بسم الله الرحمن الرحیم
والحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام علی سیدنا ونبینا أبي القاسم المصطفی محمد، وعلی آله الأطیبین الأطهرین المنتجبين المعصومین المطهّرين، سيما بقية الله في الأرضين.
قدمتم خير مقدم أيها الإخوة الأعزاء والأخوات العزيزات والعلماء والشخصيات وعوائل الشهداء المبجّلة وشباب تبريز المتحمّس الذي قلما يوجد له من نظير. والحق يقال إن أهل تبريز، ولاسيما شبّانهم، يُعتبَرون مَثَلاً قلما يوجد لهم من مثيل في البلد.
أنا مسرورٌ جداً على أن حالفنا التوفيق في هذا العام أيضاً − ولله الحمد − أن نلتقيكم في هذه الحسينية وفي اليوم التاسع والعشرين من بهمن الذي يمثّل أحد أيام الله حقاً.
وأقولها بادئ الأمر بأن أهالي تبريز هم الذين خلقوا يوم الله هذا. فإنّ أيام الله هي الأيام التي تعتبر تجليّاً ومظهراً خاصاً من مظاهر الله سبحانه وتعالى، وأحياناً ما تقوم نية الناس وهمتهم وإرادتهم بخلق مثل هذه الأيام. وقد عمد أهالي تبريز في سنة 1978 إلى خلق هذا اليوم في الثامن عشر من فبراير/شباط بهمّتهم وبصيرتهم، وهذا ما سأتطرق إليه لاحقاً. علماً بأن القضية هذه لم تكن الأولى ولم تكن الأخيرة كذلك، بل إن تأريخنا الأخير حافلٌ بريادة أهالي تبريز وأذربيجان في القضايا والأحداث الهامة والمفصلية.
في خضمّ أحداث الثورة الأولى − وأنتم الشباب لا تتذكّرونها − قام أهل تبريز بشقّ القمر حقاً، وتم إحباط المؤامرة التي حاكها العدوّ في تبريز على أيدي أهاليها بأفضل وجه. وقد قالها الإمام (الخميني) آنذاك، يوم كان الجميع قلِقاً مما يجري في تبريز، حيث جيّش الأعداء والعناصر المعادية للثورة جيوشهم من كل حدب وصوب علّهم يتمكّنوا من فصل تبريز عن الثورة، قال الإمام ما مضمونه: لا تقلقوا فإن نفس أهالي تبريز سيصدّونهم، وهذا ما تحقق بالفعل.
ثم بعد ذلك في الدفاع المقدس، وبعدها في الأحداث التالية، وبعدها في (فتنة) عام 2009، وبعدها في (مسيرات) 9 دي (30/12/2009) حيث خرج البلد برمته في اليوم التاسع من شهر دي وتقدّمت تبريز في الخروج إذ خرجت في اليوم الثامن منه. فكانوا رائداً ومقداماً في كل مكان والحمد لله.. يا أعزائي! كونوا رادة في هذه الخطوة الثانية أيضاً، وستكونون كذلك إن شاء الله.
إن أهالي تبريز يفتخرون بيوم الله المتمثل في التاسع والعشرين من بهمن، وهذه نقطة بالغة الأهمية. فإن هنالك أشخاص يتسمون بالضعف والمسكنة والانفعال، ولربما ظهرت منهم في يومٍ حركة ثورية، ولكنهم اليوم، تحت وطأة ضغوط العدو والنزوات المادية بالطبع، خجلين من ماضيهم. بيد أن أهالي تبريز، شأنهم شأن غالبية الشعب الإيراني، يفتخرون بماضيهم الثوري، ويرفعون رؤوسهم قائلين: نحن الذين أطلقنا الحركات الأربعينية الثورية، والحق معهم في ذلك. وإنّ نفس مجيئكم إلى هذا المكان واجتماعكم العظيم الحاشد هذا ولاسيما الشباب الأعزاء يعد واحداً من محاور ومعالم هذا الفخر الكبير والزاخر بالمعنى.
أود أن أتحدّث قليلاً حول اليوم التاسع والعشرين من بهمن، وهو يمثل حديثي الرئيسي، ولكن قبل ذلك أريد أن أغتنم الفرصة لأطرح نقطتين:
النقطة الأولى: في نهاية البيان (الذي أصدرته)، شكرتُ الشعب الإيراني على مشاركتهم في مسيرة الثاني والعشرين من بهمن (11 شباط، ذكرى انتصار الثورة الإسلامية)، بيد أنّ الشكر هذا - بيني وبين الله - هو أقل وأصغر مما يستحقّه الشعب الإيراني بكثير. فقد حقق شعب إيران في هذا اليوم من العام الحاضر إنجازاً عظيماً، حيث سجّل حضوراً جماهيرياً حاشداً في الشوارع. وبحسب التقارير التي رُفعت لنا فاق الحضور السنوات الماضية في جميع مدن البلاد أو في 98 بالمئة أو أكثر منها، حيث كان الحضور في بعضها 50 بالمئة أكثر، وفي بعضها 40 بالمئة أكثر، وفي بعضها الآخر 30 بالمئة أكثر.
والعدوّ يرى ذلك ولكنه بالطبع يتكتّم على الأمر في إعلامه قائلاً نزلت إلى الشوارع الإيرانية عشرات الآلاف، ولا يقول نزلت عشرات الملايين في كل المدن بمجموعها، ولكنه يفهم ذلك والجميع في العالم يعرف بأنّ البلد الذي يكون أبناء شعبه متكاتفاً وحاضراً في الميدان بهذا النحو، لا يطاله أيّ أذى من كيد العدوّ. وهذا يعني أن حضوركم في ساحة البلد السياسية والثورية في ذكرى 11 فبراير/شباط 1979 وفي جميع أقطار البلد يعدّ حركة سياسية وأمنية هامة تحققت بواسطة الشعب الإيراني. فلابد أن نشكر الله على ذلك، لأن القلوب بيد الله. ↔إليك نُقِلت الأقدام وإليك... مُدّت الأعناق≈. فالأيادي ممدودة إلى الله، والقلوب بيد الله، وهو الذي أنزل الناس إلى الساحة، فلنشكر الله، ولنشكر أبناء شعبنا الأعزاء أيضاً من أعماق قلبنا. فقد حضر الناس وأطلقوا نفس تلك الشعارات.
ذكرتُ قبل أيام بأن شعار ↔الموت لأمريكا≈ لا يراد به الشعب الأمريكي، وإنما حدّدتُ مصداقه في الثامن من فبراير/شباط، واليوم أقول بأن ↔الموت لأمريكا≈ يعني الموت للهيمنة والموت للعدوان والموت للتطاول على حقوق الشعوب.. هذا هو معناه. وقد قطع الناس عبر هذا الشعار حركة تنويرية توعوية إنسانية زاخرة بالمضمون والمعنى في كافة أرجاء البلد، وهذه هي من مواطن الشكر حقاً.
هنالك أناسٌ يتصفون بالضعف والانفعال، ويقولون بأن الثورة قد ضعفت، والحال أنهم هم الضعفاء ويقيسون على أنفسهم.. إنهم هم الذين تزلزلت قلوبهم ويظنّون بأنّ الناس على شاكلتهم، وينسبون نقاط ضعفهم إليهم.. كلا، الناس هم الذين شاهدتموهم في الشوارع يوم الثاني والعشرين من بهمن. سائلين الله أن يغمركم ويغمر الشعب الإيراني والجماعة الهميمة، التي تدافع ببصيرة عن ثورتها ونظامها وهويتها وبلدها، بلطفه ورحمته.
والنقطة الثانية تتعلق بهؤلاء الشباب الأعزاء الذين بذلوا مهجهم في سبيل أمن البلاد.. ظاهر الأمر هو أنّ عشرين إلى ثلاثين شخصاً من الشباب نالوا الشهادة، وها نحن قد قدّمنا الكثير من الشهداء. ولكنّ النقطة الجديرة بالالتفات والتي لابد وأن توقظنا هي أنّ الأمن يُكتسَب بأي ثمن؟ التفتوا! هؤلاء الذين ينتفعون من أمن البلد في عملهم وفي تجارتهم وفي فنّهم وفي رياضتهم وفي درسهم وفي جميع ممارساتهم، والبعض منهم يُنكر هذا الجميل! (ليعلموا) بأنّ هذا هو ثمن الأمن الذي نعيش في كنفه.. ثمنه دماء خيرة شبّابنا. سلام الله وسلام ملائكته على هؤلاء الشباب من أبناء أصفهان، وسلام الله على أهالي أصفهان الراعين للشهداء الذين قاموا قبل يومين بذلك التشييع المذهل لجثامين هؤلاء الشباب. فإن أهالي أصفهان أيضاً يدخلون في عداد رادة هذه النهضة وهذه الحركة. وعملهم هذا كان غاية في الأهمية.
لا ننسى كيف يتم الحفاظ على الأمن.. أمن الحدود وأمن الداخل وأمن الطرق وأمن المدن والأمن المذهل لتلك الحشود الغفيرة التي حضرت في يوم الثاني والعشرين من بهمن. فقد انتهت المراسيم بتلك الجماهير الهائلة المشاركة في (مسيرات) الثاني والعشرين من بهمن بأمان! يا تُرى هل هذا بالأمر الصغير الهيّن؟ من ذا الذي يحافظ على أمننا؟ هل نعرف قدرهم؟ هل نعرفهم؟ سلام الله على الحرس الثوري وعلى بقية العناصر الحافظة للأمن وعلى القوى الأمنية وعلى الجيش وعلى غيرهم من الذين يضحّون بأنفسهم ويضعون أرواحهم على كفّهم. فقد تحققت هذه الثورة وهذه العزة الوطنية وتحقق هذا الأمان بهذه التضحيات.
وأما حول انتفاضة تبريز. هنالك نقطة هامة بشأن انتفاضة التاسع والعشرين من بهمن (18/2/1978) في تبريز − ولقد كانت حقاً انتفاضة بكل ما تنطوي عليه الكلمة من معنى، علماً بأنها انطلقت في مدينة واحدة ولكن تركت أثرها على البلد برمته وأنزلت الجميع إلى الساحة وانتهت بتلك الثورة الشعبية العظيمة − والتي بارك الله فيها، وهي أنّ أهالي تبريز تمكّنوا من معرفة الوقت أولاً ومن المبادرة في الوقت المناسب ثانياً، وهذان عنصران في غاية الأهمية. ففي كافة الأحداث الفردية والاجتماعية يتسمان هذان العنصران بأهمية بالغة، بحيث لو شخّصنا الوقت والزمان ثم عرفنا بأنّ الزمان هذا زمان عمل وأنجزنا العمل في الوقت المناسب، سيؤدي ذلك إلى النجاح. ولكن لو لم نعرف الزمن وغفلنا عنه أو لم نقطع الحركة المطلوبة في الوقت المناسب، عندذاك ستكون كل حركة نقوم بها عديمة الجدوى.
ومثال ذلك في التأريخ (حركة) التوابين. فالتوابون هم تلك الجماعة التي ثارت ثائرتهم، بعد أن وقعت واقعة الطف واستشهد الإمام الحسين قرة عين النبي بتلك الصورة وحدث ما حدث، ثارت ثائرتهم قائلين يا عجباً هل نحن جالسون؟ فقاموا وثاروا − وكان عددهم كبيراً − والحكومة بدورها وقفت في وجههم، وقُتلوا واستشهدوا بأسرهم، ولكن يا ترى هل إنّ أثر عمل مئة رجل منهم يعادل أثر عمل ذلك الغلام الأسود الذي استُشهد في كربلاء؟ وهل إنّ أثر مئة رجل منهم يضاهي أثر رجل واحد من أمثال حبيب بن مظاهر الذي استُشهد في كربلاء؟ كلا، لأنهم لم يُنجزوا العمل في وقته. فلو كنتم تريدون الدفاع عن الإمام الحسين وعن النبي وعن حريم الولاية وعن حركة الحق أمام (حركة) الباطل اليزيدية، لكان عليكم أن تُنجزوا عملكم في يوم عاشوراء، ولكنكم أضعتم الفرصة! هذا هو التأريخ، وهنالك أمثلة كثيرة من هذا القبيل عبر التأريخ.
أنا لا أنسى في بداية الثورة عندما دخل الإمام (الخميني) طهران في اليوم الأول من فبراير/شباط (1979)، وقال في (مقبرة) جنة الزهراء بأني سوف أشكّل حكومة، وكانت الأرضية مهيأة بالكامل، استدعانا الإمام في اليوم الثالث أو الرابع (من شباط) على ما يبدو لي − لأن مهمة تمهيد السبيل لتشكيل الحكومة كانت قد أنيطت إلى مجلس الثورة، وأنا وعدة أشخاص آخرين كنا أعضاء مجلس الثورة − فذهبنا لزيارته في مدرسة علوي. قال سماحته: ↔يا سادة! ماذا فعلتم؟ إلى أين وصلت قضية تشكيل الحكومة؟≈ يعني لماذا لم تمهّدوا السبيل؟ التفتوا هذا هو الصحيح، وهذه هي معرفة الزمان وانتهاز الفرصة. وبعد ذلك في يوم غد أو بعد غد أصدر حكماً بتشكيل الحكومة المؤقتة واستمرت القضايا بتلك الطريقة.. هذه هي معرفة الوقت والزمان.
ولقد بارك الله في عملكم بسبب معرفة الوقت. فإنّ أهالي تبريز أدركوا بأنّ هذا هو الوقت الذي ينبغي فيه تسديد الضربة. ذلك إنّ النظام الحكام، بما ارتكبه من خطيئة، أثار الناس، ثم اقترف خطيئة أخرى في مدينة قم وقتل طائفة من أهلها، وكانت الأرضية مهيّأة، ولكن كيف ينبغي لهذه الأرضية المهيأة أن تظهر؟ المناسبة الأمثل هي يوم الأربعين، وهذا ما أدركه أهل تبريز، فأصبحت الأربعينية مظهراً للحركة والانتفاضة والثورة.. عرفوا الوقت واستثمروه على أتم وجه، ولهذا بارك الله (في عملهم)، وهذا درس.
أعزائي! يشهد نظام الجمهورية الإسلامية اليوم أفضل الفُرص، فقد توافرت فيه اليوم فرصة العمل وفرصة الحركة، بما في ذلك حركة الحكومة وحركة الشعب وحركة المسؤولين؛ كلٌّ في موقعه وعمله. يجب على الشابّ اليوم أن ينطلق وأن يغنتم الفرص. فإنّ (إيران) اليوم تتمتع بمكانة مناسبة.. جمهور كبير وبلد مترامي الأطراف وطاقات هائلة أشرتُ في البيان إلى جزء ضئيل منها. ذلك إنّ طاقات البلد وقدراته أكثر بكثير مما ورد في أوراقنا ومدوّناتنا وكلماتنا. ففي أيّ بقعة من بقاع البلد بما في ذلك (محافظتكم) أذربيجان و(مدينتكم) تبريز − كما أشار الآن السيد إمام الجمعة الموقّر والحق معه − هناك بحرٌ من الطاقات المختلفة الاقتصادية والعلمية والاجتماعية والفنية وسائر مستلزمات الحياة. فلابد من معرفة هذه الطاقات واستثمارها. ولكن من الذي يجب عليه النهوض بهذا الأمر؟ نحن المسؤولون، وهذا واجب في أعناقنا. علماً بأن قولي نحن المسؤولون لا يعني إسقاط التكليف عن الشباب، بل هنا يتجسّد مفهوم ما ذكرناه من حرية إطلاق النار: يعني على كل الشباب وكافة الجماعات المؤمنة في شتى المجالات أن يبادروا إلى إنجاز أيّ عمل يتيسّر لهم ويطابق قوانين البلاد ومصالحها، وألّا يعلّقوا مبادرتهم على أيّ أحد. إذن فالبلد يتمتع (بمختلف) الطاقات والقدرات.
إنّ عدوّنا اليوم يتسم بالضعف. التفتوا! لا نريد أن ننظر بنظرة سطحية، ولطالما قلتُ بأنه لا ينبغي أن نعتبر العدوّ ضعيفاً لا حيلة له. ولا يعني ذلك أن نغفل عمّا يمتلكه من نقاط قوة. ولكن إذا ما نظرنا بنظرة صائبة نجد أن العدوّ متورّط. فإن العدوّ الرئيسي لنظام الجمهورية الإسلامية، المتمثل في الاستكبار والمتجسد في النظام الأمريكي المعتدي، متورط في الوقت الراهن.. متورط في قضاياه الداخلية، ومتورط في قضاياه الخارجية، ومتورّط في الاختلاف بين ساسة بلده وزعمائه حول مختلف القضايا وهذا ما ترونه في الأخبار. إضافة إلى أن الإدارة الأمريكية متورطة بديونها الهائلة إلى أبناء شعبها وإلى الدول الأجنبية، حيث ترتفع ديونها إلى واحد ونصف تريليون دولار، ومتورّطة بمشاكلها الاجتماعية كذلك، فإنّ شعب أمريكا وشبابها - بحسب الوثائق التي هم ينشرونها، فإنها ليست من معلوماتنا الداخلية، وإنما هي معلومات تلقّيناها منهم ومما ينتشر في صحفهم ووثائقهم ويصل إلينا - يعاني من اليأس والإحباط والانتحار. كما أنّ حالات القتل في أمريكا تفوق كل بلدان العالم، حيث يُقتل في اليوم الواحد عدد كبير من الناس، سواء بواسطة الناس أنفسهم أو بواسطة القوى الأمنية. هذا بالإضافة إلى (شيوع) المخدرات والإدمان عليها، حيث تُنفق سنوياً (لاقتناء) المخدرات في أمريكا مئة مليار دولار، والإدارة الأمريكية - بحسب إحصائياتهم - تصرف خمسين مليار دولار لمكافحة المخدرات في البلد ولكن دون جدوى، فإنّ المخدرات هناك في تزايد مستمر، وهذا يعني أنهم متورّطون.
ولكم أن تلاحظوا أوضاعهم في سوريا وأوضاعهم في أفغانستان وأوضاعهم في العراق. فإنّ هذه الأزمات المتورّطين فيها تُغيظهم، حيث نجد هؤلاء الساسة الضعاف العقل أو الحمقى من الدرجة الأولى حقاً كما ذكرنا تثور ثائرتهم، ويعمدون إلى سبّ الشعب الإيراني وشتمه، ويتشبّثون بكل شيء ويطرقون كل الأبواب، ويعقدون مؤتمر وارسو الفاشل، ويدعون الدول الحليفة والعميلة والمرعوبة والضعيفة ليتخذوا قراراً ضدّ الجمهورية الإسلامية في إيران دون أن يكسبوا أي مكسب. وهذا مؤشر على ضعف العدوّ.
إذن فالعدوّ ضعيف. والعدوّ حين يضعف يعربد كثيراً ويثير الضجيج والصخب كثيراً، بيد أنّ الضجيج هذا لا ينبغي أن يقذف الرعب في قلب المسؤول الفلاني أو يؤدي إلى أن يلتبس الأمر على الشابّ الفلاني متصوّراً أنه ماذا حدث.. كلا، ففي ذلك اليوم الذي كانت فيه الثورة نبتة ضعيفة وقد تكاتف الأعداء لاستئصالها لم يتمكّنوا، واليوم حيث تبدّلت تلك النبتة الضعيفة إلى دوحة باسقة وإلى شجرة طيبة عظيمة لا يستطيعون ارتكاب أية حماقة. وهذا هو نفس ما قالته السيدة زينب ليزيد: ↔كِد كيدك واسعَ سعيك... فوالله لا تمحو ذكرنا≈.. أيما حماقة تستطيع ارتكابها فافعل، ولكن اِعلم بأنك لا تستطيع ارتكاب أية حماقة.
علماً بأنّ كرامة الكثير من زعماء البلدان الإسلامية بحسب الظاهر قد انتُهكت في هذه الأحداث وأُريق ماء وجههم على التراب. وإن أولئك الذين جلسوا مع الكيان الصهيوني في وارسو وغيرها من الأماكن وتحالفوا ضدّ الإسلام والمسلمين والجمهورية الإسلامية مع الصهاينة والأمريكيين، لم تبق لهم كرامة حتى لدى شعوبهم؛ سواء بعض العرب في منطقة الخليج الفارسي أو غيرهم.. هؤلاء لم يعد لهم ماء وجه حتى بين أبناء شعوبهم.. هذه هي حقيقتهم.
وهذا ما أريد قوله: نحن اليوم نعيش نشاط العام الأربعين، ولدينا الجهوزية والقدرة الكافية للانطلاق نحو الأمام، ونمتلك الإمكانيات والطاقات والقدرات، وكل المشاكل التي نعاني منها يمكن علاجها، بما في ذلك الغلاء وانخفاض العملة المحلية ومشكلة الإنتاج المحلي.. هذه كلها ممكنة الحلّ، ولكن يحتاج ذلك إلى قليلٍ من الصبر والتدبير والاتحاد والاتفاق والجدّية في الحركة وأمثال ذلك. فإنّ إمكانياتنا جيدة جداً، والعدوّ آيل إلى الضعف وهو في ضعف متزايد إن شاء الله. فلنغتنم هذه الفرصة، كما اغتنمتم، أنتم أهل تبريز في التاسع والعشرين من بهمن لعام 1356 هـ.ش (18/2/1978)، الفرصة وسدّدتم ضربتكم وفعلتم فِعلتكم وأنجزتم عملكم.
وأنا أقول لكم أنتم الشباب، لأن المستقبل لكم والبلد لكم. على الشباب أن يبادروا إلى بناء الذات والتأهّب من الناحية الروحية والبدنية والعلمية والقدرات الإدارية. لأنّ البلد لابد وأن يُدار على يد الشباب، فليستفيدوا من استشارة الشيوخ وتجاربهم، بيد أنّ الشباب هم المحرك الذي يدفع بالبلد إلى الأمام. فليُعدّوا أنفسم − كما ذكرت − من الناحية الروحية والمعنوية والأخلاقية والعلمية والدرسية والبدنية والقدرات الإدارية والمؤسساتية والتنظيمية. فإن مستقبل البلد بأيديكم، ويجب عليكم أن تتمكّنوا من إدارته. وبوسعكم إيصال هذا البلد إلى القمة. أسأل الله أن يحفظكم وأن يوفّقكم لأن تُظهروا هذه الجهوزية في مرحلة العمل إن شاء الله عبر الثبات الذي يعد غاية في الأهمية.. هذه وصيتي إليكم أنتم الشباب.
وأما وصيتي إلى المسؤولين في البلد فهي أن يعرفوا العدوّ بشكل صحيح وألّا تنطلي عليهم خديعته. فالعدّو يتبع طرقاً مختلفة، حيث تجده يكشّر عن أنيابه تارة ويُبدي قبضته تارة ويبتسم تارة أخرى، وكلها تدلّ على مفهوم واحد، ولا فرق بين أن يبتسم العدوّ أو أن يكشّر عن أنيابه، (وكلاهما ناتجان عن) العِداء: ﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾. فإنّ ما هو مضمور في قلوبهم النجسة والطافحة بالحقد والضغينة تجاه الإسلام والمسلمين وسيما الجمهورية الإسلامية أكثر بكثير مما يظهر في أقوالهم. فلا يُخدَعوا بالعدوّ ولا يرضخوا لحيلته.
ولكم أن تنظروا اليوم إلى الغربيين الذين راحوا يمارسون الخدعة والحيلة بكل ما في الكلمة من معنى. فإنّ أمريكا قد تجاوز أمرها الخديعة وها هي قد سلّت سيفها جهاراً، غير أن الأوروبيين كذلك راحوا يلجأون إلى الغيلة والحيلة. وأنا لا أقول لرجال الحكومة ماذا يفعلون، فليجلسوا وليفكّروا، ولكن عليهم أن يحذروا من ألّا تنطلي عليهم خدعة العدوّ وألّا يقعوا في شراك حيلته، على أمل أن يتمكّنوا من إنجاز شيء فيوقعوا أنفسهم والشعب في مأزق.. لا يُخدعوا من جانب ولا يهابوا العدوّ من جانب آخر، وليعلموا بأنّ يد الله فوق أيديهم، وأن الله مساندٌ وناصرٌ لذلك الشعب الذي ينصر دينه، وهذا ما سيقوم به شعبنا والحمد لله.
إن لشهدائنا الأعزاء حقاً كبيراً علينا فبادروا إلى إحياء ذكرهم. وما أشار إليه السيد إمام الجمعة المبجّل من التواصل مع عوائل الشهداء وذويهم وتجليل وتكريم الشهداء العظام، يعتبر من الأعمال الحسنة والأساسية. فلابد من (تكريم) الشهداء وعوائلهم ورفع قيمتهم أكثر فأكثر، لأنهم يمثّلون معالم هذا الطريق، وإنّ شبابنا لحسن الحظ كانوا ولازالوا دوماً على أهبة الاستعداد.. رحمة الله على الإمام (الخميني) العظيم وعلى الشهداء الأبرار.
وأقولها لكم: ستشهدون أنتم الشباب الأعزاء بإذن الله ذلك اليوم الذي قد تجلى، كل ما قلته في هذا اليوم وكرّرته مراراً، في حياتكم بحول الله وقوته.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظكم وأن يوفّقكم.
والسلام علیکم ورحمة الله