بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام علی سیّدنا محمد وآله الطاهرین.
أرحّب بكم يا أعزائي أجمل ترحيب! إن هذه الجلسة بالنسبة لي تعتبر جلسة رائعة ومطلوبة للغاية، فإن حضور الشباب بهذا النشاط، وبهذا الاندفاع، وبهذه الكلمات الحسنة، وبهذا المنطق البليغ، وبهذه البرامج التي تم إجراؤها، منح حلاوة لهذه الجلسة حقاً، وسيكون هذا اليوم بالنسبة لي يوماً تذكارياً إن شاء الله.
أودّ في بادئ الأمر أن أتكلم قليلاً عن شهر رجب. يوجد لدى كل إنسان بعدٌ معنوي لطيف؛ ذلك أنه يتألف من أبعاد مختلفة، بما فيها الغرائز والأميال والاحتياجات، ومنها البُعد المعنوي الموجود في كل إنسان، وهو بعدٌ لطيفٌ جداً، وتزداد لطافته وشفافيته في سنيّ الشباب صفاءاً ونقاءاً. ولو تمكّنا نحن أبناء البشر من تعزيز هذا البُعد في أنفسنا، سيكون هو الهادي لسائر أبعادنا. ولا يعني هذا أن البُعد المعنوي يقف سدّاً أمام الغرائز والاحتياجات والتعقل والتفكر، فهذه كلها محفوظة في محلها، وإنما يكون في الإنسان هادياً لأبعاده الأخرى؛ هذا فيما لو بقي وتعزز فينا. وأولئك الخبثاء الذين تشاهدونهم في عالم الدنيا، وهم إما من الظالمين أو السفاكين أو من عبّاد المال أو الشهوة أو البطن، وقد تغلّبت عليهم الأبعاد المادية، فإنهم لم يُنمّوا البُعد المعنوي في نفوسهم، حتى أخذ بالضعف شيئاً فشيئاً وآل بالتالي إلى الزوال والاضمحلال. فأوصيكم أيها الشباب بالانتهال والاستزادة من شهر رجب لتعزيز هذا البعد المعنوي.
ثم يلي هذا الشهر أيضاً شهر شعبان ورمضان، وهي أشهرٌ تمثل ربيع المعنوية. وها أنتم - على حدّ تعبير الشيخ الحاج علي أكبري ]ممثل الولي الفقيه في الاتحادات الطلابية الإسلامية[ - تجسّدون ربيع الإنسانية، لأنكم في ربيع أعماركم، فاستثمروا ربيع المعنوية هذا ما استطعتم، بذكر الله، وقراءة الأدعية الواردة، والتدبر في مضامينها، وتلاوة القرآن، والصلاة في أول وقتها، وترك الذنوب، والتخلّق بالأخلاق الحسنة، فقد توافرت لنا جميعاً في هذا الشهر فرصٌ كبرى، بيد أن بمقدوركم أنتم الشباب اغتنام هذه الفرص بشكل أمثل، حالُها حال الفرص المادية بالضبط. فلنفترض ساحة سباق، قد وضعوا في آخرها معلماً عليه شيء، وطلبوا مني أنا الحقير ومنكم أن نتسابق إليه، وأن يرفع ذلك الشيء من يسبق الوصول إليه منا، فيا تُرى من سيصل أسرع؟ واضحٌ بأنكم شبابٌ، لكم طاقتكم وحيويتكم، وبمجرّد أن أعتزم على المبادرة أراكم قد سبقتموني إليه. واعلموا أن الأمر بذاته يجري في المسائل المعنوية أيضاً. فإن بمستطاعكم الوصول إلى الهدف المنشود أسرع وأسهل وأحلى في القضايا المعنوية أيضاً. وتلك الشخصيات النيّرة التي شاهدتموها في زماننا، كأمثال المرحوم آية الله الشيخ بهجت - على سبيل المثال - حيث كان إنساناً نيّراً، وشيخاً يزهو بالأنوار، كانوا يراقبون أنفسهم منذ عهد الشباب؛ أي منذ أن كانوا في أعماركم. وأما من يتأخر في التفكير بهذه الأمور، يقلّ توفيقه، ومن لا يفكّر بهذه المسائل أبداً، يُحرم من النورانية والصفاء والنقاء، ويكون حالُه كحال الكثير من أبناء الدنيا.. هذا هو الجانب الأول من حديثنا.
إنّ لنا معكم أيها الشباب الأعزاء - أنتم تُطلقون على أنفسكم ناشئة، وأنا أُطلق عليكم جميعاً عنوان الشباب - كلام كثير ومتنوع في شتى القضايا. فإنكم تعتبَرون من جهة إخواني وأخواتي، ومن جهة أخرى أبنائي، ومن جهة ثالثة أحفادي، وبالتالي فإنكم أعزائي، سواء أنتم الحاضرون في هذا المكان، أو من ينتمي إلى هذه المجموعة، وهم عدة آلاف من طلاب الاتحادات واثناعشر مليون تلميذ - كما أشار إلى ذلك هذا الشابّ العزيز - فإنكم جميعاً مشمولون بهذا الحكم الذي ذكرناه. وبالتالي فإن لنا معكم كلام كثير. واليوم سأطرح عليكم كلمة محورية تتضمن مطالبة من الاتحادات، وأستهل حديثي هذا بمقدمة:
نحن نواجه جبهة معادية تتمثل في الاستكبار وأتباعه وأذنابه، وهذا واضح. ومحور هذه الجبهة أمريكا والصهيونية، وأتباعها وأذنابها ومن يدور في فلكها هم بعض هذه القوى وشبه القوى الموجودة التي تشاهدونها، فإننا في اشتباك معها، والثورة الإسلامية والنظام الإسلامي في صراع معها. ولكن على أيّ شيء يدور هذا الصراع؟ أو بعبارة أخرى، في أيّ الساحات يدور صراعنا مع الاستكبار؟ لو أردنا إحصاء الساحات التي لنا صراعٌ فيها معهم، لربما أمكنني الآن أن أُحصي عشرة ساحات، ولو جلسنا وتداولنا هذا الموضوع بالدراسة والفكر، لازدادت مواطن صراعنا مع الاستكبار، ولبلغت عشرين إلى ثلاثين موطناً أو أكثر.
وعلى سبيل المثال، تعتبر قضية استقلال البلد اقتصادياً وسياسياً وثقافياً، واحدة من ساحات صراعنا مع الاستكبار. فإن الاستكبار والقوى المستكبرة مجبولة على التطاول، سواء في عهد الاستعمار الذي يعود إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ويستمر إلى القرن العشرين، أو في فترة الاستعمار بأشكاله الجديدة والحديثة التي تبلورت فيما بعد، والتي راحوا يطرحونها على أرض الواقع متجددة يوماً بعد آخر. فإن غايتهم هي التطاول على مصالح الشعوب والبلدان وفرض الهيمنة والتغلغل.. هذا هو هدف الاستكبار. ولو أراد بلدٌ أن يقف في وجه هذا الهدف، وأن يدافع عن استقلاله الثقافي والسياسي والاقتصادي، سيحتدم الصراع بطبيعة الحال.. هذه هي واحدة من ساحات صراعنا مع الاستكبار.
ومن ساحات الاشتباك الأخرى هي مسألة التقدم. فلو أن إيران بما تتسم به من استغناء عن القوى العالمية ومن عدم الاكتراث بها وعدم التبعية لها وعدم الاعتماد عليها، لو تقدمّت وهي على هذه السمات، سيكون هذا التقدّم مثالاً يُحتذى به، بمعنى أنه يكون نموذجاً للبلدان والشعوب الأخرى. وهذا التقدم يعتبر واحداً من مواطن وساحات الصراع فيما بيننا وبين الاستكبار، وبغيتنا هو تحقق هذا التقدم، وبغيتهم عدم تحققه.
وإن واحدة من أهم الدوافع التي دفعت بالقوى المستكبرة في القضية النووية إلى الاصطفاف ضدنا هي هذا الدافع، علماً بأنهم راحوا يتذرّعون بذرائع أخرى، ولكنهم كانوا يحملون دوافع رئيسية، ومنها أن يتمكّن بلدٌ، من دون الاتكاء على أمريكا أو بريطانيا أو على أيّ قوة أخرى، أن يخوض بنفسه ساحةً علميةً بالغة الخطورة كالساحة النووية، فإن هذا بالنسبة لهم أمرٌ هام وخطير جداً، وما كانوا يريدون له أن يتحقق. وأنا على اطمئنان بأننا لو فتحنا المجال لهم فإنهم غداً في قضية التكنولوجيا الحيوية وفي تقنية النانو وفي شتى المسائل العلمية الأخرى سيتحايلون ويخلقون العراقيل والعقبات. فالتقدم العلمي والاقتصادي والحضاري، يمثل أحد ساحات الاختلاف والصراع بين الجمهورية الإسلامية وبين الاستكبار.
ومن مواطن الاختلاف وساحاته هي التواجد المقتدر للجمهورية الإسلامية على صعيد المنطقة والعالم. فإن هذا التواجد المقتدر، يحول دون تحقق مخططات الاستكبار. إذ أن لأمريكا خطتّها في منطقة غرب آسيا - التي يُطلقون عليها اسم الشرق الأوسط، وأنا أصرُّ على أن لا أستخدم هذا المصطلح لأسبابٍ ذكرتها في وقتٍ ما -، وقد رأيتم مشاريعهم تحت عنوان الشرق الأوسط الكبير والشرق الأوسط الجديد، الذي راحوا يردّدونه كراراً خلال الأعوام العشر أو الاثني عشر المنصرمة. وقد تسببت هذه المشاريع في أن يبادروا إلى بعض الممارسات، بيد أن التواجد المقتدر للجمهورية الإسلامية حال دون التقدّم في ممارساتهم. وهذه بدورها واحدة من ساحات النزاع والاختلاف وأمثال ذلك.
ومن الساحات الأخرى القضية الفلسطينية، ومنها المقاومة، ومنها شيوع الثقافة ونمط الحياة الغربية. فلو أشيع في بلدٍ نمط الحياة المقبول والدارج لدى الغربيين والأمريكيين، سيتبدل النخب في ذلك المجتمع إلى أغنام طيّعة أمام السياسات الأمريكية والغربية، وهذا ما تصرّ القوة التي تواجهنا على حدوثه، وتريد الجمهورية الإسلامية أن تحول دون ذلك.
لقد أحصيتُ حالياً عدداً من ساحات الصراع، وسبق أن ذكرت بأنني لو أردت سرد هذه المواطن ذهنياً، لربما أمكنني أن أعدّ عشرة منها، ولكننا لو فكّرنا - أنا وأنتم - في ذلك لوصلت إلى عشرين أو ثلاثين أو أكثر.
والآن نصل إلى القضية الرئيسية التي تختلج في ذهني، وهي أن واحدة من ساحات النزاع والصراع بين الجمهورية الإسلامية وبين الاستكبار تحوم حول قضية الشباب. ففي الوقت الراهن ثمة حربٌ قائمةٌ بشأن مسألة الشباب بين الجمهورية الإسلامية وبين أمريكا وحلفائها والصهانية وهي حربٌ ناعمةٌ خفيةٌ شاملة. إنني قبل عدة أعوام خاطبتُ الشباب من طلاب الجامعات وقلتُ لهم: «إنكم ضباط الحربُ الناعمة»، وأنتم أيضاً كذلك تدخلون جميعاً في عداد ضباط الحرب الناعمة. فإن كان الشابُّ يتسم بالاندفاع والثقة بالذات وقوة التفكر والشجاعة، يكون ضابطاً في مواجهات الحرب الناعمة.. هذه هي ميزة الشاب.
فافترضوا الآن ضابطاً يتحلى بهوية مطلوبة للجمهوية الإسلامية، وضابطاً يتمتع بهوية مطلوبة لدى عدوّ الجمهورية الإسلامية، وقارنوا بينهما، وانظروا ما هو مؤدّى هذه المقارنة؟ علماً بأن كلامنا في الوقت الراهن يدور حول الحرب الناعمة التي هي أشدّ خطورة من الحرب الصلبة، رغم أنهم أحياناً ما يهدّدوننا بشنّ حربٍ صلبة وبالقصف والهجوم وما شاكل ذلك، فليخسأوا، وأنّى لهم ذلك، إذ لم تتهيّأ لهم أرضية هذا العمل، ولم يمتلكوا الجرأة على القيام بهذا الأمر، ولو فعلوا لأُلقِموا حجراً.
وأما الحرب الناعمة فهم قادرون عليها، وهي قائمة في الوقت الحاضر، فالجانب الذي يواجهنا مكبٌّ على الهجوم، ونحن في هذا الجانب أيضاً مكبّون، ولكن على الهجوم أم الدفاع؟ هذا ما له بحث آخر، وباعتقادي يجب على هذا الجانب أيضاً الهجوم بدلاً من الدفاع، مع ضرورة الحفاظ على مراكزه الدفاعية أيضاً. إذن فهناك حربٌ مشتعلة، وعليكم تشبيه هذه الحرب الناعمة بالحرب الصلبة وساحة المعركة، كما هي الأوضاع السائدة والحروب القائمة اليوم على سبيل الفرض في سوريا أو العراق أو اليمن أو مناطق أخرى، أو في فترة الدفاع المقدس التي طالت ثمانية أعوام في إيران. فخذوا ضابطاً بنظر الاعتبار جالساً في مقرّه أو خندقه، إذ بالإمكان أن يكون هذا الضابط على نمطين، وتُطرَح له نوعان من الهوية وقسمان من التعريف:
تارة يظهر هذا الضابط على هيئة إنسان عاقد العزم، بصيرٍ، متحفزٍ، عامرٍ بالأمل، دؤوب، مفكّر، شجاع، ومضحٍّ. فلو كان الضابط في مقرّه أو خندقه متسماً بهذه السمات، يمكن تقدير نتيجة هذه الحرب. ذلك أن الضابط شجاعٌ، رشيدٌ، مفكّر، مؤمن، يتسم بالأمل والعزيمة والاندفاع، وهذا نوعٌ من أنواع الضباط.
وبالإمكان افتراض نفس هذا الضابط بشاكلة وهوية أخرى. فلنفترض أنه إنسانٌ يائس، يعتقد بأن ]الحرب[ لا طائل من ورائها، و]يقول[ بأن صمودكم لا جدوى منه، فهو مصابٌ باليأس والإحباط. أو أنه إنسانٌ خاضعٌ مستسلم، تثقلُ عليه المعارضة والمقاومة، ولو أنه يصمد قليلاً في بعض الأحيان، ستفرض الضغوط الكثيرة والبطش الشديد عليه التراجع، وهذه هي طبيعة حاله. أو أنه إنسان تنطلي عليه الـحِيَل، ويثق بابتسامة العدوّ، ويعتمد على خداعه، أو أنه أساساً لا يُدرك خديعة العدو. فإن الحرب ملأى بالحيلة والخديعة، وهذا هو حال الحروب برمتها: «الحربُ خدعة». فإن من أهم الأمور التي ينهض بها القائد المقتدر في الحروب العسكرية، هي أن يقوم بعمليات وتحركات لمخادعة العدو، فيخال العدو أنه يريد التقدّم من هذا المكان وتنصرف أنظاره إليه، ولكنه يهجم عليه من الخلف. وافترضوا أن يكون هذا الضابط، ضابطاً تنطلي عليه الخديعة، ولا يُدرك أساساً معنى تحايل العدو ولا يشخّصه. أو أن يكون إنساناً خاملاً يطلب اللجوء إلى الراحة والدِعة والنوم. أو أن يكون مُدمناً على المخدرات أو على تلبية الشهوات أو على بعض الألعاب الكمبيوترية التي راجت أخيراً - وسمعت أن البعض قد أدمن عليها - لا يفكّر ولا يكترث بمصيره ومصير من علّقوا آمالهم عليه. أو أن يكون هذا الضابط في خندقه منغمساً في إشباع غرائزه المادية والحيوانية، وغارقاً في بحر ملذاته. فبالإمكان تصوّر هذا الضابط على هذا الشكل وهذه الهيئة وهذه الشاكلة. ولكن ماذا ستكون نتيجة الحرب؟ هذا واضح. إذن يمكن تعريف هوية ضباط الحرب الناعمة على نمطين. وهذه هي واحدة من مواطن الاختلاف الشديدة فيما بيننا وبين أعدائنا.
فالعدوّ يريد للضابط في الحرب الناعمة، وهم الشباب، أن ينهج منهجاً، والجمهورية الإسلامية تريد له أن ينهج منهجاً آخر. والتأكيد في الجمهورية الإسلامية على التدين والعفة والورع والابتعاد عن الإفراط في النزوع إلى الغرائز، لا ينبغي أن يُحمَل على محمل التعصّب والدوغمائية على حدّ تعبيرهم والتحجّر وما إلى ذلك.. كلا، بل هو منهج تربوي، مستوحى ومستقى من تعريف الضابط والقائد في الحرب الناعمة. وهذه هي واحدة من ساحات التحدي بيننا وبين أمريكا. حيث يحبّذ الأمريكيون أن يتجرّد شبابنا من الشجاعة والأمل والاندفاع والنشاط والقوة الجسدية والفكرية، وأن ينظروا إلى العدو نظرةَ تفاؤل، وإلى القيادة والقاعدة الداخلية نظرةَ تشاؤم.. هذا ما يريده العدوّ لشبابنا، وهذا هو الهدف من وراء كل ما يقوم به في إعلامه عبر قنوات الإذاعة والتلفاز والمواقع الإلكترونية وفي أنشطته الأخرى التي تستهدف الشباب في خطابها، حيث يبتغي تبديل الشابّ إلى مثل هذا العنصر المجرّد عن الإيمان الصائب والشجاعة الكبيرة والمحفّز والأمل. والجمهورية الإسلامية تقف بالضبط على النقيض من ذلك، حيث تريد للشاب أن يتحوّل إلى عنصر نشيط مؤثر.
وهنا تأتي مطالبتي منكم يا أعزائي وأبنائي: يجب عليكم أن تضطلعوا بأدواركم، وأن تعملوا على تربية أقرانكم - وهم شباب مرحلة الثانوية من أعماركم - بالشكل الصحيح وبالاستناد إلى هذا التعريف، وأن تساعدوهم على بلوغهم هذا المستوى، فإن هذه هي وظيفة الاتحادات الإسلامية. ولا يتسنى ذلك بالطبع إلا إذا حالفكم التوفيق في بناء أنفسكم وتهذيبها. وهذا ما هو موجود إلى حدّ كبير والحمد لله، كما ذكر الآن الشيخ الحاج علي أكبري - وقد أفرحني تقريره حقاً، وكانت قد بلغتني التقارير في ذلك إلى حدّ ما، وكنت على اطلاع بهذا الأمر، ولكنه صرّح اليوم هنا بذلك -. فعليكم ببناء ذاتكم وبناء غيركم. علماً بأن الاتحادات الإسلامية لا تختص بكم، فإنكم على مستوى طلاب المدارس، وهذا الواجب ملقى على عاتق الاتحادات الإسلامية على مستوى طلاب الجامعات أيضاً. وفي كل مكان، أيما اتحاد إسلامي طلابي - سواء على صعيد المدارس أو الجامعات - بادر بدلاً من تربية الشابّ الإيراني على هذه الهوية والشاكلة التي ذُكرت، إلى حركة في الاتجاه المعاكس، أو قصّر في هذا الاتجاه، فقد عمل على خلاف ما تمليه عليه وظيفته وما يريده الله منه.
في دعاء مكارم الأخلاق، يطلب الإنسان من الله عشرات الأمور البالغة الأهمية، ومنها: «وَاستَعمِلني لِما تَسأَلُني غَداً عَنه». فنحن مسؤولون، والجميع مسؤول، سواء أنتم الشباب أم نحن الشيوخ ولا فرق في ذلك. إذن يجب أن تصبّ جهودكم ومساعي الاتحاد أولاً في تنمية الشباب المخاطبين لكم من الناحية الكمية ما استطعتم إليه سبيلا، ولا أقول توسيع رقعة الاتحادات، بل تنمية دائرة تبليغها وتأثيرها على الشباب من أقرانكم. علماً بأن الطرف الآخر قد لا ينتمي إلى الاتحاد وقد لا يريد الانتماء، ولا ضير في ذلك، ولكن على الاتحادات أن تعمل ما يؤول إلى استقطاب كمّ غفير من المخاطبين والتأثير عليهم، وذلك الأثر هو عبارة عمّا ذكرناه؛ أي بناء هوية وشخصية الشابّ الإسلامي، بالطريقة التي تهدف إليها الجمهورية الإسلامية وتعرّفها، لا بالطريقة التي تحدّدها أمريكا والرأسماليين الصهاينة. وهذا واجب في أعناقكم وعليكم بمتابعته. علماً بأني على اطلاع ببرامج الاتحاد، وقد بلغني التقرير في ذلك وطالعته ووجدته تقريراً جيداً، فالبرامج برامج مطلوبة، ولكن يجب عليكم تعزيزها يوماً بعد يوم من الناحية الكمية والنوعية.
إن البلد بحاجة ملحّة إليكم وإلى هؤلاء الملايين من طلاب المدارس والجامعات الموجودين اليوم في بلادنا. ونحن بحاجة إلى شباب يتسمون بالإيمان والوفاء والأمل والنشاط والحيوية والإبداع، والبلد ومستقبله بحاجة إليهم. صحيحٌ بأن العدو على مدى سبعة وثلاثين عاماً من عمر الجمهورية الإسلامية لم يتمكن من أن يرتكب أية حماقة رغم كل الجهود التي بذلها خلال هذه الفترة، ولكن لا ينبغي النظر إلى العدو نظرة إنسان ضعيف قد أعيته السُبل، فإن له برامج طويلة الأمد. وكما أننا نتحدث عمّا بعد خمسين عاماً - كما تحدّثتُ قبل ثلاث أو أربع سنوات عن برنامجنا لما بعد خمسين عاماً في المجال العلمي - ومعنى ذلك أننا نفكّر في الأعوام الخمسين المقبلة، فإن العدوّ كذلك يفكّر في السنوات الخمسين القادمة، ويحاول الحؤول دون استمرارية هذه الحركة - التي لم تبق محصورة في إيران، وإنما استمرت وتنامت وتبلورت في شتى البقاع وبأشكال مختلفة -، ويجب صدّه عن ذلك، ولكن على من تقع هذه المسؤولية؟ عليكم أنتم الشباب؛ ذلك أن المستقبل لكم. فاعملوا على بناء أنفسكم حقيقة، واثبتوا. إنكم غداً ستدخلون إلى الجامعة، فلا بد أن يؤدي تواجدكم في الجامعة إلى تعزيز تلك الهوية الدينية والثورية في أنفسكم، لا إلى تضعيفها. وهكذا هم البعض، حيث تجدهم قبل الذهاب إلى الجامعة على نمط، وبعده على نمط آخر! كلا، بل يجب تعزيز هذه الهوية وتقويتها، فإن الجامعة إسلامية تنتمي إلى الإسلام وإلى الثورة وإلى أبناء هذا الشعب الثوري. إذن لا بد من استمرارية هذه الهوية والثبات عليها. فإن الثبات أمرٌ في غاية الأهمية.
وعليكم أن لا تقطعوا تواصلكم، فإن الاتحادات في الوقت الراهن على تواصل مع بعض، ولا ينبغي قطع هذا التواصل، بل حاولوا الحفاظ على هذه العلاقات وعلى هذه السلسلة المباركة في الحال الحاضر، وكذلك بعد العبور من المدرسة والدخول في الجامعة أو في أي مكان آخر، وكونوا مصداقاً لقوله تعالى: ﴿وَتَواصَوْا بِالحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ﴾، وحافظوا على بعضكم الآخر، كمتسلّقي الجبال في المناطق الخَطِرة الذين يربطون ظهورهم بالحبال، لئلا يسقط إلى السفح من تزّل قدمه، لأنهم قد ربطوا بعضهم ببعض وشدّوا أنفسهم بالحبال، وإن زلّ أحدهم، سيمسك الآخرون الذين لم تزل أقدامهم به ويرفعونه إلى الأعلى.. هكذا يكون الترابط والتواصل. ﴿وَتَواصَوْا بِالحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ﴾، تواصوا بمواصلة طريق الحق من جانب، وبالصبر من جانب آخر، وهو الاستقامة والصمود والثبات، وعدم الانزلاق والخوف والتردّد حيال الأحداث المرّة.. هذه هي مطالبتي منكم.
علماً بأن للمسؤولين أيضاً وظائفهم. ولحسن الحظ فإن وزارة التعليم والتربية تتمتع اليوم بإدارة متدينة، وهذه فرصة لا بد من اغتنامها. فإن كان التديّن هو الحاكم على رأس مجموعة، يتأتى حينذاك إنجاز الكثير من الأعمال المطلوبة - وقد أطلق هذان الشابان من أبنائي الأعزاء؛ هذه الفتاة وهذا الفتى، كلمات جيدة للغاية، بمعنى أن النقاط التي نبّهوا عليها نقاط صائبة، وأنا أوصي مكتبي أن يسجلوها ويولوا اهتمامهم بها ويتابعوها، وأوصي كذلك وزارة التعليم والتربية أن يستندوا إليها -. وأقول أولاً بضرورة توفير الفرصة لطلاب المدارس - لا للاتحادات الإسلامية وحسب - في سبيل ممارسة الأنشطة الثورية. ولزوم تنظيم المنهج الدراسي والتربوي - ولاسيما الدراسي - بالطريقة التي لا تؤدي بالتلميذ الشاب إلى أن يصرف كل وقته وطاقته وقدرته وموهبته وقوته الفكرية والجسدية على الأوراق المودعة بين دفّتي هذه الكتب، وهكذا الأمر أحياناً، حيث يجد المرء أن كل الطاقات الجسدية والنفسية والفكرية والعصبية تُصرف على هذه الكتب، ولا تتاح للطالب فرصةً للترفيه أو للرياضة أو للأنشطة الثورية، وهذا إشكال. فليعملوا على أن تتوافر الفرصة للطالب، ولا يتم إنجاز هذه المهمة بالطبع خلال يوم أو يومين، بل يحتاج إلى تخطيط وبرمجة. وقد لا يتسنى التوصل إلى ذلك في هذا اليوم أو في يوم غد، ولكن تجب متابعته إلى أن يتحقق. فلا بد من تربية هؤلاء الشباب تربية ثورية، ومنح فرصة للأنشطة الثورية وللفكر الثوري.. هذا أولاً.
وثانياً فتح المجال أمام التنظيمات الطلابية الأمينة، كالجمعيات الإسلامية والاتحادات التي تمثل تنظيماً أميناً ومتديناً، أو التعبئة الطلابية التي تعتبر هي الأخرى تنظيماً يتسم بالأمانة والتدين، فليفسحوا لهم المجال، ويهيّئوا لهم أرضية العمل، ويوفّروا لهم الفرصة، ويزوّدوهم بالإمكانيات المادية والمعنوية - كما أشار هؤلاء الشباب إلى ذلك - ويمهّدوا لهم السبيل، ويعرفوا قدرهم. فلو أردنا نحن صناعة هذه الدوافع والمحفزات التي تتمتعون بها عبر المال والتبليغ وأمثالهما، لما تسنى لنا ذلك مطلقاً: ﴿لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ﴾، وأقول هنا أيضاً: لو أنفقنا جميع ثروتنا، لما تأتى لنا جمع كل هذه الطاقات وكل هذا الشوق والتوق، لأنه يتدفق من الباطن، وهو من فِعل الله الذي بيده قلوبنا وقلوبكم، فلنعرف قدر ذلك. وشبابنا اليوم سواء في الاتحادات الإسلامية أو في التعبئة أو ما شاكل ذلك قد نزلوا إلى الساحة وخاضوا الميدان من أجل أن يعملوا في سبيل الله وفي سبيل الثورة وفي سبيل البلد، فلا بد من تهيئة الأرضية لهم ودعمهم مادياً ومعنوياً.ه قلوبنا وقلوبكم، فلنعرف قدر ذلك. ا ذلك مطلقا: ة والتدين، فليفسحوا لهم المجال،
والنقطة الثالثة هي معارضة بعض المدارس لممارسة النشاطات الثورية، وهذا ما أشار إليه أحد هذين الشابَّين العزيزَين، وكنتُ على اطلاع بذلك، وسمعتُ به من قبل. ولنفترض بأن الشباب يبتغون إعداد برنامج ليوم الثاني والعشرين من بهمن ]ذكرى انتصار الثورة الإسلامية[ - على سبيل المثال - والمسؤولون في المدرسة بدلاً من مساعدتهم، يضعون أمامهم العقبات، ويمنعونهم أحياناً بصورة رسمية.. كلا، يجب الوقوف أمام هذا المنحى. فعلى الشباب أن يزاولوا دراساتهم بشكل جيد، وهذا ما أنا أؤيّده، وأنتم على علمٍ بذلك، ولكن ينبغي إلى جانب الدراسة ممارسة الأنشطة الثورية أيضاً.
أعزائي! الشباب والبيئة الشبابية في بلدنا مبعث أملٍ، ولا يعني هذا بأني جاهل بوجود حفنة من الشباب الذين يسلكون السبل المنحرفة ويمارسون الأعمال السيئة، فإني على اطلاعٍ بذلك، ولكن في الجملة حينما أجول ببصري على البيئة الشبابية في البلد، أشكر الله سبحانه وتعالى. فإنه رغم كل عوامل الانحراف، وكل الدوافع والمحفزات، ورغم وجود جبهة معادية وسيعة تستهدف الشباب، يوجد لدينا جمعٌ غفيرٌ من الشباب المؤمن المتدين الثوري الذي يلجأ إلى التوسل وينشدّ إلى المسائل المعنوية بكل شوق ورغبة، وهذا ليس بالشيء الصغير، وإنما هو في غاية الأهمية والعظمة. حيث نجد البعض منهم من أهل القرآن، والبعض الآخر من أهل الاعتكاف، وبعضهم من أهل المشي في الأربعين، وبعضهم من أهل الثبات والصمود في ميادين الثورة ومظاهرها، وكم لهذا من عظمة وقيمة كبيرة. والعدوّ يعارض كل هذه المظاهر.
وأقولها لكم بأن عدّو نظام الجمهورية الإسلامية قد مُني حتى اليوم بالهزيمة، وهذا مما لا شك فيه ولا ريب يعتريه. فاعلموا بأنه هُزِم حتى هذه اللحظة، وهذا ما أشرتُ إليه مراراً، وسببه واضحٌ وماثلٌ أمام أعيننا. والاستدلال على ذلك ليس استدلالاً معقداً غامضاً لا يمكن فهمه، وهو أنه حينما تأسست هذه الثورة وأُقيم النظام الإسلامي، عزم هؤلاء منذ اليوم الأولى على إسقاط هذا النظام والقضاء عليه، أو الحؤول دون تناميه على أقل التقادير. وقد مضت سبعة وثلاثون عاماً، والنظام تنامى وتعزّز يوماً بعد آخر، وأصبح شجرة باسقة عالية تُؤتي أُكُلها وثمارها، والعدوّ لم يتمكّن من ارتكاب أية حماقة.
إذن فالعدوّ لم يتمكن من تحقيق أي شيء، وهذا الأمر لا يختص بهذا البلد، بل لكم أن تنظروا في العالم الإسلامي ماذا فعلوا ضد الشباب المجاهد المؤمن في لبنان وفلسطين، وما استطاعوا أن يفعلوا؟ فكم قد شنّوا ضد حزب الله في لبنان من هجمات إعلامية وعملية، حيث هدّدوا ونفّذوا تهديداتهم عملياً، وفي الوقت ذاته نجد حزب الله قد أبدى رفعة قامته في العالم الإسلامي. ولنفترض بأن الحكومة الفلانية العميلة الفاسدة الفارغة الخاوية استطاعت في القرار الفلاني عبر الأموال والدولارات النفطية أن تدين حزب الله، فلتخسأ! وما أهمية ذلك! إن حزب الله يسطع هناك كالشمس، وهو مبعث اعتزازٍ للعالم الإسلامي. إن هذا الحزب بشبابه ومجموعته في لبنان مدعاة فخر للعالم الإسلامي، فقد أنجز هؤلاء ما عجزت عنه جيوش ثلاث دولٍ عربية خلال حربين أو ثلاثة، حيث فرضوا على إسرائيل الهزيمة. فإنه قبل أن يلحقوا الهزيمة بهم، اندلعت على أقل تقدير حربان، لم تشارك جميع الدول في الحرب الأولى، وأما في الحرب الثانية فقد جيّشت مصر والأردن وسوريا جيوشها ولكنها هُزمت أمام إسرائيل. فقد اصطفّت ثلاثة دول - وأيّما دول، فإحداها مصر التي كانت تمتاز بجيش قوي، وسوريا كذلك، ودولة الأردن - أمام الكيان الصهيوني وبالتالي خسرت المعركة. بيد أن حزب الله ألحق بنفس هذا الكيان الصهيوني وذلك بعد أن اتسم بمزيد من القوة، الهزيمة خلال ثلاثة وثلاثين يوماً، أفهل يعدّ هذا إنجازاً صغيراً وضئيلاً؟ وهل من الخطأ أن نصفه بأنه مفخرة العالم الإسلامي؟ فلتقم قصاصة ورق في مكان ما بإدانته وما أهمية ذلك؟
إن الحقيقة تنمو وتتسامى، وأحياناً تعترض طريقها بعض الشدائد والصعاب، ولكنها تنتصر في نهاية المطاف. يقول الله في كتابه: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً﴾، فإن الزَبَد الذي يطفو على الماء يملأ العين في ظاهره؛ ذلك أنكم حينما تنظرون إلى الماء في الأنهار وهي تموج ويرتطم بعضها بالآخر، يظهر الزبد أمام العين، ولكنه يزول: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ﴾، ولا يبقى إلا ذلك الشيء الذي ينفع الناس وتقوم حياتهم على أساسه، وهو الماء الجاري والصافي. والحقيقة كذلك، فإنها سوف تنتصر، وتصل إلى أهدافها المنشودة، رغم وجود المشاكل التي تعترض طريقها، ولكن شريطة أن لا يُصاب جنديّ الحقيقة وضابطها ورائدها بالهزيمة أمام هذه الصِعاب، فإن كان كذلك، وصمد وتحمل الشدائد، سيصل إلى النتيجة، كما وصل إليها في الصدر الأول من الإسلام، وفي كل مواطن الاستقامة والثبات، وكذلك في زماننا هذا وهو زمن غلبة الماديات.
أيها الأعزاء! الحقيقة لكم، وأنتم روّادها، والمستقبل لكم أيضاً، وسوف يصل بإذن الله ذلك اليوم الذي تتضاءل فيه هذه المشاكل ببركة صمودكم شيئاً فشيئاً حتى تزول بالمرة، وتبلغون فيه الذرى إن شاء الله.
أبلغوا سلامي لغير الحاضرين. ولا مانع لديّ من عقد هذه الجلسة في كل عام كما قالوا، ولكن لا أعلم تأريخها، فإنه كلما ازدادت لقاءاتنا بكم، كلما كان بالنسبة لنا أفضل.
والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته.