موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

كلمة قائد الثورة الإسلامية المعظم خلال إستقباله جمعاً غفيراً من العمّال لمناسبة يوم العامل

 

بسم الله الرحمن الرحیم (1)

والحمدلله ربّ العالمین، والصلاة والسلام علی سیدنا ونبینا أبي القاسم المصطفی محمد، وعلی آله الأطیبین الأطهرین المنتجبین، سیّما بقیّةالله في الأرضین.

نرحّب بكم أجمل ترحيب أيها الإخوة الأعزاء، والأخوات العزيزات، وكل من له صلة بالعمل، من العمّال والنخب العمالية والموفرين فرص العمل ورجال الحكومة المعنيّين بالأمر، ونبارك لكم جميعاً حلول هذا العيد. فقد اقترنت الولادة العطرة لسيد الشهداء (سلام الله عليه) في هذا العام بهذه الأيام المتعلقة بالعمل والعامل، وهذا ما نتوسّم به خيراً. سائلين الله جلّ ذكره أن يوفّقنا للاستنارة بأنوار أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) في رؤية الطريق وسلوكه، بغية أن تتسنى لنا معالجة المشاكل التي نعاني منها.

سأتناول الحديث أولاً فيما يخص قضية العمل والعامل وما يحيطها من أمورٍ هامة، ثم أتحدث ببضع كلمات عن بعض القضايا المعنية الأخرى التي تهمّنا وتهمّكم.

لمن دواعي الحمد أنه قد تجلت محبة أبناء شعبنا ومودتهم لأبي عبد الله الحسين (عليه السلام) وظهرت بالكامل، سواء في هذه الأيام وبمناسبة مولده، أو في ذكرى شهادته، أو في أيام الأربعين. فإن الناس يعبّرون حقاً عن ولائهم لسيد الشهداء (عليه الصلاة والسلام). وهذه المعرفة والمودة بالنسبة لنا ولأبناء شعبنا مبعث فخر واعتزاز.

في يوم العامل وبهذه المناسبة، لابد لنا أن نتعرض لموضوع العامل في البلد، وأن نتطرق كذلك لقضية فرص العمل التي يرتبط ضلعٌ من أضلاعها بالعمل والعامل. ذلك أن قضية فرص العمل تعتبر حقاً من مشاكل البلد التي يجب معالجتها.

فيما يخص قضية العامل نقول بأنه قد تكرر الحديث عن أهمية العامل مرات ومرات على لسان الجميع وبمختلف الأساليب. فلو أراد بلدٌ أن يمتلك اقتصاداً متقدماً مستقلاً، وأن ينتعش اقتصادياً بكل ما في الكلمة من معنى، عليه أن يولي اهتمامه بطبقة العمال. لأن العامل يمثل العمود الفقري للاقتصاد المنتج في البلد، وهذا أمرٌ لا ريب فيه. والسبب من رفعنا راية الإنتاج المحلي في الآونة الأخيرة وتأكيدنا المتواصل عليه، يعود في الدرجة الأولى إلى العمّال. فلو أردنا أن يتمتع مجتمعنا العمّالي بمزايا وحقوق تليق به، لابد لنا من التشديد على قضية الإنتاج الوطني. ذلك أنّ العامل في المجتمع لو اطمأنّ لعمله وروعيت تلك المستلزمات - التي أشرتُ إليها فيما مضى وسأذكرها اليوم أيضاً باختصار - لتحسّنت أوضاع بلادنا الاقتصادية. فإن مشاكلنا الاقتصادية ليست بالمستعصية، وما من مشكلة لا سبيل لمعالجتها ولا عقدة لا طريق لحلّها. ولكن علينا - وعلى المسؤولين - أن نكتشف الطريق بشكل صحيح، وأن نشحذ هممنا ونبذل جهدنا من بعد ذلك.

والعمل الأساس في هذا المضمار هو مراعاة حال المجتمع العمالي والاهتمام به وأخذه بنظر الاعتبار. فلابد أن تتلمّس هذه الشريحة التكريم والاحترام، وأن تشعر من الآخرين معرفة قدرها وقدر عملها، ولو تحقق هذا، لاضمحلّ السأم والتقاعس وإهمال العمل، ولتم إنجاز الأعمال بالشكل الصحيح.

ومن مستلزمات هذا الأمر إشاعة ثقافة العمل وأهميته. نعم، هناك من هو متعطش لممارسة العمل ولكن لا يعثر عليه، وهناك أيضاً من لا يبتئس بالبطالة. فعلينا أن نعمد إلى إشاعة ثقافة العمل وقيمته وأهميته في المجتمع، حتى يتبوّأ العمل مكانته في الرؤية العامة لأبناء شعبنا، وهذه من الضروريات. فالمهم أولاً هو العمل، ثم يليه نوع العمل في الدرجة الثانية. ذلك أنّ قولنا: لا نرغب في مزاولة هذا العمل، ونودّ أن يُقدَّم إلينا ذاك العمل، يأتي في المرحلة الثانية، وأما المرحلة الأولى فهي نفس الانشداد إلى العمل والشوق له، وهذا ما ينبغي الترويج له في المجتمع والتعريف به على أنه أمرٌ قيم، بحيث لو قال فردٌ: «أنا عامل»، يشعر بالفخر دون الحقارة، وهذه هي حقيقة الأمر. فلو جمعنا ثروات الدنيا برمتها، واجتمع أثرياء العالم بأسرهم في مكان واحد، لا يمكن أن يجدي هذا نفعاً دون وجود عامل يمارس مهمة العمل. فالعامل يمثل العمود الفقري للاقتصاد والإنتاج.

ولطالما ذكرتُ بالطبع أنّ لكل قطاع حصته، ولكلٍّ من الموفّر فرص العمل وربّ العمل والعامل والمدير الحكومي نصيبه، ولو تعاونت هذه العناصر المختلفة فيما بينها، لأُنجز العمل في منتهى الروعة والجودة والكمال، وهذا واضح، فعلى الجميع أن يتعاونوا فيما بينهم، ولكن لابد من إظهار دور العامل - بصفته محوراً للحركة والنشاط وتوفير فرص العمل في البلد - على أنه دور قيّم يبعث على المجد والشموخ، بحيث لو سألوا أحداً أو شاباً: ما هو عمل والدك؟ عليه أن يقول بكل فخر واعتزاز: إنه عامل، كما أنه يقول بفخر: إنه مدير مثلاً، وهذه خطوة في غاية الأهمية.

ومن المستلزمات الأخرى الأمن الوظيفي الذي له صلته بالمسؤولين الحكوميين. حيث يعتبر الأمن الوظيفي للعاملين وتأمين معاشهم أمرٌ بالغ الأهمية. فلابد من متابعة أقوال السيد الوزير التي أدلى بها هنا كلمة بكلمة، ومن العمل على كل واحدة منها، ومن السير والتحرك. وعلى الجميع أن يشعروا بالمسؤولية لتحقيق هذه الحقائق. ومن هنا فالكل مسؤول، بما فيهم الحكومة وربّ العمل والعامل وموفّر فرص العمل، والجميع يتحمّل المسؤولية كلٌّ بحسبه. وبالتالي فإن أداء المسؤوليات يؤدي إلى إنجاز العمل بشكل صحيح.

إنّ كلامي هذا لم يصدر على سبيل الموعظة وتقديم النصيحة، وإنما أهدف من ورائه تبلور فكرة عامة وإيجاد مطالبة عامة لتحقيق هذه المطاليب. كما أنّ الهدف من وضع شعار «الاقتصاد المقاوم» لهذه السنة وتكراره، تثبيت هذه المطالبة العامة في القلوب وإظهارها على الألسن وفي العمل وانتهاج الجميع هذا النهج. فإنه حين يتبدّل أمرٌ إلى خطاب عام ومطالبة عامة سيتحقق لا محالة، ومعنى ذلك أن المسؤولين أيضاً سيتّجهون صوب هذا الاتجاه.

ثمة نقطة لا ينبغي نسيانها وعلى نظام الجمهورية الإسلامية حقاً أن يتقدم ببالغ الشكر للمجتمع العمّالي عليها. أنتم تعلمون بأن طبقة العمال تلعب دورها في قضايا العالمالسياسية والاجتماعية. واعتصام العمّال في المصنع الفلاني أو الجهاز الفلاني أو مختلف القطاعات الأخرى، يسدد للدول ضربات اقتصادية وسياسية هامة. ولقد سعى الأعداء منذ اليوم الأول لانتصار الثورة الإسلامية لأن يوظّفوا هذا السلاح في مواجهة الجمهورية الإسلامية، وحاولوا بنحوٍ من الأنحاء أن يحّرضوا العمّال منذ اللحظة الأولى على أن يتركوا تأثيراً سياسياً سلبياً على نظام الجمهورية الإسلامية، بيد أن العامل دوماً وقف إلى جانب الجمهورية الإسلامية ودعم النظام الإسلامي. والحقيقة تدلّ على أن شريحتنا العمالية صفعت أعداء النظام الإسلامي على مدى هذه الأعوام الثلاثين ونيّف! وبفضل الله ستختطّ نفس هذا الخط بعد اليوم أيضاً. ذلك أنّ مجتمعنا العماليّ مجتمع متدين، ورغم كلّ الجهود التي يبذلها العدوّ، يسير على منهاج واجبه الإلهي والإسلامي، ويعمل بالتأكيد إلى جانب النظام وفي سبيله ولخدمته، وهذا ما يجب على الجميع تثمينه ومعرفة قدره.

أودّ الآن أن أتناول قضية فرص العمل أيضاً. تعتبر هذه القضية أوسع نطاقاً من قضية العِمالة، وهي للبلد أمرٌ في غاية الأهمية. نحن الآن نعيش أيام الانتخابات، وسأطرح بعض النقاط في هذا المضمار، فعلى كل من يتولى زمام الأمور في البلد أو يتقلّد منصباً اقتصادياً في الحكومة المقبلة، أن يشمّر منذ اليوم الأول عن ساعد الجدّ للاهتمام بقضية توفير فرص العمل. وهذا ليس بالشيء الذي يجوز للمرء تأجيله والتسويف فيه، بل عليه منذ اللحظة الأولى أن يبادر إليه. وتحقيق هذا الأمر على يد المسؤولين بالشكل المناسب في داخل البلد يؤدي إلى الحدّ من الآفات الاجتماعية ومن مشاكل الشباب المختلفة ومن الأضرار الكثيرة الناجمة عن العطالة والبطالة. فالمخدرات وتهريبها التي ننفق كل هذه الأموال لمكافحتها، يعود جانبٌ منها إلى وجود البطالة والعاطلين عن العمل وفقدان فرص العمل. ومن هنا يعتبر توفير فرص العمل فائق الأهمية ويقف في الدرجة الأولى.

وسبق أن ذكرنا بأن هناك ترابط بين فرص العمل والإنتاج الوطني. فلو أردنا توفير فرص العمل في البلد، علينا أن نولي اهتمامنا بالإنتاج الوطني، وذلك بمعناه العام المتمثل في الإنتاج الصناعي والزراعي والخدمي. فلابد أن تؤخَذ هذه جميعاً بنظر الاعتبار وأن يتم التخطيط والبرمجة لها. وهي ليست بالأمور التي يسوغ لنا أن نماطل فيها، بل يجب، في أول فرصة، على المسؤولين المعنيين - أياً كان المسؤول وأياً سيكون - أن يتعرضوا لها. ومن هنا فإن هذه القضايا تمثّل الأولوية الأولى للنظام.

ولأتطرّق لقضية الانتخابات ببضع كلمات. بدأت تسود الساحة الانتخابية في البلد أجواءاً ساخنة والحمد لله، وهذا أمرٌ فائق الأهمية والضرورة، ولا ينبغي إهماله والتغافل عنه. فقضية الانتخابات تقع على جانب كبير من الأهمية. ولدنيا في هذا الشأن كلام مع الناس وكلام مع المسؤولين وكلام مع المرشحين.

وخطابي في الدرجة الأولى موجّه للناس، فليعلم أبناء شعبنا الأعزاء بأنّ تواجدهم في الساحات المختلفة هو الأمر المصيري، ولكنه يقررّ مصير أي شيء؟ إنه يقرّر مصير الأمن القومي، ذلك أن الناس لو نزلوا إلى الساحة، ستنعم البلاد بالأمن. وما ترونه من أنّ الأعداء المتسمين بالوقاحة والصلافة والتفرعن يرتدعون عن النهوض بأيّ عملٍ شديدٍ لمواجهة الجمهورية الإسلامية، فإن ذلك يعود إلى حضور الناس وتواجدهم، وإلى أنّ الأعداء يخافون منهم حقاً. والكلام هذا لا يعدّ تحليلاً، بل حقائق مبنية على وثائق لا تقبل الشك والريب. فالعدوّ الذي يرمي إلى مناوءة هذا النظام، حين يشاهد تواجد الناس في الساحات، يضطرّ إلى التراجع والإقلاع عن العدوان. ولكن إيجاد شرخٍ بين الشعب والنظام وعدم نزول الناس إلى الساحة، يؤدي إلى أن يكون الأعداء بمقدورهم القيام بما يحلو لهم، وليس هذا عليهم بالأمر العسير، ويمكّنهم من ممارسة مختلف الأعمال، كما فعلوا في شتى بقاع العالم. ولكنهم عجزوا عن القيام بعملٍ في إيران الإسلامية وعن التطاول عليها، بسبب حضور الناس وتواجدهم.

نسمع أحياناً، وقد سمعنا من قبل قول البعض بأننا حين تسلّمنا مقاليد الأمور، تمكّنا من إزالة شبح الحرب عن البلاد، بيد أنّ هذا كلام خاطئ. واسمعوها مني: إن ذلك الشيء الذي أزال شبح الحرب وشبح تطاول العدو على مدى هذه الأعوام الطويلة عن البلاد، هو تواجد الناس ونزولهم إلى الساحة.

ولكن كيف يتم إظهار هذا التواجد والحضور؟ الانتخابات هي التي تجسّد أجلى مظاهر الحضور؛ هذا هو حديثي مع الناس. فإني لا أوصي أبناء الشعب بأن يصوّتوا لصالح فلان ولا يصوّتوا لصالح فلان، ولا أقول هذا لهم على الإطلاق. ولكن أوصيهم وأشدّد عليهم بالحضور مؤكداً عند صناديق الاقتراع والتصويت لأيّ فردٍ يحدّدوه بأنفسهم، وهذا ما يجب تحققه. فعلى كلّ من يهفو قلبه للبلد وكل من يحب النظام وأمنه من أبناء الشعب أن ينزل إلى ساحة الانتخابات ويحضر عند صناديق الاقتراع، فإن هذا هو الذي يدفع شرّ الأعداء.

أولئك الذين يعادون شعوبهم، يحاولون استعراض مناصرة الشعب لهم أمام أعين القوى ولكن دون جدوى. فالشعب مناصر لنا ومساير للنظام، وقلوب أبنائه تهفو لهذا النظام، وقد تجشمت العناء وذلّلت العقبات الكؤود في سبيله على مدى زهاء أربعين عاماً، وقدّمت مساعدات حيوية لنظام الجمهورية الإسلامية. فالتطور الذي توصّلنا إليه، والاقتدار الذي تتسم به الجمهورية الإسلامية راهناً، والنفوذ الذي تتميّز به في المنطقة، كله بسبب حضور الناس وتواجدهم ومساعداتهم.

ولكم أن تلاحظوا أنّه أيما شابٍّ من شبابكم ينال الشهادة في أي منطقة ومن أيّ مدينة أو محافظة أو زاوية من زوايا البلد كان دونما فارق - وهذه قضية تابعتها بدقة - نجد الناس يهبّون للتعبير عن محبتهم ومودتهم لأمثاله بكل شوق وتوق، ما يدعو إلى دهشة المرء وحيرته. ولكن ما هو السبب في ذلك؟ السبب هو أنّ مسيرة النظام وتوجهاته مطلوبة لدى الناس، وهم على علم بأنّ نظام الجمهورية الإسلامية يبذل مجهوده في سبيل تحقيق عزتهم وأمنهم وتقدمهم، ولقد قطع يد العدوّ التي كانت قد تطاولت على البلد، وهذا ليس بالعمل الهيّن وإنما هو إنجاز كبير.

انظروا إلى الدول النفطية كيف تضع نفطها وعائداتها وثروتها في متناول الأجانب وتفتح لهم الأبواب من أجل أن تتربع على كرسيّ الحكم وتتمتع بملذّاته لأيام أُخَر، وهذا هو الوضع الذي كان سائداً في بلدنا إبّان عهد الطاغوت أيضاً. حيث الآلاف من القوات الأمريكية في هذا البلد كانت ترتزق على أموال الشعب وتتحكم في مقدراته وتفرض رأيها على المسؤولين - من أعلاهم إلى أسفلهم -، وكذلك الحال في الأماكن الأخرى. فظهرت الجمهورية الإسلامية وقطعت يد العدو، وبدّدت تلك القيود التي كان العدو قد فرضها على البلد، ودفعت البلاد إلى الأمام. حتى أصبحت إيران اليوم بلداً مقتدراً ذا سمعة حسنة وفي نموّ متسارع، وهذا أمرٌ كبير الأهمية، والناس على علمٍ به، ولذلك يناصرون النظام ويقفون إلى جانبه. وأقول بأن مسايرة الشعب لنظام الجمهورية الإسلامية يتجسّد في الحضور عند صناديق الاقتراع؛ هذا هو أساس حديثنا فيما يتعلّق بالانتخابات.

والنقطة الأخرى التي أودّ أن أطرحها على الناس هي ألّا يمرّوا على قضية الانتخابات مرور الكرام، وأن يكون تصويتهم نابعاً عن تأمّل وتدبّر. فلو انبثق انتخابنا عن فكر وتعقّل، وكان صوتنا قائماً على أساسٍ منطقي، سنُعذر أمام الله حتى ولو أخطأنا. ولكن إذا ما عملنا دون مطالعة ودقة وتفكير، سنكون مسؤولين أمام الله وأمام أنفسنا كذلك، وسنقول بعد ذلك:"يا للأسف! لم نفكّر بشكل صحيح في هذه القضية". أي أننا ندين أنفسنا بأنفسنا. ولكن إذا ما لجأتَ إلى التفكير والمطالعة والاستشارة، وبادرتَ إلى التصويت استناداً إلى فكرة محددة، ستنال رضا الله لأنك أدّيت ما عليك، وسيرضى عنك ضميرك أيضاً، وستقول: "لقد قمتُ بواجبي حتى لو كنتُ أخطأتُ الطريق، وهذا ما قد يصدر من الجميع، ولكني أدّيتُ ما عليّ". هذه هي النقطة الأخرى التي أردت طرحها على الناس.

والآن أوجّه خطابي إلى المرشحين المحترمين - وهم ستة أشخاص من السادة الكرام - وأقول لهم أولاً: أخلصوا نواياكم لله، وليكن هدفكم إسداء الخدمة لا الوصول إلى السلطة. وأيّ واحد منكم إذا خاض حلبة الصراع من أجل تقديم الخدمة للناس ولاسيما للطبقات المحرومة، سيُكتب له في كل خطوة يخطوها وكلمة ينطق بها وحرف يتفوّه به حسنة، وسيؤجر عند الله. فانزلوا (إلى ساحة الانتخابات) بهذه النية، وهي نية الخدمة. هذه هي النقطة الأولى.

والنقطة الثانية هي أن تكون شعاراتكم الانتخابية بالطريقة التي يفهم الجميع منها أنكم تبتغون دعم الشرائح والطبقات الضعيفة في البلد، وإزالة المشاكل عمّن حلّت به من الناس. نحن كالعنصر الواحد، والمجتمع كالجسد الواحد للإنسان، فلنفتّش ونرى أيّ أعضائنا ضعيفة، وأيّ منها يفتقر للدم، وأيّ منها يحتاج إلى مزيد من العناية، ثم نولي اهتمامنا بها، وهذا لا يعني إهمال سائر أعضاء البدن، وإنما نجعل الأولوية لهذه الأعضاء المعنية.

إنني أحياناً ما أوجّه اعتراضات شديدة لشتى المسؤولين في مختلف الحكومات. علماً بأننا في الأعم الأغلب لا نطرح هذه الاعتراضات أمام الناس ولا نعرضها على الرأي العام، لأن الناس يستاؤون من الصراع والامتعاض، ولا طائل من وراء الإفصاح عنها، ولكنني في بعض المواطن أتحدث إلى المسؤولين باستياء وامتعاض كبير، ومن أهم هذه المواطن هي عدم مراعاة هذه الأولويات. ولكن ما هي الأولوية؟ هناك في البلد قطاعات مختلفة اقتصادية وثقافية وسياسية وعلمية وغيرها، ولكل قطاع أولوية لابد من مراعاتها ومتابعتها والمضيّ قُدماً فيها. فعلى هؤلاء السادة الذين رشّحوا اليوم للانتخابات أن يعقدوا العزم ويعاهدوا بارئهم، فيما لو أقبل الناس إليهم وصوّتوا لصالحهم، على مراعاة هذه الأولويات، وإيلاء المزيد من الاهتمام في القطاعات التي تحتاج إلى مزيد من العناية، ومتابعة البرامج بهذه الطريقة.

وليعلم الجميع، بما فيهم المرشحين الكرام، أنه لا يسعنا تنظيم أمور البلد وتحسين أوضاعه إلا بالعمل الجهادي الثوري. فنحتاج في جميع القطاعات إلى من يشدّ حيازيمه كالمجاهد، وبهذا تسير الأمور وتُفتح المغاليق؛ أي بالعمل الكثير الدؤوب الجهادي الذي يتسم بالنوعية والثورية. ولكن ما هي الثورية؟ يتصوّر البعض أن الثورية التي نتحدث عنها هي فقدان النظم؛ كلا، بل النظم يعتبر أحد الخطوط الرئيسية للنزعة الثورية. إنما الثوريةتعني ألّا ننشغل بالأعمال الهامشية والصورية والكمالية وأمثالها، والعمل الثوري يعني (قصر الطرق) للحصول على ترخيصة (مثلاً).

قبل فترة زارني عدد من المخلصين والمتدينين الموفّرين فرص العمل، وقالوا: إذا ما أراد المرء الحصول على ترخيصة لأمر بسيط - لا أريد ذكره ولا أروم الخوض في التفاصيل - عليه أن يذهب مثلاً إلى 20 أو 25 دائرة لأخذ الترخيصة. وهذا أمرٌ مجانبٌ للثورية. فالعمل الثوري يعني أنّ على أولئك الذين يحدّدون القوانين والضوابط أن يختزلوا السبل وأن يعبّدوا الطرق القصيرة للناس ولموفّري فرص العمل ولمن يريد إسداء الخدمة.. هذه هي الأعمال الضرورية. فعلى (المسؤولين) أن يشمّروا عن ساعد الجدّ والهمة وأن يعملوا حقاً.

وهناك توصية أخرى للمسؤولين القائمين على شؤون الانتخابات، سواء في وزارة الداخلية أو في مجلس صيانة الدستور أو في الإعلام - الذي يتمثل في الإذاعة والتلفزيون وأماكن أخرى - أو في شتى المراكز المختلفة التي تُعيَّن للإدلاء بالأصوات في يوم الاقتراع إن شاء الله، أن يحافظوا على أمانة الناس التي تتمثل في أصواتهم وحضورهم. فعليهم أن يصونوا هذه الأمانة ويحفظوها ببالغ الدقة والحذر، لئلا يتأتى للبعض التطاول على هذه الأمانة لا قدّر الله. كما ويجب عليهم أن يراعوا القانون بدقة، وألّا يجاملوا أي أحدٌ حياله، فالقانون سارٍ على الجميع، ولا يوجد أيّ استثناء في هذا الشأن. والالتزام بالقانون سوف يؤدي بإذن الله إلى إنجاز عملٍ صحيحٍ منشودٍ ومرضيٍّ عند الله تبارك وتعالى. ولطالما ذكرتُ وأعيدها اليوم أيضاً بأن أصوات الشعب تعتبر حقاً من حقوق الناس، وانتهاك الأصوات انتهاكٌ لتلك الحقوق، وما أصعب الالتزام بحقوق الناس.

إلهنا! نقسم عليك بحق محمد وآله محمد أن تمكّننا من تطبيق ما نقوله وما نرومه، وأن تجعل الروح الطاهرة للإمام الخميني الجليل وأرواح الشهداء الزاكيات راضية عنا، وأن تجعل القلب الأقدس لصاحب العصر (أرواحنا فداه) راضياً عنا.

والسلام علیکم ورحمةالله وبرکاته

 

الهوامش:

1- في بداية اللقاء الذي جرى في الذكرى العطرة لولادة أبا عبد الله الحسين (ع) وحلول يوم العامل، تحدّث السيد علي ربيعي وزير التعاون والعمل والرفاه الإجتماعي.