بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى، محمد، وآله الطيبين الطاهرين المعصومين، ولا سيّما بقية الله في الأرضين.
تقام اليوم مراسم إحياء ذكرى إمامنا العظيم بطريقة مختلفة عن الشكل المعتاد لهذه المراسم. طريقة إقامة هذه المراسم ليست مهمة؛ أصل القضية والمهم فيها هو الحديث عن الإمام العظيم، وهذا ما يحتاجه حاضر بلادنا ومستقبلها. الإمام العظيم بعد مرور سنوات على وفاته الظاهرية وفقده الظاهري [ما زال] حياً بيننا ويجب أن يبقى حياً بيننا، وعلينا أن نستفيد ونستفيض من حضوره وروحانيته وفكره وتوجيهاته.
اليوم أريد أن أناقش سمة مهمة من سمات الإمام العظيم. بالطبع، كان رجلاً ذا أبعاد [كثيرة] وكان لديه الكثير من السمات البارزة. هذه السمة التي أناقشها اليوم هي واحدة من أهم وأبرز سمات الإمام العظيم، وهي روحية الإمام العظيم في طلب التغيير والاندفاع نحو التغيير.
كان الإمام في روحه إنساناً طالباً للتغيير وصانعاً للتغيير أيضاً. في ما يتعلق بإحداث التغيير، لم يكن دوره مجرد دور المعلم والأستاذ والمدرس، [بل] كان دور القائد المشارك في العمليّات ودور القائد بالمعنى الحقيقي. قام على أكبر التغييرات خلال عصره وزمنه في المجالات المتنوعة وفي الساحات المتنوعة والكثيرة التي سأذكر بعضها اليوم.
أولاً، كانت روحية التغيير عند هذا [الإمام] العظيم منذ مدة طويلة. ولم تكن لتنشأ لديه في بداية النهضة الإسلامية سنة 1341 هجرية شمسية [1962 ميلادية]. كلّا، لقد كان إنساناً طالباً للتغيير منذ مرحلة الشباب، والدليل تلك المذكرة والكتابة التي كتبها في شبابه – في الثلاثينات من عمره تقريباً –، وقد كتبها في مكتب المرحوم وزيري يزدي، وأطلعني عليها المرحوم وزيري وقد كتبت بخط يديه. لقد رأيت أنها نُشرت لاحقاً وأتيحت لكثيرين. في تلك الكتابة، يذكر الآية الكريمة: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى}1.
وهي التي تدعو العامة إلى القيام لله. كانت موجودة فيه مثل هذه الروحية. لقد طبق هذه الروحية، وكما أشرت: لقد صنع تغييراً. دخل في مسألة التغيير بصورة ميدانية، ليس بالقول والأمر فقط. من صنع التغيير الروحي في مجموعة من الطلاب الشباب في قم – سوف أشرحه الآن – إلى صنع التغيير الواسع في عامة الشعب الإيراني.
قضية قم هي درس الأخلاق. قبل عشرات السنين من بداية النهضة، بالإضافة إلى درس الفقه والأصول والمعقول، كان لديه في قم درس في الأخلاق لسنوات طويلة. كان لديه محاضرة في الأخلاق.
طبعاً عندما ذهبنا إلى قم، كان هذا الدرس معطلاً منذ سنوات، ولم يكن موجوداً. والذين شهدوا درس الأخلاق ذلك، كانوا يروون – كان لديه محاضرة أسبوعية في مدرسة الفيضية وكان الطلاب الشباب يجتمعون هناك – أنه عندما كان يتحدث، كان يُحدث ثورة في الجلسة، كان يُحدث ثورةً في القلوب. طبعاً نحن أيضاً كنّا قد رأينا ذلك في درس الفقه والأصول. أي أنه حتى في دروس الفقه والأصول هذه كان يتحدث عن الأخلاق في مناسبات عدة، وكان الطلاب يبكون بكاء شديداً. عندما كان يتحدث عن الأخلاق، كانوا يذرفون الدموع. كان تعبيره مؤثراً لدرجة أنه كان يُحدث ثورة روحية. هذا أسلوب الأنبياء نفسه. الأنبياء أيضاً بدؤوا جميع حركاتهم بالثورة الروحية في الأفراد.
ما يقوله أمير المؤمنين (ع): « لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ، وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ... وَيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ»2، هو كذلك. «لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ» أي أنه كان يوقظ الفطرة الإنسانية الخفية فيهم ويدفعهم إلى الحركة وهداية أعمال البشر وأفعالهم. بدأ الإمام من هنا وعلى هذا النحو. بالطبع، لا يمكنني أن أدّعي قطعاً أنه نظّم تلك المحاضرات من أجل أن تؤدي إلى حركة سياسية كبيرة لاحقاً؛ لا أعرف ذلك. لكن ما هو مؤكد أن إحداث الحركة، وهذا التحفيز للغرائز المعنوية والفطرة الإنسانية بدرس الأخلاق والتذكير وتحضير القلوب، كان أسلوب الإمام العظيم. من هنا بدأ حتى [وصل إلى] إحداث التغيير على مستوى واسع في شعب، سواء خلال النضال – سأعطي الآن بعض الأمثلة عن هذا التغيير – أو بعد انتصار الثورة. أحدث تغييراً في الشعب الإيراني بكل ما للكلمة من معنى. التفتوا إلى أن المخاطب في هذا التغيير كان الشعب الإيراني. قبل بداية نهضة الإمام، كان هناك بعض النضال، كانت هناك نضالات سياسية في إيران، كانت هناك جماعات مختلفة [تناضل] لعشرات السنين، لكن نطاق عملها كان محدوداً في أعلى مستوياته. مثلاً لنفترض عدداً من الطلاب الجامعيين يمكن أن يؤثروا في 100 شخص، 150 شخصاً من الطلاب، ويأتوا بهم إلى مراسم معينة. إن قضية الإمام لم تكن قضية مجموعة محدودة أو جماعة محدودة أو مهنة معينة، لقد كانت قضية الشعب الإيراني. الشعب كالمحيط، وإحداث طوفان في المحيط ليس فعل أي شخص. يمكن تمويج المسبح، ولكن تمويج المحيط عمل عظيم. الشعب محيط، والإمام فعل ذلك: أحدث تغييرات.
أحد التغييرات كان التغيير في روح التقاعس والاستسلام لدى الشعب. في أيام شبابنا، في المرحلة التي بدأت فيها هذه النهضة كما نتذكر، كان الشعب الإيراني شعباً لا علاقة له أبداً بالقضايا الأساسية لمصيره. الناس كانوا خاضعين، وكانوا متقاعسين تجاه حياتهم الشخصية. هذه الحالة من الحركة الميدانية، والدخول إلى الميدان، والمطالبة، تلك المطالبة بأشياء عظيمة ومهمة، لم تكن موجودة في سلوك الشعب ومزاجه على الإطلاق. هذا ما أوجده الإمام. لقد حوّل هذا الشعب المتقاعس الخاضع إلى شعب مُطالب [وطموح]. تلك الخطابات العاطفية والعاصفة للإمام، تلك العبارات الهادرة للإمام، هزت الأمة لدرجة أنها أصبحت أمّة مُطالبة. ومن الأمثلة على ذلك قضايا عام 1341 هجري شمسي [1962 ميلادي] – إذ إن بداية النهضة كانت في 1341 هجري شمسي [1962 ميلادي] – [حين] كانت تجمعات الناس في مختلف المدن، وقد وصلت إلى الخامس عشر من خرداد [4 حزيران/يونيو 1962]. في الخامس عشر من خرداد، ورغم تلك المجزرة العظيمة، لم يستطع [نظام الشاه] إيقاف هذه الحركة. دائماً استمرت تجمعات الناس على طول الزمن حتى نهاية مرحلة النضال. وكان هذا تغييراً عجيباً أحدثه، هو.
التغيير الآخر كان التغيير في نظرة الناس إلى أنفسهم ومجتمعهم. الشعب الإيراني كانت لديه نظرة ازدراء ذاتي. هذا يعني أن يستطيع هذا الشعب التغلب على إرادة القوى، وإرادة القوى العظمى، [وهذه الفكرة] لم تتبادر إلى ذهن أي شخص على الإطلاق. ليس القوى العالمية فقط، [بل] حتى إرادة القوى الداخلية، حتى إرادة المسؤول الفلاني – لنفترض – دائرة أمن أو شرطة، لم يتبادر إلى أذهان الناس على الإطلاق أنهم قادرون على التغلب على إرادة أولئك الذين لديهم إرادة مُرّة وخطيرة.
كانوا يشعرون بالدونية، ولم يشعروا بالقدرة. بدّل الإمام هذا إلى شعور بالعزة، شعور بالثقة بالنفس، الناس الذين يعتقدون أن الحكم الاستبدادي شيء طبيعي – في ذلك الوقت، كان تصورنا هكذا: إن هناك شخصاً على رأس البلاد وإرادته هي الحاكمة، حسناً هذه هي طبيعة الأمر، وكنا نعتقد أنه أمر طبيعي وعادي – حوّلهم إلى أشخاص يحددون نوع الحكومة بأنفسهم. كان أحد شعارات الناس في الثورة: أولاً النظام الإسلامي، ثم الحكومة الإسلامية، ثم الجمهورية الإسلامية. الشعب نفسه كان المحدِّد والمطالِب. في وقت لاحق، في انتخابات مختلفة، تم تعيين الشخص الحاكم والأشخاص المسؤولين عن مختلف أجزاء الحكومة على يد الناس. أي أن حالة الازدراء الذاتي الموجودة عند الناس تحولت كلياً إلى حالة من العزة والثقة بالنفس (الوطنية).
التغيير الآخر كان التغيير في مطالب الناس. أي إذا افترضتم أنه في ذلك الوقت كانت لدى مجموعة من الناس مطالب من النظام أو من الأشخاص الأقوياء في ذلك الزمان، على سبيل المثال تعبيد هذا الزقاق أو تخطيط هذا الشارع بهذا الشكل، فقد كانت المطالب بهذا المستوى! بدّل ذلك إلى المطالبة بالاستقلال والحرية. يعني [القيم] العظيمة. أو شعار «لا شرقية لا غربية». أحدثَ مثل هذا التغيير في مطالب الناس وتبدلت من هذه الأشياء المتواضعة والصغيرة والمحلية والمحدودة وصارت أموراً أساسية وعظيمة وإنسانية وعالمية.
التغيير الآخر الذي قام به الإمام هو التغيير في النظر إلى الدين. رأى الناس الدين مجرد وسيلة للأمور الشخصية، والمسائل العبادية، والأحوال الشخصية على أكبر تقدير، ولمسائل الصلاة والصوم أو الواجبات المالية والزواج والطلاق فقط، في هذه الحدود فقط. وكانوا يرون أن وظيفة الدين ومسؤولية الدين ورسالة الدين تنحصر في هذه الأمور. عرّف الإمام للدين مهمة بناء النظام والحضارة والمجتمع والإنسان وما شابه ذلك. وتغيرت نظرة الناس إلى الدين بالكامل.
التغيير الآخر كان التغيير في التطلّع إلى المستقبل. في الوقت الذي انطلقت فيه النهضة ودخل الإمام إلى الساحة، مع ترديد كل الشعارات التي كانت تطلقها بعض الأحزاب وبعض المجموعات والمجموعات الصغيرة – كانت محدودة جداً وصغيرة أيضاً – لم يكن هناك مستقبل في نظرة الناس. أي أن الناس لم يكن لديهم أفق ومستقبل أمام أعينهم. تبدّل هذا إلى بناء حضارة إسلامية جديدة. أنظروا إلى الشعب الإيراني اليوم: إنها يد الإمام المباركة التي صنعت هذه الحالة، فالناس يتطلعون إلى بناء وتشكيل حضارة إسلامية جديدة، وتشكيل اتحاد إسلامي عظيم، وتشكيل الأمة الإسلامية. هذه هي النظرة العامة للناس والحشود.
في مجال أكثر تخصصاً، [يأتي] التغيير في الأسس المعرفية التطبيقية. الإمام أوجد هذا، وهو تخصصيٌّ ومن ضمن المسائل الحوزوية ولمن له علاقة في الفقه وفي علم الأصول وما شابه ذلك. أدخل الإمام الفقه في مجال بناء النظام. كان الفقه بعيداً عنه هذه المسائل. طبعاً، كانت قضية ولاية الفقيه موجودة وتُطرح بين الفقهاء منذ ألف سنة، لكن بما أنه لم يكن هناك أمل في أن تتحقق ولاية الفقيه، لم يتطرقوا إلى تفاصيلها. قد أدخل الإمام هذا الأمر في أهم المسائل الفقهية. في الحوزة العلمية للنجف [الأشرف]، طرح هذا الموضوع وتناقش حوله نقاشات علمية متقنة ومحكمة أثارت اهتمام الأشخاص الذين كانوا من أصحاب الرأي في هذه المجالات. أيضاً قضية مصلحة النظام – التي هي المصالح العامة، المصالح الوطنية، وليست شيئاً آخر – الإمام طرحها في الفقه. مسألة «التزاحم» و«الأهم والمهم» المعروفة في الفقه والأصول، التي كانت تستخدم في المسائل الشخصية والمسائل الصغيرة، دخلت في مجال الشؤون العامة، فكانت تطرح مسألة «الأهم والمهم» في مجال إدارة الدولة وفي مسألة مصلحة النظام. أي أنه أدخل في الفقه هذه الأمور، وهذا كان يتيح للفقه فرصة كبيرة، ويطلق يد الفقه على نطاق التدخلات التي يمكن أن يقوم بها في قضايا مختلفة. في رأيي، يجب على الحوزات [العلمية] تقدير ذلك كثيراً والاستفادة منه والترحيب به. بالطبع، ما فعله الإمام في هذا المجال من الفقه كان منهجياً ومشروعاً على نحو كامل. أي وفق ذلك – وفق تعبير الإمام – الفقه جوهرة. أي أنه لا يوجد بدعة في الفقه، وهو الاستخدام الصحيح للموازين الفقهية المتعارفة في تصرف الفقهاء.
مثال آخر على هذا التغيير في النظرة إلى الدين والقضايا الدينية هو الإصرار على التعبد بالتزامن مع النظرة التجديدية للقضايا. أي أن الإمام، الفقيه المجدد، كان رجل دين مجدد. كان ينظر إلى الأشياء بعين التجديد؛ وفي الوقت نفسه كان ملتزماً بشدة بالتعبّد. في ذلك اليوم، وفي تلك الأيام، طبعاً كان هناك رجال دين ضليعون في مسائل الانفتاح وكانوا يناقشونها ويتحدثون عنها، وهؤلاء كانوا أيضاً رجال دين وعلماء ومختصين بالدين، [لكنهم] كانوا نوعاً ما تحت تأثير بعض الظروف، ولم يكن لديهم التقيّد اللازم بالنسبة إلى قضايا التعبّد – في الممارسة الشخصية، نعم، كانوا ملتزمين – ولكن في تبليغاتهم لم يعتمدوا كثيراً على قضية التعبّد. جاء الإمام ووقف بقوة عند قضية التعبد، مع وجود تلك الرؤية التجديدية للمسائل الفقهية، والقضايا الإسلامية، والقضايا الدينية، وما شابه ذلك. على سبيل المثال التأكيد العجيب الذي كان لديه بشأن مجالس العزاء ومراسم الحداد، وما إلى ذلك؛ كل ذلك يشير إلى التزامه وتعبّده العظيم.
مجال آخر، التغيير الذي أحدثه هو التغيير في النظرة إلى جيل الشباب. النظرة إلى الشباب. وثِق بأفكار الشباب وأفعالهم. وهذا كان تغييراً بكل ما للكلمة من معنى. أي لنفترض، على سبيل المثال، «حرس الثورة الإسلامية» الذي تم تشكيله: وافق على الشباب في سن العشرين ونيف ليكونوا على رأس الحرس، ومعظم هؤلاء كانوا من الشباب الذين يصل عمرهم إلى الثلاثين كحد أقصى مثلاً. كانوا على رأس «حرس الثورة الإسلامية»، وقادة الجيوش والقادة العامين. هؤلاء جميعهم من الشباب الذين قد أُوكلت إليهم المهمات الكبرى. وهذا ينطبق في مجالات أخرى أيضاً. في المسائل القضائية، وفي مجالات أخرى أيضاً، كانت لديه ثقة عجيبة بالشباب الذين كانوا محط قبوله. كان يوكّلهم [بالأعمال] وكان يثق بتفكير الشباب وفعل الشباب.
بالطبع، في الوقت نفسه كان لا ينكر القدرات غير الشبابية. عندما نطرح مسألة التطلّع إلى الشباب كثيراً اليوم، يعتقد بعض الناس أن التطلّع إلى الشباب يعني أن على المرء إخراج المسنين كليّاً من الساحة؛ كلا، لم يكن هذا رأي الإمام على الإطلاق. اعتمد على الشباب بصفتهم ذخراً للنظام، ولكونهم ثروة للنظام، واعتمد على الأشخاص من غير الشباب على حد سواء أيضاً. لنفترض، على سبيل المثال، عندما عيّن هذا العبدَ الفقيرَ [سماحته] – لم أكن مسناً كثيراً آنذاك – لإمامة الجمعة في طهران، وفي الوقت نفسه عيّن المرحوم الشهيد أشرفي3، الرجل الثمانيني، لإمامة الجمعة في كرمانشاه، أو المرحوم دستغيب4، أو [سائر] شهداء المحراب الذين عيّنهم... هؤلاء جميعهم كانوا رجالاً في الستينات والسبعينات، وما شابه ذلك. أو في القوات المسلحة، على سبيل المثال، عيّن الشباب في حرس الثورة الاسلامية. في الجيش: الشهيد فلّاحي5، أو لنفترض المرحوم ظهير نجاد6، كانوا في سن الستين وأكثر من الستين. استفاد الإمام من هؤلاء، ولم يكن الأمر عندما نقول: اعتمدوا على الشباب، أي إخراج القوى غير الشبابية كليّاً. أو عندما عيّن المرحوم عسكر أولادي7 في «لجنة الإمداد»، ولم يكن شاباً جداً في ذلك الوقت.
إذن، ما نقوله هو أنه وثق بالشباب – ما زلنا نعتقد أنه يجب الوثوق بالشباب، وأنه تجب الاستفادة من القوى الشابة للنهوض بالبلاد، وسوف أتطرق إلى ذلك لاحقاً –، ما يعني أنهم ذخر وثروة للبلد ويجب الاستفادة من هذه الثروة. هذا لا يعني أنه لا يجب الاستفادة من الأشخاص ذوي الخبرة من غير الشباب، فهم ثروة أيضاً ولهم حضورهم.
حسناً، [لقد أحدث] هذه التغييرات، لكن التغيير الآخر والمهم الذي قام به، والذي ربما كان أكثر أهمية من بعض هذه التغييرات، هو التغيير في النظرة إلى القوى العالمية والقوى العظمى. في ذلك الوقت، لم يكن أحد يتخيل أنه يمكن تخطّي كلام أمريكا، وفعل حركة مخالفة لإرادة أمريكا. ما قام به الإمام دفع الرؤساء الأمريكيين أنفسهم إلى القول: «إن الخميني أذلّنا». وهذا ما حدث فعلاً: الإمام وأعوان الإمام والشباب الذين كانوا يتحركون بإيماءة من يد الإمام أذلوا القوى العظمى بكل ما للكلمة من معنى، فقد كسروا إرادتهم وأخرجوهم من الميدان. أثبت الإمام أنه يمكن توجيه الضربات إلى القوى العظمى وهزيمتهم، والمستقبل أثبت الشيء نفسه أيضاً. لقد رأيتم مصير الاتحاد السوفيتي السابق الذي صار بهذا الشكل، وهذه أمريكا اليوم أيضاً، وتلاحظون هذه القضايا الأمريكية! لم يكن لأحد أن يتصور شيئاً هكذا أبداً. وضع الإمام هذا في قلوب الناس منذ ذلك اليوم، حتى يعرفوا أن هؤلاء يمكن هزيمتهم وبالإمكان توجيه الضربات إليهم.
حسناً، النقطة المهمة هي أن الإمام العظيم الذي أجرى كل هذه التغييرات وكان إمام التغيير بكل ما للكلمة من معنى، اعتبر كلّ هذه الأمور من عند الله، فالإمام لم ينسب هذه الأمور إلى نفسه؛ كان يرى أنها من عند الله. لاحظوا هذا التغيير الروحي نفسه الذي حدث في الشباب – تم نشره في صحيفة الإمام – كان يهتم به ويتعجب منه ويكرر ذلك في خطاباته كثيراً، [أي] أنه أمر مثير للدهشة، [مع العلم] أن الإمام قام بذلك بنفسه، وكانت له يدٌ في هذا العمل، لكنه كان يعدّها من عند الله. وحقيقة الأمر أنها كانت من عند الله. لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، كل شيء وكل حول وقوة من عند الله. وقد آمن الإمام بهذه [الآية]: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ}8 بالمعنى الحقيقي للكلمة. لقد أولى الكثير من الاهتمام لحركة الشباب هذه، والتغيير عند الشباب، وكان منبهراً9 من هذه الواقعة. في مكان آخر، كان يقول إن التغيير الذي حدث في روحية الشباب أعلى من الانتصار على نظام الطاغوت، لأن الانتصار على نظام الطاغوت كان انتصاراً على الطاغوت، [ولكن] هذا التغيير الذي حدث في الشباب هو انتصار على الشيطان، والشيطان متفوق على الطاغوت. أي أنه يرى المسألة على هذا النحو وقد كان مُعجباً بهذا التفسير. هذا بالنسبة إلى هذه المسألة التي تحدثنا عنها.
حسنًا، كان الإمام إمام التغيير. وهذا ما نقوله، ولا يتعلق الأمر فقط بأنه مثلاً لدينا معلومات أكثر حول شخصية الإمام – بالطبع هو أمر مهم في محله – [ولكن الغاية منه] أخذ الدروس. يجب أن نتعلم من الإمام. يحتاج كل مجتمع حي وحيوي إلى التغيير. نحن بحاجة إلى التغيير اليوم في مجالات مختلفة. بالطبع، أود أن أقول إنه بعد وفاة الإمام لم تنحرف الثورة والبلاد عن النهج التغييري. أي أن الشعب الإيراني، بفضل لله، تمكن من اتباع نهج الإمام التغييري والمضي به قدماً. لقد تغيّرنا وأصبحنا أكثر قوة من الماضي في مختلف المجالات بالمعنى الحقيقي للكلمة، وفي بعض الحالات أصبحنا أكثر حيوية من أي وقت مضى، وهذا ما يهمنا. هذا التطور العلمي الذي حدث ليس بالشيء الصغير؛ إنه شيء مهم جداً.
في ذلك اليوم، من الناحية العلمية، كنا في وضع غير ملحوظ وغير جدير بالذكر على الإطلاق. اليوم نحن ذات مكانة في العالم بوصفنا [من روّاد] الحركة العلمية والعمل العلمي. أو [مثلاً] في القدرات الدفاعية؛ اليوم قدراتنا الدفاعية قريبة من مستوى الردع. هذا أمر مهم جداً استطاعت الدولة [تحقيقه]. أو [مثلاً] على الساحة السياسية، وهي وجه عظمة الدولة في العالم. اليوم تظهر الجمهورية الإسلامية نفسها كشخصية عظيمة وقوية في العالم، وهذه كلها تغييرات حدثت وهي جديرة بالاهتمام.
خلال هذه السنوات الثلاثين، لم تتوقف حركة البلاد، الحركة التغييرية التي أنشأها الإمام، [بل] تقدمت إلى الأمام. في بعض الأمور أيضاً، كان هناك تغييرات في البنية التحتية، ولكنها لم تكن كما يجب ولم تتحقق بعد. هذه موجودة ولكنها ليست كافية. ما أقوله هو أننا في بعض الأمور لم يكن لدينا تغيير – في بعض الأمور المهمة، لم يكن لدينا تغيير – وفي بعض الأمور تراجعنا، وهذا أمر مؤسف للغاية وغير محبّذ وغير مقبول ويتعارض مع طبيعة الثورة. بقاء الثورة منوط باستمرارية التجدد والتغيير والتقدم. التغيير يعني الوصول إلى وضع أفضل بشكلٍ واضح، أي نقلة نوعية، خطوة عظيمة. في مجالات مختلفة، نحن كنا بحاجة إلى ذلك؛ كنا في بعض المجالات غير قادرين على فعل ذلك على الإطلاق.
الانحدار هو النقطة المقابلة للثورة. عدد من الثورات في العالم ابتلي بالانحدار. أي أنه بعد خمس سنوات، أو عشر سنوات، أو خمس عشرة سنة من بداية الثورة، بسبب لا مبالاتهم، ابتلوا بالانحدار والعودة إلى الوراء. هذا الانحدار هو نقيض الثورة. وكلاهما – أي التقدم الثوري والانحدار أيضاً بمعنى العودة إلى الوراء – يعتمد على إرادة البشر. فإذا تحرك البشر في الاتجاه الصحيح، سيتقدمون إلى الأمام، وإذا تحركوا على نحو غير صحيح، سيعودون إلى الوراء، وكلاهما مذكور في القرآن أيضاً. في سورة الرعد المباركة [يقول – تعالى –]: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}10، إذ إن سياق الآيات يظهر أن هذه الآية تعبّر عن هذا الجانب الإيجابي، أي عندما تقومون بتغييرات إيجابية في أنفسكم، الله – تعالى – أيضاً سيخلق أحداثاً إيجابية ووقائع إيجابية لكم. [المورد] الثاني في سورة الأنفال: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}11، وهذا جانب سلبي، جانب العودة إلى الوراء، فإذا أنعم الله على أمة بنعمة، وهذه الأمة لم تتحرك بصورة صحيحة، ولم تعمل على نحو صحيح، سيسلب الله هذه النعمة من هؤلاء. تقرأون أيضاً، أيها الأعزاء، في دعاء كميل: «اللّـهُمَّ اغْفِرْ لي الذُّنُوبَ الَّتي تُغَيِّـرُ النِّعَمَ»12. هذا التغيير في النعمة، أي سلب النعمة، هو شيء ينبع من الإرادة. ينبغي لنا المراقبة بحذر شديد كي لا نبتلى بمثل هذه الحالة.
بناء على ذلك، وُجد هذا المعنى في هذا النظام، وبعد وفاة الإمام كانت هذه الحركة التغييرية موجودة، ولكن الكمية الموجودة ليست كافية، في رأينا. وبدلائل متنوعة، إننا قادرون على إحداث تغيير في أجزاء مختلفة من حضارة البلاد وحضارة النظام. لكن هناك نقاط طبعاً، أي أن توقعي من نفسي ومن شبابنا ومن شعبنا ومن نُخبنا هو أن نفكر في إحداث تغيير في المجالات المختلفة والمطلوبة منا.
والآن، ما الأجزاء التي تحتاج إلى تغيير؟ هذا يحتاج إلى نقاش منفصل. سوف أشير إلى نقطة لاحقاً، ولكن هناك بعض النقاط في [موضوع] التغيير. إذا أردنا أن يحدث التغيير بالمعنى الحقيقي للكلمة وبمعناه الصحيح، يجب أن ننتبه إلى هذه النقاط. هناك نقطة، وهي أن التغيير لا يعني بالضرورة الاعتراض، بل يعني: الميل المستمر إلى التحسن؛ هذا هو طلب التغيير. أي رفض الاكتفاء بما هو موجود. يمكن أن يكون هذا منشأ التغيير. بالطبع، قد يكون المنشأ في بعض الحالات هو الاعتراض على الوضع القائم، ولكن ليست الحال هكذا دائماً. في حالات كثيرة، يكون التغيير بمعنى أننا لا نكتفي بما لدينا، ونخطو خطوة أبعد، ونتوخّى مرحلة متقدمة. لكي نحدث تغييراً، لا يجب أن نشعر بالهزيمة في مكان ما؛ كلا، ففي بعض الأحيان، لا نشعر بالهزيمة. ماذا أريد أن استنتج من هذا؟ أود أن أقول إنه حتى في الأماكن التي أجرينا فيها تغييراً إيجابياً – لنفترض، في مجال العلم – لا ينبغي لأحد أن يقول لقد تغيرنا ولا توجد حاجة؛ كلا، فلا يجب أن نكتفي بما لدينا، ولا يجب أن نكتفي بالأشياء التي نملكها، بل يجب أن نطلب التغيير أكثر ونراه ضرورياً ونسعى وراءه. وهذا أيضاً في المجال نفسه الذي كان لدينا تغيير فيه، أو في مختلف المجالات الأخرى التي حدث فيها تغيير. لذلك، يعني التغيير الرغبة في التسريع والسرعة في الحركة والنقلة [النوعية] في الحركة واجتناب الجمود، واجتناب الإصرار على الاعتقادات غير الصحيحة... هذه معاني التغيير، وحيث لا يوجد حتى اعتراض أيضاً فإن هذا المعنى موجود تماماً. لذلك إن هذه نقطة مهمة.
النقطة الثانية هي أن التغيير الصحيح يحتاج إلى الركيزة الفكرية. يعني أنه لا يمكن وصف أي حركة غير مدعومة فكرياً بأنها تغيير. لا يمكن احتساب بعض الحركات الخفيفة والسطحية أنها تغيير، لأن التغيير يحتاج إلى الركيزة الفكرية. لنفترض أن إحدى القضايا التي يجب إحداث تغيير فيها اليوم هي قضية العدالة. في مجال العدالة، يجب أن نحدث تغييراً، ويجب أن يقوم ذلك على أساس فكري. ما هو فكرنا المتقن والمتبلور في مجال العدالة؟ حينئذ، وبناءً على ذلك، نذهب إلى التغيير. يعني أن هذه الركيزة الفكرية هي أحد الأشياء اللازمة وهي من ضمن أصولنا المعنوية. أي أننا يجب أن نستفيد من أصولنا المعنوية في هذا الصدد، وهي أحكام الإسلام والقواعد الإسلامية، والآيات القرآنية الشريفة، وكلمات أهل البيت (ع). يجب علينا الاستفادة من هذه الأشياء وإجراء التغيير بناءً عليها.
الإمام اعتمد على هذه الحركة الإسلامية والأسس المعرفية للإسلام نفسها في كل ما قام به في مجال التغييرات. لقد عبر الإمام من خلال إطارها. إذا لم يكن هناك مثل هذه الركيزة الفكرية، فإن تغيير الإنسان سيكون خطأً، ومن المحتمل أن يتخذ الإنسان الخطوة غير الصائبة، ثم إنه لن يَثبُتَ بصورة صحيحة. أي أنه في هذه الحالة التغييرية لن يكون ثابت الخطى.
يتذكر المرءُ البعضَ في ثورتنا: كان لدينا أشخاص ثوريون ومهتمون، ولكن لأن أسسهم الفكرية لم تكن صلبة، ولم تكن أسسهم الإيمانية متينة ومحكمة وتفتقد إلى الركيزة العقلانية والاستدلاية القوية، فإنهم بعد مرور زمن، أو بعد اجتيازهم سن الشباب على سبيل المثال، تحوّلوا إلى أولئك المتحجرين أنفسهم الذين كانت الثورة ضدهم في الأساس. أي أن الثورة الإسلامية في الحقيقة وضعت جانباً عدداً من المتحجرين المنحرفين. بعض الشباب الذين كانوا من الثوريين أمس، بعد دخولهم مراحل مختلفة من الحياة واجتياز سنوات الشباب، اقتربوا بالفعل – الآن إما اقترب بعضهم، وإما تحوّل بعضهم – إلى شيء يشبه أولئك المتحجرين. وكما يقول المرحوم أميري فيروزكوهي في قصيدته:
"شباب العمر انقضى بالمعرفة، والشيب بالجهل ... كتاب العمر [جعلني] فصلاً وباباً، ما قبل وما بعد"13، في الحقيقة، هكذا حال البعض.
نقطة أخرى مهمة للغاية هي أنه لا ينبغي الخلط بين التغيير والتحول الفكري. قبل مدة قصيرة من حكم النظام البهلوي وبعد ذلك، وكان أوجها خلال حكم النظام البهلوي، دخل شيء إلى البلاد يسمى الحداثة، كان يُنظر إليه على أنه تغيير في حياة الشعب الإيراني. هذا لم يكن تغييراً، بل كان تحولاً للشعب الإيراني، كان سلباً لهوية الشعب الإيراني. أي أن الشعب الإيراني فقد هويته الدينية وهويته الوطنية وهويته التاريخية العريقة في هذه الحداثة. الحداثة في عهد النظام البهلوي، وبتسهيل من رضا خان [وبواسطة] الداعمين له أيضاً وما يسمونهم المنفتحين المتأثرين بالغرب والمسحورين في زمن رضا خان – الذين كانوا يدفعون به، ويقودونه، ويساعدونه ويبررون أفعاله –، [أدّت] في الواقع إلى سلب هوية الشعب الإيراني، أي أن [الشعب] أُخرج من تلك الهوية الحقيقية؛ هذه «استحالة»، وليست تغييراً. يجب أن يكون التغيير نحو الأمام، وكان ذلك يسير إلى الوراء. إذا فقدت الشعوب هويتها، وفقدت أصولها المعنوية، هذا يصنف في الواقع موتاً حضارياً لها. هذا موت حضاري، وللأسف، كان [الوضع] هكذا في بلدنا أيضاً. أي في المناقشات العلمية والاجتماعية والأكاديمية، وصل بهم الأمر إلى درجة أنهم، على سبيل المثال، كانوا يرون كلام عالم غربي الكلامَ الفصل. وكانوا عندما يتناقشون، [يقولون] هكذا قال العالم الغربي الفلاني، فعندما يقول هو ذلك، ينتهي النقاش. هذا يعني أننا نغلق طريق التفكير. عندما يأتي التقليد، وتظهر مسألة تقليد الآخرين فلا يجرؤ المرء على تخطّي كلام عالم غربي عن مسألة ما في العلوم الإنسانية أو ما شابه، هذا يعني أنه يجب على المرء أن يضع التفكير جانباً، وأن يضع الاجتهاد جانباً، وأن يكون مقلداً، وهذا عكس تعاليم الأنبياء تماماً: «وَيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ»14، دفائن العقل تلك، ودفائن الفكر التي أحيوها عند البشر، والتي أثاروها وأظهروها. هذه النقطة هي النقطة المقابلة لهم تماماً، وهذه نقطة [مهمة] أيضاً.
نقطة أخرى هي أنه ليس بالضرورة أن يحدث التغيير دفعة واحدة. في بعض الأحيان، يكون التغيير تدريجياً. فينبغي تجنب التسرّع. إذا تم تحديد الهدف والتصويب بصورة صحيحة وحدثت الحركة بالمعنى الحقيقي، لا توجد مشكلة إذا وصلنا إلى غاية التغيير في وقت متأخر؛ المهم في الأمر هو إكمال السير في الطريق، والقيام بالحركة، وينبغي تجنب التسرّع. ليس الأمر كما نعتقد، أنه يجب القيام بشيء ما دفعة واحدة. لا، ليس الأمر كذلك.
المشكلة في هذه الحداثة التي أعطتنا إياها الحكومات العميلة هي أنه لم تكن هناك يد مرشدة. كان هذا أحد إشكالاتها. يجب أن تكون هناك يد مرشدة موثوقة فوق رأس هذا التغيير التدريجي المراد تحقيقه، ويجب توجيه هذه الحركات التغييرية بأيدٍ موثوقة وجديرة بالثقة. وإلّا، إذا لم يوجهوها، سيكون الوضع مثل ذلك الذي كان موجوداً في تلك الأيام. هذه نقطة [مهمة] أيضاً.
نقطة أخرى هي أنه لا ينبغي الخلط بين التغيير وبين سلسلة من الأفعال السطحية والسهلة. فبعض الأفعال السطحية التي تجري بطريقة متهورة ومتسرعة هذه ليست تغييرات. في بعض الأحيان، يحدث ذلك لإخماد غريزة القيام بفعل ما، لكن هذه الأفعال ليست ذات قيمة. التغيير فعل عميق وأساسي، ويجب أن يحدث. بالطبع السرعة مهمة، لكن السرعة تختلف عن التسرّع. حسناً، كانت هذه بعض النقاط التي يجب أن نسعى إليها من أجل التغيير، ويجب أن يسعى إليها الشعب الإيراني، خاصة شبابنا. ويجب أن تؤخذ هذه النقاط بالاعتبار.
حسناً، في أي المجالات يجب أن يحدث التغيير؟ قلت إن هذا الموضوع، وهو نقاش طويل آخر، نحتاج فيه إلى تحديد المجالات التي نعاني فيها من نقص، وأين نحتاج إلى إجراء تغيير بكل ما للكلمة من معنى.
لكن كقائمة على سبيل المثال، يمكن أن نذكر بعض النماذج وبعض الأمثلة: مثلاً، في مجال الاقتصاد؛ التغيير هو أن نتمكن من قطع الحبل السري (الارتباط الوثيق) لاقتصاد البلاد عن النفط. يعني أن نتمكن من إنشاء اقتصاد منفصلٍ من النفط. هذا تغيير بالمعنى الحقيقي للكلمة. أو لنفترض في مجال الموازنات الحكومية أن تقر الحكومة والبرلمان الموازنة بطريقة تأخذ بعين الاعتبار الموضوع والمسألة والأداء، بالمعنى الحقيقي للكلمة. بتعبير آخر: «الموازنة العمليّاتيّة». بالطبع، يُزعم ذلك، والحكومات غالباً ما تدعي أن الموازنة «عمليّاتيّة» لكنها ليست كذلك. يمكن لموازنة الدولة أن تحدث تغييراً بكل معنى الكلمة في موضوع الاقتصاد إذا تم تخصيصها بصورة صحيحة. أو لنفترض في مجال قضايا التعليم؛ في الحقيقة نحن بحاجة إلى التغيير في مجال التعليم. التغيير في مجال التعليم هو أننا يجب أن نقدم التدريس المتعمق في الجامعة والمدارس الثانوية وحتى الابتدائية. [بأسلوب] متعمق وعملي وليس الحفظ فقط. فلتطرحوا الدروس والمناقشات المفيدة. يُدرس بعض الدروس في مدارسنا أو جامعاتنا [مع أنها] لن تكون ذات أي فائدة للشخص الذي يقرؤها في كل حياته! ولا تكون لديه تلك الخبرة الفعّالة في هذا المجال، مثل المعلومات العامة، فيتعلم شيئاً عديم الفائدة ويستغرق [كثيراً] من وقته. أي أنه في مجال التعليم، إن أردنا إحداث تغيير بكل معنى الكلمة، فالتغيير هو أن يكون الدرس مفيداً ومتعمقاً وعملياً. سيكون هناك دور في هذا الصدد للخطة التغييرية التي تم إعدادها للتعليم15 إذا ما تم تنفيذها والعمل بها.
أو [مثلاً] في مجال القضايا الاجتماعية، مثل قضية توفير العدالة، أو الحل النهائي لمشكلات مثل الإدمان. في الواقع هذه مشكلات اجتماعية يجب علينا حلها. أو [مثلاً] في قضايا الأسرة: إننا نحتاج إلى إحداث تغيير بكل ما للكلمة من معنى. واليوم، تخبرنا الأخبار والتقارير الموثوقة أن بلدنا يسير نحو الشيخوخة بسرعة. هذا خبر مرهب للغاية، خبر سيء. هذا واحد من تلك الأشياء التي ستظهر آثارها عندما لا يمكن تصوّر أي علاج لها. حسناً، هذه [الأمور] يجب [حلّها] بواسطة التغيير؛ يجب إحداث التغيير في هذه المجالات.
حسناً، الشرط المهم لإحداث التغيير هو ألّا تخاف من العدو والعداوات. قال الله – تعالى – لرسوله (ص): {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ}16؛ يجب ألا تخاف من الناس، يجب ألا تخاف من كلام هذا وذاك. فأيّ فعل إيجابي، أي عمل مهم قد يكون له عدد من المعارضين، والمعارض يعارض. فاليوم، مع ظهور الفضاء الإلكتروني، غالباً ما يكون نوع المعارضة صدامياً وحاداً ومؤذياً. وإذا كانت ستحدث حركة مهمة وصحيحة ومتقنة ومحسوبة، يجب أن يتجاهلوا هؤلاء. يجب أن يتجاهلوا العدو الخارجي كذلك؛ [مع] أيّ تحرك يحدث في البلاد نحو الصلاح هناك جبهة واسعة للعدو، إذ يجلسون ويفكرون باستمرار في إلحاق الضربات، سواء في مجالات الأجهزة والمعدات أو البرامج. برامجهم أنهم يشككون في القرارات المهمة والصحيحة والمنطقية التي تُتخذ في البلاد، عبر الدعاية الواسعة التي لديهم، فيضربونها ويدمرونها بواسطة هذه الإمبراطورية الدعائية التي هي في أيدي الصهاينة. يجب ألا تخافوا من هذا. يجب أن نتحرك. وأعتقد أن السبيل إلى ذلك هو حضور القوى الشابة؛ فمن لا تكترث ولا تخشى وتتحرك دون اعتبار هي القوى الشابة. [بالطبع] حضور القوى الشابة على النحو الذي ذكرناه سابقاً. يعني الاستفادة من فكر الشباب وروحيّة الشباب، ومن حالة الإقدام والشجاعة والحركة التي ينهض بها الشباب، لا بمعنى نفي حضور الذخائر من غير الشباب. فشرطها هو تجنب هذا الأمر.
لحسن الحظ، عندما تثق البلاد بالله، تصبح النتيجة كما ما ترون. جزء من جبهة العدو كان الاتحاد السوفيتي الذي صار بهذا الشكل. أحد هذه الأجزاء هو أمريكا التي تشاهدون وضعها المضطرب اليوم. ما تشاهدونه اليوم في المدن والولايات الأمريكية هو انكشاف حقائق كانت تُخفى دائماً. هذه ليست أشياء جديدة، [بل] إنها انكشاف الحقائق. فعندما تصعد الحمأة من قاع البركة إلى سطحها، فإنها تظهر نفسها؛ هذه الحالة هي كذلك.
مثلاً أن يضع شرطيٌّ بمنتهى البرودة ركبته على عنق رجل ذي بشرة سمراء ويبقيها هكذا ويضغط عليها إلى أن يفارق الحياة – هو يتوسل إليه، ويستغيث به، وهذا يجلس عليه ببرودة أعصاب ويضغط – وبعض رجال الشرطة الآخرون يشاهدون ذلك ولا يفعلون شيئاً... إنه ليس شيئاً مستحدثاً؛ هذه هي الطبيعة الأمريكية. هذا ما كان يفعله الأمريكيون في أنحاء العالم إلى الآن. لقد فعلوا الشيء نفسه مع أفغانستان، وفعلوا الشيء نفسه مع العراق، وفعلوا الشيء نفسه مع سوريا، وفعلوا الشيء نفسه سابقاً مع عدد من دول العالم ومع فيتنام. هذه هي أخلاق أمريكا، وهذه هي طبيعة الحكومة الأمريكية. وهي تكشف عن نفسها اليوم بهذا الشكل. أن يهتف الناس الآن: «دعونا نتنفس» أو «لا أستطيع أن أتنفّس»، وهو صار اليوم شعار الشعب الأمريكي في الولايات والمظاهرات الواسعة في مختلف المدن، في الواقع هذا هو لسان حال جميع شعوب [الدول] التي دخلت إليها أمريكا ظلماً وفعلت [ما فعلت].
على أي حال، وبتوفيق من الله ولطفه، فُضح الأمريكيّون بتصرفاتهم. فتلك إدارتهم لمسألة «كورونا» التي فضحتهم في العالم، والتي ما زالت مستمرة حتى الآن، رغم أنهم أصيبوا في وقت متأخر عن عدد من البلدان، وكان بإمكانهم الاستفادة من تجارب الآخرين، وكان بإمكانهم أخذ الاستعدادات اللازمة، فقد تسبب ضعف الإدارة في ذلك البلد في أن يكون [عدد] ضحاياهم اليوم أعلى من ضحايا الدول الأخرى بأضعاف، [وأن تكون] مصائبهم كذلك أيضاً. لم يتمكنوا من أن يديروا [الأزمة] ولا يمكنهم أن يديروها بسبب خصائص هذا الفساد الموجود لدى الجهاز الحاكم في أمريكا. هذه هي حال إدارة الناس، والتصرّف مع الناس، وهم ثرثارون أيضاً؛ يقتلون الناس بجريمة واضحة وعلانيّة، ويكشفون عن أنفسهم ولا يعتذرون. وفي الوقت نفسه يثرثرون؛ يقولون حقوق الإنسان! يبدو أن الرجل ذا البشرة السمراء الذي قتل هناك لم يكن إنساناً وليس له حقوق؛ هكذا [منطقهم].
على أي حال، أعتقد أن الشعب الأمريكي – لقد قلت ذلك من قبل، وأقوله الآن أيضاً – يشعر بالخجل والإحراج من حكومته. ومن المهم حقاً أن يشعر الشعب الأمريكي بالحرج من هذه الحكومة الحالية في أمريكا. أيضاً الأشخاص – سواء في بلدنا، [أي] الإيرانيين الموجودين داخل بلدنا، أو بعض الإيرانيين في الخارج – الذين كان عملهم الدفاع عن أمريكا وتجميلها، أعتقد أيضاً أنهم لن يستطيعوا رفع رؤوسهم بعد الآن جرّاء ما آل إليه الوضع.
أتمنى أن يجعل الله – تعالى – الأحداث في العالم في مصلحة الشعب الإيراني، إن شاء الله، وأن يزيد من كفاءة الجمهورية الإسلامية يوماً بعد يوم، وأن يحشر الروح الطاهرة للإمام العظيم ولشهدائنا الأعزاء ولشهيدنا الأخير، الشهيد [قاسم] سليماني، مع الأولياء، إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله.
الهوامش:
- سورة سبأ، جزء من الآية 46.
- نهج البلاغة، الخطبة الأولى.
- الشهيد آية الله عطاء الله أشرفي إصفهاني، خامس شهداء المحراب.
- الشهيد آية الله السيد عبد الحسين دستغيب، ثالث شهداء المحراب.
- المرحوم الشهيد العميد ولي الله فلّاحي الذي نصب قائداً للقوات المسلحة بعد بني صدر.
- المرحوم اللواء قاسم علي ظهير نجاد الذي تولى مسؤولية قيادة الجيش عام 1979.
- حبيب الله عسكر أولادي، من أبرز الوجوه السياسية في الثورة الاسلامية.
- سورة الأنفال، جزء من الآية 17.
- ما يدفع إلى الانبهار.
- سورة الرعد، جزء من الآية 11.
- سورة الأنفال، جزء من الآية 53.
- كتاب مصباح المتهجّد، الجزء 2، صفحة 844.
- كريم أميري فيروز كوهي، غزليات، الغزل رقم 91.
- نهج البلاغة، الخطبة الأولى.
- وثيقة التغيير الأساسي في التربية والتعليم.
- سورة الأحزاب، جزء من الآية 37.