موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

كلمته في لقائه مجموعة من مداحي أهل البيت (عليهم السلام) بمناسبة ذكرى ولادة السيدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)

    09/04/2015
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين. اللهم صلّ على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها، عدد ما أحاط به علمك.
أبارك هذه الولادة السعيدة لكل عشاق الولاية والنبوة وعشاق البيت النبوي، ومحبّي الفضيلة الحقيقية. وأرحب بكم أيها الأعزاء، فكلّ واحد منكم له مقام وفضيلة سوف أشير لها وأتحدث عنها. قبل البدء بكلمتي أحيّي ذكرى المرحوم السيد علي آهي (رحمة الله عليه) مداح أهل البيت (ع) الملتزم المتدين الخيّر الدؤوب.
إنني أعرف المرحوم علي آهي منذ بداية عقد الأربعينيات [بداية عقد الستينيات من القرن العشرين للميلاد]. جاء في مشهد جماعة من مداحي أهل البيت (ع) وكان هو ناشطاً، طبعاً لم نتعرف على بعضنا لكنني كنتُ أعرفه وآراه، كنتُ أعرفه لسنوات من بعيد، ثم تعرفنا عليه بعد ذلك عن قرب. أعلى الله من درجاته فقد كان ملتزماً متديناً بالمعنى الحقيقي للكلمة، وكان على الخصوص يشعر بالالتزام والمسؤولية اتجاه جماعة مداحي أهل البيت (ع). كنا نلتقي به كل عام هنا. رحمة الله عليه ونسأل الله تعالى الرحمة لأنفسنا أيضاً.
أذكر ثلاثة أمور، أحدها بخصوصكم أنتم مداحي أهل البيت (ع) وحول عملكم الشريف للغاية الذي تقومون به. والأمرالثاني الذي أروم طرحه يتعلق بالملف النووي الذي تحول في الوقت الراهن إلى قضية شائعة يكثرالحديث عنها في البلاد. والأمر الثالث الذي سأتحدث عنه يرتبط بقضية اليمن. هذه الأمور الثلاثة سأطرحها اليوم إجمالاً عليكم، وفي الواقع على الشعب الإيراني.
بخصوص النقطة الأولى ينبغي القول إن مهمة مدح أهل البيت (ع) مهمة شريفة جداً؛ لماذا؟ لأنه كان هناك على مرّ التاريخ أشخاص يمدحون الجائرين الظالمين العتاة، ويوجد مثل هؤلاء الأشخاص اليوم أيضاً. ثمة اليوم أيضاً في العالم أشخاص يطلقون ألسنتهم بمدح أقذر البشر في العالم، أو يستخدمون أقلامهم مقابل أجور - أجور قذرة ووسخة - في هذا الطريق. وأنتم على العكس تستخدمون ألسنتكم وأنفاسكم وحناجركم وقدراتكم الفنية لخدمة مدح الفضيلة. آل الرسول هم آل الفضيلة؛ إنهم فضائل من قمّة رؤوسهم إلى أخمص أقدامهم. من يمدح الشمس يمدح نفسه. إنكم في الواقع بمدح فضائل آل الرسول تمدحون أنفسكم وتفصحون عن شرف هذه المهمة والمهنة. قبل سنوات من هذا وفي نفس هذا المجلس المتعلق بالسيدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) قرأتُ هذا الشعر للمرحوم صغير إصفهاني:
جاء في الحديث أن الرسول في ليلة الإسراء
رأى إبلاً، وأنا أحد إبل تلك القافلة
إن كنتَ لا تصدق وتريد مني الحجة فانظر
إلى كتاب مدحه في يدي، فهو كل أحمالي
رحمة الله على صغير إصفهاني. إذن، أنتم تحملون في أيديكم كتاب مدح الفضيلة، وهذا شرف كبير. طوبى لكم، فاعرفوا قدر هذه المهنة واغتنموا هذه الخصوصيات وهذه الفرصة. كانت هذه هي النقطة الأولى بخصوص مدح أهل البيت (ع).
النقطة الثانية هي أن جماعة مداحي أهل البيت (ع) لديهم في البلاد اليوم فرصة كبيرة جداً. إنكم تقيمون مجالس وتجمعات كبيرة، وقد يحضر في هذه التجمعات الآلآف في بعض الأحيان، وهم في الغالب من الشباب، يتجمعون تحت منابركم ويستمعون لما تقرأونه ولمدائحهم ومراثيكم، فهل فرصة خير من هذه؟ كل هؤلاء الحضور والمتلقين وكل هذه القلوب المستعدة للإصغاء والاغتراف وكل هذه النفوس الجاهزة للتربية أمامكم، هذه فرصة «اِغتَنِمُوا الفُرَص فَاِنَّها تَمُرُّ مَرَّ السَّحاب». اغتنموا هذه الفرصة، وانتفعوا منها أفضل انتفاع.
النقطة الثالثة تتمثل بالسؤال: ما هي أفضل طريقة للاستفادة من هذه الفرصة؟ تبليغ معارف الدين، والدعوة للشيء الذي ضحّى هؤلاء العظماء ومشاعل العظمة والفضيلة بأرواحهم من أجله، وتحملوا من أجله كل تلك المشاق والمصائب، فوقعت حادثة عاشوراء والأحداث المبكية في صدر الإسلام. لماذا كانت هذه الأحداث؟ من أجل إشاعة المعارف الدينية، فوظفوا هذه الفرصة من أجل إشاعة معارف الدين والأخذ بأيدي الجيل الشاب إلى العمل بالدين والعمل بالشريعة والعمل بالمسؤوليات الكبرى في هذا العصر. بلادنا وشعبنا والعالم الإسلامي اليوم بحاجة إلى الفهم الصحيح والعمل بطريقة صحيحة والصمود. الشعب الإيراني نموذج، ومن بين أبناء الشعب يمكن تشبيه الشباب بالداينمو المحرك. هؤلاء الشباب أمامكم وتحت تصرفكم، أي إنكم بنظرة واحدة سوف تلاحظون أن مفتاح داينمو حركة العالم الإسلامي تحت أصابعكم وفي متناول أيديكم، فبلغوا معارف الدين وروّجوها.
علمّوا الناس والشباب ما يحتاجونه من أجل أن يكونوا طاهرين ويعيشوا أنقياء ويحيوا على أسلوب الحياة الإسلامية ويكونوا مسلمين بالمعنى الحقيقي للكلمة، ولكي تكون عواقب أمورهم إلى خير. هذه فرصة متاحة لكم. متى كان لنا على طول التاريخ كل هذه المجالس التي يجتمع فيها كل هؤلاء الشباب ويمنحون لكم قلوبهم. في زماننا، وخلال فترة شبابنا عندما كنا في مدينة مشهد، لو أحصيتم كل مداحي أهل البيت (ع) لما تجاوزوا الخمسة أو الستة أشخاص، وقد كانوا في طهران أكثر من هذا بقليل. كل هذه المجالس وكل هؤلاء القرّاء وكل هؤلاء المرتلين وكل هذا الفن وكل هذه الأصوات الحسنة، والشعراء بدورهم يندفعون وينظمون أشعارهم، اغتنموا هذه الفرصة. هذه أيضاً نقطة من النقاط.
والنقطة الأخيرة هي تجنب الانحرافات والخرافات وخلق المشاكل في معتقدات الشباب. أحياناً نقول كلمة تخلق عقدة في ذهن المستمع الشاب، فمن سيفتح هذه العقدة؟ هذه العقدة التي نوجدها في ذهن الشاب بعباراتنا الناقصة أو بياننا الخاطئ أو لاأباليتنا أو لامسؤوليتنا ونخلق مشكلة له في عقيدته، كيف سيمكن فتح هذه العقدة؟ هذه مسؤولية. أن نبدّل مجالس عزاء ومدح سيد الشهداء الإمام الحسين - ومبعث عظمته هو استشهاده وتضحيته في سبيل الله وتجاوزه عن كل شيء وعن كل الرغائب والطيبات - إلى شيء فيه خفة ومكان يخلع فيه الشباب ثيابهم ويقفزون في الهواء وإلى الأسفل ولا يعلمون ما يقولون، فهل هذا صحيح؟ هل هذا شكر للنعمة التي منّ الله بها عليكم؟ هذا الصوت الحسن نعمة، والقدرة على إدارة المجالس نعمة، هذه أشياء لم يمنحها الله للجميع، بل منحها لكم، ويجب شكر هذه النعم. إذن، أنا أحب جماعة مداحي أهل البيت (ع) من أعماق قلبي، وأدعو لكم، منّ الله تعالى عليكم بالتوفيق وأعانكم، ولكن أقول أيضاً إن التوقعات من جماعة مداحي أهل البيت (ع) في المجتمع الإيراني وفي كل الرؤية الإقليمية اليوم، توقعات عالية.
وحول سيدتنا الصديقة الطاهرة المعصومة الراضية المرضية (سلام الله وسلام جميع أنبيائه وملائكته وعباده الصالحين عليها) لا أستطيع قول شيء، ولقد ذكرتم في أشعاركم بعض جوانب شخصيتها، وأنا لساني لقاصر عن ذكر شيء، لذلك أتجاوز هذا الموضوع.
الموضوع الثاني هو الملف النووي. البعض سألوا ويسألون لماذا لم يتخذ فلان موقفاً من الملف النووي؟ الجواب هو أنه لم يوجد مجال لاتخاذ موقف. المسؤولون الإيرانيون ومسؤولو الملف النووي والمتصدون للأمر مباشرة يقولون لنا إنه لم ينته شيء لحد الآن، ولم يحدث أي شيء ملزم بين الطرفين، فأيّ موقف يجب أن يتخذ؟ إذا سألوني هل أنت موافق أم معارض؟ أقول لا موافق ولا معارض، لأنه لم يحدث شيء لحد الآن، ولم ينجز شيء إلى الآن. المشكلة كلها تتعلق بتلك التفاصيل التي من المقرر أن يجلسوا ويناقشوها نقطة نقطة، وهذا ما قاله المسؤولون أنفسهم، قالوه لنا وقالوه للناس في مقابلاتهم، والمشكلة كلها بعد ذلك. قد يروم الطرف المقابل، وهو طرف لجوج وسيئ العهود وسيئ المعاملة وناكث للعهود ومن أهل المساومة ومن أهل الطعن بالخنجر في الظهر وما إلى ذلك من أعمال وقبائح، قد يروم حصر بلادنا وشعبنا ومفاوضينا في زاوية معينة بخصوص التفاصيل، وليس لدينا لحدّ الآن أيّ شيء، ولا يوجد أيّ شيء ملزم. أنْ يباركوا ويبعثوا لي التبريكات ويبعثوا التبريكات لآخرين، فهذا شيء لا معنى له؛ أيّ تبريك؟ ما حصل لحد الآن ليس بأصل الاتفاق، ولا يضمن مفاوضات تفضي لاتفاق، ولا يضمن محتوى الاتفاق، ليس أياً من هذه الأمور، بل إنه لا يضمن أن تستمر هذه المفاوضات إلى نهايتها وتفضي إلى اتفاق. هذا هو ما حصل وتمّ لحد الآن، وكلّ شيء يتعلق بما بعد ذلك.
أذكر عدة نقاط في خصوص القضية النووية. أنا طبعاً لم أكن متفائلاً يوماً في ما يخص المفاوضات مع أمريكا. وليس هذا من باب الأوهام بل من باب التجارب، لقد جربنا. وإذا حدث في يوم من الأيام - ولن نكون نحن موجودين في ذلك اليوم على أغلب الظن - أن اطلعتم أنتم إن شاء الله على مسار الأحداث والتفاصيل والمذكرات والمحاضر والكتابات المتعلقة بهذه الأيام سوف ترون من أين تنبع تجربتنا هذه؛ لقد جربنا. ولكن مع أني لم أكن متفائلاً بالمفاوضات مع أمريكا لم أعارض هذه المفاوضات الخاصة بقضية معينة، ووافقت عليها، ودعمت المفاوضين بكل كياني، وأدعمهم الآن أيضاً. وأدعم وأرحب مائة بالمائة باتفاق يضمن مصالح الشعب الإيراني ويحفظ عزته، ليعلم الجميع هذا. إذا قال قائل بأننا مثلاً نعارض الاتفاق أو الوصول إلى محطة معينة، فلا، قوله هذا بخلاف الحق والواقع. إذا حصل اتفاق يضمن مصالح الشعب والبلاد فأنا سوف أوافق عليه تماماً.
وبالطبع قلنا أيضاً إن عدم الإتفاق خير من الإتفاق السيئ - وهذا ما يقوله الأمريكان أيضاً - هذه المعادلة معادلة صحيحة. عدم الإتفاق أفضل من الإتفاق الذي تسحق في مصالح الشعب، وتمسّ به عزة الشعب، ويتعرض بموجبه شعب إيران بهذه العظمة للمهانة. عدم الإتفاق أشرف من مثل هذا الإتفاق. هذا عن النقطة الأولى.
والنقطة التالية هي أنني لم أتدخل في تفاصيل المفاوضات، ولن أتدخل بعد الآن أيضاً؛ وقد ذكرتُ دوماً لمسؤولي البلاد الأمور العامة والخطوط الأصلية والأطر المهمة والخطوط الحمراء؛ ذكرتها في الغالب لرئيس الجمهورية المحترم الذي لدينا معه جلسات واجتماعات مستمرة، وذكرتُ حالات معدودة لوزير الخارجية المحترم؛ ذكرتُ الخطوط الأصلية والكلية. تفاصيل العمل والأمور الصغيرة التي لا تؤثر على تأمين تلك الخطوط العامة، ليست موضع اهتمام، فهي تحت تصرفهم ويمكنهم أن يعملوا في شأنها. أن يقال إن تفاصيل هذه المفاوضات خاضعة لرأي القيادة فهذا كلام غير دقيق. أنا بالطبع أشعر بالمسؤولية ولستُ عديم الاهتمام حيال هذه القضية على الإطلاق؛ ثمة كليات سوف أشير لبعضها، وسبق أن خاطبت بها الجماهير في كلمات عامة، وذكرتها بمزيد من التفاصيل للمسؤولين.
النقطة الثالثة هي أنني وكما قلتُ أثق بالمسؤولين التنفيذيين؛ اعلموا هذا؛ هؤلاء السادة العاملون هم أفراد نثق بهم، وأنا لا أشك في خصوصهم أبداً، وفي ما كانوا عليه لحد الآن، ولن تكون هناك شكوك بعد الآن أيضاً إن شاء الله؛ ليست لديّ أية ريب في خصوصهم. لكنني في الوقت ذاته لديّ هموم وقلق جاد، وهذا القلق ناجم عن أن الجانب المقابل ذو درجة شديدة من الخداع والكذب ونقض العهود والسير بخلاف الاتجاه الصحيح؛ هكذا هو الجانب المقابل. وقد حدث نموذج لذلك في نفس هذه القضية الأخيرة، فبعد أن انتهت المفاوضات صدر بيان البيت الأبيض لبيان المفاوضات بعد ساعات. هذا البيان الذي أصدروه - والذي يسمونه «فكت شيت» - هو بخلاف الواقع في أغلب مواطنه، بمعنى أن روايتهم للمفاوضات والتفاهمات التي حصلت رواية مشوّهة وخاطئة وبخلاف الواقع. لقد جاءوني بهذا البيان واطلعت عليه، وكان من أربع أو خمس صفحات، وهذه الصفحات الأربع أو الخمس لم تعد طبعاً خلال هاتين الساعتين؛ في نفس الوقت الذي كانوا فيه يفاوضون كانوا يعدون هذا البيان. لاحظوا، هكذا هو الطرف الثاني. إنه يتحدث معكم ويحصل تفاهم بشأن مواضيع معينة، وفي الوقت نفسه الذي يتحدث فيه معكم يعدّ بياناً بخلاف الشيء الذي يجري بينه وبينكم، وما أن تنتهي المفاوضات حتى ينشر ذلك البيان!
هكذا هو الطرف الآخر، إنه طرف سيئ العهد وغشاش. يتكلمون ثم يقولون بشكل خصوصي إن ذلك كان من أجل حفظ ماء الوجه؛ يكتبون أشياء من أجل أن لا يكون موقفهم أمام معارضيهم في داخل بلادهم ضعيفاً على سبيل المثال. هذا بالتالي لا علاقة لنا به. إذا تقرر أن تكون هذه الأشياء معياراً للعمل والتنفيذ فإن ما كتبوه لن يكون يقيناً معياراً للعمل والتنفيذ. وهم بالطبع يقولون الشيء نفسه عنا. قالوا إنه بعد أن تنتهي هذه المفاوضات قد تبدي القيادة معارضتها لها من أجل حفظ ماء الوجه، والكافر - كما يقول المثل - يخال الجميع كفاراً. إن كلامنا مع الناس قائم على أساس الثقة المتبادلة. الشعب وثق بي أنا العبد الضعيف، وأنا بدوري أثق بكل واحد من أبناء هذا الشعب، وأثق بهذا الحراك العام، وأعتقد أن «يدُ اللهِ مَعَ الجَماعَة». أعتقد أن يد الله هي التي تعمل وتسيّر الأمور. أنظروا ليوم الثاني والعشرين من بهمن، في ذلك البرد وبتلك المشكلات، وأنظروا ليوم القدس بذلك الحرّ وبأفواه صائمة، من الذي يأتي بالناس إلى الشوارع؟ ما الذي يحصلون عليه من نزولهم إلى الشوارع؟ هذه يد الله، ونحن نرى الله في هذه الأمور، ونثق بهذا الحراك الشعبي وبهذه المشاعر الجماهيرية ونثق بهذا الصدق وببصيرة الشعب. إننا نتحدث مع بعض؛ والطرف المقابل يعمل بطريقة أخرى، ويقارننا بنفسه. إذن، لديّ قلق، والآن أيضاً لديّ قلق مما سوف يفعلونه وكيف سيتصرفون.
النقطة التالية هي أن البعض وافقوا والبعض عارضوا. في صحافتنا وفي الكتابات في بلادنا وفي مواقع الأنترنت وغيرها، مدح البعضُ وعارض البعضُ، والذي أعتقده هو أنه ينبغي عدم المبالغة وعدم التسرع. ينبغي أن نرى ما الذي يحدث. وبالطبع فقد قلتُ للمسؤولين أنفسهم خلال هذه الأيام يجب أن يطلعوا الناس، والنخبة خصوصاً، على التفاصيل والواقع، فليس لدينا أمور سرية وخفية. هذا مصداق للتعاطف مع الناس. التعاطف ووحدة الكلمة الذان تحدثنا عنهما، التعاطف ليس شيئاً يحصل عنوة أو بالأوامر حيث يأمر شخص الناس بالتعاطف ويقول الناس سمعاً وطاعة. لن يكون هذا تعاطفاً. التعاطف أشبه بزهرة أو غرسة أو شتلة ورد، ينبغي زرعها في الأرض، ثم يجب تعهدها ورعايتها وسقايتها والحيلولة دون تعرضها للأضرار والأخطار من أجل أن ينمو هذا التعاطف ويكبر. من دون هذا لن يحصل التعاطف. التعاطف وتطابق القلوب خير من وحدة الكلمة وتطابق الألسن. وتوافق الكلمة والألسن حسن بدوره.
يقول الشاعر:
ربّ هندي وتركي لغتهم واحدة
و ربّ تركيين أشبه بالأجنبيين أحدهما على الآخر
إذن، لغة التفاهم شيء آخر
وحدة القلوب خير من وحدة الألسن.
التعاطف ضروري، ويجب إيجاد التعاطف ووحدة القلوب. يجب تنمية حالة التعاطف. هذه توصيتي للجميع. توجد الآن فرصة جيدة للتعاطف. هناك معارضون يخالفون، لا بأس، المسؤولون الإيرانيون أشخاص صادقون ومحبون للمصالح الوطنية فليدعوا جماعة من المعارضين - البارزين من المعارضين - وليسمعوا كلامهم ويروا ما يقولون، فقد يكون في كلامهم نقطة أو إشارة لو راعاها المسؤولون لكان أداؤهم أفضل، وإذا لم يكن في كلامهم نقطة مهمة فليحاولوا إقناعهم، وسيكون في ذلك تعاطف وتوحيد للقلوب والمشاعر، وتوحيد للأعمال تبعاً لذلك. أعتقد أنهم يجب أن يجتمعوا ويستمعوا ويناقشوا. وقد يقولون ليس أمامنا من الوقت سوى ثلاثة أشهر؛ طيب، لتتحول الأشهر الثلاثة إلى أربعة، هل ستنطبق السماء على الأرض؟ ما الإشكال في ذلك؟ كما أنهم في فترة من الفترات أجّلوا الزمن إلى سبعة أشهر قادمة. طيّب، ما الإشكال بالنسبة لأعزائنا لو أخذ منهم هذا التعاطف وتوحيد الأقوال وتبادل وجهات النظر بعض الوقت، يخصص بعض الوقت ويتأخر موعد تلك القرارات النهائية بعض الشيء، لن تحدث مشكلة. هذه أيضاً نقطة.
النقطة الأخرى هي أن هذه المفاوضات الجارية - وجزء منها تفاوض مع أطراف أمريكية - تنحصر في القضية النووية فقط؛ فقط. إننا في الوقت الحاضر لا نتفاوض مع أمريكا في أي موضوع آخر؛ أبداً؛ ليعلم الجميع هذا؛ لا نتفاوض معهم حول قضايا المنطقة، ولا حول مختلف القضايا الداخلية، ولا حول الشؤون الدولية. موضوع المفاوضات اليوم هو الملف النووي فقط. وستكون هذه تجربة، فإذا أقلع الطرف المقابل عن اعوجاجاته الدارجة ستكون هذه تجربة لنا تفيد أنه يمكن التفاوض معهم في موضوع آخر، ولكن إذا وجدنا الأمر بخلاف ذلك، وأن تلك الاعوجاجات التي شاهدناها منهم دوماً لا تزال موجودة ولا زالوا يسيرون في الطريق الخطأ فمن الطبيعي أن تتعزز تجاربنا السابقة.
والجانب المقابل لنا ليس العالم كله. هذه أيضاً نقطة ينبغي التنبه لها. يسمع المرء أحياناً تعابير في تصريحات بعض الأعزاء - وقد أبديت عتابي عليها - يقولون: المجتمع الدولي! هم يقولون عن أنفسهم المجتمع الدولي، والحال أن المجتمع الدولي لا يقف أمامنا، هناك فقط أمريكا وثلاثة بلدان أوربية. الذين يمارسون اللجاجة والاعوجاج والخبث ونكث العهود مع شعب إيران في هذه القضية أحدهم أمريكا والباقون هم البلدان الأوربية الثلاثة، ولا أحد آخر يقف أمامنا. قبل سنتين أو سنتين ونصف من الآن وفي نفس مدينة طهران هذه حضر ممثلون رفيعو المستوى من أكثر من 150 بلداً، منهم نحو خمسين رئيس دولة حضروا في طهران في إطار مؤتمر عدم الانحياز. حدث هذا قبل سنتين أو ثلاث سنوات ولم يحدث قبل مائة سنة، إنما هو من أحداث الفترة الأخيرة. هؤلاء هم المجتمع الدولي. أنْ نقول دوماً «المجتمع الدولي يجب أن يثق»، أيّ مجتمع دولي؟ المجتمع الدولي يثق بنا تماماً، وفي نفس هذه البلدان هناك الكثير من شعوبهم لا توافق حكوماتهم. هذه أيضاً نقطة.
والنقطة الأخيرة تتعلق بمطالباتي. لدي مطالباتي من المسؤولين، وقد ذكرتها لهم وأصررتُ عليها. إحدى المطالبات هي أن يعلموا أن مكتسباتنا النووية الحالية شيء له قيمة كبيرة، ليعلموا هذا ولا ينظروا للمكتسبات النووية بأنها شيء هيّن، فهو شيء قيّم. الصناعة النووية لبلد ما ضرورة. أن يتناول بعض أشباه المثقفين الأقلام ويكتبوا ويقولوا: «ماذا تنفعنا الصناعةالنووية؟» فهذه خدعة، وهي أشبه بذلك الكلام الذي قيل في الزمن القاجاري عندما اكتشف النفط وجاء البريطانيون وأرادوا الاستيلاء عليه، قال أحد الساسة القاجاريين هنا: وما نريد من هذه المادة العفنة السيئة الرائحة؟ لندعهم يأخذوها ويذهبوا بها! هذا الكلام يشبه ذلك الكلام. الصناعة النووية ضرورة للبلد، ضرورية للطاقة في ذلك البلد، وضرورية جداً للأدوية الإشعاعية، ولتحلية مياه البحر، وكذلك للكثير من الاحتياجات الأخرى في مجال الزراعة وغير الزراعة. الصناعة النووية في العالم صناعة متقدمة ومهمة، وقد حصل عليها شبابنا بأنفسهم، ومثلت تحريراً لطاقاتهم ومواهبهم الذاتية، والآن يقول البلد المتخلف الفلاني إنه إذا كان لإيران تخصيب فأريد أنا أيضاً القيام بالتخصيب، لا بأس، إذهب وقم بالتخصيب، إذا كنتَ تجيد العملية فافعل. إننا لم نأخذ التخصيب من أحد بل هو موهبتنا الذاتية، وإذا كانت لديكم موهبة ذاتية في شعبكم فقوموا بالتخصيب. هذه تذرعات صبيانية تصدر عن بعض البلدان. التخصيب وما حصل لحد الآن في المجال النووي مكسب على جانب كبير من الأهمية، وليس بالشيء اليسير. وهذه هي خطواتنا الأولية في هذا الصناعة، وينبغي العمل أكثر والتحرك والتقدم إلى الأمام.
هناك حفنة بلدان مجرمة إما إنهم استخدموا القنبلة النووية ضد الشعوب، مثل أمريكا، أو إنهم قاموا بتجارب نووية، مثل فرنسا - قامت فرنسا قبل عشرة أعوام أو إثني عشر عاماً بثلاثة اختبارات نووية متتالية في المحيط، وهي اختبارت مخرّبة وتدمّر البيئة البحرية، قامت بثلاثة اختبارات نووية خطيرة جداً؛ وأثاروا في العالم ضجّة بسيطة حولها ثم كمّموا الأفواه وانتهى الأمر - هؤلاء هم الذين يتحدثون معنا! إننا لا نسعى لتفجيرات نووية ولا اختبارات نووية ولا نروم حيازة سلاح نووي؛ لا بسبب أنهم يطلبون ذلك، بل لأجل أنفسنا وبسبب ديننا وبدافع عقلنا. فتوانا الشرعية هي هذه وكذلك فتوانا العقلية. فتوانا العقلية أيضاً هي أننا لا نحتاج اليوم وغداً ولا في أيّ وقت آخر للسلاح النووي. السلاح النووي لبلد مثلنا مبعث متاعب، ولندع تفاصيل ذلك لوقت آخر. إذن، المكتسبات النووية مهمة للغاية ومتابعة هذه الصناعة وجعل البلد صناعياً حالة ضرورية جداً وينبغي الاهتمام بها.
وكانت مطالبتنا الأخرى من المسؤولين هي أننا أوصيناهم بعدم الثقة بالطرف المقابل. ولحسن الحظ فإن أحد المسؤولين المحترمين قال بصراحة في الفترة الأخيرة بأننا لا نثق أبداً بالطرف المقابل، وهذا شيء جيد جداً. قلنا لهم لا تثقوا بالطرف المقابل، ولا تنخدعوا بابتساماته، ولا تثقوا بوعوده بالدفع نقداً - بالوعوده بالدفع نقداً، وليس بأعماله النقدية - لأنه حين يمرّر إراداته ونواياه سيلتفت ويضحك على ذقونكم! إنهم وقحون إلى هذه الدرجة. اليوم حيث صدر تفاهم أولي على شكل مذكرة أو بيان، ولم يحصل أيّ شيء لحد الآن، والطرفان أنفسهما يقولان إنه لا يوجد أيّ شيء ملزم، في هذا الوقت الذي استطاعوا فيه السير بهذا المقدار، لاحظتم أن رئيس جمهورية أمريكا ظهر على التلفاز بتلك الهيئة والشكل!
النقطة الأخرى التي ذكرناها للمسؤولين ونقولها أيضاً للناس هي أن الشيء الذي ينبغي أن يحدث في تفاصيل هذه المفاوضات - والأشهر القادمة مهمة جداً - هو إلغاء الحظر بشكل كامل ودفعة واحدة. أن يقول أحدهم إن الحظر سيرفع بعد ستة أشهر، ويقول آخر إن الأمر قد يستغرق سنة واحدة، ويقول آخر ربما زاد الأمر على السنة، فهذه ألاعيبهم المعروفة الدارجة، ولا يمكن الاعتناء والقبول بها أبداً. الحظر يجب - إذا قدّر الله تعالى واستطاعوا التوصل إلى اتفاق - إلغاؤه بشكل كامل في نفس يوم الاتفاق، هذا شيء يجب أن يحصل. إذا تقرر أن يتوقف إلغاء الحظر مرة أخرى على عملية أخرى، إذن لماذا نتفاوض أساساً؟ لماذا كانت المفاوضات والجلسات والنقاشات والمجادلات أصلاً؟ كانت من أجل رفع الحظر، فإذا أرادوا ربط رفعه مرة أخرى بشيء آخر فلن يكون هذا مقبولاً أبداً.
النقطة الأخرى التي نبهنا لها المسؤولين المحترمين ونقولها لكم هي أن لا يُسمَح لهم إطلاقاً بالتغلغل إلى المجال الأمني والدفاعي للبلاد بذريعة الإشراف؛ مطلقاً. المسؤولون العسكريون في البلاد غير مسموح لهم على الإطلاق بالسماح للأجانب بالدخول إلى المجال والدائرة الأمنية والدفاعية للبلاد بذريعة التفتيش وما إلى ذلك من كلام، أو إيقاف التنمية الدفاعية للبلاد. التنمية الدفاعية للبلاد والقدرات الدفاعية للبلاد قبضة قوية للشعب في الميدان العسكري ويجب أن تبقى هذه القبضة قوية، بل وتزداد قوة؛ أو المساس بدعمنا لإخوتنا المقاومين في مختلف المناطق، هذه أشياء ينبغي عدم المساس بها في المفاوضات على الإطلاق.
النقطة الأخرى هي أن أيّ أسلوب غير مألوف للإشراف يجعل الجمهورية الإسلامية بلداً خاصاً من حيث الإشراف، غير مقبول بالمرة. لتكن هنا أيضاً تلك الأنواع من الإشراف المألوفة في العالم كله، وليس أكثر.
النقطة الأخيرة في هذا الباب هي أن التنمية العلمية والتقنية النووية في مختلف الأبعاد يجب أن لا تتوقف أبداً. التنمية يجب أن تستمر، التنمية التقنية. وقد يرون أن من اللازم القبول ببعض القيود، لا إشكال لدينا على ذلك. ليقبلوا بعض القيود، لكن التنمية التقنية يجب أن تستمر بالتأكيد وتتقدم إلى الأمام بكل قوة وشدة. كان هذا ما أردنا قوله لأخوتنا. وقد قلنا هذا الكلام لهم في جلساتنا الخاصة، قلناه على مدى هذا العام ونصف العام لرئيس الجمهورية المحترم غالباً، وفي بعض الأحيان النادرة لمسؤول المفاوضات أي وزير الخارجية الإيراني المحترم. هذه هي كلماتي ونقاطي، أما كيف وبأيّ أسلوب تفاوضي سوف يؤمّنون هذه المطالبات فهذا يقع على عاتقهم، فليبحثوا ويجدوا الأساليب الصحيحة للمفاوضات، ولينتفعوا من الأشخاص المطلعين والأمناء، وليطلعوا على آراء الناقدين، وليفعلوا اللازم. كان هذا عن الملف النووي.
أما قضية اليمن، فإن السعوديين أطلقوا بدعة سيئة في هذه المنطقة، وقد أخطأوا طبعاً. الشيء الذي تفعله الحكومة السعودية في اليمن اليوم هو بالضبط ما فعله الصهاينة في غزة. للأمر جانبان: الجانب الأول هو أن هذا الفعل جريمة وإبادة وممكن الملاحقة دولياً، فهم يقتلون الأطفال ويخرّبون البيوت ويدمّرون البنى التحتية والثروات الوطنية لبلد، وهذه جريمة كبرى. هذا أحد جوانب القضية والجانب الآخر هو أن السعوديين سوف يخسرون ويتضررون في هذه القضية ولن ينتصروا أبداً. والسبب واضح جداً، السبب هو أن القدرات العسكرية للصهاينة أضعاف القدرات العسكرية للسعوديين الفلانيين. للصهاينة قدرات عسكرية تعدّ بأضعاف ما للسعوديين، والطرف المقابل لهم كان غزة الصغيرة جداً. وهنا الطرف المقابل بلد بعشرات الملايين وشعب وبلد واسع كبير. لو كان أولئك قد استطاعوا الانتصار في غزة فإن هؤلاء أيضاً سيستطيعون الانتصار هنا. طبعاً حتى لو كان أولئك قد انتصروا لبقي احتمال انتصار هؤلاء صفراً، واحتماله الآن تحت الصفر. هؤلاء سوف يخسرون بالتأكيد، وسوف يتمرّغ أنف السعوديين في التراب قطعاً.
لدينا مع السعوديين اختلافات متعددة في شتى القضايا السياسية، لكننا كنا نقول دوماً إن السعوديين يبدون في سياستهم الخارجية وقاراً ورزانة، وقد خسروا حتى هذا الوقار والهدوء. عدد من الشباب غير ذوي التجربة والخبرة أمسكوا بأيديهم زمام أمور ذلك البلد وراحوا يغلبون كفة الوحشية تلك على كفة الهدوء والمظاهر، وسوف ينتهي هذا بضررهم. وأمريكا طبعاً تدافع عنهم وتدعمهم، وهذه هي طبيعة أمريكا، فهي تنحاز للطرف الظالم والوجه السيئ في كل القضايا بدل أن تناصر الطرف المظلوم؛ هذه هي طبيعتهم، وفي هذه القضية أيضاً يعملون على نفس الشاكلة، لكنهم سوف يخسرون وينهزمون. وسوف يثيرون ضجيجاً بالقول «إن إيران تتدخل في شأن اليمن»، نعم، هذا تدخل، أن نجلس هنا ونقول كلمتين سيكون هذا تدخلاً، ولكن أن تسلب طائراتهم المجرمة الأمن من سماء اليمن فليس ذلك بتدخل! إنهم ينحتون لأنفسهم ذرائع بلهاء لمثل هذا التدخل، وهذه الذرائع غير مقبولة لا في المنطق الدولي، ولا من قبل الشعوب، ولا عند الله.
إذن، اللازم هو هذا، عليهم أن يقلعوا بأسرع ما يمكن عن هذه الجريمة المفجعة. الشعب اليمني شعب كبير وعريق وقديم وله سوابق آلاف السنين. لهذا الشعب مثل هذه الإمكانيات والطاقات، وهو قادر على أن يقرر أمر حكومته. طبعاً حاول البعض أن يخلقوا فراغ سلطة لإثارة الضجيج، وأرادوا تكرار الأوضاع التي حصلت للأسف في ليبيا - والوضع في ليبيا سيئ جداً للأسف ويدعو للتأثر والألم - في اليمن أيضاً، ولم يفلحوا لحسن الحظ. استطاع الشباب المتدينون المحبون والمؤمنون بمنهاج أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه الصلاة والسلام) أن يقفوا ويصمدوا بوجه أولئك، صمدوا كلهم من شيعة وسنة وشافعية وزيدية وحنفية بوجه هجوم الأعداء، وسوف ينتصرون إن شاء الله، والنصر للشعب.
اللهم انصر إخوتنا أين ما كانوا من العالم. ربنا اخذل وانكب أعداء الإسلام وأعداء الشعوب المسلمة أين ما كانوا. اللهم عرفنا بواجباتنا واجعلنا من العاملين بها. اللهم احشر الروح الطاهرة لإمامنا الخميني الجليل مع أوليائه، واحشر أرواح الشهداء الطيبة مع الروح الطاهرة لسيدتنا الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.