اجتمع یوم الثلاثاء 13/11/2012 م مساء نحو 150 من المفکرین و العلماء و أساتذة الحوزات و الجامعات و الباحثین مع سماحة آیة الله العظمی السید علی الخامنئی قائد الثورة الإسلامیة فی إطار الملتقی الرابع للأفکار الاستراتیجیة فی الجمهوریة الإسلامیة لیناقشوا مختلف أبعاد موضوع الحریة.
فی بدایة هذا اللقاء تحدّث عشرة أشخاص من المفکرین عارضین وجهات نظرهم حول قضیة الحریة. ثم ناقش 17 من الأساتذة و الباحثین الآراء المطروحة و نقدوها.
و تحدّث بعد ذلک قائد الثورة الإسلامیة فأشار فی بدایة حدیثه إلی الأجواء العامة فی البلاد و القضایا و المشکلات الاقتصادیة التی ظهرت بسبب اشتباک الاستکبار العالمی مع الجمهوریة الإسلامیة مؤکداً: طبعاً لا یخلو أحد من الهموم التی تشوب الحیاة العامة للناس، لکن هذا الملتقی یقام لأهمیة الموضوع، و علی أساس برمجة مسبقة و کخطوة لمتابعة المقولات و الموضوعات طویلة الأمد.
و أوضح الإمام الخامنئی أن حاجة البلاد الماسّة للفکر و التفکیر فی الموضوعات الأساسیة من الأهداف و الأسباب الأصلیة لإقامة سلسلة ملتقیات الأفکار الاستراتیجیة مضیفاً: الشعب الإیرانی الذی یتقدّم إلی الأمام کنهر صاخب یحتاج مسیس الحاجة إلی الفکر و التفکیر و تفعیل الأفکار فی الموضوعات الأساسیة و الجذریة.
و اعتبر آیة الله العظمی السید الخامنئی أهمیة التواصل المباشر مع النخبة و التمهید لتوفیر إجابات علی الأسئلة المهمة فی الأفکار الأساسیة للحیاة الاجتماعیة، اعتبرها من الأهداف الأصلیة الأخری لإقامة ملتقیات الأفکار الاستراتیجیة.
و أوضح قائد الثورة الإسلامیة أن هذه الملتقیات هی بمثابة التمهید لإطلاق تیارات فکریة عمیقة و واسعة مردفاً: من الضروری أن یبدأ العمل الأصلی بعد هذه الاجتماعات و الجلسات، و یعمل الباحثون و المفکرون المتمرّسون حسنو التفکیر فی الحوزات و الجامعات، باعتبارهم الینابیع المتدفّقة، علی التفکیر فی القضایا المطروحة.
و أشار سماحته إلی الفراغات و الثغرات و النواقص المحسوسة فی معرفة و شرح الأبعاد المختلفة لقضیة الحریة فی البلاد مردفاً: نال موضوع الحریة فی الغرب خلال القرون الأخیرة الماضیة نصیباً وافراً من الاهتمام قیاساً إلی الموضوعات الأخری، و السبب العام فی ذلک هو الأحداث التی أدّت إلی إطلاق نوع من الطوفان الفکری فی هذا الموضوع فی العالم الغربی.
و عدّ سماحته النهضة الأوربیة، و الثورة الصناعیة، و الثورة الفرنسیة الکبری، و ثورة أکتوبر فی الاتحاد السوفیتی أحداثاً و عوامل أساسیة أدّت فی العالم الغربی إلی إطلاق أمواج فکریة عارمة فی موضوع الحریة.
و أضاف قائد الثورة الإسلامیة: بخلاف الغرب، لم یکن لنا إلی ما قبل الثورة الدستوریة ظروف تخلق تیارات فکریة حول موضوع الحریة، و بعد ذلک لم تؤد ظروف النهضة الدستوریة إلی مکاسب تذکر فی باب الحریة بسبب ثغرة مهمة تمثلت فی تقلید المستنیرین للأفکار الغربیة.
و لفت آیة الله العظمی السید الخامنئی فی هذا الصدد قائلاً: حینما تأخذون علماً أو محفزات من الآخرین، إذا کان ذلک بتفکیر و تعقل فستکون النتیجة توالد فکری، و لکن إذا استعرتم فکرة من مکان معین و قلّدتموها فلن یکون هناک بالطبع توالد فکری، و علی أساس هذا الواقع أدّی تقلید المستنیرین للفکر الغربی فی موضوع الحریة إلی عدم انبثاق أیة فکرة مبتکرة أو منظومة فکریة جدیدة بعد النهضة الدستوریة.
و أشار قائد الثورة الإسلامیة إلی المصادر الکثیرة حول الحریة فی المصادر الإسلامیة مردفاً: علی الرغم من وجود هذه المصادر لدینا الیوم ثغرات و فراغات کثیرة فی موضوع الحریة ینبغی سدّها بالتفکیر و التأمل و الإجابة عن کل الأسئلة و المسائل المطروحة فی موضوع الحریة وصولاً إلی بناء منظومة فکریة فی هذا المجال.
و أکد سماحته قائلاً: تحقیق هذا الهدف یستدعی عملاً جاداً و تمکّناً من المصادر الإسلامیة و المصادر الغربیة.
و قال قائد الثورة الإسلامیة فی معرض شرحه للموضوع المطروح فی هذا الملتقی: القصد من الحریة هو المعنی المتداول و الدارج فی الأوساط الجامعیة و الثقافیة فی العالم، أی الحریات الفردیة و الاجتماعیة، و لیس الحریة المعنویة و السیر و السلوک إلی الله.
و نقد سماحته الفکرة التی تری الحریة تحرّراً مطلقاً من کل شیء مضیفاً: یجب عدم الخوف من القیود و الحدود عند الحدیث عن الحریة.
و أکد قائد الثورة الإسلامیة علی أننا حین نناقش موضوع الحریة إنما نسعی إلی معرفة رأی الإسلام، و اعتبر الفرق الأساسی بین الرؤیة الإسلامیة و الغربیة بخصوص الحریة هو مصدر موضوع الحریة و أساسه مردفاً: مصدر الحریة فی الفکر اللیبرالی هو النزعة الإنسانیة أو الأومانیسم، بینما أساس الحریة فی الإسلام هو التوحید بمعنی الاعتقاد بالله و الکفر بالطاغوت.
و أکد آیة الله العظمی السید الخامنئی: الإنسان فی الرؤیة الإسلامیة متحرّر من کل القیود ما عدا عبودیة الله.
و اعتبر سماحته الکرامة الإنسانیة من المبانی الأصلیة الأخری للحریّة فی الإسلام، و أشار إلی طرح بحث الحریة فی المصادر الإسلامیة من أربع زوایا هی «حق فی القرآن الکریم» و «حق فی الفقه و الحقوق» و «التکلیف» و «النظام القیمی» مردفاً: الحق فی القرآن الکریم بمعنی مجموعة منظمة و هادفة، و علی هذا الأساس فإن عالم التکوین و عالم التشریع کلاهما حق، و حریة الإنسان حق یقف فی مقابل الباطل.
و اعتبر قائد الثورة الإسلامیة الحریة من زاویة الحق فی الفقه و الحقوق بمعنی توفیر القدرة علی المطالبة، و قال بخصوص الحریة من زاویة التکلیف: من هذه الزاویة یجب أن یسعی المرء لنیل حریته و حریة الآخرین.
و طرح الإمام الخامنئی فی معرض تلخیصه لحدیثه حول مفهوم الحریة فی الإسلام السؤال التالی: بالنظر للفوارق الأساسیة و العمیقة لمفهوم الحریة فی الإسلام و الغرب، هل یمکن عند البحث و التحقیق حول الحریة الرجوع للآراء و النظریات الغربیة؟
و قبل الإجابة عن هذا السؤال استعرض سماحته عدة نماذج لواقع الحریة فی المجتمع الغربی. و کانت «الحریة فی المجال الاقتصادی» فی حال التموضع ضمن منظومة أصحاب الرسامیل و التمتع بامتیازات خاصة، و «الحریة فی المشهد السیاسی» ضمن إطار الحصریة الدائرة بین حزبین، و «الحریة فی الشؤون الأخلاقیة» المفضیة إلی مفاسد نظیر المثلیة الجنسیة، من جملة نتائج الحریة فی المجتمع الغربی التی أشار لها قائد الثورة الإسلامیة.
و أضاف سماحته: هذه الأمور تشیر إلی حقائق جد سیئة و مرّة و قبیحة و فی بعض الأحیان مقززة فی المجتمع الغربی، و نتیجتها هی التمییز و التعسف و إشعال الحروب و التعامل الانتقائی مع أمور شریفة مثل حقوق الإنسان و الدیمقراطیة.
و أکد آیة الله العظمی السید الخامنئی: رغم کل هذه الحقائق المؤسفة فإن مراجعة آراء المفکرین الغربیین لغرض البحث العلمی فی مفهوم الحریة عملیة مفیدة لأن الغربیین لهم سوابق طویلة فی تدوین منظومة فکریة حول الحریة و تضارب الآراء فی هذا الخصوص.
و لفت سماحته فی ختام حدیثه: اجتناب التقلید هو الشرط الأساسی لمراجعة آراء المفکرین الغربیین، لأن التقلید علی الضد من الحریة.
هذا و تحدّث فی هذا الملتقی قبل کلمة قائد الثورة عشرة من الباحثین مستعرضین خلاصات بحوثهم.
و کان الدکتور دهقانی فیروز آبادی أستاذ العلوم السیاسیة فی جامعة العلامة الطباطبائی المتحدث الأول حیث عرض خلاصة بحثه تحت عنوان «حریة الفکر و المصالح الوطنیة للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة». و قد أشار إلی زیادة الدعم الوطنی لقرارات النظام الإسلامی فی مضمار السیاسة الخارجیة و ارتقاء مستوی الثقة بین الساسة و الباحثین السیاسیین کنتائج للتفکیر الحرّ فی إطار المصالح الوطنیة.
و کان حجة الإسلام الدکتور میر أحمدی أستاذ العلوم السیاسیة فی جامعة الشهید بهشتی المتحدث التالی فی هذا الملتقی ببحث تحت عنوان «الحریة السیاسیة فی القرآن الکریم»، حیث اعتبر أهم أهداف الحریة من وجهة نظر القرآن الکریم هو تحقیق التوحید و العدالة و تمتع الإنسان بحق الانتخاب و الاختیار و حق النقد و التعبیر عن الرأی و حق تشکیل التجمّعات.
«المصادر الدینیة للحریة و العدالة» عنوان بحث قدّمه الدکتور شجاعی زند أستاذ علم الاجتماع فی جامعة «تربیت مدرس» الذی کان المتحدث الثالث فی ملتقی الأفکار الاستراتیجیة، و قد اعتبر التصوّر المتعارض بین الدین و الحریة تصوّراً خاطئاً مؤکداً علی أن سبیل إصلاح هذا التصوّر هو العودة إلی الجذور الأصلیة للحریة و العدالة فی الأدیان التوحیدیة.
و قدّم حجة الإسلام الدکتور یوسفی بحثه فی الملتقی تحت عنوان «الحریة الاقتصادیة بمحوریة الإنسان علی أساس التعالیم الإسلامیة».
و عدّد أستاذ الاقتصاد الإسلامی فی مرکز بحوث الثقافة و الفکر الإسلامی آفات نظیر تمرکز الثروة و السلطة و الحریة بید أصحاب الرسامیل، موضحاً أن رؤیة الإسلام حول الحریة الاقتصادیة للإنسان قائمة علی المشارکة العامة و العادلة فی التوزیع و الاستهلاک و الإدارة و الربح.
المتحدث الخامس فی ملتقی الأفکار الاستراتیجیة کان الدکتور برزگر أستاذ العلوم السیاسیة فی جامعة العلامة الطباطبائی الذی قدم بحثه بعنوان «الحریة فی النموذج الإسلامی الثلاثی» مسلطاً الأضواء علی الحریة علی المستویات الثلاثة العقیدی و الأخلاقی و السیاسی، و مبیّناً التأثیرات المتقابلة لکل واحد من هذه المستویات علی الآخرین بهدف الإجابة عن شبهات الحریة الغربیة.
و کانت السیدة محدثة معینی فر طالبة دکتوراه فقه و مبانی حقوق إسلامیة المتحدث اللاحق حیث تطرّقت لتأثیرات النظریة اللیبرالیة علی العائلة. و أشارت إلی أن الأزمات الاجتماعیة العمیقة فی الغرب و انهیار العائلة و العلاقات الجنسیة الحرة الفاسدة و المثلیة الجنسیة و الولادات غیر المعروفة من جملة تبعات اللیبرالیة الجنسیة.
«إیجابیات التصور الإسلامی للحریة» عنوان البحث السابع الذی قدمه حجة الإسلام الدکتور واعظی أستاذ جامعة باقر العلوم فی هذا الملتقی حیث تطرّق لموضوع الحریة من زاویة فلسفیة.
و أکد علی أهمیة دور الحریة فی شبکة العلاقات الاجتماعیة مضیفاً: صیاغة الرموز، و صناعة الثقافة، و معرفة الاحتیاجات الأساسیة فی مجالات السیاسة و الثقافة و الاقتصاد من ضروریات بروز هذا الدور و ممارسته.
و کان الدکتور عماد أفروغ أستاذ مساعد فی علم الاجتماع المتحدث الثامن فی الملتقی ببحث عنوانه «مفهوم الحریة و تجاذباته» أشار فیه إلی النقاشات و المجادلات حول مفهوم الحریة من زاویا فلسفیة، و انتزاعیة - ضمنیة، و ضمنیة، ناقداً تعریف اللیبرالیة لمفهوم الحریة.
البحث التالی حمل عنوان «مراتب فکرة الحریة فی تکامل الصحوة الإسلامیة و الهویة الوطنیة الإیرانیة» للدکتور موسی نجفی أستاذ مساعد فی فرع العلوم السیاسیة.
و قد راجع الدکتور نجفی فی هذا البحث الأطوار و الفترات المختلفة للحریة فی التاریخ السیاسی الإیرانی خصوصاً بعد انتصار الثورة الإسلامیة و نمو الحریة إلی جانب المفهوم الدینی، مقدّماً تعریفاً للحریة فی الفکر الغربی و الحریة فی الفکر المتعالی.
و کان الدکتور مصطفی ملکوتیان أستاذ العلوم السیاسیة فی جامعة طهران المتحدّث الأخیر الذی قدّم بحثه بعنوان «دراسة مقارنة للمبانی الفکریة و العملانیة لمفهوم الحریة فی الثورة الفرنسیة و الثورة الإسلامیة الإیرانیة».
و قد استفاد الباحث فی هذه الدراسة من أفکار الشهید آیة الله السید محمد باقر الصدر لیسلط الأضواء علی مفهوم الحریة فی الثورة الفرنسیة و الثورة الإسلامیة، مقارناً بین تعریف الإنسان و مفهوم الحریة فی الرؤیتین الذرائعیة و الفطریة.
فی بدایة هذا الملتقی تحدث الدکتور واعظ زاده أمین ملتقیات الأفکار الاستراتیجیة مقدماً تقریراً عن ضرورات مراحل إقامة هذه الملتقیات، و موضحاً أن الاستفادة من الآراء و النظریات المطروحة فی ملتقیات الأفکار الاستراتیجیة فی تدوین النموذج الإسلامی - الإیرانی للتقدم هو المکسب الأهم لهذه الملتقیات.
و أوضح أن الهدف من سلسلة ملتقیات الأفکار الاستراتیجیة التی أقیم منها سابقاً ثلاثة ملتقیات بمواضیع «النموذج الإسلامی - الإیرانی للتقدّم» و «العدالة» و «المرأة و العائلة» هو توفیر أجواء علمیة - تخصصیة للتفکیر و تضارب الآراء فی سبیل إیجاد خطاب علمی و عملانی و صناعة القرارات بخصوص الموضوعات الاستراتیجیة و البرامج و الخطط طویلة الأمد.