بجنورد مرکز محافظة خراسان الشمالیة کانت الیوم القلب النابض لإیران الإسلامیة. فقد انتهی الیوم انتظار أهالی خراسان الشمالیة الذی استمر عدة أسابیع، و جاءهم قائد الثورة الإسلامیة فی زیارته للمحافظة. وصل سماحة آیة الله العظمی السید علی الخامنئی إلی مطار بجنورد صباح یوم الأربعاء 10/10/2012 م فی الساعة التاسعة و ثلاثین دقیقة. حشود الجماهیر الغفیرة التی بقیت تنتظر قدوم القائد خارج المطار منذ ساعات اعترتها أمواج هیاج عارمة مع خروج السیارة التی تقلّ الإمام الخامنئی من مطار بجنورد، و اطلقت عواصف الشوق و البهجة فاحاطت منذ اللحظات الأولی بسیارته.
و قد خلق استقبال الجماهیر فی خراسان الشمالیة و خصوصاً الشباب و جیل الثورة الثالث لقائد الثورة الإسلامیة مشاهد أصیلة نادرة من الحبّ و العشق الذی یحمله الناس و أبناء الجیل الثالث للثورة تجاه النظام الإسلامی و الولایة.. مشاهد لا تستطیع کامیرات التصویر و الأفلام التعبیر عن أعماقها و ما تکتنزه من عزیمة.
ما یلاحظ الیوم فی شوارع بجنورد هو التواجد الواسع و الملحمی و الحیویة العامة للشرائح و القومیات المتنوعة القاطنة فی الحدود الشمالیة الشرقیة للبلاد من ترک و کرد و ترکمن و فرس و تات و شیعة و سنة.
کان احتشاد الجماهیر لاستقبال الإمام الخامنئی طوال المسافة ما بین مطار بجنورد و ملعب تختی حیث یلقی سماحته کلمته علی الحشود الغفیرة من الکثافة بحیث توقفت سیارته عن السیر عدة مرات، و بقیت عاجزة عن مواصلة السیر فی بعض الأحیان لعدة دقائق.
و بعد الاستقبال الحاشد الذی أبداه أبناء الشعب هناک لآیة الله العظمی الخامنئی، و الذی استمر لنحو ساعتین، دخل سماحته ملعب تختی فی مدینة بجنورد فاستقبلته هناک حشود غفیرة أخری من الشعب کانت بانتظاره منذ ساعات.
و قدّم سماحته أمام عشرات الآلاف من أبناء بجنورد المحتشدین فی ملعب تختی تحلیلاً جامعاً للمسیرة المتصاعدة للشعب الإیرانی نحو قمم التقدم المادی و المعنوی الشامل، و اعتبر حالات من قبیل معرفة الواجب و الوعی و الیقظة و الجاهزیة الدائمة للعمل و النشاط و الحیویة و الأمل و العمل و السعی الدؤوب و الوحدة و التعاطف و معرفة الظرف و اللحظة من قبل الشعب و المسؤولین، الأدوات اللازمة لمواصلة هذه المسیرة المتسارعة مؤکداً: بفضل و توفیق من الله سوف یتجاوز الشعب الإیرانی بما له من تجارب و قدرات مطردة المشکلات التی تواجهه، و یترک لجبهة الاستکبار مرة أخری حسرة فرض الهزیمة علی هذا الشعب.
و أوضح قائد الثورة الإسلامیة أن الهدف الأصلی و الرئیسی للشعب الإیرانی منذ بدایة انتصار الثورة الإسلامیة و لحد الآن هو التقدم المادی و المعنوی الشامل مضیفاً: هذه التقدم مستلهم من منطق الإسلام، و یختلف عن التقدم فی الحضارة الغربیة المادیة.
و شدّد آیة الله العظمی علی أن التقدم الذی یرومه الغرب ذو بعد واحد، و لا یسیر إلا باتجاه الأمور المادیة، موضحاً: التقدم فی المنطق الإسلامی له أبعاد مادیة و معنویة مختلفة و یشمل التقدم فی العلم و الأخلاق و العدالة و الرفاه العام و الاقتصاد و العزة و المکانة الدولیة و الاستقلال السیاسی و التقرّب إلی الله.
و عدّ سماحته الشمولیة و الاستیعاب خصوصیة أخری من خصوصیات التقدم الإسلامی مؤکداً: فی منطق الإسلام ینبغی البرمجة فی العالم بحیث تشمل آفاق هذه البرمجة الأجیال القادمة و عشرات الأعوام المقبلة، و یتوجّب فی الوقت نفسه الاستعداد للآخرة و کأنه لا توجد إلا فرصة قصیرة جداً تفصل المرء عن السفر للآخرة.
و لفت قائد الثورة الإسلامیة إلی أن من لوازم تحقیق التقدم الإسلامی معرفة نقاط القوة و الضعف، و التوفر علی برمجة ملائمة للظروف، و رصد المسیرة نحو الهدف المرسوم مرحلة بمرحلة، و توعیة الناس بخارطة الطریق و المشکلات و الأخطار التی تعتور الدرب، مردفاً: هذه الواجبات تقع علی عاتق النخبة فی المجتمع سواء النخبة السیاسیة أو العلمیة أو الدینیة.
و بعد إیضاحه لمفهوم التقدم الإسلامی و الأدوات الضروریة لتحقیقه، تطرّق سماحته لمسیرة النظام الإسلامی وصولاً إلی حالة التقدم الإسلامی الشامل.
و فی تقییم مجمل عام لهذه المسیرة قال سماحته: کان للنظام الإسلامی طوال هذه الأعوام الثلاثة و الثلاثین الماضیة مسیرة متقدمة و متصاعدة علی الدوام، و قد مرّت هذه الحرکة طبعاً ببعض المنعطفات.
ثم بیّن قائد الثورة الإسلامیة الأدوات اللازمة لمواصلة هذه المسیرة بوتائر أسرع نحو قمة التقدم مؤکداً: العزیمة الراسخة و الأمل و الحیویة و العمل و السعی الدؤوب و الوعی من اللوازم الأصلیة لمواصلة السیر فی طریق التقدم، و إذا توفر شعب علی هذه الأحوال و الأدوات فسوف ینتصر علی کل المشکلات و سوف یفرض الهزیمة علی أعدائه.
و أوضح آیة الله العظمی السید الخامنئی أن من الضروریات المهمة جداً للوصول إلی التقدم التوفر علی تقییم دقیق و منطقی و بعید عن الشعارات الصرفة لظروف البلاد مضیفاً: منذ بدایة انتصار الثورة الإسلامیة وقف الشعب الإیرانی فی ساحة مواجهة مع الشبکة الصهیونیة الخبیثة التی تنتمی لها بعض البلدان الغربیة و علی رأسها أمریکا، و التی لا تدّخر أیة أحقاد و عداء تجاه هذا الشعب.
و اعتبر سماحته قدرات الشعب الإیرانی و فرصه فی ساحة المواجهة هذه قدرات و فرصاً بارزة ممیزة ملفتاً: الجیل الشاب المتحفز و النشیط و صاحب المواهب المتفوقة و العزیمة و الأمل، و المصادر الطبیعیة القیمة و الأساسیة التی تفوق المتوسط العالمی، و الأقالیم المتنوعة، و المسؤولون المخلصون، و القوات المسلحة الجاهزة الشجاعة، و رجال الدین الفضلاء المخلصون، و الجامعات الممتلئة بالطلاب، و الملایین من طلاب المدارس، و میثاق الأفق العشرینی، هی الإمکانیات و القدرات الممیزة للشعب الإیرانی التی تمهّد الأرضیة للانتصار علی کل المشکلات و لمواصلة المسیرة المتسارعة للوصول إلی التقدم الشامل.
و أشار آیة الله العظمی السید الخامنئی إلی البنی التحتیة القانونیة و العملیة الاقتصادیة مردفاً: السیاسات العامة للمادة 44 و التقدم فی البنی التحتیة الاقتصادیة و خصوصاً فی مجال بناء السدود، و بناء محطات الطاقة، و تنمیة شبکة الفایبر الضوئی، و النقل و المواصلات، و طرق الارتباط و المواصلات، و هو ما تمّ إنجازه علی ید المتخصصین و النخبة الشباب فی البلاد، من البنی التحتیة المهمة فی الاقتصاد.
و عدّ سماحته الجیل الشاب المتوثب و المتعلم و الشجاع من الثروات الأساسیة الأخری للشعب الإیرانی، و أکد مرة أخری: من الأخطاء التی ارتکبت فی أواسط عقد السبعینات [التسعینات من القرن العشرین للمیلاد] مواصلة سیاسة تحدید النسل، و ینبغی تلافی هذا الخطأ لأن جیل الشباب هم العامل الأصلی لتقدم البلاد.
و لفت قائد الثورة الإسلامیة: طبعاً کان تطبیق سیاسة تحدید النسل و السکان فی بدایة عقد السبعینات عملاً صحیحاً، لکن مواصلته منذ أواسط السبعینات فما بعد کان خطأ، و مسؤولو البلاد بمن فیهم القیادة کانوا مساهمین فی هذا الخطأ، و یجب أن یطلبوا العفو من الله.
و بعد أن عدّد قائد الثورة الإسلامیة نقاط القوة و الاقتدار لدی البلاد، أشار إلی بعض المشکلات و علی رأسها ارتفاع الأسعار و البطالة مردفاً: هذه مشکلات یعانی منها کل الناس لکنها لیست بالمشکلات التی لا تقبل الحلّ، لأن الثورة الإسلامیة تجاوزت طوال ثلاثة و ثلاثین عاماً مشکلات أکبر من هذه.
و ألمح سماحته إلی بعض المشکلات الکبری و المعقدة التی وقعت بعد انتصار الثورة الإسلامیة بما فی ذلک السعی لإشعال اشتباکات قومیة فی البلاد، و إشعال حرب الأعوام الثمانیة المفروضة، و فرض الحصار و الحظر، مؤکداً: تجاوز الشعب الإیرانی بصموده و وعیه کل هذه المشکلات.
و قال قائد الثورة الإسلامیة بخصوص الحظر الاقتصادی: قضیة الحظر لیست بالقضیة الجدیدة و قد کانت موجودة منذ بدایة انتصار الثورة الإسلامیة، لکن الأعداء یحاولون تضخیم قضیة الحظر، و للأسف فإن البعض فی الداخل أیضاً یتناغمون معهم و یکرّرون کلامهم.
و اعتبر الإمام الخامنئی تشدید الحظر علی الشعب الإیرانی علی عدة مراحل دلیلاً علی عدم جدوی هذا الحظر مردفاً: تحاول أمریکا و بعض البلدان الأوربیة کذباً ربط هذا الحظر بالملف النووی، و الحال أنه فی بدایة انتصار الثورة الإسلامیة حین بدأوا هذا الحظر لم یکن لموضوع الطاقة النوویة أی ذکر.
و أوضح سماحته أن السبب الرئیسی لغضب جبهة الاستکبار هو عدم استسلام الشعب الإیرانی بفضل الإسلام و القرآن الکریم، ملمحاً: و لهذا السبب نراهم یعادون الإسلام و یهینون رسول الإسلام (ص).
و أضاف قائد الثورة الإسلامیة: إنهم یقولون کذباً إذا غضّ الشعب الإیرانی الطرف عن الطاقة النوویة فسوف یُرفع الحظر، و الحال أن السبب الرئیسی لفرض هذا الحظر غیر المنطقی، و الذی یعدّ نوعاً من الوحشیة، هو البغضاء و الأحقاد التی فی صدورهم ضد شعب إیران.
و أکد آیة الله العظمی الخامنئی: هذا الحظر فی الواقع حرب ضد شعب، لکن الأعداء و بتوفیق من الله سوف ینهزمون أمام الشعب الإیرانی فی هذه الحرب أیضاً.
و أردف سماحته قائلاً: طبعاً یسبّب الحظر بعض المشکلات، و بعض حالات سوء التدبیر أیضاً قد تزید من هذه المشکلات، لکن هذه المشکلات لیست بالقضایا التی تعجز الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة عن معالجتها و حلها.
و أکد الإمام الخامنئی مخاطباً البلدان الغربیة: مشکلاتکم أعقد من مشکلات إیران بکثیر، فاقتصادکم مقفل علیه، و هو فی طریق مسدود.
و أضاف قائلاً: من القضایا المهمة فی انتخابات رئاسة الجمهوریة بأمریکا حالیاً المشکلات الاقتصادیة التی یعانی منها الناس هناک و نهضة الـ 99 بالمائة.
و أکد قائد الثورة الإسلامیة: اعلموا أن الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة لن تُغلب بهذه المشکلات، و سوف تتغلب بفضل من الله علی هذه المشکلات، و ستترک الأعداء مرة أخری فی حسرة هزیمة شعب إیران.
و أوضح آیة الله العظمی السید الخامنئی أن العمل بالواجب من قبل الشعب و المسؤولین من لوازم التغلب علی المشکلات مؤکداً: من واجبات الشعب المهمة الحفاظ علی الیقظة و الوعی و معرفة اللحظة و تقییمها.
و أضاف سماحته قائلاً: فی طهران نزل عدد من الأشخاص إلی الشوارع باسم تجار السوق، و أثاروا بعض التوتر، لکن تجار السوق المحترمین نشروا فوراً بیاناً اعلنوا فیه براءتهم من أولئک، و هذا عمل صحیح و دالّ علی وعی التجار.
و ذکّر قائد الثورة الإسلامیة بأحداث فتنة 88 قائلاً: بعد انتخابات بتلک العظمة فی سنة 88 أبدی البعض اعتراضهم و مخالفتهم، و خلق البعض باسمهم الاضطرابات و الشغب مستغلین هذه الفرصة، و کان علی الذین أثیرت أعمال الشغب باسمهم أن یصدروا بیاناً فی حینها و یعلنوا براءتهم، لکنهم لم یفعلوا ذلک.
و استطرد سماحة آیة الله العظمی الخامنئی یقول: الیقظة و معرفة اللحظة و تقییمها خصوصیة بارزة یجب أن یهتمّ بها شعبنا دوماً، و یبدی ردود أفعال مناسب فی اللحظة بمجرد الشعور بمؤامرة العدو.
و اعتبر سماحته واجب المسؤولین بدورهم المحافظة علی الوحدة و التعاطف و البرمجة و التخطیط و مراعاة الحدود القانونیة و معرفة المسؤولیات، و عدم إلقاء النواقص و التقصیرات علی عواتق بعضهم، مؤکداً: تمّ فی دستور البلاد تحدید دور و واجبات مجلس الشوری الإسلامی، و الحکومة، و رئیس الجمهوریة، و السلطة القضائیة، لذا ینبغی لکل المسؤولین القیام بواجباتهم القانونیة، و أن یتعاطفوا و یتواکبوا و تکون کلمتهم واحدة.
و لفت قائد الثورة الإسلامیة قائلاً: لیس للبلد مشکلة فی هذا الجانب بلطف من الله، لأن مسؤولی البلاد سواء رؤساء السلطات الثلاث أو من هم فی هذه السلطات مخلصون و محبّون لمصیر البلاد.
و أضاف آیة الله العظمی الخامنئی قائلاً: طبعاً من الممکن أن تکون هناک بعض الأخطاء أو الاشتباهات، لکن کل هذه الأخطاء قابلة للتلافی.
و أکد یقول: مسیرة الشعب الإیرانی مسیرة مهمة یمکنها تغییر تاریخ العالم، کما غیّرت الآن تاریخ المنطقة.
و اعتبر قائد الثورة الإسلامیة أحداث المنطقة فی ضرر الغرب و خصوصاً أمریکا و تهدیداً للکیان الصهیونی، و أشار إلی ترهات ساسة الکیان الصهیونی مردفاً: لیست هذه الترهات جدیرة بالردّ، و لکن لتعلم البلدان الأوربیة السائرة خلف أمریکا بأن هذه المواکبة لیست عقلانیة بل هی نوع من الحماقة.
و أشار آیة الله العظمی الخامنئی إلی عدم وجود ذکریات سیئة جداً فی خاطر الشعب الإیرانی عن معظم البلدان الأوربیة مؤکداً: طبعاً نظرة الشعب الإیرانی لبریطانیا سیئة جداً، و لهذا السبب یُقال عنها بریطانیا الخبیثة.
و أضاف سماحته: لتعلم البلدان الأوربیة أن مواکبة أمریکا لیس لها من نتیجة سوی کراهیة الشعب الإیرانی لهم.
و تابع قائد الثورة الإسلامیة حدیثه معتبراً العلاج الرئیسی و الأساسی للمشکلات الاقتصادیة للبلاد دعم الإنتاج و العمل و رأس المال الإیرانی موضحاً: الاهتمام بالإنتاج الوطنی یؤدی إلی زوال الغلاء، و توفیر فرص العمل، و تعزیز روح الاستغناء لدی الشعب الإیرانی. لذلک علی المسؤولین الاهتمام بشکل جاد بقضیة الإنتاج الوطنی.
و فی جانب آخر من حدیثه أبدی قائد الثورة الإسلامیة ارتیاحه الوافر لزیارته محافظة خراسان الشمالیة باعتبارها (باب الرضا «ع») فی یوم زیارة هذا الإمام الهمام (ع) مستعرضاً خصائص و خصال أهالی هذه المنطقة و الإمکانیات الطبیعیة و الجغرافیة فیها.
و عدّ الإمام الخامنئی الطبیعة الجمیلة، و المعالم السیاحیة الکثیرة، و المصادر الطبیعیة الغنیة، و الأرضیة الصالحة للزراعة و الرعی، عدّها من الخصائص الطبیعیة لمحافظة خراسان الشمالیة مضیفاً: التدیّن، و الحیویة و النشاط و التوثب، و الجاهزیة للعمل، و غیرة حمایة الحدود، و المواهب المتفوقة المتألقة، و الشجاعة، و التعایش الأخوی العاطفی بین القومیات المختلفة من الامتیازات البارزة لأهالی محافظة خراسان الشمالیة.
و قد خلق استقبال الجماهیر فی خراسان الشمالیة و خصوصاً الشباب و جیل الثورة الثالث لقائد الثورة الإسلامیة مشاهد أصیلة نادرة من الحبّ و العشق الذی یحمله الناس و أبناء الجیل الثالث للثورة تجاه النظام الإسلامی و الولایة.. مشاهد لا تستطیع کامیرات التصویر و الأفلام التعبیر عن أعماقها و ما تکتنزه من عزیمة.
ما یلاحظ الیوم فی شوارع بجنورد هو التواجد الواسع و الملحمی و الحیویة العامة للشرائح و القومیات المتنوعة القاطنة فی الحدود الشمالیة الشرقیة للبلاد من ترک و کرد و ترکمن و فرس و تات و شیعة و سنة.
کان احتشاد الجماهیر لاستقبال الإمام الخامنئی طوال المسافة ما بین مطار بجنورد و ملعب تختی حیث یلقی سماحته کلمته علی الحشود الغفیرة من الکثافة بحیث توقفت سیارته عن السیر عدة مرات، و بقیت عاجزة عن مواصلة السیر فی بعض الأحیان لعدة دقائق.
و بعد الاستقبال الحاشد الذی أبداه أبناء الشعب هناک لآیة الله العظمی الخامنئی، و الذی استمر لنحو ساعتین، دخل سماحته ملعب تختی فی مدینة بجنورد فاستقبلته هناک حشود غفیرة أخری من الشعب کانت بانتظاره منذ ساعات.
و قدّم سماحته أمام عشرات الآلاف من أبناء بجنورد المحتشدین فی ملعب تختی تحلیلاً جامعاً للمسیرة المتصاعدة للشعب الإیرانی نحو قمم التقدم المادی و المعنوی الشامل، و اعتبر حالات من قبیل معرفة الواجب و الوعی و الیقظة و الجاهزیة الدائمة للعمل و النشاط و الحیویة و الأمل و العمل و السعی الدؤوب و الوحدة و التعاطف و معرفة الظرف و اللحظة من قبل الشعب و المسؤولین، الأدوات اللازمة لمواصلة هذه المسیرة المتسارعة مؤکداً: بفضل و توفیق من الله سوف یتجاوز الشعب الإیرانی بما له من تجارب و قدرات مطردة المشکلات التی تواجهه، و یترک لجبهة الاستکبار مرة أخری حسرة فرض الهزیمة علی هذا الشعب.
و أوضح قائد الثورة الإسلامیة أن الهدف الأصلی و الرئیسی للشعب الإیرانی منذ بدایة انتصار الثورة الإسلامیة و لحد الآن هو التقدم المادی و المعنوی الشامل مضیفاً: هذه التقدم مستلهم من منطق الإسلام، و یختلف عن التقدم فی الحضارة الغربیة المادیة.
و شدّد آیة الله العظمی علی أن التقدم الذی یرومه الغرب ذو بعد واحد، و لا یسیر إلا باتجاه الأمور المادیة، موضحاً: التقدم فی المنطق الإسلامی له أبعاد مادیة و معنویة مختلفة و یشمل التقدم فی العلم و الأخلاق و العدالة و الرفاه العام و الاقتصاد و العزة و المکانة الدولیة و الاستقلال السیاسی و التقرّب إلی الله.
و عدّ سماحته الشمولیة و الاستیعاب خصوصیة أخری من خصوصیات التقدم الإسلامی مؤکداً: فی منطق الإسلام ینبغی البرمجة فی العالم بحیث تشمل آفاق هذه البرمجة الأجیال القادمة و عشرات الأعوام المقبلة، و یتوجّب فی الوقت نفسه الاستعداد للآخرة و کأنه لا توجد إلا فرصة قصیرة جداً تفصل المرء عن السفر للآخرة.
و لفت قائد الثورة الإسلامیة إلی أن من لوازم تحقیق التقدم الإسلامی معرفة نقاط القوة و الضعف، و التوفر علی برمجة ملائمة للظروف، و رصد المسیرة نحو الهدف المرسوم مرحلة بمرحلة، و توعیة الناس بخارطة الطریق و المشکلات و الأخطار التی تعتور الدرب، مردفاً: هذه الواجبات تقع علی عاتق النخبة فی المجتمع سواء النخبة السیاسیة أو العلمیة أو الدینیة.
و بعد إیضاحه لمفهوم التقدم الإسلامی و الأدوات الضروریة لتحقیقه، تطرّق سماحته لمسیرة النظام الإسلامی وصولاً إلی حالة التقدم الإسلامی الشامل.
و فی تقییم مجمل عام لهذه المسیرة قال سماحته: کان للنظام الإسلامی طوال هذه الأعوام الثلاثة و الثلاثین الماضیة مسیرة متقدمة و متصاعدة علی الدوام، و قد مرّت هذه الحرکة طبعاً ببعض المنعطفات.
ثم بیّن قائد الثورة الإسلامیة الأدوات اللازمة لمواصلة هذه المسیرة بوتائر أسرع نحو قمة التقدم مؤکداً: العزیمة الراسخة و الأمل و الحیویة و العمل و السعی الدؤوب و الوعی من اللوازم الأصلیة لمواصلة السیر فی طریق التقدم، و إذا توفر شعب علی هذه الأحوال و الأدوات فسوف ینتصر علی کل المشکلات و سوف یفرض الهزیمة علی أعدائه.
و أوضح آیة الله العظمی السید الخامنئی أن من الضروریات المهمة جداً للوصول إلی التقدم التوفر علی تقییم دقیق و منطقی و بعید عن الشعارات الصرفة لظروف البلاد مضیفاً: منذ بدایة انتصار الثورة الإسلامیة وقف الشعب الإیرانی فی ساحة مواجهة مع الشبکة الصهیونیة الخبیثة التی تنتمی لها بعض البلدان الغربیة و علی رأسها أمریکا، و التی لا تدّخر أیة أحقاد و عداء تجاه هذا الشعب.
و اعتبر سماحته قدرات الشعب الإیرانی و فرصه فی ساحة المواجهة هذه قدرات و فرصاً بارزة ممیزة ملفتاً: الجیل الشاب المتحفز و النشیط و صاحب المواهب المتفوقة و العزیمة و الأمل، و المصادر الطبیعیة القیمة و الأساسیة التی تفوق المتوسط العالمی، و الأقالیم المتنوعة، و المسؤولون المخلصون، و القوات المسلحة الجاهزة الشجاعة، و رجال الدین الفضلاء المخلصون، و الجامعات الممتلئة بالطلاب، و الملایین من طلاب المدارس، و میثاق الأفق العشرینی، هی الإمکانیات و القدرات الممیزة للشعب الإیرانی التی تمهّد الأرضیة للانتصار علی کل المشکلات و لمواصلة المسیرة المتسارعة للوصول إلی التقدم الشامل.
و أشار آیة الله العظمی السید الخامنئی إلی البنی التحتیة القانونیة و العملیة الاقتصادیة مردفاً: السیاسات العامة للمادة 44 و التقدم فی البنی التحتیة الاقتصادیة و خصوصاً فی مجال بناء السدود، و بناء محطات الطاقة، و تنمیة شبکة الفایبر الضوئی، و النقل و المواصلات، و طرق الارتباط و المواصلات، و هو ما تمّ إنجازه علی ید المتخصصین و النخبة الشباب فی البلاد، من البنی التحتیة المهمة فی الاقتصاد.
و عدّ سماحته الجیل الشاب المتوثب و المتعلم و الشجاع من الثروات الأساسیة الأخری للشعب الإیرانی، و أکد مرة أخری: من الأخطاء التی ارتکبت فی أواسط عقد السبعینات [التسعینات من القرن العشرین للمیلاد] مواصلة سیاسة تحدید النسل، و ینبغی تلافی هذا الخطأ لأن جیل الشباب هم العامل الأصلی لتقدم البلاد.
و لفت قائد الثورة الإسلامیة: طبعاً کان تطبیق سیاسة تحدید النسل و السکان فی بدایة عقد السبعینات عملاً صحیحاً، لکن مواصلته منذ أواسط السبعینات فما بعد کان خطأ، و مسؤولو البلاد بمن فیهم القیادة کانوا مساهمین فی هذا الخطأ، و یجب أن یطلبوا العفو من الله.
و بعد أن عدّد قائد الثورة الإسلامیة نقاط القوة و الاقتدار لدی البلاد، أشار إلی بعض المشکلات و علی رأسها ارتفاع الأسعار و البطالة مردفاً: هذه مشکلات یعانی منها کل الناس لکنها لیست بالمشکلات التی لا تقبل الحلّ، لأن الثورة الإسلامیة تجاوزت طوال ثلاثة و ثلاثین عاماً مشکلات أکبر من هذه.
و ألمح سماحته إلی بعض المشکلات الکبری و المعقدة التی وقعت بعد انتصار الثورة الإسلامیة بما فی ذلک السعی لإشعال اشتباکات قومیة فی البلاد، و إشعال حرب الأعوام الثمانیة المفروضة، و فرض الحصار و الحظر، مؤکداً: تجاوز الشعب الإیرانی بصموده و وعیه کل هذه المشکلات.
و قال قائد الثورة الإسلامیة بخصوص الحظر الاقتصادی: قضیة الحظر لیست بالقضیة الجدیدة و قد کانت موجودة منذ بدایة انتصار الثورة الإسلامیة، لکن الأعداء یحاولون تضخیم قضیة الحظر، و للأسف فإن البعض فی الداخل أیضاً یتناغمون معهم و یکرّرون کلامهم.
و اعتبر الإمام الخامنئی تشدید الحظر علی الشعب الإیرانی علی عدة مراحل دلیلاً علی عدم جدوی هذا الحظر مردفاً: تحاول أمریکا و بعض البلدان الأوربیة کذباً ربط هذا الحظر بالملف النووی، و الحال أنه فی بدایة انتصار الثورة الإسلامیة حین بدأوا هذا الحظر لم یکن لموضوع الطاقة النوویة أی ذکر.
و أوضح سماحته أن السبب الرئیسی لغضب جبهة الاستکبار هو عدم استسلام الشعب الإیرانی بفضل الإسلام و القرآن الکریم، ملمحاً: و لهذا السبب نراهم یعادون الإسلام و یهینون رسول الإسلام (ص).
و أضاف قائد الثورة الإسلامیة: إنهم یقولون کذباً إذا غضّ الشعب الإیرانی الطرف عن الطاقة النوویة فسوف یُرفع الحظر، و الحال أن السبب الرئیسی لفرض هذا الحظر غیر المنطقی، و الذی یعدّ نوعاً من الوحشیة، هو البغضاء و الأحقاد التی فی صدورهم ضد شعب إیران.
و أکد آیة الله العظمی الخامنئی: هذا الحظر فی الواقع حرب ضد شعب، لکن الأعداء و بتوفیق من الله سوف ینهزمون أمام الشعب الإیرانی فی هذه الحرب أیضاً.
و أردف سماحته قائلاً: طبعاً یسبّب الحظر بعض المشکلات، و بعض حالات سوء التدبیر أیضاً قد تزید من هذه المشکلات، لکن هذه المشکلات لیست بالقضایا التی تعجز الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة عن معالجتها و حلها.
و أکد الإمام الخامنئی مخاطباً البلدان الغربیة: مشکلاتکم أعقد من مشکلات إیران بکثیر، فاقتصادکم مقفل علیه، و هو فی طریق مسدود.
و أضاف قائلاً: من القضایا المهمة فی انتخابات رئاسة الجمهوریة بأمریکا حالیاً المشکلات الاقتصادیة التی یعانی منها الناس هناک و نهضة الـ 99 بالمائة.
و أکد قائد الثورة الإسلامیة: اعلموا أن الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة لن تُغلب بهذه المشکلات، و سوف تتغلب بفضل من الله علی هذه المشکلات، و ستترک الأعداء مرة أخری فی حسرة هزیمة شعب إیران.
و أوضح آیة الله العظمی السید الخامنئی أن العمل بالواجب من قبل الشعب و المسؤولین من لوازم التغلب علی المشکلات مؤکداً: من واجبات الشعب المهمة الحفاظ علی الیقظة و الوعی و معرفة اللحظة و تقییمها.
و أضاف سماحته قائلاً: فی طهران نزل عدد من الأشخاص إلی الشوارع باسم تجار السوق، و أثاروا بعض التوتر، لکن تجار السوق المحترمین نشروا فوراً بیاناً اعلنوا فیه براءتهم من أولئک، و هذا عمل صحیح و دالّ علی وعی التجار.
و ذکّر قائد الثورة الإسلامیة بأحداث فتنة 88 قائلاً: بعد انتخابات بتلک العظمة فی سنة 88 أبدی البعض اعتراضهم و مخالفتهم، و خلق البعض باسمهم الاضطرابات و الشغب مستغلین هذه الفرصة، و کان علی الذین أثیرت أعمال الشغب باسمهم أن یصدروا بیاناً فی حینها و یعلنوا براءتهم، لکنهم لم یفعلوا ذلک.
و استطرد سماحة آیة الله العظمی الخامنئی یقول: الیقظة و معرفة اللحظة و تقییمها خصوصیة بارزة یجب أن یهتمّ بها شعبنا دوماً، و یبدی ردود أفعال مناسب فی اللحظة بمجرد الشعور بمؤامرة العدو.
و اعتبر سماحته واجب المسؤولین بدورهم المحافظة علی الوحدة و التعاطف و البرمجة و التخطیط و مراعاة الحدود القانونیة و معرفة المسؤولیات، و عدم إلقاء النواقص و التقصیرات علی عواتق بعضهم، مؤکداً: تمّ فی دستور البلاد تحدید دور و واجبات مجلس الشوری الإسلامی، و الحکومة، و رئیس الجمهوریة، و السلطة القضائیة، لذا ینبغی لکل المسؤولین القیام بواجباتهم القانونیة، و أن یتعاطفوا و یتواکبوا و تکون کلمتهم واحدة.
و لفت قائد الثورة الإسلامیة قائلاً: لیس للبلد مشکلة فی هذا الجانب بلطف من الله، لأن مسؤولی البلاد سواء رؤساء السلطات الثلاث أو من هم فی هذه السلطات مخلصون و محبّون لمصیر البلاد.
و أضاف آیة الله العظمی الخامنئی قائلاً: طبعاً من الممکن أن تکون هناک بعض الأخطاء أو الاشتباهات، لکن کل هذه الأخطاء قابلة للتلافی.
و أکد یقول: مسیرة الشعب الإیرانی مسیرة مهمة یمکنها تغییر تاریخ العالم، کما غیّرت الآن تاریخ المنطقة.
و اعتبر قائد الثورة الإسلامیة أحداث المنطقة فی ضرر الغرب و خصوصاً أمریکا و تهدیداً للکیان الصهیونی، و أشار إلی ترهات ساسة الکیان الصهیونی مردفاً: لیست هذه الترهات جدیرة بالردّ، و لکن لتعلم البلدان الأوربیة السائرة خلف أمریکا بأن هذه المواکبة لیست عقلانیة بل هی نوع من الحماقة.
و أشار آیة الله العظمی الخامنئی إلی عدم وجود ذکریات سیئة جداً فی خاطر الشعب الإیرانی عن معظم البلدان الأوربیة مؤکداً: طبعاً نظرة الشعب الإیرانی لبریطانیا سیئة جداً، و لهذا السبب یُقال عنها بریطانیا الخبیثة.
و أضاف سماحته: لتعلم البلدان الأوربیة أن مواکبة أمریکا لیس لها من نتیجة سوی کراهیة الشعب الإیرانی لهم.
و تابع قائد الثورة الإسلامیة حدیثه معتبراً العلاج الرئیسی و الأساسی للمشکلات الاقتصادیة للبلاد دعم الإنتاج و العمل و رأس المال الإیرانی موضحاً: الاهتمام بالإنتاج الوطنی یؤدی إلی زوال الغلاء، و توفیر فرص العمل، و تعزیز روح الاستغناء لدی الشعب الإیرانی. لذلک علی المسؤولین الاهتمام بشکل جاد بقضیة الإنتاج الوطنی.
و فی جانب آخر من حدیثه أبدی قائد الثورة الإسلامیة ارتیاحه الوافر لزیارته محافظة خراسان الشمالیة باعتبارها (باب الرضا «ع») فی یوم زیارة هذا الإمام الهمام (ع) مستعرضاً خصائص و خصال أهالی هذه المنطقة و الإمکانیات الطبیعیة و الجغرافیة فیها.
و عدّ الإمام الخامنئی الطبیعة الجمیلة، و المعالم السیاحیة الکثیرة، و المصادر الطبیعیة الغنیة، و الأرضیة الصالحة للزراعة و الرعی، عدّها من الخصائص الطبیعیة لمحافظة خراسان الشمالیة مضیفاً: التدیّن، و الحیویة و النشاط و التوثب، و الجاهزیة للعمل، و غیرة حمایة الحدود، و المواهب المتفوقة المتألقة، و الشجاعة، و التعایش الأخوی العاطفی بین القومیات المختلفة من الامتیازات البارزة لأهالی محافظة خراسان الشمالیة.