بسم الله الرحمن الرحيم،
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، ولا سيما بقية الله في الأرضين.
أبارك لكم، أيها المشاهدون الأعزاء جميعاً ومَن سيسمع هذه الكلمات، وأُزيّن كلامي في هذا اليوم من بداية العام وبداية القرن باسم بقية الله - أرواحنا فداه - وذكره، الذي هو ربيع القلوب ونضارة العصور: السَّلامُ عَلَيكَ أيُّهَا العَلَمُ المَنصوبُ وَالعِلمُ المَصبوبُ وَالغَوثُ وَالرَّحمَةُ الواسِعَةُ وَعداً غَيرَ مَكذوبٍ، السَّلامُ عَلَيكَ حينَ تَقوم، السَّلامُ عَلَيكَ حينَ تَقعُد، السَّلامُ عَلَيكَ حينَ تَقرَاُ وَتُبَيِّن، السَّلامُ عَلَيكَ حينَ تُصَلّي وَتَقنُت، السَّلامُ عَلَيكَ حينَ تَركَعُ وَتَسجُد، السَّلامُ عَلَيكَ حينَ تُهَلِّلُ وَتُكَبِّر، السَّلامُ عَلَيكَ حينَ تَحمَدُ وَتَستَغفِر.
هذا عيد النّوروز الثّالث الذي نُحرم فيه، أي أنا العبدَ، فيضَ الحضور إلى جوار البقعة المباركة للإمام عليّ بن موسى الرّضا - سلام الله وصلوات الله عليه - والحضورَ أمام جموع الزوّار إلى ذاك العظيم، المفعمة بالحماسة، من مسافرين ومجاورين، ولذلك نبعث إليه سلاماً وتحيّة من بعيد: اللّهمّ صلّ على وليّك عليّ بن موسى الرّضا عدد ما في علمك صلاةً دائمةً بدوام ملكك وسلطانك. اللّهمّ سلّم على وليّك عليّ بن موسى الرّضا - عليه السّلام - عدد ما في علمك سلاماً دائماً بدوام مجدك وعظمتك وكبريائك.
هناك بعض النقاط بشأن النوروز الإيراني في بداية السنة وهذا العيد الربيعي وقد تحدثنا عنها قليلاً. إحدى النقاط التي أود أن أتحدث عنها اليوم هي الاندماج بين هذا العيد الوطني والذكر والمناجاة والدعاء والروحانية. قد يكون هذا شيئاً قليل النظير بين أعياد بداية العام لدى الشعوب – طبعاً ليس لدي اطلاع كافٍ، أستبعد ذلك – إذ إنه قليل النظير أو منقطع النظير أن يرفق الناس العيد الوطني بالدعاء والذكر والمناجاة والروحانية والتعبير عن الإخلاص لله. الليلة الماضية، في لحظة تحويل السنة، تقريباً الناس والفئات المختلفة جميعاً، كبار السن والأعلام والعلماء والناشطون في مختلف المجالات العلمية – في مجال الصواريخ وتكنولوجيا النانو وعلم الأحياء وما إلى ذلك - والشباب الذين يذهبون إلى المعسكرات الجهادية حتى يقضوا العيد في القرى النائية بعيداً عن عائلاتهم من أجل خدمة الناس، جميعهم بدؤوا لحظة التحويل هذه بـ«يا مُحَوِّلَ الحَوْلِ والأحوال». خاطّبوا الله وسألوه وغسلوا قلوبهم بذكر الله. هذه نقطة.
نقطة أخرى بشأن النوروز هي الذوق الإيراني الخاص الذي يشعر فيه المرء بعمق التفكّر: جعلوا الربيع بداية عامهم. الربيع هو مظهر الأمل ومرساله. الربيع يخبر الإنسان أن الخريف وسقوط الأوراق راحلان حتماً وأن النضارة والتجديد والحداثة آتية حتماً. هذه هي سمة الربيع. إنه يعطي مثل هذه الرسالة للناس: رسالة النضارة، رسالة الازدهار. طبعاً هذا الأمل تضاعف هذا العام أيضاً لتقارنه بالنصف من شعبان الذي هو أيضاً عيد ولادة الأمل العظيم للتاريخ والأمل العظيم للبشرية. والأمل هو مصدر الحركات والتقدمات كلها. أودّ أن أغتنم هذه الفرصة الآن لأقول: أولئك الذين يتحدثون إلى الناس، ويرسلون الرسائل، ويكتبون، ويثابرون، فليفعلوا كل ما في وسعهم لبث الأمل في الناس؛ الأمل عامل مهم في الحركة، وعامل مهم في التقدم. وبحمد الله، هيّأ الله العظيم للناس موجبات الأمل وللشعب الإيراني أيضاً. ومجالات الأمل ليست قليلة لدى شعبنا وبلدنا، بحمد الله. فَدَعوا الأعداء يمتعضون من أمل الشعب الإيراني، وإن شاء الله، سيزداد أمل الشعب الإيراني يوماً بعد يوم.
اليوم يتركّز حديثي بالدرجة الأولى على القضايا الاقتصادية التي تحدثت عنها الليلة الماضية، في بيان العام وشعار العام، وسأقدم بعض الشرح لذلك. طبعاً هناك مواضيع أخرى سأتحدث عنها إذا كان هناك وقت وسَنَح المجال، إن شاء الله. السبب في أننا نطرح موضوع الاقتصاد في هذا اليوم الأول من العام يرجع في المقام الأول إلى أهمية مسألة الاقتصاد، وهذا يعني أنه إذا كان حقاً هناك [نمو] اقتصادي في البلاد مصحوب بالعدالة، فسيتم تفعيل مجالات التقدم كافة وستحقق البلاد تقدماً حقيقياً، إذ إن الاقتصاد يؤدي مثل هذا الدور المحوري.
ثانياً، في هذه السنوات العشر الماضية، في العقد الماضي، كنا نواجه بالفعل تراكماً من التحديات الاقتصادية التي ينبغي للمرء أن يتخلص منها بطريقة ما. إن شاء الله، يجب أن نفكر ونعمل ونتحرك بطريقة صحيحة بشأن القضايا الاقتصادية لكي تتوفر وسائل الراحة للشعب في هذا الصدد، إن شاء الله. لذلك نحن نطرح المسألة الاقتصادية من هذا الجانب.
في الاقتصاد أيضاً القضيةُ الرئيسية هي الإنتاج الوطني التي تحدثناً عنها بالمجمل، وقد كررت قضية الإنتاج في شعار العام خلال السنوات الثلاث أو الأربع الماضية، وبالطبع الحكومات والمسؤولون قاموا على أعمال بقدر استطاعتهم وهمّتهم، وبالنظر إلى الظروف الدولية، فقاموا على أعمال بالقدر الذي استطاعوا، وبذلوا جهوداً، لكن في رأيي قضيتنا الرئيسية اليوم، القضية الرئيسية للمسؤولين التنفيذيين في البلاد وأولئك الذين لديهم دخل بطريقة ما في إدارة البلاد، هي الاقتصاد. طبعاً يشاهد المرء أيضاً خطوات جديدة تبعث على الأمل في الإنسان. أيْ إذا استمرت - إن شاء الله - هذه الخطوات الشعبية والحضور الشعبي بصورة مناسبة، فسيكون ذلك باعثاً على الأمل وسيخلق بوادرَ لمزيد من الأمل لدى المرء.
أود أن أقول نقطة هنا، وهي أنه في مجال الاقتصاد، إن ما أقترحه والمطالب التي تُطرح هي موجهة أساساً إلى مسؤولي البلاد، وتتعلق بالسلطة التنفيذية، وإلى حد بالسلطة التشريعية وحتى بالقضائية وبعض الأجهزة التابعة لها أيضاً. هي موجهة بصورة رئيسية إلى هؤلاء. لماذا نطرح هذه القضايا التي تتعلق بهؤلاء في الجو العام والخطاب الشعبي الوطني؟ السبب أنه من الجيد أن يوضع الناس في الجو العام للقضايا والسياسات الاقتصادية، ويعرفوا مطالبات هذا العبد أيضاً، ويدعموا ويساندوا المسؤولين الذين يتخذون خطوات بشأن هذه القضايا ويعملون عليها. بالطبع هناك مسؤوليات على عاتق الناس أنفسهم أيضاً، واليوم إذْ أتحدث عن الاقتصاد القائم على المعرفة سيتضح جداً أن هناك مهمات مُهمة يتوجب على الناس أنفسهم فعلها وبخاصة الشباب. وبالطبع، قد يؤدي هذا الخطاب العام أيضاً إلى أن تعطي الأجهزة دعماً أكثر وأفضل لهذه القضايا.
حديثي اليوم هو أنه من أجل نمو اقتصاد البلاد وإصلاح الشؤون الاقتصادية لها، يجب أن نتحرك بحسم نحو الاقتصاد القائم على المعرفة. هذه هي خلاصة حديثي اليوم. ماذا يعني «الاقتصاد القائم على المعرفة»؟ يعني أن العلم والتكنولوجيا المتقدّمة يؤديان دوراً كبيراً وكاملاً في مجالات الإنتاج كافة. عندما نقول: «كل مجالات الإنتاج»، أي حتى اختيار ذلك العمل الإنتاجي أيضاً، لأنه ليس لزاماً على الإنسان أن يفعل الأعمال الإنتاجية كلها. وينبغي أن ينبثق اختيار هذا العمل الإنتاجي من نظرة معرفية وعلمية وذات رؤية. هذا معنى الاقتصاد القائم على المعرفة، الذي يكون له دخل في مجالات الاقتصاد شتى. إذا اتبعنا هذه السياسة وجعلنا المعرفة أساس اقتصاد البلاد وزدنا مؤسسات الاقتصاد القائم على المعرفة - سأتحدث عنها لاحقاً - فسيكون لها عدد من الفوائد للبلاد ولاقتصادها. [منها أنه] يقلل من التكاليف، أي الاقتصاد القائم على المعرفة يؤدي إلى تقليل تكاليف الإنتاج. ويزيد من الإنتاجية، وهي إحدى مشكلاتنا اليوم. يزيد من جودة المنتج ويحسّن المنتجات ويجعلها قادرة على المنافسة، وهذا يعني أنه في الأسواق العالمية، تمكننا الاستفادة من هذه المنتجات كمنتجات تنافسية، وداخل البلاد على هذا النحو أيضاً، أي داخل البلاد أيضاً حتى لو لم نفرض كثيراً من التعريفات الجمركية وتتدفق الواردات، وعندما يكون المنتج المحلي بجودة أفضل وسعره أرخص، سيكون هناك إقبال من الناس بطبيعة الحال. فالإنتاج القائم على المعرفة فيه مثل هذه الميّزات.
إذا أردت أن أعطي نموذجاً على سبيل المثال، فسأقدم قضية الزراعة كمثال، إذ إن القطاع الزراعي في المجال القائم على المعرفة - للأسف - هو بعيد بمقدار ما عن قطاعات الصناعة والخدمات وما شابه. إذا زدنا في قطاع الزراعة الشركات القائمة على المعرفة واستخدام المعرفة في الزراعة، وفي أمر إصلاح البذور - هو أمر مهم للغاية في الإنتاج الزراعي - وفي الري الحديث، وفي طرق الإنتاج الجديدة، والاستخدام المجدي للمياه والتربة - الماء والتربة عنصران قيّمان وقد ذكرت ذلك سابقاً - يمكننا تحقيق أقصى استفادة وأن نزيد إنتاجيتنا ونصلح هذه الأمور. عندما نتمكن من تحقيق هذه التقدّمات في الزراعة وإحداث تحوّل جاد، سيؤدي ذلك إلى تحقيق الأمن الغذائي للبلد أولاً، أي لن تواجه البلاد مشكلات في ما يتعلق بقضايا الغذاء، ولن يكون هناك أيّ قلق. ثانياً سيزداد مدخول المزارعين. إنه لأمر جيد جداً أن يزداد مدخول مزارعينا وأن يتشجعوا على الزراعة ومواصلة العمل بها، وهذا ناتج قيّم جداً. كذلك يمكن حل معضلة النقص في المياه. ما هو معروف في بلادنا وما يقال عادة - بالطبع لدي آراء في هذا الصدد - هو أننا لدينا نقص في المياه. حسناً، إذا صارت زراعتنا قائمة على المعرفة، فسيتم حل مشكلة نقص المياه. وقد ذكرت هذا في مسألة الزراعة كمثال.
هذه البركات نفسها موجودة في المجالات الأخرى كافة سواء المتعلقة بالإنتاج أو الخدمات، أي سيزداد مقدار المنتجات، وترتقي الجودة، وتنخفض التكلفة الإجمالية. والواقع أن جعل الإنتاج قائماً على المعرفة يحسّن إنتاجية الأنشطة الاقتصادية، وهذا أمر مهم. إنها نقطة حساسة وأساسية. كما ذكرنا سابقاً، إحدى مشكلات البلاد هي انخفاض الإنتاجية، أي نحن لا نستفيد من هذه التكلفة بما يتناسب مع المقدار الذي ننفقه على الاستهلاك. والأمر على هذا النحو أيضاً في مختلف القطاعات. الإنتاجية منخفضة في البلاد. لقد تحدثت إلى شعبنا العزيز عن شدة [استهلاك] الطاقة في خطاب بداية العام قبل بضع سنوات في مشهد عن أننا لا نستفيد من كمية الكهرباء التي نستهلكها بما يتناسب مع هذا الاستهلاك، إنهم يسبقوننا في العالم بالنحو المتوسط. نحن متأخرون في مجال الإنتاجيّة. وينطبق الشيء نفسه في الأمور الأخرى. فإذا انتقلنا نحو [الإنتاج] «القائم على المعرفة» فسيتم حل هذه المعضلة الاقتصادية المهمة.
حسناً، هناك نقاش تقني حول جعل الإنتاج قائماً على المعرفة، ولست من أهل الاختصاص. بالطبع لدي معلومات لكنني لا أرى أنه من الضروري أن أطرحها في هذا اللقاء العام. وينبغي أن يطرحها مسؤولو البلاد والمتخصصون بهذا المجال في المجاميع المتعلقة بهذه القضية، وأن يتابعوها حتى تتم معالجة هذه القضية جيداً، إن شاء الله.
خلاصة قولي هي أن تحقيق التقدم العادل في الاقتصاد وإحرازه وحلّ مشكلة الفقر في البلاد - إذا أردنا حل مشكلة الفقر والاستضعاف المالي في البلاد - يمر حصراً عبر مسير تقوية «الإنتاج». فإذا عززنا الإنتاج بجعله قائماً على المعرفة، فإن هذا الهدف العظيم سيتحقق، إن شاء الله.
أرى أنه لا بدّ أن أتحدث هنا عن موضوعين متناسبَين مع قضية هذه الشركات القائمة على المعرفة. الأمر الأول هو أننا لدينا شركات قائمة على المعرفة، لكن يجب أن يزداد عددها. الأمر الثاني هو أنه يمكننا فعل ذلك. نحن لدينا حالياً أقل بنيّف من 7000 شركة قائمة على المعرفة. هناك ما يقارب 6600 أو 6700 شركة قائمة على المعرفة في البلاد، منها نحو 4500 شركة تصنيع، والبقية خدماتية وما إلى ذلك. هذا العدد يخلق نحو 300 ألف فرصة عمل مباشِرة، وهو رقم ملحوظ نسبياً. طبعاً أولئك الأشخاص الذين سألتهم وأجابوا، قالوا: أكثر من 300 ألف. ويقدرّون أنها أوجدت مثلاً 320 ألف فرصة عمل مباشِرة خلال عام 1400 الماضي. فرص العمل غير المباشِرة هي أكثر من ذلك بكثير. وسألت: كم تمكن زيادة هذا العدد عام 1401 وزيادة عدد هذه الشركات؟ فقالوا لي: بالحد الأقصى 30%. أنا لست مقتنعاً، وأعتقد أن 30% ليس رقماً مناسباً للبلاد وما تحتاجه وما يُلبّي احتياجاتها. أنا أتوقّع من المسؤولين أن تزدادَ بنسبة 100% أي أن تتضاعف الشركات. في النتيجة، ستصير 300000 فرصة عمل مباشِرة و600000 فرصة عمل مباشِرة في عام 1401.
بالطبع هذا لا ينبغي أن يجعلنا نبني شركة ونطلق عليها اسم «قائمة على المعرفة» في حين أنها ليست قائمة على المعرفة. كلا! [فَلْتُبنى] شركات قائمة على المعرفة حقاً. يجب على مسؤولينا بذل الهمّة وإنجاز هذا العمل، خاصة في القطاعات المتأخرة أكثر مثل القطاع الزراعي الذي ذكرناه. تمثّل الشركات القائمة على المعرفة في القطاع الزراعي 4% من كافةِ شركاتنا القائمة على المعرفة. أربعة في المئة من هذه الشركات تعمل في القطاع الزراعي، والقطاع الزراعي حائز هذه الأهمية كلها، كما أشرت. إن قضية الزراعة مهمة، وقضية تربية المواشي مهمة للغاية، وعلى البلاد الوصول إلى الأمن التام والاكتفاء الذاتي المطلوب في المنتجات الغذائية الأساسية. نحن بحاجة إلى الاكتفاء الذاتي في القمح والأعلاف الحيوانية - الذرة والحنطة وما شابه - والمكونات الأساسية لإنتاج الزيت. يجب أن نصل حتماً إلى الاكتفاء الذاتي في الذرة والحنطة وسائر ما تسمى السلع الأساسية، ويمكن فعل ذلك. البلد كبير، وهناك كثير من المجالات، ولدينا كثير من السهول الخصبة. لدينا سهول خصبة في أجزاء مختلفة من البلاد، وإذا عملنا عليها، وقد شجّعت وحرّصت قبل بضع سنوات بشأن خوزستان على خطوة، وأُجريَت في خوزستان وإلى حدٍّ ما في إيلام وسيستان… بالطبع لم تكن بالمقدار الذي طلبناه ووُعِدنا به، لكنه كان مقداراً جيداً يمكن تعزيزه، ويمكن إنجازه. لدينا سهول خصبة جيدة، وعلينا أن نوظّف هذه السهول [لتوفير] السلع الأساسية.
أود أن أقول هذا: لقد قال لي رئيس الجمهورية المحترم، السيد رئيسي، إنه خلال إحدى سفراته إلى الخارج أخبره المسؤولون في ذلك المكان أنه مهما كان لديكم وما تنتجونه من البطيخ والطماطم وما إلى ذلك، فسوف نشتريها منكم. فيقول بتعجّبٍ: أنتم لديكم أرض، ولديكم ماء، وهذه الإمكانات الزراعية، ولديكم أرض خصبة، فكيف تريدون شراء - مثلاً - البطيخ والطماطم منا؟ فيجيبه: كلا! نحن لا نوظّف هذه الأراضي للطماطم والبطيخ. هذه الأراضي تخص القمح والذرة والأعلاف. هذا هو [الكلام] الصائب. طبعاً، لا أقول ألّا نزرع البطيخ أو على سبيل المثال الخضراوات والطماطم وما إلى ذلك. كلها ضرورية لكن يجب أن [ننتج] من هذه الإمكانات الموجودة في البلاد، وفي المقام الأول الموادَ الغذائية المهمة والأساسية، وأن نكون قادرين على توفير أقصى منفعة للبلاد منها.
اسمحوا لي أيضاً أن أقول هذا: فليعلم أبناء شعبنا الأعزاء مقدار ما نهدره من الخبز، وكم من الخبز يُرمى جانباً، وليعلموا أنّ قطاعنا الزراعي هو - للأسف - من أكثر قطاعات البلاد اعتماداً على الواردات. يُعدّ القطاع الزراعي واحداً من أكثر قطاعات البلاد اعتماداً على الاستيراد، وأكثر من الحدّ، وهذا ما يجب تعديله حتماً. بالطبع إن مواجهة هذا الاعتماد أمر صعب للغاية، لأنّ هناك جماعة يجنون أرباحاً كبيرة جدّاً من استيراد المواد الزراعية من الخارج، وسيقفون [في وجه ذلك]. قبل بضع سنوات، قُلت لأحد وزراء الزراعة أنْ يتابعوا موضوع نبتة «السلجم»، وهي من المواد الأوليّة لإنتاج الزيوت النباتية. قال - هناك تفاصيل لكن هذه خلاصة كلامه - إنهم لا يسمحون بذلك. يقولون: علينا استيراد المواد الأولية للزيوت، أي لا يسمحون، وربّما يستخدمون أيضاً عناصر داخل الوزارة والأجهزة الحكومية للتخريب [لكن] يجب التصدّي. فهذا عمل شاقّ لكن يجب فعل هذا العمل الشاقّ حتماً.
حسناً، في ما يخص الموضوع الأول، سوف أشير إلى أمرين. [الأول] هو أن عدد الشركات القائمة على المعرفة محدود مقارنة باحتياجات البلاد، فتجب زيادتها خاصة في مجال الزراعة، وبالطبع في المجالات الأخرى كافة. على المسؤولين بذل الهمّة، وهمّة المسؤولين هي في دعم [ذلك] أيضاً، لأن الشركات القائمة على المعرفة للناس. الناس والشباب هم من يُشكّلون هذه الشركات، لكن على الأجهزة [الحكومية] دعمها. يتمثل الدعم الأساسي في شراء هذه المنتجات أو استخدامها أو توفير الإمكانات لهم إذا احتاجوا إليها. طبعاً ذُكر في التقرير الذي قُدم إليّ الوزاراتُ التي تقدم هذا الدعم، وتم [أيضاً] تحديد الوزارات التي لا تساعد ويجب أن تفعل ذلك، إذ ينبغي للحكومة الموقرة والرئيس الموقر أن يتابعوا أمرها، فهذه غير مرتبطة بنا كثيراً. على أيّ حال، يمكن النظر إلى عدد الشركات القائمة على المعرفة في كل قطاع على أنه مؤشر على تقدم هذا القطاع في الحكومة. على سبيل المثال، إذا رأينا أن الشركات القائمة على المعرفة قد ازدادت في مجال النفط والغاز مثلاً وهذه الصناعات التحويلية، فلنمنح درجةً عالية لوزير النفط على سبيل المثال، والعكس بالعكس. أعتقد أن هذا أحد المؤشرات. وهو أول أمر، إذ تجب زيادة عدد الشركات القائمة على المعرفة.
الأمر الثاني هو أن هذا ممكن - بحمد الله - أي هذا العمل ممكن. لا تقولوا إنه يجب حساب الإمكانات على سبيل المثال. نعم، الإمكانات ضرورية، لكن أهمها هي القوى العاملة. نحن أيدينا ممتلئة للغاية بالقوى العاملة. اسمحوا لي أن أخبركم - هناك عدد كبير من العناصر المتعلمة تعليماً عالياً لدينا، وهناك نسبة عالية - وقد أبلغوني بهذه النسبة ممن لديهم مستوى تعليمي عالٍ يعملون في غير تخصصاتهم الأكاديمية، لماذا؟ يُمكن تشغيلهم في اختصاصاتهم ومساعدتهم ودعمهم حتى يتمكنوا من تأسيس شركات قائمة على المعرفة. بالطبع، يجب تحديدهم، ولا بدّ من متابعة ذلك.
لدينا أناسٌ يُحرزون تقدماً كبيراً في أعمال عظيمة: مجال التقنيات النووية و«الأدوية المؤتلفة» وتكنولوجيا النانو والتكنولوجيا الحيوية والخلايا الجذعية. هذه أعمال عظيمة. لدينا كثيرون من الأشخاص المتميزين في هذه المجالات. حسناً، يمكن العثور على هؤلاء البارزين في مختلف المجالات الأخرى، وهم بالتأكيد موجودون، فالقوى المتخصصة الشابة في بلدنا - بحمد الله - من الثروات العظيمة في هذا البلد، أو ربما أعظم ثروة، وهي موجودة - بحمد الله - وتمكن الاستفادة من علمهم وهمّتهم وقوّتهم الشبابية لإثراء البلاد.
بالطبع هذه الأبحاث مرتبطة بالشركات القائمة على المعرفة والإنتاج القائم على المعرفة. أشرت أيضاً إلى موضوع خلق فرص العمل، وهو أمر مهم أيضاً. ستُخلق فرص العمل عبر هذه الشركات ال القائمة على المعرفة نفسها، أي إذا تمكنّا من إيجاد هذه الشركات وإنشائها حقّاً، وألّا نرتكب الأخطاء التي ارتُكبت في بعض الأحيان سابقاً، فسوف تزداد العمالة أيضاً.
قُلت: أخطاء الماضي. في حكومات مختلفة، كان لدينا مخططات بأسماء متنوعة لتزويد الناس بتسهيلات مصرفية بغية زيادة الإنتاج. تقريباً هذه الخطط كلها قد أخفقت. كل هذه الخطط باءت بالإخفاق. إن بذخ الأموال والعمل المتهور لن يوصلا إلى أي نتيجة. يجب أن يتم [هذا] العمل بمنتهى الدقّة وعن دراسة وبطريقة صحيحة، وأن تَتخذ نشاطات الشركات القائمة على المعرفة طابعاً تسلسلياً. وبالطبع في بالي أيضاً أن بعض القرارات الأخيرة التي اتُّخذت في مراكز اتخاذ القرار قد توجّه ضربةً إلى بعض الشركات الصغيرة والمتوسطة في البلاد. على الحكومة ألا تسمح بذلك وعلى البنوك ألا تسمح بتوجيه هذه الضربة. يجب أن يلتفتوا إلى هذه النقطة بكل تأكيد.
حسناً، تحدثنا عن الاقتصاد مدة طويلة، وهو مهم أيضاً. لقد قلت في العام الماضي، في خطاب بداية العام، إنه لا ينبغي ربط اقتصاد البلاد بمسألة الحظر الأمريكي أو ما شابه. لا تقولوا: ما دام هناك حظر سيكون الوضع هكذا. كلا! يمكن تحقيق تقدّم في مجال الاقتصاد رغم وجود الحظر الأمريكي. لحسن الحظ، أظهرت السياسات الجديدة في البلاد أن هذا صحيح، وقد فعلوا ذلك. فرغم الحظر الأمريكي، من الممكن تعزيز التجارة الخارجية وزيادتها، وقد تم ذلك، ويمكن أيضاً الدخول في اتفاقات إقليمية، وقد تمكنت الحكومة من الدخول فيها - بحمد الله - وكذلك يمكن إحراز التقدم والارتقاء في قضية النفط وبعض القضايا الاقتصادية الأخرى والوصول إلى وضع أفضل، وقد حدث ذلك - بحمد الله - مع أن الحظر الأمريكي لا يزال مكانه. طبعاً لا أقول بأي حال ألّا نسعى لرفع الحظر. لا، لقد قلت مرات عدة إن أولئك الذين يحاولون ويعملون في هذا المجال، فليتابعوا الأمر ولا إشكال في ذلك. لكن أساس القضية أن نتحرك بطريقة، وندير البلاد بأسلوب لا يمكن للحظر أن يوجه معه ضربة أساسية وجسيمة إلى [الاقتصاد]. قد يتسبب الحظر في بعض الضرر لكن لا يجب أن يكون قادراً على توجيه ضرر وخسارة كبيرة إلى اقتصاد البلاد. وهذا في عهدة المسؤولين الذين يجب أن يفعلوا ذلك، إن شاء الله. أقدم التوصية نفسها هذا العام أيضاً، وأقول إنه لا ينبغي ربط [قضايا البلاد] بالحظر.
لدي توصية إضافية هذا العام، لأنه يقال الآن: ارتفعت أسعار النفط مثلاً، وازدادت عائداتنا النفطية، فماذا نريد أن نفعل بهذه الزيادة في العائدات النفطية؟ هناك طريقتان للتحرك: الأولى أن ننظر ونقول: حسناً، عائداتنا من النقد الأجنبي مرتفعة، فنزيد الاستيراد حتى يصل الناس إلى الرفاهية ويشعروا بالراحة وما إلى ذلك. هذه [النظرة] تبدو جيدة في ظاهرها بالتأكيد [لكن] لها باطنٌ سيّئٌ للغاية. إنّ هذا مضيعة للثروات الأساسيّة في البلاد. الطريقة الأخرى هي أن نستخدم عائدات النفط للبنية التحتية وللأعمال الأساسية للبلاد. نجعل الأُسس مُحكمةً حتى يتسنى للاقتصاد أن يتجذّر في البلاد ونتمكن من الاستفادة منها. هذا في ما يخص القضايا الاقتصادية.
في ما يخص القضايا الأخرى، حسناً، هناك قضايا كثيرة في العالم، ونحن أيضاً على مواجهة مع قضايا العالم. علينا أن نفكر ونخطط ونتخذ القرارات ونتحرك ونعمل في مختلف المجالات. عندما ينظر شعبنا إلى القضايا الجارية في العالم اليوم، وعندما تنظرون إلى ما يحدث في العالم، ترون أن صوابيّة الشعب الإيراني وصدقه في مواجهة جبهة الاستكبار أوضح وأكثر جلاءً من أي وقت. لم يكن الاستسلام خيار شعبنا في مواجهة الاستكبار، وإنما الصمودُ ورفض التبعية والحفاظ على الاستقلال والتقوية الداخلية للنظام والشعب والبلاد. هذه قرارات وطنية كانت صائبة.
عندما ننظر إلى قضايا العالم، نرى أن هذا [القرار] صحيح. راجعوا قضايا أفغانستان، وانظروا والتفتوا إلى كيفية الانسحاب الأمريكي. أولاً مكثوا في أفغانستان عشرين عاماً. وماذا فعلوا بهذا البلد المسلم المظلوم! ثم كيف خرجوا وما المشكلات التي تسببوا فيها للناس؟ والآن لا يعطون الشعب الأفغاني أمواله! هذا في ما يخص أفغانستان. وأوكرانيا تلك، أيّ نبرة حادّة استخدمها الرئيس [الأوكراني] تجاه الغرب رغم أن الغربيين والدول الغربية نفسها هي من جاءت به إلى سدّة الحكم! [أيضاً] في قضايا اليمن والقصف اليومي على الشعب اليمني المظلوم والصامد حقاً، وممارسات السعودية التي تقطع رؤوس ثمانين شخصاً في يوم واحد، ثمانين شاباً وحتى قاصراً، كما وصلت الأخبار. عندما ينظر إلى هذه القضايا، يشعر أيّ ظلم وظلمة تسود العالم، وفي أيدي أيّ ذئاب متعطشة للدماء هذا العالم!
رأى الجميع عنصرية الغرب في أحداث أوكرانيا. يوقفون القطار لفصل اللاجئين ذوي البشرة السمراء الفارين من مأزق الحرب عن البيض وإنزالهم منه! يُبدون أسفهم بصراحة عبر وسائل إعلامهم على أن الحرب هذه المرة ليست في «الشرق الأوسط» بل في أوروبا. أيْ إذا كانت الحرب وسفك الدماء واقتتال الإخوة في «الشرق الأوسط» - وفق تسميتهم طبعاً -، فلا إشكال. أما في أوروبا، فيوجد إشكال. العنصرية بهذا الوضوح والشفافية! يتحدّثون عن ذلك ويصرّحون به بهذه الصراحة.
تحدُث مظالمُ في العالم في الدول المطيعة لهم، ولا يُسمع منهم صوت إطلاقاً. في الوقت نفسه، ورغم كل هذا الظلم والجور والظلمة، يدّعون حقوق الإنسان أيضاً، ويهددون ويبتزون الدول المستقلة أيضاً بهذا الادعاء. الشعب الإيراني ينظر إلى هذه القضايا بعيون ثاقبة. العالم كلّه يشاهد ويرى، واليوم في رأينا واحد من أكثر الفترات فضاحة وخزياً في الزمن المعاصر في مجال الظلم والعدوان والاستكبار وهو ما يفعله - للأسف - طواغيت العالم. يمكن لشعوب العالم أن تشاهد هذا الظلم مباشرة وأن ترى مَن هم المتحكّمون في مصير العالم.
بالطبع، نحن - شعبَ إيران - حسّنّا طريقتنا في العمل يوماً بعد يوم طوال هذه السنوات المتمادية، وتقدّمنا على نحو جدّي ومنطقي ومدروس. اليوم أكثر من أي وقت مضى نحتاج إلى عمل وجهد وجديّة. نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى التعاطف والتآزر خاصة، التعاطف والتآزر بين أبناء شعبنا العزيز، والاتحاد ووحدة الكلمة. نحتاج أيضاً إلى تآرز وتعاطف متزايد من مسؤولي البلاد. يجب أن يساعدوا بعضهم بعضاً.
هناك من يتحركون في الخطوط الأمامية. فعلى الآخرين مساعدتهم ودعمهم، وعلى السلطات الثلاث والقوات المسلحة وغيرها من القطاعات المختلفة مساعدة بعضها بعضاً والتعاطف مع بعضها بعضاً، وعلى الشعب أيضاً أن يتعاطف مع مسؤولي البلاد بالمعنى الحقيقي للكلمة، وأن يدعموا ويقدّموا إليهم المساعدة.
حسناً، في بعض الأحيان، يرى المرء نزاعات بين أفراد الشعب أو بين بعض المسؤولين مع بعضهم بعضاً أو بين المسؤولين وأفراد من الشعب، وغالباً دون جدوى. يرى الإنسان أنّها غالباً ما تنشأ من التخيّلات والأوهام، ومن قلة التقوى في بعض الحالات. كان الإمام [الخميني] (رض) في كثير من الأحيان خلال الثمانينيات، حين كانت هناك خلافات كثيرة بين المسؤولين، يردّد دوماً في خطاباته [كلها] تقريباً أنّ هذه الاختلافات ناشئة من حب النفس وهوى النفس. الأمر كذلك حقّاً. كثير من هذه النزاعات والخلافات تنبع من حب النفس والإهمال وقلة التقوى وما شابه. يجب أن نضع هذه الأمور جانباً وألّا نخرّب التعبئة العامّة للشعب الإيراني في سُبُل الصلاح - سواء العلمية أو العملية، أو سُبُل المقاومة والخدمات الاجتماعية، في ذلك جميعه – بهذه النزاعات. يقول تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} (الأنفال، 46). عندما نتنازع، يحدث ذلك.
نسأل الله المتعالي أن يجعل الشعب الإيراني أكثر سروراً وتوفيقاً وسعادةً يوماً بعد يوم - إن شاء الله - وأن يزيد من توفيقاته ويعين المسؤولين الحريصين، أولئك الذين يحرصون حقّاً على الشعب ويريدون العمل للناس من أجل الرضى الإلهي. ونسأله - إن شاء الله - أن تشملكم، أيها الأعزاء جميعاً - الشعب الإيراني كافّة - الأدعية الزاكية لبقية الله، أرواحنا فداه. نسأل الله أن يحشر الروح الطاهرة للإمام [الخميني] العظيم مع أوليائه، وأن يحشر الأرواح الطيبة للشهداء الأعزاء والشهداء البارزين في البلاد – [رغم أنّ] كل شهيد... الشهداء جميعهم بارزون وأنا أقرأ أحوال مختلف الشهداء وآثارهم، ويرى الإنسان أنّ أولئك الذين لم يَسمع كثيرون باسمهم هم أناس بارزون حقّاً – مع شهداء صدر الإسلام، إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.