(2015/07/18)
أبارك عيد الفطر السعيد للإخوة و الأخوات الأعزاء الحاضرين في هذا المجلس، و لا سيما المسؤولين المحترمين، و كذلك للضيوف المحترمين، سفراء البلدان الإسلامية الكرام. كما و أبارك للشعب الإيراني بأسره و لمسلمي العالم أجمع. سائلاً العليّ القدير أن يجعل هذا اليوم عيداً لجميع المسلمين كما نقرأ في الدعاء: «اَلَّذي جَعَلتَهُ لِلمُسلِمينَ عيداً». إلا أن الوضع - و للأسف – ليس كذلك.
إنّ العالم الإسلامي اليوم يعاني من أزمات كبيرة جداً. لقد أكّد الإسلام كل هذا التأكيد على التكاتف و توحيد الصفوف و الأخوّة بين المسلمين، بل و حتى على الاعتصام بحبل الله الذي كان بالإمكان أن يتم بصورة فردية، نجد الإسلام لم يوصِ بذلك بل قال ﴿وَاعتَصِموا بِحَبلِ اللهِ جَميعً﴾2. و لكن رغم كل هذه الوصايا و كل هذا التأكيد، نُعرض، نحن المسلمين، عن العمل بهذا الواجب الإسلامي و لا نقوم به، و النتيجة لذلك هي الأوضاع التي تشاهدونها. إنني أطلب من المسلمين فرداً فرداً، و لا سيما من العلماء و المثقفين و مسؤولي الدول و الساسة و النخبة في جميع البلدان أن ينتبهوا و يلاحظوا بوضوح اليد الخائنة لأعداء الأمة الإسلامية في هذه التفرقة. فهي فتنة و تفرقة غير طبيعية بل مفروضة و ناتجة عن التلقين و التحريض. إذ إنّ المسلمين يمكنهم أن يعيشوا سوياً و بشكل طبيعي و سليم، و قد أثبتت التجارب تعايشهم جنباً إلى جنب حين لا تحل وساوس العدو و دسائسه و ممارساته الخبيثة و لا تنزل الى الساحة، و هذا ما شاهدناه في بلدنا و في العراق و في بلدان إسلامية أخرى.
إنهم يضخّون هذه الفتنة و الفرقة في العالم الإسلامي، لماذا؟ لأنها تصب في مصلحة القوى الكبرى. لا يريدون للأمة الإسلامية أن تتحد و تتوحد، لا يريدون لهذه القوة العظيمة أن تسمو عزيزة شامخة و تسطع في أفق القوى العالمية. و لو رصّت الأمة الإسلامية صفوفها و ركّزت على قواسمها المشتركة لتبدّلت، لا محالة، إلى قوة فريدة في سماء السياسة العالمية بما تتمتع به من جماهير عظيمة، و من موقع جغرافي حساس في العالم، و من خيرات و مصادر جوفية، و من ثروة طبيعية، و من طاقات بشرية. لو اتّحدنا و تعاونّا لغطّت هذه الظاهرة العالم برمته. لكنهم لا يريدون تحقق هذا الهدف، و لذلك زرعوا الكيان الصهيوني في هذه المنطقة لإذكاء نيران الخلاف و الشقاق، و لإشغال بلدان المنطقة بعضها ببعض.
إنتبهوا و التفتوا إلى هذه المسألة، و هي أن الشعوب صمدت أمام الكيان الصهيوني و لم تستسلم له. إن الكيان الصهيوني و على مدى عشرات السنين التي أخذ فيها يعزّز قدراته المادية في المنطقة يوماً بعد يوم بدعم بريطاني ثم أمريكي، وجدنا خلال هذه المدة بعض الدول الضعيفة و النفوس الخبيثة في البلدان الإسلامية مالت إلى جانب الصهاينة. و إن الكثير من الدول الإسلامية و بعض الساسة في العالم الإسلامي، بما في ذلك النظام المنحوس البائد الذي كان حاكماً في بلدنا، و طّدوا العلاقات مع الكيان الصهيوني الغاصب المعارض المعتدي القاتل الطامع الذي يطمح للسيطرة "من النيل إلى الفرات"، و غضّوا الطرف عن كل هذا العداء بالكامل. إلا أن ّالشعوب لا يزال يغلي في قلوبها الكره و العداء للصهاينة المحتلين و نظامهم الصهيوني. لم تتّبع الشعوب حكوماتها في هذا المجال. و بالطبع فإنّ هذا الأمر يمثل عبئًا ثقيلًا على الحكومات التابعة لأمريكا و الحليفة للكيان الصهيوني.
فكّروا في ضرورة القضاء على هذه الحالة و صرف انتباه الشعوب عن الصهيونية، فماذا فعلوا؟ أجّجوا نيران الحروب الداخلية و الصراعات الطائفية ما بين السنة و الشيعة، و أسسوا التنظيمات الإجرامية كالقاعدة و داعش و نحوهما، لإثارة التناحر فيما بيننا و تحريض الشعوب ضدّ بعضها بعضاً. هذه هي أياديهم المعتدية و الخائنة.
ولقد اعترف بعض الأمريكيين في مذكراتهم أنهم ساهموا في إيجاد تنظيم داعش و تنميته و إرساء قواعده3، و اليوم أيضاً يقدمون له الدعم و المساعدات. مع أن هناك تحالفاً قد تأسس اليوم ضدّ داعش، و أنا بالطبع لا أصدّق أن يكون هذا التحالف حقاً تحالفاً ضد داعش، و لكن على فرض أن يكون معارضاً لهذا التيار، فهل أن داعش هو التنظيم الوحيد الموجود؟ هناك تيارات عديدة و بأسماء مختلفة تتمتع بإمكانيات و ثروات هائلة، تبذل جهدها و تعمل في شتى أقطار العالم الإسلامي، و تشيع الإرهاب، و تفجّر، و تقتل الناس، و تسفك دماء الأبرياء في الشوارع و الأسواق و الميادين و المساجد و نحو ذلك. و بهذا باتوا يُشغلون الشعوب، و يحرّضون الشيعي ضد السني، و السني ضدّ الشيعي، و يقومون برعاية و تدريب جماعة متطرفة تكفيرية إفراطية و يمدّونها بالأموال للقيام بهذه الأعمال، و من جانب آخر يطلقون فئة متطرفة و شتامة من الطرف الآخر كذلك لتأجيج الصراع و القتال فيما بينهما، و لكل واحد من هاتين الفئتين جمع غفير من الأتباع و المناصرين. فهل يوجد للصهاينة و للكيان الصهيوني أفضل من هذا الوضع؟ علينا أن نتحلَّى باليقطة، و أن ندرك ماذا يجري في المنطقة !
إن سياسة القوى الاستكبارية في هذه المنطقة سياسات تتمحور حول الخيانة بوضوح. ففي العراق تتمثل سياستهم في إضعاف النظام المبني على الانتخابات و على أصوات الأكثرية و على الديمقراطية و تسعى للإخلال به و إسقاطه و الحيلولة دون أن يمارس عمله، و إثارة الشقاق و الصراع بين الطائفتين الشيعية و السنية فيه. و لقد رأينا العراق قبل هذه الأحداث، حيث كان الشيعة و السنة يعيشون معاً و جنباً إلى جنب، و يتزاوجون فيما بينهم، و اليوم نجدهم يواجه بعضهم بعضًا، و يشهرون السلاح بوجه بعض. و في نهاية المطاف يهدفون إلى تقسيم العراق. و سياستنا تقف على النقيض تماماً من سياستهم، حيث نعتقد بضرورة تعزيز الحكومة الناتجة عن الانتخابات في العراق، و لزوم الثبات و الصمود أمام الذين يؤججون نيران الاختلافات الداخلية، و وجوب الحفاظ على و حدة الأراضي العراقية. و هذه السياسة تعارض سياسة الاستكبار في العراق بالكامل.
في سورية، تتمثل سياسة الاستكبار بإسقاط الحكومة المعروفة بمقاومتها أمام الكيان الصهيوني مهما كلّف الثمن. و سياستنا ضد هذه السياسة. علماً بأننا في شأن العراق و سورية و اليمن و البحرين و لبنان و كل البلدان، نعتقد أن شعوب تلك البلاد هي التي تقرر مصيرها، و لا يحق لنا و لا لأي أحد من الخارج أن يقرر مصيرهم، و هذا أمرٌ موكول إليهم.. هذه هي عقيدتنا. في حين أن سياسة الاستكبار في سورية تتمثل بفرض إرادة خارج نطاق إرادة الشعب، و هي الإطاحة بالحكومة التي عُرفت بوقوفها بصلابة و مواجهتها الحاسمة للكيان الصهيوني؛ الأمر الذي قام به الرئيس السوري الحالي و الرئيس السابق بكل و ضوح. و نحن نقول إن الحكومة التي يكون شعارها و هدفها و نيتها هو الصمود أمام الصهاينة، تعتبر فرصة مغتنمة للعالم الإسلامي. و بالطبع فإننا لا نبحث عن مصالحنا الخاصة في سورية أو العراق، و إنما نفكّر في العالم الإسلامي و في الأمة الإسلامية. فإن مواقفنا تقف على النقيض من مواقف الاستكبار بهذه الصورة.
في لبنان، احتلّ النظام الصهيوني جزءاً كبيراً من الأراضي اللبنانية لسنوات طويلة. التزم الاستكبار و على رأسه أمريكا صمتاً مصحوباً بالرضا. ثم نهضت مجموعة مقاومة مؤمنة مضحية تعتبر أكثر مجموعات الدفاع الوطني شرفاً و فخراً، و هي المقاومة اللبنانية و حزب الله في لبنان - و هم من أشرف مجموعات المقاومة الوطنية و الدفاع الوطني على الصعيد العالمي، و قلما شهدنا في البلدان مجموعة مقاومة تتحلى بهذه الطهارة و الإيمان و التضحية و النجاح في العمل - فقام المستكبرون للقضاء عليهم، فاتهموهم بالإرهاب! فهل يعتبر حزب الله إرهابياً؟ و هل تعتبر هذه القوة العظمى للدفاع الوطني عن لبنان إرهابية؟ و هل يسمى هذا إرهاباً؟ و بناءً على هذا، فهل تعتبر فصائل المقاومة التي دافعت عن أوطانها دفاعاً مستميتاً على مرّ التاريخ في فرنسا و غيرها و أصبحت مبعث عزكم و فخركم أنتم الأوروبيين و غيركم، من الفصائل الإرهابية؟ و هل تعتبر القوة التي تقف في وجه المعتدي و في وجه ايادي الاستكبار، و تقدّم التضحيات في هذا السبيل إرهابية؟ و في الوقت ذاته يمدّون يد الأخوّة و الصداقة للكيان الصهيوني الجبار المجرم القاتل للأطفال! هذه هي سياستهم.
سبب دعمنا للمقاومة اللبنانية يعود إلى استقامتها الحقيقية أمام الأعداء و دفاعها و شجاعتها و تضحياتها و صمودها أمامهم، و لو لم تكن هذه المقاومة، لكانت إسرائيل - التي كانت قد دخلت يوماً صيدا و ما بعد صيدا و وصلت إلى بيروت – لا تزال تحتل بيروت و لما بقي من لبنان أثر. هذه المقاومة هي التي وقفت في وجههم و منعتهم من هذا. و رغم هذا يعبّر حضرات الساسة الأمريكيين الصادقين عن هؤلاء بالإرهابيين و عن إيران بأنها داعمة للإرهاب بسبب دعمها لهم! و لكنكم أنتم من دعم الإرهاب، و أنتم من أسّس داعش، و أنتم من أصبح حاضنة للإرهاب، و أنتم من حمى الكيان الصهيوني الخبيث الإرهابي، و أنتم من يدافع عن الإرهاب، و أنتم من يجب محاكمته لدعمه و مساعدته للإرهاب. و الكلام بعينه يجري في اليمن و في البحرين و في البلدان الأخرى.
وفي اليمن، هل يعتبر ذلك الرئيس4 الذي قدّم استقالته في أحلك الظروف لإيجاد فراغ سياسي، ثم فرّ من بلده بزيّ النساء، رئيساً شرعياً؟ و هل يحق لهذا الرئيس أن يطلب من بلد آخر مهاجمة بلده و قتل أبناء شعبه؟ فإنه منذ أربعة أشهر تقريباً أو ثلاثة أشهر و نيف و هم يدكّون اليمن و يقصفونها، و لكن ماذا و من يقصفون؟ يقصفون المساجد و المستشفيات و المدن و المنازل و يقتلون الأبرياء و الأطفال، بأي ذنب؟ و رغم هذا كله و أمريكا تدعمهم.
ولقد قلتُ لهم اليوم في صلاة العيد إنكم ترتكبون الأخطاء في الوقت الراهن أيضاً. حيث باتوا يُفصحون عن أخطائهم الماضية قائلين إننا أخطأنا في انقلاب الثامن و العشرين من مرداد ]19/8/1953[. أجل فقد اقترفتم خطأً فادحاً، و لكنكم ترتكبون الأخطاء في الحال الحاضر أيضاً، حيث تمدّون يد الصداقة إلى أكثر الأنظمة استبداداً، و تتواطأون معهم، و تطلقون في الوقت ذاته على نظام الجمهورية الإسلامية القائم من رأسه إلى قدمه على الانتخابات أنه نظام مستبد! فهل أنتم منصفون؟ أنتم الساسة الأمريكيون تتحدثون و تحكمون في غاية الإجحاف حتى تجاه الحقائق الواضحة. و إن المرء ليعجب من صلافتهم و وقاحتهم! حيث يعتبرون الدول التي لا تسمح لشعوبها بأن تسمع باسم الانتخابات - بحيث أنه لو ذكر شخص في بعض هذه البلدان اسم الانتخابات في الشارع، يعتقلونه و يزجّونه في السجن و لا يُعلم ماذا سيكون مصيره - دولاً صديقة و حليفة و شقيقة و يعقدون معها عقد الأخوة، و في نفس الوقت يسمون نظام الجمهورية الإسلامية الذي أجرى خلال 36 عاماً أكثر من ثلاثين انتخاباً، و يصفونه بالاستبداد! لهذا نحن نقول انه لا يمكن الوثوق بهؤلاء.
عدم الوثوق بهم يعود إلى هذه الأسباب، إذ لا يخرج الكلام الصادق من أفواههم، و لا يجد الصدق و المصداقية سبيلاً إليهم. و في هذا الاختبار الصعب الذي أشار إليه السيد رئيس الجمهورية5 - و قد بذل في هذا المضمار و سائر المسؤولين المعنيين جهوداً مضنية حقاً - ظهرت منهم طوال هذه الفترة حالات تدل على عدم صدقهم و أمانتهم. و لحسن الحظ فقد جابههم مسؤولونا و واجهوهم أحياناً مواجهة ثورية، و بذلوا مساعيهم، و توصلوا حتى الآن إلى بعض النتائج، و لا بد من النظر إلى ما ستفضي إليه هذه القضية.
إن الوصفة الوحيدة المتوافرة في الوقت الراهن للعالم الإسلامي و لكل بلد في داخله هي الاتحاد و التلاحم، فعلى الشعوب أن تتّحد و ترصّ صفوفها، و على الشعب الإيراني أن يتكاتف فيما بينه، و لا ينبغي أن تؤدي القضايا النووية و غيرها إلى شق الصفوف بحيث يتجه كل صفّ باتجاه - فإنه بالتالي عمل سيتم إنجازه، و له مسؤولون يتابعون الأمور، و سيبادرون إن شاء الله إلى ما يصبّ في المصلحة الوطنية - فلا ينبغي أن يشق روح الاتحاد، و هذا ما يريده العدو. و من يتابع حالياً مهاترات الأجانب، و برامج الإذاعة و التلفزة، و المواقع الأجنبية التي أخذت تتسع رقعتها على الدوام و تبث المواضيع باستمرار، يجد أنها ترمي إلى دقّ إسفين الخلاف بين الناس، و عليكم أن تحولوا دون ذلك و أن تحافظوا على و حدتكم و تلاحمكم.
ولا بدّ من أن ينبع الاقتدار من الداخل. لا فرق بين التقوى العامة و الاجتماعية و بين التقوى الفردية؛ ففي التقوى الفردية - و الصوم هو للتقوى، و شهر الصيام شهر اكتساب التقوى - من يلتزم بالتقوى، يحصل على صيانة و حصانة داخلية، كالذي يتحصّن بالتلقيح، بحيث إذا دخل بيئة ملوثة بالجراثيم، لا يتأثر بها، و هكذا هي التقوى؛ فإنها تحول دون أن تؤثر عليكم البيئة الخارجية أو تحول دون أن تترك أثرها عليكم بسهولة على أقل تقدير. هذه هي التقوى الفردية. و كذلك الحال في التقوى الوطنية، فلو قام شعب بتقوية نفسه من الداخل، و تقوية علمه و صناعته و إيمانه و ثقافته، لا يمكن للقوى الخارجية أن تترك أثرها عليه. هذه هي الوصفة التي يجب علينا جميعًا و كذلك على العالم الإسلامي العمل بها.
اللهم! وفّقنا لمعرفة كل ما هو سبيل للهداية و وفقنا لسلوك ذلك السبيل.
الهوامش:
1- قبل کلمة قائد الثورة الإسلامیة المعظم، ألقى حجة الاسلام و المسلمین الشيخ حسن روحاني رئیس الجمهوریة الاسلامیة في إیران؛ كلمة.
2- سورة آل عمران، جزء من الآية 103.
3- من بينها كتاب مذكّرات هیلاري کلنتون وزيرة الخارجية الامريكية السابقة .
4- عبد ربه منصور هادي.
5- كلمة رئیس الجمهوریة الشيخ حسن روحاني عقب الإعلان عن الاتفاق النووي.
بسم الله الرحمن الرحيم1
الحمد لله ربّ العالمين، و الصلاة و السلام علی سيّدنا و نبيّنا أبي القاسم المصطفی محمد، و علی آله الطيّبین الطاهرين المعصومين، لا سيّما بقيّة الله في الأرضين، و علی صحبه المنتجبين.أبارك عيد الفطر السعيد للإخوة و الأخوات الأعزاء الحاضرين في هذا المجلس، و لا سيما المسؤولين المحترمين، و كذلك للضيوف المحترمين، سفراء البلدان الإسلامية الكرام. كما و أبارك للشعب الإيراني بأسره و لمسلمي العالم أجمع. سائلاً العليّ القدير أن يجعل هذا اليوم عيداً لجميع المسلمين كما نقرأ في الدعاء: «اَلَّذي جَعَلتَهُ لِلمُسلِمينَ عيداً». إلا أن الوضع - و للأسف – ليس كذلك.
إنّ العالم الإسلامي اليوم يعاني من أزمات كبيرة جداً. لقد أكّد الإسلام كل هذا التأكيد على التكاتف و توحيد الصفوف و الأخوّة بين المسلمين، بل و حتى على الاعتصام بحبل الله الذي كان بالإمكان أن يتم بصورة فردية، نجد الإسلام لم يوصِ بذلك بل قال ﴿وَاعتَصِموا بِحَبلِ اللهِ جَميعً﴾2. و لكن رغم كل هذه الوصايا و كل هذا التأكيد، نُعرض، نحن المسلمين، عن العمل بهذا الواجب الإسلامي و لا نقوم به، و النتيجة لذلك هي الأوضاع التي تشاهدونها. إنني أطلب من المسلمين فرداً فرداً، و لا سيما من العلماء و المثقفين و مسؤولي الدول و الساسة و النخبة في جميع البلدان أن ينتبهوا و يلاحظوا بوضوح اليد الخائنة لأعداء الأمة الإسلامية في هذه التفرقة. فهي فتنة و تفرقة غير طبيعية بل مفروضة و ناتجة عن التلقين و التحريض. إذ إنّ المسلمين يمكنهم أن يعيشوا سوياً و بشكل طبيعي و سليم، و قد أثبتت التجارب تعايشهم جنباً إلى جنب حين لا تحل وساوس العدو و دسائسه و ممارساته الخبيثة و لا تنزل الى الساحة، و هذا ما شاهدناه في بلدنا و في العراق و في بلدان إسلامية أخرى.
إنهم يضخّون هذه الفتنة و الفرقة في العالم الإسلامي، لماذا؟ لأنها تصب في مصلحة القوى الكبرى. لا يريدون للأمة الإسلامية أن تتحد و تتوحد، لا يريدون لهذه القوة العظيمة أن تسمو عزيزة شامخة و تسطع في أفق القوى العالمية. و لو رصّت الأمة الإسلامية صفوفها و ركّزت على قواسمها المشتركة لتبدّلت، لا محالة، إلى قوة فريدة في سماء السياسة العالمية بما تتمتع به من جماهير عظيمة، و من موقع جغرافي حساس في العالم، و من خيرات و مصادر جوفية، و من ثروة طبيعية، و من طاقات بشرية. لو اتّحدنا و تعاونّا لغطّت هذه الظاهرة العالم برمته. لكنهم لا يريدون تحقق هذا الهدف، و لذلك زرعوا الكيان الصهيوني في هذه المنطقة لإذكاء نيران الخلاف و الشقاق، و لإشغال بلدان المنطقة بعضها ببعض.
إنتبهوا و التفتوا إلى هذه المسألة، و هي أن الشعوب صمدت أمام الكيان الصهيوني و لم تستسلم له. إن الكيان الصهيوني و على مدى عشرات السنين التي أخذ فيها يعزّز قدراته المادية في المنطقة يوماً بعد يوم بدعم بريطاني ثم أمريكي، وجدنا خلال هذه المدة بعض الدول الضعيفة و النفوس الخبيثة في البلدان الإسلامية مالت إلى جانب الصهاينة. و إن الكثير من الدول الإسلامية و بعض الساسة في العالم الإسلامي، بما في ذلك النظام المنحوس البائد الذي كان حاكماً في بلدنا، و طّدوا العلاقات مع الكيان الصهيوني الغاصب المعارض المعتدي القاتل الطامع الذي يطمح للسيطرة "من النيل إلى الفرات"، و غضّوا الطرف عن كل هذا العداء بالكامل. إلا أن ّالشعوب لا يزال يغلي في قلوبها الكره و العداء للصهاينة المحتلين و نظامهم الصهيوني. لم تتّبع الشعوب حكوماتها في هذا المجال. و بالطبع فإنّ هذا الأمر يمثل عبئًا ثقيلًا على الحكومات التابعة لأمريكا و الحليفة للكيان الصهيوني.
فكّروا في ضرورة القضاء على هذه الحالة و صرف انتباه الشعوب عن الصهيونية، فماذا فعلوا؟ أجّجوا نيران الحروب الداخلية و الصراعات الطائفية ما بين السنة و الشيعة، و أسسوا التنظيمات الإجرامية كالقاعدة و داعش و نحوهما، لإثارة التناحر فيما بيننا و تحريض الشعوب ضدّ بعضها بعضاً. هذه هي أياديهم المعتدية و الخائنة.
ولقد اعترف بعض الأمريكيين في مذكراتهم أنهم ساهموا في إيجاد تنظيم داعش و تنميته و إرساء قواعده3، و اليوم أيضاً يقدمون له الدعم و المساعدات. مع أن هناك تحالفاً قد تأسس اليوم ضدّ داعش، و أنا بالطبع لا أصدّق أن يكون هذا التحالف حقاً تحالفاً ضد داعش، و لكن على فرض أن يكون معارضاً لهذا التيار، فهل أن داعش هو التنظيم الوحيد الموجود؟ هناك تيارات عديدة و بأسماء مختلفة تتمتع بإمكانيات و ثروات هائلة، تبذل جهدها و تعمل في شتى أقطار العالم الإسلامي، و تشيع الإرهاب، و تفجّر، و تقتل الناس، و تسفك دماء الأبرياء في الشوارع و الأسواق و الميادين و المساجد و نحو ذلك. و بهذا باتوا يُشغلون الشعوب، و يحرّضون الشيعي ضد السني، و السني ضدّ الشيعي، و يقومون برعاية و تدريب جماعة متطرفة تكفيرية إفراطية و يمدّونها بالأموال للقيام بهذه الأعمال، و من جانب آخر يطلقون فئة متطرفة و شتامة من الطرف الآخر كذلك لتأجيج الصراع و القتال فيما بينهما، و لكل واحد من هاتين الفئتين جمع غفير من الأتباع و المناصرين. فهل يوجد للصهاينة و للكيان الصهيوني أفضل من هذا الوضع؟ علينا أن نتحلَّى باليقطة، و أن ندرك ماذا يجري في المنطقة !
إن سياسة القوى الاستكبارية في هذه المنطقة سياسات تتمحور حول الخيانة بوضوح. ففي العراق تتمثل سياستهم في إضعاف النظام المبني على الانتخابات و على أصوات الأكثرية و على الديمقراطية و تسعى للإخلال به و إسقاطه و الحيلولة دون أن يمارس عمله، و إثارة الشقاق و الصراع بين الطائفتين الشيعية و السنية فيه. و لقد رأينا العراق قبل هذه الأحداث، حيث كان الشيعة و السنة يعيشون معاً و جنباً إلى جنب، و يتزاوجون فيما بينهم، و اليوم نجدهم يواجه بعضهم بعضًا، و يشهرون السلاح بوجه بعض. و في نهاية المطاف يهدفون إلى تقسيم العراق. و سياستنا تقف على النقيض تماماً من سياستهم، حيث نعتقد بضرورة تعزيز الحكومة الناتجة عن الانتخابات في العراق، و لزوم الثبات و الصمود أمام الذين يؤججون نيران الاختلافات الداخلية، و وجوب الحفاظ على و حدة الأراضي العراقية. و هذه السياسة تعارض سياسة الاستكبار في العراق بالكامل.
في سورية، تتمثل سياسة الاستكبار بإسقاط الحكومة المعروفة بمقاومتها أمام الكيان الصهيوني مهما كلّف الثمن. و سياستنا ضد هذه السياسة. علماً بأننا في شأن العراق و سورية و اليمن و البحرين و لبنان و كل البلدان، نعتقد أن شعوب تلك البلاد هي التي تقرر مصيرها، و لا يحق لنا و لا لأي أحد من الخارج أن يقرر مصيرهم، و هذا أمرٌ موكول إليهم.. هذه هي عقيدتنا. في حين أن سياسة الاستكبار في سورية تتمثل بفرض إرادة خارج نطاق إرادة الشعب، و هي الإطاحة بالحكومة التي عُرفت بوقوفها بصلابة و مواجهتها الحاسمة للكيان الصهيوني؛ الأمر الذي قام به الرئيس السوري الحالي و الرئيس السابق بكل و ضوح. و نحن نقول إن الحكومة التي يكون شعارها و هدفها و نيتها هو الصمود أمام الصهاينة، تعتبر فرصة مغتنمة للعالم الإسلامي. و بالطبع فإننا لا نبحث عن مصالحنا الخاصة في سورية أو العراق، و إنما نفكّر في العالم الإسلامي و في الأمة الإسلامية. فإن مواقفنا تقف على النقيض من مواقف الاستكبار بهذه الصورة.
في لبنان، احتلّ النظام الصهيوني جزءاً كبيراً من الأراضي اللبنانية لسنوات طويلة. التزم الاستكبار و على رأسه أمريكا صمتاً مصحوباً بالرضا. ثم نهضت مجموعة مقاومة مؤمنة مضحية تعتبر أكثر مجموعات الدفاع الوطني شرفاً و فخراً، و هي المقاومة اللبنانية و حزب الله في لبنان - و هم من أشرف مجموعات المقاومة الوطنية و الدفاع الوطني على الصعيد العالمي، و قلما شهدنا في البلدان مجموعة مقاومة تتحلى بهذه الطهارة و الإيمان و التضحية و النجاح في العمل - فقام المستكبرون للقضاء عليهم، فاتهموهم بالإرهاب! فهل يعتبر حزب الله إرهابياً؟ و هل تعتبر هذه القوة العظمى للدفاع الوطني عن لبنان إرهابية؟ و هل يسمى هذا إرهاباً؟ و بناءً على هذا، فهل تعتبر فصائل المقاومة التي دافعت عن أوطانها دفاعاً مستميتاً على مرّ التاريخ في فرنسا و غيرها و أصبحت مبعث عزكم و فخركم أنتم الأوروبيين و غيركم، من الفصائل الإرهابية؟ و هل تعتبر القوة التي تقف في وجه المعتدي و في وجه ايادي الاستكبار، و تقدّم التضحيات في هذا السبيل إرهابية؟ و في الوقت ذاته يمدّون يد الأخوّة و الصداقة للكيان الصهيوني الجبار المجرم القاتل للأطفال! هذه هي سياستهم.
سبب دعمنا للمقاومة اللبنانية يعود إلى استقامتها الحقيقية أمام الأعداء و دفاعها و شجاعتها و تضحياتها و صمودها أمامهم، و لو لم تكن هذه المقاومة، لكانت إسرائيل - التي كانت قد دخلت يوماً صيدا و ما بعد صيدا و وصلت إلى بيروت – لا تزال تحتل بيروت و لما بقي من لبنان أثر. هذه المقاومة هي التي وقفت في وجههم و منعتهم من هذا. و رغم هذا يعبّر حضرات الساسة الأمريكيين الصادقين عن هؤلاء بالإرهابيين و عن إيران بأنها داعمة للإرهاب بسبب دعمها لهم! و لكنكم أنتم من دعم الإرهاب، و أنتم من أسّس داعش، و أنتم من أصبح حاضنة للإرهاب، و أنتم من حمى الكيان الصهيوني الخبيث الإرهابي، و أنتم من يدافع عن الإرهاب، و أنتم من يجب محاكمته لدعمه و مساعدته للإرهاب. و الكلام بعينه يجري في اليمن و في البحرين و في البلدان الأخرى.
وفي اليمن، هل يعتبر ذلك الرئيس4 الذي قدّم استقالته في أحلك الظروف لإيجاد فراغ سياسي، ثم فرّ من بلده بزيّ النساء، رئيساً شرعياً؟ و هل يحق لهذا الرئيس أن يطلب من بلد آخر مهاجمة بلده و قتل أبناء شعبه؟ فإنه منذ أربعة أشهر تقريباً أو ثلاثة أشهر و نيف و هم يدكّون اليمن و يقصفونها، و لكن ماذا و من يقصفون؟ يقصفون المساجد و المستشفيات و المدن و المنازل و يقتلون الأبرياء و الأطفال، بأي ذنب؟ و رغم هذا كله و أمريكا تدعمهم.
ولقد قلتُ لهم اليوم في صلاة العيد إنكم ترتكبون الأخطاء في الوقت الراهن أيضاً. حيث باتوا يُفصحون عن أخطائهم الماضية قائلين إننا أخطأنا في انقلاب الثامن و العشرين من مرداد ]19/8/1953[. أجل فقد اقترفتم خطأً فادحاً، و لكنكم ترتكبون الأخطاء في الحال الحاضر أيضاً، حيث تمدّون يد الصداقة إلى أكثر الأنظمة استبداداً، و تتواطأون معهم، و تطلقون في الوقت ذاته على نظام الجمهورية الإسلامية القائم من رأسه إلى قدمه على الانتخابات أنه نظام مستبد! فهل أنتم منصفون؟ أنتم الساسة الأمريكيون تتحدثون و تحكمون في غاية الإجحاف حتى تجاه الحقائق الواضحة. و إن المرء ليعجب من صلافتهم و وقاحتهم! حيث يعتبرون الدول التي لا تسمح لشعوبها بأن تسمع باسم الانتخابات - بحيث أنه لو ذكر شخص في بعض هذه البلدان اسم الانتخابات في الشارع، يعتقلونه و يزجّونه في السجن و لا يُعلم ماذا سيكون مصيره - دولاً صديقة و حليفة و شقيقة و يعقدون معها عقد الأخوة، و في نفس الوقت يسمون نظام الجمهورية الإسلامية الذي أجرى خلال 36 عاماً أكثر من ثلاثين انتخاباً، و يصفونه بالاستبداد! لهذا نحن نقول انه لا يمكن الوثوق بهؤلاء.
عدم الوثوق بهم يعود إلى هذه الأسباب، إذ لا يخرج الكلام الصادق من أفواههم، و لا يجد الصدق و المصداقية سبيلاً إليهم. و في هذا الاختبار الصعب الذي أشار إليه السيد رئيس الجمهورية5 - و قد بذل في هذا المضمار و سائر المسؤولين المعنيين جهوداً مضنية حقاً - ظهرت منهم طوال هذه الفترة حالات تدل على عدم صدقهم و أمانتهم. و لحسن الحظ فقد جابههم مسؤولونا و واجهوهم أحياناً مواجهة ثورية، و بذلوا مساعيهم، و توصلوا حتى الآن إلى بعض النتائج، و لا بد من النظر إلى ما ستفضي إليه هذه القضية.
إن الوصفة الوحيدة المتوافرة في الوقت الراهن للعالم الإسلامي و لكل بلد في داخله هي الاتحاد و التلاحم، فعلى الشعوب أن تتّحد و ترصّ صفوفها، و على الشعب الإيراني أن يتكاتف فيما بينه، و لا ينبغي أن تؤدي القضايا النووية و غيرها إلى شق الصفوف بحيث يتجه كل صفّ باتجاه - فإنه بالتالي عمل سيتم إنجازه، و له مسؤولون يتابعون الأمور، و سيبادرون إن شاء الله إلى ما يصبّ في المصلحة الوطنية - فلا ينبغي أن يشق روح الاتحاد، و هذا ما يريده العدو. و من يتابع حالياً مهاترات الأجانب، و برامج الإذاعة و التلفزة، و المواقع الأجنبية التي أخذت تتسع رقعتها على الدوام و تبث المواضيع باستمرار، يجد أنها ترمي إلى دقّ إسفين الخلاف بين الناس، و عليكم أن تحولوا دون ذلك و أن تحافظوا على و حدتكم و تلاحمكم.
ولا بدّ من أن ينبع الاقتدار من الداخل. لا فرق بين التقوى العامة و الاجتماعية و بين التقوى الفردية؛ ففي التقوى الفردية - و الصوم هو للتقوى، و شهر الصيام شهر اكتساب التقوى - من يلتزم بالتقوى، يحصل على صيانة و حصانة داخلية، كالذي يتحصّن بالتلقيح، بحيث إذا دخل بيئة ملوثة بالجراثيم، لا يتأثر بها، و هكذا هي التقوى؛ فإنها تحول دون أن تؤثر عليكم البيئة الخارجية أو تحول دون أن تترك أثرها عليكم بسهولة على أقل تقدير. هذه هي التقوى الفردية. و كذلك الحال في التقوى الوطنية، فلو قام شعب بتقوية نفسه من الداخل، و تقوية علمه و صناعته و إيمانه و ثقافته، لا يمكن للقوى الخارجية أن تترك أثرها عليه. هذه هي الوصفة التي يجب علينا جميعًا و كذلك على العالم الإسلامي العمل بها.
اللهم! وفّقنا لمعرفة كل ما هو سبيل للهداية و وفقنا لسلوك ذلك السبيل.
والسلام عليکم و رحمة الله و بركاته.
الهوامش:
1- قبل کلمة قائد الثورة الإسلامیة المعظم، ألقى حجة الاسلام و المسلمین الشيخ حسن روحاني رئیس الجمهوریة الاسلامیة في إیران؛ كلمة.
2- سورة آل عمران، جزء من الآية 103.
3- من بينها كتاب مذكّرات هیلاري کلنتون وزيرة الخارجية الامريكية السابقة .
4- عبد ربه منصور هادي.
5- كلمة رئیس الجمهوریة الشيخ حسن روحاني عقب الإعلان عن الاتفاق النووي.