستورد المنتج النهائي بأسعار مرتفعة، مع أن علينا [تصدير] المنتج النهائي. [ينبغي] أن تذهب صادرات البلاد في هذا الاتجاه، وأن تسير المنتجات فيه، وأن يسير الإنتاج القائم على المعرفة فيه حتى نتمكن من تصدير المنتج النهائي في مختلف المواد المتنوّعة.
من القضايا المهمة للبلاد التي ذكرتها للمسؤولين - الحاضرين الآن هنا من الحكومة والمجلس – مسألة خطة التنمية السابعة التي كان لا بدّ من الموافقة عليها العام الماضي لتكون منشأً للخطة السنوية لعام 1401. حسناً، لم يتمّ هذا العام الماضي، فاعملوا هذا العام لإيصاله إلى مكان ما، إن شاء الله. ابذلوا الجهد لتنظيم هذا البرنامج على أساس هذه السياسات العامّة وإنهاء هذا الموضوع في الحكومة والمجلس، إن شاء الله.
من القضايا المهمة موضوع كون المرء شعبياً، وهو ما أشار إليه رئيس الجمهورية، وهذا صحيح. إنّ هذا الحضور بين الناس وهذه الزيارات إلى المحافظات عمل قيّم للغاية وجيّد وحلّال للمشكلات. هناك أشياء لا يستطيع المرء فهمها ما لم يشاهدها في المجال الميداني، أو ما لم يرَ بنفسه، أو ما لم يسمع من الأشخاص الحاضرين في الميدان، أو ما لم يُنقل إليه أخبار موثوقة من الأشخاص الذين يذهبون ويرون، فما لم يكن هذا، فلا تمكن معرفة الحقائق والتخطيط بناءً عليها. كون المرء شعبياً أمرٌ مهم للغاية ولكن من أهم الأشياء في كون المرء شعبياً هو أن يبقى كذلك، فابقوا شعبيين ولا تكلّوا. الصبر الذي قصدته... هنا أحد مواضعه. لا ينبغي أن نكون في أول العمل شعبيين ثم نتعب تدريجياً. لا، ابقوا شعبيين حقاً. ليس قصدي أنه تجب متابعة هذه الزيارات إلى المحافظات حتى نهاية الدورة [الرئاسية]. لا، قد يتوقف الأمر في مكان ما ولا إشكال، لكن كون المرء شعبياً لا يقتصر على الزيارات إلى المحافظات. التواصل مع الناس والاستماع منهم والإنصات إلى القضايا... إذْ أحياناً يُسمَعُ من الناس العاديين قضايا لا نسمعها من المستشارين المقرّبين للمرء وذوي الخبرة والتجربة، فيستفيد المرء منها أكثر. التواصل مع الناس والتقارير الشعبية فيها هذا [الحُسن].
هناك نقطة أخرى أوصي بها بشدة هي قضية سياسات المادة 44، التي تم إبلاغها قبل بضع سنوات وأشاد الجميع وأثنوا: «كم هي سياسات جيّدة!» لكن لم يُعمل بها. حقاً لقد تم التشديد على الحكومات المختلفة دائماً، وقالوا أيضاً إننا نريد أن نعمل أو إننا نعمل ولكن لم يتم تنفيذ سياسات المادة 44 بالمعنى الحقيقي للكلمة. لا بدّ أن يصير اقتصاد البلاد على عاتق الشعب بالمعنى الحقيقي للكلمة وأن تؤدي الحكومة دورها الحكومي الخاص وألا تتصدى بنفسها. هذا أمر مهم جداً. أحياناً تحملون حمولة على كتفكم وتريدون أن تمشوا سيراً على الأقدام مع كل هذه المشكلات من مدينة إلى مدينة، وأحياناً تركبونها في وسيلة نقل فعّالة أنتم مَن يقودها. [الخيار] الثاني هو الصائب. وسيلة النقل الفعّالة هم الناشطون الاقتصاديون في البلاد. فعّلوا هؤلاء ولكن أشرفوا على عملهم، وضعوا السياسة واحرصوا على منع أي تخلّف أو خطأ ولكن دعوهم يعملون. هم ينتفعون والناس أيضاً وأنتم تنتفعون بصفتكم مسؤولي الدولة. كانت هذه أيضاً مسألة [مهمة].
هناك قضية أخرى مهمة للغاية أيضاً، وهي على المدى البعيد طبعاً، هي قضية النمو الاقتصادي الخالي من النفط... مثل هذه البلدان التي ليس لديها نفط، ولديها نمو وتقدم اقتصادي، وهي ليست قليلة. النفط، هذه المادة المخدّرة التي جعلتنا مدمنين عليها - للأسف - منذ مئة عام حتى الآن... إنه إدمان صعب للغاية حقاً. وبالطبع هذا الأمر غير ممكن على المدى القصير وسيتحقق على المدى البعيد، وهو ليس عمل يوم وغد وعمل حكومة فقط. أي إذا بذلت الحكومات الهمم، فقد يتحقق ذلك، وعلى سبيل المثال خلال حكومتين من ثماني سنوات. بالطبع، لقد طرحت هذا ذات يوم منذ سنوات عدة. لو كان الأمر قد بدأ من ذلك اليوم، لكان الوضع اليوم مختلفاً بلا شك. لكنه لم يُتّبع.
قضية أخرى هي مسألة موارد العملات الصعبة: أين ننفق موارد هذه العمولات الصعبة وكيف نستخدمها. لا بد أن نكون متنبهين أنه لو حدث انفراج للعملات الصعبة مثلاً من ناحية ما ألّا يتم إنفاق موارد هذه العملات على واردات غير مضبوطة، بل على أعمال البنية التحتية للبلاد. البلد بحاجة إلى أعمال البنية التحتية.
قضية النقل، قضية النقل بالسكك الحديدية، القضايا المختلفة المتعلقة بالشركات القائمة على المعرفة، قضية طرق الارتباط مع الدول المجاورة... هذه هي أعمال البنية التحتية التي يجب تنفيذها، فالبلاد بحاجة إليها. التحديث الصناعي [أيضاً]، فكثير من صناعاتنا قديمة جداً لدرجة أن تحديثها يتطلب عائداتٍ من العملات الصعبة. لا بد أن تُنفق على هذه الأشياء. وليس الأمر أنه بمجرد أن نحصل على بعض المال - افتراضاً على سبيل المثال - يُفتح باب استيراد السلع الكمالية مرة أخرى، ويُقال الآن أن كثيراً منها يأتي عبر التهريب. حسناً يجب إيقاف التهريب أيضاً. هذا حقاً أحد الأعمال العظيمة والمهمة. يستوردون طعام الكلاب من الخارج ومستحضرات التجميل بأسعار باهظة وغالية الثمن! لا ينبغي إنفاق عملة واحدة على هذه الأشياء ناهيكم بالكثير من المال. الغرض: لدينا كثير من أعمال البنية التحتية. مشكلة المياه في البلاد أيضاً، مشكلة المياه هي من أعمال البنية التحتية، والحل ممكن تماماً لكنه يتطلب المال.
الآن، لحسن الحظ، نعلم ونحن مطلعون أن هذه الحكومة قد فعلت وتفعل أعمالاً جيدة للغاية في هذا الصدد، و[أخرى] قيد الإنجاز. يجب إنجاز هذه الأعمال، والمياه من القضايا المهمة.
الفرصة المهمة المتاحة لمسؤولي البلاد هي «مجلس التنسيق الاقتصادي» لرؤساء السلطات [الثلاث] الذي تم إقراره وبدؤه في الحكومة السابقة وأدى أعمالاً كبيرة. طبعاً كانت المسؤولية الأولية والمهمة لهذا المجلس تتمثل في ثلاث مهمات أساسية أو أربع كانت إحداها الإصلاح الأساسي للموازنة وأخرى مسألة المصارف، أيْ كان ينبغي متابعتها من أجل إصلاح هيكل الموازنة. توجد مشكلات في هيكل الموازنة. ومنذ البداية تحددت إحدى مهمات هذا المجلس في إدارة مواجهة الحظر. تجب الاستفادة من هذه القابلية على نحو كامل - إن شاء الله - وعلى مسؤولي السلطات الثلاث متابعتها بتعاون كامل وبمودة كاملة. طبعاً هي موجودة بحمد الله، وهناك مودة بينهم. حسناً كانت هذه القضايا الاقتصادية، وقد أخذت هذه القضايا معظم وقتنا، واستغرقَت وقتاً طويلاً أيضاً.
قضية الثقافة المصيرية مهمة جداً، وهناك حاجة إلى مجاهَدة ذكية في مجال العلم والثقافة وفي الاتجاه الصحيح. إن المراكز المتعهّدة الرسمية مثل وزارة الإرشاد ومنظمة «التبليغات» ومكتب «التبليغات» والإذاعة والتلفزيون و«المجلس الأعلى للثورة الثقافية» هم المخاطب بالدرجة الأولى لهذا الطلب، وفي الدرجة الثانية - طبعاً لا يمكن القول [حرفياً] بالدرجة الثانية - بطبيعة الحال الناشطون الثقافيون المنتشرون على نطاق واسع في البلاد، وبحمد الله هم ليسوا قليلين بل كثيرين. لا بدّ للجميع حقاً من متابعة هذه القضية الحيوية للثقافة والاهتمام بها. لكن هذا يجب أولاً أن يكون على هيئة مجاهدة ومثابرة ليلاً ونهاراً. ثانياً يجب أن تكون ذكية لا معصوبة العينين وعلى العميَان وما إلى ذلك، فعليهم أن يتحركوا في الاتجاه الصحيح. كانت هذه [قضية] أيضاً.
بحمد الله، تخطو الدبلوماسيّة في اتجاه جيّد. وما يحظى بالاهتمام اليوم في الشؤون الدبلوماسيّة هو القضيّة النوويّة، وأنتم بالطّبع تتابعون أخبار القضيّة النوويّة ومطّلعون على مسار القضايا. كما قلت سابقاً وقال المسؤولون الحكوميّون أيضاً، وأكّد السيّد رئيس الجمهوريّة هذا الأمر مكرَّراً أيضاً، لا تنتظروا في تخطيطكم للأعمال المفاوضاتِ النوويّة إطلاقاً. إطلاقاً! أنجزوا عملكم وانظروا إلى أوضاع البلاد الجارية وخطّطوا وفق الأوضاع الحاليّة. قد تصل المفاوضات إلى مواضع معيّنة، مواضع إيجابيّة، مواضع نصف إيجابيّة، سلبيّة... مهما حدث، أدّوا أعمالكم ولا تربطوها بها. حسناً، لحسن الحظّ أنّ وزير الخارجيّة المحترم والمسؤولين في الفريق المفاوض يُقدّمون إلى رئيس الجمهوريّة و«المجلس الأعلى للأمن القومي» تقاريرهم الدّقيقة ويُطلعونهم على المستجدّات ويتّخذون القرارات ويُفكّرون ويدرسون جوانب القضيّة.
لا مشكلة في انتقاد أعمال هؤلاء المسؤولين أيضاً، ولا مشكلة في إبداء الرأي، لكن عليكم أوّلاً أن تحرصوا ألا تكون الآراء والانتقادات مشوبة بسوء الظنّ. طبعاً، لطالما كنت ألفت انتباه المسؤولين في الحكومات كلها إلى أن النظرة تجاه من يكون في الميدان ومشغولاً بالعمل في الخطوط الأماميّة لا تنبغي أن تكون مشوبة بسوء الظنّ. حسناً، الأشخاص المؤمنون والثوريّون والمفعمون بالجد والاجتهاد والمثابرة في العمل يعملون في هذا المجال. وإذا تمّ توجيه انتقاد، فليكن نابعاً من حُسن الظنّ لا مشوباً بسوء الظنّ. ثانياً ينبغي ألّا يؤدّي إلى تضعيف هؤلاء المشغولين في هذا الميدان بالسعي والعمل، وألّا يجري إضعاف أمل النّاس أيضاً، أي لا يجري الكلام [المحبِّط].
طبعاً صمد الفريق المفاوض حتّى اللحظة أمام تجبّر الطرف المقابل وجشعه بالتوفيق الإلهي، وسوف يستمرّ في صموده دون شكّ، بحمد الله. الذي نكث العهد هو الطّرف المقابل، وهم أنفسهم الآن عَلِقوا في نكثهم هذا العهد، أي الطّرف المقابل الذي نكث العهد ومزّق ذاك الاتّفاق وفق قولهم هو نفسه عَلِق فيه الآن وبات يشعر أكثر بأنّه وصل إلى طريقٍ مسدود. نحن، بحمد الله، لا نشعر بالوصول إلى طريق مسدود. لقد استطعنا تحمّل الصّعوبات وتخطّيها. تخطّينا كثيراً من المشكلات وسوف نتخطّى المشكلات الأخرى أيضاً بتوفيق من الله.
القضية الأخرى هي قضية فلسطين، وأودّ أن أقول كلمة. بحمد الله، تثبتُ فلسطين أنّها حيّة. فلسطين حيّة خلافاً لسياسات أمريكا وأتباعها الذين أرادوا لقضيّة فلسطين أن تُنسى وأن يودعوا القضيّة غياهب النّسيان، فينسى النّاس أساساً وجود أرض تُدعى فلسطين وشعب يُسمّى الشّعب الفلسطينيّ. [لكن] خلافاً لإرادتهم تبرز قضيّة فلسطين يوماً بعد يوم. اليوم، الشّباب الفلسطينيّون في أراضي الـ48، لا الأراضي البعيدة، بل في مركز فلسطين المحتلّة، استيقظوا، وهم يتحرّكون ويعملون ويبذلون الجهود، وهذا سوف يتواصل وسوف يستمر دون شكّ، وبتوفيق من الله وطِبقاً للوعد الإلهي سيكون النّصر أيضاً حليف شعب فلسطين.
القضية اليمينة على هذا النحو أيضاً. في قضيّة اليمن لديّ كلمة نُصح أوجّهها إلى السادة السعوديّين، وهي حقّاً نابعةٌ من النصح ونيّات خيّرة: لماذا تواصلون حرباً توقنون بأنّكم لن تنتصروا فيها؟ أصلاً، هل هناك احتمالٌ أن تنتصر السعودية في حرب اليمن؟ الاحتمال معدومٌ أيضاً. مع هذه الهمّة التي يتمتع بها الشّعب اليمني وهذه الشّجاعة التي يخرج بها قادتهم، ومع حيازتهم زمام المبادرة في مختلف القطاعات، يصير احتمال الانتصار معدوماً. حسناً، فلماذا تستمر حربٌ لا يوجد فيها احتمال لتحقيق النّصر؟ اعثروا على سبيل تُخرجون به أنفسكم من هذه الحرب. حسناً، جرت أخيراً بعض المفاوضات، وإن كانوا قد أعلنوا على الورق أو شفهياً توقفاً للحرب حتى لشهرين، فإنّ ذلك جيّدٌ جدّاً. لو كان هناك إيقافٌ فعليّ للحرب بالمعنى الحقيقيّ للكلمة وإن كان لشهرين، فإنّ هذا مغتنم وجيّدٌ جدّاً. يجب أن يستمرّ هذا الأمر. الشّعب اليمنيّ هو أيضاً شعبٌ صبور وقد ظُلم في هذه القضيّة بالمعنى الحقيقيّ للكلمة، والله المتعالي يمدّ المظلومين بالعون أيضاً، وطبعاً سوف يشمل الله المتعالي الشّعب اليمنيّ المقاوم والشعب الفلسطينيّ المقاوم بلطفه الإلهيّ، إن شاء الله.
كلمتي الأخيرة هي: أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، فرصة المسؤولية تعبُرُ سريعاً. تمرّ سريعاً جدّاً وتنتهي. اغتنموا هذه الفرصة. استفيدوا من كلّ ساعة منها.
التوصية الثانية: لا تعملوا من أجل الاستعراض. لا يكن توجّهكم لجعل الناس الذين اختاروني في تلك المنطقة أو مثلاً الأشخاص الذين يستمعون لي وأنا أتحدث على التلفزيون متفائلين تجاهي. هذا سوف يقضي على بركة العمل. أنّكم تفكّرون في أن يفرح الناس منكم ولا تهتمون بأهميّة العمل والعمل نفسه والرضا الإلهي، فهذا سيذهب ببركة العمل، وغالباً لا يُثمر.
القضية الثالثة هي تضارب المصالح. الآن أرى أنّ كلمة تضارب المصالح هذه تتكرر باستمرار في «مجلس الشورى الإسلامي». تضارب المصالح ليس في الاقتصاد فقط، فهناك تضارب للمصالح في أمور أخرى. إذا كان لديّ ولديك مصلحة في توجّهنا إلى الناس، وهناك مصلحة أيضاً هي المصلحة العامة للبلد، هنا يحدث تضارب في المصالح. أيّهما سنقدّم؟ إذا قدّمَنا سمعتنا واهتمام الناس بنا على ما هو في مصلحة البلد، فهذا مثال على تضارب المصالح. يجب أن نلتفت إلى الله. هذا في ما يخص هذا الموضوع.
للمجلس والحكومة أيضاً مسؤوليات محددة في القانون. لقد قلت هذا سابقاً في اجتماع آخر، أنْ حافِظوا على هذه الخطوط الفاصلة، وأن يكون ذلك على نحو تتحمّل فيه الحكومة مسؤوليتها حتى يتمكن الإنسان من مساءلتها ومن مساءلة المجلس ومن الحُكم على المجلس. إذا اختلطت الأمور، يصير من الصعب الحُكم.
إلهي، بمحمد وآل محمّد، اجعل نياتنا صادقة، واجعل ما قلناه وما فعلناه وما نفعله وما نقوله من أجلك وفي سبيلك. إلهي، املأ قلوبنا بالإخلاص في العمل من أجلك. إلهي، بمحمد وآل محمد، احشر إمامنا [الخميني] العظيم الذي فتح هذا الطريق أمام هذا الشعب، وأدخلنا هذا الميدان وهذا الطريق، واحشره مع أنبيائك وأوليائك وأرضِ روحه الطاهرة عنا، وأرضِ عنّا الأرواح الطاهرة للشهداء الأعزاء، وأنزل على عائلاتهم أجرَك وصبرك ولطفك ورحمتك.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.