التقى قائد الثورة الإسلامية سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي صباح يوم الأربعاء 13/08/2014 م مسؤولي وزارة الخارجية الإيرانية و على رأسهم وزير الخارجية الدكتور محمد جواد ظريف، و سفراء و مسؤولي ممثليات إيران في الخارج، و اعتبر الجهاز الدبلوماسي في البلاد المدافع المرابط في الخطوط الأمامية عن أهداف الإيرانيين و مصالحهم و أرصدتهم الوطنية، و عدد خصوصيات الدبلوماسية الإيرانية و ضرورة الدبلوماسية النشيطة و الواعية خلال الفترة البالغة الحساسية للانتقال إلى نظام عالمي جديد، و ذكر نقاطاً مهمة بخصوص عدم جدوى التعامل مع أمريكا.
و قال سماحته حول أهمية العمل الدبلوماسي: الدبلوماسية الواعية و النشيطة تستطيع أن تحقق مكتسبات سياسية و اقتصادية و إنسانية و اجتماعية مهمة جداً لا يمكن أن تتحقق بأي خطوات أخرى بما في ذلك الحروب المكلفة و الكبيرة الأخطار، و هذا الواقع يشير إلى أهمية و مكانة الجهاز الدبلوماسي في منظومة إدارة البلاد.
و اعتبر آية الله العظمى السيد الخامنئي الأحداث التي وقعت خلال الأعوام الأخيرة في المنطقة دليلاً على هذا الواقع منوّهاً: حاولت بعض القوى أن تحقق مصالحها بالقوة و السلاح لكنها أخفقت، لكن البعض استطاعوا بدقتهم و ذكائهم و حراكهم أن يحققوا مصالحهم بشكل جيد.
و وصف قائد الثورة الإسلامية وزارة الخارجية بأنها الجيش الدبلوماسي المنظم للبلاد مضيفاً: في قضية السياسة الخارجية تلعب أجهزة أخرى دورها أيضاً، لكن وزارة الخارجية باعتبارها منظمة موظفة و جيشاً منظماً تتولى المسؤولية الرئيسية في هذا المجال.
و في معرض شرحه لشروط و لوازم الدبلوماسية الناجحة، أكد سماحته على ضرورة التعيين الدقيق و الصريح للأهداف مردفاً: تمثل بعض الأهداف مطامح و مبادئ وطنية كبرى، و بعضها يعدّ استراتيجياً و إقليمياً، و بعضها الآخر مرحلياً و موضعياً، و هذه الأهداف ينبغي أن تتحدد على كافة المستويات بدقة، حتى تستطيع كل العناصر الناشطة في المجال الدبلوماسي أن تنهض بواجباتها على أحسن نحو.
و اعتبر آية الله العظمى السيد الخامنئي «التنظيم المناسب» الشرط الثاني للدبلوماسية الناجحة مردفاً: ينبغي أن يكون هذا التنظيم على أساس النظر للأهداف و في ضوء الإمكانيات و الطاقات المتوفرة.
و اعتبر قائد الثورة الإسلامية التمتع بعناصر مؤهلة الشرط الآخر للدبلوماسية الناجحة. و في معرض تبيينه لمفهوم «المؤهلات الدبلوماسية» أشار إلى عناصر من قبيل «الذكاء و الفطنة و المهارة الدبلوماسية»، و «المرونة في مواضعها»، و «الصلابة و المناعة في المواقع الضرورية»، و «الالتزام الصادق و العميق بالأهداف».
و شرح قائد الثورة الإسلامية عنصر الذكاء الدبلوماسي قائلاً: هذه الخصوصية تؤهل الإنسان لمعرفة أهداف و تحركات الأطراف المقابلة في المفاوضات و المعاملات، و برمجة و تنفيذ تحركاته على أساس هذه المعرفة.
و أوضح آية الله العظمى السيد الخامنئي أن المهارة الدبلوماسية هي استخدام المرونة و الاقتدار في المواطن المناسبة، مردفاً: المعنى الآخر لهذه الخصوصية هو المرونة البطولية، و صلح الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) أعظم نماذجها في التاريخ.
و أضاف سماحته قائلاً: المرونة البطولية و خلافاً لبعض التفاسير، لها معنى واضح، و يمكن ملاحظة نموذجاً لها في رياضة المصارعة. فالهدف في مباريات المصارعة هو الفوز على المنافس، فإذا كان المصارع يتمتع بالقدرة اللازمة لكنه لا يستخدم المرونة اللازمة في محلها فإنه سيخسر بالتأكيد، لكنه إذا استخدم المرونة و القوة في مواقعها فسوف يصرع منافسه و يلقيه أرضاً.
و قال قائد الثورة الإسلامية موضّحاً عنصر «الالتزام العميق و الصادق بالمبادئ و المطامح و الأهداف»: إذا نشط الشخص في المجال الدبلوماسي من دون إيمان و اعتقاد عميق بالأهداف فلن يمكنه أن يكون موفقاً بكل تأكيد.
و شبّه آية الله العظمى السيد الخامنئي الساحة الدبلوماسية بساحة الحرب مضيفاً: الواقع أن الساحة الدبلوماسية هي ساحة ملاواة، و إذا بادر شخص إلى هذه العملية من دون عقيدة راسخة بالهدف، فإنه سوف ينهزم إما في المراحل الأولى أو في نهاية المطاف.
و كان الحراك الكبير و الدؤوب شرطاً آخر تطرق له قائد الثورة الإسلامية في شرحه لضروريات الدبلوماسية الناجحة، حيث قال: الحراك الكبير العالي ضرورة لا تنفصل عن الدبلوماسية، و يجب الاهتمام بها اهتماماً جدياً.
و تابع الإمام السيد علي الخامنئي حديثه في لقائه بوزير الخارجية و الناشطين في الميدان الدبلوماسي، و اعتبر الفترة الراهنة فترة انتقال إلى نظام عالمي جديد ملفتاً: إلى جانب اللاعبين التقليديين، دخل الساحة لاعبون جدد من آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية، و هم يحاولون تكريس مكانتهم في النظام الجديد المستقبلي.
و أكد قائد الثورة الإسلامية: في هذه الفترة تكتسب الدبلوماسية القوية و الكفوءة أهمية مضاعفة، و لهذا السبب فإن مهمات وزارة الخارجية اليوم أكثر حساسية من الماضي.
و أضاف قائلاً: إذا استطاع الجهاز الدبلوماسي أن يسجّل في الفترة الحالية نشاطاً فاعلاً و واعياً و ذكياً و مقتدراً، فإن مكانة و قوة الجمهورية الإسلامية سوف تتكرس على مدى عشرات الأعوام القادمة و في النظام العالمي الجديد كمكانة ممتازة، و بغير ذلك فإننا لن نتمتع في العالم المستقبلي بالموقع المناسب اللازم.
و كان «اصطياد الفرص و الاستفادة الصحيحة منها» نقطة أخرى نبّه قائد الثورة الإسلامية المسؤولين الدبلوماسيين في البلاد لها.
و قال سماحته: التطورات الإقليمية و العالمية سريعة جداً و ينبغي رصدها بشكل آني مستمر، و إبداء حراك عال لتحليل أية حادثة أو تطور من دون تأخير، و وعي علاقة هذه الحادثة بالأهداف و المبادئ، لتشخيص الموقف منها.
و تابع الإمام السيد علي الخامنئي حديثه في لقائه بمسؤولي الجهاز الدبلوماسي بالتركيز على الأهداف و السياسات العامة التي ينبغي لمسؤولي السياسة الخارجية أخذها دائماً بنظر الاعتبار.
و في هذا المضمار اعتبر سماحته أن «تكريس منطق الجمهورية الإسلامية» أي الديمقراطية الدينية هدف كبير مؤكداً: خوضوا في هذه القضية من دون ارتباك و انهزامية، فهذا الهدف ممكن التحقيق خصوصاً في المنطقة الإسلامية.
و عدّ قائد الثورة الإسلامية التركيز على خصوصيات و مميزات الدبلوماسية الإيرانية في العالم من الأهداف المهمة الأخرى للعاملين في السياسة الخارجية.
و أضاف سماحته: الالتزام بالمعايير الشرعية في السلوكيات الفردية و الاجتماعية و في الأوساط الدبلوماسية و عدم التخوّف من غضب و تهديدات القوى الكبرى بما في ذلك أمريكا خصوصية تمتاز بها الدبلوماسية الإيرانية، و ينبغي الاهتمام لها اهتماماً جدياً.
و لفت قائد الثورة الإسلامية: لقد تحول عدم الخوف من القوى المهيمنة، بعد الثورة، إلى خصوصية بارزة لسياسة الجمهورية الإسلامية الخارجية، و هذه الخصوصية اجتذبت قلوب الشعوب، كما أنها فرضت على ساسة العالم الإعجاب و الإجلال سواء اعترفوا بذلك علانية أو كتموه.
و أكد قائد الثورة الإسلامية على أن «الدفاع الصريح و الحاسم و الحقيقي عن المظلوم» من الخصوصيات الأخرى للدبلوماسية الإيرانية مردفاً: لقد تجلت هذه الخصوصية على مدى كل السنوات التي أعقبت الثورة في الدفاع عن شعب فلسطين و المجاهدين الفلسطينيين و اللبنانيين، و الحالات المماثلة الأخرى.
و أوضح آية الله العظمى السيد الخامنئي أن «المعارضة الجادة لنظام الهيمنة» من الخصوصيات الواضحة للسياسة الخارجية لجمهورية إيران الإسلامية مضيفاً: لقد عارض و يعارض المسؤولون الإيرانيون، بكل شجاعة و اقتدار و من دون مجاملات، تواجد المهيمنين و خصوصاً أمريكا في أي مكان من العالم.
و اعتبر الإمام السيد علي الخامنئي أن «تأمين المصالح الوطنية» من الأهداف المشتركة لكل الأجهزة الدبلوماسية في العالم مردفاً: في الدبلوماسية الإيرانية، بالإضافة إلى السعي لتأمين المصالح الوطنية، يمتاز الحفاظ على الأرصدة الوطنية بأهمية بالغة، فلو لم تكن هناك أرصدة وطنية لبقي الجهاز الدبلوماسي من دون دعامة و سند، و لن يتحقق تأمين المصالح الوطنية.
و اعتبر قائد الثورة الإسلامية «الهوية الوطنية و الإسلامية و الثورية و التاريخية» الرصيد الوطني للإيرانيين منوّهاً: الاستقلال الناتج عن الثورة الإسلامية و الدين و الشعب المؤمن و الشباب الثوري و الرأي القاطع مقابل الجشعين، و العلماء، و النخبة، و النشاطات العلمية، من جملة عناصر الرصيد الوطني، و التي ينبغي أن تصان على الصعيد الدبلوماسي لتأمين المصالح الوطنية.
و خصّص آية الله العظمى السيد الخامنئي الجانب الأخير من حديثه في هذا اللقاء لموضوع التعامل مع العالم
و أيّد سماحته كلام رئيس الجمهورية قبل يومين في لقائه بالسفراء و القائمين بالأعمال الإيرانيين في الخارج بشأن التعامل و التواصل مع العالم مضيفاً: ثمة لهذه القاعدة استثناءان هما الكيان الصهيوني و أمريكا.
و عرض آية الله العظمى السيد الخامنئي عدة أدلة و أسباب لرفض التواصل مع أمريكا مؤكداً: العلاقة مع أمريكا و التفاوض معها، باستثناء حالات خاصة، ليس عديم الفائدة بالنسبة للجمهورية الإسلامية و حسب، بل فيه ضرر، و أيّ عاقل يسعى إلى عمل لا منفعة فيه؟!
و أضاف سماحته قائلاً: البعض يحاولون تصوير الأمر بأننا لو جلسنا مع الأمريكيين حول طاولة واحدة لكان في ذلك علاج للكثير من المشكلات، و طبعاً كنا نعلم أن الأمر ليس كذلك، لكن قضايا السنة الأخيرة أثبتت هذه الحقيقة مرة أخرى.
و لفت قائد الثورة الإسلامية: في الماضي لم يكن بين المسؤولين الإيرانيين و المسؤولين الأمريكان أية علاقة، و لكن في السنة الأخيرة و بسبب الشؤون النووية الحساسة و التجربة التي طرح الخوض فيها، تقرّر أن يتواصل المسؤولون معهم إلى مستوى وزارة الخارجية و تكون لهم معهم اجتماعات و مفاوصات، و لكن لم تثمر هذه العلاقات أية فائدة، و ليس هذا و حسب بل إن لهجة الأمريكا ازدادت حدة و إهانة، و راحوا يطرحون توقعات و مطالبات أكثر في جلسات التفاوض و في المنابر العامة.
و أضاف قائد الثورة الإسلامية: طبعاً ردّ المسؤولون الإيرانيون في الاجتماعات على مطالباتهم ردوداً أقوى و ألذع أحياناً، و لكن تبيّن على العموم أن المفاوضات و خلافاً لتصورات البعض لا تساعد على أيّ شيء.
و على الصعيد نفسه أشار آية الله العظمى السيد الخامنئي إلى زيادة حالات الحظر قائلاً: ليس لم يقلل الأمريكان من حالات العداء و حسب، بل و زادوا من الحظر! طبعاً هم يقولون إن هذه الحالات من الحظر ليست بجديدة، لكنها في الحقيقة جديدة، و التفاوض في موضوع الحظر أيضاً لم تكن له فائدة.
و أضاف سماحته قائلاً: نحن طبعاً لا نمانع من استمرار المفاوضات النووية، و العمل الذي بدأه الدكتور ظريف و زملاؤه و تابعوه لحد الآن على نحو جيد سوف يستمر، و لكن كانت هذه أيضاً تجربة ثمينة أخرى للجميع كي نتنبّه إلى أن الجلوس مع الأمريكان و الحديث معهم لا يؤثر أبداً في تقليل عدائهم، و لا فائدة منه.
و قال قائد الثورة الإسلامية حول أضرار التفاوض مع الأمريكان: هذه العملية تجرّ علينا تهمة التذبذب لدى الرأي العام للشعوب و الحكومات، و يصوّر الغربيون بإعلامهم الضخم الجمهورية الإسلامية و كأنها مرتبكة و إزدواجية.
و أشار قائد الثورة الإسلامية إلى أن الضرر الآخر لمجالسة الأمريكان و الاجتماع بهم توفير الأرضية لهم لطرح توقعات جديدة.
و لخّص قائد الثورة الإسلامية هذا الجانب من حديثه بالتأكيد على أن التعامل مع الكيان الصهيوني أمر منتف موضوعياً، و قال حول الأمريكان: طالما استمر الوضع الراهن، أيْ عداء أمريكا و التصريحات العدوانية للحكومة و الكونغرس الأمريكي حول إيران، فإن التعامل معهم لن يكون له أيّ مبرّر أو وجه.
و أشار الإمام السيد علي الخامنئي إلى ارتفاع مستوى كراهية الشعوب لأمريكا بسبب تضامنها مع جرائم الصهاينة في غزّة مردفاً: ما من أحد في العالم يبرّئ الأمريكيين من المشاركة في جرائم و مذابح الكيان الصهيوني الغاصب القاتل الكافر الظالم ذي النزعة الذئبية، في غزة، و عليه فالأمريكان يقفون الآن في موقف ينطوي على المزيد من الضعف.
و أشار قائد الثورة الإسلامية إلى الأوضاع الراهنة لأهالي غزة مؤكداً: منطق الفلسطينيين في قضية وقف إطلاق النار منطق صحيح. إنهم يقولون قبول وقف إطلاق النار بمعنى أن الكيان الصهيوني المتوحّش السفاح يستطيع ارتكاب أية فاجعة أراد، و من دون أن يدفع أي ثمن، و هذا ما يعيد الأوضاع إلى أيام ما قبل الهجوم أي الحصار الشديد و مواصلة الضغوط.
و أضاف آية الله العظمى السيد الخامنئي: كما يقول الفلسطينيون يجب أن يكون هناك ثمن و كلفة لكل هذه الجرائم، و الثمن هو إنهاء حصار غزة، و ما من إنسان منصف يمكنه رفض هذا المطلب الحق.
و قال سماحة الإمام الخامنئي في ختام حديثه حول أوضاع العراق: بتعيين رئيس الوزراء الجديد في العراق إن شاء الله ستحلّ العقد و تسير الأمور و تتشكل الحكومة لتستطيع أن تعمل و تلقن الذين يريدون الفتنة في العراق درساً قوياً.
و تمنى سماحته التوفيق للمسؤولين و الناشطين في السلك الدبلوماسي قائلاً: إنني أسأل الله تعالى دوماً أن يوفق وزير الخارجية العزيز و زملاءه.
قبل كلمة قائد الثورة الإسلامية تحدث الدكتور محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني رافعاً تقريراً عن ملتقى السفراء و مدراء ممثليات الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الخارج، و أوضح أن الهدف من إقامة هذا الملتقى تبادل وجهات النظر و تلاقح الأفكار و تنظيم السياسة الخارجية على أساس الوثائق المبدئية و الانتفاع من توجيهات سماحة قائد الثورة الإسلامية.
و قال سماحته حول أهمية العمل الدبلوماسي: الدبلوماسية الواعية و النشيطة تستطيع أن تحقق مكتسبات سياسية و اقتصادية و إنسانية و اجتماعية مهمة جداً لا يمكن أن تتحقق بأي خطوات أخرى بما في ذلك الحروب المكلفة و الكبيرة الأخطار، و هذا الواقع يشير إلى أهمية و مكانة الجهاز الدبلوماسي في منظومة إدارة البلاد.
و اعتبر آية الله العظمى السيد الخامنئي الأحداث التي وقعت خلال الأعوام الأخيرة في المنطقة دليلاً على هذا الواقع منوّهاً: حاولت بعض القوى أن تحقق مصالحها بالقوة و السلاح لكنها أخفقت، لكن البعض استطاعوا بدقتهم و ذكائهم و حراكهم أن يحققوا مصالحهم بشكل جيد.
و وصف قائد الثورة الإسلامية وزارة الخارجية بأنها الجيش الدبلوماسي المنظم للبلاد مضيفاً: في قضية السياسة الخارجية تلعب أجهزة أخرى دورها أيضاً، لكن وزارة الخارجية باعتبارها منظمة موظفة و جيشاً منظماً تتولى المسؤولية الرئيسية في هذا المجال.
و في معرض شرحه لشروط و لوازم الدبلوماسية الناجحة، أكد سماحته على ضرورة التعيين الدقيق و الصريح للأهداف مردفاً: تمثل بعض الأهداف مطامح و مبادئ وطنية كبرى، و بعضها يعدّ استراتيجياً و إقليمياً، و بعضها الآخر مرحلياً و موضعياً، و هذه الأهداف ينبغي أن تتحدد على كافة المستويات بدقة، حتى تستطيع كل العناصر الناشطة في المجال الدبلوماسي أن تنهض بواجباتها على أحسن نحو.
و اعتبر آية الله العظمى السيد الخامنئي «التنظيم المناسب» الشرط الثاني للدبلوماسية الناجحة مردفاً: ينبغي أن يكون هذا التنظيم على أساس النظر للأهداف و في ضوء الإمكانيات و الطاقات المتوفرة.
و اعتبر قائد الثورة الإسلامية التمتع بعناصر مؤهلة الشرط الآخر للدبلوماسية الناجحة. و في معرض تبيينه لمفهوم «المؤهلات الدبلوماسية» أشار إلى عناصر من قبيل «الذكاء و الفطنة و المهارة الدبلوماسية»، و «المرونة في مواضعها»، و «الصلابة و المناعة في المواقع الضرورية»، و «الالتزام الصادق و العميق بالأهداف».
و شرح قائد الثورة الإسلامية عنصر الذكاء الدبلوماسي قائلاً: هذه الخصوصية تؤهل الإنسان لمعرفة أهداف و تحركات الأطراف المقابلة في المفاوضات و المعاملات، و برمجة و تنفيذ تحركاته على أساس هذه المعرفة.
و أوضح آية الله العظمى السيد الخامنئي أن المهارة الدبلوماسية هي استخدام المرونة و الاقتدار في المواطن المناسبة، مردفاً: المعنى الآخر لهذه الخصوصية هو المرونة البطولية، و صلح الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) أعظم نماذجها في التاريخ.
و أضاف سماحته قائلاً: المرونة البطولية و خلافاً لبعض التفاسير، لها معنى واضح، و يمكن ملاحظة نموذجاً لها في رياضة المصارعة. فالهدف في مباريات المصارعة هو الفوز على المنافس، فإذا كان المصارع يتمتع بالقدرة اللازمة لكنه لا يستخدم المرونة اللازمة في محلها فإنه سيخسر بالتأكيد، لكنه إذا استخدم المرونة و القوة في مواقعها فسوف يصرع منافسه و يلقيه أرضاً.
و قال قائد الثورة الإسلامية موضّحاً عنصر «الالتزام العميق و الصادق بالمبادئ و المطامح و الأهداف»: إذا نشط الشخص في المجال الدبلوماسي من دون إيمان و اعتقاد عميق بالأهداف فلن يمكنه أن يكون موفقاً بكل تأكيد.
و شبّه آية الله العظمى السيد الخامنئي الساحة الدبلوماسية بساحة الحرب مضيفاً: الواقع أن الساحة الدبلوماسية هي ساحة ملاواة، و إذا بادر شخص إلى هذه العملية من دون عقيدة راسخة بالهدف، فإنه سوف ينهزم إما في المراحل الأولى أو في نهاية المطاف.
و كان الحراك الكبير و الدؤوب شرطاً آخر تطرق له قائد الثورة الإسلامية في شرحه لضروريات الدبلوماسية الناجحة، حيث قال: الحراك الكبير العالي ضرورة لا تنفصل عن الدبلوماسية، و يجب الاهتمام بها اهتماماً جدياً.
و تابع الإمام السيد علي الخامنئي حديثه في لقائه بوزير الخارجية و الناشطين في الميدان الدبلوماسي، و اعتبر الفترة الراهنة فترة انتقال إلى نظام عالمي جديد ملفتاً: إلى جانب اللاعبين التقليديين، دخل الساحة لاعبون جدد من آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية، و هم يحاولون تكريس مكانتهم في النظام الجديد المستقبلي.
و أكد قائد الثورة الإسلامية: في هذه الفترة تكتسب الدبلوماسية القوية و الكفوءة أهمية مضاعفة، و لهذا السبب فإن مهمات وزارة الخارجية اليوم أكثر حساسية من الماضي.
و أضاف قائلاً: إذا استطاع الجهاز الدبلوماسي أن يسجّل في الفترة الحالية نشاطاً فاعلاً و واعياً و ذكياً و مقتدراً، فإن مكانة و قوة الجمهورية الإسلامية سوف تتكرس على مدى عشرات الأعوام القادمة و في النظام العالمي الجديد كمكانة ممتازة، و بغير ذلك فإننا لن نتمتع في العالم المستقبلي بالموقع المناسب اللازم.
و كان «اصطياد الفرص و الاستفادة الصحيحة منها» نقطة أخرى نبّه قائد الثورة الإسلامية المسؤولين الدبلوماسيين في البلاد لها.
و قال سماحته: التطورات الإقليمية و العالمية سريعة جداً و ينبغي رصدها بشكل آني مستمر، و إبداء حراك عال لتحليل أية حادثة أو تطور من دون تأخير، و وعي علاقة هذه الحادثة بالأهداف و المبادئ، لتشخيص الموقف منها.
و تابع الإمام السيد علي الخامنئي حديثه في لقائه بمسؤولي الجهاز الدبلوماسي بالتركيز على الأهداف و السياسات العامة التي ينبغي لمسؤولي السياسة الخارجية أخذها دائماً بنظر الاعتبار.
و في هذا المضمار اعتبر سماحته أن «تكريس منطق الجمهورية الإسلامية» أي الديمقراطية الدينية هدف كبير مؤكداً: خوضوا في هذه القضية من دون ارتباك و انهزامية، فهذا الهدف ممكن التحقيق خصوصاً في المنطقة الإسلامية.
و عدّ قائد الثورة الإسلامية التركيز على خصوصيات و مميزات الدبلوماسية الإيرانية في العالم من الأهداف المهمة الأخرى للعاملين في السياسة الخارجية.
و أضاف سماحته: الالتزام بالمعايير الشرعية في السلوكيات الفردية و الاجتماعية و في الأوساط الدبلوماسية و عدم التخوّف من غضب و تهديدات القوى الكبرى بما في ذلك أمريكا خصوصية تمتاز بها الدبلوماسية الإيرانية، و ينبغي الاهتمام لها اهتماماً جدياً.
و لفت قائد الثورة الإسلامية: لقد تحول عدم الخوف من القوى المهيمنة، بعد الثورة، إلى خصوصية بارزة لسياسة الجمهورية الإسلامية الخارجية، و هذه الخصوصية اجتذبت قلوب الشعوب، كما أنها فرضت على ساسة العالم الإعجاب و الإجلال سواء اعترفوا بذلك علانية أو كتموه.
و أكد قائد الثورة الإسلامية على أن «الدفاع الصريح و الحاسم و الحقيقي عن المظلوم» من الخصوصيات الأخرى للدبلوماسية الإيرانية مردفاً: لقد تجلت هذه الخصوصية على مدى كل السنوات التي أعقبت الثورة في الدفاع عن شعب فلسطين و المجاهدين الفلسطينيين و اللبنانيين، و الحالات المماثلة الأخرى.
و أوضح آية الله العظمى السيد الخامنئي أن «المعارضة الجادة لنظام الهيمنة» من الخصوصيات الواضحة للسياسة الخارجية لجمهورية إيران الإسلامية مضيفاً: لقد عارض و يعارض المسؤولون الإيرانيون، بكل شجاعة و اقتدار و من دون مجاملات، تواجد المهيمنين و خصوصاً أمريكا في أي مكان من العالم.
و اعتبر الإمام السيد علي الخامنئي أن «تأمين المصالح الوطنية» من الأهداف المشتركة لكل الأجهزة الدبلوماسية في العالم مردفاً: في الدبلوماسية الإيرانية، بالإضافة إلى السعي لتأمين المصالح الوطنية، يمتاز الحفاظ على الأرصدة الوطنية بأهمية بالغة، فلو لم تكن هناك أرصدة وطنية لبقي الجهاز الدبلوماسي من دون دعامة و سند، و لن يتحقق تأمين المصالح الوطنية.
و اعتبر قائد الثورة الإسلامية «الهوية الوطنية و الإسلامية و الثورية و التاريخية» الرصيد الوطني للإيرانيين منوّهاً: الاستقلال الناتج عن الثورة الإسلامية و الدين و الشعب المؤمن و الشباب الثوري و الرأي القاطع مقابل الجشعين، و العلماء، و النخبة، و النشاطات العلمية، من جملة عناصر الرصيد الوطني، و التي ينبغي أن تصان على الصعيد الدبلوماسي لتأمين المصالح الوطنية.
و خصّص آية الله العظمى السيد الخامنئي الجانب الأخير من حديثه في هذا اللقاء لموضوع التعامل مع العالم
و أيّد سماحته كلام رئيس الجمهورية قبل يومين في لقائه بالسفراء و القائمين بالأعمال الإيرانيين في الخارج بشأن التعامل و التواصل مع العالم مضيفاً: ثمة لهذه القاعدة استثناءان هما الكيان الصهيوني و أمريكا.
و عرض آية الله العظمى السيد الخامنئي عدة أدلة و أسباب لرفض التواصل مع أمريكا مؤكداً: العلاقة مع أمريكا و التفاوض معها، باستثناء حالات خاصة، ليس عديم الفائدة بالنسبة للجمهورية الإسلامية و حسب، بل فيه ضرر، و أيّ عاقل يسعى إلى عمل لا منفعة فيه؟!
و أضاف سماحته قائلاً: البعض يحاولون تصوير الأمر بأننا لو جلسنا مع الأمريكيين حول طاولة واحدة لكان في ذلك علاج للكثير من المشكلات، و طبعاً كنا نعلم أن الأمر ليس كذلك، لكن قضايا السنة الأخيرة أثبتت هذه الحقيقة مرة أخرى.
و لفت قائد الثورة الإسلامية: في الماضي لم يكن بين المسؤولين الإيرانيين و المسؤولين الأمريكان أية علاقة، و لكن في السنة الأخيرة و بسبب الشؤون النووية الحساسة و التجربة التي طرح الخوض فيها، تقرّر أن يتواصل المسؤولون معهم إلى مستوى وزارة الخارجية و تكون لهم معهم اجتماعات و مفاوصات، و لكن لم تثمر هذه العلاقات أية فائدة، و ليس هذا و حسب بل إن لهجة الأمريكا ازدادت حدة و إهانة، و راحوا يطرحون توقعات و مطالبات أكثر في جلسات التفاوض و في المنابر العامة.
و أضاف قائد الثورة الإسلامية: طبعاً ردّ المسؤولون الإيرانيون في الاجتماعات على مطالباتهم ردوداً أقوى و ألذع أحياناً، و لكن تبيّن على العموم أن المفاوضات و خلافاً لتصورات البعض لا تساعد على أيّ شيء.
و على الصعيد نفسه أشار آية الله العظمى السيد الخامنئي إلى زيادة حالات الحظر قائلاً: ليس لم يقلل الأمريكان من حالات العداء و حسب، بل و زادوا من الحظر! طبعاً هم يقولون إن هذه الحالات من الحظر ليست بجديدة، لكنها في الحقيقة جديدة، و التفاوض في موضوع الحظر أيضاً لم تكن له فائدة.
و أضاف سماحته قائلاً: نحن طبعاً لا نمانع من استمرار المفاوضات النووية، و العمل الذي بدأه الدكتور ظريف و زملاؤه و تابعوه لحد الآن على نحو جيد سوف يستمر، و لكن كانت هذه أيضاً تجربة ثمينة أخرى للجميع كي نتنبّه إلى أن الجلوس مع الأمريكان و الحديث معهم لا يؤثر أبداً في تقليل عدائهم، و لا فائدة منه.
و قال قائد الثورة الإسلامية حول أضرار التفاوض مع الأمريكان: هذه العملية تجرّ علينا تهمة التذبذب لدى الرأي العام للشعوب و الحكومات، و يصوّر الغربيون بإعلامهم الضخم الجمهورية الإسلامية و كأنها مرتبكة و إزدواجية.
و أشار قائد الثورة الإسلامية إلى أن الضرر الآخر لمجالسة الأمريكان و الاجتماع بهم توفير الأرضية لهم لطرح توقعات جديدة.
و لخّص قائد الثورة الإسلامية هذا الجانب من حديثه بالتأكيد على أن التعامل مع الكيان الصهيوني أمر منتف موضوعياً، و قال حول الأمريكان: طالما استمر الوضع الراهن، أيْ عداء أمريكا و التصريحات العدوانية للحكومة و الكونغرس الأمريكي حول إيران، فإن التعامل معهم لن يكون له أيّ مبرّر أو وجه.
و أشار الإمام السيد علي الخامنئي إلى ارتفاع مستوى كراهية الشعوب لأمريكا بسبب تضامنها مع جرائم الصهاينة في غزّة مردفاً: ما من أحد في العالم يبرّئ الأمريكيين من المشاركة في جرائم و مذابح الكيان الصهيوني الغاصب القاتل الكافر الظالم ذي النزعة الذئبية، في غزة، و عليه فالأمريكان يقفون الآن في موقف ينطوي على المزيد من الضعف.
و أشار قائد الثورة الإسلامية إلى الأوضاع الراهنة لأهالي غزة مؤكداً: منطق الفلسطينيين في قضية وقف إطلاق النار منطق صحيح. إنهم يقولون قبول وقف إطلاق النار بمعنى أن الكيان الصهيوني المتوحّش السفاح يستطيع ارتكاب أية فاجعة أراد، و من دون أن يدفع أي ثمن، و هذا ما يعيد الأوضاع إلى أيام ما قبل الهجوم أي الحصار الشديد و مواصلة الضغوط.
و أضاف آية الله العظمى السيد الخامنئي: كما يقول الفلسطينيون يجب أن يكون هناك ثمن و كلفة لكل هذه الجرائم، و الثمن هو إنهاء حصار غزة، و ما من إنسان منصف يمكنه رفض هذا المطلب الحق.
و قال سماحة الإمام الخامنئي في ختام حديثه حول أوضاع العراق: بتعيين رئيس الوزراء الجديد في العراق إن شاء الله ستحلّ العقد و تسير الأمور و تتشكل الحكومة لتستطيع أن تعمل و تلقن الذين يريدون الفتنة في العراق درساً قوياً.
و تمنى سماحته التوفيق للمسؤولين و الناشطين في السلك الدبلوماسي قائلاً: إنني أسأل الله تعالى دوماً أن يوفق وزير الخارجية العزيز و زملاءه.
قبل كلمة قائد الثورة الإسلامية تحدث الدكتور محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني رافعاً تقريراً عن ملتقى السفراء و مدراء ممثليات الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الخارج، و أوضح أن الهدف من إقامة هذا الملتقى تبادل وجهات النظر و تلاقح الأفكار و تنظيم السياسة الخارجية على أساس الوثائق المبدئية و الانتفاع من توجيهات سماحة قائد الثورة الإسلامية.