بسم الله الرحمن الرحيم (1)
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و آله الطاهرين، و لعنة الله على أعدائهم أجمعين.
مرحباً بكم كثيراً أيها السادة المحترمون، و الأخوة الأعزاء. أولاً أقدم التعازي بمناسبة أيام استشهاد سيدتنا الصديقة الطاهرة (سلام الله عليها) لكم جميعاً أيها الإخوة الأعزاء، و أنتم تلامذة هذه المدرسة. و أشير إلى نقطة في هذا الخصوص: ينبغي التنبّه و الحذر من طرح أمور تثير الخلافات في الأيام الفاطمية و بمناسبة استذكار مناقب هذه السيدة الجليلة و ذكر استشهادها. السياسات الدولية المدهشة و الشيطانية اليوم تحاول بجدّ خلق نزاع بين الشيعة و السنة. ثمة اليوم في المنطقة حروب، و أقولها لكم: ليست أيّ من هذه الحروب حرباً عقيدية، إنما هي حروب سياسية بدوافع سياسية و قومية متعددة و ما شابه ذلك، و لا علاقة لها بالدين و المذهب، لكن الأعداء، أي أمريكا و الصهيونية و بريطانيا يحاولون تبديل هذه المعارك و الخلافات إلى خلافات مذهبية طائفية، لأنهم يعلمون أن الخلافات الطائفية المذهبية لا تنتهي بسهولة. و نحن يجب أن لا نساعد على تحقيق هذا الهدف. إن لنا في الوقت الحاضر إلى جانبنا من الإخوة أهل السنة أشخاص يدافعون معنا و برفقتنا عن حرم أهل البيت، فيقاتلون و يعطون القتلى و الشهداء. جاءتني مجموعة من عوائل الشهداء المدافعين عن المراقد، وكانت بينهم عدة عوائل سنيّة. طيب، هذا الأخ من أهل السنة الذي يبعث للجبهة ابنه الشاب للدفاع عن مرقد السيدة زينب أو مرقد أمير المؤمنين أو مرقد سيد الشهداء، ثم عندما يأتي عندنا بدل أن يبدي أسفه و حزنه و ألمه أو عتابه و شكايته يبدي فخره بأنّ ولدي استشهد في هذا السبيل، هل ينبغي أن نزعج هذا الشخص؟ هل يجب أن نفعل ما يبعده عنا؟
هذه نقاط مهمة و أساسية. من الأولويات الأصلية لمجتمع رجال الدين اليوم أن لا يسمحوا بأن نقوم بكل سهولة بالعمل الذي تحاول أمريكا بمساعي و مشاق كبيرة القيام به، و يحاول الصهاينة بمشاق كبيرة القيام به، تنبهوا إلى هذا الشيء. في سيستان و بلوشستان كان علماء أهل السنة يشجعون الناس على المشاركة في الانتخابات، و هذه الجماعات التكفيرية يهددونهم الآن أنْ لماذا ساعدتم على الانتخابات، فقد قاموا بالتشجيع و الترغيب. الجماعات التكفيرية ليست عدوّة للشيعة فقط بل هي عدوّة للنظام الإسلامي، و هي عدوة لكل من يساعد النظام الإسلامي، ينبغي التنبّه لهذه الأمور. و بالطبع ذكرتُ مراراً إن استعراض التاريخ بمراعاة الموازين و الأدب و الملاحظات المهمة والمصالح، لا إشكال فيه، لكن الحيلولة دون خلق نزاعات و بغضاء من جملة الأمور التي ينبغي الاهتمام بها اليوم غاية الاهتمام.
جلستكم هذه اليوم هي آخر جلسة من أطول دورة في مجلس خبراء القيادة. في هذه السنوات - قرابة تسع سنين كما قال سماحة الشيخ يزدي - عقد هذا المجلس اجتماعات و قام بأعمال و طرح أعضاؤه آراء مهمة كانت سبباً في تأثيرات معينة. و كان هناك راحلون، أظن - كما رفعوا لي من تقارير - نحو سبعة عشر شخصاً من أعضاء هذا المجلس رحلوا عن الدنيا خلال هذه الأعوام. طبعاً سيكون الأمر كذلك حين تبدأ هذه الدورة الجديدة، و هكذا هي الدنيا، البعض يقفون في آخر الخط، و التحرك نحو عالم البقاء تحرك دائمي من قبل كل أبناء البشر، و هذه هي القدرة الإلهية و التقدير الإلهي. يجب أن نحذر و نراقب و نطلب المغفرة لأولئك الراحلين الأعزاء الذين كانوا في هذه الدورة وتحملوا الجهود و شاركوا.
أذكر على الخصوص المرحوم الشيخ طبسي (رضوان الله تعالى عليه) و المرحوم الشيخ خزعلي (رضوان الله تعالى عليه) و قد كان هذان الأخوان الصالحان من الذين حفظوا مكانة الخبرة في مجلس خبراء القيادة بالمعنى الواقعي للكلمة، و خرجوا من الامتحان مرفوعي الرأس حقاً. المرحوم الشيخ طبسي (رحمة الله عليه) سوابقه الكفاحية خلال فترات القمع، و بعد ذلك خدماته في العتبة الرضوية المقدسة و في مجموع قضايا الثورة، واضحة بالنسبة لغالبيتكم، و لكن ثمة نقاط بارزة لا يمكن للمرء أن يتجاهلها، فرحمة الله على هذا الرجل الكبير وأخينا العزيز. لقد أبدى مكانته الثورية بشكل واضح في أكثر المواطن حساسية، و حافظ عليها و أصر عليها و صرح بها. في فتنة سنة 88 [2009 م] ترك المرحوم الشيخ طبسي كل الملاحظات و الاعتبارات جانباً و نزل إلى وسط الساحة. ترك الصداقات و المجاملات و ما شاكل ذلك جانباً، و قد شاهدنا عنه هذه الحالة في أحيان كثيرة، إنسان صريح و مؤمن و قاطع. هذه هي الأشياء التي تبقى لحفظ شخصية الأفراد و لتاريخ حياتهم، و هي تبقى في الحساب الإلهي أيضاً. لم تتغير حياة هذا الرجل المؤمن الجليل طوال فترة مسؤوليته، فقد توفي في نفس البيت الذي كنا قد ذهبنا له مرات و مرات قبل الثورة، في نفس البيت و بنفس الأثاث. يوم لم نكن نجيد الجلوس على الكنبات كان في بيته كنبات. نفس هذه الكنبات لا تزال في بيته الآن بعد أربعين أو خمس و أربعين سنة، و كانوا يستخدمونها نفسها. لم ينمّي حياته و لم يتخذ وضعاً ارستقراطياً. و هذا شيء يؤثر في الناس بالتالي، مع أن الدعايات ضدّه كانت كثيرة و لكن شاهدتم أي تشييع شيّع به أهالي مشهد هذا الإنسان. تشييع جثمان المرحوم الشيخ طبسي و الصلاة عليه كانت مثل أكبر التظاهرات التي حصلت في مدينة مشهد و شاهدناها، ذلك المشهد العظيم الغاصّ بالحشود و كلهم من أهالي مشهد - و لم يكن الموسم موسم زوّار لنقول إن الزوّار جاءوا و شاركوا، لا، بل كانوا أهالي مشهد - جاءوا و قدّروا و ثمّنوا و عرفوا قدر الرجل. رحمة الله على هذا الفقيد العزيز علينا.
وخرج المرحوم الشيخ خزعلي (رضوان الله تعالى عليه) مرفوع الرأس من امتحان من نوع آخر و صعب جداً، فبقي عند كلمته، و ظل ملتزماً بالثورة. حين كانت القضية قضية أقرباء وقف بمنتهى الصراحة و بكل شجاعة. و قد قال لي مراراً و تكراراً أموراً بأنها مسجّلة في صدري و في كتاباتي، و لكنه في العلن أيضاً قال الكثير من الأمور و قد سمعها الآخرون. لقد بقي هذا الرجل ثابتاً على الثورة. هذا ما يمنح الأفراد القيمة، و يمنح الحركة الثورية للأشخاص معناها. رحمة الله عليهم. نرجو أن يستقبلهم الله تعالى برضوانه و رحمته، «كاَنّي بِنَفسي واقِفَةٌ بَينَ يديك فَقَد اَظَلَّها حُسنُ تَوَكلي عَلَيك فَقُلتَ ما اَنتَ اَهلُهُ وَ تَغَمَّدتَني بِعَفوِك» (2). نتمنى أن يشملهم الله تعالى بهذه العبارة من المناجاة الشعبانية (3).
لقد كانت انتخابات هذا العام انتخابات عميقة المعاني و مهمة. مع أنه بذلت كل هذه المساعي و الأعمال ضد هذه الانتخابات و كانت هنا كل هذه النشاطات ضدها، من أجل أن يشككوا في الانتخابات و يقللوا من قيمتها، لكن أربعة و ثلاثين مليون نسمة شاركوا في هذين الانتخابين، أي إن قرابة سبعين مليون ورقة اقتراع ألقيت من قبل أبناء الشعب الإيراني في صناديق الاقتراع. هذا شيء قيّم جداً و له أهمية كبيرة. لقد تألق الشعب حقاً. إثنان و ستون بالمائة من بين من يحق لهم الاقتراع نسبة عالية لو قورنت بكثير من البلدان، لا ببعض البلدان، بل بكثير من البلدان. كما رفعوا لي من تقارير في أمريكا لم تصل إحصائيات مشاركة الشعب في الانتخابات المختلفة سواء انتخابات الكونغرس أو انتخابات رئاسة الجمهورية خلال الأعوام العشرة الأخيرة، لم تصل إلى أربعين بالمائة. هذه المشاركة الجماهيرية الشعبية لها معاني كثيرة، و لقد أبدى الشعب ثقته بالنظام الإسلامي بالمعنى الحقيقي للكلمة و أثبت هذه الثقة عملياً. كانت هذه من النقاط المهمة.
طيب، في كل الانتخابات يحصل البعض على الأصوات و لا يحصل عليها البعض الآخر، و لهذا أسباب متعددة. أجد لزاماً على أن أتقدم بالشكر للذين كانوا موجودين في هذه الدورة ذات الأعوام التسعة و بذلوا الجهود و لن يكونوا موجودين في الدورة الآتية. طبعاً بعض شخصياتنا الكبيرة لا يمسّ حصولهم أو عدم حصولهم على الأصوات بشخصياتهم أبداً. البعض يستفيد مجلس خبراء القيادة من وجودهم فيه، لا أنهم هم الذين يستفيدون من وجودهم في مجلس خبراء القيادة. من أمثال سماحة الشيخ يزدي أو سماحة الشيخ مصباح. ثمة أشخاص حين يكونون موجودين في مجلس خبراء القيادة يكتسب المجلس رصانة أكبر. و عدم وجودهم في مجلس خبراء القيادة لا يضرّهم أبداً. نعم، عدم وجودهم خسارة لمجلس خبراء القيادة. الشخصية البارزة للأشخاص رهن بمعنوياتهم و بأرصدتهم المعنوية. نتمنى من الله تعالى أن يوفق الذين سيكونوا موجودين في هذه الدورة الجديدة و لم يكونوا في السابق و يوفّق كل مجلس خبراء القيادة إن شاء الله.
الانتخابات في بلادنا - بما فيها هذه الانتخابات - لها خصوصيات، أذكر بعض هذه الخصوصيات التي أعتبرها مهمة. الخصوصية الأولى هي أن الشعب يتمتع بحرية عمل في مشاركته في هذه الانتخابات و باقي انتخابات البلاد. الانتخابات في بعض البلدان إجبارية، وهي إجبارية حتى في البلدان الغربية الأوربية و غير الأوربية، بمعنى أن عدم المشاركة في الانتخابات تكلف المواطنين و تترتب عليها تكلفة، أما عدم المشاركة في الانتخابات في بلادنا فلا تترتب عليها أية تكاليف، يشارك أبناء الشعب بحرية و بدوافع و برغبة و بأفكار، وهم يتحركون وراء الأفكار. هذا شيء قيم جداً.
النقطة الثانية التي كانت في غالبية الانتخابات في بلاىنا، و كانت مشهودة في هذه الانتخابات أيضاً على نحو واضح هي الطابع التنافسي للانتخابات. جرت محاولات للقول إن الانتخابات غير تنافسية لكن هذا بخلاف الواقع و قد كانت الانتخابات تنافسية. شاركت التيارات المختلفة و الأفراد المتنوّعون برايات متعددة، و أسماء متنوعة، و شعارات مختلفة، و قالوا كلماتهم، و وضعت مؤسسة الإذاعة و التلفزيون تحت تصرف مرشّحي مجلس خبراء القيادة، و عمل مرشحو مجلس الشورى الإسلامي دعاياتهم في المدن، و عمل ما استطاعوا أن يعملوه. إذن، الانتخابات كانت تنافسية تماماً، و ما نتج عنها هو حصيلة تنافس كامل.
خصوصية أخرى مهمة و جديرة بالتنبّه و يجب أن نشكر الله عليها حقاً هي الأمن و الهدوء الذان سادا أجواء الانتخابات، حتى في المواطن التي توفرت فيها دوافع الاختلاف، مثل الحالات التي توجد فيها عوامل قومية أو اختلافات بين مدينتين، أو تنافس بين مدينتين، و لدينا أمور من هذا القبيل في أنحاء البلاد، و لكن لم يقع أي حدث سلبي في أي مكان. و الأمر واضح في المدن الكبيرة و أمثالها، و كذلك الحال في أنحاء البلاد و أصقاعها، لم يقع حدث يشوّه أجواء الانتخابات و يضرّ بأرواح الأفراد لا سمح الله. لاحظوا الأجواء التي تحيط بنا في الوقت الحاضر، في شرقنا و في غربنا و في شمالنا و في جنوب بلادنا، حيث تعاني المناطق انعدام الأمن. لا أنهم لا يستطيعون أقامة انتخابات هادئة و سليمة فقط، بل لا يتمتعون حتى بحياة سالمة و هادئة. عندما يخرج الفرد من البيت لا يدري هل سيعود أم لا. هكذا هو الوضع الأمني في البلدان المحيطة بنا تقريباً. و تقام في بلادنا و الحمد لله انتخابات بهذه العظمة و بهذه المشاركة الواسعة، و قد كان الناس في طهران ينتخبون من الساعة الثامنة صباحاً حتى الثانية بعد منتصف الليل. وصلتني تقارير أنه في بعض المراكز الانتخابية في طهران لم يستمر الاقتراع حتى الثانية عشرة فقط، بل كان الناس يأتون حتى الساعة الثانية بعد منتصف الليل و يقترعون و يعودون، بمنتهى الهدوء و بمنتهى الأمن. هذا شيء مهم جداً، هذا رصيد للبلد و نعمة إلهية كبيرة يجب أن نعرف قدرها. و علينا حقاً أن نقدم الشكر للذين استطاعوا تحقيق هذا الأمن لنا من وزارة الداخلية إلى قوات الشرطة و الحرس الثوري و التعبئة و الآخرين المؤثرين في هذه القضية.
وخصوصية أخرى في هذه الانتخابات هي أنها مثل باقي الانتخابات في إيران كانت نزيهة و تتصف بالأمانة. بمعنى أن الانتخابات أقيمت بأمانة و سلامة، و هذا على الضدّ تماماً من الشيء الذي روّج له أعداؤنا دائماً طوال هذه السنين، و هذه الدعايات كانت تشتد غالباً في مواقيت الانتخابات، فيقولون إنهم يخونون و يستخرجون اسم فلان و يضعون أصوات فلان مكانه. سمعتم مثل هذا الكلام، فهو ما كان يقوله البعض دائماً في الخارج، و البعض في الداخل يكرره و يعيد إنتاجه. مع ذلك كانت الانتخابات نزيهة و الحمد لله، و قد كانت نزيهة دائماً. لقد دلّ هذا على عدم اعتبار كلام و أفعال الذين اعتبروا انتخابات سنة 88 غير معتبرة، و خلقوا للبلاد تلك الفتنة الضارّة الرهيبة، لأنهم اتهموا البلاد بأن الانتخابات انتخابات غير نزيهة، لا، كانت الانتخابات نزيهة، و هي اليوم نزيهة كما كانت نزيهة في السنين الماضية، وكانت نزيهة في سنة 88 و كانت نزيهة في سنة 84 أيضاً. كانت الانتخابات سليمة. لم يحدث مثل هذا الشيء أبداً. نعم، قد تتغيّر في مكان ما و في صندوق ما عشرة أصوات أو عشرون صوتاً أو مائة صوت، إمّا بسبب الغفلة أو عن غرض معين، و لكن لم تكن في بلادنا أية حركة منظمة تغيّر نتيجة الانتخابات، و لا توجد الآن أيضاً، و نتمنى أن لا توجد بعد الآن أيضاً على الإطلاق إن شاء الله.
نقطة أخرى اتضحت هي الأخرى في هذه الانتخابات و عبّرت عن نفسها بشدة، هي السلوك النجيب تماماً للذين لم يحرزوا الأصوات. لو قرّر الذين لم يحرزوا الأصوات أن يعترضوا و يتشاجروا و يشتكوا و يعتبوا و يتحدثوا عبر مكبّرات الصوت لما بقي الوضع هادئاً مستقراً، و ستحدث اضطرابات طبعاً. و قد قال سماحة الشيخ يزدي (أدام الله بقائه) نفسه في بداية اجتماعكم هذا، و سبق أن قال و أبدى فرحه ورضاه و بارك للذين حازوا على الأصوات. هذا شيء مهم جداً و عظيم و قيّم، و يجب معرفة قدر هذه القيم. بخلاف السلوك غير النجيب للذين تصرّفوا في سنة 88 حيث أطلقوا معارك لأنهم لم يحرزوا الأصوات و جرّوا الناس إلى الشوارع و دفعوا الأمر إلى الاشتباكات وخلقوا للبلاد تكلفات، و جعلوا العدو يتجرّأ و أثاروا طمعه. حدثت هذه الأعمال. و قد أطفأ الله تعالى تلك الفتنة، و إلّا لم تكن تلك الفتنة التي أطلقوها فتنة صغيرة. هذه أيضاً خصوصية أخرى.
ومن بين الذين كانت لهم مشاركة فاعلة في أمن الانتخابات لم أذكر اسم وزارة الأمن لذلك أعتذر منهم، فقد كانت مشاركتهم مشاركة مؤثرة للغاية في توفير الأمن و الحيلولة دون بعض الأحداث التي كان يمكن أن تقع.
ما يجب أن أقوله في تلخيص هذا الجانب من الكلام هو أن الشعب أثبت في هذه الانتخابات ثقته بالنظام الإسلامي و تبعيته للنظام الإسلامي، و أثبت أنه يتبع الجمهورية الإسلامية، و يوافق قوانين الجمهورية الإسلامية، و يعمل و يتصرّف طبقاً لهذه القوانين. هذا شيء قيّم للغاية، و هو على العكس تماماً من الشيء الذي يريده أعداؤنا، حيث يرمون إلى إيجاد استقطاب ثنائي بين الحكومة و النظام من جهة و بين الشعب من جهة ثانية. و بدل أن يتكلم الشعب و يقول جاء إلى الساحة و أثبت عملياً أن الأمر ليس كذلك. و طبعاً قبل ذلك كانت تلك المظاهرات في الثاني و العشرين من بهمن بتلك العظمة و بذلك الحماس و الاندفاع، هكذا هو الشعب حقاً. و عليه فإن مساعي العدو لإسقاط اعتبار الانتخابات لم تؤت نتائجها لحسن الحظ و تمت الانتخابات بمنتهى الاعتبار و المصداقية.
ثمة نقطة هنا و هي أن البعض - و يجب القول إنهم من باب الاتباع غير العمدي و غير المتفطن للعدو - يوجّهون بعض الإشكالات لمجلس صيانة الدستور و يحمّلونه المسؤولية فيها، و أنا عاتب حقاً على هؤلاء الأشخاص. لقد قام مجلس صيانة الدستور بواجبه بجدّ و جهد كبير و مساعي حثيثة. أنتم أيضاً إذا كنتم في مكان مجلس صيانة الدستور لن تعملوا بغير هذا. يجب على مجلس صيانة الدستور أن ينظر في إثني عشر ألف ملف خلال عشرين يوماً كما أشار الآن سماحة السيد شاهرودي. هذا إشكال في القانون، و إذا زال هذا الإشكال القانوني فسوف يزول ذلك الإشكال المترتب عليه. فلماذا ننسب ذلك الإشكال القانوني لمجلس صيانة الدستور؟ يتحدث السادة عن إحراز و عدم إحراز الأهلية، و أنا أتعجب من البعض الذين يطلقون هذا الكلام. إنكم جميعاً من أهل الفضل و العلم، فهل يمكن تأييد شخص من دون إحراز أهليته و توفر الشروط فيه لمسؤولية معينة؟ من دون أن تتأكدوا من أنه يتوفر على الشروط القانونية لهذه العملية هل بمقدوركم تأييده و تزكيته؟ هل سيكون عندكم جواب أمام الله تعالى؟ لا تستطيعون. أنتم أيضاً لو كنتم في مكان مجلس صيانة الدستور لا تستطيعون. إذا لم يحرز مجلس صيانة الدستور أهلية شخص فهو مضطر للقول بأنني لم أحرز. و عندما لا يحرز أهليته فإنه سوف يرفضه طبعاً. هذا ليس إشكالاً يمكن توجيهه لمجلس صيانة الدستور. إذا أردتم أن يكون لمجلس صيانة الدستور فرصة التأكد و الإحراز فيجب أن تصلحوا القانون. يجب إصلاح القانون - و سبق أن قلنا هذا مراراً، و الأشخاص الآن يفكرون بذلك و عسى أن يستطيعوا ذلك إن شاء الله، و قد طرحنا بالطبع السياسات الكلية للانتخابات و بعثناها لمجلس تشخيص مصلحة النظام، و قد ناقشوها هناك، و إذا تم إنجاز عمل صحيح على أساسها فلا نقاش في ذلك - و لكن بهذا القانون الموجود حالياً سيكون هذا هو الوضع، و لا محيص أمام مجلس صيانة الدستور، و لا يمكنه تأييد وتزكية شخص لم يتأكد من توفره على الشروط اللازمة. يجب عليه التأكد.
أنتم تقولون إن القانون نصَّ على هذه المصادر الأربعة (4)، طيّب - و هذا بحد ذاته محل بحث - لنفترض أنه ذكر هذه المصادر لكسب المعلومات. إذا كنتَ حضرتك المسؤول تعلم عن طريق من الطرق أن هذا الشخص غير صالح فهل تستطيع أن تزكّيه و تؤيّده؟ لا تستطيع أن تؤيّده، و لن يكون لك جواب أمام الله تعالى، فلماذا تشن كل هذه الهجمات على مجلس صيانة الدستور؟!
طبعاً البعض حينما ترفض أهليتهم في مجلس صيانة الدستور يتألمون، و هذا التألم مفهوم و مقبول. أنا أيضاً إذا قيل عني «إنكم لا تمتلك الأهلية لعمل معين» قد أتألم، و لكن هل ينبغي أن نثير ضجيجاً عندما نتألم؟ إذا تألم الإنسان و كان هناك طريق قانوني فعليه الاستعانة بذلك الطريق القانوني. أتعجب من البعض حين يتجهون نحو الكتابة في الصحف و نحو أعمال أخرى هنا و هناك ضد مجلس صيانة الدستور أنْ لماذا رفضتنا و نحن صالحون. طيب، أنت صالح، و إذا أخطأ مجلس صيانة الدستور فيجب أن تراجعهم و عليهم أن يؤدّوا واجبهم طبق القانون، و إذا لم ينفع فيجب عدم تشويه صورة مجلس صيانة الدستور. ليتنبّه الجميع! مجلس صيانة الدستور من المراكز الأصلية التي أراد الاستكبار تشويهها و هدمها منذ بداية الثورة. إنه من المراكز المهمة المعدودة التي حاولت الأجهزة الدعائية الشيطانية الصهيونية و الأمريكية و الاستكبارية منذ مطلع الثورة أن تخرّبه و تشوّه سمعته. يجب أن لا نساعدهم في ذلك و نقوم نحن أيضاً بتشويه سمعة مجلس صيانة الدستور بسبب رفض الأهليات. نعم، قد تكون لدينا مؤاخذاتنا و عتابنا أو تكون هناك مشكلة، يجب أن نطرح المشكلة، و لكن ينبغي أن لا نشوّه سمعة مجلس صيانة الدستور. ينبغي أن لا نهدم هذا المركز الأساسي من المراكز القانونية. تشويه وجه و سمعة مجلس صيانة الدستور هو بحق عمل غير إسلامي و غير شرعي و غير قانوني و غير ثوري.
طيّب، لقد تألق الشعب خير تألق. و قام الشعب بالفعل الذي كان متوقعاً منه القيام به. و الآن حان الدور لنا، حان الدور لمجلس خبراء القيادة للنهوض بواجباته، و حان الوقت لمجلس الشورى الإسلامي للقيام بوظائفه، و الدور أيضاً للحكومة المحترمة كي تعمل بواجباتها، ثمة واجبات على عاتقنا. نزل الشعب إلى الساحة و عيّن نوابه. و اعتقد أن مجلس خبراء القيادة هو المكان الأهم الذي ينبغي أن يتفطن لواجباته. إذا أردتُ أن أتحدث عن واجبات مجلس خبراء القيادة بكلمة واحدة فستكون تلك الكلمة هي أن هذا المجلس يجب أن يبقى ثورياً، و يفكر ثورياً و يعمل بشكل ثوري. هذه خلاصة الفكرة. و يمكن قول الكثير في تفسير هذه الفكرة. من ذلك أن تأخذوا الله بنظر الاعتبار في انتخاب القائد القادم. ليس احتمالاً قليلاً أن تبتلى هذه الدورة التي ستبدأ بعد فترة بهذا الاختبار. عندما يراد اختيار قائد يجب أن يتركوا المجاملات والملاحظات جانباً و يأخذوا الله بنظر الاعتبار و ينظروا إلى الواجبات و يعتنوا بحاجة البلاد، فيتم اختيار القائد على هذا الأساس. هذا هو الواجب الأهم في رأينا، فليراقبوا و ليدققوا. إذا حصل تقصير في هذه المرحلة و في هذا الواجب الكبير فسيحدث إشكال في أساس العملية. هذه هي أهم مسألة يجب أخذها بنظر الاعتبار.
وطبعاً ما عدا هذا الواجب ثمة واجبات أخرى ملقاة على عاتق مجلس خبراء القيادة. و كما أشار السادة فمجلس خبراء القيادة مكوّن من شخصيات كبيرة و علماء و شخصيات بارزة في المحافظات، و بوسع هؤلاء المبرّزين أن يؤثروا، و يمكنهم أن يسمعوا كلام الناس ويطرحوه هنا، فيكون مجلس خبراء القيادة واسطة بين مطاليب الناس و إراداتهم و بين المسؤولين المحترمين في الحكومة أو في الجهاز القضائي. هذه إحدى المهام و الأعمال. أو أن يبينوا الحقائق و الأمور المهمة للناس في ضوء موقعهم الخبروي و شخصياتهم الحقيقية. سواء في صلوات الجمعة أو في مواطن أخرى. هذه النقطة التي ذكرها سماحة الشيخ يزدي في ختام كلمته نقطة واضحة، واجبنا الرئيس عبارة عن التبيين، يجب أن نبيّن. و هذا التبيين و الإيضاح يمكن أن يتم بأشكال مختلفة. ذلك الشكل الذي يخلق فتنة و معركة ليس شكلاً محبذاً. و الشكل الذي يوفّر للشعب التوعية و المعرفة و يحقق للمسؤولين التنبّه و التفطن لطرق الحل، ذلك هو الشكل المحبذ جداً. و لا إشكال في ذلك. ليحافظوا على موقعهم القانوني. من الحسن التعبير عن المواقف، و بالطبع قلنا إن التعبير عن المواقف ممكن على نحوين. النحو الذي يؤدي إلى الفساد ينبغي أن لا يحصل، و لكن التعبير عن الحقائق بحيث تحصل توعية الشعب و المسؤولين إلى درجة تستدعي شكر المسؤولين فهذا هو الشكل المحبذ الصحيح. أحياناً يطلق الإنسان كلاماً فيشكر المسؤولون قائله مع أنه كلام نقدي. حدث كثيراً بالنسبة لنا أنْ قال المسؤولون إنّ هذه النقطة التي ذكرتموها سهّلت عملنا و نستطيع أن نقوم بأعمالنا. قد يشكرونكم. هذه أيضاً نقطة. إذن، ما نروم قوله في خصوص مجلس خبراء القيادة هو عدم إشراك المصالح الشخصية و عدم إشراك المجاملات، لنأخذ بنظر الاعتبار الحقيقة صراحة و الواجب الذي ينبغي على الإنسان أن يجيب به الله تعالى، لنتذكّر سؤال الله منّا.
وقلنا أيضاً حول مجلس الشورى الإسلامي، لقد شجعتُ طوال سنين متمادية في دورات مختلفة من مجلس الشورى الإسلامي و الحكومات المتعددة، شجعتُ مجلس الشورى الإسلامي دائماً على مواكبة الحكومة و مساعدتها، و الآن أيضاً اعتقد أن مجلس الشورى يجب أن يساعد الحكومة و يمهّد لها الطريق للتنفيذ، لأن التنفيذ ليس عملية سهلة، بل هو عملية صعبة. طبعاً تشريع القوانين عملية مهمة لكن التنفيذ يعني السير في الطرق الوعرة و رفع الموانع و العقبات و اجتياز العقبات. إنه ليس بالعمل السهل و يجب على الجميع مساعدته. لكن هذا لا يعني أن يغضّ مجلس الشورى الإسلامي الطرف عن واجباته، لا، يجب مراعاة الواجبات القانونية لمجلس الشورى الإسلامي بالكامل. الأمور الواضحة في القانون و ما رسمه القانون من وظائف لمجلس الشورى الإسلامي - في دستور البلاد غالباً و في القوانين العادية - يجب مراعاتها تماماً و ينبغي عدم صرف النظر عنها، و لكن لتكن النية و الأساس هو مساعدة الحكومة و مواكبتها و التعاون معها. هذان الأمران غير متناقضين.
وهناك نقطة ننبّه لها المسؤولين الحكوميين. لحسن الحظ رئيس جمهوريتنا المحترم حاضر هنا، و نحن طبعاً نذكر له النقاط و التنبيهات التي تبدو لنا ضرورية في الجلسات الخاصة، و هذه أيضاً فرصة جيدة. لتأخذ الحكومة أولويات البلاد بنظر الاعتبار. إن لدينا أولويات. طبعاً الاحتياجات كثيرة، و ساحة احتياجات البلاد ساحة واسعة، أي إنه قد لا يمكن تعداد الاحتياجات، و لكن طبق القاعدة العقلائية يجب أخذ الأولويات و الأمور الفورية أو المسائل الأكثر جذرية و أساسية بنظر الاعتبار. يبدو لي أن هناك ثلاثة مسائل أهم من غيرها من حيث الأولوية و الجذرية و من حيث مساعدتها على حلّ المشكلات الأخرى. إحدى هذه المسائل هي الاقتصاد المقاوم. البلد لن ينمو من دون الاقتصاد المقاوم، و لن تحلّ مشكلاته الاقتصادية، بل ستزداد مشكلاته يوماً بعد يوم ما لم نعمل بالاقتصاد المقاوم. لقد طلبتُ من أخوتنا الأعزاء في الحكومة أن يؤسسوا مقراً للاقتصاد المقاوم و يجعلوا له قائداً و آمراً. إنها بالتالي حرب، و الحرب الاقتصادية حرب، و لكن ليس فيها مدافع و رصاص و بنادق، إنما توجد فيها أدوات أخطر من المدافع و البنادق. إنها حرب و لا بدّ لها من مقر، و المقر لا بدّ له من قائد. اقترحنا هذا و قبلوا و هناك أعمال تجري و تحصل، و لكن يجب أن تكون هذه الأعمال محسوسة و مرئية و تشاهد. النشاطات الحكومية - مثلاً المعاملة الفلانية التي تحصل في المكان الفلاني - يجب أن يتضح أين موقعها من الاقتصاد المقاوم. هذا ما نبّهنا له المسؤولين الأعزاء بأنكم في الموضع الفلاني تشترون الشيء الفلاني أو تتعاملون بالشيء الفلاني، طيب، أين تقع هذه المعاملة في الجدول العظيم للاقتصاد المقاوم؟ يجب تشخيص هذا الشيء. بمعنى أنه يجب أن يكون معيار كل أعمالنا و نشاطاتنا الاقتصادية هو الخطة العظيمة و الشاملة للاقتصاد المقاوم. و لم أذكر أنا فقط الاقتصاد المقاوم، إنما تم تنظيم هذه الخطط بعقل و أفكار جمعية، ثم أيّدها الجميع دون استثناء - من موافقين و مخالفين - و قالوا إن الاقتصاد المقاوم هو السبيل الوحيد لإنقاذ البلاد. إذن، هذه واحدة من الأولويات الثلاثة.
الأولوية الثانية هي القفزة العلمية. يجب أن لا نسمح بتوقف القفزة العلمية. إذا خاض البلد في العلم و تقدم بالعلم إلى الأمام فسيكون سيداً مرفوع الرأس، فالعلم سلطان (5) بالمعنى الحقيقي للكلمة. إذا كنا نطلب الاقتدار و العزة و إذا كنا نطمح إلى أن نكون مرجعية لمراجعات البلدان و الحكومات، لا أن يكونوا هم مرجعية مراجعاتنا، فيجب أن نقوّي العلم و نعزّزه، و هذا شيء ممكن و عملي. طرحتُ منذ نحو أربعة عشر أو خمسة عشر عاماً قضية العلم و اجتياز حدود العلم الحالية و الإبداع العلمي، و قال البعض إن هذا غير متاح، و جاء البعض و قالوا في التلفزيون إنّ هذا غير ممكن. و تلاحظون اليوم إنه حصل و قد اعترف الجميع بأنه حصل. سرعة تقدم البلاد من الناحية العلمية أكثر بمرات من متوسط السرعة العلمية العالمية. و طبعاً لأننا متأخرون جداً فيجب أن تستمر سرعة التقدم هذه لسنين لنصل إلى تلك الخطوط الأمامية. لكن هذه السرعة كانت أكبر و قد انخفضت الآن. و قد حذّرت من هذا الانخفاض، و لكن البعض اعترضوا. قرأتُ اليوم أو بالأمس في الأخبار إن وزير العلوم قال إن سرعة التقدم العلمي قد انخفضت، لاحظوا! هذا ما قلناه قبل نحو ستة أو سبعة أشهر في كلماتنا، و لم يرق هذا الكلام للبعض و اعترضوا، لكن وزير العلوم الآن يقول إن سرعة التقدم العلمي قد انخفضت. يجب أن لا نسمح بانخفاضها. ينبغي متابعة التقدم العلمي بمنتهى الجد. إذا تابعنا التقدم العلمي فسيكون الاقتصاد ذو المحور و الأساس العلمي - و الاستثمار فيه قليل بينما نتائجه و حصيلته كبيرة جداً - في أيدينا و تحت تصرفنا.
والأولوية الثالثة هي الصيانة و المناعة الثقافية. أريد أن أقدم إيضاحاً بخصوص المناعة الثقافية، ثم سأدلي بمزيد من الإيضاحات. وسيطول بنا المقام بعض الشيء، و لكن تفضّلوا بالصبر. علينا أن نجعل البلاد و الشعب و الشباب أصحاب مناعة من الناحية الثقافية، و هذا بحاجة إلى برمجة و تخطيط. ينبغي أولاً أن نوافق على هذا الهدف و نؤمن به، و بعد أن آمنا به نتحرك صوب البرمجة لهذا العمل. ليس هذا الأمر أمراً يتوفر لنا هكذا بعدة محاضرات و تأليف عدة كتب. عملية المناعة و التحصين الثقافي يحتاج إلى عمل و خطط و برمجة.
وستكون حصيلة هذه الأعمال التي ذكرناها هو تقدم البلاد، طبعاً إذا عملنا بها. بالدرجة الأولى إذا أخذ البلد هذه الأولويات الثلاثة - و هناك أمور لاحقة يجب أن تنجز هي الأخرى لكن الأهم بالدرجة الأولى هي هذه الأولويات الثلاث - بنظر الاعتبار فسوف يتقدم إلى الأمام. ومرادنا من التقدم ليس التقدم الصوري بل التقدم الحقيقي. التقدم الصوري هو أن نمنح الاقتصاد ازدهاراً ظاهرياً، و نستورد بعض البضائع، و نضفي بعض البهارج و الرونق، هذا سيكون تقدماً صورياً و لا فائدة منه. و قد يحقق هذا للناس بعض الرضا المؤقت لكنه سيكون في ضرر البلاد على المدى البعيد و في نهاية المطاف. التقدم يجب أن يكون حقيقياً و عميقاً و معتمداً على أسس و ركائز داخلية متينة. سيكون هذا تقدماً، تقدماً واقعياً. سمعتُ بالأمس أن هذا القيادي المحترم في حرس الثورة (6) الذي كان يتحدث في التلفزيون حول هذه الصواريخ و ما شاكل يقول إنهم حتى لو بنوا أسواراً حول بلادنا بالكامل بحيث لا يدخل أي شيء و لا يخرج أي شيء فلن نعاني مشكلة في صناعة هذه الصواريخ. هذا هو معنى التقدم. يجب أن تعملوا و تتحركوا بحيث حتى لو فرضوا حظراً و ضغوطاً لا يمكنهم إيقاف تقدمكم، بل ينبغي أن يشعر ذلك العدو أنه بحاجة إلى التقدم نحو الأمام. إذا أردنا تحقق هذا التقدم الحقيقي فيجب أن نحافظ على خصوصياتنا الثورية و نحافظ على حركتنا الجهادية و نصون عزتنا و هويتنا الوطنية و لا نذوب في الهاضمة الثقافية و الاقتصادية العالمية الخطيرة. إذا راعينا هذه الأمور فسنصل لهذه النتائج و ستصلح الأمور.
طرحتُ قبل الانتخابات قضية النفوذ و التغلغل. أيها السادة، إن قضية التغلغل هذه قضية مهمة. التغلغل قضية مهمة، و حين أطرح هذه القضية فليس لأن احتمالاً ما يخطر ببالي بأنهم قد يتغلغلوا، لا، إننا مطلعون على الكثير من الأشياء. إننا نطلع على الكثير من الأحداث التي تقع في البلد و التي غالباً ما لا يعلمها عموم الناس أو حتى الكثير من الخواص. إنني أقول عن اطلاع بأن مخططات النفوذ و التغلغل في البلاد مخططات جادة للاستكبار، و هي مخططات جادة للأمريكان، إنهم يتابعونها من أجل أن يتغلغلوا. لا نقع في الخطأ، هذا التغلغل ليس من أجل أن يحدث انقلاب في مكان ما، لا، يعلمون إن الانقلاب لا معنى له في إيران و في الجمهورية الإسلامية بالبنية التي للجمهورية الإسلامية. في أماكن قد يتغلغلون في القوات المسلحة من أجل أن يقوموا بانقلاب، فيخرجوا شخصاً و يأتوا بشخص، لا، هذا التلغلغل ليس من أجل الانقلاب، إنما هو لأجل هدفين آخرين. أحد هدفي هذا التغلغل هو المسؤولون، و الهدف الثاني هو الشعب. لماذا يستهدفون المسؤولين بتغلغلهم هذا؟ ما الغاية من ذلك؟ الغاية هي أن يغيّروا حسابات المسؤولين، بمعنى أن يصل مسؤولو الجمهورية الإسلامية إلى نتيجة فحواها أن يشعروا في ضوء التكاليف و المنافع أن عليهم القيام بالخطوة الفلانية و عدم القيام بالخطوة الفلانية. التغلغل هو من أجل أن يستنتج المسؤولون هنا أن عليهم قطع العلاقة الفلانية و إيجاد العلاقة الفلانية. التغلغل من أجل تغيير هذه الحسابات في أذهان المسؤولين و المدراء. و عندئذ إذا كانت النتيجة أن تقع أفكار المسؤولين و إراداتهم في يد العدو فلن يعود ضرورياً أن يتدخل العدو مباشرة، لا، سيتخذ مسؤول البلاد نفس القرار الذي يريده العدو. عندما تتغيّر حساباتي سأتخذ قراراً يريده هو، و سأقوم له مجاناً بالعمل الذي يريده، و أحياناً من دون أن أشعر أنا - أي في الغالب بدون أن أشعر - سأقوم بذلك العمل. إذن، يحاولون تغيير حسابات المسؤولين. و بالتالي فالمسؤولون هم المستهدف الأول.
والمستهدف الثاني هو الشعب. معتقدات الشعب يجب أن تتغير، الاعتقاد بالإسلام، و الاعتقاد بالثورة، و الإيمان بالإسلام السياسي، والاعتقاد بأن الإسلام له واجبات عامة ما عدا واجباته الشخصية، و فيه حكم و فيه بناء مجتمع و فيه بناء حضارة، يريدون تغيير هذه المعتقدات وإحلال عدم الإيمان بها محلها. يريدون إزالة هذه الأشياء من أذهان الشعب و الإتيان بعكسها في محلها.
يرومون تغيير الإيمان بالاستقلال. و بالطبع هناك بعض الأشخاص يتصرفون بطريقة ساذجة، نشاهد في بعض الصحف أحياناً، يعتبرون استقلال البلاد أمراً قديماً و بالياً بصراحة و يقولون إن استقلال البلدان لم يعد أمراً مهماً في الزمن الحاضر. ما معنى هذا؟ معناه أن هناك في الخارطة الجغرافية للعالم قوّة هي التي تتخذ القرارات و الكل يعملون بهذه القرارات - مثل الحرارة المركزية - ينتج مكان ما شيئاً ما ويستهلك الباقون ذلك الشيء. يروّجون لهذا الشيء و يشيعونه. هذا هو معنى النفوذ. هذه عملية تحصل و في طور التنفيذ.
من الأمور التي يستهدفها التغلغل في أذهان الشعب هو أن ينسى الناس خيانات الغرب. أيها السادة، لقد تضررنا من الغرب. في الإعلام العالمي يشددون على السؤال لماذا يعارض البعض في الجمهورية الإسلامية - و أحياناً يذكرون اسمي على وجه الخصوص - الغرب، ولماذا يعارضون أمريكا؟ يجب أن لا ننسى ما الذي فعله الغرب بنا. إنني لا انحاز لقطع العلاقات مع الغرب - و سوف أتحدث عن هذا الجانب أيضاً - و الكل يعلم بهذا. لقد كنتُ رئيساً للجمهورية لمدة ثمانية أعوام، و قد جالستُ هذه البلدان و هؤلاء الرؤساء و تحاورت و تحدثت معهم. و نفس الحالة قائمة الآن أيضاً، الآن أيضاً من جملة برامج ضيوف السيد رئيس الجمهورية اللقاء معي، و لا نتسابب أو نتشاتم في أحاديثنا، بل نتحاور و نتفاهم. إننا لا نعارض التواصل و العلاقة مع الغرب، لكن المسألة هي أن نعلم مع من نتعامل و نعلم من هو الجانب الآخر أمامنا.
الغرب و البلدان الغربية بدأت نشاطاتها ضد بلادنا منذ أواسط العهد القاجاري. ضعف الملوك القاجاريين أدى إلى أن يكسب الغربيون الامتيازات دائماً و يمارسوا الضغط دائماً و يضيقوا دائرة حياتنا و معيشتنا باستمرار و يوقفوا تقدمنا. بعد ذلك توصلوا إلى نتيجة أن عليهم تنصيب شخص منهم و قد نصّبوه، فقد كان رضا خان رجلهم و منهم. و البعض راح يمسّ و يشكك حتى في هذه المسألة و يقول ليس الإنجليز هم الذين جاءوا برضا خان. هؤلاء ينكرون أمراً بهذا الوضوح إلى درجة أنهم هم أنفسهم يعترفون به و يكررونه، فالبريطانيون أنفسهم يقولونه، و مسؤولو الحكم الطاغوتي أنفسهم يكررونه. واقع الأمر هو أنهم جاءوا برضا خان، و بعد ذلك شعروا أنه قد لا يدور في قبضتهم بالشكل الذي يريدونه، فأزالوه و جاءوا بابنه. و بعد ذلك عندما انطلقت من داخل البلاد حركة باسم النهضة الوطنية قمعوها و خلقوا الثامن و العشرين من مرداد [19 آب 1953 م]. و بعد الثامن و العشرين من مرداد أوجدوا جهاز السافاك الجهنمي. هذا ما فعله الغربيون، هذا ما فعله هؤلاء البريطانيون، و من بعد البريطانيين جاء الدور للأمريكيين. دمّروا زراعة البلد، و أوقفوا التقدم العلمي للبلاد، و سرقوا الأدمغة الناشطة و أخذوها أو أوقفوهها، و جرّوا الطبقة الشابة إلى الفساد و اللاأبالية و الإدمان و شرب الخمر و ما إلى ذلك، هذه أعمال قام بها الغرب في بلادنا. لا نقول إننا لم نكن مقصّرين، لكن إدارة الأمور و تدبيرها كانت في أيديهم و هم من قام بهذا. تقصيرنا هو أننا لم ننهض لعلاج الأمور و لم نعمل على المقاومة. و اليوم أيضاً إذا لم نقاوم ستعود الأمور إلى ما كانت عليه، و سيعود الوضع إلى سابق حاله.
بعد ذلك حدثت الثورة الإسلامية. منذ اليوم الأول للثورة بدأ الغرب بمخالفتنا، و ليست المخالفة و حسب بل عمل على معارضتنا. لقد ساعدوا صداماً و ساعدوا أعداء الثورة في المناطق الحدودية من البلاد، أعطوهم المال و أعطوهم السلاح و أعطوهم المساعدات السياسية والفكرية. و هم الذين كانوا يبثون الإشاعات و التشويه و العداء ضد الثورة و ضد الأجهزة الثورية و ضد شخص الإمام الخميني الراحل (رضوان الله تعالى عليه) و المسؤولين الثوريين. ساعدوا صداماً في الحرب بكل ما استطاعوا. قصف مدننا كان يتم من قبل صدام، لكنهم كانوا هم الداعمين و السند، و لو لم يكونوا هم لما استطاع صدام القيام بذلك. و هم الذين منحوا صداماً الأسلحة الكيمياوية، و منحوه الصواريخ، وأعطوه طائرات ميراج، و هم الذين نظموا له مخططاته الحربية، و قد كانت ساحات القتال تخطط من قبلهم، و كان الأمريكان يعطون للعراق و لصدام الصور الجوية لتحركات جنودنا. هكذا تصرفوا معنا. و بعد ذلك حين انتهت الحرب فرضوا علينا الحظر. إننا لم نخالفهم و لم نعادهم، بل أرسينا بناء و قلنا إننا أوفياء لهذا البناء، و بسبب إننا أرسينا هذا البناء و كان مستقلاً عنهم و غير تابع لهم راحوا يعادوننا. فما نفعل؟
إنني أجد بعض إخوتنا يقولون أحياناً إننا يجب أن تكون لنا علاقاتنا مع كل العالم، نعم، يجب أن تكون لنا علاقات مع كل العالم - طبعاً ما عدا أمريكا و الكيان الصهيوني - ليست لدينا مشكلة في ذلك. أولاً ليس كل العالم أوربا و الغرب. قبل نحو أربعة أعوام و في نفس مدينة طهران هذه ألم ينعقد مؤتمر شارك فيه أكثر من 130 أو 140 بلداً؟ شارك فيه نحو أربعين أو أكثر من رؤساء جمهوريات العالم و رؤساء الحكومات، جاءوا من كل مكان إلى هنا و شاركوا في مؤتمر عدم الانحياز (7). ليست لدينا مشكلة معهم، العالم ليس أوربا فقط، العالم مكان واسع. و القوى اليوم موزّعة في العالم، شرق العالم - أي منطقة آسيا - هي اليوم مركز قوة عظيمة. و لدينا علاقاتنا مع هؤلاء، لا كلام لنا في ذلك. و ليست لدينا مشكلة مع أوربا، إنما الأوربيون هم الذين خلقوا مشكلة معنا. قلتُ لأحد الرؤساء الأوربيين الذي جاء مؤخراً إلى هنا إن على أوربا أن تنقذ نفسها من التبعية لأمريكا في سياساتها. تابع الأوربيون سياسة أمريكا، و هي قد فرضت علينا حظراً فتابعوها في ذلك. و شنت علينا حرباً إعلامية فتابعوها في ذلك. طيب، ما الذي نفعله نحن؟ في أمور و قضايا مختلفة بدأ الأوربيون العداء ضدنا. بخصوص قضية مقهى ميكونوس اتهموا رئيس جمهوريتنا في ذلك الحين، و أرادوا جرّه للمحكمة، طرحوا اسمه كمتهم في المحكمة! طيب، ما الذي نفعله مع هؤلاء؟ نذهب و نتوسّل إليهم؟ نذهب و نقول لتكن علاقتكم معنا أفضل من هذا؟ لم نفعل شيئاً لهم، لكنهم هم الذين يمارسون العداء. إن لم نقف مقابل عداء الأعداء بشجاعة و اقتدار، فسوف يأكلوننا و يبتلعوننا. و حين نقول «نحن» نقصد البلاد و الشعب، و إلّا فشخصي أنا و أمثالي لا أهمية لنا، يريدون ابتلاع البلاد. إننا مسؤولون عن البلاد و عن الشعب و أمام التاريخ، فيجب أن لا نسمح. طيب، إذن هكذا كان سلوكهم معنا.
وقد بدأوا الآن يخططون للتغلغل و النفوذ، و قد وجدوا مختلف أنواع الطرق - و قد فكرتُ و حسبتُ مع نفسي فوجدتُ قرابة عشرة طرق مهمة - للتغلغل في البلاد، و هم يعملون الآن. أحد هذه الطرق الطريق العلمي، عن طريق التواصل مع الجامعات و العلماء و الأساتذة والطلبة الجامعيين - مؤتمرات علمية في ظاهرها لكنها في الباطن من أجل النفوذ و التغلغل - يبعثون العناصر الأمنية إلى هنا. هذا أحد الطرق. و أحد الطرق هو الأساليب الثقافية و الفنية. يعينون موظفاً مباشراً من الأجهزة الأمنية باعتباره شخصاً فناناً لمهرجان الموسيقى مثلاً ليبعثوه، و طبعاً علمتْ وزارة المعلومات لحسن الحظ، و حالت دونه بسرعة. أي تحت عنوان المشاركة في مهرجان فني - مهرجان الموسيقى مثلاً - يختارون شخصاً هو شخص سياسي و أمني مائة بالمائة، باعتباره شخصاً فنياً. طيب، لماذا يبعثونه؟ و النفوذ الاقتصادي من الطرق الأخرى. لديهم أنواع و صنوف متنوعة من الطرق و يجب أن نحذر و ندقق.
طيب، السبيل الصحيح هو أن نقوّي أنفسنا في الداخل و نستغني. العالم يحترم البلد الذي يكون غنياً و قوياً. هم مضطرون لاحترامه. إذا كان بلد إيران الإسلامية قوياً و غنياً، فإن نفس هؤلاء الذين يهددون و يتوعدون اليوم سيأتون ليقفوا خلف بواباتنا يتملقون. طبعاً هذا لم يحدث لحد الآن، و هذه الوفود التي تتردد و تأتي و تذهب الآن لم يكن لها أي معنى إيجابي لنا لحد الآن، و قد يكون لها مثل هذا المعنى في المستقبل - لا أدري - و لكن إلى الآن لم يكن لهذه الوفود التي تأتي و تذهب أي أثر. و هذا ما قلته لأحد هؤلاء السادة الرؤساء الذي جاء إلى هنا قبل فترة وجيزة - و كان الدكتور روحاني حاضراً أيضاً - قلتُ له إن هذه الأمور يجب أن تتبين على الأرض و لا فائدة منها على الورق بأن يجتمعوا و يتحادثوا و يتفاهموا على أمور لا تتحقق لاحقاً، و يشترطونها بموافقة الطرف الفلاني. يجب أن يتضح على الأرض ما الذي يحدث، و ما العمل الذي هو آخذ بالجريان. هذا ما لم يحدث لحد الآن. طبعاً نتمنى أن يحصل هذا الشيء إن شاء الله بالمتابعة التي يقوم بها السادة. تجربة الثورة على مدى سبعة و ثلاثين عاماً تدلنا على أننا يجب أن نقوّي أنفسنا، نقوّي أنفسنا من الناحية الفكرية، و نقوّيها من الناحية السياسية، و نقوّيها من الناحية الاقتصادية، و نقوّيها من الناحية الثقافية، و نقوّيها من الناحية العلمية. و عندما نكون أقوياء فسنكون أعزاء طبعاً. عزة الشعب في العالم اليوم بهذه الأمور.
نتمنى أن يوفّق الله تعالى الجميع. أنا طبعاً أشكر مسؤولي البلاد فهم يبذلون الجهود، و أنا أرى أن الأجهزة المختلفة تعمل و تبذل الجهود و تتحمل المشاق. سيتابعون الطريق الصحيح و الصراط المستقيم و العمل الصحيح بجدّ إن شاء الله، و سوف يمدّ الله تعالى يد عونه إن شاء الله.
و السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
الهوامش:
1 - أقيم هذا اللقاء في ختام اجتماع مجلس خبراء القيادة التاسع عشر في دورته الرابعة. و تحدث في بدايته آية الله الشيخ محمد يزدي رئيس مجلس خبراء القيادة، و آية الله السيد محمود الشاهرودي نائب رئيس مجلس خبراء القيادة مقدمين تقريريهما عن الاجتماع.
2 - مفاتيح الجنان، المناجاة الشعبانية.
3 - تحدث الإمام الخامنئي بهذه العبارات باكياً.
4 - المؤسسات الأربع المتخصصة في الإجابة عن أسئلة الجهات المختصة حول أهلية المرشحين لمجلس الشورى الإسلامي، و هي: وزارة الأمن، السلطة القضائية، دائرة تشخيص الهوية في قوات الشرطة، و دائرة النفوس.
5 - شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 20 ، ص 319 .
6 - الأمير اللواء علي حاجي زاده قائد القوة الجوية و الفضائية في حرس الثورة الإسلامية.
7 - المؤتمر العالمي السادس عشر لدول حركة عدم الانحياز الذي أقيم في طهران من 26 إلى 31 آب/أغسطس 2012.