استقبل قائد الثورة الإسلامية المعظم سماحة آية الله الخامنئي، صباح اليوم (الأربعاء:2023/9/20) في حسينية الإمام الخميني (رض) آلاف من طلائع واُسر الشهداء والفنانين والكتاب ورواد وناشطي الدفاع المقدس، وبيّن سماحته بعض جوانب عظمة الدفاع المقدس وإنجازات صمود الشعب الإيراني وتربّعه على منصة النصر في تلك المواجهة الصعبة، واعتبر سماحته أن الحفاظ على وحدة الأرض، والكشف عن قدرات وامكانيات الشعب الإيراني العظيمة، وتوسيع الحدود غير الجغرافية للبلاد ونمو وترسيخ مفهوم وثقافة المقاومة في الداخل وفي العالم، كانت من أبرز نتائج الدفاع الجماعي للشعب الإيراني ضد جبهة المتغطرسين الدوليين وصدام الخبيث وأكد سماحته: ازدهار المواهب وظهور قوة ومبادرة شباب البلاد في فترة الدفاع المقدس، أثبت أن الشباب قادرون دوماً على حل كافة مشاكل البلاد.
ووصف قائد الثورة الاسلامية المعظم، مرحلة الدفاع المقدس بأنها مرحلة بارزة ومهمة في تاريخ الثورة، وأكد ضرورة معرفة عظمتها، لافتا الى أن كل القوى الكبرى في العالم وقفت في تلك الحرب ضد الجمهورية الاسلامية الايرانية التي كانت لوحدها وأضاف: إننا لم نتمكن لغاية الان من معرفة تفاصيل لوحة الدفاع المقدس العظيمة والزاخرة بالنقوش والألوان ومن ثم التعريف بها.
وأضاف سماحته: عن ماذا دافعنا في الدفاع المقدس؟ علينا أن ندرك هذه اللحظة والحدث المهم ونقدمها للأجيال القادمة، إنني على يقين بأنه لو عرفت أجيالنا المتعاقبة الجوانب المهمة والهادفة للدفاع المقدس وعلمت كيف تمكّن الشعب الإيراني من الوصول إلى منصة النصر والوقوف هناك بقوة في هذا الحدث المهم، ستكون هناك دروس عظيمة مستلهمة من هذه المعرفة.
وأشار سماحة آية الله الخامنئي أنه في الدفاع المقدس جرى الدفاع عن الثورة الإسلامية والجمهورية الإسلامية التي هي نتاج الثورة الإسلامية وعن وحدة أراضي البلاد، وقال: لقد هاجم الجانب الآخر هذه الامور الثلاثة. بالطبع، الجبهة الأساسية للعدو، لم يكن هدفها مسألة استهداف وحدة الأراضي، بل كان هدفها الثورة. لقد أرادوا قمع هذه الثورة الفريدة والعظيمة والمهمة التي حدثت في إيران بفضل تضحيات الشعب.
وأضاف سماحته: هنالك فرق كبير بأن تحدث حرب لتغيير الحدود بين دولتين أو حرب لتدمير ما يشكل هوية الشعب، وإن معظم الحروب هي حروب حدودية ومن أجل الاستيلاء على الأراضي، لكن الحرب تختلف حينما تريد استهداف هوية الشعب، ووجود الوطن، وإنجازات تضحيات الشعب، وهذا الحدث مختلف عن تلك الأحداث، فالمسألة لم تكن مجرد تغيير الحدود الجغرافية، مع أن ذلك كان مهما أيضا، لكن أهمية هذا الامر لا يمكن مقارنتها بتلك.
وشدد قائد الثورة الإسلامية المعظم على التفكير والتدبر في نتائج الدفاع المقدس وإنجازاته وأسبابه، وأضاف: ما هي نتائج وإنجازات الدفاع المقدس؟ يجب أن نفكر وندرس عن ماذا جرى الدفاع؟ ضد من جرى الدفاع؟، وثالثاً على يد من جرى الدفاع؟، ورابعاً، ماذا كانت نتيجة هذا الدفاع؟.
وذكر سماحته أن الجمهورية الإسلامية تعني الديمقراطية الدينية، وقضية العدو هي وجود الجمهورية الإسلامية، هذه هي القضية الأساسية، واضاف: القضية في حرب العراق ضد إيران لم تكن فقط تغيير الحدود والجغرافيا. لقد استهدفوا هوية الشعب.
واكد قائد الثورة انه ينبغي معرفة عظمة حادث الدفاع المقدس وقال: لقد تم إنجاز الكثير، ولكن أعتقد أنه لا يزال هناك مجال كبير للعمل. لم نتمكن حتى الآن من معرفة تفاصيل هذه اللوحة العظيمة والزاخرة بالنقوش والألوان، ومن ثم التعريف بها.
وأضاف سماحة آية الله الخامنئي: عظمة هذا الحادث يمكن رؤيتها من عدة زوايا، إحداها عن ماذا كنا ندافع؟ ومن زاوية اخرى، ضد من كان هذا الدفاع، ومن الذي هاجم ليصبح من الضروري الدفاع ضده؟ الزاوية الثالثة من قام بهذا الدفاع؟ والزاوية الرابعة ما هي نتائج وإنجازات هذا الدفاع؟ وماذا كانت نتيجة هذا الدفاع؟.
وقال سماحته: كان المحرّض الرئيسي هو أميركا ووضع الفرنسيون المعدات العسكرية الأكثر تقدما تحت تصرف العراق كما أن الكتلة الشرقية والاتحاد السوفييتي السابق زودوا العراق بكل الامكانيات البرية والجوية التي يحتاجها، في حين لم يساعدنا أحد في الحرب (المفروضة)، حتى التسهيلات والأسلحة التي أردنا دفع ثمنها وشراءها لم يتم توفيرها إلا نادرا وفي حالات جزئية.
وأضاف سماحته: إن الدفاع المقدس كان ساحة الحضور الجماهيري للشعب، وكانت مصادر القوة هي المساجد والجوامع والجامعات والمدارس والثكنات. وشدد على ضرورة انجاز الأعمال الفنية لتعزيز قيم الدفاع المقدس وقال: من كان المهاجمون في مرحلة الدفاع المقدس؟ إذا نظرنا إلى الدفاع المقدس من هذه الزاوية، تتضح عظمة الدفاع المقدس وأهميته.
وتابع سماحته: اجتمعت كل القوى البارزة في العالم يومها في جبهة واحدة وشاركت في هذا الهجوم على الجمهورية الإسلامية والثورة الإسلامية، أميركا بطريقة ما والدول الأوروبية المختلفة كل واحدة بطريقة ما، والكتلة الشرقية بقيادة الاتحاد السوفييتي بطريقة اخرى.
وقال قائد الثورة الإسلامية المعظم: لقد قيل إن الأميركيين كانوا المحرّضين الرئيسيين لهجوم صدام على إيران، ومن ثم، خلال الحرب، قدّموا المساعدة الأهم، وهي المساعدة الاستخباراتية، اذ كانوا يرصدون بخرائط جوية مواقع قواتنا بشكل مستمر ومتلاحق ويزودون صدام بها فضلا عن الاساليب التكتيكية.
وأشار سماحة آية الله الخامنئي إلى أن الأوروبيين والفرنسيين زودوا صدام بأحدث المعدات الجوية والمقاتلات والمروحيات، وقال: إن الألمان وفروا التسهيلات لانتاج الأسلحة الكيميائية التي تسببت في الكثير من الكوارث في إيران وفي العراق نفسه، حتى في حلبجة. لقد زودت الكتلة الشرقية والاتحاد السوفييتي السابق ودول أوروبا الشرقية صدام بكل التسهيلات البرية والجوية التي أرادها وأعطوه كل ما يحتاجه، كانت الصواريخ باهظة الثمن، لذا جهزوا مدفعيته بطريقة تمكنه من ضرب طهران، دون إنفاق الكثير.
وأضاف سماحته: الدول العربية في منطقتنا زودته بمبالغ لا حصر لها من المال، لقد قدّموا المال وطرق النقل، كان الجزء الجنوبي من الخليج الفارسي مكاناً دائماً لحركة الشاحنات والآلات الثقيلة التي تأخذ الأدوات وتنقلها إلى العراق، أعني أن الجميع ساعدوه، الجميع! المهاجمون كانوا هؤلاء.
وأكد سماحته: ان الدفاع المقدّس وسّع حدود المقاومة، نحن لم نسع إلى توسيع الحدود الجغرافية، با إن عنوان المقاومة طرحه الدفاع المقدس في العالم وتقدم به الى الأمام. واعتبر سماحته القوات المسلحة بأنها من الأساسيات الحتمية لكل مجتمع، وقال: القوات المسلحة هي موفرة للأمن، لذا فان من الامور التي يعوّل عليها العدو هي المساس بقيم القوات المسلحة.
وأشار قائد الثورة الإسلامية المعظم إلى ان الجمهورية الإسلامية والشعب الايراني كانا وحيدين في المعركة ضد "جبهة الاستكبار وصدام ودول المنطقة العربية" وقال: وقف الشعب على منصة النصر في مثل هذه الحرب غير المتكافئة وأظهر عظمته ومجده.
وفي تبيينه للزاوية الثالثة من عظمة الدفاع المقدس، أشار سماحته الى حضور جميع شرائح الشعب في تلك الملحمة الفريدة وقال: إن ظاهر هذه القضية هو أن القوات المسلحة الإيرانية، كما في كل مكان في العالم، ومن بينها الحرس الثوري والجيش والتعبئة الشعبية، هم من يصدون الغزو، لكن جوهر ذلك الدفاع كان مختلفاً تماماً عن الحروب الأخرى.
واعتبر سماحته قيادة الإمام الخميني (رض) لمجموعة الدفاع المقدس بشخصيته المعنوية وعلمه وفكره ونضجه وصفائه الروحي، من بين هذه الاختلافات وقال: ان تأثير الكلمات الناشئة عن روحانية الإمام وأنفاسه الدافئة في أوقات مختلفة بما في ذلك إنقاذ مدينة بانة (بمحافظة كردستان غرب ايران من يد الزمر الارهابية) وكسر الحصار عن مدينة آبادان (بمحافظة خوزستان جنوب ايران) كان له تأثير هائل على الجبهات.
واعتبر قائد الثورة الإسلامية المعظم اللون الديني للمدافعين هو الفارق بين الدفاع المقدّس وغيره من الحروب وقال: التوجه لله والقيم المعنوية في الجبهات ودعم الشعب العام للمجاهدين وصمود أمهات وآباء وزوجات الشهداء، حولت الدفاع المقدس والخطوط الأمامية إلى محراب للعبادة.
كما اعتبر سماحته مشاركة كافة الطبقات الاجتماعية وتحويل المساجد والجوامع والجامعات والمدارس إلى أماكن للنهوض وإرسال القوات إلى الجبهة، من المظاهر الأخرى للجانب الديني للدفاع المقدس وأضاف: يمكن إنتاج مئات الأعمال الفنية الجذابة في هذه المجالات.
وفي الجزء الرابع من وصف عظمة الدفاع المقدس تحدّث قائد الثورة الإسلامية المعظم عن الإنجازات الفريدة والكثيرة التي حققها الشعب والوطن، واعتبر الحفاظ على وحدة الأراضي وعدم فصل ولو جزء واحد من أرض إيران العزيزة، أحد هذه الإنجازات وقال: ان ابراز الطاقات العظيمة للشعب يعد من الانجازات المهمة جدا للدفاع المقدس، وفي الواقع فان الشعب اكتشف عظمته وقدرته في مرآة الدفاع المقدس وأيقن بها، لأن كل الأعداء تآمروا عليه لمدة ثماني سنوات، لكنهم لم يستطيعوا أن يرتكبوا اي حماقة.
واعتبر سماحته ازدهار مواهب آلاف الشباب، من الحقائق المثيرة الأخرى في الدفاع المقدس وقال: بالاعتماد على هذه القضايا نؤكد بكل ثقة أن شباب البلاد قادرون على حل كافة المشاكل.
وكان تحصين إيران إحدى النتائج الأخرى لسنوات الحرب المفروضة الثماني، التي أشار إليها قائد الثورة الإسلامية المعظم وقال: لقد تم تحصين البلاد من الهجمات المحتملة إلى حد كبير بفضل الدفاع البطولي الشامل، وكما رأينا، فقد قالوا (الاعداء) مرات عديدة إن الخيار العسكري مطروحاً على الطاولة، لكن هذا الخيار لم يتحرك عن الطاولة لأنهم عرفوا الشعب الايراني في الحرب وكانوا يعلمون أنهم قد يكونوا مبادرين إلى التحرك، لكن شعبنا هو من سينهي هذا التحرك.
وأشار سماحته إلى بروز الطاقات الواسعة والذكاء والمبادرة والابتكار والقدرة على التغلب على متغطرسي العالم خلال سنوات الحرب الثماني وأضاف: عندما تتجلى هذه القدرات الوطنية فإنها تزيد الأمل والحيوية لتحقيق النصر والتقدم في المجالات الأخرى.
وكان توسيع حدود إيران غير الجغرافية، بما فيها الحدود الفكرية والمعرفية، إنجازاً آخر أشار إليه سماحة آية الله الخامنئي وقال: نتيجة لهذا النجاح المهم جداً، تشكّل وتبلور المفهوم العالمي للمقاومة في فلسطين وسوريا والعراق وغيرها من المناطق، وأصبحت أعمال الشعب الايراني نموذجا للشعوب الأخرى في مختلف مناطق آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية.
ووصف سماحته ظهور وترسيخ ثقافة الثقة بالنفس بأنه معجزة الدفاع المقدس وقال: إن متغطرسي العالم يطمعون في منطقتنا المهمة لأسباب مختلفة، ولهذا السبب فان الحضور المعنوي لجمهورية إيران الاسلامية وصعود ثقافة المقاومة، قد جعل أميركا والبعض الآخر يطلقون الصراخ لأن مقاومة الشعوب منعت تحقيق مصالحهم النفعية.
ووصف سماحة آية الله الخامنئي نمو وقوة فكرة المقاومة داخل البلاد بأنه نتيجة سنوات الدفاع المقدس وقال: في الثلاثين سنة التي تلت الحرب، شهدنا هجمات وفتن مختلفة، وكلها باءت بالفشل بسبب مأسسة ثقافة المقاومة في الشعب.
وفي تلخيص حديثه عن أبعاد عظمة الدفاع المقدس، قال سماحته: إن الدفاع المقدس له الحق في الحياة في بلادنا، لكن البعض يسيؤون إليه ويشككون في عظمته بالتحريف أو الأكاذيب الصريحة، لذا يتوجب تبيين وتقديم حقائق الدفاع المقدس الصانعة للتاريخ.
واعتبر سماحته أن الإمكانات والعناصر البشرية تشكل أرضية مناسبة لزيادة الأعمال الفنية الجذابة، بما في ذلك الأفلام والكتب والروايات الجيدة حول الدفاع المقدس، وقال: يجب أن نكون حريصين على عدم إغفال الهدف في مثل هذه الأعمال.
وخصص سماحته الجزء الأخير من كلمته للحديث عن بعض النقاط المتعلقة بالقوات المسلحة، حيث اعتبر القوات المسلحة من الاركان الأساسية لكل مجتمع وقال: من النقاط التي يستهدفها العدو الإضرار بقيمة القوات المسلحة وشرفها وكرامتها.
وأشار سماحة آية الله الخامنئي إلى ضرورة تكريم القوات المسلحة، وأضاف: أمن المجتمع والوطن هو كل شيء، وإذا لم يكن كذلك فلا اقتصاد ولا طمأنينة، ولذلك ينبغي الاهتمام بالقوات المسلحة بطرق مختلفة، وتقدير وجودها، واحترام جهودها.
واكد سماحته أن منطق القوة في الإسلام، على عكس الغرب، لا يسعى إلى التفوق وإذلال الآخرين، وقال: ان الاقتدار لا يتناقض مع السلوك المشفوع بالعطف وطيب الكلام، وكلما زادت قوتكم وقدرتكم الذاتية والقانونية يجب أن يزداد ايضا تواضعكم تجاه الناس وتوجهكم نحو الله عز وجل.
وفي الختام، ذكّر سماحة آية الله الخامنئي بوعد العون الإلهي في حال وجود النية إلالهية في العمل، وقال: طالما أننا نعمل في سبيل الله ولله، سواء فهمنا أم لا، فإن الله سيساعدنا بالتأكيد.
وقبل كلمة قائد الثورة الإسلامية المعظم، تحدّث ستة من الناشطين والباحثين في مختلف مجالات الدفاع المقدس، وهم الدكتورة زهراء برزكر، والدكتور ميثم صالحي، والدكتورة سمية بروجردي، وسعيد علاميان، وفرانك جمشيدي، وحميد بارسا، مبدين بعض النقاط حول ضرورة الاستفادة من نموذج الدفاع في حل مشاكل البلاد، وتعزيز ونشر ثقافة التضحية وسيرة حياة الشهداء، وحماية نمط الحياة الإيراني الإسلامي، وشرح القيم لجيل الشباب بشكل فني، و وضرورة وضع خطة علمية شاملة للدفاع المقدس.
كما قدّم العميد بهمن كاركر، رئيس مؤسسة الحفاظ على آثار وقيم الدفاع المقدس، تقريراً عن أعمال وبرامج هذه المؤسسة، بما في ذلك في مجال تكريم قدامى محاربي الدفاع المقدس وتوسيع نطاق نماذج قوافل السائرين إلى النور في مجال "السائرين نحو التقدم".