موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

كلمة الثورة الإسلامية المعظم خلال لقائه آلاف المعلمين بمناسبة أسبوع المعلم.

 

بسم الله الرحمن الرحیم (1)

الحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام على سیّدنا محمد و آله الطاهرین، سیّما بقیّة الله في الأرضین.

أرحّب بكم يا أعزائي أفضل ترحيب، وأسال الله أن يجعل يوم المعلم وما انطوى عليه من ذكريات كريمة، لكم جميعاً يا أبنائي الأحباء، ويا إخواني وأخواتي الأعزاء، موضع بهجة وفخر وسعادية أبدية.

بادئ ذي بدء، وبعد تبريك هذا اليوم، أُحيّي ذكرى شهدائكم، سواءٌ الشهداء من المعلمين البالغ عددهم نحو أربعة آلاف شهيد، وهو ليس بالعدد الصغير، أو الشهداء التلاميذ الذين يربو عددهم على 36 ألف شهيد، نالوا وسام الشهادةطيلة أعوام الدفاع المقدس. ولولا أنفاس المعلّم الدافئة، لما كان من المعلوم أن يهبّ التلاميذ للّحوق بساحات القتال في جميع الظروف، وهذا فخرٌ يعود إلى المعلمين أيضاً.

وبعد هذا، يصل الدور إلى أن أُعبّر عن شكري لكم أنتم الذين تمثلون مجتمع المعلمين في البلاد، وذلك لأنه مجتمعٌ قد تولّى مهمة عسيرة بدخلٍ ماديٍّ ضئيل. إذ أن المعلم يحمل على كاهله أعباء تربية الشباب والناشئين، وهو ليس بإنجاز بسيط، بل عسير ينطوي على مسؤولية ثقيلة. وللجميع توقعاتهم من المعلم، ويرغبون في أن تتألق براعمهم وأشبالهم وأطفالهم، عندما يدخلون إلى المدرسة بتربية المعلم، ويسطعون في وسط العائلة كباقة الزهور.. هذه هي رغبة الإنسان، فالجميع لهم توقعاتهم من المعلم. وفي الوقت ذاته لكم أن تقارنوا بين دخل المعلّم وبين دخل الرأسمالي الفلاني، أو الثريّ الفلاني، أو ابن التاجر الفلاني، وهذا ما يشهده المعلم ويعرف به. وأولئك الذين يدخلون في سلك التعليم، لربما كان بمقدور الكثير منهم - إن لم نقل كلهم - أن يسلكوا مسلكاً آخر، يدرّ عليهم بمزيد من الأرباح والعائدات، ولكنهم لم يفعلوا ذلك. فإن بعض دوافع التعليم، هي العشق والمحبة والشعور بالمسؤولية؛ ذلك أنهم يعمدون إلى بناء المستقبل بقناعة، ويحملون على كاهلهم أعباء تربية الفتيان والمراهقين بحشمة وصبر وسكون. ولا أُريد أن أطلق حكماً عاماً، ففي كل مجتمعٍ وفي كل زيٍّ، قد تظهر شرذمة على غير ما يرام، بيد أن السياق العام لشريحة المعلمين هو الذي ذكرناه. ونحن بدورنا قد تلقينا الدروس من هؤلاء المعلمين، وسمعنا منهم، وتتلمذنا على أيديهم، ونعرف كيف هو المعلّم.

وهناك ميزة تمتاز بها مهنة التعليم، حريٌّ بكم أنتم المعلمون الأعزاء وشريحة المعلمين الذين دخلوا لتوّهم في هذا السلك وغيرهم أن يلتفتوا إليها، وهي أن هذا العمل بما ذكرنا له من خصائص - مشقة كبيرة ودخل ماديّ ضئيل - تتوافر فيه أرضية الإخلاص، وهذا أمرٌ فائق الأهمية. فإن نجاة الإنسان في الحياة الأبدية مرهونٌ بالإخلاص، وإن العمل لوجه الله وفي طريق الحقيقة وعلى جادة الإخلاص سبيلٌ للخلاص، وهذه حالةٌ لا تتجلى في كثير من المواطن. فإن الإنسان في الكثير من أعماله يتصوّر أنه أنجزها لوجه الله، ولكنه إذا أمعن النظر فيها بإنصاف، سيجد أنها قد خولطت بما ليس لله. «وَأَستَغفِرُكَمِمّاأَرَدتُبِه‌وَجهَكَفَخالَطَنيمالَیسَلَك»(2). وهذا هو أحد الأدعية الواردة بين نافلة الصبح وفريضته، حيث يقول إلهي! أستغفرك من عملٍ أردت القيام به في سبيلك، فوجدت أنه قد «خالَطَنيمالَیسَلَك»، وامتزجت فيه دوافع ونوايا غير إلهية.. هذا هو حال الكثير من أعمالنا، وأنا أتكلّم عن نفسي. فليغتنم الإنسان ذلك العمل الذي تتوافر فيه إمكانية الإخلاص، بما في ذلك التعليم. وبإمكانكم أن تعملوا بإخلاص، فإن فعلتم ذلك، ستجدون البركة في أعمالكم.

والمثال الواضح والحيّ والحاضر على ذلك هو الشهيد مطهري. فإنه كان يسير بإخلاص، وينجز عمله لوجه الله، ولقد كنّا عن كثبٍ نعاشره، ونشهد أعماله، ونعرف نيّته. فكان إنساناً عارفاً بزمانه وبمتطلبات عصره، يعرف الاحتياجات ويدركها، ومن أجل سدّ فراغ هذه المتطلبات، يعمل ويفكر ويقول ويكتب ويبذل مجهوده ويواجه بإخلاص وفي سبيل الله. وحصيلة إخلاصه هذا خلود آثاره، فقد استُشهد منذ عشرات السنين، غير أن مصنفاته على حدّ تعبير سعدي ]الشاعر[: «يتلاقفونها كأوراق الذهب»(3)، حيث نجد أهل الفكر والفهم والإدراك، يُسارعون إلى اقتناء كتب الشهيد مطهري. وهذا هو الإخلاص.

فإن عملتم بإخلاص، سيكون بمقدور كلّ واحدٍ من هؤلاء الناشئين والشباب الذين يترعرعون على أيديكم، أن يقوموا للبلاد ببناء مستقبلٍ، يكون مدعاة لسعادتكم الأبدية لأنكم أنتم من علّمتموه، وإن لم يعرفكم أحد. فإن أولئك الذين قاموا بتعليم الإمام الخميني العظيم وتدريسه في عهد طفولته، لا يعرفهم أحد، بيد أنّ آثار الإمام تُسجَّل في صحيفة أعمالهم أيضاً لأنهم عمدوا إلى تربية هذا الرجل بهذه الطريقة.

أجل، لقد تحدّثنا عن الإخلاص، وكان هذا خطاباً موجّهاً لكم، ولكن لا يعني ذلك أن شريحة المعلمين لو كانت تتسم بالإخلاص والقناعة، فعلى المسؤولين في البلد أن يغفلوا عن شؤونهم المادية.. كلا، فقد ذكرنا مراراً ونعاود القول مرات ومرات أخرى، بضرورة أن يعلم المسؤولون في البلاد بأننا مهما أنفقنا من أموال في قطاع التعليم والتربية، فهو استثمار، وليس مجرّد إنفاق، فالأموال التي تُبذَل في هذا القطاع، إنما تُستثمَر في حقيقة أمرها، فلينظروا إلى التعليم والتربية بهذا المنظار، وليضعوا الميزانية عبر هذه الرؤية، وليوفّروا الإمكانيات المعيشية من خلال هذه النظرة. فإن بعض الحاقدين يستغلون هذه المشاكل المعيشية لطبقة المعلمين، وقد سمعتُ أن هناك من يستغل هذه المسائل حتى في داخل الجهاز التعليمي والتربوي؛ ذلك أنّ أوضاع المعلمين المعيشية التي ليست على ما يرام، تؤدي إلى سوء استغلال بعض الأشخاص. بيد أن هذه الشريحة حتى يومنا هذا وبتوفيق من الله قد حافظت على سلامتها ونزاهتها، رغم أن البعض يبذلون جهودهم ومساعيهم لتأجيج حركات سقيمة من خلال هذا الموضوع.

ولنتناول الآن الحديث عن الموضوع الرئيس.. أعزائي! إنكم تريدون تربية جيل، ولكن ما هو الجيل الذي يحتاج إليه بلدكم ومستقبلكم؟ هذا هو المهم. علماً بأننا لا نقوم بأعمالنا في ساحة خالية. فأحياناً ما يمارس لاعب جودو أو لاعب كونغ فو - على سبيل الفرض - حركاته الرياضية في ساحة خالية، لا يوجد فيها من يواجهه، ويكون أمره سهلاً، أو يبارز بالسيف ويضرب في ميدانٍ فارغٍ دون أن يجابهه أحد، ولكن أحياناً ما يقف أمامكم خصمٌ، يصدّ ضَرَباتكم، ويحول دون أن تقع الضربة عليه، ويردّ الضربة بالضربة، ونحن اليوم نواجه مثل هذا الخصم، ولكن من هو هذا الخصم؟ إنه نظام الهيمنة الدولي. وهذا ما قد يثير استغراب البعض بأن منظمة التعليم والتربية لدينا هل تواجه نظام الهيمنة الدولي؟ أجل. إنه نظامٌ يتجسد اليوم في الإدارة الأمريكية، وكبار الرأسماليين الصهاينة، وبعض الحكومات المستكبرة الأخرى، فإن هؤلاء هم الممثلون والرموز للنظام السلطوي الدولي. وسبق أن أسهبت الكلام في هذا الشأن خلال خطاباتي العامة، وفسّرت المراد من نظام الهيمنة الدولي. فإنلهذا النظام خطته للشعوب - لا لشعبنا وحسب، بل لكل شعبٍ يقدر عليه -، ويروم أن يترعرع الجيل الذي يريد بناء مستقبل هذا البلد وهذه البلدان، على هيكلية وشاكلة تصبّ في مصلحته، ويصبو إلى أن يتربى في البلدان جيلٌ يحمل فكره، وثقافته، ورؤيته، وتوجهاته حيال القضايا العالمية. فينشأ هذا الجيل، ويتبوّأ بالطبع مكانته العلمية، بحيث يُصبح باحثاً، وسياسياً، ويتقلّد المناصب في البلدان المختلفة. وهل هناك للمستعمرين شيءٌ أفضل من أن يكون أهل الحل والعقد وأهل الخبرة والرأي في بلدٍ، يتناغمون معهم في الفكر والعمل؟ فإن هذا ما يُسهّل الأمر عليهم. وهذه هي الخطة الاستعمارية الثقافية. علماً بأنها ليست من صنيعة اليوم، بل لربما عشرات السنوات وهذه الخطة في طور التنفيذ.

والمفكرون في السياسة الغربية لطالما صرّحوا بأنه بدلاً من أن نعمد على غرار فترة الاستعمار في القرن التاسع عشرإلى احتلال البلدان، وتعيين حاكم عسكريّ، وبذل الأموال، وتزويدهم بالأسلحة، وإثارة الصراعات والحروب، فإن الأسلوب الأمثل والأسهل والأقل كلفة، هو أن نقوم باستقطاب شخصياتهم من النخبة والعينة،وتزريق أفكارنا فيهم، وإيفادهم إلى بلدانهم، فيتبدّلون إلى جنود غير مرتزقة لنا، يفعلون ما نريد. أفلا تعرفون من أمثال هذه الدول في الوقت الراهن؟ وهل هي قليلة في منطقتنا؟ حيث تتحدث بنفس ما تريده أمريكا، وتعمل على غرار ما تبتغيه، بل وتتحمل كلفة ذلك ومصاريفه، وهي تخدمها. فليس أنها لا تحصل على امتيازات وأموال وحسب، بل هي التي تُنفق الأموال. والميزة الوحيدة التي تكتسبها هي أن يحول الاستكبار دون سقوطها على يد الجماعات المعارضة ويحافظ عليها. هذا هو مشروعهم لأجيالنا وللتلاميذ الذين يترعرعون على أيديكم. وكم سيتمكنون من تمريره، فهذا ما له بحثٌ آخر، بيد أن هذه هي خطتهم. حيث يروّجون أفكارهم وثقافتهم ولغتهم.

وهنا أكرّر ما ذكرته أحياناً للمسؤولين في جهاز التعليم والتربية، ولربما لم أذكره للمسؤولين المحترمين حالياً، ولكني قلته فيما مضى مراراً، وهو أن الإصرار على إشاعة اللغة الإنجليزية في بلدنا ظاهرة غير سليمة. نعم، لا بد من تعلّم اللغة الأجنبية، بيد أن اللغة الأجنبية ولغة العلم لا تتلخّص في اللغة الإنجليزية. لماذا لا يحدّدون لغاتٍ أخرى لتدريسها في المدارس؟ ولـِمَ هذا الإصرار؟ هذا ما ورثناه من فترة الطاغوت ومن العهد البهلوي. ]وأذكر من باب المثال[ اللغة الأسبانية، فإن الناطقين بهذه اللغة في الحال الحاضر لا يقلّون عن الناطقين باللغة الإنجليزية، ولهم تواجدهم الكبير في شتى البلدان، بما فيها بلدان أمريكا اللاتينية وبلدان أفريقيا. وهذا ما ذكرته على سبيل المثال، فإني لستُ من المروّجين لأسبانيا حتى أعمل لهم، وإنما أردتُ أن أذكر مثالاً. ولـِمَ لا تُدرَّس اللغة الفرنسية أو اللغة الألمانية؟ كما أن لغة البلدان الشرقية المتطورة أيضاً لغة أجنبية، وهي تمثل لغة العلم كذلك.

أيها السادة!إن البلدان الأخرى يتنبّهون إلى هذه القضية ويحولون دون تغلغل اللغة الأجنبية وتدخّلها وتوسّعها، وإذا بنا اليوم أصبحنا كاثوليكيين أكثر من البابا! حيث فتحنا الأبواب على مصراعيها، ولم نقتصر على أن جعلنا هذه اللغة هي اللغة الأجنبية الحصرية في مدارسنا، بل أخذنا نضعها شيئاً فشيئاً في المراحل الدراسية الدنيا، بما في ذلك المرحلة الابتدائية والمرحلة التمهيدية! لماذا؟ نحن عندما نريد ترويج اللغة الفارسية، علينا إنفاق أموالٍ باهضة وبذل الجهود والمساعي، وحين يعمدون إلى إغلاق فرع اللغة الفارسية في مكانٍ ما، نضطر إلى إجراء اتصالات دبلوماسية، لنتساءل ما الذي دعاكم إلى إغلاق هذا الفرع الدراسي؟ ولكنهم يحولون دون ذلك، ولا يسمحون للطالب الجامعي اختيار هذا الفرع الدراسي، ولا يفسحون الجاال لنا لترويج اللغة الفارسية في ذلك المكان. وإذا بنا نقوم بالعمل على ترويج لغتهم بأموالنا وبتكاليفنا وبالمشاكل المحدقة بنا، أفهل هذا عملٌ عقلائي؟ أنا لا أفهم ذلك! ذكرتُ هذا بين قوسين، ليعلم به الجميع ويلتفت إليه. ولا أقول بالطبع أن نعمد غداً إلى تعطيل تعليم اللغة الإنجليزية في مدارسنا.. كلا، ليس هذا ما أردتُ قوله، وإنما أردتُ القول بأن نعرف ما الذي نصنعه، وندرك ما هو الجيل الذي يريد الطرف الآخر أن يترعرع في هذا البلد وما هي سماته؟

أجل، هذا هو الجيل الذي يصبو إليه نظام الهيمنة الدولي،ولكن ما هو الجيل الذي نحن نتطلع إليه؟ إنّ أداء اليمن هذا كان جيّد جداً، وكنتُ قد شاهدتُ نصّ اليمين قبل المجيء إلى هذا المكان، واستمعتُ الآن أيضاً إليه بدقة. واعلموا أن اليمين هذا قد لزمكم حين قمتم بأدائه، فإن المرء إذا ما أدى يميناً بنية، يجب عليه تطبيقه والعمل على مقتضاه. فأداء اليمين كان جيّداً.

إن أولّ ما يجب علينا أخذه لتلاميذنا بنظر الاعتبار، هو إيجاد هوية مستقلة وطنية ودينية في نفوسهم.. هذا هو الأمر الأول؛ هوية مستقلة متسمة بالعزة. فلنربِّ شبابنا على أن يتّبعوا السياسة المستقلة، والاقتصاد المستقل، والثقافة المستقلة، وأن لا تستشري فيهم روح التبعية والركون إلى الآخرين والاعتماد عليهم والاستناد إليهم. وأقولها لكم بأننا نعاني من ضعفٍ في هذا الجانب! إنكم ترون أن المفردة الأجنبية إذا ما دخلت إلى البلد، يستخدمها على الفور الكبير والصغير والمعمم وغير المعمم وأمثالهم. لماذا يا سادة؟ لماذا كل هذا الشوق والتعطش فينا لاستعمال التعابير الأجنبية؟ لماذا؟ هذه هي الحالة التي خلّفوها لنا، وهي الحالة السائدة في عهد الطاغوت وفي فترة شبابنا. إنني أتذكر حينما كنتُ شاباً، وكأنما كنّا نتسابق على استخدام هذه المصطلحات الأجنبية. وكل من كان يستعملها أكثر، يدل على أنه كان يتمتع بمزيد من الوعي والثقافة، وهذا خطأ.

إن الهوية المستقلة، هو أولّ ما يجب علينا أن نعزّزه وننمّيه في نفوس شبابنا ومراهقينا، عندذاك سيتبلور معنى الاقتصاد المقاوم. ولا يكون الأمر بحيث يعمد كبار المسؤولين الحكوميين لتنفيذ الاقتصاد المقاوم إلى عقد مئة جلسة متتالية، ويصدّرون التوجيهات تلو التوجيهات، والقرارات تلو القرارات، وأخيراً لا يتم تطبيقه بصورة تامة. علماً بأنهم يبذلون جهودهم لتحقيق الاقتصاد المقاوم. ولكن عندما نفتقد إلى روح الاستقلال والاستقامة والصمود أمام الآخرين، سوف يصعب العمل. وكذلك الحال حينما نتعوّد على استخراج ذخائرنا - فإن العوائل العاقلة واللبيبة غالباً ما تدّخر في البيت لنفسها شيئاً، ونحن أيضاً نتمتع بذخيرة إلهية وهي النفط - وبيعها باستمرار، من دون قيمة مضافة. فتارة نقوم بتبديلها إلى ما يحمل قيمة مضافة، وهذا مطلوب ومقبول، بيد أننا لا نقوم إلا باستخراجها وبيعها من دون قيمة مضافة.

إن بعض رؤساء الدول الذين اجتمعوا بنا وجّهوا عتاباً بأن الميزان التجاري لنا لا يتناسق معكم، لأنكم تبيعون لنا أكثر مما تشترون منا، فأجبتُ مراراً لعددٍ منهم، بأن الذي تشترونه في الأغلب هو النفط، والنفط يعني المال ويعني الذهب، ونحن لا نكتسب منه قيمة مضافة، وإنما نستخرج ثروتنا من جوف الأرض ونسلمها لكم. وهذا لا يمكن وضعه في حساب الميزان التجاري. هذه أمورٌ هامة، فإن ظهرت الهوية المستقلة، سيبتعد الإنسان عن مثل هذه الحياة، وعندذاك سيتبلور معنى الاقتصاد المقاوم، ومعنى الاقتصاد المجرّد عن النفط، ومعنى الثقافة المستقلة.

يجب عينا أن نُحيي المعالم الممتازة والبارزة لدى التلاميذ. أجل، لقد جاء في يمينكم بأن تعملوا على تفعيل فطرته الإلهية، وهذا صحيح، فقد وضع الله تعالى فينا جميعاً طبيعة بالإمكان نموّها واستثمارها. فاعملوا على تفعيلها وتناميها في الأطفال.

هذه المعالم في الأغلب مفاهيم صانعة للتيارات، فلنعمل على إنتاج هذه المفاهيم الصانعة للتيار وللعمل وإطلاقها وإحيائها فيهم، وهي تتمثل في الإيمان، والتفكّر -أي أن يتعلموا على التفكير -، والمشاركة الاجتماعية، والابتعاد عن حالات الانزواء الاجتماعية المرفوضة، والتكافل الاجتماعي الذي يحمل مفهوماً إسلامياً سامياً للغاية.

وترشيد الاستهلاك، ولطالما تحدثتُ أنا الحقير حول قضية ترشيد الاستهلاك، في خطابات أول السنة، ومع المسؤولين، وفي الاجتماعات الخاصة والعامة، ولكن لم يتم ترشيد الاستهلاك عندنا حتى الآن؛ ذلك أننا لا نُحسن طريقة الاستهلاك. فإنّ قضية البضائع الأجنبية التي طرحتها قبل بضعة أيام(4) في هذه الحسينية على مجموعة من الناس، هي من هذا النمط. وتهريب الوسائل الفاخرة التي تقدَّر بعشرات بل مئات المليارات، من هذا القبيل أيضاً. وهذه الأعمال الصبيانية في داخل الشوارع، التي يقوم بها أولاد الأثرياء حديثي النعمة بتلك السيارات الفاخرة، حيث يتجوّلون ويستعرضون ويتفاخرون بها على الدوام، هي الأخرى يعود سببها إلى ذلك.. ترشيد الاستهلاك.. هذا ما يجب تعليمه للشباب والناشئين منذ عهد الطفولة.

وتحمّل المخالف، فلو دافَعَنا أحدٌ بمنكبه قليلاً، ولكمناه على صدره، لا يعتبر هذا تحمّلاً. والإسلام لا يريد هذا منا، وإنما يريد عكس ذلك: ﴿رُحَمآءُبَینَهُم﴾(5).

والتزام الأدب ومراعاته. فإن من المفترض أن يكون الكثير منكم مطلعاً على الفضاء الافتراضي، أفهل تتم حقاً مراعاة الأدب في هذا الفضاء؟ وهل هناك التزام بالحياء؟ لا يوجد التزام بذلك، أو لا تراعى هذه الأمور في جزء كبير منه. فلا بد من تنمية هذه المسائل في المراهقين والشباب.

والتديّن، والابتعاد عن النزعة الأرستقراطية، وعدم تزريق الحياة الأرستقراطية فيهم. علماً بأني لو أردتُ هنا فهرسة هذه المسائل وتدوينها وقراءتها، لوصلت إلى عدة صفحات، وهذا هو جزء يسير منها.

هذه أمورٌ يجب عليكم القيام بها، فهي من مهامّكم ومن أعمالكم المقدسة. فإنكم أنتم من يتولّى تربية هذا الجيل وتثقيفه بهذه الطريقة. ولو استطعتم ترسيخ هذه المفاهيم الصانعة للتيارات في أذهان تلاميذكم، فقد قدّمتم خدمة كبيرة لمستقبل بلدكم. وهكذا هو المعلّم لحسن الحظ، لأنه يمارس التعليم والتدريس، وله بطبيعة الحال هيمنة روحية وثقافية على التلميذ - ولا أقصد أولئك التلاميذ الذين يتصفون بسوء الخلق والمتواجدين في بعض الصفوف، وإنما هذه هي الحالة العامة، وفي الحوزات العلمية كان المتعلّم والطالب يمثُلُ أمام أستاذه كالعبد الخاضع، وقد تغيّرت هذه الحالة في الثقافة الجديدة، إلا أن للمعلّم بالتالي نوع هيمنة على الطالب - وبالإمكان أن تستثمروا هذه الحالة.

وللأجهزة المختلفة دورٌ في هذا المضمار، وبمستطاعهم أن يساهموا في إيجاد هذا المناخ في القطاع التعليمي والتربوي، بغية أن يتمكن المعلم من إنجاز مهامّه بسهولة، وأن يبقى وفياً بالمضامين الواردة في هذا اليمين وبالمسائل التي ذكرناها.

ومن هذه الأجهزة، المعاونية التربوية التي سبق وأن أوصينا بها، وقد انطلقت بحمد الله، وقاموا بتفعيلها وتنشيطها، ولكن لا يكفي ذلك، لأن هذه المعاونية تتحمل مسؤولية أكبر. فإن الخطوات الحثيثة، والهادفة، والواعية، والسليمة من الناحية الاعتقادية والسياسية والأخلاقية، تدخل في عداد مهام المعاونية التربوية، ولا بد لكم من مراعاتها. وأيما خطأ يُرتَكبُ تجاه أيّ واحدٍ منها - سواء في الاستقامة على مواصلة الطريق الصحيح دينياً أو أخلاقياً أو سياسياً - سوف يسدّد ضربة للتعليم والتربية وضربة لهذا الجيل كذلك.

ومن الموسسات المسؤولة في هذا المجال هي مؤسسة الإذاعة والتلفزيون التي بإمكانها أن تضطلع بدورٍ كبير. ولقد طالبتهم في العام الماضي(6)، ولكن لم يتم تنفيذ هذه المطالبة بالشكل المطلوب. فعلى الإذاعة والتلفزيون أن تخصص جانباً من عملها بجهاز التعليم والتربية، وعلى المفكّرين والمنظّرين أن يجتمعوا ويخططوا لذلك.

قبل بضعة أيام - ولعله قبل أسبوع - اجتمع في هذه الحسينية عددٌ من التلاميذ الناشئين والشباب، وألقيتُ كلمة على مسامعهم(7)، وكان قد سلّمني أحدهم رسالة، فوجدتُ أنه تكلّم كلاماً منطقياً، حيث كتب فيها بأن هناك في الإذاعة والتلفزيون برامج للأطفال وبرنامج للكبار، ولكن لا توجد فيها برامج لنا نحن شباب الثانوية. فرأيت أنه صدق فيما قال، وتفوّه بكلمة صائبة. أيّ برنامجٍ أعددتموه للشباب يمكّنهم من الانتفاع به معنوياً وفكرياً ودينياً وعلمياً؟علماً بأن هناك برامجٌ علمية تُبثّ في بعض القنوات، ولكنها ليست برنامجاً ]في حقيقة أمرها[. فلا بد من إعداد البرامج، واعتماد الأساليب الفنية في العمل. هذه بدورها إحدى الأجهزة التي تتحمل مسؤولية في هذا المجال.

ومنها وزارة الاتصالات. فقد أصبح الفضاء الافتراضي اليوم أكبر من فضاء حياتنا الحقيقي بأضعاف، بل أن البعض أساساً أضحىيتنفّس في هذا الفضاء، وتتلخّص حياته برمتها فيه. وللشباب أيضاً صلتهم بهذا الفضاء وارتباطهم بشتى أقسامه وأنواعه، وببرامجه العلمية، وبشبكته العنكبوتية، وبشبكات تواصله الاجتماعي، وبتبادله ]للمعلومات[ وأمثال ذلك، فإنه بالتالي من المزالق. ولا يقول لك أحدٌ بعدم إنشاء طريق، فإن كانت هناك منطقة تحتاج إلى طريق، قم بإنشائه، بل بإنشاء طريق سريع فيها، ولكن كن حذراً! واحسب الحسابات الدقيقة في المناطق التي يُحتمل سقوط الأحجار فيها. هذه هي توصيتنا لأجهزة الاتصالات ومجموعة وزراة الاتصالات والمجلس الأعلى للفضاء الافتراضي - الذي أوجّه عتابي له أيضاً -. نحن لا ندعو إلى إغلاق الطريق، فإن هذا عملٌ غير معقول. إذ قد جلس البعض وفكّروا وفتحوا هذا الطريق تحت عنوان الفضاء الافتراضي أو السيبيري على حدّ تعبيرهم، فاستثمروا هذا الفضاء استثماراً صحيحاً، حيث نجدغيرنا يستثمره بالشكل الصحيح، وبعض البلدان قد أمسكت بزمام هذا الفضاء على غرار ثقافتها؟ فلِـمَ لم نفعل نحن ذلك؟ ولماذا تكون أذهاننا شاردة؟ ولماذا نترك هذا الفضاء الذي لا يمكن ضبطه والسيطرة عليه؟ فالجميع مسؤول بما فيهم وزارة الاتصالات.

وعلى الجميع أن يمدّوا يد العون لوزارة التعليم والتربية، فإنها لوحدها لا تستطيع النهوض بكل هذه المهام، وهؤلاء هم الذين يجب عليهم العون والمساعدة. وهذا هو الذي أقصده من المساعدات في تأكيدي على ضرورة إعانة سائر الأجهزة للتعليم والتربية، ولا تنصرف الأذهان دوماً إلى المساعدات المالية والمادية، بل هذه هي المساعدات. فعلى الجميع التعاون ليتمكّن جهاز التعليم والتربية حقاً من الوقوف على أقدامه والنهوض بمهمته.

وإن من الأمور التي يجب إنجازها في قطاع التعليم والتربية، هي بثّ روح النشاط والحيوية والشبابية في نفوس المعلمين، والحيلولة دون شيخوختهم، ولا أقصد من الشيخوخة تقادم العمر، فإن البعض شبابٌ في أعمارهم ولكنهم شيوخٌ في نفوسهم، والبعض شبابٌ في نفوسهم رغم تقادم أعمارهم. وإني أعرف معلّماً قد بلغ من العمر - على ما أظن - سبعين عاماً، ولكنه لم يكفّ عن مهنة التعليم. فإن هذه ظواهر لها قيمتها، ولا بد من إحياء هذه السجايا في مؤسسة التعليم والتربية.

إن نظامنا التعليمي نظامٌ مستهلكٌ قديم مندرس، قد أخذناه من الأوروبيين، وحافظنا عليه كالتحفة الأثرية المقدسة لئلا يمسسها شيء! وفي كل مرة عمدنا إلى تهذيب جوانبه وتقويمها. فالنظام قديم لا بد من تحديثه وتجديده. علماً بأن مشروع التطوير الذي أشار إليه السيد الوزير، يمثل خطوة في هذا المسير، وهي خطوة جيّدة، ولكن الذي أقوله هو أنه لا ينبغي لنا في سبيل تحديث النظام التعليمي والتربوي، أن ننظر ثانية إلى ما في أيدي غيرنا، لنرى ما الذي فعله البلد الأوروبي الفلاني لنقوم نحن أيضاً بتقليده.. كلا، بل يجب على أصحاب الفكر أن يجتمعوا ويخططوا بأنفسهم نظاماً حديثاً إلى جانب الاستفادة من التجارب بالطبع. وإن مشروع التطوير هذا قد تم إعداده بجودة على ما يبدو، وهو خطوة إلى الأمام، فلينفّذوه بدقة وبنظرة ناقدة، وليفتشوا عن مكامن إشكالاته. لأن كل مدوّنة غير إلهية وكلّ إنجاز بشري ينطوي بالتالي على إشكالات، فلنفتّش عن تلك الإشكالات، ولنستكشف النقائص والعيوب، ولنعدّ نظاماً نزيهاً منتظماً مطلوباً.

ومن الأمور الأخرى التي تتسم بأهمية بالغة في التعليم والتربية، جامعة المعلمين التي يدرس فيها شبابنا الأعزاء من الطلاب المعلمين. وهي غاية في الأهمية. فلا بد من الاستثمار في هذه المجموعة بأقصى حدود الإمكانية لتنميتها من الناحيتين الكمية والنوعية، وبنفس المعايير السامية والمطلوبة للمعلم. وقد أشرتُ إلى أنّ أداءكم لليمين هذا كان جيّداً، شريطة أن تعملوا بفحواه، وأن تلتزموا حقاً بما أقسمتم عليه. علماً بأنه تُقام دورات تعليمية قصيرة المدى ولكنها لا تُجدي نفعاً بما هو المطلوب.

ومن المسائل الهامة في التعليم والتربية، هي مسألة المعاهد المهنية والتقنية التي أكّدتُ عليها مراراً. فإن أطفالنا يزاولون دراساتهم لمدة إثني عشر عاماً حتى يصلوا إلى مرحلة الشباب بغية الدخول إلى الجامعات، ولكن هل تحتاج جميع المشاغل الموجودة في المجتمع إلى طيّ هذا الطريق والدخول إلى الجامعة؟ وبحسب التقارير التي بلغتني، هناك اثني عشر ألف نوع من الأعمال والمشاغل، أفهل تحتاج كل هذه المشاغل إلى نفس هذه الدروس واجتياز هذا المسير والدخول إلى الجامعة أم لا؟ يجب أن يكون الهدف هو رفع المهارات والكفاءات لشتى المشاغل ومختلف الاستعدادات. فالبعض خبير بالأعمال الفنية، ولو أعطيته شيئاً من الصناعة لما نحج فيه، والبعض الآخر على العكس، خبير بالصناعة، والبعض خبير بالمسائل الفكرية والفلسفية، والبعض خبير بالقضايا الاجتماعية، والبعض خبير بالشؤون الخدمية. فلنعمدإلى التفتيش عن المواهب واكتشافهاوصقلها وتنميتها، في سبيل أن تنمو وتتمكن من الإنجاز والإبداع. ولطالما أكّدنا على قضية الإبداع، ولكن من الذي يستنى له الإبداع؟ لا يستطيع كل إنسان عاديّ أن يبدع، وإنما يجب صقل المواهب وتطويرها ليتأتى له الإبداع في بعض المجالات.

وهناك نقطة أخرى وهي استخدام الأسماء والعلامات التي تعود إلى عهد الطاغوت، والتي يصرّ البعض عليها، ولا أفهم ما الذي يدعونا إلى أن نُطلق بالتأكيد مفردة «پیش‌آهنگى» (الريادة)! إنها مصطلح يعود إلى زمن الطاغوت، فما الداعي لذلك؟ إن كل واحدة من هذه العبارات والمفردات تحملُ بين طيّاتها مفهوماً خاصاً. وإن من أكبر إنجازات الجمهورية الإسلامية، هي إبداع مصطلحات تنطوي على مفاهيم معينة، من قبيل: الاستكبار، المستضعفون، نظام الهيمنة، وإلى غير ذلك من المصطلحات التي أخذتها منا الشعوب الأخرى، وأخذها النخب السياسية والناشطون والمجاهدون في سائر الشعوب. فما الداعي ]من استخدام مفردات عهد الطاغوت[؟ إن لدينا على سبيل المثال التعبئة الطلابية، والمجموعات الطلابية المتفوقة، والمجتمع الإسلامي الطلابي، والاتحادات الإسلامية الطلابية.. هذه عبارات تعود إلى الجمهورية الإسلامية، فما الضرورة من اللجوء إلى العبارات القديمة؟

ولنتعرض إلى نقطة تخص مدارسنا. فإن قضية التعليم والتربية على ما في الدستور، وعلى ما يفهمه المرء بحسب فكره الصائب، قضية حكومية، وهذا طبعاً لا يعني بالتأكيد إلقاء كل الأعباء على كاهل الحكومة، ولكن على الحكومة أن تمارس دورها في الشؤون التعليمية والتربوية. وأما أن نعمل باستمرار على تحويل المدارس الحكومية إلى مدارس أهلية، فهذا ليس من المعلوم أن يكون عملاً صحيحاً ناضجاً، علماً بأنّ هذه المدارس تسمى بمدارس أهلية غير نفعية، بيد أن البعض منها مدارس نفعية، بما تتقاضاه من أموالٍ باهضة كما سمعت. والواجب علينا أن نرفع من مستوى المدارس الحكومية لتزداد رغبة العوائل فيها.

لقد مضى وقت كثير، وطال حديثنا، وآخر ما أودّ التطرّق إليه هو ضرورة أن تنهضوا يا أعزائي ببناء بلدكم، فإنكم أنتم من يجب عليه القيام بهذا الأمر؛ذلك أنكم أنتم المعلمون تشكّلون أحد العناصر التي بمقدورها بناء البلاد، فاستثمروا هذه الفرصة، وهي فرصة طاقاتكم وإمكانياتكم. ولحسن الحظ، فإن الوزير المحترم - كما سمعته ورأيته - يتصف والحمد لله بالنزاهة الفكرية والعلمية، فاغتنموا هذه الفرصة. وعليه أيضاً أن يسعى جاهداً لأن يختار أناساً لمجموعته يتسمون كذلكبالنزاهة الفكرية والعملية بحيث يمكن الاتكاء عليهم حقاً في النهوض بهذه المسؤولية الجسيمة.

إذن يجب عليكم أن تقوموا ببناء بلدكم وأن تجعلوه قوياً مقتدراً. علماً بأن الاقتدار لا يتلخص في السلاح، وإن من أهم آليات القوة والعناصر الباعثة على الاقتدار، هي العلم والشخصية الوطنية. فإن شخصية الأفراد، والصمود، والهوية الثورية، كلها من العناصر المنتجة للاقتدار. والإيمان والثورة قد منحا لشعبنا القوة والاقتدار. فإن كنتم أقوياء، وشاهد العدوّ قوتكم، سيُرغم على التراجع، وإن تجنّبنا عن إظهار أسس وعناصر اقتدارنا أمام العدو، وأعرضنا عن ذلك، لخوفٍ أو مجاملةٍ، سيتسم العدوّ بالجرأة والجسارة.

وترون اليوم الأعداء راحوا يتفوّهون بكلماتٍ أكبر من أفواههم، وهذا ما يستطيع الشعب الإيراني الردّ عليه. حيث يجتمعون ويخططون لئلا تقيم إيرن مناوراتٍ عسكريةٍ في الخليج الفارسي، يا لها من حماقة مذهلة! إنهم يأتون من أقصى أرجاء العالم لإجراء مناوراتٍ في هذه المنطقة، ولكن ماذا تفعلون هنا؟ اذهبوا إلى خليج الخنازير أو إلى أيّ منقطة أخرى وأقيموا المناورات فيها. ماذا تفعلون في الخليج الفارسي؟ الخليجالفارسيبيتناوهومحلّتواجدالشعبالإيراني الكبير، وساحلالخليجالفارسي،إلى جانبسواحلكبيرةمنبحرعمانهيلهذا الشعب، ولا بد أن يكون له فيها تواجدهومناوراتهواستعراضهللقدرات. نحن شعبٌ له تأريخه واقتداره، رغم أنّ بعض السلاطين الضعفاء التعساء فرضوا علينا التخلّف لبضعة أوقات، ونفضوا على هذا البلد تراب الموت، ثم ذهبوا وولّوا الأدبار. فإن الشعب شعبٌ بصير كبير، أنّى له يسمح بذلك؟هكذايجبالتصدي للقوىالتوسعية الجشعة المستأثرة.

ولقد قلتُ بأنهم هُزموا أمامنا بالتأكيد، وسبب هزيمتهم واضح جداً، فإنهم كانوا يهدفون إلى إسقاط الجمهورية الإسلامية، والجمهورية الإسلامية لا أنها لم تسقط وحسب، بل ازدادت عشرات الأضعاف قوة ومنعة عما كانت عليه في بادئ الأمر، وهذه هزيمة بالتالي. ولقد علّمنا القرآن قائلاً: ﴿تُرهِبونَبِه‌عَدُوَّاللهِوَعَدُوَّکُم﴾ (8)؛ أعِدّوا أنفسكم وجهّزوها بالطريقة التي ترهبون وترعبون بها عدو الله وعدوكم. وليس المراد من العدو، تلكالدولة الجارة، أو ذلكالمنافس، أوذلك البلد الذي لا يعادينا، وإنما العدو هو الذي ينصب لنا العِداء، وهو معروف لدى الجميع.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقكم وإيانا لمواصلة الطريق الذي يصبّ في مرضاة الله، وأن يكون مستقبل هذا البلد بفضل وجودكم أنتم الشباب المتألق النشيط العزيز، مستقبلاً يبشّر بالسعادة لجميع أبناء الشعب.

والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته

 

الهوامش:

1- في بداية هذا اللقاء، أدّا مجموعة من خريجي جامعة المعلمين خطاب القسم المهني بحضور قائد الثورة الإسلامية المعظم، وبعدها تحدث السيد علي اصغر فاني وزير التربية والتعليم رافعاً تقريراً عن نشاطات وبرامج وزارته.

2- إقبال الأعمال، ج1، ص123 (بتصرف).

3- ديوان أشعار سعدي الشيرازي "كلستان"، المقدمة.

4- خطاب سماحته خلال لقائه آلاف العمال (2016/2/8).

5- سورة الفتح، جزء من الآية رقم 29.

6- خطاب سماحته خلال لقائه رئيس ومدراء ومسؤولي مؤسسة الإذاعة والتلفزيون (2015/10/12).

7- خطاب سماحته خلال لقائه أعضاء الإتحادات الطلابية الإسلامية في أنحاء البلاد (2016/04/20).

8- سورة الأنفال، جزء من الآية رقم 60.