التقی سماحة آیة الله العظمی السید علی الخامنئی فی زیارته لمحافظة خراسان الشمالیة صباح یوم الأحد 14/10/2012 م حشوداً متحمّسة متشوّقة من آلاف الطلبة الجامعیین و تلامیذ المدارس و باقی الشباب من محافظة خراسان الشمالیة، و اعتبر فی حدیثه لهم «أسلوب الحیاة» جزءاً أساسیاً و حقیقیاً من التقدم و التحضّر الإسلامی الحدیث، و دعا النخب و المفکرین لتناول هذا المفهوم المهم، و تشخیص آفات الواقع الراهن لأسلوب الحیاة فی إیران، و اقتراح الحلول له، مؤکداً: التقدم فی العلم و الصناعة و الاقتصاد و السیاسة، و هو الذی یشکل البعد الذرائعی فی الحضارة الإسلامیة، وسیلة للوصول إلی أسلوب و ثقافة صحیحة فی الحیاة و بلوغ السکینة و الهدوء و الأمن و التسامی و التقدم الحقیقی.
و أوضح سماحته أن مفهوم التقدم یعید إلی الذهن التحرک و الطریق و الصیرورة مردفاً: فی أی تصوّر لمفهوم التقدم الذی لا یقبل التوقف، سواء کان مادیاً أو معنویاً، یکتسب أسلوب الحیاة و السلوک الاجتماعی و نمط العیش أهمیة بالغة.
و لمزید من إیضاح أهمیة أسلوب الحیاة تطرّق قائد الثورة الإسلامیة لدوره فی الحضارة الإسلامیة الحدیثة مضیفاً: لو أخذنا التقدم الشامل بمعنی بناء الحضارة الإسلامیة الحدیثة، لکان لهذه الحضارة جانبان أحدهما ذرائعی، و الثانی حقیقی أساسی، و أسلوب الحیاة یشکل الجانب الحقیقی من الحضارة الإسلامیة.
و أکد آیة الله العظمی السید الخامنئی علی ضرورة تحقق کلا الجانبین من الحضارة الإسلامیة الحدیثة مردفاً: الجانب الذرائعی أو الصلائدی من هذه الحضارة یتمثل فی الأشیاء التی تعدّ مظاهر التقدم فی الحیاة العصریة من قبیل العلوم و الاختراعات و الاقتصاد و السیاسة و المکانة الدولیة و ما شاکل.
و لفت سماحته یقول: لقد کان لنا فی هذا الجانب تقدماً جیداً، و لکن ینبغی التنبّه إلی أن هذا التقدم وسائل و أدوات للوصول إلی الجانب الحقیقی و الرقائقی من الحضارة الإسلامیة، ألا و هو أسلوب أو نمط الحیاة.
و فی معرض شرحه لمفهوم أسلوب و ثقافة الحیاة، أشار قائد الثورة الإسلامیة إلی قضایا من قبیل العائلة و الزواج و نوع السکن و نوع الملبس و نموذج الاستهلاک و نمط التسلیة و العمل و الکسب و السلوکیات الفردیة و الاجتماعیة فی البیئات المختلفة، مضیفاً: الواقع أن أسلوب الحیاة یعود إلی کل الأمور التی تشکل متن الحیاة البشریة و أصلها.
و ألمح آیة الله العظمی السید الخامنئی إلی الاهتمام العمیق الذی یولیه الإسلام لمفهوم أسلوب الحیاة و ثقافتها موضحاً: مصطلح «عقل المعاش» فی المعارف الإسلامیة یترادف فی مفهومه الجامع مع أسلوب الحیاة و ثقافتها، و ثمة فی القرآن الکریم الکثیر من الآیات حول هذا الموضوع.
و أکد سماحته علی أنه من دون التقدم فی الجانب الحقیقی لصناعة الحضارة الإسلامیة الحدیثة أی «أسلوب الحیاة و ثقافتها» سوف لن تتحقق أهداف هذه الحضارة الکبری، و أضاف قائلاً: للأسف لم نحقق فی هذا الجانب تقدماً ملحوظاً، و لم نتقدم فیه کما تقدمنا فی الجانب الأول أی العلوم و الصناعة و ما إلی ذلک.
و شدّد قائد الثورة الإسلامیة علی ضرورة تشخیص الآفات فی مجال عدم التقدم اللازم فی جانب أسلوب الحیاة و ثقافتها و معرفة علل ذلک، و دعا المفکرین فی الحوزات و الجامعات، و النخب السیاسیة و الفکریة، و المؤسسات ذات العلاقة بالثقافة و التعلیم و کذلک الشباب قائلاً: علینا جمیعاً أن نشعر فی هذا الخصوص بالقلق و نبذل جهوداً حقیقیة لمعرفة الآفات و حلولها و نبحث عن سبل العلاج.
و أبدی سماحته ثقته قائلاً: لو ظهر خطاب خاص بمجال معرفة الآفات و الحلول بخصوص أسلوب الحیاة و ثقافتها، فبالنظر لمواهب الشباب و نشاطهم سوف یبهر تألق الشعب الإیرانی فی هذا المیدان أیضاً أنظار العالم بلا ریب.
و تابع قائد الثورة الإسلامیة حدیثه بتشخیصات محددة للآفات، طارحاً العدید من الأسئلة:
لماذا تبدو ثقافة العمل الجماعی فی إیران ضعیفة؟ لماذا لا تراعی الحقوق المتقابلة فی العلاقات الاجتماعیة؟ لماذا نسبة الطلاق کبیرة فی بعض المناطق؟ لماذا لا یراعی الانضباط اللازم فی ثقافة قیادة السیارات؟ ما هی إلزامات السکن فی البنایات العالیة و هل تجری مراعاتها؟ ما هو نموذج التسلیة السلیمة؟ هل نحن صادقون دوماً مع بعضنا فی معاشراتنا الیومیة؟ کم یشیع الکذب فی المجتمع؟ ما هو سبب بعض حالات الصخب و العنف و عدم التحمّل فی العلاقات الاجتماعیة؟ کم یبدو تصمیم الملابس و عمارة المدن عقلانیاً و منطقیاً؟ هل تراعی حقوق الأفراد فی وسائل الإعلام و الأنترنت؟ ما هو سبب ظهور المرض الخطیر المتمثل بالتهرّب من القانون لدی بعض الأفراد و القطاعات؟ ما هی درجة الضمیر المهنی و الانضباط الاجتماعی عندنا؟ ما هو حال الجودة فی المنتجات الداخلیة؟ لماذا تبقی بعض الآراء و الأفکار الجیدة فی مستوی الکلام و الأحلام؟ کم هی ساعات العمل المفیدة فی الأجهزة و المؤسسات المختلفة؟ ماذا نفعل حتی نستأصل جذور الربا؟ هل تراعی الحقوق المتقابلة للزوجة و الزوج و الأبناء فی العائلة بنحو کامل؟ لماذا تحوّلت نزعة الاستهلاک إلی فخر لدی البعض؟ و ماذا نفعل حتی تحافظ المرأة علی کرامتها و عزتها العائلیة و تستطیع فی الوقت ذاته النهوض بواجباتها الاجتماعیة؟
و بعد أن طرح قائد الثورة الإسلامیة هذه الأسئلة علی شکل لائحة أضاف قائلاً: ثمة العشرات من الأسئلة و المسائل الأساسیة الأخری کلها مرتبطة بأسلوب الحیاة و ثقافتها، و بسبب أهمیة هذه المسائل فی حیاة الإنسان یمکن تقییم الحضارة فی ضوء تقدمها علی صعید أسلوب الحیاة و ثقافتها.
و بعد أن شرح سماحته الأهمیة العینیة لأسلوب الحیاة و ثقافتها، تطرّق للمبانی المفیدة لهذا البحث من وجهة نظر الإسلام، فقال مؤکداً: یری الإسلام «التعقل، و الأخلاق، و الحقوق» الأرصدة الأصلیة للثقافة الصحیحة، و نحن أیضاً نخوض بشکل جاد فی هذه المقولات، و إلا لن یتحقق التقدم الإسلامی و لن تتکوّن الحضارة الإسلامیة.
و أضاف سماحته فی معرض حدیثه عن کیفیة تکوین أسلوب الحیاة و نمطها: ثقافة الحیاة تتأثر بتصوراتنا و تفسیرنا للحیاة، و أی هدف نرسمه للحیاة یستتبع معه أسلوباً خاصاً من الحیاة.
و أوضح سماحته أن تحقیق الهدف الأصلی المرسوم فی أیة مدرسة أو مذهب أو نظریة سیاسیة أو اجتماعیة أو اقتصادیة بحاجة إلی الإیمان و الاعتقاد بذلک الهدف، مردفاً: من دون الاعتقاد الجاد و السعی لا یتحقق أی هدف.
و فی هذا الإطار أشار سماحته إلی مغالطة یطرحها بعض أشباه الفلاسفة الغربیین و مقلدیهم الداخلیین.
و أضاف قائد الثورة الإسلامیة: یقول هؤلاء الأفراد إن المجتمع لا یمکن إدارته بالإیدیولوجیا و المذهب، لکن کل تجارب بناء الحضارات تدلّ علی أن المذهب یهدی و یوجّه و یدیر التحرکات الاجتماعیة العظیمة، و من دون التوفر علی مذهب و إیدیولوجیا، و من دون الإیمان و السعی و تسدید التکالیف اللازمة لا یمکن لأیة حضارة أن تتحقق.
و تابع آیة الله العظمی السید الخامنئی یقول: بعض البلدان طبعاً تقلد الحضارة الغربیة، و قد تصل إلی بعض التقدم الصوری، لکن الأضرار الجمّة و اللامتناهیة لذلة التقلید تصیبهم بآفات جادة و مهمة، و تستأصل جذورهم، و إذا هبّت العواصف فلن تجدهم قادرین علی الصمود و الاستقامة.
و لفت قائد الثورة الإسلامیة: خلافاً لهذه البلدان المقلدة، فإن الشعوب التی اختارت مدرسة التوحید فی مقابل الحضارة الغربیة تحقق التقدم الحقیقی الشامل، و تبنی أیضاً حضارة عمیقة و متجذرة تنتشر أفکارها و ثقافتها فی العالم.
و انتقد آیة الله العظمی السید الخامنئی الذین یتحرّکون فی البیئات شبه المثقفة و یخوّفون الشعب الإیرانی من الشعارات المذهبیة الإیدیولوجیة موضحاً: هؤلاء یریدون نقل خوفهم و أوهامهم إلی الناس، لذلک یقولون علی الدوام إن الشعارات المذهبیة و الإیدیولوجیة تبعث علی المتاعب و الحظر الاقتصادی و التهدیدات.
و أضاف سماحته قائلاً: لو نظرنا بحسن نیّة لهذه الأقوال وجب القول إن أصحابها غیر مطلعین علی التاریخ.
و لفت قائد الثورة الإسلامیة: فی موضوع أسلوب الحیاة و ثقافتها، یلبّی الإسلام العزیز کل احتیاجات البشر، و علی المفکرین فی الحوزات و الجامعات فضلاً عن مساعیهم الفقهیة و الحقوقیة، إنجاز أعمال مکثفة و جیدة فی مجال الأخلاق الإسلامیة و العقل و السلوک العملی فی الإسلام، لتکون ثمرة هذه المساعی أساساً للبرمجة و تعلیم الأجیال.
و تابع الإمام الخامنئی موضوعه المهم بالتأکید علی نقطة أساسیة أخری: الاجتناب التام لتقلید أسلوب و نمط الحیاة فی الحضارة الغربیة.
و لفت سماحته قائلاً: نحن طبعاً لا نقصد مقارعة الغرب و الصراع معه، و لکن نؤکد انطلاقاً من دراسات و بحوث علی أن تقلید الغرب لا یصل بأی شعب من الشعوب إلی أیة غایة.
و اعتماداً علی التجارب المتکررة طوال القرون الأخیرة، أوضح قائد الثورة الإسلامیة: ثقافة الغرب ثقافة مهاجمة أساساً، و فی أی بلد تنتشر، و لأی سبب من الأسباب انتشرت، تقضی تدریجیاً علی ثقافة ذلک الشعب و هویته.
و أشار سماحته إلی تحوّل معصیة المثلیة الجنسیة فی الغرب إلی شیء عادی، و انهیار العوائل، و الأزمات و المشکلات العمیقة الأخری فی البلدان الغربیة و البلدان التی تقلد الثقافة الغربیة مضیفاً: قشور الثقافة الغربیة تقدم ظاهری، لکن باطنها عبارة عن أسلوب حیاة مادی شهوانی باعث علی المعاصی قاتل للهویة مناهض للنزعة المعنویة.
و ألمح سماحته إلی تقلید الثقافة الغربیة فی بعض مظاهر الحیاة فی البلاد مضیفاً: ینبغی بناء الثقافة اللازمة و العمل تدریجیاً علی إصلاح هذه الأمور.
و أشار قائد الثورة الإسلامیة فی جانب آخر من حدیثه إلی الاستغلال الواسع الذی یمارسه الغرب لأدوات الفن و خصوصاً الفنون المسرحیة و السینمائیة مردفاً: یستخدم الساسة الغربیون هذا الأسلوب لیصنعوا الأذواق و یروّجوا لأسلوب الحیاة الغربیة فی المجتمعات الأخری.
و ارتکز السید القائد علی البحوث المجراة مضیفاً: إنهم یجترحون مشاریع مرسومة، و یستعینون بعلماء الاجتماع و النفس و المؤرخین لیدرسوا نقاط ضعف الشعوب، و خصوصاً الشعوب الإسلامیة، و لیتعرفوا علی سبل التسلط علیها، فیطلبون من المنتجین و المخرجین إنتاج أفلام خاصة، و فی هذا الخصوص علی جمیع المسؤولین و أبناء الشعب أن یحذروا و یصونوا ثقافتهم الأصیلة و ثقافة بلادهم.
و أشار قائد الثورة الإسلامیة إلی نقطة أخری مشدداً علی ضرورة تحاشی السطحیة و التحجّر و کذلک العلمانیة فی وقت واحد مردفاً: بعض الآراء لها ظاهر دینی، لکنها تستبطن فصل الدین عن الحیاة.
و أکد الإمام الخامنئی فی ختام کلمته لحشود الشباب من خراسان الشمالیة: للثورة الإسلامیة قدرات و إمکانیات و طاقات متراکمة بمستطاعها رفع کل العقبات عن الدرب، و إقامة الحضارة الإسلامیة الممتازة المتسامیة الممیزة العظیمة أمام أنظار کل العالم.
فی بدایة هذا اللقاء تحدّث عدد من الشباب و الشابات هم:
مصطفی نجفیان، حائز علی المرتبة الأولی فی أولمبیاد الریاضیات و المرتبة الثانیة فی الأولمبیاد الأدبی بمحافظة خراسان الشمالیة.
محبوبة رضائیان، طالبة نموذجیة فی جامعة العلوم الطبیة ببجنورد.
مهدی قناد شیروان، الحائزة علی المیدالیة الذهبیة فی المسابقات الدولیة للاختراعات.
کتایون یزدانی، عضوة تنظیم «فرزانگان» و نخبة قرآنیة و حائزة علی المرتبة الثالثة للمحافظة فی مهرجان الخوارزمی العلمی.
میلاد حسین پور، طالب جامعی فی فرع العمران و مسؤول التعبئة فی جامعة بجنورد.
و أشار المتحدثون فی کلماتهم إلی مختلف الشؤون الجامعیة و الثقافیة و السیاسیة و الاجتماعیة، و کانت أهم النقاط التی طرحوها فی کلماتهم:
البرمجة المؤثرة للرفع من المستوی الروحی و المعنوی لدی طلبة المدارس و الجامعات.
مضاعفة جاهزیة طلبة المدارس لمواجهة الحرب الناعمة عن طریق التواجد فی الخط الأمامی للجهاد العلمی، و رفع مستوی البصیرة، و النشاط المؤثر فی أجواء السایبری.
ضرورة تشکیل مراکز أبحاث فعّالة لإنتاج الأفکار و تنمیتها.
ضرورة رفع مستوی تقبّل النقد لدی المسؤولین و تواصلهم المباشر مع الطلبة الجامعیین.
اقتراح تشکیل مدینة قرآنیة.
تکوین شبکة لتشخیص النخبة و إعدادهم فی مؤسسة التربیة و التعلیم.
تألیف کتب بحثیة، و المصالحة بین الصناعة و التعلیم.
تعزیز الشعور بالمسؤولیة لدی الطلبة الجامعیین منذ فترة الدراسة الإبتدائیة بإیکال المسؤولیات لهم فی إطار تنظیمات طلابیة.
تقویة المخیمات الجهادیة و متابعة مشروع هجرة رجال الدین فی محافظة خراسان الشمالیة متابعة خاصة.
اختیار مدراء محلیین فی محافظة خراسان الشمالیة.
ضرورة اهتمام المسؤولین اهتماماً جاداً بمشکلات الناس و همومهم بدل ضعف الإشراف و تصدیر المشکلات و الخلافات الإنتخابیة.
تقدیم نموذج جامع لإحیاء الحضارة الإسلامیة فی الأجواء التی وفرتها الصحوة الإسلامیة.
إیجاد تنظیمات متنوعة فی المدارس فی ضوء احتیاجات الطلاب المتعددة.
و أوضح سماحته أن مفهوم التقدم یعید إلی الذهن التحرک و الطریق و الصیرورة مردفاً: فی أی تصوّر لمفهوم التقدم الذی لا یقبل التوقف، سواء کان مادیاً أو معنویاً، یکتسب أسلوب الحیاة و السلوک الاجتماعی و نمط العیش أهمیة بالغة.
و لمزید من إیضاح أهمیة أسلوب الحیاة تطرّق قائد الثورة الإسلامیة لدوره فی الحضارة الإسلامیة الحدیثة مضیفاً: لو أخذنا التقدم الشامل بمعنی بناء الحضارة الإسلامیة الحدیثة، لکان لهذه الحضارة جانبان أحدهما ذرائعی، و الثانی حقیقی أساسی، و أسلوب الحیاة یشکل الجانب الحقیقی من الحضارة الإسلامیة.
و أکد آیة الله العظمی السید الخامنئی علی ضرورة تحقق کلا الجانبین من الحضارة الإسلامیة الحدیثة مردفاً: الجانب الذرائعی أو الصلائدی من هذه الحضارة یتمثل فی الأشیاء التی تعدّ مظاهر التقدم فی الحیاة العصریة من قبیل العلوم و الاختراعات و الاقتصاد و السیاسة و المکانة الدولیة و ما شاکل.
و لفت سماحته یقول: لقد کان لنا فی هذا الجانب تقدماً جیداً، و لکن ینبغی التنبّه إلی أن هذا التقدم وسائل و أدوات للوصول إلی الجانب الحقیقی و الرقائقی من الحضارة الإسلامیة، ألا و هو أسلوب أو نمط الحیاة.
و فی معرض شرحه لمفهوم أسلوب و ثقافة الحیاة، أشار قائد الثورة الإسلامیة إلی قضایا من قبیل العائلة و الزواج و نوع السکن و نوع الملبس و نموذج الاستهلاک و نمط التسلیة و العمل و الکسب و السلوکیات الفردیة و الاجتماعیة فی البیئات المختلفة، مضیفاً: الواقع أن أسلوب الحیاة یعود إلی کل الأمور التی تشکل متن الحیاة البشریة و أصلها.
و ألمح آیة الله العظمی السید الخامنئی إلی الاهتمام العمیق الذی یولیه الإسلام لمفهوم أسلوب الحیاة و ثقافتها موضحاً: مصطلح «عقل المعاش» فی المعارف الإسلامیة یترادف فی مفهومه الجامع مع أسلوب الحیاة و ثقافتها، و ثمة فی القرآن الکریم الکثیر من الآیات حول هذا الموضوع.
و أکد سماحته علی أنه من دون التقدم فی الجانب الحقیقی لصناعة الحضارة الإسلامیة الحدیثة أی «أسلوب الحیاة و ثقافتها» سوف لن تتحقق أهداف هذه الحضارة الکبری، و أضاف قائلاً: للأسف لم نحقق فی هذا الجانب تقدماً ملحوظاً، و لم نتقدم فیه کما تقدمنا فی الجانب الأول أی العلوم و الصناعة و ما إلی ذلک.
و شدّد قائد الثورة الإسلامیة علی ضرورة تشخیص الآفات فی مجال عدم التقدم اللازم فی جانب أسلوب الحیاة و ثقافتها و معرفة علل ذلک، و دعا المفکرین فی الحوزات و الجامعات، و النخب السیاسیة و الفکریة، و المؤسسات ذات العلاقة بالثقافة و التعلیم و کذلک الشباب قائلاً: علینا جمیعاً أن نشعر فی هذا الخصوص بالقلق و نبذل جهوداً حقیقیة لمعرفة الآفات و حلولها و نبحث عن سبل العلاج.
و أبدی سماحته ثقته قائلاً: لو ظهر خطاب خاص بمجال معرفة الآفات و الحلول بخصوص أسلوب الحیاة و ثقافتها، فبالنظر لمواهب الشباب و نشاطهم سوف یبهر تألق الشعب الإیرانی فی هذا المیدان أیضاً أنظار العالم بلا ریب.
و تابع قائد الثورة الإسلامیة حدیثه بتشخیصات محددة للآفات، طارحاً العدید من الأسئلة:
لماذا تبدو ثقافة العمل الجماعی فی إیران ضعیفة؟ لماذا لا تراعی الحقوق المتقابلة فی العلاقات الاجتماعیة؟ لماذا نسبة الطلاق کبیرة فی بعض المناطق؟ لماذا لا یراعی الانضباط اللازم فی ثقافة قیادة السیارات؟ ما هی إلزامات السکن فی البنایات العالیة و هل تجری مراعاتها؟ ما هو نموذج التسلیة السلیمة؟ هل نحن صادقون دوماً مع بعضنا فی معاشراتنا الیومیة؟ کم یشیع الکذب فی المجتمع؟ ما هو سبب بعض حالات الصخب و العنف و عدم التحمّل فی العلاقات الاجتماعیة؟ کم یبدو تصمیم الملابس و عمارة المدن عقلانیاً و منطقیاً؟ هل تراعی حقوق الأفراد فی وسائل الإعلام و الأنترنت؟ ما هو سبب ظهور المرض الخطیر المتمثل بالتهرّب من القانون لدی بعض الأفراد و القطاعات؟ ما هی درجة الضمیر المهنی و الانضباط الاجتماعی عندنا؟ ما هو حال الجودة فی المنتجات الداخلیة؟ لماذا تبقی بعض الآراء و الأفکار الجیدة فی مستوی الکلام و الأحلام؟ کم هی ساعات العمل المفیدة فی الأجهزة و المؤسسات المختلفة؟ ماذا نفعل حتی نستأصل جذور الربا؟ هل تراعی الحقوق المتقابلة للزوجة و الزوج و الأبناء فی العائلة بنحو کامل؟ لماذا تحوّلت نزعة الاستهلاک إلی فخر لدی البعض؟ و ماذا نفعل حتی تحافظ المرأة علی کرامتها و عزتها العائلیة و تستطیع فی الوقت ذاته النهوض بواجباتها الاجتماعیة؟
و بعد أن طرح قائد الثورة الإسلامیة هذه الأسئلة علی شکل لائحة أضاف قائلاً: ثمة العشرات من الأسئلة و المسائل الأساسیة الأخری کلها مرتبطة بأسلوب الحیاة و ثقافتها، و بسبب أهمیة هذه المسائل فی حیاة الإنسان یمکن تقییم الحضارة فی ضوء تقدمها علی صعید أسلوب الحیاة و ثقافتها.
و بعد أن شرح سماحته الأهمیة العینیة لأسلوب الحیاة و ثقافتها، تطرّق للمبانی المفیدة لهذا البحث من وجهة نظر الإسلام، فقال مؤکداً: یری الإسلام «التعقل، و الأخلاق، و الحقوق» الأرصدة الأصلیة للثقافة الصحیحة، و نحن أیضاً نخوض بشکل جاد فی هذه المقولات، و إلا لن یتحقق التقدم الإسلامی و لن تتکوّن الحضارة الإسلامیة.
و أضاف سماحته فی معرض حدیثه عن کیفیة تکوین أسلوب الحیاة و نمطها: ثقافة الحیاة تتأثر بتصوراتنا و تفسیرنا للحیاة، و أی هدف نرسمه للحیاة یستتبع معه أسلوباً خاصاً من الحیاة.
و أوضح سماحته أن تحقیق الهدف الأصلی المرسوم فی أیة مدرسة أو مذهب أو نظریة سیاسیة أو اجتماعیة أو اقتصادیة بحاجة إلی الإیمان و الاعتقاد بذلک الهدف، مردفاً: من دون الاعتقاد الجاد و السعی لا یتحقق أی هدف.
و فی هذا الإطار أشار سماحته إلی مغالطة یطرحها بعض أشباه الفلاسفة الغربیین و مقلدیهم الداخلیین.
و أضاف قائد الثورة الإسلامیة: یقول هؤلاء الأفراد إن المجتمع لا یمکن إدارته بالإیدیولوجیا و المذهب، لکن کل تجارب بناء الحضارات تدلّ علی أن المذهب یهدی و یوجّه و یدیر التحرکات الاجتماعیة العظیمة، و من دون التوفر علی مذهب و إیدیولوجیا، و من دون الإیمان و السعی و تسدید التکالیف اللازمة لا یمکن لأیة حضارة أن تتحقق.
و تابع آیة الله العظمی السید الخامنئی یقول: بعض البلدان طبعاً تقلد الحضارة الغربیة، و قد تصل إلی بعض التقدم الصوری، لکن الأضرار الجمّة و اللامتناهیة لذلة التقلید تصیبهم بآفات جادة و مهمة، و تستأصل جذورهم، و إذا هبّت العواصف فلن تجدهم قادرین علی الصمود و الاستقامة.
و لفت قائد الثورة الإسلامیة: خلافاً لهذه البلدان المقلدة، فإن الشعوب التی اختارت مدرسة التوحید فی مقابل الحضارة الغربیة تحقق التقدم الحقیقی الشامل، و تبنی أیضاً حضارة عمیقة و متجذرة تنتشر أفکارها و ثقافتها فی العالم.
و انتقد آیة الله العظمی السید الخامنئی الذین یتحرّکون فی البیئات شبه المثقفة و یخوّفون الشعب الإیرانی من الشعارات المذهبیة الإیدیولوجیة موضحاً: هؤلاء یریدون نقل خوفهم و أوهامهم إلی الناس، لذلک یقولون علی الدوام إن الشعارات المذهبیة و الإیدیولوجیة تبعث علی المتاعب و الحظر الاقتصادی و التهدیدات.
و أضاف سماحته قائلاً: لو نظرنا بحسن نیّة لهذه الأقوال وجب القول إن أصحابها غیر مطلعین علی التاریخ.
و لفت قائد الثورة الإسلامیة: فی موضوع أسلوب الحیاة و ثقافتها، یلبّی الإسلام العزیز کل احتیاجات البشر، و علی المفکرین فی الحوزات و الجامعات فضلاً عن مساعیهم الفقهیة و الحقوقیة، إنجاز أعمال مکثفة و جیدة فی مجال الأخلاق الإسلامیة و العقل و السلوک العملی فی الإسلام، لتکون ثمرة هذه المساعی أساساً للبرمجة و تعلیم الأجیال.
و تابع الإمام الخامنئی موضوعه المهم بالتأکید علی نقطة أساسیة أخری: الاجتناب التام لتقلید أسلوب و نمط الحیاة فی الحضارة الغربیة.
و لفت سماحته قائلاً: نحن طبعاً لا نقصد مقارعة الغرب و الصراع معه، و لکن نؤکد انطلاقاً من دراسات و بحوث علی أن تقلید الغرب لا یصل بأی شعب من الشعوب إلی أیة غایة.
و اعتماداً علی التجارب المتکررة طوال القرون الأخیرة، أوضح قائد الثورة الإسلامیة: ثقافة الغرب ثقافة مهاجمة أساساً، و فی أی بلد تنتشر، و لأی سبب من الأسباب انتشرت، تقضی تدریجیاً علی ثقافة ذلک الشعب و هویته.
و أشار سماحته إلی تحوّل معصیة المثلیة الجنسیة فی الغرب إلی شیء عادی، و انهیار العوائل، و الأزمات و المشکلات العمیقة الأخری فی البلدان الغربیة و البلدان التی تقلد الثقافة الغربیة مضیفاً: قشور الثقافة الغربیة تقدم ظاهری، لکن باطنها عبارة عن أسلوب حیاة مادی شهوانی باعث علی المعاصی قاتل للهویة مناهض للنزعة المعنویة.
و ألمح سماحته إلی تقلید الثقافة الغربیة فی بعض مظاهر الحیاة فی البلاد مضیفاً: ینبغی بناء الثقافة اللازمة و العمل تدریجیاً علی إصلاح هذه الأمور.
و أشار قائد الثورة الإسلامیة فی جانب آخر من حدیثه إلی الاستغلال الواسع الذی یمارسه الغرب لأدوات الفن و خصوصاً الفنون المسرحیة و السینمائیة مردفاً: یستخدم الساسة الغربیون هذا الأسلوب لیصنعوا الأذواق و یروّجوا لأسلوب الحیاة الغربیة فی المجتمعات الأخری.
و ارتکز السید القائد علی البحوث المجراة مضیفاً: إنهم یجترحون مشاریع مرسومة، و یستعینون بعلماء الاجتماع و النفس و المؤرخین لیدرسوا نقاط ضعف الشعوب، و خصوصاً الشعوب الإسلامیة، و لیتعرفوا علی سبل التسلط علیها، فیطلبون من المنتجین و المخرجین إنتاج أفلام خاصة، و فی هذا الخصوص علی جمیع المسؤولین و أبناء الشعب أن یحذروا و یصونوا ثقافتهم الأصیلة و ثقافة بلادهم.
و أشار قائد الثورة الإسلامیة إلی نقطة أخری مشدداً علی ضرورة تحاشی السطحیة و التحجّر و کذلک العلمانیة فی وقت واحد مردفاً: بعض الآراء لها ظاهر دینی، لکنها تستبطن فصل الدین عن الحیاة.
و أکد الإمام الخامنئی فی ختام کلمته لحشود الشباب من خراسان الشمالیة: للثورة الإسلامیة قدرات و إمکانیات و طاقات متراکمة بمستطاعها رفع کل العقبات عن الدرب، و إقامة الحضارة الإسلامیة الممتازة المتسامیة الممیزة العظیمة أمام أنظار کل العالم.
فی بدایة هذا اللقاء تحدّث عدد من الشباب و الشابات هم:
مصطفی نجفیان، حائز علی المرتبة الأولی فی أولمبیاد الریاضیات و المرتبة الثانیة فی الأولمبیاد الأدبی بمحافظة خراسان الشمالیة.
محبوبة رضائیان، طالبة نموذجیة فی جامعة العلوم الطبیة ببجنورد.
مهدی قناد شیروان، الحائزة علی المیدالیة الذهبیة فی المسابقات الدولیة للاختراعات.
کتایون یزدانی، عضوة تنظیم «فرزانگان» و نخبة قرآنیة و حائزة علی المرتبة الثالثة للمحافظة فی مهرجان الخوارزمی العلمی.
میلاد حسین پور، طالب جامعی فی فرع العمران و مسؤول التعبئة فی جامعة بجنورد.
و أشار المتحدثون فی کلماتهم إلی مختلف الشؤون الجامعیة و الثقافیة و السیاسیة و الاجتماعیة، و کانت أهم النقاط التی طرحوها فی کلماتهم:
البرمجة المؤثرة للرفع من المستوی الروحی و المعنوی لدی طلبة المدارس و الجامعات.
مضاعفة جاهزیة طلبة المدارس لمواجهة الحرب الناعمة عن طریق التواجد فی الخط الأمامی للجهاد العلمی، و رفع مستوی البصیرة، و النشاط المؤثر فی أجواء السایبری.
ضرورة تشکیل مراکز أبحاث فعّالة لإنتاج الأفکار و تنمیتها.
ضرورة رفع مستوی تقبّل النقد لدی المسؤولین و تواصلهم المباشر مع الطلبة الجامعیین.
اقتراح تشکیل مدینة قرآنیة.
تکوین شبکة لتشخیص النخبة و إعدادهم فی مؤسسة التربیة و التعلیم.
تألیف کتب بحثیة، و المصالحة بین الصناعة و التعلیم.
تعزیز الشعور بالمسؤولیة لدی الطلبة الجامعیین منذ فترة الدراسة الإبتدائیة بإیکال المسؤولیات لهم فی إطار تنظیمات طلابیة.
تقویة المخیمات الجهادیة و متابعة مشروع هجرة رجال الدین فی محافظة خراسان الشمالیة متابعة خاصة.
اختیار مدراء محلیین فی محافظة خراسان الشمالیة.
ضرورة اهتمام المسؤولین اهتماماً جاداً بمشکلات الناس و همومهم بدل ضعف الإشراف و تصدیر المشکلات و الخلافات الإنتخابیة.
تقدیم نموذج جامع لإحیاء الحضارة الإسلامیة فی الأجواء التی وفرتها الصحوة الإسلامیة.
إیجاد تنظیمات متنوعة فی المدارس فی ضوء احتیاجات الطلاب المتعددة.