موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

كلمة قائد الثورة الإسلامية المعظم خلال لقائه حشداً من النخب العلمية والمواهب المتفوقة في البلاد

 

بسم الله الرحمن الرحیم(1)

 

والحمد لله رب العالمین، والصلاة والسلام علی سیدنا محمد وآله الطاهرین، سیما بقیة الله في الأرضين.

اللقاء بهذا الجمع النخبويّ الشابّ يبعث حقاً على السرور والأمل. وأنا مسرورٌ بالطبع حتى إذا لم أرَكم وجهاً لوجه، لأني على علم واطلاع بوجودكم وجهودكم وبالحركة الكبرى التي انطلقت في البلد لبناء النخب، بيد أنّ رؤيتكم تمنحنا بالطبع مزيداً من البهجة والسرور.

أشكركم كثيراً على مجيئكم اليوم وأحمد الله سبحانه وتعالى على أن منّ علينا اليوم بهذا التوفيق، فإن هذا ما يزرع في قلب الإنسان أملاً كبيراً. وهذه هي طبيعتي فيما يخص الأمل؛ ذلك إنني لستُ وما كنتُ وبإذن الله سوف لا أكون آيساً أبداً، ولكن حينما يراكم الإنسان عن قرب ويستمع إلى هذه الأحاديث التي دارت هنا وهي في غاية الجودة، سيتضاعف أمله بطبيعة الحال.

لقد دوّنتُ بضعة نقاط لأطرحها عليكم: بحث يختص بالنخب، وبحث يرتبط بالجامعة، وبحث يتعلق بقضايا البلد العامة إن سنحت الفرصة.

وأقولها بادئ الأمر بأن بعض المسائل التي طُرحت هنا تحظى بتأييدي وموافقتي مئة بالمئة، وبعضها الآخر بالطبع كانت تخصصية وخارجة عن دائرة معلوماتي. بيد أن بعض المسائل التي طرحها الأعزاء هنا من السادة والسيدات كانت في غاية القوة والإتقان. علماً بأننا نحن المخاطبين ببعض هذه المسائل وسنتابعها إن شاء الله، والمخاطب ببعضها الآخر هم المسؤولون الكرام الحاضرون في هذه الجلسة بما فيهم الوزراء ومعاون رئيس الجمهورية، ولاسيما الشكاوى التي بثّها هذا الشابّ في آخر حديثه، وهي مسائل هامة لابد وأن تُحمَل على محمل الجدّ، ولا نروم التعميم بالطبع، علماً بأن الشابّ هذا قد عمّمها.. نحن لا نريد التعميم، ولكنها مسائل لها وجود في الواقع، وعلى المسؤولين الأعزاء أن يتابعوها بجدّ إن شاء الله.

فيما يخص النخب (نقول) بأن النظر إلى النخب يتم من عدة منظورات: المنظور الأول هو منظور السرور والفخر والشعور بالأمل وأمثال ذلك، وفي الحقيقة رسم صورة صائبة عن أوضاع البلد؛ ذلك إن المرء إذا ما نظر إلى عشرات الآلاف من النخب في مختلف أرجاء البلد عاكفين على أعمالهم في شتى القطاعات، ستتعدّل ذهنيته تجاه قضايا البلد وسترتسم (في ذهنه) صورة صائبة.. أحياناً ما يتم النظر إلى النخب من هذا المنظور الذي يعرض للإنسان حقائق مُفرحة.

والمنظور الآخر هو منظور التخطيط والبرمجة لقضايا البلد. تارة لا يضم البلد عقولاً فاعلة ومفكّرة، عندها سيخطّط الإنسان لقضايا البلد بطريقة، ولكن تارة أخرى يوجد الآلاف من الطاقات الشابة والفاعلة والنخبوية التي تتسم بأفكار سامية ومما لا شك فيه بالطبع أنّ البعض منهم يتمتع بقوة الإدارة أيضاً - لأن الفكر السامي لا يلازم قوة الإدارة باستمرار - والإنسان يريد التخطيط للبلد مع أخذ هؤلاء بنظر الاعتبار. وعلى هذا يجب إيلاء الاهتمام في النظر إلى النخب بهذا الجانب أيضاً؛ ذلك إن تأثير (النخب) في التخطيط والبرمجة لقضايا البلد يعدّ نقطة أساسية.

ولنأخذ على سبيل المثال تبديل الاقتصاد النفطي إلى اقتصاد مستقل واقتصاد مبنيّ على المعرفة واقتصاد مقاوم. فلو لم يكن لدينا عناصر نخبوية فاعلة مخلصة نشيطة، لا نبادر إلى تغيير اقتصادنا، ولكن إذا كان النظام المتخذ للقرارات في البلد يمتلك أناساً متخصصين ومرابطين وراغبين، فإنه سيبادر بالطبع. ففي بعض الأحيان لا نمتلك طاقات فكرية وبرمجية كهندسة النفط، عندها سنستمر على نفس ما كنّا عليه في استخدامنا لآبار النفط، وفي بعض الأحيان نكون قد حققنا في قطاع الهندسة ولاسيما في حقل النفط حالات باهرة من التقدم، وبوسعنا تقديم مشروع جديد في مجال استثمار النفط، وهذا ما نبّهتُ عليه المسؤولين في قطاع النفط؛ ذلك إنهم عندما طرحوا في العام الماضي هذا المشروع الجديد في استثمار المعاملات النفطية، قلنا لهم: اطرحوا هذه القضية على شبابنا وأخصّائيينا، وقولوا لهم بأن الاستخراج من آبار النفط تبلغ نسبته ثلاثين بالمئة على سبيل الفرض، ونريد إيصاله إلى نسبة ستين بالمئة، فاعملوا على تحقيق ذلك، ثم حدّدوا لهم فرصة لمدة سنتين أو ثلاث، فإننا سنبلغ هذه النقطة بكل تأكيد. إذن وجود النخب يترك تأثيره على نظامنا الإداري.. هذا هو المنظور الثاني.

والمنظور الثالث يتعلق بقضية التقدم العلمي في البلد.. نحن بحاجة إلى التقدّم في الجانب العلمي، وهذه هي حاجتنا الملحّة. فإن لم نحقق تقدماً من الناحية العلمية سيستمر تهديد أعدائنا الحضاريين والثقافيين والسياسيين، ولا يتوقّف هذا التهديد أو لا يقلّ خطره إلّا إذا تقدّمنا علمياً. وإنّي لطالما أكّدتُ على هذا الموضوع وشدّدتُ عليه زهاء عشرين عاماً وقرأتُ هذا الحديث مراراً وتكراراً: «العلم سلطان»(2). فمن هذا المنظور أيضاً يكتسب النظر إلى النخب أهميته. ذلك إن بمقدور النخب أن يتقدّموا بالمسيرة العلمية في البلد إلى الأمام وأن يبلغوا بالبلد إلى حيث الاقتدار والعزة التي تحدّ من تلقّيه للصدمات.. هذا هو المنظور الثالث.

والمنظور الرابع هو السير بثغور المعرفة إلى الأمام. فإن للمعرفة في الوقت الراهن على الصعيد البشري - لا على صعيد البلد - ثغور محدّدة، فلنساهم في شقّ هذه الثغور والسير بها نحو الأمام وتوسيع رقعتها. فقد كانت حصّتنا في هذا الشأن خلال القرون الأخيرة ضئيلة جداً، وبوسعنا أن نساهم في ذلك. حيث اكتشف الآخرون الطاقة البخارية، واكتشف الآخرون الطاقة الكهربائية، وقام الآخرون بإبداعات جديدة، فلنساهم في هذا المضمار، ولنفتح ثغور المعرفة في بلدنا ونمضي بها قُدماً. فإنّ هذه الطبيعة الإلهية تتضمن طاقات كبيرة، وعلى النخب لدينا أن يفكّروا وأن يكتشفوا طاقات جديدة من الطبيعة. فإن الطاقة الكهربائية كانت موجودة منذ بداية خِلقة العالم، دون أن نعلم بها ودون أن يعرف بها الناس وينتفعوا منها، ثم اكتشفتها عقلية متفوقة نخبوية، حتى غدت اليوم محوراً لكافة الحضارات البشرية. فما الضير في أن تفكّروا بأنّ الطبيعية تضمّ عشرة إلى عشرين طاقة أخرى تستطيع أن تترك أثرها بنفس هذا المقدار على حياة البشرية وتقدّمها وسعادتها؟ فلابد أن تقوم طبقاتنا النخبوية باكتشاف عدد من هذه الطاقات وهذه الإمكانيات الكامنة، ولابد أن نوسّع ثغور الاكتشاف والمعرفة. إذن فلننظر إلى النخب من خلال هذا المنظار. وإنّ تثميني وتكريمي للنخب يأتي بالنظر إلى هذه الرؤى والمنظورات. فإن شريحتنا النخبوية بمقدورها أن تترك أثرها في الحياة وفي التخطيط والبرمجة وفي تقدم البلد وفي تقدّم البشرية أيضاً.

ثمة نقطة هنا لا أستطيع التغاضي عنها وهي النظر إلى ماضي بلدنا المرير خلال الأعوام المئتين (الأخيرة). أنتم الشباب، ولاسيما الذين تمارسون أنشطتكم في الأقسام العلمية ونحوها، قلما لديكم اطلاع على هذا الماضي، لأنكم غالباً ما لا تقرأون التأريخ للأسف. نحن قد تخلّفنا عن قافلة العلم في الدنيا لمدة مئتي عام وذلك بسبب عدم الاكتراث بالنخب وبالموهبة الإيرانية. فإنّ هذه الموهبة التي تشاهدونها اليوم في البلد لم تتولّد بين عشية وضحاها، وإنما كانت موجودة عبر التأريخ، والدليل على ذلك (ظهور رجال) في إيران (من أمثال) فارابي وابن سينا وخوارزمي ومئات العلماء الكبار المعروفين لا في تأريخنا بل في تأريخ العالم. إذن فالموهبة هذه موجودة، ولكن لماذا ينبغي لنا، خلال هذه الأعوام المئتين المنصرمة التي تسارعت فيها وتيرة التقدم العلمي، أن نتخلّف إلى هذا المستوى، بحيث أصبح بلدنا في أواخر العهد القاجاري وفي العهد البهلوي من أكثر البلدان تخلّفاً في العلوم المعاصرة؟ إنه ماضٍ مريرٌ ومذهلٌ جداً.

التفتوا إلى أنه في الوقت الذي نشكّل فيه نحو واحد بالمئة من نسبة السكّان عالميّاً - فإنّ سكّان بلدنا يشكّلون تقريباً واحد بالمئة من سكان العالم، والنسبة هذه كانت هي القائمة على مدى العقود التي سبقت الثورة أيضاً إلى حدّ ما بمقدار قليل من الزيادة والنقصان - وينبغي أن يكون نصيبنا من الجهود البشريّة المشتركة ما نسبته واحد بالمئة على أقلّ تقدير، كانت إيران في أواخر مرحلة الحكم البهلوي - أي أواخر هذه الأعوام المئتين التي تنتهي بسنة 1979 حيث انتصار الثورة الإسلامية المباركة - تساهم بما نسبته واحد بالألف من الإنتاج العلمي. ففي عام 1979 وهو عام (انتصار) الثورة، وصل الإنتاج العلمي في بلدنا إلى واحد بالألف، فانظروا كم كنّا متخلّفين! هذا ناجم عن فقدان الكفاءة والأهلية بين الحكّام وليس له سببٌ آخر. فإن الحكّام الفاقدين للكفاءة واللاهثين وراء الدنيا والماديات والمتسمين بالعمالة والعجز والإعياء، كانوا يتكبّرون ويتبخترون وفي الوقت ذاته يركعون للأجنبي ولا يعبأون بمصالح شعبهم.. هذه هي الأوضاع التي كانت سائدة في بلدنا. هذا فيما يخص الإحصائيات المريرة، بيد أن إنتاجنا للعلم اليوم في العالم بفضل الله يفوق نصيبنا ويبلغ ضعفين تقريباً، إذ من المفترض أن يكون نصيبنا في إنتاج العلم واحد بالمئة، ولكنه يبلغ حالياً 2 بالمئة على وجه التقريب أو ۱.۹ بالمئة على وجه التحديد، وهذا أمر مطلوب، ولكننا غير قانعين بذلك وعلينا أن نساهم أكثر، ولكن هذا هو نصيبنا بالتالي، وقد أشار السيد الدكتور غلامي إلى بعض الإحصائيات وأشار آخرون إلى إحصائيات أخرى ولربما أشرتُ أنا أيضاً إلى جملة من الإحصائيات إن سنحت الفرصة.

هذا ما يجب عليكم أنتم الشباب الصالح المؤمن المفكر الذكي أن تلتفتوا إليه وتطلّعوا عليه بشأن بلدكم، وهو أن جامعة طهران هي الجامعة الأولى التي تأسست في البلد منذ شهر فبراير / شباط عام 1934، وبعد 44 عاماً أي في سنة 1979 قبل انتصار الثورة وصل عدد طلاب الجامعات في كل أنحاء البلد إلى 150 ألف طالب، والخريجون أيضاً يبلغ عددهم نفس هذا المقدار، بيد أن طلاب الجامعات بعد 44 عاماً من تأسيس الجامعة في البلد كان عددهم 150 ألف طالب! واليوم بعد أربعين عاماً من (انتصار) الثورة يوجد لدينا من الطلاب ما يربو على أربع ملايين، هذا بالإضافة إلى عدة ملايين من الخريجين. التفتوا! في مثل هذه المواطن يظهر الفرق بين نمطين من الحكم ونمطين من النظام.. هذا هو الماضي المظلم والمرير لقضية العلم وطبقة النخب في بلدنا. فالنخب لا يترعرعون (في مثل تلك الأجواء)، وإن ظهر رجلٌ من أمثال أمير كبير، جرّعوه كاسات المحن بتلك الطريقة. والأوضاع كانت أسوء وأنكى في العهد البهلوي، سوى أنهم كانوا يحافظون على الظواهر، (حيث كان البلد يعاني من) التخلّف العلمي والتخلّف الثقافي والتخلّف الأخلاقي والتخلّف السياسي. فلابد من شكر الجمهورية الإسلامية وشكر الثورة وشكر الإمام (الخميني) الجليل على هذه الحركة العظيمة.

أودّ أن أوصي بعدة توصيات حول النخب. المسألة الأولى هي ضرورة وجود تعامل ثنائيّ بين النخب وبين النظام الإداري في البلد. علماً بأنهم يحاولون إنجاز هذه المهمة، وهذا ما ورد في كلام السيد الدكتور ستاري (معاون رئيس الجمهورية للشؤون العلمية والتقنية)، ولكن يجب علينا أن نعمل في هذا المضمار بصورة أكثر جدّية، ولربما سوف أتعرض ثانية لهذا الموضوع بمزيد من التوضيح.. التعامل الثنائي.

التعامل الثنائي من جانب النخب يعني أن يجنّدوا كل طاقاتهم وقدراتهم لتقدم البلد، وهذا ما تارة يستطيعون إنجازه بصورة شخصية، وتارة أخرى يتحتّم على الأجهزة الحكومية الدعم والمساعدة. إذن دور النخبة أن تتقدم ببلدها إلى الأمام وأن تضع قوتها وموهبتها وطاقتها في خدمة بلدها، ودور الجهاز الحكومي والنظام الإداري في البلد أن يقدم الخدمات وأن يزيح العقبات وألّا يسمح بتخلّف النخبة عن ممارسة دورها، فلو تخلّفت النخبة عن أداء دورها لتخلّف البلد أيضاً. بل على النخبة أن تتحرّك وأن تتقدم، وإلّا فلا يكفي مجرد أن يكون المرء من النخبة. فالنخب المتحركة والنخب النامية والنخب الفاعلة تشكّل للبلد ثروة عظيمة.. هذه نقطة.

والنقطة الأخرى التي يجب أخذها بنظر الاعتبار أيضاً هي أنه ثبت اليوم بأنه لا يوجد شيء أكثر تأثيراً من الموارد البشرية في تقدم البلد، وهذا ما بات واضحاً وجليّاً. فلو شكّلت الموارد البشرية عدداً ملحوظاً ومطلوباً لتقدَّم البلد، وإلّا فلا. إذن فالموارد البشرية تشكّل كنزاً وثروة عظيمة لأي بلد بما فيه بلدنا. بيد أن هذا الكنز وهذه الثروة، كأي ثروة أخرى، هي عرضة للنهب والتطاول، والعدوّ يسعى لانتشال هذه الثروة من البلد. والأمر هذا بالطبع لا يختص بنا، ولكنه لربما يزداد شدة تجاه بلدنا العزيز. فإن جهاز السلطة ونظام الهيمنة يسعى وراء انتزاع هذه الثروة من الشعوب.

لماذا يريد الانتزاع؟ لأجل أن ينتفع بنفسه؟ كلا، ليست هذه هي كل القضية، علماً بأنه لو استطاع الانتفاع لفَعَل، غير أنّ الهدف الأساسي الآخر هو عبارة عن الحكر، وجهاز الهيمنة يسعى وراء ذلك، حيث يريد أن يجعل العلم والتقنية والممتلكات المولّدة للثروة والسلطة حكراً عليه. ولذلك تجدونه يعمد إلى اغتيال العلماء في مختلف البلدان، كما اغتالوا علماءنا النوويين، لأنهم لا يريدون بقاء هذه الثروة فيها. والأمر هذا لا يختص بنا كما ذكرت، ففي تلك السنوات الثلاث أو الأربع التي أمسكت فيها أمريكا بزمام شؤون العراق مباشرة بعد سقوط صدام، تم اغتيال عشرات العلماء العراقيين، لأن الأمريكيين يعلمون بأن بقاء هؤلاء العلماء مع فقدان صدام سيؤدي إلى تسيير عجلة البلد، ولذلك اكتشفوهم واغتالوهم فرداً فرداً. وكذلك الحال في البلدان الأخرى. التفتوا! إذن فالنخبة معرضة (للخطر). علماً بأني لا أريد إرعابكم، ولكن أريد أن تلتفتوا إلى أن جهاز الاستكبار ونظام الهيمنة يعارض وجود النخب في أي بلد - وهو الذي يعتبر سبباً لتقدم ذلك البلد ويشكّل أكبر ثروة له - ويسعى لاستلابهم من البلد بأي طريق: إما بالتصفية الجسدية أو التصفية الثقافية والبرمجية أو البطالة أو إشغالهم بقضايا شخصية لا صلة لها بالبلد وما إلى ذلك.. هذا ما يجب عليكم التنبّه له.

ولكن ماذا يعني نظام الهيمنة؟ نظام الهيمنة - الذي دخل منذ سنوات في أدبياتنا السياسية والدولية وهو تعبير متين وبليغ للغاية - زعماؤه هم الذين يمتلكون أدوات السلطة، ولكن لا يمتلكون أدوات السيطرة عليها. أدوات السلطة هي: السياسة، والإعلام، والسلاح، والمال، والصلافة.. هذه هي أدوات السلطة، وأدوات السيطرة على السلطة هي: الدين والأخلاق والشرف، وهذه ما هم يفتقدونها! ولذلك يفعلون كلّ ما يسعهم فعله.. نظام الهيمنة يعني تقسيم العالم إلى مهيمن وإلى خاضع للهيمنة، وساسته هؤلاء الذين ذكرتهم، فاحذروا من نظام الهيمنة.

والنقطة التي تتبع ما سبق ذكره هي أن سبيل الوقوف أمام خداع وإغواء عدوّ النخب في البلد، هو عبارة عن تعزيز الهوية الوطنية وإرساء دعائم النزعة المبدئية بين مجموعة النخب. فلابد من تقوية الهوية الوطنية بين مجموعة النخب في البلد.. يجب أن يشعروا بأنهم إيرانيون مسلمون وأن يفتخروا بذلك.. هذا ما يجب تعزيزه في نفوسهم.. يجب أن يفخروا بأنهم قد انحدروا من تأريخ مشرّف وقيّم للغاية، ففي يومٍ كانت معارفنا هي المسيطرة في العالم، وفي يومٍ كانت فلسفتنا هي الأمثل في العالم، وكذلك الحال بالنسبة إلى علمائنا وإلى حقوقنا وإلى فقهنا، ونحن منحدرون من ذلك التأريخ. علماً بأنه انقطع لمدة مئتي عام على أقل تقدير كما ذكرت، ولكن بعد انتصار الثورة واصلت تلك الحركة التأريخية العظيمة مسيرتها، وحققنا تقدّماً رغم كل المشاكل وكل العقبات، وهذا ما يجب علينا الاعتزاز به.. الهوية الوطنية والنزعة المبدئية.

يقع على عاتقكم أنتم النخب عبء ثقيل، فإن موهبتكم ونخبويّتكم هي التي تمنحكم هذه المسؤولية. علماً بأن المسؤولية هذه، حالها حال كل المسؤوليات، مدعاة للشرف والفخر والعزة في الدنيا والآخرة. وسترتفع رؤوسكم شامخة إن شاء الله في الدارين. واعلموا بأنّ واحدة من مهامّ العدو هي العمل على التنصّل من المبادئ ومن الهوية، فالتفتوا إلى هذه النقطة من هجوم العدو.

النقطة التالية هي أن (الحالة) النخبوية تتجسّد في التخصص بالطبع، وهذا أمر قيّم جداً؛ ذلك إن كافة التخصصات المختلفة التي لابد منها في إدارة البلد وإدارة المجتمعات البشرية تتسم بالأهمية، ولا شك أن هذا يمثل قيمة سامية. ولكن لا ينبغي لشريحة النخب أن تكتفي بهذا المقدار، بل يجب عليها أن تتطلّع إلى أهداف أسمى أيضاً. فإن هنالك أهداف أسمى.. لا ينبغي للنخبة أن تغرق في تخصصها بحيث تغفل عن البيئة المحيطة بها وعن أجواء المجتمع وعن الناس.. لا ينبغي للنخبة أن تنسى شؤون الناس وقضايا شعبها الأساسية والهامة، وأن تنسى الاستقلال والعدالة والتقدم والآفات الاجتماعية الرئيسية.. لا ينبغي للنخبة أن تعمل في إطار تخصصها وحسب. فلو مارستم عملكم النخبوي تحت لواء العدالة لتضاعفت قيمته، (ولو مارستم عملكم) تحت لواء الاستقلال الوطني والهوية الوطنية لتضاعفت قيمته. ثمة حربٌ اقتصادية وسياسية وأمنية مفروضة علينا، فلا يمكنكم أن تقفوا في هذه الحرب مكتوفي الأيدي.

عندما جاء الناس والتفّوا حول أمير المؤمنين (عليه السلام) يطالبونه بقبول الخلافة، قال: «لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما أخذ الله على العلماء ألّا يُقارّوا على كِظّة ظالم ولا سَغَب مظلوم..»(3) لولا هذه المسؤولية، لما قبلتُ (الخلافة). ولكن ما هي هذه المسؤولية؟ «ألّا يُقارّوا على كِظّة ظالم»، «الكِظّة» في اللغة العربية بمعنى البِطنة التي تهدّ الإنسان - علماً بأن هذا (المصطلح) كناية، ولا يراد بالبِطنة هنا أكل الطعام، وإنما يعني التمتّع والـمِنَح الباهظة والرواتب العالية - «ولا سَغَب مظلوم» والسغب يعني الجوع. يقول أمير المؤمنين لولا ما أحمله من قلقٍ وهاجسٍ تجاه مسؤوليتي أمام أهل الجشع والطمع من جانب وحيال المحرومين من جانب آخر لما قبلتُ (الخلافة). وقوله: «وما أخذ الله على العلماء»، يعني أن مسؤوليتكم أنتم العلماء لا تتلخّص في الدراسة والتدريس والتحقيق، وإنما واحدة من مسؤوليات العلماء هي: «ألّا يُقارّوا على كِظّة ظالم ولا سَغَب مظلوم».. هذه نقطة.

والنقطة الأخرى هي الصورة التي يقدّمها العدوّ. فإنّ هنالك حربٌ دعائية وإعلامية في غاية القسوة قائمة ضدنا، وهي كالحرب المفروضة بالضبط. ففي بداية الحرب المفروضة كنا لا نمتلك حتى الآر بي جي! في حين كانت قد اصطفّت أمامنا وحدات مدرّعة كبيرة، وهذا ما شاهدته عندما كنتُ في الأهواز حيث كانت الوحدات والفِرَق المدرّعة للعدوّ تأتي واحدة تلو الأخرى، وهذه المدرّعات بحاجة إلى سلاح مضادّ للدبابات، وأبسط سلاح يكون في متناول اليد ويستخدمه الجميع هو الآر بي جي، ولكننا لم نكن نمتلكه! بل وحتى ما كانت لدينا الأسلحة التنظيمية للجيش أيضاً، بينما كان العدوّ آنذاك مدجّجاً بأنواع الأسلحة، والحال ذاته يجري في الوقت الراهن كذلك، فإن إمكانياتنا الدعائية والإعلامية أمام العدوّ اليوم، تضاهي معدّاتنا أمام العدوّ في ذلك اليوم. علماً بأننا انتصرنا على العدوّ في ذلك اليوم، وسننتصر عليه كذلك في هذا اليوم لا محالة، ولكن هذه هي الأوضاع السائدة. وإنّ أهم ما يريد العدوّ إنجازه، بتلك الإمكانيات الهائلة، هو تقديم صورة مغلوطة عن أوضاع البلد، لا لإغواء الرأي العام العالمي وحسب بل حتى لإغواء الرأي العام في داخل البلد أيضاً! بمعنى أنهم يتحدثون في سبيل أن نتصوّر، أنا وأنتم الذين نتنفّس في هذه الأجواء، شيئاً آخر على خلاف الحقيقة الموجودة. إذن فالحرب هذه قائمة، ولو لم نتمكّن من ممارسة دورنا ولم تتمكّن النخب من أداء دورها في هذه الحرب، تكون قد تركت العمل بواجبها. وعليه فإن هذه النقطة الأخيرة التي ذكرتُها وهي انضواء الجهود العلمية تحت راية مناشدة العدل ومكافحة الحكر ومقارعة الظلم ومتابعة مختلف قضايا الناس المحيطين بالنخبة، تعتبر من المهام الضرورية.. هذا فيما يخص النخب.

علماً بأن لمؤسسة النخبة بحث آخر، وأرى من واجبي أن أشكر هذه المؤسسة. فالواجب علينا أن نعمل ليل نهار. لقد أشار السيد ستاري إلى (عمليات) «والفجر الثامنة» حيث استطاعت قواتنا العسكرية إسقاط ثمانين طائرة حربية متطورة في غضون بضعة أيام، وكان والده المرحوم الشهيد العميد ستاري هو المحور في هذه العمليات. هؤلاء قد تجافت جنوبهم عن المضاجع، وكنتُ على اطلاع كامل بمجريات الأمور، حيث كانت تمضي لربما 48 ساعة ولا تتوافر لديهم فرصة الخلود إلى النوم. فقد قسّموا العمل بمنظومة «هوك» (منظومة دفاع صاروخي) إلى قسمين لئلا يتمكّن العدوّ من الاشتباك وضرب هذه المنظومة المضادة للطيران. إذ كانوا يضعونها هنا ويطلقون الصاروخ، ثم يحملونها على الفور ويذهبون بها إلى مسافة عدة كيلومترات لكيلا لا يتمكن العدو من المواجهة.. إنهم كانوا يقومون بمثل هذا الجهد الجهيد، وكانوا يعملون ليل نهار حتى تمكّنوا على حدّ قوله - وهو كذلك - من إسقاط ثمانين إلى تسعين طائرة حربية متطورة للعدو. وهذا ما نحتاج إليه اليوم أيضاً. فعلى السيد سورنا ستاري - وهو ابن ذلك الشهيد - ورفقائه وزملائه اليوم أيضاً ألّا يعرفوا ليلهم من نهارهم.. يجب عليكم أن تعملوا عملاً دؤوباً في سبيل اكتشاف النخب واستقطابهم وتوجيههم وتنظيمهم والاستماع إلى حديثهم ومعالجة مشاكلهم لئلا يأتي مثل هذا الولد الشابّ لاعب التايكواندوا ويقف هنا لبثّ همومه وشكاواه.. أي يجب عليكم أن تبذلوا جهداً جهيداً وسعياً حثيثاً إن شاء الله.

النقطة الأخرى هي أنّ على السادة العاملين في قسم توجيه النخب، ولاسيما مؤسسة النخب، أن يحذروا لئلا يتبدّل عملهم إلى عملٍ روتينيّ يوميّ. (ففي بعض الأحيان) يشرع المرء بعمل مع شوق وتوق ورغبة، وبعد مضيّ فترة يتطبّع على العمل ويغدو بالنسبة له عملاً روتينياً طبيعياً، وهذا ما لا ينبغي حدوثه. فلابد من ممارسة الإبداع والتحديث المستمر في الأساليب والسبل والمهام وأمثالها وكذلك في النظام إن تطلب الأمر ذلك.

وفيما يخص «الهوية الوطنية» التي ذكرتها، يجب على مؤسسة النخب أن تخطط لها بالتأكيد وأن تستعين بمكتب ممثلية الولي الفقيه في الجامعات وهو بدوره سيعينهم.

كما وعلى المؤسسة أن تولي اهتمامها بالشركات القائمة على المعرفة. هذا وسبق أن أوصيتُكم بأن لا تَذَروا أن تنخفض ضوابط هذه الشركات، ولكنها انخفضت كما بلغني، وهذا تقرير بالطبع، فلابد لكم من متابعة القضية وعدم السماح بانخفاض هذه الضوابط. لا تعقدوا آمالكم على العدد كثيراً، ومما لا شك فيه بالطبع أننا لو كنا نمتلك ثلاثين ألف شركة قائمة على المعرفة بدل ثلاثة آلاف لكان أفضل، ولكن شريطة أن تكون حقاً شركات مبنيّة على المعرفة وأن تلتزم بالضوابط الضرورية.

والنقطة الأخيرة حول النخب: حاولوا أن تستفيدوا من النخب في التصنيف الإداري للبلد، فإن المديريات المتوسطة بحاجة إلى أمثال هؤلاء الشباب. إذ قد يقال بأن هذا الشابّ لا يحمل تجربة الإدارة على المستوى الرفيع، ولكن بمقدور هؤلاء الشباب تولّي المديريات المتوسطة، فاستفيدوا منهم، ولاسيما من أولئك المتدينين الذين يسعون وراء المهام الدينية والإسلامية ونحو ذلك، وعددهم كثير جداً والحمد لله، ولعلهم يشكّلون الأكثرية.

أودّ أن أذكر بعض الشيء حول الجامعة، ولقد أدركنا الوقت. كانت الجامعات خلال العقود الأربعة الأخيرة في خدمة البلد. علماً بأنّ البعض يُشكل على الجامعات أنها تسعى فقط وراء (نشر) المقالات في «ISI» (المجلات العلمية العالمية) وما شاكلها، وهذا إشكالي أنا أيضاً. فلطالما أوصيتُهم قائلاً لا تنظروا ماذا يريد ذلك الذي يطالبكم بالمقالة أو يطالبكم بتلك النسبة الأعلى البالغة واحد بالمئة، بل انظروا ماذا يريد البلد! هذا ما ذكرناه مراراً ونؤكّد عليه اليوم أيضاً، ولكن في الوقت ذاته لا يُقال ولا يُتصوَّر بأن الجامعات لم تكن في خدمة قضايا البلد، فلقد أُنجزت في البلد كلّ هذه الإنجازات الإعمارية الهامة، فياتُرى من ذا الذي أنجزها؟ أنجزها الجامعيون وأغلبهم من الشباب. ولقد دوّنتُ هنا صناعات السدود والمحطّات والجسور والطرق.. هذه ظواهر (وإنجازات) في البلد، ولكن من الذي أنجزها؟

في بداية الحرب، كنتُ قد ذهبتُ إلى منطقة عسكرية لتفقّدها. فجاءني شبابٌ من جهاد (البناء) وقالوا لي: نريد أن نصنع صومعة غلال. وصومعة الغلال على خلاف ظاهرها الذي يبدو منه وكأنها مبنيّة من عمود فقط، لها هيكل معقّد وفنيّ هام. فقلتُ لهم: هل تستطيعون ذلك؟ قالوا: نعم. قلت: إذن انطلقوا واصنعوا وسنعينكم على هذا الأمر. حتى أصبحنا من صنّاع صوامع الغلال المعروفين في المنطقة! التفتوا! إنهم كانوا نفراً من طلاب الجامعات الشباب. هذا في الوقت الذي كنّا إلى ما قبل (انتصار) الثورة نستورد القمح من أمريكا، وكان الاتحاد السوفيتي يصنع لنا صوامع الغلال. وهذه واحدة من الانتقادات التي كنا دوماً ما ننتقد بها الجهاز (الحاكم) قبل الثورة قائلين: قمح أمريكي وصومعة غلال سوفيتية. ذلك إننا لم نكن أساساً قادرين على هذا العمل، بيد أن الشباب بادروا إلى ذلك بجرأة وشجاعة. فقد أُنجزت كل هذه الأعمال من الطرق المتطورة والجسور الجميلة والمتقنة جداً؛ في طهران بشكل وفي سائر المدن بشكل وفي بعض الطرق الرئيسية بشكل آخر! من الذي قام بهذه الإنجازات؟ قام بها نفس هؤلاء الشباب الجامعيين.

الصناعات الدفاعية.. إن صناعاتنا الدفاعية بارزة ومتميّزة. ولحسن الحفظ فإن واحدة من القطاعات التي تتعامل مع الجامعات بشكل مطلوب جداً هي قطاع صناعاتنا الدفاعية، وهذا يعني أنّ لهذا القطاع مع الجامعات تعامل جيّد في مجال الصناعات الدفاعية والصواريخ والطائرات المسيّرة وغيرها، على خلاف الأجهزة الحكومية الأخرى التي قلّما يوجد بينها وبين الجامعات تعامل للأسف.

والصناعة النووية الهامة بأبعادها المختلفة. قبل بضعة أعوام - يوم كانت الطاقة النووية من حقوقنا البديهية - أقاموا هنا في نفس هذه الحسينية معرضاً كبيراً، وكان أغلبهم من الشباب! دخلتُ المعرض وتجوّلتُ فيه لربما لمدة ساعة أو ساعتين، وكان الجميع من الشباب ومن أترابكم! وبالتالي فإن الصناعة هذه صنعها الجامعيون وطلاب الجامعات والخرّيجون.

وكذلك تقنية الرادار، والصناعات الجوفضائية، وعلوم الأحياء، والتقنية الحيوية، وعشرات المنتوجات المتطورة في صناعة الأدوية المؤتلفة، والمنتجات البيولوجية، وعلم وصناعة الخلايا الجذعية البالغة الأهمية، حيث توصّل شباب المرحوم الشهيد كاظمي (رحمة الله عليه) إلى معطيات علمية جيدة جداً على المستوى العالمي الرفيع، وحوّلوا هذه المعطيات العلمية إلى تقنية، ووظّفوا تلك التقنية في خدمة العلاج. فالخلايا الجذعية اليوم تعتبر واحدة من أهم الأعمال في البلد، وهي في طور القيام بإنجازات كبرى، ويدخل علماؤها في عداد علماء العالم من الطراز الأول. إلى غير ذلك من الإنجازات.. هذه كلها من خدمات الجامعة، فلا ينبغي اتهام الجامعات بأنها لم تخدم البلد.. كلا، لقد كانت الجامعات حقاً في خدمة البلد. علماً بأنها تعاني من نقائص كثيرة، ولقد أشار نفس هؤلاء الإخوة الأعزاء والأخوات العزيزات خلال أحاديثهم إلى جملة من هذه العيوب والنقائص.

واحدة من توصياتي هي الاهتمام بأمر البحث والدراسة على مختلف المستويات، وحمل التواصل مع الصناعة على محمل الجدّ؛ ذلك إنّ التواصل بين الجامعة وبين شتى قطاعات الصناعة، كالصناعة الزراعية وما شابهها، لهو موضوع في غاية الأهمية، حيث يعتبر للجامعة فوز عظيم وللصناعة كذلك توفيق كبير. يجب أن يؤول المطاف إلى أن يكون لكل أطروحة جامعية يُعدّها طالبٌ في مختلف المجالات العلمية، ومنذ بداية إعدادها، حامٍ يحميها سواء من القطاع الخاص أو من القطاع الحكومي.. لابد لنا أن نصل إلى هذه المرحلة، كما هو السائد اليوم في كثير من بلدان العالم، حيث يحضر في جلسة دفاع الطلاب أصحاب الصناعات الذين لهم صلتهم بتلك الأطروحة، وفي نفس ذلك المكان يصطادون الطالب الذي يدافع عن أطروحته ويُبرمون معه العقد ويستفيدون منه بعد ذلك. فالصناعة بمقدورها أن تنتفع من الجامعة كثيراً، والجامعة كذلك بوسعها أن تستفيد من الصناعة كثيراً، بيد أنّ المهمة هذه مازالت لم تتحقق بالشكل الذي طالبنا به وذكرناه.

كما ويجب تحديث الخارطة العلمية الشاملة بعد تسع سنوات. علماً بأنّ الخارطة هذه قد تم إعدادها بشكل جيّد جداً، ولكن مضى عليها الآن تسعة أعوام، ولابد من إعادة النظر فيها وتحديثها وإدخال مسائل جديدة فيها، وعلى الجميع بالطبع إيلاء الاهتمام بها.

والتواصل العلمي مع البلدان الواقعة في مسار النموّ المتسارع، وهي بلدان آسيا. فلابد أن يتركّز النظر في الأساس على الشرق؛ ذلك إن النظر إلى الغرب وإلى أوروبا لا أثر له سوى التسويف والعرقلة وتحمّل المنّ والمذلة. يجب أن نشخص ببصرنا نحن الشرق، فإن هنالك بلدان تستطيع أن تساعدنا، ونستطيع أن نواجهها بوجهة متساوية؛ ندعمهم ويدعمونا، ونتبادل معهم المسائل العلمية.

والتعامل مع الحكومة مع معرفة المتطلبات وتحديد الأولويات؛ أي هكذا يجب أن تتعامل الجامعة مع الحكومة وأن تُنجز الأعمال التي تحتاج الحكومة إليها. فإنّ هذا العمل الذي قامت به في الآونة الأخيرة عدة مجموعات من الأساتذة بشأن القضايا الاقتصادية كان مطلوباً للغاية وقد أفرحني كثيراً. ولا أعلم بالطبع أن الحكومة تعمل بهذه التوصيات أم لا، وكم ستطبّق منها، وهو بحث آخر، وأما أن يشعر الأساتذة وعلماء الاقتصاد في البلد بالمسؤولية (فهذا أمر مطلوب).

لقد كتبت طوائف مختلفة ولاسيما الأساتذة التعبويون رسائل متعددة لنا - ونحن بدورنا نرسلها إلى الحكومة فإنها هي التي يجب أن تنفّذ - ولنفس الحكومة ولرئيس الجمهورية المحترم، بشأن القضايا المصرفية والسيولة النقدية والعملة الأجنبية في البلد، سواء بصورة جماعية أم فردية. فقد قدّم عددٌ من الشباب النخبة ومن ذوي الأفكار الوقّادة حلولاً وتوصيات بصورة فردية، ونحن بدورنا طالبنا المكتب بدراستها وتلخيصها وإرسالها إلى المسؤولين التنفيذيين في البلد للانتفاع بها، وهذا أمرٌ مطلوب جداً. وبالتالي فإن واحدة من المسائل الهامة هي تحديد التواصل بين الجامعة والحكومة.. لقد انتهى هذا البحث.

يبدو لي أن الوقت قد انتهى وحان وقت الأذان. فلقد دوّنتُ عدة نقاط حول قضايا البلد وخلاصتها في كلمة واحدة هي أن العدوّ يبغي تقديم صورة مغلوطة وقبيحة من البلد، وهذا هو عكس الحقيقة بالضبط. فإنّ البلد يحمل صورة رائعة جميلة من جميع الجهات.. صحيح أن هنالك تقلّبات في سعر العملة الأجنبية لمدة وجيزة وهناك مشاكل معيشية يعاني الناس منها، ونحن على علمٍ بها، بيد أن الصورة الموجودة هي عكس تلك الصورة التي يريد العدّو الإيحاء بها وفرضها على الرغم من أنفه.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يؤيّدكم ويحفظكم.. إنكم جميعاً تمثّلون اليوم غرسات جميلة نضرة، وستتبدّلون بإذن الله إلى أشجار طيبة مثمرة ونافعة لبلدكم.

والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته

 

 

الهوامش:

1- في بداية اللقاء تحدث الدكتور سورنا ستاري مساعد رئيس الجمهورية للشؤون العلمية والتقنية ورئيس مؤسسة النخب، والدكتور منصور غلامي وزير العلوم والبحث العلمي والتقنية، مقدمين تقاريرهما. كما تحدث 11 شخصاً من النخب والمواهب العلمية المتفوقة في البلاد معربين عن همومهم وتصوراتهم حول مختلف القضايا العلمية والبحثية والإدارية والتقنية في البلاد.

2- إبن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 20، ص 319.

3- نهج البلاغة، الخطبة رقم 3.