موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

كلمة قائد الثورة الإسلامية المعظم خلال إستقباله عوائل شهداء 7 تير (شهداء حزب الجمهورية الإسلامية) وشهداء المدافعين عن الحرم

بسم الله الرحمن الرحیم (1)

الحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام علی سیّدنا ونبیّنا أبي القاسم المصطفی محمّد وعلی آله الأطیبین الأطهرین المنتجبین، سیّما بقیّة الله في الأرضین.

قدمتم خير مقدم أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، ويا عوائل الشهداء الكرام. ولا نبالغ لو قلنا بأن بقاء الثورة وأمن البلاد وتقدمها من جميع الجوانب مرهون بصبر هذه العوائل الكريمة واستقامتها وبدماء أولئك الشهداء الأبرار.

تمر علينا في هذه الأيام مناسبة عظيمة؛ ألا وهي استشهاد مولى المتقين، وهو أكبر شهيد في تأريخ الإسلام بل في تأريخ البشرية. وكما تم التعبير عن سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) بـ«ثار الله»؛ أي الشخص الذي يكون الله ديّته - هذا هو معنى ثار الله، فإن لديّته من العظمة ما لا يستطيع بذلها إلا الله - فقد ورد التعبير بعينه في حق أمير المؤمنين أيضاً، حيث تقرأون: «یا ثارَ اللهِ وَابنَ ثارِه» (2)، وقوله: «وَابنَ ثارِه» يعني أنّ أمير المؤمنين أيضاً يتحلى بنفس المرتبة والعظمة في هذا الجانب. فقد تجلّت بالكامل من خلال هذه العبارة عظمة هذا الشهيد العظيم.. شهيد المحراب، وشهيد سبيل الحق، وشهيد العزم والحسم، وشهيد الاستقامة.

إضافة إلى أن هذه الأيام أيام دعاء وتضرّع وتوسّل ونحو ذلك. وإن إحدى أدوات التوسّل والتقرّب إلى الله، هي التوجّه إلى أرواح الشهداء الزاكية. فلو أردنا في هذه الليالي - سواء ليالي القدر، أو غيرها من ليالي شهر رمضان، حيث إن لكل ليلة من هذه الليالي مكانتها ومنزلتها - أن نتوسّل ونتضرّع [إلى الله]، وأن تكون لنا دعوة مستجابة، علينا أن نستشفع بالأرواح العالية، وأن نجعلها شفيعة [ما بيننا وبين الله]، ومنها أرواح شهدائنا الأعزاء. وقد أتيحت هذه الفرصة لعوائل الشهداء - بما فيهم الآباء والأمهات والأولاد والأزواج وسائر الأقرباء - أن يستمدوا من أرواح شهدائهم الأحباء الذين تعلّقت قلوبهم بهم، للتقرب إلى الله.

إن عوائل الشهداء في منتهى العزة. ودوماً ما ذكرتُ بأن الذي يقف في الخندق الأمامي للدفاع عن المبادئ والدفاع عن الثورة والدفاع عن الإسلام والدفاع عن القرآن، هم الشهداء ويليهم بلا فصل عوائلهم، من الآباء والأمهات والأزواج والأولاد، وهذا ما لا بد من معرفة قدره. ذلك أن الآثار التي تتركها هذه الشهادة على الإسلام والمسلمين ليست بالقليلة. فاليوم وبعد مضي 35 عاماً على حادثة السابع من تير (1981/06/28)، وشهادة أولئك الأعزة، مازالت هذه الحادثة ملهمة. فإن جماعة إرهابية خبيثة قاسية في داخل البلد، تطاولت على طائفة من الأعلام ومن الشخصيات الرئيسية ومن أركان النظام، وبادرت إلى اغتيالهم، وحرمت البلاد من وجودهم، ثم فرّت وارتمت في أحضان البلدان التي ملأ ادّعاء مناهضتها للإرهاب الخافقين. وناهيك عن الدول الآسيوية وعن بلدان المنطقة الرجعية التي ليست بالشيء الذي يُذكر، فإن الدول الأوروبية التي تصدح بالتبجّح في مناوءة الإرهاب ومناصرة حقوق الإنسان وأمثال ذلك، وتعتبر نفسها هي الأساس في هذه القضية، لم تردّ على هذا السؤال أنه لماذا فتحت أذرعها واحتضنت قَتَلة هذا الشعب؟ ولماذا آوتهم؟ ولـِمَ لم تسلّمهم لدولة الجمهورية الإسلامية من أجل أن تقوم بتنفيذ حكم الله في حقهم؟ لماذا؟ إن هذه الفضيحة الكبرى التي مُنيت بها الدول الأروربية وأمريكا في هذه القضية، تمثل حَدَثاً تأريخياً يقف على جانب كبير من الأهمية، ولا يمكن التغاضي عنها بهذه السهولة، والتأريخ لا يغض الطرف عنها.. هذا جانب من القضية. والجانب الآخر هم الإرهابيون أنفسهم، فإنهم خاضوا معترك الكفاح دفاعاً عن الشعب، والبعض منهم حتى دفاعاً عن الإسلام، وسجّلوا في سجّل أعمالهم هذه الفضيحة وهذه الجريمة، ثم لجأوا بعد ذلك إلى رجلٍ كصدام. فإن هؤلاء الذين كانوا يتبجحون بمعاداة أمريكا، لجأوا إلى صدام، واليوم أيضاً يعيشون تحت ظل الرعاية الأمريكية، سواء في العراق، أو في جانب من البلدان الأوروبية التي نُقلوا إليها. فقد كانت حادثة السابع من تير سنة 1360 ه.ش (1981/06/28) حادثة مذهلة وكبيرة تُستقى منها الدروس والعبر.

علماً بأننا متقاعسون في العمل. وعلى الرغم من قول السيد شهيدي بأننا نمارس أعمالنا في مؤسسة الشهيد، إلا أنّ العمل لا يتلخّص في تكريمنا وتعظيمنا وإجلالنا لعوائل هؤلاء الشهداء.. كلا، بل يجب عليكم إحياء هذه الحادثة. وإنّ هذا الشعب وما يتمتع به من روح ثورية، هو الذي أحيى هذه الأحداث، وإلا فنحن لم نقم بإنتاج فيلم واحد حول هذه الحادثة الكبرى، ولم نخلق أثراً فنيّاً واحداً يكشف حقائق حادثة السابع من تير، ويبيّن لنا من كان هؤلاء؟ وكيف كانوا؟ ومن هم أولئك الذين استشهدوا؟ ومن هو الشهيد بهشتي؟ ومن كان أولئك الوزراء المخلصين المؤمنين المضحين الذين نزلوا إلى الساحة بكل كيانهم، ونحن قد عايشناهم، وعملنا معهم، وعرفناهم عن كثب، وكيف كانوا؟ فما زلنا لا نمتلك فيلماً سينمائياً واحداً، أو عرضاً مسرحياً تشكيلياً واحداً، أو رواية جيدة واحدة.. هذه أعمال لم ننجزها وعلينا إنجازها.. هذا ما يتعلق بهذه المجموعة.

وأما شهداء فترة الدفاع المقدس، فقد تم إنجاز بعض الأعمال في هذا المضمار، ولكن مهما أُنجز من عمل فهو قليل. فإن آلاف الشهداء من أوضاع وحالات متعددة، ومن شتى المدن، ومختلف الشرائح والمستويات، بما في ذلك الناشئين الذين ناهزت أعمارهم الرابعة أو الخامسة عشر، وإلى الشيوخ الذين ذرّفوا على الستين أو السبعين، كلهم هبّوا إلى ساحات القتال، وأضفوا عليها طابعاً جماهيرياً، وأخرجوها من طوق القوات الرسمية. وأيما عملٍ يصطف فيه الناس خلف القوات الرسمية ويتواجدون فيه جنباً إلى جنبهم ويمارسونه بحيوية واندفاع، تقدم إلى الأمام. وهذه هي توصيتنا في الفترة الراهنة أيضاً لرجال الحكومة في جميع القطاعات - بما في ذلك القطاع الاقتصادي وغيره -. وهذا ما حدث في الحرب [المفروضة]، حيث هبّ الناس، وعرّضوا أنفسهم لهذا الامتحان المذهل، وليس هذا بمزاح، فإننا نسمع بعض الشيء عن الحرب، ولكن عليكم بقراءة الكتب التي تناولت تفاصيل هذه العمليات، بدءاً من المستويات العليا، والمقرات الرئيسية في ساحة الحرب التابعة للجيش والحرس الثوري، ومروراً بالمستويات الأدنى، ووصولاً إلى مستوى السرية والفصيلة والحظيرة. فإن سيرة هؤلاء الشباب فرداً فرداً، تلهمنا الدروس. وفي أفعال كل واحد من هؤلاء الشباب الذين نالوا الشهادة، وأقوالهم، وحركاتهم، نافذة نحو عالمٍ من عوالم المعرفة، توقظ الإنسان وتجعله بصيراً واعياً.

واليوم قد طُرحت قضية شهداء الدفاع عن حريم أهل البيت (ع)، وهي تمثل واحدة من أحداث التأريخ المذهلة. ففي فترة الحرب كنّا نحث الشباب على المبادرة إلى ساحات الوغى، وكانوا يلبّون دعوتنا ويهبّون إليها، وبخطاب واحدٍ للإمام الخميني، ينطلق الشباب زرافات زرافات للالتحاق بالجبهات، ولكننا اليوم لا نحثّهم على ذلك، ومع هذا نجد مدى قوة هذا المحفّز والدافع، وشفافية هذا الإيمان، الذي يدفع بالشاب من إيران ومن إفغانستان ومن بلدان أخرى إلى النهوض والمبادرة، تاركاً زوجته الشابة، وطفله الصغير، وحياته الرغيدة، وقاصداً بلداً غريباً وتراباً غريباً، لأن يجاهد في سبيل الله حتى ينال الشهادة. أفهل هذا بالشيء الصغير؟ وقد شهد تأريخ الثورة الإسلامية في جميع خطواته هذه الغرائب والعجائب الصانعة للتأريخ، فهي أمورٌ مدهشة مذهلة.

وأقول بأن هذه القضية تنطوي على ثلاثة جوانب: الجانب الأول هو صبر الشهيد نفسه والدافع الذي يدفعه والإيمان الذي يتحلى به، والجانب الآخر هو صبر العوائل وتحمّلهم، إذ كان بمقدور هذه الزوجة الشابة أن تمنع زوجها من الذهاب، وكان بمستطاع هذا الأب وهذه الأم أن يقفا حائلاً أمام التحاق ولدهما الشاب، ولكنهم صبروا على ذهابه، وعلى عودة جنازته الطاهرة وعلى ما بعد فترة استشهاده كذلك. والجانب الثالث هي الحادثة بذاتها التي تسطّر تأريخ الثورة الإسلامية؛ فهذه هي الثورة، وهذا هو النظام الإسلامي. ذلك أن هذه المحفزات، وهذا الإيمان، وهذه القدرات الروحية، وهذه العزائم والإرادات هي التي صنعت الجمهورية الإسلامية، أفهل يمكن الاستهانة بالجمهورية الإسلامية؟ وماذا يخال الأعداء بشأن النظام الإسلامي؟ فقد تأسست الجمهورية الإسلامية من بناء شامخ، كله قوة واقتدار.

أجل، يوجد في الزاوية الفلانية ضعف، وهناك إنسان ضعيف الهمة وخائر الإرادة يُصاب بالإدمان على المخدرات، ويقع في هاوية الفساد، ويُبتلى بصنوف الإشكالات، وهذا ما هو موجود في كل مجتمع، والمهم أن يتمتع المجتمع بأركانٍ واقية، تمضي به قُدماً، وتصونه أمام الأحداث، وتحافظ عليه كالصخرة الراسية. وهؤلاء الشهداء والعوائل والمضحون والمؤثرون على أنفسهم، هم الذين يمثلون تلك الدعائم الصخرية. ومن هنا نجد الجمهورية الإسلامية هي التي تتغلب على التحديات المختلفة التي تواجهها في الأغلب.

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء! لعلي كرّرتُ هذا القول لعشرات المرات مع زيادة ونقصان، وأعيده الآن أيضاً: أينما اتكأنا على الثورة وعلى الروح الثورية تقدمنا، وأينما تنازلنا عن المبادئ والقيم، وأعرضنا عن الثورة، وحدّدناها من جوانبها، وأوّلنا وبرّرنا، والتزمنا الصمت استرضاءاً لعناصر الاستكبار الذين يمثلون أعداء الإسلام وأعداء النظام الرئيسيين تخلفنا. فإن سبيل تقدم إيران الإسلامية، هو إحياء الروح الثورية وإحياء روح الجهاد.

علماً بأن للجهاد ساحات كثيرة، وجميع ساحات الجهاد تتسم بالخطر. فانظروا إلى الشهداء النوويين! حيث خاضوا ساحة العلم، ولكنهم رغم ذلك تعرضوا لتطاول الأعداء.. هذا هو الجهاد. ﴿وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (3)، وهذا هو السبب الذي أدى إلى أن يجعل الله تعالى للمجاهدين فضلاً ومرتبة. فكم سنعمّر نحن في هذه الدنيا؟ إذ قد عمّرت الدنيا مليارات السنوات قبلنا وبعدنا، ونصيبنا ما بين هذه المليارات، ليس سوى خمسين أو ستين أو سبعين عاماً، فلا بد لنا خلال هذه المدة أن نغتنم هذه الفرصة، وأن نعدّ أنفسنا للحياة الحقيقية، فـ﴿إِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ﴾ (4). والبعض يجاهد في هذه الفترة، ويسوقهم جهادهم هذا إلى المقامات العليا، ولا يشيد آخرتهم وحسب، بل يشيد دنيا الآخرين ويوجدها ويعززها أيضاً. وهذه المنحة هي من نصيب الجهاد ومن نصيب الشهداء، حيث يقول: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (5).. هذا هو كلام الله، وهذه هي بشراه بأن هؤلاء أحياء عند ربهم، يحظون بلطف الله ورزقه، وهم في فرحة وسرور، ويقولون لي ولكم: بأن المنزل الذي ستبلغونه إذا ما سرتم في هذا الطريق، لا خوف فيه ولا حزن: ﴿أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.. هذا هو الطريق. فإنهم قد أصابوا الطريق، وساروا فيه بشكل صحيح.

وأما أنتم العوائل فقد تحمّلتم العناء، وأصابكم الحزن والأسى، ولكم الحق في ذلك، فإن فقدان الشابّ - سواء أكان ذلك الشابّ زوجكم، أو ولدكم، أو صهركم، أو أخوكم - على ذويه في غاية العسر والصعوبة، ولكن اعلموا أنهم يعيشون في بهجة وسرور متزايد، ويستظلّون بظلّ النعيم الإلهي.

هكذا يجب التصدي لمواجهة الأعداء المستكبرين. فإن العدو المستكبر جاهل بهذه الحقيقة، ولا يمكنه إدراكها في حساباته. ولقد سمعتم بالحرب غير المتكافئة، فهي تعني أن لقوات أحد الطرفين قدرات لا يمتلكها الطرف الآخر، وأن ما يتسم به أحد الجانبين من أسلوب ومنهج وإمكانيات، بل وحتى مصادر قوة، مجهولة لدى الجانب الآخر.. هذه هي الحرب غير المتكافئة. فإنهم لا يعلمون أي قدرة كامنة في الإيمان بالله وفي العقيدة بالجهاد، سوى أنهم يشهدون آثارها، ولا يمكنهم تحليلها بشكل صحيح، ولذلك يلجأون إلى ممارسات جنونية. وإن قضية داعش والجماعات الإرهابية التكفيرية وأمثالهم تدخل في هذا الإطار. فإنهم في الحقيقة أسسوا هذه الجماعات لإلحاق الهزيمة بالجمهورية الإسلامية، ولم تكن العراق والشام سوى مقدمة لتمكنهم من التأثير على هذا البلد، غير أن الجمهورية الإسلامية باقتدارها أركعتهم في تلك البلدان، وإلا فقد كان هذا هو الهدف المتوخى لهم. وإن الذي ينطلق من هنا، قاصداً العراق أو سوريا للوقوف في وجه التكفيريين دفاعاً عن حريم أهل البيت (ع)، إنما يدافع في الحقيقة عن مدنه، علماً بأن الغاية هي الله، ولكن الذي يقوم به في الواقع، هو الدفاع عن إيران وعن المجتمع الإسلامي. وهذا لا يختص بالشيعة، وأولئك التكفيريون لا يفرّقون بين شيعيّ أو سنيّ، ويهاجمون أبناء السنة أيضاً. ففي داخل بلدنا، كم من علماء السنة - كالمرحوم شيخ الإسلام في سنندج (6)، والمرحوم حسين بُر في بلوشستان(7) وغيرهم من العلماء - قد تم اغتيالهم بواسطة نفس هؤلاء التكفيريين، وأريقت دماؤهم على الأرض ظلماً وعدواناً. فإنهم لا يميّزون بين سنيّ وشيعي، وإنما يستهدفون كل من يقف مناصراً للثورة، ومناهضاً للاستكبار، ومعادياً لأمريكا، ومع ذلك يسمونها حرباً بين الشيعة والسنة.

ولكم أن تلاحظوا اليوم أحداث البحرين! فإن القضية البحرينية ليست حرباً بين الشيعة والسنة، وإنما هي قضية حاكمية جائرة حمقاء لأقلية مستكبرة مستأثرة على أكثرية ساحقة. فإن هناك أقلية صغيرة تحكم سبعين أو ثمانين بالمئة من شعب البحرين. واليوم أيضاً قد تطاولت أيديهم على العالم المجاهد الشيخ عيسى قاسم، وهذه دلالة على حماقتهم وبلاهتهم. فلقد كان الشيخ قاسم إلى هذا اليوم، وإلى اللحظة التي يمكنه التحدث مع الناس، حائلاً أمام ممارساتهم العنيفة والمسلحة. بيد أنهم لا يفهمون على من تطاولوا؟ ولا يدركون أن الاعتداء على الشيخ قاسم، يعني إزالة المانع أمام الشباب البحريني المتحمس والمتوثب للقيام ضد النظام الحاكم، ولم يبق لديهم بعد أي سبيل لإسكات هؤلاء الشباب. وهذا مثالٌ على قولي بأن حساباتهم خاطئة. وهذه الحسابات الخاطئة ناجمة عن جهلهم بأوضاع المجتمع وأوضاع الناس وإيمانهم وعدم معرفة الناس.

والسبيل الصحيح هو السير في درب الإسلام، وفي مسير التوكل على الله، وفي طريق التوسل بعَتَبَة العزّ الإلهي، وفي مسار الإيمان.. هذا هو السبيل الصحيح. وبمستطاع الشعب عبر الإيمان والجهاد والعزم الراسخ أن يزيل كل هذه العقبات عن طريقه. والمؤمنون المجاهدون الناشطون لا يمثلون الأقلية في الفترة الراهنة والحمد لله، سواء في بلدنا، أو في بلدان أخرى. وتلاحظون اليوم الناس قد هبّوا من مختلف البلدان للوقوف أمام هجوم مرتزقة أمريكا وإسرائيل، وها هم قد ثبتوا واستقاموا في هذا الطريق، رغم أنهم في بلدان أخرى، وفي منأى عن أوطانهم.

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء! اعرفوا قدر هذه الليالي وهذه الساعات، وادعوا فيها لأنفسكم واسألوا الله بتوجّه وتضرّع، وادعوا كذلك لغيركم واطلبوا من الله أن يستجيب دعاءهم. ففي مثل هذه الليالي - كالليلة الماضية، وليلة غد، والليلة الثالثة والعشرين - قد علت الأصوات تضرّعاً من أطراف العالم الإسلامي وأكنافه، ومن كل موطن يوجد فيه الاعتقاد بهذا المعنى: «إِلَیكَ عَجَّتِ الأَصواتُ بِصُنوفِ اللُّغات» (8)، فالأصوات بالبكاء والاستغاثة مرتفعة، تدعو لنفسها ولغيرها. ولتكن إحدى دعواتكم أن يستجيب الله سبحانه وتعالى دعاء المؤمنين الذين يرفعون أيديهم بالدعاء في هذه الليالي، واطلبوا من الله ذلك.

ولا بد من قراءة الدعاء بحضور القلب. وأقولها هنا: إن بعض هذه الاجتماعات التي تُعقد لقراءة الأدعية، لهي اجتماعات يهفو إليها القلب حقاً؛ أي أن قارئ الدعاء، لا يقرأ الدعاء للمستمع وحسب، وإنما يقرأه لنفسه أيضاً.. هكذا هو حال البعض، حيث يتأثر هو أيضاً بالدعاء. فإن عمد قارئ الدعاء إلى قراءته بالطريقة التي تدل على أنه يتحدث بنفسه مع الله، ويرى نفسه ماثلاً أمام رب العالمين، وتولّد في ذاته حال الدعاء، سيتولّد حال الدعاء لدى المستمع أيضاً. وأحياناً لا يكون القارئ في عالم الدعاء أساساً، وهذا بالطبع ما يشهده الإنسان بندرة، ويرى في بعض الأوقات على شاشات التلفاز أن القارئ يتغنّى بالدعاء ليس إلا.. لا يتوجّه بنفسه ولا يحمل حال الدعاء، ومستمعه أيضاً لا يحصل على حال الدعاء.. لا تسيل دموعه، ولا يستطيع أن يُسيل دموع المستمع.. لا يتأثر قلباً، ولا يمكنه أن يترك التأثير في قلب المستمع. فلا ينبغي قراءة الدعاء بهذه الطريقة.

والدعاء هو التحدث إلى الله سبحانه وتعالى، وعلى حدّ تعبير إمامنا الخميني الجليل: «الدعاء قرآن صاعد» (9)، وهو نفس معنى التكلم مع الله. فإن الله هو الذي يكلّمك حين تقرأ القرآن، وأنت الذي تكلّمه حين تدعوه. ذلك أن قراءتك للقرآن، تعني القرآن النازل؛ أي أن الله يتحدث إليك، ويبيّن لك الحقائق التي تنزل من الأعلى. ودعاؤك، يعني أنك تتكلم مع الله، وصوتك يصعد إليه. علماً بأن الدعاء إن قُرئ جيّداً، سوف يُسمع، كما نقرأ في المناجاة الشعبانية: «وَاسمَع دُعائي إِذا دَعَوتُك وَاسمَع نِدائي إِذا نادَیتُك» (10). وهناك أدعية لا يسمعها الله، كما نقرأ في الدعاء: «أَعوذُ بِكَ مِن نَفسٍ لا تَشبَع وَمِن قَلبٍ لا یَخشَع وَمِن دُعاءٍ لا یُسمَع»، أي الدعاء الذي لا يعبأ به الله، «وَمِن صَلاةٍ لا تَنفَع» (11). فإن «الصَّلاة قُربانُ کُلِّ تَقيّ» (12)، بمعنى أنها تقرّب إلى الله، وإن لم تفعل ذلك، فهي لا تنفع. علماً بأن عدم نفعها لا يعني أن نتركها قائلين بأننا لا نؤديها مادامت لا تنفع.. كلا، بل لا بد من إقامة الصلاة وأداء هذا التكليف، ولكن فلنحاول أن نجعل هذه الصلاة صلاة نافعة، وأن نؤديها بتوجه وحضور قلب.

وفرصة الصيام لكم فرصة قيّمة للغاية، بوسعها أن تجعل قلوبكم ليّنة وخاشعة، وأن توفر لكم إمكانية الحديث مع الله، فلا بد من قراءة الدعاء بهذه الطريقة. ثم إن الأدعية الواردة في أسحار [شهر رمضان] وفي لياليه، أو المختصة بليالي القدر، أو العامة التي تُقرأ في جميع الليالي، لها قيمة بليغة. وما عدا المعارف التي تنطوي عليها هذه الأدعية، فإن نفس التضرّع والخشوع الذي ينتاب الإنسان أثناء الدعاء، يتسم بقيمة فائقة.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحشر شهداءنا الأعزاء، بما فيهم شهداء السابع من تير، والشهداء النوويين، وشهداء الدفاع المقدس، وشهداء الدفاع عن الحرم، وشهداء الثورة الإسلامية من أولها إلى آخرها، والشهداء الذين نالوا الشهادة في سبيل المهمة الموكولة إليهم، أن يحشر جميع هؤلاء الشهداء مع النبي الأكرم، وأن يلهمكم أنتم العوائل وعائلة الشهادة الكبيرة في جميع أرجاء البلاد الأجر والثواب والوافي، وأن يسبغ على قلوبكم الصبر والسكينة والاستقرار أيضاً.

والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته‌

 

الهوامش:

1- في بداية اللقاء تحدّث حجة الإسلام والمسلمين السيد محمد علي محلاتي ممثل الولي الفقيه ورئيس مؤسسة الشهيد وشؤون المضحّين.

2- الكافي، ج4، ص 575.

3- سورة النساء، جزء من الآية 95.

4- سورة العنكبوت، جزء من الآية 64.

5- سورة آل عمران، الآيتان 169 و 170.

6- الماموستا محمّد شيخ الإسلام، عضو مجلس خبراء القيادة الذي تم إغتياله أمام مسجد السيد محمد قطب في محافظة كردستان غرب إيران.

7- المولوي فيض محمّد حسين بُر، من أبرز علماء محافظة سيستان وبلوجستان والذي تم إغتياله في منزله عام 1981.

8- إقبال الأعمال، ج1، ص 346.

9- من صحيفة الإمام [وصية الإمام الخميني(رض)السياسية الإلهية]، ج21، ص396.  

10- إقبال الأعمال، ج2، ص 685.

11- الكافي، ج2، ص586.

12- الكافي، ج3، ص 265.