بارك الله لكم في عيدكم، بما في ذلك عيد النيروز وعيد ولادة الصديقة الكبرى (سلام الله عليها)، وجعله مباركاً بكل ما في الكلمة من معنى، عليكم جميعاً أيها الإخوة الأعزاء والأخوات العزيزات، وعلى عوائلكم، وأولادكم، وأزواجكم، فإن مما لا يساوره شك أن زوجات المسؤولين ينالون السهم الأوفى من الثواب الإلهي. ذلك أنهم يتجشّمون الكثير من هذا العناء الناجم عن مسؤولياتكم ومشاغلكم والمعضلات الـمُلمّة بكم، ولكنكم أنتم من يُذاع صيتكم، وأنتم من تحظون بالإشادة والتقدير، وأنتم من تُشكَرون بواسطة الخواص والعوام، ولا يشكرهم أحد. فإني إذ أبارك لزوجاتكم وعوائلكم، أشكرهم على صبرهم ومواكبتهم لكم، والتي تؤدي إلى أن يكون بمقدوركم النهوض بالواجبات الهامة والمسؤوليات الجسام والإنجازات الكبرى الملقاة على عواتقكم على النحو الأمثل إن شاء الله.
يشكّل عيد النيروز فرصة حقيقية بالنسبة لنا نحن الإيرانيين. ومع غضّ النظر عن صلة هذا اليوم المعين بالتأريخ الإسلامي - حيث قام البعض بتطبيق هذا اليوم على يوم الغدير، والبعض الآخر على أيام أُخَر، ولا يسعني أن أحكم بصحة أو سقم هذه التطبيقات - فإن نفس هذا العيد الذي هو بداية عامنا الشمسي ومنسوبٌ إلى هجرة النبي الأكرم (ص)، يمثل حقاً فرصة كبيرة وثمينة. وهكذا هي الأعياد، حيث تفتح أمام الإنسان شوطاً وفصلاً جديداً. وهذا الشعور بالدخول في فصل جديد، يعين الإنسان على اكتساب نشاط جديد، ووضع برنامج جديد، وإبداع شيء جديد، وهذا جيد جداً.
ومن هنا فإن كافة الشعوب في جميع أرجاء العالم يولون اهتماماً خاصاً بأعيادهم السنوية. وقد يتخذ هذا الاهتمام في بعض المواطن طابعاً مذهبياً، كما هو لدى المسيحيين وغيرهم، وقد لا يصطبغ بأي صبغة مذهبية ولكنه يمثل بداية السنة. وبداية السنة تعني اليوم الجديد، والعمل الجديد، والإبداع الجديد. وهذا الشعور الذي يُولّده لدى الإنسان شعورٌ في غاية المطلوبية.
وهناك بركة أخرى يحملها عيد النيروز، ألا وهي الزيارات والتنسيقات. فإنكم الذين اجتمعتم في هذا المكان، تشكلون كبار المسؤولين في هذا البلد، بما فيهم مسؤولي السلطات الثلاث وبعض الجهات الأخرى. حيث نجد المسؤولين من السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية ومن سائر المفاصل والمؤسسات الثورية قد اجتمعوا مع بعض جنباً إلى جنب، وعرضوا بذلك حالة من التكاتف وتوحيد الكلمة، وهذا ما له قيمة بالغة، ويتسم للبلاد بأهمية كبيرة.
فإن الميزة التي تمتاز بها الجمهورية الإسلامية منذ اندلاع الثورة وحتى يومنا هذا هي الوحدة الوطنية، ولكن ثمة شيء آخر يقف إلى جانب الوحدة الوطنية، وهو الاتحاد والتعاطف والانسجام بين المسؤولين في البلاد، وهذا أمرٌ بالغ الأهمية، ولا يتنافى مع الاختلاف في الأذواق والسلائق وفي الرؤى ووجهات النظر. فلكل واحد توجّهه الخاص به، إذ أنكَ قد تحمل تجاه القضية الفلانية السياسية أو الاقتصادية أو غيرها رؤية معينة، وأخوك أو صديقك أو زميلك الذي يعمل في مؤسستك أو في مؤسسة أخرى، يحمل رأياً آخر، ولا ضير في ذلك. فالمهم الحفاظ على الوحدة في الاتجاه، والوحدة في المسير، والوحدة في الهدف، وبهذا يتجلى اتحاد المسؤولين، وبالتالي الاتحاد الوطني، وهذا أمرٌ مطلوب جداً.
وإن اجتماعنا هذا، تجسيد للتعاطف والانسجام والتعامل والأنس والألفة، وهذا ما يجب معرفة قدره، ونحن نغتنم ذلك. إنني أعتقد بأن قضايا البلاد لا تسير عجلتها من دون تعاون. ولقد اكتسبنا على مدى هذه الأعوام الثلاثين ونيّف تجارب كثيرة، فلو اتحد المسؤولون في البلد واتفقوا في وجهات نظرهم على اتجاه واحد وهدف واحد - وهو يتمثل في الأهداف العامة والأساسية والثورية - ستمضي الأمور قُدماً، والاختلاف في التوجّهات والأذواق حتى ولو كان في مئات القضايا، لا يلحق ضرراً بالبلد.. هذه هي القضية الأساسية التي نطلبها. وهذا ما يشعر المرء توفّره في البلاد والحمد لله، فإن مسؤولي السلطات وكبار المسؤولين في البلد، يتمتعون بفكر موحدّ ورؤية موحدة وتعاطف في القلوب حيال أهداف النظام الكبرى، حتى ولو اختلفوا في الطرق والأساليب والمناهج وأمثال ذلك.
وهذه هي الأخرى من بركات عيد النيروز التي تتمثل باجتماعنا مع بعض. فإننا على سبيل المثال لم نَرَ السيد جهانغيري ]النائب الأول لرئيس الجمهورية[ منذ مدة طويلة، وقد توافرت لنا اليوم ببركة عيد النيروز زيارته وزيارة سائر الأعزاء والحمد لله، وهذا جيّد جداً. أودّ أن أغتنم فرصة هذه الزيارة، وأتقدم أولاً بالشكر على الجهود التي يبذلها الأعزاء في شتى القطاعات، ولاسيما في قضية الاقتصاد المقاوم، ولقد ذكرنا هنا اسم السيد جهانغيري، وهو الذي عليه أن يضطلع بدور المدير والقائد على مقرّ هذا الإنجاز العظيم.
وإني أشدّد على أمر القيادة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فإن لكل واحد من الأجهزة سياساته وأعماله ومهامّه المتداولة والجارية، ودور القيادة في أن يرصد الأمور ليرى أي واحدة من هذه الأعمال تنضوي تحت إطار سياسات الاقتصاد المقاوم، وأيّ منها لا يربطها صلة بالاقتصاد المقاوم، وأيّ منها يعارض سياسة الاقتصاد المقاوم. فلا بد من تقييم هذه الأمور، ليتم تعزيز الفئة الأولى، وسحب الفئة الثانية باتجاه الاقتصاد المقاوم مهما أمكن، والحؤول دون تنفيذ الفئة الثالثة بالكامل. أي أنّ هذا هو الأمرُ المتوَقَّع.
وإني على علم بأن السادة - هو ورفاقه في العمل - يعملون ويبذلون مساعيهم حقاً، وعلينا أن نشكرهم على نهوضهم بهذا الأمر. لقد أطلقنا على هذا العام شعار «المبادرة والعمل»، ونقصد بذلك النهوض بمبادرة شاملة عامة، بالطريقة التي توفر لنا إمكانية تقديم التقارير في نهاية العام، ويتصدى الأعزاء لرفع تقاريرهم بأننا استعطنا إنجاز هذه الأعمال المعدودة العشرة مثلاً، في مجال الإنتاج، أو إنتاج العلم، أو المبادلات التجارية الأجنبية على سبيل الفرض؛ أي أن تكون هناك أعمالٌ محددة.. هذا هو توقّعنا، ويحدونا الأمل أن يتم تطبيق هذا الأمر عملياً إن شاء الله.
وإني أشعر بالطبع أن هذه المجموعة التي عُهدَت إليها هذه المهمة، قادرة على القيام بهذا العمل. وسيضطلع مجلس الشورى بدوره المساعد إن شاء الله، وتستطيع سائر الأجهزة - كل جهازٍ بحسبه - أن تؤدي دورها في هذا الشأن، وبمقدور الجهات الثورية كذلك أن تلعب دوراً جاداً في هذا المضمار.
والمهم في هذا الشأن هو المركزية في الفكر والعمل، وهذه هي خصوصية القيادة التي تتصدى للفكر وللعمل أيضاً، فإنها ليست لجاناً تنسيقياً وحسب، بل هي مقرٌ ومركزٌ للقيادة. وخلال الجلسة التي تداولنا فيها هذه القضية، ذكرنا الفرق بين المقر واللجان: فالمقر هو مركز قيادة العمليات، كالمقر العسكري، ومعنى ذلك توظيف الأجهزة المختلفة لبلوغ الهدف المنشود. ومن هنا فإنه مركزٌ للفكر، ومركز للعمل كذلك. فعليه تصدير الأوامر، والمتابعة، ومشاهدة النتائج.. هذه هي الأمور التي ينبغي التصدي لها إن شاء الله، وهذا هو توقّعنا، وإني على أملٍ كبيرٍ بأن يتم إنجاز هذا العمل بإذن الله.
علماً بأننا لا نرفع توقّعاتنا كثيراً، فإني على علم بالعقبات والمشكلات، ومنها قلة في الأموال وشحة في الأرصدة، ولكن لا بد من تفادي هذا النقص. فابحثوا عن الموارد الصالحة للاقتصاد، واقتصدوا أينما أمكن ذلك، واصرفوا الأموال التي يتم توفيرها بالاقتصاد في ملء الفراغات. فإن هناك أعمال كثيرة نغدقها بالأموال ويمكننا الاقتصاد فيها.
فاعملوا على تدارك النقص في الأرصدة. وقد يؤول ذلك بالطبع إلى أن تواجه الأجهزة قليلاً من الشدة والصعوبة، بيد أنها مهمة يمكن تطبيقها عملياً بمشيئة الله إذا ما رافقتها الهمة والإدارة الجيدة. وإني على اعتقادٍ بأننا لا نعاني من نقصٍ في الإدارة، والحق يُقال بأن لنا في البلد مدراءٌ من الطبقة الجيدة جداً. ذلك أنني أحمل تجارب لسنوات طويلة، سواء حينما كنتُ في الحكومة، أو في خارج الحكومة مراقباً ومشرفاً على مختلف الحكومات، فالحق والإنصاف أن لنا مدراءٌ من العينة، وهم يتمتعون بإدارة جيدة سواء في الدافع والمحفز، أو في الرؤية والفكر، أو في المبادرة والعمل. فلا شحة لنا في المدير، وإنما نحتاج إلى المتابعة والمركزية، والأساس هو المركزية في اتخاذ القرارات، وفي القيادة، وفي التنفيذ.
وهذا ما ذكرته للسيد رئيس الجمهورية المحترم أيضاً. علماً بأن على كاهل رئيس الجمهورية مهام كثيرة، وحين يشاهد المرء عن بُعد، لا يلتفت إلى سعة الأعمال والنشاطات التي يقوم بها رئيس الجمهورية. فإن إدارة البلاد من مختلف الجهات ليست بالعمل اليسير، وإنما هي عملٌ في غاية العُسر والصعوبة.
وفي عهد حياة الإمام الخميني (رضوان الله عليه) المباركة كان البعض يراجعه، ويشتكي إليه من بعض الأمور التي قد تحدث في البلاد، فكان سماحته يُجيب كراراً بأن إدارة البلد ليست بالعمل الهيّن. وهذا هو واقع الأمر، ولقد جرّبنا إدارة البلد بأنفسنا، وأدركنا بأنها عملٌ عسيرٌ حقاً، وليست بالعمل اليسير.
ومن هنا فإن اهتمامات رئيس الجمهورية ومشاغله كثيرة. وللنائب الأول كذلك مكانة بارزة ومميزة، وبمستطاعه أن يخوض هذه الساحات بصلاحيات تامة وبصورة جيدة إن شاء الله.. هذا ما نتوقّعه، وهذا هو العمل الذي نريد إنجازه. إنني أدافع بكل قوة وأدعم أيّ مبادرة تصبّ في مصالح الناس وتحسين أمورهم، سواء من قِبَل الحكومة أو مجلس الشورى الإسلامي.
والمهم أن يتلمّس المرء بأن العمل الذي يتم إنجازه نافع وناجع للمصالح الوطنية. وفي أيّ موضوع - سواء ما كانت له صلته بالسلطة التنفيذية، أو السلطة التشريعية، أو السلطة القضائية - إذا ما شعرتُ بأن هناك عملٌ يُنجَز للناس ويصبّ في خدمتهم، سأدافع عنه حقاً، وسأوظّف كل ما أحمله أنا العبد الحقير من قوة وطاقة لدعم هذا العمل الذي يدرّ نفعه على الناس ويعالج مشاكلهم.
والقضية الجوهرية هي الاتكاء على أنفسنا.. هذا هو أساس العمل. فلا بد لنا من التوكؤ على أنفسنا، ولا يمكن الاستناد إلى الأغيار والاعتماد على الأجانب. ولقد ذكرتُ كراراً - ولربما أكثر من خمس مرات - في خضمّ المفاوضات النووية بأنه لا يمكن الوثوق بأمريكا. واليوم تلاحظون وتشاهدون الكلمات التي يتبجحون بها، والتصريحات التي يُطلقونها، والأداء الذي يُبدونه، فهي توقيعٌ بالكامل على ما كنت أقوله يومذاك؛ أي أنه لا يمكن الاعتماد عليهم حقاً. فإن الأمريكيين مظهرٌ لسوء الأخلاق وسوء الأداء، ولكن لا يتقصر هذا الأمر عليهم، وهناك غيرهم كذلك من يتسم على غرارهم بسوء الأداء والأخلاق والسلوك، وبالتالي لا يمكن الوثوق بهم.
وما علينا إلا الاعتماد والاتكاء على أنفسنا، والعلم بأننا قادرون، وأن الله سوف ينصرنا. كما في الحديث المروي عن أمير المؤمنين (ع): «فَلَمّا رَأَی اللهُ صِدقَنا أَنزَلَ عَلَینَا النَّصرَ وَأَنزَلَ بِعَدُوِّنَا الکَبت». ذلك أننا إذا نزلنا إلى الساحة وقطعنا الخطى إلى الأمام بصدق، فإن الله سبحانه وتعالى سوف ينصرنا لا محالة.
إن للحياة تقلّباتها، بما فيها الحياة الفردية، ناهيك عن الحياة الاجتماعية وحياة الشعوب. فتارة ما يواجه المرء عقبات وتمرّ عليه أزمات وظروف عصيبة، وتارة أخرى تتفتّح أمامه أبواب الفرج، وبالتالي فإنه يشهد صنوف الظروف. والأساس هو أن نسير على النهج القويم والصراط المستقيم إن شاء الله، وأن نمضي قُدماً في هذا السبيل.
على أي حال، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يمنّ عليكم جميعاً بالتوفيق. وإني أدعو دوماً لجميع المسؤولين في البلد، ولكل من يسير في هذا الطريق ويبذل جهده في أي قطاع وبأي نحو من الأنحاء، علماً بأن دعاءنا لا أهمية له ولا قيمة، ولكننا نعمل بواجبنا وهو الدعاء. وعليكم أيضاً أن تشحذوا هممكم وتبذلوا مساعيكم لبلوغ النتيجة المرجوّة بإذن الله.
وإني أشّدد على قضية الإنتاج، فلا بد من أخذ الإنتاج الداخلي مأخذ الجد، لأنه يمثل المفتاح الأساس لجميع الأمور.
ويجب إيلاء الاهتمام بهذه القضية في كلا القطاعين: وزارة الصناعة والتجارة ووزارة الزراعة.
وسوف يكون الباري تعالى في عونكم إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله.