موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

كلمته في لقائه رئيس وأعضاء مجلس خبراء القيادة بعد إقامة المؤتمر السابع عشر لمجلس خبراء القيادة

كلمته في لقائه رئيس وأعضاء مجلس خبراء القيادة بعد إقامة المؤتمر السابع عشر لمجلس خبراء القيادة (1).   
                                                                                                                        12/3/2015


بسم‌الله‌الرّحمن‌الرّحیم‌
 والحمدلله ربّ العالمین والصّلاة والسّلام علی سیّدنا محمّد و آله الطّاهرین سیّما بقیّة الله في الأرضین.
أرحب بالسادة الكرام. وبالإضافة إلى المزايا التي بيّنها سماحة الشيخ يزدي- رئيس مجلس خبراء القيادة،(2) توجد مزية أخرى وهي خاصة بي، وهي أننا في هذه الإجتماعات، نلتقي بالأخوة الأعزاء والسادة الكرام عن قرب؛ وهذه بالنسبة لنا تُعد فرصة وأسال الباري تعالى أن يوفقكم وجميع السادة والأصدقاء لكي ننجز هذه الوظائف الجسيمة التي تقع على عاتقنا جميعا، وإنشاء الله تُنجز على أحسن وجه.
أنا أولاً أبارك لسماحة الشيخ يزدي بسبب تسنمه مسؤولية رئاسة هذا الإجتماع. حسناً، فشخصيته، وسوايقه، وأدائه، كل هذه الأمور تبين أن هذا الإنتخاب كان إنتخاباً مناسباً وفي محله. إنشاء الله من الناحية المزاجية والإستعدادات العامة،  يساعده الباري تعالى ويتمكن من العمل بوظائفه. ونحيي أيضاً ذكرى المرحوم السيد مهدوي(3) "رضوان الله عليه". فقد كان شخصية بارزة وبالفعل إن حضور المرحوم السيد مهدوي خلال فترة طويلة بعد إنتصار الثورة- فضلاً عن جهاده قبل الإنتصار- كان حضوراً مؤثراً ومظهراً لرجل الدين الفاعل والعالم العامل. وآمل أن يمنحه الباري تعالى الجزاء الأوفى وأن ينعم عليه برحمته ومغفرته.
الحمد الله إن جلسة مجلس السادة هذه والتي جرت فيها الإنتخابات الداخلية – بالشكل الذي أفادوني في تقريرهم – كان إجتماعاً رصيناً جداً وفي الحقيقة نموذجاً يُحتذى لسائر الأجهزة والمؤسسات التي تُجري مثل هذه الإنتخابات، وجرت بشكل رصين بالكامل وبدون لغط ومن دون ما يحدث عادةَ في جلسات إنتخاب الأعضاء والجلسات الإنتخابية، الحمد لله قمتم بعمل كبير.
بمناسبة الأوضاع السائدة في منطقتنا، بل الأوضاع التي تسود العالم والتحدي القائم بين الجمهورية الإسلامية وبعض الحكومات المتكبرة والمستكبرة حول مختلف القضايا- سواء القضية النووية وسائر القضايا- وكذلك بمناسبة النقاش الإقتصادي الدائر داخل البلاد والجهود التي يقوم بها مختلف المسؤولين كل منهم بطريقة من أجل تحقيق المقاصد الإسلامية ومصالح الشعب، وفي الختام بمناسبة موضوع التخويف من الإسلام والذي أصبح في يومنا هذا أحد الظواهر الرائجة في عالم الإستكبار والعالم الغربي – مجموع هذه المواضيع- فقد بدا أن نطرح هذا الموضوع وهو أن ما نستخدمه ونجده في جملة المعارف القرآنية، هي أن ما يطلبة الإسلام من المسلمين هو إقامة النظام الإسلامي بصورة كاملة؛ وما يطلبه الإسلام هو التحقيق الكامل للدين الإسلامي. وهذا هو الأمر الذي يشعر به الإنسان من حيث المجموع.
إن دين الحد الأدنى والإكتفاء بالحدود الدنيا، غير مقبول من وجهة نظر الإسلام؛ نحن لا يوجد في معارفنا شئ بإسم دين الحد الأدنى، بل أن في القرآن الكريم وفي موارد متعددة ذمَّ فيها الإكتفاء ببعض التعاليم الدينية (4) دون الأخرى«اَلَّذینَ جَعَلُوا القُرآنَ عِضین»(۵)، أو الآية الشريفة «وَیَقولونَ نُؤمِنُ بِبَعضٍ وَنَکفُرُ بِبَعض»(6) المتعلقة بالمنافقين، دلالة على هذا الأمر. حتى أن بعض أجزاء الدين البارزة جداً – كإقامة القسط- لا يكفي للإنسان أن يُريح باله بأننا نسعى حالياً لإقامة القسط وسوف نقيم القسط، إذن فقد تحقق الإسلام؛ لا، ليس الأمر كذلك. نعم من الواضح أن إقامة القسط في المجتمع، أحد الأمور الهامة. ويبدو في بادئ الأمر(۸) من هذه الآية الشريفة في سورة الحديد المباركة "لَقَد اَرسَلنا رُسُلَنا بِالبِیِّنت وَاَنزَلنا مَعَهُمُ الکِتبَ وَالمیزانَ لِیَقومَ النّاسُ بِالقِسط"(۷)، بأن الهدف من إرسال الرسل وإنزال الكتب والمعارف الإلهية، هو إقامة القسط في حين أن هذه الجملة «لِیَقومَ النّاسُ بِالقِسط» کیفما فسرناها، سواء حملناها على هذا المعنى وهو«لِیَقومَ النّاسُ بِالقِسط» بمعنى«لِیُقیمَ النّاسُ القِسطَ» لنعتبر الـ"باء" باء التعدي، أي أنه من واجب الناس أن يقيموا القسط في محيط حياتهم؛ أم لا، نعتبرها "باء السببية" لكي «لِیَقومَ النّاسُ بِسَبَبِ القِسط»، بمعنى أن نتعامل مع الناس بالقسط؛ واي معنى من هذين المعنيين أو المعاني المحتملة الأخرى الموجودة، وإذا اُخِذت بالإعتبار – تُبين أهمية إقامة القسط في المجتمع. لكن ذلك لا يعني أن الشارع المقدّس يقبل منا على سبيل المثال أن نكتفي بإقامة القسط وأن نُسخّر كل عزمنا من أجل إقامة القسط، ولو أن بعض أحكام الإسلام الأخرى – مثلاً- تتعرض لعدم الإهتمام؛لا، فالآية الشريفة تُصرح «اَلَّذینَ اِن مَکَّنّهُم فِي الاَرضِ اَقامُوا الصّلوةَ وَءاتَوُا الزَّکوةَ وَاَمَروا بِالمَعروفِ وَنَهَوا عَنِ المُنکَر»(۹) بمعنى أن الذي يتوقعه الباري تعالى من المتمكنين في الأرض، هي هذه الأمور وأولها «اَقامُوا الصّلوة» ثم «وَءاتَوُا الزَّکوةَ وَاَمَروا بِالمَعروفِ وَنَهَوا عَنِ المُنکَرِ وَللهِ‌ عاقِبَةُ الاُمور»(۱۰)، وليس إذا ما إهتممنا بالقسط، فإنه يحق لنا أن نغفل عن إقامة الصلاة أو إيلاء الأهمية للصلاة والزكاة أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل«اَنِ اعبُدُوا اللهَ وَاجتَنِبُوا الطّاغوت»(۱۱)، حيث أن هذا اللفظ والمضمون تكرر في القرآن مرات عديدة- ويُبين أن الباري تعالى بعث الأنبياء أساساً من أجل التوحيد، ومن اجل إجتناب الطاغوت، ومن أجل عبادة الخالق؛ وهذا هو الأساس. أو الوصية التي اوصى بها الباري تعالى في تلك الآية الشريفة من سورة الشورى، لنوح وإبراهيم وموسى وباقي الأنبياء "أن أقيمُوا الدّين" (12) والشئ المقصود، إقامة الدين؛ يعني وجوب إقامة الدين كله؛ "وَلاتَتَفَرَّقوا فیهِ کَبُرَ عَلَی المُشرِکینَ ماتَدعوهُم اِلَیهِ اللهُ یَجتَبي اِلَیهِ مَن یَشآءُ وَ یَهدي اِلَیهِ مَن یُنیب"(۱۳)، يعني أن الدين كله - كافة أجزاء الدين وكل أركانه- موضع إهتمام، والمعارضين الأصليين أمام هذه الحركة وهذا التوجه- يعني إقامة الدين بتمامه، بجميع أجزائه، بكله- هم عتاة العالم، المستكبرين في العالم؛"کَبُرَ عَلَی المُشرِکینَ ما تَدعوهُم اِلَیه" (14)، إن الذي تدعو إليه، كبُرَ على المشركين؛ أو في الآية الشريفة في أول سورة الأحزاب المباركة "یاَ أیُّهَا النَّبِي اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الکفِرینَ والمنِفقینَ اِنَّ اللهَ کانَ عَلیمًا حَکیمًا"(۱۵)، بمعنى أن الباري تعالى عليم ويحيط بعلمه بكافة أجزاء وذرات العالم ونمط حياة الذرات، وهو حكيم أيضاً؛ بحكمته حدد لك سبيلك ضمن هذه المجموعة وعليك إتّباعه. "وَاتَّبِع ما یوحی‌ اِلَیکَ مِن رَبِّکَ اِنَّ اللهَ کانَ بِما تَعمَلونَ خَبیرًا * وَتَوَکَّل عَلَی اللهِ وکَفی‌ بِاللهِ وَکیلًا"(16)، وأمام حركتك هذه، سيكون هنالك عداء. إذن هذا هو الموضوع.
النظام الإسلامي الذي ندّعيه ونسعى وراءه- والنظام الإسلامي يعني مجموعة الطاقات في البلاد التي تشكل الحركة العامة للشعب والمسؤولين؛ وهذا ما نسميه بالنظام؛ كافة الطاقات التي تؤدي لحركة عامة الشعب والمسؤولين، مجموع هذه الطاقات تشكل النظام الإسلامي- هذا النظام سيكون إسلامياً حقاً حينما تُحفظ فيه كافة أجزاء الإسلام ويُحفظ فيه مظهر الإسلام وشخصيته. مظهر الإسلام، هو كلامنا ومواقفنا والأعمال التي نقوم بها وهذه تشكل ظاهر الأمور؛ وشخصية الإسلام هي أن لدينا هدف ما، أو مثلاً أعلى، أو مقصداً محدداً وللوصول إلى ذلك المقصد، نخطط بشكل كامل، ونعمل في هذا الطريق ونتحرك ونسير بكل قوانا؛ حينها وفي تلك الحالة، سوف تُحفظ الشخصية الإسلامية، وسوف تسير نحو الكمال؛ بمعنى لن تتوقف عند حد معين؛ حسناً، هذا هو البرنامج الذي نحتاجه لبلوغ تلك الأهداف.
إن ما نشاهده اليوم على لسان المستكبرين ومعارضي النظام الإسلامي وتحديداً الجمهورية الإسلامية، والتي يذكروها تحت مسمى "تغيير السلوك"-أحياناً يقولون نحن لا نريد تغيير النظام، بل نريد تغيير سلوكه - . تغيير السلوك لا يختلف أبداً عن تغيير النظام؛ وهو نفسه تماماً؛ يعني تغيير السيرة والشخصية الإسلامية؛ هذا هو معنى تغيير السلوك. تغيير السلوك معناه أن تتخلى عن تلك اللوازم الضرورية والحتمية للتحرك نحو ذلك المقصد والهدف؛ وأن تتراجع وتصرف إهتمامك عنه؛ هذا هو معنى تغيير السلوك؛ يعني ذلك الشئ الذي يجري التعبير عنه بعض الأحيان في الكلام والكتابات بدين الحد الأدنى؛ أي بمعنى التقليل من المُثل العليا والمبادئ والذي يعني القضاء على مضمون الدين والشخصية الدينية. إن دين الحد الأدنى هذا يعني في الحقيقة حذف الدين.     
وفي مثل هذه الحالة فإن هدفنا ومسيرنا المحدد يجب أن يكون هو السعي وراء الإسلام الكامل والتام؛ يعني أن نسعى حقاً وبمقدار ما نملك من قوة- بالطبع الباري تعالى لا يأمل منا أكثر من طاقتنا وقدراتنا- ولكن سعينا وأهدافنا يجب أن يكون لتحقيق الإسلام في المجتمع - الإسلام بكماله وتمامه- وبشكله الكامل. وحينما يكون هذا هو الهدف، تُطرح مسألة على الفور وهذه المسألة هي "التخويف من الإسلام" والتي إنتشرت اليوم في العالم. برأيي لا ينبغي مطلقاً أن ننفعل أمام ظاهرة التخويف من الإسلام؛ نعم، التخويف من الإسلام موجود بالفعل؛ والبعض يقومون بتخويف الناس والمجتمعات والشباب والأذهان، من الإسلام؛ فمن هم هؤلاء؟ وحينما نتمعن بشكل صحيح في الموضوع ونمحصه، نرى بأن هؤلاء هم نفس تلك الأقلية من العتاة والجشعين الذين يخافون من حكم الإسلام؛ يخافون من الإسلام السياسي؛ يخافون من الإسلام ذي الدور في حياة الشعوب؛ وسبب خوفهم هو ان مصالحهم سوف تتعرض للخطر. التخويف من الإسلام هو في الحقيقة ترجمة لخوف وهلع القوى أمام الإسلام؛ هذه هي حقيقة الأمر. يعني أنتم هنا تحملتم العناء، الشعب الإيراني سعى وتحمل العناء، وجاهدَ في سبيل إقامة النظام الإسلامي وساهم في تكريس هذا النظام الإسلامي، وتمتين دعائمه، وصانوه وجعلوه آمناً ضد الأخطار وعززوه يوماً بعد آخر؛ وهذا ما يُخيف عتاة العالم. التخويف من الإسلام السائد حالياً، هو في الحقيقة إنعكاس لهواجسهم وخوفهم واضطرابهم؛ ويدل على أنكم تقدمتم؛ يبين أن الإسلام تمكن من التقدم في حركته الناجحة إلى هذه المرحلة.    
وبالطبع رغم ذلك، فإن تحركهم هذا ضد الإسلام وسعيهم من أجل التخويف من الإسلام، سوف يأتي بنتائج معكوسة؛ بمعنى أنه سيضع الإسلام في مركز إهتمام واستفسار الشباب؛ يعني إذا ما تم حث ولفت إنتباه عامة الناس في العالم، وإذا ما تم الإهتمام بهم، فإنهم سوف يتفكرون فجأة ويتساءلون عن سبب كل هذه الهجمات على الإسلام في الصحف الصهيونية، وفي القنوات المتلفزة التابعة لأوساط القدرة وأصحاب المال والقوة؟ وهذا بحد ذاته يُمهد لسؤال وهذا السؤال برأينا ينطوي على بركات ويتمكن من تبديل هذا التهديد إلى فرصة.
علينا أن نسعى، يعني في نظام الجمهورية الإسلامية، فإن العمل الكبير والهام هو أن ينصب سعينا جميعاً- كل شخص في أي موقع يتواجد فيه ويملك القدرة بهذا الشأن- في سبيل عرض الإسلام الأصيل على العالم، الإسلام المناصر للمظلوم والمعادي للظالم. فذلك الشاب في اوروبا، أو في أميركا، أو في مناطق بعيدة جداً، يبتهج لهذه الميزة، ويشعر بالهياج ليُعلم بأن الإسلام عبارة عن قوة، وحافز، وفكر يتحرك ضد الظالمين والطغاة ولصالح المظلومين، ولديه برنامج ويعتبر هذه الأمور من واجباته. علينا طرح الإسلام المناصر للعقلانية، إسلام الفلسفة العميقة، إسلام الفكر والتدبر، الإسلام الذي يعطي كل هذه الأهمية في القرآن للعقل والفكر واللب(17) وأمثال ذلك؛ الإسلام المناصر للعقلانية والمناهض للسطحية، والمناهض للتحجر، والمعارض لإرتهان الأوهام والخرافات- وهنالك البعض يحمل هذه الصفات بإسم الإسلام- أن نبرز الإسلام الأصيل، ونقول هذا هو الإسلام؛ الإسلام الملتزم ضد اللاأبالية. نعم، اليوم هنالك أجهزة كثيرة تسوق الشباب نحو اللامبالاة، والتسيّب والتحلل في مختلف الأمور. حسناً، الإسلام الذي يعتبر الإنسان ملتزماً، ويبتغيه ملتزماً ويطالبه بذلك؛ الإسلام ذا الدور في حياة الناس، مقابل الإسلام العلماني! الإسلام العلماني يشبه المسيحية العلمانية التي تتنحى لزاوية في الكنيسة، وتحبس نفسها وليس لها أي دور في محيط الحياة الحقيقية؛ وهكذا هو الإسلام العلماني؛ وهنالك البعض ممن يدعو اليوم للإسلام المنزوي؛ الإسلام الذي لا يعير أي أهمية لحياة الناس؛ ويدعو الناس لعبادة معينة، وإلى زاوية من المسجد أو زاوية في المنزل. علينا أن نطرح الإسلام ذا الدور في حياة الناس؛ وإسلام الرحمة بالضعفاء، وإسلام الجهاد  ومجاهدة المستكبرين. وبرأيي هذا واجب يقع على عاتق الجميع، یستلزم على أجهزتنا الإعلامية، وأجهزتنا العلمية، وحوزاتنا العلمية أن تسعى وراء تحقيق هذا الهدف. والسبب في إستهدافهم للإسلام اليوم، يعود إلى هذا الأمر؛ والذين إستهدفوا الإسلام، معروفون من هم وكذلك الأجهزة والتيارات؛ معروفة؛ وهؤلاء مرتبطون بمجاميع المال والقوة السياسية والإقتصادية المقتدرة وأغلبهم من الصهاينة اليهود، وإن لم يكونوا صهاينة يهود فإنهم صهاينة غير يهود- واليوم لدينا في العالم صهاينة غير يهود-. وأمام هؤلاء علينا إغتنام هذه الفرصة لنطرح هذا السؤال في أذهان شعوب العالم وفي أذهان الشباب وهو أنكم تفكروا وانظروا لماذا يهاجمون الإسلام لهذا الحد؛ وحينها نضع الإسلام الحقيقي والأصيل في متناولهم.
برأيي إذا ما قام مجموع رجال الدين وأهل العلم والذين ينشطون في الأمور الدينية، بتحديد هذا الهدف في كافة أمورنا أي إقامة الإسلام بكامله والتصدي للعداء بهذا الأسلوب، فإننا سنحقق نجاحات كثيرة.
ولدينا التحديات العالمية ايضاً؛ وبرأيي يجب أن نتجنب النظرة السطحية للتحديات العالمية. نحن اليوم لدينا تحدٍ مع أميركا، ولدينا تحدٍ مع بعض البلدان الأوروبية؛ وفي الوقت الراهن فإن موضوع التحدي الواضح والعلني، هو الموضوع النووي؛ وهنالك مواضيع متعددة أخرى تشكل مصدر تحدٍ بيننا وبينهم؛ فلننظر ونتفحص في منشأ هذا التحدي؛ أي نفهم الجذور ونتورع عن النظرة السطحية.
وأن نُمحّص المشاكل التي تواجهنا بشكل صحيح ودقيق. فمثلاً إفترضوا بأننا تعرضنا لأضرار ناجمة عن الحظر ولحقت أضرار بإقتصادنا، وبأمورنا المختلفة؛ فمن اين نشأت هذه الأضرار؟ وفي حال قام الفرد بالتمحيص بدقة، سوف يرى بأن هذه الأضرار ناجمة بالدرجة الأولى من تبعيتنا للنفط على سبيل المثال؛ أو ناجمة لحد كبير عن عدم مشاركة الشعب في المجالات الإقتصادية، أي الإقتصاد الحكومي؛ فمعضمها ناتج عن هذه الأمور. وإذا نظرنا إلى السبب الرئيس وعرفناه وعالجناه بطريقة ما، فإن تأثير الحظر إما سينعدم أو سيقل أثره.
فحينما يتمكن الأعداء من فرض الحظر علينا ويضع يده على نفطنا مثلاً وهذا ما يؤذينا، والسبب لأننا قمنا بتضخيم النفط في حياتنا وإقتصادنا؛ فعندما يتصدى الأعداء للحكومة، وتتعرض المؤسسات الحكومية المختلفة للحظر، فالسبب في ذلك لأن هذه المؤسسات تابعة للحكومة. وكان بوسعنا على الصعيد الإقتصادي، أن نُشرك أيادي الشعب المختلفة. وتلك الأخطاء التي ارتكبناها في بداية الثورة وهكذا أصرينا على ان يكون كل شئ عائد للحكومة وتحت تصرفها وحتى الأمور المعيشية الصغيرة أيضاً سلمناها للحكومة، وبالطبع كانت هذه هي النتيجة؛ وهذه الأمور يجب معالجتها.
برأيي إذا ما فكرنا وتحركنا بهذه الطريقة، فإن المشاكل سوف تحل؛ أي أننا إذا تعرضنا للمشاكل، فلن نُسمِّر أعيننا على مودة وعطف الطرف المقابل؛ وسيكون بمقدورنا حقاً أن نؤثر على أجواء التحدي القائم بيننا وبين أعدائنا والمستكبرين؛ ومنها هذه المفاوضات الدائرة حالياً. في الوقت الراهن فإن المفاوضات التي تلقي بظلالها بالدرجة الأولى على نشاطاتنا الدبلوماسية وأنشطة سياستنا الخارجية، هي المفاوضات المرتبطة بالموضوع النووي. ونفس هذا الكلام، وهذا المعيار، وهذا المنطق، برأيي له فاعليته وينفع أيضاً بشكل كامل في هذه المفاوضات. وأنا بالطبع اؤكد من هنا: أن أعضاء الفريق النووي الذي اختاره رئيس الجمهورية المحترم هم للإنصاف جيّدون. وأعرفهم بعضهم عن قرب وهم حقاٌ مقبولون، والبعض الآخر أعرفهم من بعید من خلال كلامهم وأعمالهم؛ وهم أمناء ومقبولون ومخلصون ويعملون ويسعون، ولكن مع وجود أن هؤلاء الإخوة جيدون وهم أخوة أمناء ونعلم بأنهم يسعون في صالح البلاد، فإني في نفس الوقت قلق؛ لأن الطرف المقابل محتال ومخادع. ومن الأمور التي غالباً ما تخفى عن الأنظار، مكر الأشخاص أو الأطراف التي تملك مظهراً كبيراً وقوياً؛ والإنسان لا يتوقع بأن يكون هؤلاء أيضاً مخادعون وخبثاء. وبالطبع فإن أميركا اليوم لديها مظهراً قوياًً؛ وقوة مالية، وقوة إقتصادية، وقوة سياسية، وقوة عسكرية، وقوة أمنية، ويغفل المرء عن أن هذه الجهة صاحبة القوة، يمكن ان تكون مؤذية للضعفاء من الناس. ولكنها هكذا بالفعل؛ ومن اصحاب المكر، وأصحاب الخداع، وتطعن بخنجرها من الخلف؛ وهي كذلك. ولا ينبغي أن نتصور بأن هؤلاء وبسبب إمتلاكهم قنابل نووية أو معدات عسكرية قوية، لذلك لا يحتاجون إلى ممارسة المكر والخديعة؛ لا، بل إن حاجتهم لذلك كبيرة وهم يعملون بذلك وهم مخادعون حقاً؛ وهذا ما يقلقنا. ينبغي علينا أن نراقب أساليب الأعداء. ومتى ما تم تحديد مدة معينة لنهاية المفاوضات وعندما نقترب من هذه المدة، فإن لهجتهم- خاصة لهجة الأميركيين- تشتد وتزيد حدتها وعنفها؛ وهذا لأنه جزء من أساليبهم، وجزء من مكرهم وخداعهم. وتشاهدون التصريحات الهابطة التي يطلقونها، وهي تصريحات سخيفة حقاً، وتصريحات مقززة. المسؤولون الأميركيون وفي هذه الأيام ولأن مهرّج صهيوني قال هناك بعض أشياء،(18) وقال المسؤولون الأمريكان أشياء من أجل أن يتنحّوا بأنفسهم جانباً، لكنهم في نفس هذه الكلمات اتهموا إيران بالإرهاب، وهو بالطبع كلام مضحك حقاً. والیوم یشاهد الجمیع في العالم كيف أن تلك القوة وتلك الدولة تدعم أخبث الإرهابيين- وأعني داعش وأمثالهم- وأوجدوهم ولازالوا لا يكفون عن دعمهم رغم أنهم يتظاهرون بأنهم ضدهم. أميركا وحلفاء أميركا. والمتواجدين في المنطقة ممن وضعوا أيديهم بيد أميركا ويقدمون الدعم والمساعدة والعون، وهؤلاء هم الذين يدعمون الإرهابيين الخبثاء والإرهاب الجرّار(19). أميركا لا تزال تقدم الدعم للحكومة التي تعترف رسمياً بصفتها الإرهابية- أعني الحكومة الصهيونية الزائفة-؛ تدعمها علناً؛ وهذا هو أساساً معنى دعم الإرهاب. وهذا هو أقبح أشكال الدعم الذي يقدمونه للإرهاب، وفي نفس الوقت يتهمون الجمهورية الإسلامية بأنها تدعم الإرهاب؛ وينبغي الإهتمام بذلك.
وهذه الرسالة التي كتبها هؤلاء أعضاء مجلس الشيوخ – والتي حقاً يشاهد فيها المرء محتويات شتى- هي من مؤشرات الإنهيار الأخلاقي السياسي في النظام الأميركي؛ واضح حقاً أنهم مصابون بالإنهيار؛ لأن كل بلدان العالم وطبقاً للمقررات الدولية المقبولة تبقى ملتزمة بتعهداتها والتزاماتها بعد تغيّر حكوماتها، فعلى أي حال قد تعمل حکومة ما في إحدى البلدان وتقطع عهداً ما، ثم تذهب تلك الحكومة وتأتي غيرها، فذلك العهد يبقى بقوته؛ ولا ينقضون العهود. ولكن هؤلاء الشيوخ الأمريكان يعلنون رسمياً بأنه لو ذهبت هذه الحكومة فإن هذا العقد الذي تبرمه معكم والتزاماتها ستكون في حكم العدم!، أليس هذا منتهى الانهيار الأخلاقي سياسياً، ویوضح أن ذلك النظام لا يمكن أن يستمر حقاً؛ أي أن ذلك النظام نظاماً متفسخاً داخلياً بحیث یشاهد الإنسان فيه مثل هذه الأمور. ثم يقولون نحن نريد أن نُعلّم الإيرانيين، نعطيهم دروساً حتى يفهموا ما هي قوانيننا! بالطبع لسنا بحاجة لدروسهم؛ ونحن فيما لو توصلنا لإتفاق، نعرف كيف نتصرف حتى لا يتمكنوا فيما بعد من إبقاء الجمهورية الإسلامية خلف الأبواب ولكي لا يتنصلوا من التزاماتهم لاحقاً. مسؤولو الجمهورية الإسلامية يجيدون ما يقومون به، ولا حاجة لدروسهم ولكنهم يتصرفون بهذا الشكل؛ وهذا حقاً دليل على الإنهيار.     
على أي حال في كافة الأعمال التي لدينا، وفي كل المساعي التي نبذلها، سواء القرارات التي نتخذها في المواضيع الإقتصادية، أو في المواضيع الثقافية- والتي إذا كنت حياً وبلغنا بداية العام، فهنالك مواضيع للكلام وإنشاءالله سوف أعرضها- علينا أن لا ننسى هذا المبدأ وهو أن واجبنا هو تحقيق الإسلام بكامله؛ يجب أن نسعى وراء الإسلام الكامل. وليس بالشكل الذي نقلل فيه من مبادئ الإسلام لأجل أن ننجح في القضية الفلانية؛ لا، نجاحنا وتقدمنا رهنٌ بأننا إنشاءالله نتمكن من تحقيق الإسلام الكامل. وإذا حصل هذا، فإن الباري تعالى سوف يساعدنا أيضاً، والنصر الإلهي بكل تأكيد ويقين ودون أي ترديد يتوقف على هذا الأمر وهو أن ننصر دين الله. "اِن تَنصُرُوا اللهَ یَنصُرکُم؛(۲۰) وليس هنالك أكثر صراحة من هذه العبارة وأوضح، "اِن تَنصُرُوا الله" بمعنى أن تنصروا دين الله "اِن تَنصُرُوا اللهَ یَنصُرکُم وَیُثَبِّت اَقدامَکُم"(۲۱) وَلَیَنصُرَنَّ اللهُ مَن یَنصُرُه؛ (۲۲) وهذه أمور مؤكدة ووعد الهي، ولا ينبغي أن نتجاهل هذه الوعود الإلهية؛ "اَلظّآنّینَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوء" (۲۳) وإذا حقاً ظن الإنسان بأن وعد الله لا يمكن تحقيقه، فذلك أسوأ حالات سوء الظن بالباري تعالى وحيث أن الباري تعالى في سورة إنا فتحنا، المباركة، إعتبر الذين يتحركون بهذا الشكل مغضوب عليهم(24).
آمل من الباري تعالى أن يمن عليكم وعلينا بالتوفيق حتى نتمكن من القيام بما علينا من واجبات في هذا المجال، والبركات الإلهية التي تنشأ من هذا النمط من الحركة، إنشاء الله يشملنا وبلدنا وشعبنا، ونأمل من الباري تعالى أن ينزل السرور على روح الإمام المطهرة، وان ينزل السرور على أرواح الشهداء الأبرار لأنهم هم الذين أرشدونا لهذا الطريق وفتحهوه أمامنا ومنحونا الحركة في هذا الطريق.
والسّلام‌ علیکم ‌ورحمة الله ‌وبرکاته‌

 -------------------------
1ـ هذا اللقاء تم بمناسبة إقامة الإجتماع الرسمي السابع عشر للدورة الرابعة لمجلس خبراء القيادة يومي التاسع عشر والعشرين من شهر إسفند للعام الجاري. وقبل بداية كلمة سماحته، تحدث في هذا اللقاء آية الله الشيخ محمد يزدي رئيس مجلس خبراء القيادة رافعاً تقريراً عن إقامة المؤتمر السابع عشر لهذا المجلس. وأوضح آية الله يزدي أن من أهم محاور النقاشات والكلمات التي دارت في هذا المؤتمر دراسة سياق المفاوضات النووية وقضايا البلاد الداخلية، والتأكيد على ضرورة تحقيق الاقتصاد المقاوم عملياً واجتناب النزعة الشعاراتية، وعرض تقرير من منطلق الإسلام في الظروف الراهنة للعالم، وقضية التخويف من الإسلام في الغرب، والقلق من بعض القضايا الثقافية.
2- أشار رئيس مجلس خبراء القيادة إلى أن " حداثة معلومات الأعضاء" أهم فلسفة لعقد الإجتماعات السنوية لهذا المجلس، وبين برامج الجلسات الأربعة لهذا الإجتماع في قسمين، دعوة الشخصيات المطلعة على التطورات الراهنة (وزير الخارجية والقائد العام لقوات حرس الثورة) والكلمات التي ألقيت من قبل الأعضاء حول مواضيع دراسة اوضاع الإسلام في اوروبا، معايير الطعام الحلال في إيران وسائر البلدان، دراسة المواضيع الإقتصادية والثقافية في البلاد.
3- آیة الله محمّد مهدي مهدوي ‌کني (الرئیس السابق لمجلس خبراء القیادة ).
4- ماعدا.
5- سورة الحجر، آیة ۹۱.
6- سورة النساء، جزء من آیة ۱۵۰.
7- سورة الحدید، جزء من آیة ۲۵.
8- بدایة.
9- سورة الحج، جزء من آیة 41.
10- نفس المصدر.
11- سورة النحل، جزء من آیة 36.
12- سورة الشوری، جزء من آیة 13.
13- نفس المصدر.
14- سورة الشوری، جزء من آیة 13.
15- سورة الأحزاب، آیة 1.
16- سورة الأحزاب، آیة 1و2.
17- العقل والفکر.
18- إشارة لزيارة رئيس وزراء الكيان الصهيوني إلى أميركا وكلمته أمام الكونغرس.
19- قاتل للغاية.
20- سورة محمد، جزء من آية 7.
21- نفس المصدر.
22- سورة الحج، جزء من آية 40.
23- سورة الفتح، جزء من آية 6.
24- نفس المصدر.