موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

كلمة قائد الثورة الإسلامية المعظم خلال إستقباله أعضاء لجنة إحياء ذكری شهداء محافظة جلستان

 

بسم الله الرحمن الرحيم (1)

أرحّب بكم أجمل ترحيب أيها الإخوة الأحباء والأخوات العزيزات الذين تفضّلتم بالمجيء إلی هذا المكان. كما وأتقدم بالشكر لحضرة السيد نورمفيدي وسائر الإخوة القائمين علی هذا الإنجاز العظيم وهذه الحركة الخالدة التي انطلقتم بها حول الشهداء الأعزاء في تلك الناحية.

إنّ قضية الشهداء قضية في غاية الأهمية، ونحن مازلنا لم نقيّم أهمية العمل الذي تصدی له شبابنا في هذه الفترة الطويلة التي أعقبت انتصار الثورة وحتی يومنا هذا، ولاسيما فترة الدفاع المقدس، تقييماً حقيقياً، ومعنی ذلك أننا مازلنا لم نقم بإبراز وإظهار ذلك الثقل الحقيقي الذي يتسم به هذا العمل في صيانة ثورتنا ونظامنا وبلدنا وعزتنا الوطنية ومستقبلنا وتأريخنا، بل ولربما لم نشخّصه أيضاً. ومن هنا فإن هذه الإنجازات التي تحققونها تعتبر بالغة الأهمية في هذا المنحی وفي هذا الصراط.

إن ما أدلی به حضرة السيد نورمفيدي من كلام فيما يخص قضايا الثورة كان وافياً وجيداً وصحيحاً بالكامل وكذلك كلام سائر السادة أيضاً. ورغم أن بعض ما قيل من موضوعات، له صلته بالحكومة، ولكن علی أي حال فإنها موضوعات تحوم حول منطقة هامة وهي منطقة جلستان.

أودّ أن أستعرض مناقب محافظة جلستان في بضع كلمات. تعتبر هذه المنطقة من حيث الطاقات الإنسانية والجماهيرية من المناطق المتميزة حقاً لأسباب مختلفة. أولاً ثمة نقطة فائفة الأهمية أكّد عليها السيد نورمفيدي، وهي أن الناس يعبّرون عن تعايش محمود ومؤثر بين الأقوام والمذاهب في مدينة جرجان ومنطقة جلستان وتركمن صحراء، وهذا في غاية الأهمية.

إن الأموال التي تُبذل اليوم لإثارة الاختلاف بين المذاهب الإسلامية وبين السنة والشيعة، وغرف العمليات - علی حدّ قول الغربيين - التي يجتمعون فيها للتفكير والتخطيط والبرمجة، لو يتم توضيحها للناس لأثار استغرابهم حقاً، بأن كل هذه الأعمال تُنجز من أجل ألّا يجلس مسلمان - أحدهم سني والآخر شيعي - إلی جانب بعض، ولا يتكلمون مع بعض، ويحملون الضغينة ضدّ بعضهم الآخر، ويتعادون، ويشهرون السلاح ضدّ بعضهم البعض. ولكن رغم كل ذلك فقد حدث في إيران الإسلامية عكس ما يبتغونه بالضبط، ومن أفضل المناطق في هذا المجال منطقة جلستان التي زرتها قبل الثورة وذهبت لبعض مدنها من قبيل كنبدقابوس وجرجان وكاليكش وغيرها، وأعرف كم يبذل الناس فيها من مساعٍ وجهودٍ في سبيل الحفاظ علی هذا التعايش والتعاون والمحبة المتبادلة. وهذا يقع علی جانب كبير من الأهمية، والواجب حفظه وصيانته.

قبل عدة أعوام وخلال زيارتي إلی جرجان، قصدتُ يوماً أو نصف يوم - لا أعلم مقداره - مدينة كنبدقابوس، وكانت الأغلبية الساحقة للجماهير التي اجتمعت في هذه المدينة للتعبير عن ولائها لنا، من إخواننا أهل السنة. وهذا يقف بالضبط علی الضدّ مما يقوم به اليوم السعوديون والتكفيريون ومن ورائهم أمريكا وأجهزة التجسس للمخابرات الأمريكية والبريطانية وأمثالهم. وهذا يعني أنه عملٌ سياسي هادف وموجّه وصحيح وقاطع بكل ما في الكلمة من معنی.. هذه هي واحدة من مناقب منطقة جلستان، وباعتقادي منقبة فائقة الأهمية.

في الآونة الأخيرة وقبل بضعة أشهر، وصلتني رسالة عن سيدة تركمانية كانت قد استشهدت في أحداث منی (2). حيث كتبت لي عائلة هذه السيدة بأنها سافرت إلی مكة بالنيابة عني أنا الحقير - في هذه الرحلة أو الرحلة السابقة - واستشهدت شخصاً علی ذلك، وهذا أمرٌ ذو أهمية كبيرة. سيدة تركمانية تذهب إلی مكة وتحجّ بالنيابة عني أنا الحقير، دون أن أعرفها وأسمع باسمها، ثم تستشهد علی ذلك أيضاً - حيث استشهدوا وكتبوا ووقعوا وأرسلوا هذا الاستشهاد لي قبل عدة أشهر - هذه تعتبر من نقاط القوة الحقيقية في بلدنا وفي أوساط شعبنا.

إن هذه الحرب غير المتكافئة التي يتحدثون عنها، تعني أنّ أحد الطرفين يتمتع بأدوات ومعدات لا يمتلكها الطرف الآخر، بل وأحياناً لا يعرفها، وهذه هي من مصاديقها. فإن هذه المحبة وهذه العلاقة وهذا الانسجام، أمورٌ لا يعلم بها الطرف الآخر المتمثل بالاستکبار العالمی والصهیونية وأمريكا أبداً، بل ولا يعرفها ولا يمكنه حتی تحليلها أيضاً.. هذه نقطة.

والنقطة الأخرى تتعلق بوفاء هؤلاء الناس للثورة وقضاياها. ففي عام 1964 قصدتُ مدينة جرجان، وكنتُ أرتقي المنبر فيها، وكان ذلك بعد عامٍ تقريباً من أحداث الخامس عشر من خرداد (1963/6/5)؛ في العشرة الثانية أو الثالثة من صفر، بيد أن ذلك التجمّع والحراك والاستقبال والحماس الذي كان يُبديه الناس، قد أثار استغرابي، وهو يدلّ على صحوة الناس وعُلقتهم بهذه الحركة، رغم أنّ الثورة يومذاك لم تنتشر بعد، والنضال لم يتسم بالشمولية.

ثم تلتها أحداث فترة الثورة أيضاً. فإن يوم الخامس من آذر (1978/11/26) الذي أشار إليه السادة، يعتبر يوماً مهماً في قضايا مدينة جرجان. فقد سمع الناس في هذه المدينة بالهجوم على حرم الإمام الرضا في مشهد، وانطلقوا بصورة طوعية، دون أن يدعوهم أحد أو أن يستضيفهم أحد، ونزلوا إلى وسط الساحة، وتعرّضوا للهجوم أيضاً. وهذا ما جرى نفسه بعد أسبوع أو أسبوعين في مدينة كنبدقابوس وفي مدينة كاليكش أيضاً، حيث نزل الناس إلى الساحة. أو في بداية الثورة وما جرت من أحداث على يد الماركسيين من مجزرة وحركة انفصالية، فإن العامل الرئيس الذي استطاع إنقاذ مدينة جرجان أو إنقاذ تلك المنطقة أو إنقاذ تركمن صحراء هو صمود الناس وثباتهم. لأن أولئك الذين عشعشوا في هذه المناطق وجنّدوا بعض العناصر فيها، لم يتمتعوا بدعامة شعبية، والجماعة التي لا تستند إلى ركيزة شعبية سرعان ما تلحق بها الهزيمة. فإن الناس كانوا مع هذا الجانب ومع الثورة ومن أنصار الإمام الخميني. على أيّ حال فإن مناقب الناس كثيرة والحمد لله.

وفي فترة الدفاع المقدس أيضاً، سطع نجم الجيش - الفرقة الثلاثين التي أشاروا إليها السادة في بداية اللقاء - وكذلك الفرقة الخامسة والعشرين التابعة للحرس الثوري في منطقة جلستان وجرجان، وحققوا إنجازات كبرى، وقد أشاروا اليوم إلى بعض هذه الإنجازات. ففي إحدى الأيام ذهبتُ إلى المقر وكان السيد نورمفيدي حاضراً أيضاً مع عدد من أهالي جرجان الأعزاء، ويبدو لي أن المرحوم السيد طاهري [أحد أعضاء مجلس خبراء القيادة] كان حاضراً كذلك، سائلين الله أن يتغمده برحمته ويرفع من درجاته، فقد كان له دور كبير في هذا المجال. على أيّ حالٍ فإن تواجدهم في جبهات القتال وأنشطتهم كانت تفوق التصوّر. وبالتالي مهما تحدثنا بشأن أهالي جرجان، لم نتحدث بالشيء الكثير. ومن هنا أبعث سلامي إلى أهالينا الأعزاء شيعة وسنة فرداً فرداً، ولاسيما علماء المنطقة من الفريقين؛ فليتحمّل حضرة السيد نورمفيدي بالنيابة عني هذا العناء، وليُبلغ سلامي أنا الحقير إلى جميع العلماء في تلك المنطقة وكافة المسؤولين الناشطين فيها وقاطبة الناس، فإني حقاً أشعر بالمحبة والثقة والإخلاص لأهالي جرجان.

ينبغي كما ذكرنا أن نحمل قضية الشهداء على محمل الجدّ. ويجب علينا أن ننعت الشهداء بنفس المبادئ والقيم التي نعتهم الله بها حيث قال: ﴿يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ﴾ (3). فإن أولئك الذين يجاهدون في سبيل الله ويحملون أرواحهم على أكفّهم، لهم منزلتهم سواء يَقتلون الأعداء أو يُقتلون، وقد وعد الله سبحانه وتعالى أن يتغمّدهم برحمته. وفي الأحاديث أن الذي يبذل نفسه في هذا الطريق، يشهد علائم رحمة الله وهو مازال لم يخرج من هذه النشأة؛ أي أن الشهيد كما في الروايات بمجرد أن يسقط من علی فرسه - حيث كانوا يقاتلون آنذاك علی الفرس - يتلقّی الوعد الإلهي قبل أن يصل إلی الأرض. ومعنی ذلك أن عينيه تتفتّح في هذه النشأة ويشهد الحقيقة ويدرك رحمة الله وفضله بشكل ملموس.. هذه هي منزلة الشهداء. ولولا هذه التضحيات وبذل الأنفس لما بقي هذا النظام، ولاقتُلعت هذه الغرسة التي تعرّضت لأعاصير شديدة. فإنّ السبب من وراء بقاء هذا النظام وعدم اجتثاث هذه الغرسة وتبديلها إلی شجرة باسقة، هو حالات الإيثار والتضحية والروح الاستشهادية والنزول إلی الساحة، وهذا ما يجب صيانته والحفاظ عليه. كما ولابد من معرفة العدو والوقوف علی مكائده.

ولكم أن تلاحظوا اليوم بأنّ إيران تمثل الهدف الأول الذي يستهدفه الاستكبار في مخططاته الأساسية الناظرة إلی القضايا العالمية والإقليمية؛ لماذا؟ بسبب الثورة الإسلامية، وبسبب هذا الشعب المؤمن، وبسبب الإيمان الإسلامي المتوافر في هذا البلد. فقد تعرّضنا لهجمات كثيرة، بيد أنّ الله سبحانه وتعالی منحنا القدرة والقوة، فأصبحنا نمتلك طاقة إنسانية، وبلداً مباركاً مترامي الأطراف، وكثافة سكانية كبيرة، وجيلاً شاباً موهوباً بصيراً مثابراً؛ هذه هي إمكانياتنا، وهي ليست بالإمكانيات القليلة، بل عظيمة جداً، ولابد لنا من استثمارها. والمخاطب لهذا الكلام في الدرجة الأولی هم المسؤولون، ومن بعدهم أبناء الشعب، فعلی الجميع أن يشعروا بالمسؤولية حيال هذا الحدث العظيم الذي تحقق، وهو رفع راية الإسلام، لأنه ليس بالأمر الهيّن. ففي تلك الفترة التي بذلت كل الأيادي والسياسات والقوی سعيها لعزل مطلق الدين ولاسيما الإسلام عن الساحة، استطاع أكثر الأديان حيوية وهو الإسلام العزيز وأكبر المتون الإلهية ناطقية وهو القرآن الكريم، أن يعلو في بلدٍ ويبسط هيمنته علی كل أرجائه، وبالإضافة إلی ذلك يحطّم الحدود الجغرافية ويدخل في شتی بقاع العالم، وهذه حادثة مذهلة وهامة للغاية. والعدوّ قد شاهد هذه الحادثة وشعر بالخطر، وشرع بجهوده ومساعيه لمناوءة النظام الإسلامي منذ اليوم الأول، إلا أنه لم يتمكن حتی اليوم من تحقيق شيء والحمد لله، وبعد اليوم أيضاً وبفضل الله لا يستطيع فعل شيء بكل تأكيد، ولكن شريطة أن نشعر جميعاً بالمسؤولية، بمعنی أن يعتبر كلّ واحد منها أينما كان، بأنّ واجبه الأول والأساس هو الدفاع عن النظام الإسلامي، وأن ينظّم حركته علی هذا الأساس. وعملكم هذا وهو إحياء ذكری الشهداء وتخليد أسمائهم وإقامة الملتقيات لهم، لا شك أنه يصب في هذا الاتجاه ويترك أثره في هذا الطريق، وسيبقی لكم بإذن الله صدقة جارية وحسنة خالدة، وسيثيبكم الله سبحانه وتعالی علی ذلك بمشيئته.

وحاولوا إيصال منشوراتكم ومنتوجاتكم هذه إلی الأذهان والمخاطبين. ومعنی ذلك أن لا نعوّل علی تأليف كتابٍ وحسب، ولا شك بالطبع أن تأليف الكتب وإنتاج الأفلام والنتاجات الفنية مهم، ولكن البحث عن المخاطب إلى جانب ذلك، أو بمعنی من المعاني إنتاج المخاطب مهم كذلك. حاولوا إيصال الكتاب إلی أذهان المخاطبين. فإن شبابنا اليوم بحاجة إلی أغذية فكرية. والكثير من هؤلاء الشباب المعاصرين حتی الناشطين والجيدين منهم، لم يدركوا الثورة ولا الإمام الخميني ولا فترة الحرب، وليس لديهم علم واطلاع بهذه القضايا المختلفة. فإنكم الآن قد تحدثتم عن اليوم الخامس من شهر آذر، ولكن هل يعلم شباب جرجان ماذا حدث في هذا اليوم؟ هذه قضية فائقة الأهمية. فليعلموا ماذا جری في هذا اليوم حتی تخلّد في التأريخ؛ هذا هو المهم. وهو بحاجة إلی إبداع وإلی دقة، وهناك دقائق وظرائف توفّر لكم إمكانية إدخال هذه المسائل إلی أذهانهم.

إن قضية السنة والشيعة التي طرحت - والتي تحدث بها هو [ممثل الولي الفقيه وإمام جمعة جرجان] وأنا أيضاً - قضية في غاية الأهمية، فليدرك الشباب الشيعة والسنة مدی أهميتها. ذلك أنّ الأعداء في الوقت الراهن أخذوا يستغلون هذه الاختلافات والنزاعات التي قد تحدث من هذا الجانب أو ذاك، وبات يستثمرها أمثال داعش والتكفيريين ومن لفّ لفّهم، وعلينا أن نحول دون استغلالهم، ولا يتحقق ذلك إلا إذا علم الشاب الشيعي والشاب السني بأن ما يقومون به اليوم من تناسق وتعايش وتآزر وتعاطف فيما بينهم، إنما هو إنجاز كبير جداً، ويمثل أكبر سلاح لمواجهة أعداء إيران وأعداء الإسلام وأعداء القرآن. فليعلموا ذلك وليحافظوا عليه. والواجب علينا أن نعكس هذه القضية وننقلها إلی أذهان مخاطبينا الشباب بشكل ملموس.

نسأل الله أن يوفقكم، وأن يرفع درجات الماضين منكم وعلماء جرجان الكبار - الذين كنّا نعرف البعض منهم عن كثب ونزورهم -، وأن يزيد من توفيقات الأعزاء الحاضرين في هذا المجلس - من السيد نورمفيدي وغيره من الإخوة الناشطين - يوماً بعد آخر، لترفعوا في هذا الطريق خطوات راسخة وثابتة إن شاء الله.

والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته

 

الهوامش:

1- في بداية اللقاء الذي تم في إطار اللقاءات العامة، تحدّث كل من حجت الإسلام والمسلمين السيد كلظم مفيدي ممثل ولي الفقيه في محافظة جلستان وإمام جمعة مدينة جرجان؛ السيد حسن صادقلو محافظ جلستان ورئيس الملتقى والعميد رحمة الله صادقي أمر قوات نينوى في محافظة جلستان وسكرتير الملتقى.

2- السيدة مرجان نازقلجي، قائممقام قضاء بندر تركمن السابقة.

3- سورة التوبة، جزء من الآية 111.