موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

كلمة قائد الثورة الإسلامية المعظم خلال لقائه جمعاً غفيراً من أهالي محافظة أذربيجان الشرقية بمناسبة الذكرى السنوية لإنتفاضتهم.

كلمة قائد الثورة الإسلامية المعظم خلال لقائه جمعاً غفيراً من أهالي محافظة أذربيجان الشرقية بمناسبة الذكرى السنوية لإنتفاضتهم.


بسم الله‌ الرحمن الرحیم (1)
‌الحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام علی سیدنا محمّد وآله الطاهرین.

أرحّب بجميع الإخوة والأخوات الأعزاء، ولاسيما عوائل الشهداء المبجّلة، والعلماء الكرام، والمسؤولين المحترمين، وكافة أبناء الشعب، والشباب الأعزاء الذين سلكتم هذا الطريق الطويل، ونشرتم اليوم في أرجاء هذه الحسينية عَبَق الإيمان والحماس والاندفاع المختص بكم، وأوجّه سلامي إلى كافة أهالي تبريز وقاطبة أهالي أذربيجان.
الحق يُقال إن يوم التاسع والعشرين من بهمن ]18/2/1978[ في كل عام يعتبر بالنسبة لنا - أي بالنسبة لي أنا الحقير - يوماً عذباً ومحموداً، حيث نعيد عن كثب ذكريات ما كنا دوماً نشهده ونلمسه ونعرفه عن أهالي أذربيجان وتبريز الأعزاء، والتي تتمثل في نفس ذلك الحماس والاندفاع والإيمان والنشاط والوعي. 
إن الميزة الكبرى التي تمتاز بها أي مجموعة من الناس، هي أن تكون واعية، يَقِظة، ثابتة الجأش، مُبدعة في إنجازاتها، تعرف الطريق، ولا تهاب المخاطر المحدقة بالمسير، وتحثّ الخطى نحو الأمام، وهذا كله قد اجتمع وشوهد وأُثبت كراراً فيكم أنتم أهالي أذربيجان وتبريز الأعزاء، فالله نشكره على ذلك.
إنني حقاً حينما أشاهد هذا الحماس والإحساس الـمُرهَف وهذه الكلمات والبيانات التي تنبئ عن الإيمان الراسخ والزاخر بالحيوية والنشاط، أشكر الله وأُثني عليه، فإن هذه هي مؤشرات النصرة الإلهية. يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه مخاطباً نبيه: ﴿هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ﴾ (2)، أي أن الله أيّدك بنصره وبواسطة عزيمة المؤمنين وإرادتهم وسواعدهم القوية وخطواتهم الراسخة؛ هذا هو دور المؤمنين. فإنكم أنتم الشباب وأنتم الأهالي الأعزاء والمندفعين تضطلعون بمثل هذا الدور العظيم الذي بيّنه الله في القرآن.
التاسع والعشرون من بهمن يومٌ لا يُنسى، علماً بأن لأهالي أذربيجان وتبريز الكثير من الأيام التي لا تغيب عن الأذهان، ولا يختص ذلك بالتاسع والعشرين من بهمن. ففي تأريخنا المعاصر، وفي التأريخ القريب منا، وفي عهد الحركة الدستورية وما قبلها وما بعدها، ثمة أيام لو تم تبيان ووصف كل واحد منها، لكانت مدعاة لفخر واعتزاز أي شعبٍ من الشعوب، وهذه أيام تعود لكم، ولمحافظة أذربيجان ومدينة تبريز. علماً بأننا مقصرون في ذلك، إذ لا بد من كشف وبيان وتكرار الحركات الجماهيرية العارمة في شتى الفروع الفنية والتبيينية والتبليغية، إلا أننا نتصف قليلاً بالتسويف والمماطلة في هذه المجالات. غير أن ليوم التاسع والعشرين من بهمن من النشاط والحيوية ما لا يخبو بريقه رغم كل تقصيرنا، إن لم نقل أنه يزداد تألّقاً يوماً بعد آخر. فقد أقدم أهالي تبريز في يوم التاسع والعشرين من بهمن على حركة لعبت دوراً استثنائياً في صحوة الشعب الإيراني، وفي حركة الشعب الإيراني العظيمة.
نحمد الله على أن أهالي أذربيجان لم يتوقفوا، بل نجدهم على مدى سنوات طويلة - منذ سنة 1978 وحتى يومنا هذا، حيث يمرّ على ذلك اليوم 38 أو 39 عاماً، وعلى مدى هذه الأعوام - نجد هؤلاء في الصفوف المتقدمة للجهاد والنضال والصمود والنشاط، فإن هذه الأمور لها قيمتها، وهذا هو الأمر الذي يحتاج إليه الشعب، وهذا هو الشيء الكفيل ببناء مستقبل البلد. والكلام يجري ذاته في الثاني والعشرين من بهمن، فيجب يوماً بعد يوم وسنة تلو أخرى أن يتسم بمزيد من الحيوية والإشراق والتألق، وهذا ما تحتاج إليه البلاد.
أرى من الواجب عليّ أن أتقدّم من أعماق قلبي بالشكر إلى الشعب الإيراني الكبير على ملحمة الثاني والعشرين من بهمن التي سطّرها في هذا العام. فإن المراكز التي تُقدّر الجموع تقديراً مقارباً للواقع، رفعوا لي تقريراً يُفيد بأن المشاركة قد ازدادت تقريباً في كافة المدن الإيرانية بنسبة ملحوظة عما كانت عليه في العام الماضي، وارتفعت في مدينتكم تبريز عن السنة الماضية بنسبة مئوية عالية، وكذلك الحال في بعض المدن الأخرى.. هذا ما تُقدّره وترفعه لنا المراكز المعنيّة بهذا الشأن. وهو أمرٌ في غاية القيمة والأهمية، ومؤشرٌ على أن الشعب لم يُحدث أيّ خللٍ في عزيمته الراسخة، هذا في الوقت الذي نجد القوى العالمية المهيمنة والجائرة والمستكبرة العاكفة على التصدي لإيران الإسلامية، أخذت تبذل قصارى سعيها جاهدة على أن تغيب الثورة عن الخواطر، إما عن طريق رميها في بقعة النسيان بالكامل، أو من خلال إضعافها والتقليل من أهميتها في أذهان الناس.. هذه مساعٍ جادة ودؤوبة تتابعها القوى العالمية في الظرف الراهن، وفي مثل هذه الظروف، يقوم الشعب الإيراني بما يناقض إرادتهم كلياً ويشارك في هذه المراسيم مشاركة تفوق حماسة وحرارة على العام الماضي.
مباركٌ عليكم أيها الناس عيد الثورة، وقد تبارك ولله الحمد، حيث أصبح عيد الثاني والعشرين من بهمن عيداً عاماً شاملاً في كافة أرجاء البلاد. ولقد أشرت قبل يوم الثاني والعشرين إلى أن هناك عيدان ماثلان أمامنا (3): أحدهما عيد الثورة في يوم الثاني والعشرين من بهمن، والآخر عيد الانتخابات، وهو أيضاً عيدٌ كبيرٌ للبلد. ولقد تحدثنا في شأن الانتخابات كثيراً، لا في هذه الانتخابات التي ستقام في الأسبوع القادم، بل في جميع الانتخابات وفي كل أنحاء البلاد وعلى مدى الزمان تحدثنا بما يتطلّبه الأمر، وسنعيد الحديث ونعاود الكلام، فإنني لا أتعب ولا أملّ من بيان الحقيقة، وسأبيّن للناس كل ما أرى ضرورة بيانه لهم إن شاء الله.
لقد أنهت الثورة الإسلامية فترة إذلال الشعب الإيراني، حيث كانت الحكومات الأجنبية والقوى تعمل قبل ذلك على إذلال الشعب، إذلالاً علمياً وسياسياً واجتماعياً. وكانت القوى المهيمنة ولاسيما أمريكا في السنوات الأخيرة تُملي على ساسة النظام البهلوي كل ما يحلو لها، وهؤلاء بدورهم ينفّذون أوامرهم بحذافيرها، وقبل أمريكا كانت بريطانيا هي التي تلعب هذا الدور في بلدنا، فجاءت الثورة الإسلامية وأزالت هذا الإذلال الذي لا يمكن إطاقته، ومنحت البلد والشعب عزة واستقلالاً، وقدّمت له إنسانيته. وإذا ما شعر شعبٌ بهويته، تتفجر حينذاك مواهبه، وهذا ما حصل بالفعل، فقد تفجرت المواهب، وتقدمت البلاد. فدخلت إيران اليوم في عداد أكثر بلدان العالم عزة، ودخل الشعب الإيراني في زمرة أعلى شعوب العالم سمعة، في عيون أعدائه فضلاً عن أصدقائه، وهذا أمرٌ لا يطيقه أعداؤنا، ولا تطيقه أمريكا التي كان البلد في فترة منتجعاً لها، ولا يطيقه الكيان الصهيوني الذي كانت إيران ذات يوم مرتعاً لاستجمامه وراحته، ولا يطيقه أعداء الشعب الإيراني حيث يرون شعباً يقف بكل صراحة، ويُعلن عن مواقفه الصارمة المناوءة للاستكبار دونما مجاملة، ويمنح سائر الشعوب الجرأة والجسارة، ولهذا يبذلون بالغ جهدهم في هذا الشأن. ولكن إلى متى سيستمر جُهد العدو؟ إلى ذلك الوقت الذي تكتسبون فيه يا شعب إيران من القوة والاقتدار ما يمكّنكم من فرض اليأس عليهم، والعدوّ يصبّ كل جهوده في سبيل صدّكم عن بلوغ هذه المرحلة. فإن كل المشاحنات التي أججوها في القضية النووية كما شاهدتم، والأقوال التي يصرحون بها في حقوق الإنسان، والتهديدات التي يُطلقونها، والعقوبات التي فرضوها علينا ويهددون باستعادتها، كل ذلك في سبيل أن يقفوا حجر عثرة أمام الحركة المتسارعة التي انطلق بها الشعب الإيراني، وأن يوقفها عن حركتها. علماً بأنّ محفّزات الشعب الإيراني لا تقلّ ولا تتضاءل بهذه الأمور.
قضية الانتخابات أمامنا، وهناك أمور أشاهدها وأشعر بها، وأرى من الضروري أن أطرحها على أبناء شعبنا الأعزاء. فالبعض منها ينبغي طرحه على المسؤولين وأطرحه، والبعض الآخر يجب على الرأي العام لأبناء شعبنا أن يتنبّه إليه، ومن واجبي أن أطرحه عليهم: إن العدوّ يسعى وراء إلهاء الرأي العام وإغفاله عما يرمي إليه من أهداف ونوايا خبيثة، فهو يرسم الخطط والبرامج، ويضع قِطَعاً منفصلة في أماكن مختلفة ليقوم بوصلها، وعندذاك تتحقق خطته ومؤامرته الرئيسية، وعلينا أن نصدّه عن ذلك، ولكن من الذي يجب عليه صدّه؟ الشعب، فإن البلد لكم وللشعب، وأصحاب البلد هم أبناء شعبنا الأعزاء، ومن واجبهم الحؤول دون ذلك، علماً بأن هناك وظيفة ملقاة على عاتق أمثالي أنا الحقير وهي توعية شعبنا العزيز. 
إنني أرى الأعداء يبذلون جهودهم في قضية الانتخابات، ويسعون وراء إجرائها بالطريقة التي يبتغونها. علماً بأنهم كانوا في قرارة أنفسهم يحبّذون إلغاء الانتخابات، وحاولوا قبل بضع سنوات وفي مرحلة من المراحل علّهم يتمكنوا من إلغائها، إلا أن الله سبحانه وتعالى صدّهم عن ذلك. فهم في يأس ]من تحقيق هذا الهدف[، ويعلمون أن محاولاتهم الرامية إلى إلغاء الانتخابات في البلد لا تُجدي نفعاً. ولذلك يريدون اختراق الانتخابات والتغلغل من خلالها والنيل منها ما استطاعوا، وما على الشعب إلا التحلي بالوعي واليقظة والعمل على ما يناقض إرادتهم.
فإن من المهام التي يتابعونها اليوم بكل جدية هي تشويه مجلس صيانة الدستور.. التفتوا أيها الإخوة والأخوات الأعزاء! إن لتشويه هذا المجلس مفهومه ومعناه. فإن الأمريكيين منذ انطلاق الثورة الإسلامية راحوا يعارضون وبكل شدة عدة مفاصل رئيسية في البلد وفي نظام الجمهورية الإسلامية، ومنها مجلس صيانة الدستور، وبذلوا الجهود والمساعي واستغلوا بعض الأشخاص المغفَّلين في الداخل عسى أن يتمكنوا من طيّ سجلّ هذا المجلس ولكنهم لم ولن يتمكّنوا، فأخذوا اليوم يسعون وراء التشكيك في قراراته، ولكن ماذا يعني هذا العمل؟ ليلتفت شبابنا الأعزاء إلى هذه القضية جيّداً.. حين يتم التشكيك في قرارات مجلس صيانة الدستور ويُدّعى بأنها قرارات غير قانونية، فماذا يعني ذلك؟ يعني أن الانتخابات القادمة غير قانونية، فإن أصبحت الانتخابات غير قانونية ومخالفة للقانون، ماذا ستكون النتيجة؟ النتيجة هي أن المجلس الذي سينبثق من هذه الانتخابات غير قانوني، ولا قانونية المجلس تعني أن أي قانون يصادق عليه هذا المجلس على مدى أربع سنوات، لا يكون له أيّ قيمة واعتبار، ومعنى ذلك جرّ البلد إلى فراغ تشريعي وفراغ قانوني.. هذا هو معنى تشويه مجلس صيانة الدستور وهذا هو ما يصبو إليه العدو. علماً بأن أغلب أولئك الذين يضمّون صوتهم في الداخل إلى صوت العدوّ لا يعون ماذا يفعلون. ولا أريد أن أتهم أحداً بالخيانة، فإنهم في غفلة وعدم وعي، بيد أن هذا هو واقع الأمر. فإن النيل من مجلس صيانة الدستور والتشكيك فيه والقول بأن قراراته تخالف القانون، لا يؤدي إلى النيل من هذا المجلس وحسب، وإنما ينال من الانتخابات ومن مجلس الشورى ومن العملية التشريعية في المجلس على مدى أربع سنوات، هذا ما يبتغون تحقيقه. فانظروا كم يحوكون المؤامرة بذكاء ودهاء. هذا ما عليّ أن أبيّنه للرأي العام، وعليه أن يعرف ذلك، فإن الذي يتحدث ضدّ مجلس صيانة الدستور، غافلٌ ولا يعي ماذا يفعل، إلا أن هذه هي حقيقة القضية.
لقد ركّز العدو جهده على أن يحرم الجمهورية الإسلامية من سيادة الشعب الدينية - هذه الظاهرة الفريدة والبديعة والجذابة لدى الشعوب المسلمة - هذه هي مساعيهم. ولو كان بمستطاعهم لقاموا بإلغاء الانتخابات ولكنهم لم ولن يستطيعوا، ولو كان بمقدورهم لقضوا على مجلس صيانة الدستور أو لجعلوا إشرافه عديم التأثير ولكنهم لم يتمكنوا. والآن حيث عجزوا عن تحقيق هذه الأهداف، تشبّثوا بهذه الوسائل، وأخذوا يتسللون من خلال هذه السبل، وعلينا أن نتوخى الحيطة والحذر.
يتسم مجلس الشورى الإسلامي بأهمية بالغة وبمكانة رفيعة.. لماذا؟ لأنه يعبّد الطريق لحركة الحكومة. فانظروا إلى الحكومات وكأنها سيارة لا بد وأن تسير على الطريق، ومجلس الشورى الإسلامي هو الذي يعبّد لها هذا الطريق من خلال قوانينه. علماً بأن الحكومة والمجلس يتعاونان معاً في تشريع القانون، فالحكومة تقدّم اللوائح، والمجلس بدوره يحذف منها ويضيف عليها ويقوم بتعديلها ويصادق عليها، وبالتالي يتم تعبيد هذا الطريق، ويتعيّن على الحكومة أن تسير فيه. فإن كان المجلس يعمل على تأمين رفاهية الناس، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والانفراج الاقتصادي، والتقدم العلمي والتَقَني، وتكريس العزة الوطنية واستقلال الشعب، سيتّجه تعبيد الطريق باتجاه هذه الأهداف، وإن كان المجلس منبهراً بالغرب وبأمريكا، وكان يسعى وراء إرساء حاكمية التيار الأرستقراطي، سينحو تعبيد الطريق صوب هذه المناحي، وسيسوق البلاد إلى حيث البُؤس والتعاسة. هنا تكمن أهمية المجلس، فهل هذا بالشيء الصغير؟ وأهميته - كما قال الإمام الخميني - في أنه يقف على مقدمة الأمور (4). ولا يعني قوله على "مقدمة الأمور" أن يكون للمجلس أو لنائب المجلس دورٌ في المراتب التنفيذية، كلا.. فإن المجلس لا يضطلع بأيّ دور في الجانب التنفيذي، وإنما التنفيذ يقع على عاتق الجهاز الحكومي الكبير، وأما المجلس فهو الذي يحدّد المسارات، ويعيّن الطرق، والحكومات مكلَّفة بأن تسير في هذا المسير وتتحرك في هذا الطريق طبقاً للقانون. ولكن من هو المقرر أن يحدّد هذا المسير ويعبّد هذا الطريق؟ وإلى أيّ اتجاه يتجه هذا المسير؟ بذلك تتضح أهمية نيابة المجلس ونوّابه. علماً بأن العدو يمارس شتى الأساليب في إنجاز مهامّه. هذا ما يرتبط بمجلس الشورى الإسلامي.
وأما مجلس خبراء القيادة فهو يفوق أهمية من الناحية الأصولية والأساسية والمبنائية. فإن هذا المجلس لا شأن له بقضايا البلاد الجارية، وإنما ينهض بمهمة تعيين القائد. فمن الذي سيختاره قائداً؟ ومن المقرر أن يتولى مهمة اتخاذ القرارات ورسم السياسات الرئيسية في البلد؟ هذا مرهون بما يمتاز به أعضاء المجلس. فإنّ مجلس خبراء القيادة يتصدى في اللحظة المناسبة بتعيين القائد، فإن كان متضامناً مع الناس، ومخلصاً للثورة، ومؤمناً بالشعب، ويَقِظاً تجاه مؤامرات العدو، وصامداً ومقاوماً أمام الأعدء، سوف يعمل بطريقة، وإن لم يكن كذلك لا سامح الله، سوف يعمل بطريقة أخرى. ولهذا نجد العدو اليوم حساساً تجاه مجلس الخبراء.
لقد عمدت الإذاعة البريطانية إلى إرشاد أهالي طهران وتوجيههم بأن يصوّتوا لفلان ولا يصوتوا لفلان! ولكن ما معنى ذلك؟ البريطانيون باتت قلوبهم تحنو على التدخل في إيران. ففي فترة كان الملك إذا ما أراد اتخاذ قرار هام، يستشير السفير البريطاني في ذلك قائلاً هل أفعل ذلك أم لا. ذات يومٍ كان البريطانيون يتدخلون في شؤون بلدنا بهذه الطريقة، ثم تلاهم من بعدهم الأمريكيون، وفي فترة من الفترات اجتمع كلاهما على هذا الأمر، واليوم قد قُطعت هذه الأيادي، وأُغلقت الأبواب أمام هذه التدخلات بفضل الثورة وبركة صحوة الناس، بيد أن قلوبهم تهفو إلى ذلك، فأخذوا اليوم يتأمّرون على الناس من خلال المذياع بأن يصوّتوا لفلان ولا يصوّتوا لفلان. ومن أجل هذا قلنا بأن على الناس أن تشارك في الانتخابات عن بصيرة ويقظة ومعرفة، وأن تعرف ماذا يبتغيه العدو. فإن عرفتَ ما يريده العدو، ستعمل على ما يناقض إرادته، وهذا واضح. وأهمية هذه الانتخابات في أنها كمسيرات الثاني والعشرين من بهمن قبل بضعة أيام، تعتبر تجسيداً لصحوة الشعب الإيراني، ومظهراً للدفاع عن الثورة الإسلامية ونظام الجمهورية الإسلامية، والدفاع عن استقلال البلاد، والدفاع عن العزة الوطنية. وهذا هو السبب من مطالبتي لكافة أبناء الشعب الإيراني بالنزول إلى الساحة والمشاركة والإدلاء بأصواتهم، فإنها قضية هامة.
أعداؤنا متهوّرون، وعلى رأسهم الشبكة الصهيونية الخطيرة والبعيدة عن الإنسانية التي فرضت هيمنتها على الحكومات وعلى القوى الغربية وعلى أمريكا بالخصوص. هذه الشبكة الصهيونية - لا الكيان الصهيوني، فإنه بنفسه يمثل جانباً من منظومة الاستكبار الأمريكي - تتألف من التجار وأصحاب رؤوس الأموال من الطراز الأول في العالم، وتُمسك بيدها الماكنة الإعلامية العالمية، والبنوك العالمية، وقد بسطت سلطتها وهيمنتها وللأسف على الكثير من الدول، فهي مهيمنة على الإدارة الأمريكية وعلى السياسة الأمريكية وعلى سياسة الكثير من البلدان الأوروبية، والأمريكيون يعملون وفق رأيهم ورغبتهم. فلا بد من التحلي بالوعي واليقظة أمامهم.
وفيما يخص الملف النووي والمفاوضات النووية - التي تبادلت فيها المباحثات وطال فيها المسار - قال أحد المسؤولين الأمريكيين قبل يومين ولمرة أخرى بأننا سنعمل على أن لا يجرأ أحد من أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين الكبار في العالم على استثمار أموالهم في إيران. هلّا ترون العِداء! هذه هي أمريكا. فإن واحدة من أهداف أولئك الذين تابعوا هذه المفاوضات وخاضوا هذا المخاض - والحق والإنصاف أنهم بذلوا الجهود وتجشموا العناء وصرفوا الوقت - هو الوصول إلى الازدهار والانفراج الاقتصادي عبر الاستثمار الأجنبي، والأمريكيون اليوم يحولون دون ذلك. ولقد كرروا هذا القول لعدة مرات، وأعاده شخص آخر قبل يومين أو ثلاثة قائلاً بأننا سنعمل على أن لا يجرأ أحد من المستثمرين على الاستثمار في إيران. وهذا هو المراد من تأكيدي المتكرر على أنه لا يمكن الوثوق بالأمريكيين وأنهم غير جديرين بالثقة.
يعترض الساسة الأمريكيون على أنه لماذا يهتف الشعب الإيراني في مسيراته واجتماعاته بشعار «الموت لأمريكا»؟ ولكن ماذا تتوقعون من شعب إيران أن يقول وأنتم تعملون بهذه الطريقة؟ ذلك ماضيكم وتأريخكم وهذا سلوككم في الوقت الحاضر. بل وأصبح عِدائكم جهاراً لا يختفي خلف الأستار. أجل، ففي اللقاءات الخاصة يبتسمون ويصافحون ويتكلمون بكلمات معسولة ويستخدمون قولاً ليّناً، بيد أن هذا يتعلق بالدبلوماسية في اللقاءات الخاصة، وليس له من أهمية وقيمة وتأثير في الواقع. فالحقيقة هي أنهم يُبرمون الاتفاقيات، ويمارسون المفاوضات، ويتعاملون لمدة عامين، وبعد إنهائها يقولون بأننا نحول دون ذلك، ويهدّدون بفرض عقوبات جديدة، ليتخوّف المستثمر الأجنبي ويحذر ولا يقترب، وهذا ما يصرّحون به أيضاً! هذه هي أمريكا. فلا ينبغي أن يُطبق المرء عينيه أمام هذا العدو، ولا يمكن أن يحمل عمله على الصحة.. هذا ما يخص الوفاء بعهدهم وعدم الوثوق بهم. 
أيها الشعب الإيراني العزيز! هذا هو العنصر الذي يواجهكم، فلا بد من التحلي بالوعي واليقظة. نحن لا نريد أن نصنع لأنفسنا مشكلة بالعبث. فلا يقول البعض بأنكم أنتم من تدفعون أمريكا وتحرضونها على الدوام، إذ أن أمريكا لا تحتاج إلى تحريض، لأنها عدوّ، وكانت في فترة هي الـمُمسكة بمقدرات هذا البلد، فجاءت الثورة وانتزعت البلاد من أيديها، فلا تريد أن يقر لها قرار حتى تستعيد هيمنتها عليه.. هذه هي أمريكا.
العلاج الذي تحتاج إليه البلاد هو صحوة الناس، والحفاظ على محفزات الشعب الإيمانية، وتوظيف الشباب المندفع والمؤمن، والتعزيز الذاتي للبلاد.. هذا هو السبيل الوحيد. فلا بد أن يقوى الشعب الإيراني من الداخل، في اقتصاده وعلمه وأجهزته الإدارية، والأهم من ذلك كله، في إيمانه يوماً بعد آخر. هذا هو الطريق للحل، وهذا هو السبيل الذي سلكه الشعب الإيراني حتى يومنا هذا. ولقد كان الأعداء يهدفون إلى اقتلاع جذور هذه الثورة والقضاء عليها منذ كانت غرسة صغيرة ولم يتمكنوا، واليوم قد تبدّلت هذه الغرسة الصغيرة إلى شجرة باسقة: ﴿کَشَجَرَةٍ طَیِّبَةٍ أَصلُها ثابِتٌ وَفَرعُها فِي السَّمآءِ * تُؤتي اُکُلَها کُلَّ حینٍ بِإِذنِ رَبِّها﴾ (5)، هذه هي حقيقة الثورة. فليخسأ العدو الذي يريد اليوم استئصال شأفة هذه الثورة. وعلى الناس أن يحافظوا على تكاتفهم وتعاضدهم وتناغمهم في الدفاع عن الثورة وأسسها ومبادئها، وعلى المسؤولين المحترمين الذين يفكّرون بمصير هذا البلد، أن يعملوا لله ولنيل مرضاته ولخدمة الناس، وأن يثقوا ويتكئوا على القوى الداخلية.
ولقد قلنا بالطبع أن الاقتصاد المقاوم ذاتي التدفق خارجي التطلّع، ولم أقل على الإطلاق بأن نبني سوراً يحيط ببلدنا، ولكن لا تغفلوا هذا التدفّق الداخلي، فلو لم ينبع الاقتصاد الوطني ولم يتدفق من الداخل، سوف لا يؤتي ثماره. أجل، فالتعامل مع العالم في المجالات الاقتصادية أمر مطلوب جداً، ولكن التعامل الذكي الذي يدفع إلى تدفق الاقتصاد ذاتياً. والسبيل إلى ذلك هو صمود الشعب واستقامة المسؤولين وتحركهم عن وعي وبصيرة.
أيها الشباب الأعزاء! إنكم سوف ترون ذلك اليوم الذي لا تتمكن فيه أمريكا ولا أكبر من أمريكا ولا أي حليف من حلفاء أمريكا من أن يرتكبوا أية حماقة تجاه الجمهورية الإسلامية في إيران.
إلهنا! أسبغ رحمتك وألطافك على هذا الشعب العزيز.
ربنا! زِد في هذه المحفزات وهذا الإيمان وهذا الاندفاع المعنوي الزاخر في هذا البلد يوماً بعد يوم.
أشكركم أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، وأبلغوا سلامي إلى كافة أهالي أذربيجان وتبريز الأحباء.

الهوامش:
1- في بداية هذا اللقاء، تحدّث سماحة آية الله الشيخ محسن شبستري ممثل ولي الفقيه في المحافظة.
2- سورة الأنفال، جزء من الآية 62.
3- كلمة قائد الثورة الإسلامية المعظم خلال لقائه قادة ومنتسبي القوة الجوية والدفاع الجوي في جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية (2016/02/08).
4- صحيفة النور، وصية الإمام الخميني (رض)، ج17، ص115.
5- سورة إبراهيم، جزء من الآية 24 و25.