موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

كلمة قائد الثورة الإسلامية المعظم سماحة آية الله الخامنئي لدى لقائه النخب العلمية الشابة

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام علی سيدنا محمد وآله الطاهرین، سيما بقية الله في الأرضين.

قدمتم خير مقدم.. لقد كانت الجلسة في غاية الحلاوة والـحُسن، وهذا هو حالها بالنسبة لي على الدوام. وأعتقد أن الجلسة قد انتهت حالياً، وهذا يعني أني قد جنيتُ ثمرتي منها، وذلك أولاً لأني التقيتُكم واستمعتُ إلى أحاديثكم واستشعرتُ فيكم تلك الهمة والمحفز والروحية التي يشهدها المرء في نفوس الشباب لحسن الحظ، واستفدتُ حقاً من الكلمات التي أطلقتموها، ولذلك فإني قد جنيتُ ثمرتي من هذه الجلسة. وبدوري سأستعرض هنا بضع كلمات. وحريّ بي أن أذكر أولئك الذين لم يحضروا هذه الجلسة في هذا العام، إذ كان من المفترض أن يحضر عدد كبير من الإخوة والأخوات الأعزاء النخبة، ولكن الأوضاع والظروف حالت دون ذلك، ومن هنا أُبلِّغهم سلامي وتحياتي.

إنني حينما أكون بين الشباب، ولاسيما الشباب النخبة، دوماً ما تنتابني حالة الشكر لله سبحانه وتعالى في الدرجة الأولى، ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾.. أنتم نِعَم الله إلينا، وعطيّته للمخلصين للنظام (الإسلامي).. أنتم الشباب بالنسبة لنا، نحن الذين أمضينا عمراً طويلاً، تعتبرون حقاً من الألطاف والنعم الإلهية، فله الشكر على ذلك. ويغمرنا الأمل في الدرجة الثانية، فننظر إلى مستقبل البلد وإلى الأفق الماثلة أمام أعيننا باهتمام؛ ذلك أن المرء إذا ما نظر إليكم، سيحدوه الأمل بأن المستقبل الذي كنّا نترجّاه ونتمنّاه سوف يتحقق بإذن الله.

إنّ الطاقة البشرية التي يتمتع بها بلدنا، كما ذكر السيد ستاري (المعاون العلمي والتقني لرئيس الجمهورية ورئيس مؤسسة النخبة الوطنية)، تعتبر طاقة بشرية يقلّ نظيرها في العالم، والنخب في البلد يمثّلون لبّ هذه الطاقة ولبابها وأبرز مفاصلها، فإنهم قادرون على إحياء الشعور بالمسؤولية لدى كل إنسان؛ ذلك أنهم حين يسلكون الصراط المستقيم ويتّجهون باتجاه حَسَن، يُولّدون في نفوس جميع الذين يعرفونهم ويشاهدونهم حالة الشعور بالمسؤولية، ولذلك فإني أؤمن بالنخب إيماناً عميقاً راسخاً وأعتقد بكم أنتم الشريحة النخبوية. وإن رجائي وطلبي من مؤسسة النخبة ومن السيد ستاري نفسه الموجود في داخل الحكومة والمعاون لرئيس الجمهورية، أن يبذلون جهودهم لأن يكون المسؤولون في البلد برمّتهم من المؤمنين بالنخب حقاً، فإن واحدة من توقّعاتنا هي أن يؤمنوا بالنخب.. أن يؤمنوا أولاً بأن لدينا نخب، ويؤمنوا ثانياً بأن هؤلاء النخبة قادرون على تغيير مصير البلد إلى ما هو موضع قبول ورضا وقرّة عين الجميع. فإن بعض المسؤولين لدينا مصابون بالغفلة في هذا المجال، وينبغي إيقاظهم منها.

أودّ هنا أن أستعرض بضعة نقاط بشأن مؤسسة النخبة والنخب، وفي النهاية نقطة سياسية.

النقطة الأولى هي أنّ التقدّم العلمي يجلب الاقتدار للبلد. ولقد قرأ مقدّم البرنامج العزيز في هذا اليوم حديثاً وهو: «العلم سلطان»، والسلطان هو الاقتدار.. العلم اقتدار، «من وجده صال»، أي سيكون ذا يد مقتدرة، «ومن لم يجده صيل عليه»، أي سيكون خاضعاً وخانعاً ليد مقتدرة.. هذا هو العلم. وهذا ما تشاهدونه اليوم، فإن الأمريكيين والأوروبيين استطاعوا الإمساك بزمام العالم طرّاً بسبب العلوم التي اكتسبوها. وأنتم تعلمون بأنّ أمريكا وبريطانيا وفرنسا والكثير من الدول الأوروبية، حتى الصغيرة منها، تمكّنوا، لسنوات طوال وبعضهم لقرون، من احتلال عددٍ من البلدان، وسحق أرصدتهم، وفرض سطوتهم وهيمنتهم على الشعوب، بسبب العلم الذي كانوا يبحثون وراءه. ولكننّا غفلنا وتخلّفنا عن قافلة العلم، رغم كل سوابقنا التأريخية ومواهبنا المتألقة! فسبقنا غيرنا، وعلينا جبر هذا التخلّف.

منذ مئة عام وعددٌ من التغريبيين يروّجون (لهذه الفكرة وهي) أنّكم إذا أردتم لبلدكم أن يسلك سبيل التقدم وأن تحثّ إيران خطاها نحو الأمام، عليكم الارتماء في أحضان الغرب - التغريب، المصطلح الذي طرحه وكتبه المرحوم جلال آل أحمد - إلا أنها كانت فكرة خاطئة، والمروّجون لهذه الفكرة كان منهم من هو خائن ومنهم من هو جاهل. ومازال البعض في يومنا هذا من أتباع أولئك - بل لابد أن نقول: من حثالاتهم - يروّجون لهذه الفكرة بأنه «لابد لنا من التقدّم في أحضان الغرب».. كلا، خمسون عاماً والبلد كان خاضعاً للغرب في ظلّ العهد البهلوي، ففي أواسط حكومة رضاخان كنّا رازحين تحت الهيمنة الألمانية، ومن بعدها تحت الهيمنة الأمريكية إلى النهاية، فماذا حقّق البلد من تقدّم يا ترى؟ وما الذي جناه سوى التعاسة والتخلّف وتبدّد أرصدته الأساسية؟ كلا، لا سبيل (للتقدّم) في ظلّ الخنوع للغرب، والقائل بأن البلد يستطيع التقدم بالارتماء في أحضان الغرب، إما خائن للبلد، إن كان يعي ما يقول، أو جاهل.

ولكن ما الذي ينبغي لنا فعله؟ يجب علينا إزالة التبعية. وللتبعية بالطبع أصناف مختلفة بما فيها التبعية السياسية والاقتصادية والثقافية، بيد أن الأساس فيها هي التبعية السياسية، لأنها هي التي توفر الأرضية لسائر الأمور في الدرجة الأولى. فالتبعية السياسية تؤدي بطبيعة الحال إلى النفوذ الثقافي وإلى التغلغل الاقتصادي وإلى التبعية في جميع القطاعات حتى القطاع الأمني، كما كان الأمر في عهد الطاغوت. حيث كنّا تابعين في القطاع الأمني، وفي الحقل الاقتصادي بطريق أولى، وفي الشأن الثقافي أيضاً. أما التبعية السياسية فقد تبدّدت ببركة الثورة (الإسلامية)، ولكن من الصعوبة (إزالة) التبعيات الأخرى، وهو ما يحتاج إلى سعي وجُهد. وهذا ليس بالكلام الذي أتفوّه به اليوم، وإنما أطلقته في عهد رئاسة الجمهورية وفي خطبة صلاة الجمعة، وهو أنّ التبعية السياسية قد اندحرت، وتخلّصنا منها والحمد لله، ولكننا مازلنا تابعين في الجانب الاقتصادي والثقافي أيضاً، وعلينا أن نفكّر في هذا المجال، فالتبعيّة تجلب التعاسة.

وأقولها لكم: حينما ينظر المرء إلى الذكريات المتبقّية من أصدقاء محمد رضا بهلوي - وأنا بدوري قرأتُ الكثير من هذه الكتب - يجد أن نفس هذا الطاغوت أحياناً ما تثور ثائرته من الأمريكيين، ويقوم بسبّهم وشتمهم، ولكن في الغرف المغلقة وفي جمع أصحابه المقرّبين! حاله حال ذلك الذي صعد إلى صطح داره، وراح يسبّ شرطياً في مدينة نائية. حيث كان الشاه يسيء إليهم في الغرف المغلقة، ولكن في الوقت ذاته ما إن تصله رسالة أو اتصالاً هاتفياً أو أمراً من السفير البريطاني أو السفير الأمريكي، يمتثل أوامره بكل إجلال وإكبار، وهو مُرغَم على الامتثال ولا محيص له من ذلك.. هذه هي التبعية التي يجب إزالتها.

ولحسن الحظّ فقد اقتُلعت جذور التبعية السياسية في بلدنا كلياً، ولكن يحتاج اقتلاعها في المجالات الأخرى إلى مزيد من بذل الجهود والمساعي، وإنّ من عناصر النجاة الرئيسية هي التقدّم العلمي الذي يشقّ طريقه بواسطتكم. وعلى هذا فلا ينبغي وجود أي مانع يسدّ طريق التقدم العلمي والتقني. ولا ينبغي للأجهزة الحكومية والمفاصل العامة والناشطين في مختلف الأقسام الثقافية وأمثالها أن يعرقلوا مسيرة التقدم العلمي بأي شكل من الأشكال. والطاقات المتوافرة عظيمة والحمد لله، وها أنتم تشاهدون نماذج منها في هذه الجلسة، وإني أواجه الكثير من هذه النماذج في مختلف المراحل أو أطلع عليها أو أقرأ تقريرها أو أتلمّسها حضورياً، وأعلم أن الطاقات جبارة هائلة وبوسعنا المضي قُدماً إلى الأمام.. هذه هي النقطة الأولى.

والنقطة الثانية تحوم حول مؤسسة النخبة والمعاونية العلمية. فقد تطوّرتا وتحسّنتا كثيراً والحمد لله، وثمة موارد عديدة طرأت في غضون الأعوام المنصرمة أدت إلى تحسين أوضاع المعاونية العلمية ومعاونية مؤسسة النخبة أيضاً، فالشركات القائمة على المعرفة حققت طفرة في النموّ. في عام 2014 شدّدتُ على هذه الشركات في نفس هذه الجلسة، ولحسن الحظ فقد حققت اليوم طفرة ملحوظة في النمو، وتمّت (في هذا المجال) استثمارات جيّدة، وتولّدت المجالس والخلايا العلمية في الجامعات والحمد لله، وهذه هي الأخرى كانت من مواطن تأكيدنا، وأُصلحت التوجّهات الفكرية لتربية النخب. والكثير من الموضوعات التي بيّنتموها أنتم الأعزاء هنا، تختلج في أذهان المسؤولين في مؤسسة النخبة والمعاونية العلمية، وقد طرحوها عليّ، وتقرّر انتهاج ومتابعة منهج ومسير تم تعديله وتكميله في الواقع، ولكنّي غير مقتنع، والأمر لا يرتبط بي شخصياً، وإنما لا ينبغي الاقتصار على ذلك. فإن الطريق مازال طويلاً أمامنا والمسافة بعيدة جداً عن الوصول إلى تلك النقطة المنشودة، وهذا ما أؤكّده للدكتور ستاري وللمسؤولين ولكم أنتم النخبة الأعزاء أيضاً. فلا يسوغ لنا الاكتفاء في التقدم العلمي بالتحرّك في الجامعة الفلانية أو مركز الأبحاث الفلاني وأمثال ذلك. بل لابد في البلد من صناعة المسار والمنهج والتيار في مجال العلم والتقدم العلمي، بحيث يتبدّل إلى مسار وتيّار لا يمكن إيقافه. فلا يكون الأمر بحيث أن الحكومة التي تتربع على سدّة الحكم وتحمل توجّهاً خاصاً، تتمكّن من التأثير على مسيرة التقدم العلمي في البلد وإيجاد ضعف ووهن فيها، وكذلك الحال بالنسبة إلى المسؤول الحكومي الذي يتولى مسؤولية ويحمل فكراً آخر. فلا ينبغي للتوجهات والأساليب والأنماط الإدارية أن تترك تأثيراً على مسيرة التقدم العلمي في البلد، وهذا لا يتيسّر إلا بصناعة المسار والتيار.

وفي خصوص الشركات القائمة على المعرفة أيضاً لا ينبغي الحدّ من ضوابط هذه الشركات، واعملوا على أن تكون ضوابط الشركات القائمة على المعرفة ضوابط عالية. فلا نقتصر على إضافة العدد وحسب، ولا ينبغي الحدّ من ميزانية العلم والتقنية، وإنما يجب العمل على زيادتها. ولقد أخبرني بعض الأعزاء بالطبع أن هناك مشكلة في صندوق الإبداع، وسأوصي إن شاء الله وأؤكّد على إزالة هذه المشكلة. علماً بأنّ الموارد المالية أيضاً لابد من إدارتها بشكل صحيح.

والنقطة الأخرى ترتبط بالمقالات العلمية. فإننا من حيث كمية المقالات نتبوّأ مرتبة عالية، بيد أن هذا لا يكفي، بل يجب القول بأن هذا لا يحتلّ أهمية كبيرة، والمهم هو نوعية المقالات. ولكن كما طرق مسامعي وأفادت التقارير التي رُفعت لي، فإن أوضاعنا من الناحية النوعية ليست على ما يرام. فلابد من رفع مستوى الجانب النوعي وإنماء المؤشرات النوعية وربط المقالات بقضايا البلد بدلاً من ازدياد عدد المقالات، وهذا ما جاء بالطبع على لسان بعض طلاب جامعاتنا الأعزاء، حيث أخبروني هم أنفسم بذلك، وهذه هي عقيدتي بضرورة أن تصبّ المقالات العلمية والدراسية في خدمة احتياجات البلد وأن يتم تبيين هذه الاحتياجات للنخب، فإن الكثير من النخب قد لا يعرفون متطلبات البلد بالنحو المطلوب.

والنقطة الأخرى في هذا المضمار تتعلق بمسألةٍ سبق وأن نبّهتُ عليها السيد ستاري وهي أن تولي المعاونية العلمية ومؤسسة (النخبة) اهتمامها بالعمل التنظيمي، يعني في الواقع أن تستفيد كالتنظيم من جميع أجهزة البلد المختلفة التي تمارس دورها في مجال العلم والتقنية، سواء من الوزارتين المرتبطتين بالتعليم العالي أو من جامعة آزاد (الحرية) أو من الوزارات ذات الصلة بالصناعة والبترول، لأن هذه الأجهزة تتمتع بإمكانيات كبيرة، وبمقدور هذه الإمكانيات أن تصبّ في خدمة تقدّم المسيرة العلمية والتقنية، والمعاونية العلمية بالاتكاء على مكانتها الإدارية تستطيع النهوض بهذه المهمة. كما وينبغي أن تُطالب النخب بالعمل، إذ لابد وأن تستشعر بأن وجودها نافع وأن تتلمّس كونها ذات نفع وفائدة، وهذا هو الشيء الذي يُدخل في قلوب النخب السرور والبهجة، ويُثبّت أقدامهم، ويربط جأشهم في هذا البلد، فيدركوا بأن لهم نفعاً وفائدة لبلدهم. فلابد من مطالبتهم بالعمل، وهذا ما يتحقق باعتقادي عبر العمل التنظيمي.

والنقطة الأخرى هي ضرورة أن نجد حلاً للقطاع الصناعي في البلد، ووجدتُ أن الجزء الأوفر من الأبحاث التي طرحها السادة هنا، ترتبط بهذه المشكلة. إن الصناعة في البلد تعاني من آفة التجميع وهي آفة قديمة. فإن كان التجميع هو السائد، سيُهمَّش الإبداع، وإن هُمَّش الإبداع، ستتوقف المسيرة العلمية والبحث العلمي، وإن توقّفَ البحث العلمي، سوف لا يتحقق التواصل بين الصناعة والجامعة الذي دوماً ما نطالب به. لأن إيجاد الترابط بين الصناعة والجامعة، سيؤدي إلى تطوير الجامعة وتطوير الصناعة أيضاً، وهذا واضح. علماً بأني طرحت قضية الارتباط بين الصناعة والجامعة على الحكومات منذ مدة طويلة، حتى تأسست هذه المعاونية العلمية بالتالي على أثر ضغطنا وإصرارنا، والسبب في ذلك يعود إلى تحقق التواصل بين الصناعة والجامعة. ولكن لا يتحقق هذا التواصل بمعناه الحقيقي إلا إذا شعرت الصناعة بالحاجة إلى الجامعة، والحاجة هذه لا تظهر تحت ظلّ التجميع. فلابد من تقديم الطلبات للصناعة، ومطالبة الصناعات كما ذكر أحد الأعزاء هنا خلال حديثه، رغم أن مطالبة الصناعة قضية وشعور الصناعة في البلد بالحاجة قضية أخرى. وهو شعور لابد وأن يتوّلد، ولا يتيسّر هذا إلا بالقضاء على تلك المشكلة القديمة. ففي غضون حقبة زمنية تمتد لعشرة أعوام، ولا نروم الاستعجال في هذا المضمار، ينبغي أن تتولّد في الصناعة قضية «تبديل النظرة من التجميع إلى الإبداع» وأن تتحول إلى أمر سائد في البلد.

والنقطة الأخرى التي تختص بقضية النخب ومؤسسة النخبة وما إلى ذلك، هي إيلاء الاهتمام بالأنشطة الثقافية في المؤسسة، وهذا أمر كبير الأهمية. فلابد لنا من الالتفات إلى أنّ التقنية تصطحب الثقافة معها وتحمل الثقافة في مكنونها، وهذا ما لا ينبغي تجاهله. ومن هنا فنحن حين نأخذ التقنية من غيرنا، نجلب في الحقيقة ثقافتهم أيضاً. صحيح بأننا نسعى وراء الاستقلال التقني، وهذا ما لا شك فيه ولابد من تحققه، بيد أن الأمر بالتالي كالأواني المستطرقة، وهناك في جميع المجالات أخذ وعطاء. ومن هنا يجب الاهتمام بالجانب الثقافي. ونحن في مؤسسة النخبة وفي المعاونية الثقافية بحاجة إلى الاهتمام بالشأن الثقافي وإنجاز الأعمال الثقافية الصائبة والذكية.

والنقطة الأخرى والأخيرة في هذا المجال، هي ضرورة أن يراقب النخب الأعزاء أنفسهم.. راقِبوا أنفسكم. ولقد أشار أحد الأعزة إلى أنّ الساحة ساحة حرب ونقدّم فيها الشهداء والجرحى، وصدق فيما قال، فالساحة ساحة حرب. والأخطر من الاغتيال الجسدي، هو الاغتيال العقلي والفكري. فأحياناً ما يغتالون علماءنا ويقتلونهم، وهذا ما شاهدتموه، ولكن الأنكى والأمرّ هو أسر علمائنا، وهذا ما لا ينبغي حدوثه. وهو في الدرجة الأولى يقع على عاتق النخب أنفسهم، حيث يجب عليهم مراقبة ذواتهم. وإن عنوان التقوى الذي تكرر من أول القرآن إلى آخره كل هذا التكرار، حيث ورد في أوله: ﴿هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ وتكرر إلى آخره مرات ومرات، إنما ورد بهذا المعنى وهو الحفاظ على الذات وصيانة النفس، والحال ذاته يجري في كل المجالات، فعليكم بمتابعة هذا الأمر.

وأما البحث السياسي الذي أشرنا إلى أننا سنتناوله باختصار. إنّ التبعية السياسية، كما ذكرنا، أمر خطير، وذلك لأنها تستتبع الخنوع. وقوله «صيل عليه» التي وردت في (فقدان) العلم، إنما هي أشد نسبةً إلى التبعية السياسية، إذ بها يُصالُ على الإنسان حقاً ويكون خانعاً منصاعاً. فالشعب التابع سياسياً، مرغم على تقبّل الخنوع والخضوع لنفسه. وسبق أن ذكرنا بأن التقدّم العلمي يقف على الضدّ من التبعية، وأودّ القول هنا بأنّ العدوّ يستشيط غضباً بسبب اقتدارنا وحركتنا وبسبب هذا المحفز الذي تتسمون به لتطوّر البلد وتقدّمه علمياً. ذلك أنّ العدوّ يقوم عن قرب وبعد بكل ما بوسعه لرصد أوضاع البلد بدقة وهو شديد القلق من ازدياد اقتداره. وإن لدى جميع المراقبين الدوليين واضح جداً بأن الفارق ما بين إيران اليوم وإيران ما قبل أربعين عاماً كالفارق ما بين السماء والأرض. حيث كنّا بلداً وشعباً متدنّياً متخلّفاً محكوماً بامتثال أوامر هذا وذاك، ولكننا اليوم بلدٌ مؤثر ذو نفوذ عاكف على الحركة في جادة الاقتدار العلمي والسياسي، نحثُّ الخطى نحو الأمام، وهذا ما هو ملموس بالكامل. وهو ما يثير استياء العدو وغضبه. علماً بأن العدو الرئيسي الواقف في ساحة النزال أمام إيران وأبنائها أكثر من غيره هو الإدارة الأمريكية لا الشعب الأمريكي. والسبب نفسه الذي ذكرناه، وهو أن هؤلاء، ولسنوات طوال، فرضوا هيمنتهم على هذا البلد وأحكموا قبضتهم على كل ما فيه، فقامت الثورة الإسلامية ونظام الجمهورية الإسلامية بانتزاع البلد من أيديهم، فأثار ذلك منذ اليوم الأول ثائرتهم واستياءهم وفرضوا الحظر وتآمروا وأساؤوا، والممارسات هذه لا تقتصر على الوقت الراهن، وإنما بدأت منذ اليوم الأول.. اليوم الذي لم تكن فيه قضية الطاقة النووية مطروحة ولا قضية الصواريخ مطروحة ولا قضية النفوذ في منطقة غرب آسيا، وعلى حدّ تعبيرهم الشرق الأوسط، مطروحة، ومع ذلك شرعوا بالصراع، والسبب هو (فقدان هيمنتهم)، وهذا واضح. إذن فقد استطعنا دحر الهيمنة الأمريكية وقطعنا دابرها من البلد بالكامل، وأنهينا سلطتها السياسية والأمنية والاقتصادية.

وعلى الرغم من هذا ومع وجود الخصومة الأمريكية سلكنا سبيل الاقتدار، وهذا أمرٌ بالغ الأهمية! وله في العالم أهمية كبيرة حيث تشهد الشعوب إمكانية النموّ والحراك لشعبٍ دون أن يكون قابعاً تحت ظل القوى، بل يستطيع التنامي والتحرك والثبات والمضيّ قدماً إلى جانب خصومة القوى وعِدائها، وهذا ما أثبتناه عملياً، وهو الذي يثير ثائرتهم. حيث أصبح الشعب الإيراني نموذجاً للبلدان والشعوب في إمكانية الوقوف أمام القوى الكبرى وعدم الخوف منها والتقدّم نحو الأمام في نفس الوقت. إذ تعلمون أن حالات التقدم العسكري كالصواريخ والمعدات الأخرى التي أثارت استياءهم إلى هذا المستوى، قد تحققت برمتها في ظلّ الحظر، حيث كانوا قد فرضوا علينا حظراً تاماً! وما تم إنجازه، تحقق في هذه الفترة، وهذا هو الذي أثار دهشتهم وامتعاضهم.

قبل عدة أعوام بلغني تقرير عن جنرال إسرائيلي في الكيان الصهيوني كان قد كتب مقالة - وكنّا آنذاك لتوّنا قد اختبرنا صاروخاً والرجل هذا كان خبيراً عارفاً بالأمور، حيث كانوا يشهدون الأحداث عبر الأقمار الاصطناعية ويعرفون (ماذا يجري) ويستطيعون تقييم الأحداث بشكل صحيح - قال فيها: إن هذا ليثير دهشتي واستغرابي بأن تتمكّن إيران من إنجاز هذا العمل، فإني في الوقت الذي أُعاديها أُثني عليها لتمكّنها من النهوض بهذا الأمر رغم العقوبات الشديدة المفروضة عليها.. هذا هو مضمون كلامه. فالعدوّ يشهد هذا التقدّم.

إنني لا أريد تخصيص وقتٍ للرد على أباطيل وترّهات الرئيس الأمريكي الدجّال الثرثار، ولا ضرورة في ذلك حقاً. فالمسؤولون في البلد ردّوا عليه ردّاً جيداً صحيحاً، وأنا لا أروم ذلك، أي أرى أن التعرض لكلامه في الواقع ليس إلا مضيعةً للوقت! ولكن أودّ أن أقول لكم ولكل من يستمع إلى هذا الكلام: اعرفوا العدو. فإن من المخاطر التي تهدّد أيّ شعب هي ألّا يعرف عدوّه ولا يراه عدواً، بل يعتبره إما صديقاً أو محايداً، وهذا خطر كبير جداً وسبات. فاعرفوا العدوّ واعرفوا أساليب عِدائه أيضاً وانظروا كيف يعادي ولا تغفلوا، لأن من يغفل، سيتعرض للهجوم والغارة الليلية. فقد ورد في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «وَاللَّهِ لَا أَکونُ کَالضَّبُعِ تَنامُ عَلَى طولِ اللَّدم»، أي لا أكون نظير ذلك الحيوان الذي غالباً ما ينام على النغمة، وإنما أبقى يَقِظاً لأرى ما الذي يجري حولي. وهذا ما يطالبونه منّا أيضاً، فلا ينبغي لنا النوم والغفلة.

وأقولها لكم بالطبع: العدوّ مصابٌ بالتخلّف العقلي، وسأتناول هذا الموضوع بشيء من التفصيل. إن التخلّف العقلي هذا لا يختص برئيسهم بل يشمل جهازهم الحاكم أيضاً. إنهم يريدون إرجاع إيران الشابة المؤمنة الثورية النشيطة المتقدمة إلى ما قبل خمسین عاماً، ومن الواضح أن هذا لا يتحقق! أي إنهم يبتغون لهذا البلد، بحسب زعمهم، أن تسوده نفس الأوضاع التي كانوا قد فرضوها على هذا الشعب قبل خمسين عاماً! ألا يعتبر هذا تخلّفاً عقلياً؟ إنّ تفكيرهم يعود إلى ما قبل خمسين سنة، ولا يتسنى لهم أن يُدركوا ما الذي حدث هنا. فقد وقعت في هذه المنطقة أحداث هامة، وأهمها بالطبع هي الثورة الإسلامية وانبثاق نظام الجمهورية الإسلامية، ولكن ثمة أحداث مهمة أخرى حدثت في أطرافنا، لا يمكنهم إدراكها بشكل صائب. وعدم إدراكهم هذا سيحكم عليهم بالفشل، ولا مراء في أن الحسابات الخاطئة ستؤدي بهم إلى الهزيمة، فقد أخطأت حساباتهم في العراق وهُزموا، وأخطأت حساباتهم في سوريا وهُزموا، وأخطأت حساباتهم في منطقتنا الشرقية - ولا أروم الدخول في التفاصيل - وهُزموا، إلى يومنا هذا. والكلام ذاته يجري بالنسبة إلى بلدنا أيضاً، فإنهم يعادوننا منذ أربعين عاماً، ولكنهم يُصفَعون ويُهزَمون.. لماذا؟ لأن حساباتهم مغلوطة وفهمهم للواقع خاطىء وإدراكهم غير صحيح.

إنّ أمريكا - وأعني بها النظام الأمريكي والإدارة السياسية الأمريكية - بلدٌ شرّيرٌ وسيءٌ جداً، وهو الشيطان الأكبر حقاً كما عبّر عنه الإمام الخميني.. أمريكا هي سبب فقدان الأمن في المنطقة، وحالات انعدام الأمن التي تشاهدونها، تعود جذورها إليها.. أمريكا هي من عمّال الصهيونية العالمية، حيث توجد في العالم شبكة خطيرة خبيثة موسومة بالصهيونية العالمية، وأمريكا تعمل لصالحها.. أمريكا عدوّة الشعوب المستقلة.. أمريكا هي التي تقف وراء تأجيج أغلب المجازر والحروب والمذابح في منطقتنا وفي الكثير من نقاط العالم الأخرى.. أمريكا كالعلق تسعى لامتصاص ثروة الشعوب وموروثها.. هذه هي أمريكا وهذا هو النظام السياسي فيها راهناً. وأما أن أولئك الذين أوجدوا هذا النظام السياسي، هل كانوا على علم بما سيؤول إليه مصيره أم لا، فهذا بحث آخر، إلا أنّ هذه هي أمريكا، حيث سادت الحكومة والإدارة الأمريكية مثل هذه الأوضاع في السنوات الأخيرة.. أمريكا هي المتواطئ الرئيس مع الصهاينة في الجرائم التي ارتكبوها، سواء في فلسطين أو في لبنان أو في سوريا أو في سائر بقاع العالم.. أمريكا هي التي أسست داعش وأوجدت هذا التيار التكفيري النشيط المتسلّح، وهو ما صرّح به نفس هذا الرجل إبّان المعارك الانتخابية. فإن من الإشكالات التي كان يرمي بها الديمقراطيين هي أنكم أنتم من أسّس داعش! هذا ما أقرّ به بنفسه! أفهل تتوقعون ألّا تكون القوة التي وقفت في وجه داعش مبغوضة لديهم؟ ذلك أنهم صنعوا داعش لهدف (معيّن). ولذلك تجدون الرجل يتكلم ويُعربد ضد الحرس الثوري الذي تمكّن من صدّ داعش، وهذا أمر طبيعي. فإنك إن عرفت الطرف المقابل، ستكون هذه (الأقاويل) بالنسبة لك طبيعية جداً.

ومن هنا فإنهم غاضبون منا، وسبب غضبهم كما ذكرتُ أولاً قطع أيديهم، وثانياً تمكّن الجمهورية الإسلامية اليوم من إحباط المخططات الأمريكية في الشرق الأوسط، أي في منطقة غرب آسيا التي كانت لهم فيها مشاغل وخطط كبيرة. حيث استطاعت الجمهورية الإسلامية تبديد مؤامراتهم في لبنان وفي سوريا وفي العراق. ففي هزيمة الصهاينة من حزب الله في لبنان، كانوا هم وراء الكواليس، وفي نفس ذلك الوقت قالت وزيرة الخارجية الأمريكية إن الشرق الأوسط في حال مخاض، زاعمين أن هناك إنجاز كبير في طريقه إلى التحقق.

أودّ الآن أن أوصي الناشطين السياسيين والإعلاميين والثقافيين والمسؤولين في البلد بعدة توصيات في خصوص القضايا الأخيرة.

أولاً: ليكن الجميع على يقين بأن أمريكا في هذه المرة أيضاً ستُلقم حجراً وستلحق بها الهزيمة من الشعب الإيراني الثوري. كما أنهم في غضون العقود الأخيرة أيضاً دوماً ما واجهوا الجمهورية الإسلامية ولحقت بهم الهزيمة.. هذا أولاً.

ثانياً: الرئيس الأمريكي يستعرض بلاهته وحماقته، ولكن لا ينبغي أن يؤدي ذلك إلى غفلتنا عن مكر العدو وحيلته ومؤامرته، ولا ينبغي عدّ العدوّ حقيراً لا حيلة له. فقولنا بأن الرجل يتصف بالبلاهة والحماقة للكلمات التي يُطلقها - كما يقولون ولربما يكون صحيحاً - لا يسوغ لنا الغفلة عن كيد العدو. بل يجب على الجميع النزول إلى الساحة بتدبير وفطنة ويقظة واستعداد تام. فالحرب العسكرية لا تتحقق، ولكن ثمة أمور لا تقل أهميةً عن الحرب العسكرية، فلنحذر ولننظر ما الذي يفعله العدو ولنخمّن ما الذي يريد فعله.

ثالثاً: العدوّ يعارض اقتدار الجمهورية الإسلامية، ويخالف كل عنصر وعامل يؤدي إلى قوتها وقدرتها. والواجب علينا، رغم أنف العدوّ، أن نسعى لازدياد عناصر الاقتدار في داخل الجمهورية الإسلامية. منها العلم الذي تخوضون غماره، وهو يمثل ساحة نزالٍ حقاً، وهو مدعاة لاقتدار البلد. ومنها القوة الدفاعية بما فيها الصواريخ وغيرها التي أثارت ضجيجهم. حيث يجب العمل على ازدياد القوة الدفاعية يوماً بعد آخر، وهي في ازدياد متواصل رغم أنفهم. ومنها القوة الاقتصادية التي لابد لكم من الاهتمام بها. والقوة الاقتصادية لا تُكتَسب بالتبعية لهذا وذاك. ولطالما ذكرتُ منذ زمن بعيد، بأني أوافق على الاستثمارات الأجنبية ولا أعارضها، ولا إشكال في أن تكون الاستثمارات غربية وأوروبية، ولكن لا ينبغي أن يتّكئ اقتصاد البلد على عمودٍ قد يتضعضع بعربدة رجل مثل ترامب. إنّ ذلك العمود المطمئن في اقتصاد البلد لابد وأن يكون مرتبطاً بالداخل، وأن يكون ذاتي التدفّق، وهو المتمثل في الاقتصاد المقاوم الذي تم إبلاغ سياساته ولابد من متابعتها. إذن هذه نقطة أخرى وهي ضرورة تعزيز عوامل وعناصر الاقتدار برمتها في الداخل، بما فيها القوة الدفاعة والقوة الإقليمية وأمثالهما.

رابعاً: لا ينبغي الاعتناء بإيحاءات العدو. ففي قضية الاتفاق النووي روّجوا لهذه الفكرة وهي أن اتفاقنا سيؤدي إلى زوال العِداء، وعدم الاتفاق يسبّب مواصلة العِداء. فاتّفقنا، ولكن لم ترتفع حالات العِداء، بل ازدادت. وهذا كان من إيحاءات العدو بأننا إن أعرضنا عن الاتفاق أو أخّرناه سيحدث كذا كذا. فلا يطرحون اليوم قضية أخرى وهي أننا إن لم نتّفق في الموضوع الفلاني - كحضور البلد في المنطقة الفلانية - قد يحدث كذا وكذا.. كلا، هذه هي من إيحاءات العدوّ. بل يجب علينا أن نفتّش عن مصلحتنا ونُدركها ونُقيّمها بأنفسنا، دون أن نأخذها من العدو.

خامساً: إن اتّكالنا على القوة الدفاعية ناجم عن تجربتنا. ففي يوم من الأيام كان البلد هذا - وكانت طهران هذه التي تتردّدون فيها باطمئنان بال وأمن والحمد لله - تحت القصف الصاروخي الصدامي، ولعل الكثير منكم لم يكن قد وُلد آنذاك. ولم نكن نملك أية وسيلة دفاعية، في حين كان الجميع يساعد صدام، بما فيهم أمريكا التي كانت تزّوده بالصواريخ والمعدات الدفاعية وحتى بخريطة ساحة المعركة والأقمار الاصطناعية، وفرنسا التي كانت تزّوده بالصواريخ والطائرات، وألمانيا التي كانت تزوّده بالمواد الكيميائية. إذ تعلمون أن الجيش الصدامي استخدم المواد الكيميائية في حالات كثيرة. ولدينا عدد كبير من المعاقين بالأسلحة الكيميائية، وقد استشهد الكثير منهم. حيث كانت ألمانيا هي التي تزوّده بالمواد الكيميائية ليصنع منها قنابل كيميائية، بل وربما كانوا يزّودونه أحياناً بالقنابل الكيميائية. فقد ساعده الجميع، ونحن كنّا صفر اليدين دون أدوات ومعدّات. ولذلك فكرنا في ضرورة أن نصنع وسائلنا الدفاعية، وبدأنا في الواقع من الصفر. ولو رويتُ وصوّرتُ لكم - ولم يبق متسع من الوقت للأسف - ما هو الشيء الذي استطعنا إطلاقه لأول مرة على مدى نحو عشرين كيلومتراً لضحكتم ربما! كانوا قد صنعوا شيئاً يشبه الميزاب ليتسنى لنا من خلاله إطلاق قذائف الـ «آر. بي. جي» بشكل من الأشكال ليصل إلى حوالي خمسة عشر أو عشرين كيلومتراً.. هكذا شرعنا. ثم تمكّنا من العمل على زيادة القدرات. وعندما ازدادت قدراتنا وشاهد العدو أننا نستطيع الرد بالمثل توقف (عن المسير)., هذه هي تجربتنا. وإعرضنا عن ازدياد قدراتنا الدفاعية، سيؤدي إلى جرأة العدوّ ووقاحته وتشجيعه على مهاجمتنا. ولذا يجب أن تكون قدراتنا الدفاعية بحيث لا تُشجِّع العدو على القيام بأي مبادرة وعلى ارتكاب أي حماقة.

سادساً: لقد أكّدت الدول الأروبية على الاتفاق النووي، حيث ارتكب (ترامب) حماقة وقال بأني أمزّقه وأفعل كذا وكذا، فأدانوه وقالوا لا ينبغي لك تمزيقه وهذا جيد جداً، يعني أننا نرحّب بهذا المقدار ولكنه غير كافٍ.. لا يكفي بأن يقولوا له: لا تمزّق الاتفاق النووي! فإن الاتفاق هذا يصبّ في مصلحة الأوروبيين والأمريكيين أيضاً ومن الطبيعي ألّا يوافقوا على تمزيقه. ونحن بدورنا قلنا: طالما لم يمزّقه الطرف الآخر، نحن أيضاً لا نمزّقه ولكن إذا مزّقه سنحوّله إلى فتات. علماً بأني كنتُ قد قلتُ شيئاً آخر فيما مضى*، إذن فهذا المقدار جيّد ولكنه لا يكفي.

أولاً: على الأوروبيين أن يقفوا في وجه إجراءات أمريكا العملية، فإنها حتى وإن لم تمزّق الاتفاق ولكن قامت بانتهاكه بهذه العقوبات مثلاً أو هذه الإجراءات التي يتوقّعون أن يصادق عليها الكونغرس الأمريكي، فعلى الأوروبيين أن يقفوا في وجهها كفرنسا وألمانيا، وبالطبع فإننا لا نتوقع من بريطانيا توقّعاً كبيراً.. يجب عليهم أن يواجهوهم ولا يكفي قولهم بأننا نخالفكم.

هذا أولاً وثانياً: أن يتجنّبوا التدخّل في قضايانا الأساسية من قبيل قدراتنا الدفاعية وأمثال ذلك، وألّا تجتمع كلمتهم مع أمريكا. وأما أن تأتي الدول الأوروبية لتكرر نفس ما يقوله متسائلاً: لماذا هذا الحضور الإيراني في المنطقة؟ لتُفقأ أعينكم! لماذا لا تكون حاضرة؟ أو أنه يتبجّح قائلاً: لماذا تمتلكون صاروخاً على مدى ألفي كيلومتر أو ثلاثة آلاف كيلومتر مثلاً، فيكرّر الأوروبيون نفس هذا الكلام.. هذا لا معنى له! وما شأنكم بذلك؟ أنتم لماذا تمتلكون الصاروخ؟ لماذا تمتلكون الصاروخ الذري؟ لماذا تمتلكون الأسلحة الذرية؟ أن يتدخلوا في القدرة الدفاعية للجمهورية الإسلامية ويتحدثوا بشأنها فهذا ما لا نقبله أبداً من الجانب الأوروبي، فلا يتناغموا مع أمريكا في غطرستها وفي كلامها الزائف.. هذا سادساً.

سابعاً: على المسؤولين الاقتصاديين أن يحملوا قضية الاقتصاد المقاوم على محمل الجد. ومن أولويات الاقتصاد المقاوم الإنتاج الداخلي ومنع الاستيراد والحيلولة دون تهريب البضائع. هذه السنة هي سنة توفير فُرص العمل. ونحن الآن في النصف الثاني من الشهر السابع (الشمسي)، وهذا يعني انقضاء أكثر من نصف السنة. فلابد من زيادة النشاطات في مجال توفير فرص العمل والإنتاج الداخلي والمحلي، ومضاعفة العمل وتفادي حالات التأخر. حيث كنّا لمدة من الزمن مشغولين بقضايا الانتخابات والأقوال الانتخابية وما شاكل، والوقت مضى، ويجب عليهم التعويض لنتمكّن من الوصول إلى النقطة المرجوّة في هذا المضمار. وسبق أن قلتُ بأننا نرحّب بالمستثمر الأجنبي، ولكن لا نعقد الآمال على عمله إذ لا يمكن الوثوق به. حيث يأتي المستثمر الخارجي اليوم، وغداً يخلق لنا مشكلة بسبب حادثة ما. فليأتِ المستثمرون الأجانب وليستثمروا، ولكن يجب أن يستند اقتصاد البلد إلى الطاقات الداخلية التي ليست بالقليلة بل هي كثيرة. والأعمال التمهيدية الأولى التي يجب النهوض بها، أعمالٌ واضحة وجيدة، وقد أشار لها الدكتور السيد ستاري. وهذا المنطق منطق صحيح أن اقتصادنا هو اقتصاد نفطي، قائم على الموارد، بمعنى أن تبيع رأس المال باستمرار وتأكل منه، وهذا ما يجب أن يتغيّر وأن يقوم على أساس القيمة المضافة. بل حتى الأحجار الثمينة التي تُستخدم في البناء والمتوافرة في بلدنا، يتم تصدير الكثير منها إلى الخارج من دون تهيئة وإعداد، وهذا أمرٌ مذهل جداً، وبعض وزرائنا قد قصّروا حقاً في هذه المجالات.. هذه بضعة نقاط حول القضايا السياسية.

والنقطة الأخيرة التي دوّنتها هنا، إنما هي خطابٌ موَجَّهٌ لكم أنتم الشباب الأعزاء. أيها الشباب! اغتنموا الفرصة. ثمة اليوم فرصة متاحة لكم في سبيل أن تصنعوا مستقبل بلادكم. فإنّ زمانكم يختلف عن زمن شبابنا. حيث كانت فترة شبابنا فترة عسيرة لا أمن فيها. وفي مثل أعماركم كنا إما في السجون أو تحت الضغوط أو تحت التعذيب أو في المنفى. وحين انتصرت الثورة، وفي سنيّها الأولى، كان العمل والجهد متواصلاً ليل نهار، ولم تكن هناك فرصة للاستراحة. وبعد سنة أو سنتين أصبحتُ رئيساً للجمهورية، وبعض الذين كانوا معنا لم يتربّعوا على كرسيّ الرئاسة، وكانوا عاكفين على العمل. وأنا الذي تسنّمت مسند رئاسة الجمهورية كنتُ أعمل وأجدّ بطريقة أخرى. وهذا يعني أننا تجشّمنا العناء حقاً في الفترة التي كنا فيها بمثل أعماركم وما بعد ذلك بقليل. وأما أنتم فتنعمون بالأمن والهدوء والاستقرار، وتتوافر لكم فرصة علمية، ولكم قدراتكم، ويجري تشجيعكم وتكريمكم. فاعرفوا قدر ذلك واغتنموا هذه الفرصة.

إنّ جوهرة الشباب الثمينة متاحة لكم، وهذه هي الجوهرة الثمينة التي سيسألنا الله تعالى عنها يوم القيامة: كيف قضيتم شبابكم؟ فإنها من الأمور التي سنُسأل عنها وعلينا الإجابة. فلا تغفلوا عن الواجب الإلهي والواجب الوجداني، وابذلوا مساعيكم ما استطعتم، وستكون مساعيكم هذه ناجعة، أي سيكون بمستطاعكم، إذا كانت مسيرة البلاد خاطئة، أن تعيدوها إلى الطريق الصحيح، وأن تعالجوا تلك المواطن التي فيها إشكال. ولحسن الحظ فإن الاتجاه الذي يسير عليه البلد اتجاه صحيح، وتوجد بالطبع إشكالات ونواقص كثيرة هنا وهناك، ولكن المسير يسير باتجاه صحيح، ولذا يتسنى لكم رفع الإشكالات، والمساعدة على ألّا يتغير الاتجاه الصحيح ولا يصاب بالانحراف. وهذه مهمة بمقدوركم أنتم الشباب العلماء النهوض بها. فاغتنموا هذه الفرصة واعلموا أن الله تعالى سوف يعينكم بإذنه ومشيئته: ﴿وَالَّذِينَ جٰاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِينَّهُمْ سُبُلَنَا﴾، ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ»، فإنّ الله يهدي قلوبكم نحو الشيء الذي يجب أن تقوموا به. فاجعلوا نواياكم نوايا الشعور بالمسؤولية وأداء الواجب واجعلوها نوايا إلهية، وسوف يعينكم الله بإذنه، وأنا واثق من أنكم، بعد عشرات السنين حين تُمسكون بزمام الأمور في البلاد إن شاء الله، ستشهدون إيران أفضل بكثير وأكثر تقدماً ونظماً وترتيباً من الحاضر، وسوف تكون بيدكم إدارتها إن شاء الله.

والسلام ‌علیکم ورحمة الله وبرکاته