موقع مکتب سماحة القائد آية الله العظمى الخامنئي

كلمة قائد الثورة الإسلامية المعظم في مراسم تخرّج وتحليف ومنح رتب طلبة جامعات الضباط في جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية

 

بسم الله الرحمن الرحیم (1)

والحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام علی سیدنا محمد وآله الطاهرین‌

أبارك لكم جميعاً أيها الشباب الأعزاء، ويا أمل المستقبل في هذا البلد؛ سواء لأولئك الخريجين الذين خاضوا رسمياً ساحة القوات المسلحة وجيش الجمهورية الإسلامية، وأيضاً لأولئك الذين دخلوا حديثاً وتسلّموا رتبهم العسكرية في هذا العام واحتفلوا اليوم بمنطلق حركتهم المباركة. وهذا طريقٌ - كما قلتموه وسمعناه في أداء اليمين - حَسَن العاقبة. والحقّ يقال أن من أسمى مصاديق الطريق الـحَسَن العاقبة، هو الطريق الذي انتخبتموه أنتم.

أرى من الواجب عليّ أن أتقدّم بالشكر لقادة الأكاديميات العسكرية في الجمهورية الإسلامية التي توسّعت والحمد لله. ففي بداية الثورة لم يكن لدينا سوى كلية عسكرية واحدة، واليوم نشهد عدة جامعات وأكاديميات تمارس عملها في تربية الشباب وفي قطاعات شتى. فأشكر قادة هذه الأكاديميات، وأشكر قيادات القوى العسكرية الثلاث في جيش الجمهورية الإسلامية، وأشكر الأساتذة الكرام ولاسيما الذين يزاولون التدريس في هذه الدورات، وأشكر رجال الدين الأفاضل الذين يبذلون جهودهم في سبيل تربية هؤلاء الشباب الأعزاء دينياً، ويشاركون في مخيّماتهم وفي صفوفهم وفي جلساتهم بكل ودّ وإخاء.. أشكركم جميعاً وأبارك لكم.

إنّ هذا الطريق الذي اخترتموه أنتم أيها الشباب الأعزاء، طريقٌ عامرٌ بالبركة، وباختياركم لهذا الطريق، قد أنتجتم ثروة للبلاد. وها أنتم الشباب تمثّلون ثروة كبرى للبلد بكل ما في الكلمة من معنى. ففي كلّ بلد، لا توجد أيّة ثروة وأيّ مصدر قوة وطاقة أسمى من الطاقات الإنسانية الكفوءة المؤمنة المتحررة الشامخة، وأنتم اليوم مصداق لهذه النعمة العظمى وهذه الثروة الكبرى، فاعرفوا قدرها.

إنّ الشباب الأعزاء المعاصرين لم يدركوا الحرب المفروضة. ذلك أن جميعكم أو أغلبكم أنتم الشباب الأحباء المتواجدون اليوم في هذا الميدان قد وُلد بعد انتهاء الحرب. لقد كانت فترة الدفاع المقدس فترة مذهلة هامة وحقبة امتحان عسير. ففي الامتحانات تظهر حقيقة العظماء والمجاهدين وتتجلى جوهرتهم، وقد تجلت في الدفاع المقدس جوهرة جيش الجمهورية الإسلامية، حيث استطاع الجيش في قطاعات مختلفة وبعناصره المتعددة أن يحقق إنجازات باهرة كبرى. وأنتم قد طرق مسامعكم اسم الدفاع المقدس، وإنّ من المهام الضرورية جداً في هذه الأكاديميات وفي البيئة العامة لجيش الجمهورية الإسلامية ولاسيما في القوات المسلحة، هي التعرّف المتزايد على فترة الدفاع المقدس، فإنها لم تكن فترة طبيعية عادية.

منذ سنوات طويلة والهدوء والاستقرار قد خيّم على القوات المسلحة وهو يترقّب اليوم الموعود. واليوم الموعود هو ذلك اليوم الذي يتعرّض في بلدهم وشعبهم وحدودهم وهويتهم للهجوم؛ هنا تنبري القوات المسلحة للدفاع في الخطوط الأمامية، وتؤدي ما عليها من امتحان.

إبان الدفاع المقدس لم تتعرض حدود البلاد للهجوم وحسب، بل تعرض فيها كل شيء، من الهوية الوطنية، والنظام الإسلامي، وثورة الشعب الإيراني الكبرى، والمبادئ الكثيرة التي كان قد وضعها هذا الشعب العظيم نُصب عينيه؛ هذه كلها تعرضت للهجوم. ولم يكن نظام صدام البعثي هو الذي واجهنا فقط، بل كانت في حقيقة الأمر حرباً شاملة دولية شُنّت ضدّ الشعب الإيراني، حيث كان الناتو يساعد العراق، وأمريكا تدعمه، والاتحاد السوفيتي آنذاك يعينه، وكانت المساعدات المالية والمادية والدولارات النفطية تدرّ عليه كالسيل من قِبَل الرجعيين العرب، والإعلام - الذي كان ومازال في قبضة الصهاينة - كان في جميع أنحاء العالم يصبّ ليل نهار في صالح العراق وضدّ الجمهورية الإسلامية. وفي هذه المعركة العظمى والقيامة الكبرى، نهضت الطاقات الجبارة للشعب الإيراني، وقوة الإيمان، وقوة المقاومة، وقوة الثقة بالله، والقوة المستندة إلى روح الله، وعلى رأسها القوات المسلحة في نظام الجمهورية الإسلامية، وهذا هو القيام لله: ﴿أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى﴾ (2). فقد قاموا لله، ونزلوا إلى الساحة، وجنّدوا أرواحهم وقواهم وطاقاتهم.

يا أحبائي، أيها الشباب الأعزاء! هؤلاء هم أسلافكم، وأنتم من اقتفيتم آثارهم وتَرِثون مفاخرهم. ففي ذلك اليوم لم يكن الجيش عزيزاً في أنظار الناس بهذا المستوى، بيد أنّ أمثال صياد الشيرازي وبابائي وغيرهم من شخصيات الجيش الكبيرة ومن القادة والسادة الذين قدّموا كل تلك التضحيات، ووظّفوا في ساحات الحرب كل قدراتهم للوقوف أمام العدو؛ هؤلاء هم الذين صنعوا هذه المفاخر، وهم الذين منحوا جيش الجمهورية الإسلامية هذه الشعبية. ولقد شاهدتُ عن كثب حالات الجهاد، ورأيتُ ماذا كانوا يفعلون، وكيف أنهم قد وضعوا أرواحهم على أكفهم واستنفروا طاقاتهم.

أعزائي! جهّزوا أنفسكم وأعدّوها، سواء من الناحية العلمية والتَقَنية، أو من الناحية التنظيمية والانضباطية، أو من الناحية الإيمانية والعقيدية والروحية وهي الدعامة لكل تلك الجهوزيات، واجعلوا قلوبكم في هذا الطريق مع الله.

إنّ بلدكم هذا يتسم بالكِبَر والأهمية والعظمة، وشعبكم يتصف بالبصيرة والشجاعة والاقتدار، وهذا ليس بالكلام الذي نحن نُطلقه، بل بات يعترف به اليوم العالم بأسره، فإن أولئك الواقفون على مجريات الأمور والمستعدون للكلام، يُعلنون هذا جهاراً، والأعداء الذين ليسوا على استعداد للاعتراف بذلك صراحة، يُقرّون به في قلوبهم، وتظهر عقيدتهم وتصل إلى مسامعنا في كثير من الموارد. إنّ هذا البلد وبسبب استقلاله، وإيمانه، وعقيدته بالإسلام، واعتقاده بحاكمية الله في الأرض وفي المجتمع، وبسبب الـمُثُل السامية التي يتطلع إليها، يواجه جبهة معادية كبيرة تمارس عملها على الدوام. علماً بأنها منذ ما يقرب من أربعين عاماً وهي تحاول ممارسة الهجوم، ولكنها فشلت حتى اليوم، وبتوفيق من الله سوف تفشل بعد اليوم أيضاً. وعليكم في عملية إفشال العدوّ هذه أن تضطلعوا بأدواركم حقاً، ولذا يتوجّب عليكم إعداد أنفسكم.

إنني أطالب الأساتذة الكرام ورجال الدين الأفاضل الذين لهم صلتهم بهذه القلوب الطاهرة، وهؤلاء الشباب الأعزاء، وبكل تأكيد أن يبذلوا قصارى جهدهم في نقل تجاربهم وجهوزيتهم المعنوية والعلمية والروحية إلى هؤلاء الشباب الأحباء. وبتوفيق الله ولطفه سوف يُصنَع منكم في المستقبل رجالٌ كبارٌ يعتز بهم البلد إن شاء الله، ولكن شريطة أن تبذلوا جهودكم ومساعيكم.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفّقكم جميعاً، وأن يجعل غدكم أفضل من يومكم بكثير، وهذا ما سوف يتحقق بفضل الله، وسوف يكون مستقبل البلد أفضل بكثير وأكثر تقدّماً مما هو اليوم عليه.

إن الاسم المبارك لوليّ العصر (أرواحنا فداه) مدعاة لإضفاء البركة على حديثنا وعلى محفلنا، سائلين الله أن يستجيب في حقنا دعاء ذلك الإمام الهمام، وأن يجعل شهداءنا الأعزاء وإمامنا الخميني العظيم راضياً عنا وعن أدائنا.

والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته‌

 

 

الهوامش:

1- في بداية هذه المراسم التي أقيمت في جامعة الشهيد ستاري للعوم الجوية، تحدث اللواء عطاء الله صالحي القائد العام لقوات الجيش في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والعميد مهدي هاديان رئيس جامعة الشهيد ستاري رافعين تقريريهما.

2- سورة سبأ، جزء من الآية 46.