04/05/2015
بسم الله الرحمن الرحيم (1)
إنه لعمل جيد و مناسب جداً هذا العمل الذي قمتم به لتكريم ذكرى شهداء محافظتكم (2) و ستقومون به إن شاء الله. قضية الحرب المفروضة و آثارها و لوازمها - و منها هذه التضحيات و الإيثار و الشهادة - ليست بالمسألة العادية أو المألوفة و الدارجة، بل هي قضية استثنائية. لو نظرنا نظرة صحيحة لوجدنا أن مجموعة الأحداث التي وقعت في هذه الأعوام و هذه التضحيات التي قدمها شبابنا يمكنها أن تكون رصيداً باقياً للثورة دوماً. يجب أن لا نسمح ببقاء هذا الرصيد عاطلاً دون الاستفادة منه، و السبيل للاستفادة منه أن تبقى ذكرى الشهداء حية.
طيّب، ذكر حضرة السيد شاهچراغي بعض النقاط حول مزايا محافظة سمنان، و أنا أعترف بهذا المعنى، فعقيدتي حقاً هي أن محافظتكم محافظة جد مباركة، و الناس المؤمنون المتدينون الملتزمون و الشخصيات العلمية و الاجتماعية و السياسية البارزة في هذه المحافظة ليست بالقليلة. في الحكومة الحالية و في الحكومة السابقة كان رئيسا الجمهورية من محافظتكم، هذه نقطة ليلاحظها السادة. أحياناً يأخذ الحسد بعض المحافظات فيقولوا لماذا لا يوجد مسؤولون من محافظتنا؟ (3) محافظة سمنان و الحمد لله محافظة مميزة من حيث الشخصيات و الأفراد البارزين العلميين و الاجتماعيين و السياسيين و الجهاديين و ما إلى ذلك، هذا مما لا شك فيه.
على كل حال هذه العمل عمل قيم، عملية تكريم ذكرى الشهداء و الحفاظ على ذكرى هؤلاء الأعزاء فريضة. البعض يريدون نسيان هذه الأشياء، إنهم الذين لا تربطهم علاقات طيبة بمعارف الثورة و طموحاتها و أهدافها، فلا ينسجمون مع الحفاظ على ذكرى الشهداء و لا يحبون ذلك. لكن شعبنا يحب الشهداء، لأن شهداءنا قدموا التضحيات و تخلوا عن حياتهم و راحتهم و ساروا إلى ميادين المعركة و قدموا أرواحهم. هذا ليس بالشيء القليل، بل هو كبير جداً. على مستوى الوصف يمكن للإنسان أن يقول الكثير من الكلام و لكن على مستوى العمل ليس العمل مما يحسنه الجميع، إذ لا بدّ له من درجات عالية من الإيمان و العزيمة الراسخة الفولاذية ليستطيع الإنسان الخوض في هذه الساحة، و هذا ما قام به الشهداء. العمل الذي قمتم به لحد الآن و قدمتم تقريره، جيد جداً. هذه الأعمال أعمال جيدة، أي إن تسجيل و توثيق ذكرياتهم و تكريم ذكرياتهم و أسمائهم و نشر صورهم أو الكلمات التي تروى عنهم، هذه أعمال جيدة جداً. هذه اللائحة التي ذكرتموها حول الأعمال و الخطوات المتخذة جيدة جداً، و لكن ليكن هدفكم أن تترسخ معارف الشهادة و معاني الإيثار و الإيمان في متلقيكم العصريين بالمعنى العميق للكلمة.
المتلقون ليسوا على شاكلة واحدة دائماً، نعم، إنني أعتقد أن قدرات الشباب اليوم و هممهم و عزائمهم و إيمانهم ليس بأقل مما كان عليه الشباب في عقد الستينيات [الثمانينيات من القرن العشرين للميلاد]. هذه هي عقيدتي حسب المعرفة و الاطلاع و التقارير و الدراسات الميدانية، هذا ما نعتقد به، و لكن ليکن ثمة تنبه إلى أن شباب البلاد اليوم معرضون لتهديدات فكرية خطيرة. لم يكن هذا المعنى قائماً في عقد الستينيات، لا أنه لم تكن هناك دوافع للتخريب في ذلك الحين، بلى، دوافع التخريب لا تعرف عقد الستينيات من غيره، و لا تعرف اليوم من الماضي، بل هي موجودة دائماً و ستبقى موجودة، بيد أن الأدوات لم تكن بهذا الحجم، فالأدوات اليوم كثيرة. وسائل الاتصال الموجودة اليوم حيث يمكن لكلام أو فكرة خاطئة أن تنتشر بشكل واسع، لم تكن موجودة في ذلك الحين، و هي متوفرة في الوقت الراهن تحت تصرف الجميع، و ينبغي التنبه لهذا الشيء. و قد أشرتم الآن إلى أنكم قمتم بكذا و كذا في ما يتعلق بالهواتف المحمولة، جيد جداً، هذه أعمال جيدة، و أنا لا أرفض هذه الأعمال، و لكن انظروا ما الذي يستطيع أن يربط قلب الشباب بقضية الإيمان و الإيثار و يعمّق التزامه و ارتباطه بهذا الفكر أكثر، ادرسوا هذا الشيء، فهو ليس بالشيء الذي يمكن أن يتوفر لكم بسهولة. ينبغي معرفة المتلقي، و متلقونا اليوم عشرات الملايين، و الكثير منهم شباب، سواء الشباب الجامعيون أو شباب الثانويات أو الشباب في الأجواء الحياتية الأخرى، هؤلاء كلهم متلقونا و ينبغي معرفة المتلقي و معرفة إمكانياته و طاقاته، كما ينبغي تعلم كيفية التحدث معه. هذا شيء مهم جداً، لاحظوا ما الذي ينبغي أن تقولوه.
نواياكم حسنة جداً، و هذا مما لا ريب فيه، نواياكم حسنة و مساعيكم و قدراتكم جيدة، و لكن ثمة أعمال يحتاج فيها المرء إلى التشاور مع المتخصصين و أصحاب التجارب في ذلك الحقل، لا تنسوا هذا الشيء و انظروا كيف تستطيعون تحقيق ذلك. فكروا حالياً بخصوص أجواء المحافظة، و قد قال إنها محافظة صغيرة؛ إنها ليست بالمحافظة الصغيرة جداً، بمعنى أنها ليست محافظة صغيرة من حيث الامتداد و السعة، و قد تكون قليلة السكان - ليست كثيرة السكان جداً - لكنها ليست محافظة صغيرة. مناطق هذه المحافظة مختلفة من الناحية الثقافية، فمثلاً ليست سمنان و شاهرود على شاكلة واحدة، و أنتم باعتباركم من أهل المحافظة تعلمون أفضل مني، و أنا بدوري على معرفة بمحافظتكم. انظروا إلى المتلقي الذي هو من أهل هذه المحافظة و بالتنوع الثقافي الموجود في هذه المحافظة، كيف يمكن في ضوء هذا كله أن تتحدثوا، و ما هو الكلام الذي يجب أن تقولوه حتى يكون مؤثراً، و عندئذ إذا استطاع مؤتمركم هذا أن يحقق النتائج المرجوة منه فسيكون ذلك عملاً مميزاً و كبيراً بحق. انتفعوا من السادة العلماء و انتفعوا من السادة أصحاب التجارب في قضايا الاتصالات و انتقوا من بين هذه المسائل الموجودة. و ينبغي الاستفادة من الفن إلى أقصى الحدود، و قد أشرتم إلى الأناشيد؛ هذا مهم جداً، فإذا استطعتم إنتاج نشيد جميل مؤثر حسن المضامين بحيث تلهج به ألسنة الأطفال و الشباب عندما يسيرون في الشوارع و الأزقة من البيوت إلى المدارس تكونوا قد أنجزتم عملاً كبيراً جداً، أي الاستفادة من الفن بشكل صحيح، هذا ما يسهّل أعمالكم و مهماتكم. على كل حال ينبغي السعي و العمل.
البلد اليوم غير مشتبك في حرب عسكرية لحسن الحظ، لكنه في حرب سياسية و حرب اقتصادية و حرب أمنية، و فوق كل ذلك حرب ثقافية، إنه في حالة حرب. إذا لم يكن أحد على علم بهذا فسيبقى نائماً. إذا لم تعلموا أن العدو يريد الهجوم و من أين سيكون هذا الهجوم و كيف، فثقوا أنكم ستنهزمون؛ يجب أن تعلموا ما الذي يفعله العدو. هكذا هي ساحة البلاد اليوم. حين نقول: حرب ثقافية و حرب اقتصادية فهذا لا يتنافى أبداً مع أن يشعر الإنسان داخل البلاد بالهدوء و الراحة. إننا من أنصار الشعور بالأمن، و نريد أن يتوفر الشعور بالأمن، أي لا يكون هناك اضطرابات و اعتقالات و توتر، و أن يشعر الجميع بالأمن، هذا ما نحبه، و هو لا يتعارض مع ما قلناه من إن العدو يحاربنا بشكل خاص و في حدود الممكن. يجب معرفة ذلك الشكل الخاص و العثور على سبل مواجهته، فهناك مختلف أنواع الأساليب، و لكن البعض لا يريدون إدراك ذلك و لا يريدون تصديقه، لأنهم إذا صدقوه فسوف يضع بعض الواجبات على أعناقهم، و البعض لا طاقة لهم بذلك. لكن هذا هو واقع القضية، بمعنى أن هناك في الوقت الراهن حرب تخوضها البلاد على ساحات متنوعة منها الساحة الاقتصادية و منها الساحة الثقافية و منها الساحة السياسية: « وَ اِنَّ اَخَا الحَربِ الاَرِق» (4). من کان من أهل الكفاح و الحرب يبقى يقظاً. ثم قال: «وَ مَن نامَ لَم ينَم عَنه» (5). إذا نمت و أنت في جبهة القتال فليس معنى ذلك أن الطرف المقابل نائم و غافل أيضاً، إذا غفلت أنت عنه فليس هذا علامة على أنه هو أيضاً غافل عنك، لا، قد تنام أنت و يبقى هو يقظاً. ينبغي التنبه لهذا المعنى، و الساحة على كل حال ساحة مهمة.
مهما یکن من أمر، نشكر السادة الذين عقدوا الهمم و سعوا و أطلقوا هذه التحركات، و عشرة أعوام زمن جيد لمثل هذه التحركات الواسعة الممتدة. أشار السيد شاهچراغي إلى أنهم يعملون عشرة أعوام، و أنا أحبّ هذه الأعمال التي تنجز خلال فرصة زمنية طويلة و بطمأنينة. لا يمكن أن نتخذ القرارات على عجل و نريد إنجازها بعد ستة أشهر، بل ينبغي العمل بتأن و طمأنينة و هدوء، و قد قمتم بالعمل بهدوء فنسأل الله تعالى أن یتقبل منكم و يوفقكم.
الهوامش:
1 - قبيل كلمة قائد الثورة الإسلامية تحدث في هذا اللقاء حجة الإسلام و المسلمين السيد محمد شاهچراغي ممثل الولي الفقيه في محافظة سمنان و إمام جمعة مدینة سمنان، و اللواء شاهچراغي قائد حرس قائم آل محمد (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في محافظة سمنان، فقدّما تقريريهما عن العمل.
2 - أقيم هذا المؤتمر في مدينة سمنان بتاريخ 07/05/2015 م .
3 - قيلت هذه العبارات من باب المطايبة و الملاطفة.
4 - نهج البلاغة، الكتاب رقم 62 .
5 – نفس المصدر .